رواية (المحترم البربري)

الفصل التاسع عشر

أدارت المقبض ببطء وهي تمد قدمها داخل المغطس ليبدأ الماء الدافئ في الانهمار على جسدها وإغراقه، أغمضت “آسيا” عينيها تاركة لضغط المياه المهمة في إزاحة كل ما يؤلمها، ربما أفادتها تلك العطلة في إبعادها عن الأزمات لكنها أثبتت لها أمرًا هامًا، أنها بالفعل وحيدة، لا رفاق لها أو أصدقاء مقربون يشغلونها بهمومهم ويستحوذون على وقت فراغها، شعرت بمرارة الوحدة من جديد، ذلك الشعور الذي تبغضه كثيرًا ويوقظ فيها ذكريات لا تحبذ التفكير فيها مطلقًا، توقفت عن الاغتسال حينما سمعت الدقات الخافتة على باب غرفتها الفندقية، أسرعت بارتداء روبها القطني وتأكدت من إحكام رباطه حول خصرها، ولفت شعرها المبتل بمنشفة أخرى بحركة ماهرة لتبدو كالتاج أعلى رأسها، اتجهت نحو الباب لتفتحه فتفاجأت بوجود أحد عمال الفندق بالخارج، نظرت له مطولاً وهي تسأله باستغراب:
-أيوه في حاجة؟
رد العامل بهدوء وهو مخفض لعينيه ومطرق رأسه للأسفل:
-بأعتذر يا هانم عن إزعاجك
مطت فمها متسائلة:
-خير
أجابها بتمهل وهو يتحاشى النظر نحوها:
-في مشكلة يا فندم عند حضرتك في السباكة والصيانة هايجوا يظبطوها في الأوضة
قطبت “آسيا” جبينها متعجبة مما يقول، فهي لم تلاحظ وجود أي شيء غير مألوف بالمرحاض أثناء استحمامها، كتفت ساعديها أمام صدرها ثم قالت معترضة:
-لأ مافيش، أنا لسه واخدة دش ومافيش أي حاجة من دي خالص
توترت تعابيره قليلاً فهو قد كُلف بمهمة محددة من قبل الإدارة ولن يقبلوا بفشله في أدائها، تنحنح قائلاً بارتباك طفيف:
-أصل المشكلة مع الغرفة المجاورة لحضرتك
سألته بنفاذ صبر:
-والمطلوب إيه؟
استشعر قرب إقناعه لها فاستأنف حديثه موضحًا:
-إدارة الفندق هتنقل حضرتك غرفة تانية بنفس المستوى علشان حضرتك تكوني مرتاحة، كمان كنوع من الاعتذار عن إزعاج سيادتك هايكون ده مع يومين Full Board (مصحوب بالوجبات) for free، ده غير الـ spa كنوع من الاعتذار لحضرتك
صمتت “آسيا” تفكر في العرض المغري الغريب، لكنها لم تشك مطلقًا أن ورائه خطب ما، رسمت على ثغرها ابتسامة رضا وهي تقول:
-أوكي، إديني 10 دقايق أجهز نفسي
تنفس العامل الصعداء لحصوله على موافقتها، رد بامتنان كبير ظهر في نبرته:
-خدي راحتك يا فندم، وهابعت لحضرتك واحدة من الـ room service تساعد سيادتك في تجهيز الشنط
أومأت برأسها موافقة وهي ترد:
-أوكي
ثم أغلقت الباب بعد ذلك لتسير بتؤدة وهي تفرك شعرها بعد أن انتزعت المنشفة عنه قائلة لنفسها:
-غريبة أوي الحكاية دي
لم ترتاب للأمر أبدًا بل على العكس كانت تبحث عن أشيائها الملاقاة بإهمال لتضعها على الفراش لتبدأ في إعداد حقيبتها للانتقال للغرفة الأخرى.
……………………..………………….
-زي ما تكون فص ملح ودابت، أنا مش عارف أعمل إيه!
قالها “معتصم” وهو يضرب بكفه طاولة مكتبه بعصبية واضحة، ركز “نبيل” أنظاره عليه مراقبًا حاله الذي تبدل كثيرًا في الفترة الأخيرة من الرزانة والهدوء للانفعال والغضب، اعتدل في جلسته ليقول له بنبرة عقلانية:
-ما تشغلش بالك بيها، هي يومين وهتظهر!
رد عليه بتهكم وقد زاد عبوس وجهه:
-ده لما تجيب أجل ماما!
زفر “نبيل” معترضًا على تشاؤمه:
-بعد الشر يا سيدي، ده الأعمار بيد الله
حدق “معتصم” أمامه بنظرات شديدة الغموض محدثًا نفسه بنبرة متوعدة:
-بس لو أعرف أطولك
انزعج “نبيل” من كم التهديدات والوعيد الذي يحمله نحو “آسيا” دون مبرر قوي، استطرد قائلاً بجدية:
-“معتصم”، مش ملاحظ إنك متعصب زيادة عن اللزوم؟
رد عليه الأخير بسخطٍ:
-هو حد يعرف بني آدمة بالشكل ده ويكون هادي
أشار له ابن عمه متابعًا بنفس اللهجة الجادة المحذرة:
-محدش طلب منك تعرفها، اللي فهمته منك إن طنط “نادية” مامتها وعاوزة تكون جمب بنتها، إنت دخلك إيه في الموضوع ده؟ سيبهم يتصرفوا مع بعض
وكأن في عباراته خنجرًا حادًا يوخز به صدره، صاح هادرًا وقد هب واقفًا من مكانه:
-علشانها ….
شعر أن الكلمات تجمدت على طرف لسانه، وجد صعوبة في تفسير تصرفاته الحادة معها، انتظر “نبيل” منه أن يعطيه المبرر المنطقي المقنع لكل ما يقوم به، شبك كفيه معًا قائلاً:
-أيوه، علشانها إيه بالظبط؟
ارتبك إلى حد ما وهو يجيبه:
-يعني ماما وصتني بالموضوع ده
مط ابن عمه فمه للأمام وهو يحرك رأسه قليلاً، كان واضحًا عليه عدم الاقتناع بكلمة واحدة مما تلفظ بها، تنفس بعمق ليرد عليه بعدها:
-مممم.. قولتلي بقى
أضـاف “معتصم” قائلاً بانفعال:
-إنت مش شايف فضايحها اللي على النت، والله أعلم المستخبي إيه
ثم تحرك بعدها مبتعدًا عنه لينزوي عند النافذة، تابعه “نبيل” بأعينه محدثًا نفسه بصوت خفيض:
-واضح كده إن الفترة الجاية الشغل كله هايكون عليا
……………………..………………
انتهت من ارتداء ثوب صيفي قصير أزرق اللون أظهر لون بشرتها الناصع وعكس سواد خصلات شعرها، كما زاد من لمعان حدقتيها الفيروزيتين، تطلعت “آسيا” إلى هيئتها بشيء من القناعة، لم تبدو مبتذلة تلك المرة في ارتداء أثوابها المغرية، أرادت أن تكون على طبيعتها، غير متكلفة أو مبهرجة فبدت أكثر إشراقًا ونضارة، سارت بخيلاء خلف عامل الفندق الذي اختلس النظرات متأملاً سحرها المغري ومتخيلاً في عقله أن يظفر بواحدة مثلها في المستقبل، مرر المفتاح الإلكتروني على الجهاز الخاص به لينفتح باب الغرفة، ثم تنحى للجانب مشيرًا بيده لضيفته المميزة بالدخول، وطأت “آسيا” بقدميها الجناح الملكي الذي تخطى ما كانت تتوقعه بمراحل، فغرت شفتيها مدهوشة من مدى فخامة المكان، ظنت أن هناك خطأ ما بالأمر، لذا التفتت نحو العامل تسأله:
-إنت متأكد إن دي الأوضة؟
رسم الأخير ابتسامة متكلفة على ثغره وهو يرد:
-أيوه يا فندم
ثم مد يده به نحوها متابعًا:
-اتفضلي سيادتك المفتاح!
تجولت “آسيا” في الغرفة متأملة ما بها من أثاث فاخر ومريح، رأت انعكاسًا قويًا لجسدها على الأرضية البراقة، همست لنفسها بعدم تصديق:
-دي شكلها أغلى من اللي كنت فيها
استغرقت عدة لحظات تتفحص فيها المكان، بدت متوترة نوعًا ما من غرابة الوضع، فالغرفة التي قامت بحجزها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصل تكلفة الإقامة بها إلى جناح بذلك الشكل البهي، فسعر الليلة هنا سيكون أضعافًا مضاعفة، ومسألة تبديل الغرف لوجود مشكلة ما لا تستدعي كل ذلك، بدأت “آسيا” ترتاب في الأمر، وقف العامل خلفها يسألها بفضول بعد أن استشعر ترددها:
-في حاجة مش عاجبة حضرتك؟
استدارت نحوه ببطء قائلة بتنهيدة مطولة:
-لأ، كله تمام هنا، بس يعني الموضوع أوفر شوية؟
استمر العامل في الحفاظ على ابتسامته السخيفة وهو يجيبها:
-يا فندم دي سياسة الفندق، لو حصل غلط أو مشكلة لازم نعوض الـ guest ونحسسه بإنه أهم شخص عندنا
حاول على قدر المستطاع تبرير سبب انتقالها لذلك الجناح، عبث “آسيا” بخصلات شعرها كتعبير عن شعورها بالملل من ثرثرته الزائدة، فركت عنقها برفق ومن ثم ردت باقتضاب:
-اوكي فهمت
ناولته بقشيشًا سخيًا كما اعتادت أن تفعل مع كل من يعاونها في شيء، ثم اتجهت بأنظارها نحو الأريكة، أرادت الجلوس فسارت نحوها لتتخذ موضعها بها واضعة ساقها فوق الأخرى، أخفض العامل نظراته عنها قبل أن يضيف بمهنية احترافية:
-وكلنا هنا تحت أمرك يا فندم في أي حاجة، 5 دقايق والشنط هاتكون هنا عند حضرتك!
أومأت برأسها قائلة:
-اوكي
ضجرت “آسيا” من وجوده في الجناح، فليست بحاجة لمرشد ليدلها على ما تفعله، ورغم تعبيراتها الموحية بفتورها وانزعاجه إلا أنه أصر على إطالة مدة بقائه، اقترب من باب جانبي مكملاً حديثه:
-الحمام يا فندم مزود بجاكوزي لو حضرتك حابة تستخدميه
ابتسمت قائلة بسخرية:
-جاكوزي! واضح إن الخدمة هنا للـ VIP
-طبعًا يا فندم
رسمت تعابير جامدة على وجهها وهي تقول بضيق:
-لو خلصت ممكن تمشي
تحرج العامل منها قائلاً:
-بأعتذر عن الإزعاج
أولاها ظهره ثم اتجهت نحو باب الجناح ليغلقه خلفه بعد أن خرج، زفرت “آسيا” بصوت مسموع مرددة لنفسها بتأفف:
-أخيرًا، ده إنت رغاي بشكل!
أغمضت عينيها لثوانٍ لتستمتع بالهدوء في المكان وهي جالسة باسترخاء على الأريكة، لحظات ونهضت من مكانها لتتجول بالجناح بتأنٍ، لكن كانت المفاجأة الصادمة لها والتي لم تأتِ على بالها مطلقًا هو خروج “سامر” من المرحاض ملتفًا بمنشفة قطنية تغطي الجزء السفلي من جسده، ارتسمت علامات الاندهاش المصدوم على وجهها، حدقت فيه غير مصدقة أنه بالفعل هو، تحولت نظراتها للاحتقان واندفعت دمائها الثائرة في عروقها سريعًا لتحول لون بشرتها للحمرة الملتهبة، صرخت فيه بشراسة:
-إنت؟ بتعمل إيه هنا؟
بدا مستعدًا لتلك المواجهة معها، فانتصب في وقفته ليبدو أكثر ضخامة وهو يرد بتفاخر شيطاني:
-إنتي جيتلي في ملعبي
انقبض قلبها من وجوده المريب، بدأت الخيوط إلى حد ما تتضح في رأسها، حاولت أن تبدو قوية صلبة أمامه كي لا يشعر بذلك التوتر الذي تسرب إليها، صاحت فيه بعصبية وهو تتراجع خطوتين للخلف:
-اتفضل برا بدل ما أطلبلك الأمن
قهقه ضاحكًا بطريقة واثقة دبت الخوف أكثر في صدرها:
-بجد؟
توقف عن الضحك ليكمل متحديًا بغموض مقلق:
-مستنية إيه؟ اتفضلي، أنا كمان عاوزه يجي، خلي الحفلة تبدأ بدري!
انزوى ما بين حاجبيها بقوة وهي تردد بذهول:
-حفلة!
تضاعف غروره الذكوري بداخله وامتزج مع حماسه بالانتقام منها، دنا خطوتين نحوها قائلاً بكلمات موحية ذات مغزى مخيف وقد توهجت نظراته:
-أيوه، ما هو إنتي يا هانم يا محترمة منورة السويت بتاعي
كاد قلبها يقتلع من بين ضلوعها بعد أن فهمت ما يرمي إليه، لم يكن ما حدث عبثًا أو مجرد صدفة، بل مكيدة محكمة التفاصيل، لهثت متسائلة بخوف متزايد:
-إيه؟
فسر مقصده قائلاً بتفاخرٍ:
-تقدري تفسري بإيه وجودك هنا لأمن الفندق بدون ما يقولوا عليكي إنك واحدة آ….؟
بتر كلمته الأخيرة ليثير في نفسها الرعب ثم غمز لها متابعًا بانتشاء مغتر:
-ما إنتي فاهمة بقى!
الآن اتضحت صورة كاملة بكافة أبعادها، هو دبر لها تلك المكيدة ليوهم الجميع أنها قد جاءت إليه بمحض إرادتها من أجل إقامة علاقة غير شرعية، احتقن وجهها على الأخير واحتدت نظراتها نحوه، رمقته بنظرات نارية لا تنذر بخير صائحة فيه بصوتها المنفعل متعمدة إهانته:
-إنت واحد (……)
لم يعبأ بسبها له، بل استمتع برؤيتها كالفأر الذي وقع في المصيدة ويلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يُقضى عليه، صفق بيده كتعبير عن تباهيه بنفسه قائلاً:
-لأ يا مزة، أنا أستاذ ورئيس قسم
عاتبت “آسيا” نفسها بقسوة لكونها لم تكن سريعة البديهة وبالتالي انطلت عليها الخدعة جيدًا، كان عليها التصرف قبل أن يصل إليها ويطالها يديه، بات الركض والهروب من المكان هو الخيار الوحيدة المتاح، وكأنه قرأ أفكارها فحصارها بجسده مضيقًا المساحات عليها، سألها باستمتاع مخيف:
-رايحة فين؟ احنا لسه مبدأناش
شعرت بأن شجاعتها قد فرت منها، بأنها في مأزق حقيقي لن ينجيه منها أي أحد، ادعت الصلابة أمامه صارخة فيه بتهديد:
-ابعد عني أحسنلك بدل ما أوديك في داهية!
التوى ثغره بابتسامة مستخفة بها قبل أن يرد مستهترًا:
-ليه كده بس؟ ده احنا لسه بنتعرف على بعض!
انهالت عليه بوابل من السباب اللاذع لكنه قابله بالضحك المستهزئ بها مرددًا:
-قولي قاموس الشتايم كله ميفرقش معايا، المهم إنك في حضني!
وفجأة اندفع نحوها قاصدًا الإمساك بها، فلتت منه بأعجوبة وركضت مبتعدة عنه لكنه أمسك بها من ذراعها ثم جذبها نحوه ولف ذراعه الآخر حول خصرها لتقع أسيرة أحضانه، ضربته في صدره بكل ما أوتيت من قوة بقبضتيها وعمدت إلى إصابة وجهه بالخدوش بأظافرها صارخة فيه:
-ابعد عني يا …….
-لالالا، ليه الغلط يا “آسيا”؟
قاومته مستخدمة أقصى طاقاتها لتتحرر منه وهي تصرخ بهلعٍ:
-حيوان، جبان
لم يجد صعوبة في حملها من خصرها نحو الفراش، ألقاها عليه فاستجمت نفسها لتهرب منه، قبض عليها من قدمها وجذبها نحوه لكنها ركلته بعنف في وجهه محدثة إصابة جسيمة في أنفه، رأى “سامر” خيط الدماء ينزف من أنفه فسبها بغيظٍ:
-آه يا بنت الـ ……..
تلفتت “آسيا” حولها بنظرات سريعة باحثة عما يمكن أن تستخدمه للدفاع عن نفسها، وقعت أعينها على المزهرية الصغيرة الموضوعة على الكومود، زحفت على الفراش لتصل إليها، التقطتها بيدها ثم استدارت نحوه لتضرب مقدمة رأسه بها، شتمها من جديد، ثم لكمها أسفل فكها مسببًا لها ألمًا عنيفًا، صرخت مستغيثة لكنه أسكتها بلكمة أخرى أشد قوة أفقدتها الوعي على الفور، تراجع عنها ماسحًا الدماء النازفة منه، تنفس بعمق ليضبط أنفاسه اللاهثة هامسًا لنفسه:
-إيه ده!
مرر “سامر” يده بين خصلات شعره رامقًا جسدها المسجى أمامه بنظرات طويلة متفحصة كل جزء فيها باشتهاء ورغبة، كان عليه أن يتحكم في نفسه ليكمل باقي مخططه الدنيء في تدمير سمعتها، ولج إلى داخل المرحاض ليلقي نظرة أكثر دقة على جروحه، ثم بدل ثيابه وهاتف أحد الأشخاص آمرًا إياه:
-تعلالي حالاً!
……………………..………………….
تم ترتيب الجناح لتبدو “آسيا” كما لو جاءت إلى هنا برغبتها الكاملة طامعة في قضاء ليلة ماجنة، خرج “سامر” من المكان تاركًا أحد أعوانه معها ممن سينفذ الجزء الآخر من خطته، استخدم الأخير عطرًا ذو رائحة نفاذة بالقرب من أنفها بعد أن رفع رأسها إليه، تأوهت “آسيا” بأنين خفيض وهي تستعيد وعيها تدريجيًا، فقط لحظات بسيطة وأفاقت كليًا، لكنها لم تكن صافية الذهن، شعرت بملمس غريب على كتفيها وبأنها في أحضان شخص ما، تطلعت إليه بنظرات مشوشة وهي تسأله بصوتها الثقيل:
-إنت مين؟
لم يجبها الرجل بل ظل يبتسم لها بسخافة متعمدًا ضمها إليه، حاولت أن تخلص نفسها من ذراعيه ومن صدره الملتصق بها، لكن لم تسعفها قواها الخائرة، وفجأة استمع كلاهما إلى صوت دقات قوية على باب الجناح، تركها الرجل الغريب لينهض من على الفراش متجهًا نحوه، فتحه وادعى اندهاشه من وجود هؤلاء الغرباء الذين اقتحموا المكان عنوة، سألهم بتوتر مصطنع:
-إنتو مين؟ أنا معرفهاش، هي اللي جت معايا برضاها!
دققت “آسيا” أنظارها في أوجه الرجال الذين حاصروها، استشعرت وجود خطب ما، لم يكن عقلها في كامل وعيه ليفسر ما يحدث من حولها، التفتت برأسها نحو أحد الأشخاص حينما صاح آمرًا:
-هاتوها!
وفجأة انقض عليها اثنان من الرجال الأشداء جذباها من ذراعيها بقسوة، ترنحت وهي تسير مجبرة معهما، سألتهما بوهنٍ:
-هو في إيه؟ إنتو ماسكني ليه؟
نظر لها الرجل شزرًا وباشمئزاز ثم رد قائلاً:
-يالا يا بت، الشويتين دول مش هايخشوا علينا، خدوها على البوكس
بدأت تفسر الأمر، وضحت الصورة تمامًا في ذهنها، هي في قبضة رجال الشرطة بتهمة شرف لم ترتكبها، ويتم اقتيادها للمخفر كأي فتاة ليل عابثة قبض عليها بالفعل الفاضح، صرخت وهي تتلوى بجسدها:
-أنا معملتش حاجة، إنتو فاهمين غلط، “سامر” هو اللي …..
قاطعها الضابط هادرًا:
-ماتكلميش يا ……، على البوكس يالا!
بدت مقاومتها معدومة أمام سحبهم لها، توسلتهم ببكاء مقهور:
-صدقوني، أنا مظلومة، هما في الفندق ضحكوا عليا!
كانت الصدمة الأخرى هو رؤيتها لعدد من المصورين بالرواق، حاصروها بعدسات كاميراتهم والفلاشات المتلاحقة كإشارة لالتقاطهم صورًا كثيرة لها وكأنهم وحوش ضارية تفترس فريسة سقطت لتوها في عرينهم، حتمًا ستغدو فضيحتها الملفقة حديث الجميع، ولن يصدقها أحد مهما حاولت الدفاع عن نفسها وإثبات العكس، والأفظع من ذلك كله أنها باتت فعليًا “ساقطة” في نظر والدتها، وكذلك خصمها “معتصم” الذي سيذيقها معاناة لن تنتهي أبدًا، فالفرصة قد جاءته على طبق من ذهب ……………………..……………… !!!
……………………..…………………

error: