رواية (المحترم البربري)

 

المحترم البربري

الفصل الثلاثون
خرج مهزومًا من معركة لم يحارب فيها من الأساس، انسحب “مصطفى” بهدوءٍ شديد متعللاً بوجود حالة مرضية تستدعي وجوده للإشراف عليها، ألقى نظرة أخيرة مليئة بالحزن والقهر على حبيبة سكنت فؤاده لكنها لم ولن تشعر بحبه الكائن به، تنفس بعمق ليمنع عبراته من الانهمار مكملاً سيره المتعجل مودعًا الجميع دافنًا في نفسه آخر ذكريات حبه.
احتدت النظرات وقست الملامح مع أكثر ثنائي عدائية، أنقذ “آسيا” من جدال محتدم مع “معتصم” اقتراب ابنة عمه المبتسمة بإشراق “أية”، رمقته بنظرة حادة هامسة له بعبوس:
-بنت عمك جاية علينا
رد بعدم مبالاة:
-وإيه يعني؟
شحذت قواها لتحرر رسغها من قبضته، نجحت في ذلك رامقة إياه بنظرة حادة مزعوجة، ألهاه عنها سؤال “أية” المهتم:
-إيه رأيك يا “آسيا” في تنظيم الحفلة؟ يا رب تكون كل حاجة عجبتك
سحب “معتصم” يده للخلف مخبئًا الهدية الصغيرة في راحته لينظر بطرف عينه إلى ابنة عمه، تولى الإجابة عنها قائلاً بتهكمٍ:
-وهي تقدر تقول غير كده
حدجته “آسيا” بنظرة نارية ثم التفتت إلى “أية” لتجيبها بهدوءٍ حذر:
-ميرسي على تعبك معايا
ردت بحماسٍ:
-ولا تعب ولا حاجة، بس أنفع أكون Party Planner (منظمة حفلات)؟
أومأت برأسها مؤكدة:
-أكيد طبعًا
تنحنح “معتصم” مرددًا بسخريةٍ:
-دي بتجاملك بس عشان أنا واقف!
رفعت “آسيا” حاجبها للأعلى لترد مدافعة:
-أنا مش محتاجة أعمل كده زي ناس
ثم ابتسمت له بتكليف متابعة بتجهم دون أن تترك له الفرصة للرد عليها:
-عن إذنك!
أسرعت في خطاها لتبتعد عن إزعاجه المستمر لها، هللت لها “أية” وهي تشير بكفها:
-استني يا “آسيا” أنا جاية معاكي
ثم ألقت نظرة معاتبة على ابن عمها وهي تهمس له:
-بطل تبقى بايخ معاها!
لحقت بها متأبطة في ذراعها لتكملا حديثهما معًا، تبعتهما أنظار “معتصم” الذي انتصب في وقفته واضعًا في جيبه الهدية التي أحضرها لها، فكر مع نفسه قائلاً بتسليةٍ:
-بكرة الصبح هتلاقيها على تسريحتك!
ببساطة قرر أن يرسل هديته مع طعام الإفطار بصحبة الخادمة كي لا تجد أي فرصة للاعتراض، انتشله من تفكيره إحساسه باليد التي وضعت على كتفه، أدار رأسه ببطء للجانب ليجد “نادية” ترمقه بنظراتها الحنون، تقوس فمها بابتسامة لطيفة وهي تستطرد حديثها:
-حاسة إن ربنا عوض صبري خير بوجودك إنت و”آسيا” حواليا
أخفى ببراعة مشاعره الكارهة لابنتها قائلاً:
-المهم إنك تكوني مبسوطة
ردت متحمسة:
-أنا فرحانة بلمتكم، وربنا يبعد عنكم أي وحش
ثم مالت عليه لتسأله هامسة:
-بس إيه رأيك في “آسيا”؟
نظر لها بغموض متعجبًا من المغزى من وراء سؤالها الغريب، زوى ما بين حاجبيه وهو يجيبها:
-من ناحية إيه؟ أنا مش فاهم قصدك يا ماما
أجابته تلقائيًا:
-يعني أنا شيفاها اندمجت مع حياتنا والحمد لله في تحسن في صحتها، ده غير إن قرايبنا بيحبوها
هز رأسه بإيماءة متفهمة، لم يستطع تلك المرة إخفاء ضيقه من سذاجتها، عبست قسماته قائلاً بجدية:
-ما هو واضح
ثم أخفض نبرته ليضيف بتبرم:
-هي هتلاقي أحسن من كده معاملة فين
لم تلتقط أذناها ما يقول فسألته:
-بتقول إيه يا “معتصم”
رد مبتسمًا وهو يحاوط كتفيها بذراعه:
-بأقول طبيعي يعجبها الوضع هنا!
نظرت إليه لتوصيه:
-عاوزاك تعاملها كويس
رد بوجه ممتعض:
-وهو أنا كلمتها أصلاً، ما إنتي شايفة بنفسك!
تجهمت ملامحها الرائقة لتقول مدافعة عن ابنتها الوحيدة:
-يا حبيبي هي اتغيرت عن الأول بكتير، إنت مش شايف ده ولا إيه؟
رد بتهكمٍ ساخط:
-هو إنتي بتسمي فقدان الذاكرة ده تغيير؟!
زمت شفتيها لتقول بعدها:
-مش أحسن من حياتها اللي فاتت؟ على الأقل قدامها فرصة تعيش في مستوى أحسن بعيد عن اللي كانت فيه
نفخ بصوت مسموع فواصلت حديثها الجاد وهي تطالعه بعينين حانيتين:
-يا “معتصم” أنا عاوزاها تحس إن كلنا بنحبها وإن في أسرة حواليها بتخاف عليها، ومهتمية بيها، وتحميها وقت اللزوم، صدقني ده هايفرق معاها أوي، وكفاية اللي شافته قبل كده
بدا غير مقتنع بما تقوله، ابتسم مؤمئًا برأسه:
-ربنا يسهل
ردت “نادية” بحنوٍ:
-خلاص يا حبيبي، مش هاوصيك
علق “معتصم” ذراعها في ذراعه ليشرع في سيره معها وهو يقول:
-ماشي، تعالي نشوف ضيوفنا
……………………………………………
انقضت السهرة على خير فاعتقدت في نفسها أن عائلتها ستنعم بحياة مستقرة بعيدة عن المشاكل والإزعاج، خاصة أن ابنتها الوحيدة قد عادت إلى أحضانها، لم تعرف “نادية” أن السبب الرئيسي وراء تنغيص ماضيها سيعود اليوم وبقوة، انحنت الخادمة أمامها واضعة فنجان قهوتها، شكرتها الأخيرة مرددة:
-تسلمي
ردت الخادمة مبتسمة:
-أي أوامر تانية يا هانم؟
أجابتها بهدوءٍ:
-شوفي “آسيا” لو صحيت طلعيلها الفطار، هي أكيد تعبانة من سهرة امبارح
أومأت الخادمة برأسها مرددة:
-حاضر
لكنها انتبهت لصوت قرع الجرس، فتحركت في اتجاه الباب لتفتحه، استقبلت الضيف الغريب متسائلة بنبرة عملية:
-أيوه يا فندم
أخرج “شرف الدين” سيجاره الكوبي الفاخر من فمه ليطالع الخادمة بنظرات متعالية، التوى ثغره ببسمة ساخرة، فقد استطاع الوصول إلى عنوان زوجته السابقة دون عناء، فمعارفه ممن على صلة قد أمدوه بالمعلومات التي يحتاجها ليعرف أين تسكن، وبكل تكبر وازدراء سألها:
-صاحبة البيت ده موجودة؟
ردت متسائلة:
-قصدك “نادية” هانم؟
أشار لها بإصبعيه الموضوع بينهما سيجاره قائلاً:
-أيوه
تأملت الخادمة هيئته الموحية بالفخامة معتقدة أنه أحد معارفها الأثرياء، ابتسمت مجاملة قبل تتحرك للجانب وهي تضيف:
-موجودة يا فندم، اتفضل حضرتك جوا، بس أقولها مين؟
نظر لها باحتقار قبل أن يجيبها:
-“شرف الدين”
أشارت له بكفها مرحبة به ولتوجهه نحو غرفة الاستقبال ثم خطت في اتجاه ربة المنزل لتخبرها بهوية ضيفها غير المتوقع، انسكبت القهوة من يدها وسعلت شاهقة لمجرد سماع اسمه، تعجبت الخادمة من حالة الوجوم الصادم التي سيطرت عليها، ارتجفت “نادية” وهي تنهض من مقعدها متسائلة بصوتٍ أقرب للهاث:
-إنتي قولتي مين؟
ظنت أنها توهمت سماع اسمه، لكن أكدت عليها الخادمة بهدوء:
-“شرف الدين” بيه يا هانم
ازدردت ريقها بتوتر جلي وازدحم عقلها بالكثير والكثير من المشاهد المؤسفة التي جمعتهما سويًا حتى انتهت بابتزازها وخطفه لابنتها، وجدت صعوبة في السير باتزان وهي تتجه نحوه، جفل جسدها حينما رأته بالفعل متواجدًا في منزلها، بحثت عن شجاعتها الهاربة فلم تجدها، هوى قلبها في قدميها حينما استدار ناحيتها لينظر لها بتلك النظرات الحاقدة البغيضة، ورغم مرور سنوات على فراقهما إلا أنه احتفظ بنفس ملامحه الباردة، تشجعت “نادية” لتواجهه وتدافع عن فلذة كبدها بكل قوة، فوجوده اليوم هنا يعني مطالبته بها، انتصبت بكتفيها متظاهرة بالعقلانية وهي تسأله:
-جاي ليه؟
نفث “شرف الدين” دخان سيجارته من فمه وأنفه معًا قبل أن يجيبها متسائلاً بصوته الأجش:
-كنتي فاكرة مش هاعرف أوصلك، ده إنتي كل أخبارك عندي
حافظت على هدوئها معاودة تكرار نفس سؤالها:
-عاوز إيه يا “شرف الدين”؟ جاي هنا ليه
نظر لها مطولاً مستخفًا بتلك الجرأة التي تدعيها، وقف قبالتها يسألها:
-فين “آسيا”؟
لم تتمالك أعصابها، فصوته المقيت أثار في نفسها مشاعر الحنق والكره، ردت مهاجمة بعصبية جلية مستعيدة ما مضى في ذاكرتها:
-بنتي اللي ضيعتها ومليت راسها سموم بكدبك وحياتك البشعة!
وكأنها لم تحرك ساكنًا فيه، ألقى ببقايا سيجاره على الأرضية ليدعسه بقدمه متسائلاً بنفس البرود القاسي:
-مخبية “آسيا” فين يا “نادية”؟
انفجرت فيه تهدده بصراخٍ حاد وهي تشير بيدها:
-اطلع برا بيتي بدل ما أطلبلك البوليس
رد متحديًا بعدم اكتراثٍ:
-وأنا مش هامشي من هنا إلا وهي معايا
…………………………………………………
في تلك الأثناء، انتهت “آسيا” من الاغتسال وخرجت من الحمام تلف خصلات شعرها بمنشفة قطنية، جلست على الطرف الفراش لتنزعها ثم بدأت في تصفيفه بالمجفف الكهربائي، تحركت نحو المرآة لتتأمل وجهها، لكن اعتلتها دهشة عجيبة حينما رأت هدية “معتصم” موضوعة في صينية طعام الإفطار المسنودة على الطاولة المجاورة لفراشها، شعرت بدمائها تفور في عروقها، التقطتها بيدها لتفتحها متأملة بغيظٍ العدسات اللاصقة الموضوعة بداخلها، أعادت غلقها متسائلة مع نفسها بغضبٍ:
-إزاي جابها هنا؟
ألقتها على الفراش متابعة بضيق شديد:
-بني آدم مستفز!
حثها فضولها على تجربتها لتعرف المغزى من وراء إحضاره لتلك الهدية تحديدًا، أخذت الهدية واقتربت من المرآة ثم بدأت في وضع العدسات على عينيها، حدقت في وجهها بنظرات متعجبة، استغربت ملامحها وطالعت بتأنٍ عينيها بالعدستين، فجأة أضاء عقلها بومضات سريعة لمشاهد لم تتبين ماهيتها، لكنها شعرت بالانزعاج من نفسها، فأغلب ما اقتحم عقلها كان مصحوبًا بالصخب والضحكات المستفزة، ابتعدت عن المرآة لتجلس على الفراش واضعة يديها على رأسها لتضغط عليه، توترت أنفاسها مقاومة سيل ذكرياتها المزعجة، فهمت الآن سبب إحضار “معتصم” لتلك الهدية تحديدًا، أراد تذكريها بماضيها التي تناسته دون قصد لتعرف موضعها الحقيقي بين أفراد تلك العائلة المحترمة، انتزعت العدسات من حدقتيها وألقتها على الأرضية، هب من جلستها لتدهسها بقدميها مفرغة غضبها فيها، وقبل أن تستسلم لتلك النوبة التي سيطرت عليها انتبهت للصراخ الحاد بالخارج، التفتت ناحية باب الغرفة وقلبها ينبض بقوة، بدا الصوت الرجولي الأجش مألوفًا بالنسبة لها، هي متيقنة أنها سمعته من قبل، دنت أكثر من الباب لتعرف ما الذي يدور، امتزج صوت والدتها معه واستشعرت وجود جدال ما، خرجت من غرفتها واقتربت من الدرج لتشاهد بعينيها الفيروزيتين ذلك الرجل الغريب وهو يهدد بشراسة:
-زي ما هديت حياتك زمان أقدر أعمل ده دلوقتي
تحدته “نادية” بجرأة وقد استشاطت نظراتها على الأخير:
-مش هاسمحلك تهد اللي بنيته ولا تاخد “آسيا” مني، ده أنا أموتك قبل ما تعمل كده
مجرد التلفظ باسمها جعلها تشك في كون الموضوع ذو صلة بها، استندت “آسيا” على الدرابزين بكفي يدها متسائلة بصوت مرتفع:
-ماما، في إيه بيحصل عندك؟
رفع “شرف الدين” وجهه للأعلى ليحدق في ابنته التي كانت تعتلي الدرج، رسم على تعابيره الزائفة قلقًا مصطنعًا وهو يهتف بتلهفٍ:
-“آسيا”، بنتي حبيبتي!
انقضت عليه “نادية” لتمسك به من ذراعه لتمنعه من الاقتراب منها وهي تصرخ فيه:
-ابعد عن بنتي
نزح يده بقوة دافعًا إياها للخلف مواصلاً سيره المتعجل نحو الدرج، هتف بصياح دون أن يرفع عينيه عن “آسيا”:
-كنت متأكد إنك هنا، تعالي لحضن بابا، أنا رجعت مخصوص عشانك!
تجمد بصرها على قسمات وجهه مستعيدة في عقلها مشاهدًا تضمنت وجوده معها، شعرت بالبرودة والجفاء، بإحساس موتر مليء بالقلق والخوف، ظلت حدقتاها معلقة به رغم اقترابه الشديد منها، وكأنها باتت مسحورة بحضوره، لكن كان حافزها الوحيد هو تخمين سبب ذلك الإحساس المريب الذي انتابها، أفاقت من شرودها فيه على ألم قبضته وهو يجذبها من رسغها لتسير عنوة معه، زاغت عيناها نحو وجه والدتها المفزوع وهي تصرخ فيه:
-مش هاسيبهالك، ابعد عن بنتي
حاولت “نادية” انتزاع قبضته من على ابنتها لتحررها منه، مل “شرف الدين” من هجومه غير المجدي عليه فدفعها بقسوة صائحًا:
-مش هايحصل
اختل توازن “نادية” فتعثرت قدماها وسقطت على الدرج، شهقت “آسيا” بذعرٍ خائفٍ على والدتها التي كانت تقاتل بشراسة من أجلها، انحنت مرددة بخوفٍ:
-ماما، ماما!
لف “شرف الدين” ذراعه حول خصر ابنته ليمنعها من الوصول إليها، شحذ قواه بالكامل ليدفعها للسير وهو يقول لها:
-تعالي معايا يا “آسيا”
رفضت الانصياع له ودفعته بكفيها صارخة فيه:
-ابعد عني، أنا معرفكش
تحولت ملامحه للعدائية بعد إنكارها لمعرفتها به وكأنها تتقن ببراعة دورها في مسرحية رخيصة لتستجدي اهتمام وحماية أمها، دفعها بعنفٍ رافضًا تركها وهو يتوعدها من بين أسنانه المضغوطة:
-بتنكري باباكي بعد اللي عملته عشانك، هنتحاسب على ده بعدين يا “آسيا”، بس أنا مش هاسيبك هنا، إنتي مكانك معايا!
انتابتها حالة من الجنون والخوف وهي تساق عنوة على الدرج، عَمِد “شرف الدين” إلى تثبيط مقاومتها بذراعيه، مدت “آسيا” يدها لتمسك بالدرابزين متشبثة به وكأنه وسيلتها الدفاعية الأخيرة للحول دون أخذها، حاولت أيضًا إلقاء ثقل جسدها عليه لتعيق والدها عن سحبها، نفذ صبره من مقاومتها فجذبها من شعرها المعقود صائحًا:
-مهما عملتي هاترجعي معايا
صرخت بهيسترية محفزة والدتها للدفاع عنها باستماتة، تدخلت الخادمة حينما رأت سيدة المنزل تهان وابنتها تدفع بعنف على الدرج، امتزجت الأصوات الصارخة مع صوته الغاضب فبدا الوضع فوضويًا على الأخير.
……………………………………..
سمع “معتصم” تلك الأصوات المرتفعة تأتي من داخل منزله وهو يدس المفتاح في القفل، ولج إلى الداخل والفضول مسيطر عليه، شخصت أبصاره مع رؤيته للاشتباك الدائر بالأيدي بين والدته والخادمة و”آسيا” وذلك الرجل الغريب، ودون أي تفكير اندفع نحو الدرج صارخًا بجنون:
-إنت بتعمل إيه عندك؟
كان في حضوره النجدة لـ “نادية”، استغاثت به على الفور:
-الحقنا يا “معتصم”، امنعه ياخد بنتي!
لم يكن بحاجة لفهم ما يدور ليتصرف بعقلانية، يكفيه استغاثتها ليقوم بدوره دون مراجعة أو تفكير، استخدم “معتصم” ذراعيه في دفع جسد “شرف الدين”، لكن ظل الأخير ممسكًا بـ “آسيا” التي استنجدت به:
-مش هامشي معاك، ابعده عني
تضاعفت قوى “معتصم” الغاضبة من هوجائية ذلك الرجل ونجح في تحرير “آسيا” من قبضتيه، استشاط “شرف الدين” غاضبًا، فزمجر مهددًا:
-إنت مين عشان تمسكني كده، دي بنتي وأنا هاخدها معايا
رد عليه بغلظةٍ:
-بـــرا!
صرخت فيه “آسيا” ببكاءٍ مهتاج:
-مش هاجي معاك، أنا معرفكش!
احتوتها “نادية” في أحضانها لتحميها من بطشه، ثم دعمتها في رفضها وهي تضمها إلى صدرها:
-بنتي مش هاتمشي من هنا يا “شرف الدين”، سامع!
جلست الخادمة أمامهما لتشكل بجسدها حائلاً يمنع وصول ذاك الرجل إليهما، في حين نظر “معتصم” لـ “شرف الدين” شزرًا وهو يقول له بصوته الجهوري الحانق:
-سمعت قالت إيه، بنتها مش قاصر عشان تاخدها بالعافية، ويالا برا!
رفع الأخير ذراعه ملوحًا بتهديد عدائي:
-بتتحمي في الواد ده، أنا أقدر أجيب بلطجية يطربأوا البيت ده على اللي فيه
اغتاظ “معتصم” من إهانته التي مست رجولته ووصفه بالطفل، رد عليه “معتصم” بشراسةٍ وقد اشتعلت نظراته:
-تحب أعرفك أنا هاعمل إيه
تأزم الوضع وانقلبت كفة الميزان لصالح عائلة “المصري”، خاصة بوجود “معتصم” الغاضب، وبحسبة سريعة فكر “شرف الدين” في أن الموقف ليس لصالحه، سينسحب مؤقتًا حتى يتمكن من الرد بقوة في الوقت المناسب، يكفيه الآن أنه توصل لمكان ابنته بعد أن اختفت منذ آخر مكالمة هاتفية أجراها معها، رمق “معتصم” بنظرة نارية قائلاً له:
-لسه الكلام ماخلصش، و”آسيا” بنتي وتربيتي، يعني حتة مني، والتمثيلية السخيفة دي هاتكشف قريب
ببساطة زرع الشكوك من جديد في نفس “معتصم” بحديثه المسموم، التفت الأخير ملقيًا نظرة حانقة نحو “آسيا” التي كانت تدفن وجهها في صدر أمها وهي تبكي، عاود التحديق في والدها هاتفًا بصيغة آمرة:
-اطلع بـــرا!
هندم “شرف الدين” نفسه مرددًا:
-وماله، بس راجع تاني!
حرك رأسه للجانب ليلقي نظرة مليئة بالحقد على وجه “نادية” وهو يتابع:
-أنا مش بأسيب حقي يا “نادية”، افتكري كلامي كويس
دفعه “معتصم” بقسوة بعيدًا عن الدرج حتى قام بطرده من المنزل، التفت نحو “آسيا” يرمقها بنظراتٍ كارهة، فوجودها كاد أن يتسبب في فضيحة جلية بين جيرانهم بسبب والدها الفظ الوقح، وما أشعل لهيب غضبه يقينه بأن ما حدث قبل لحظات أمر مدبر بين الابنة وأبيها لخداع الجميع، أطلت من حدقتيه شرارات الاستنكار والنفور، عبس أكثر مع صوت “نادية” القائل:
-ماتخافيش يا “آسيا”، محدش هيقدر ياخدك من هنا
تعلقت ابنتها بها تتوسلها:
-ماتسبنيش يا ماما
امتقع وجه “معتصم” وهو يتابع ذلك المشهد الدرامي الزائف من وجهة نظره، عقد العزم على التظاهر بالإشفاق عليها ودعمها فقط ليكشف ملعوبها، وسيكون رده عليها يليق بشخصها .. بربريًا ………………………………………. !!
………………………………………

يتبع >>>>>>

error: