رواية (المحترم البربري)

الفصل العاشر
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

دبت الحيوية في قلبه وتعالت دقاته الراقصة مع رؤيته لفتاة أحلامه تضحك برقة وسط صديقاتها، لم يكن يرى سوى “أية”، كانت كالهالة المضيئة في المكان تجذب أنظاره نحوها فقط دون غيرها من الشابات الجميلات، انتبه “مصطفى” لشروده بها مبتلعًا ريقه بتوتر، فقد خشي من افتضاح أمره مع رفيقيه وأبناء عمومتها، تصنع الجمود وسار ببطء حذر قاصدًا التلكؤ في خطواته كي لا يظهر في الصورة، لوحت “أية” بذراعها صائحة بسعادة فور أن وقعت أعينها على ثلاثتهم:
-“معتصم”، “نبيل”، د. “مصطفى” أنا هنا، تعالوا اقعدوا معانا شوية
لمجرد نطقها باسمه بين شفتيها شعر وكأنه ملك الدنيا وما فيها، ابتسم لها “مصطفى” بصفاءٍ مقاومًا ما يختلج صدره من مشاعر متأججة تود البوح بما يخفيه لها، رد “نبيل” مبتسمًا وهو يمرر نظراته على جميع الفتيات الجالسات بصحبتها:
-منورين يا بنات، إنتو هنا من بدري؟
أجابته “أية” بتنهيدة شبه مطولة:
-يعني .. شوية وهنمشي!
انقبض قلب “مصطفى” لمجرد ذكر كلمة الرحيل، هتف عفويًا وبلا تفكير:
-خليكوا قاعدين معانا، ولا إذا حضرت الشياطين؟
التفتت “أية” بأنظارها نحوه قائلة بنعومة:
-مش هاكسفك يا دكتور، علشان خاطرك بس
قاوم بصعوبة جلية تأثير نظراتها الدافئة عليه مستشعرًا سخونة حسية تضرب صدغيه وكامل جسده متحرجًا من طريقتها اللطيفة، لم يتوقع أن ينجذب نحوها بتلك الصورة، وأن مجرد الحديث معها بكلمات محدودة يمنحه شعورًا لا يضاهيه أي شعور، أضاف “مصطفى” قائلاً باقتضاب ومتجنبًا التحديق فيها كي لا تكشفه أعينه:
-شكرًا ده من ذوقك يا آنسة “أية”
ابتلع ريقه وحاول تركيز حواسه على شيء أخر لكن أسلوبها الودود استمر في تعذيبه نفسيًا وتشويق مشاعره نحوها، في حين لم ينتبه “معتصم” لتلك الأحاديث الجانبية، واكتفى بالمتابعة في صمت والرد باقتضاب على معظم الثرثرة الدائرة، كان في بعض الأحيان يوزع نظراته بين ممارسي لعبة (البولينج) وبين مطالعة الجالسين معه، زفر لأكثر من مرة بفتور وملل، فعقله المنهك من كثرة التفكير كان يبحث عن حل للكارثة الملاقاة على كتفيه والمسماة بـ “آسيا”.
……………………..……………….
أزاح تلك المياه العالقة بخصلات شعره الطويلة بكفيه وهو يمسده للخلف متلفتًا حوله وباحثًا عن تلك المثيرة التي دفع أموالاً طائلة من أجل التمتع معها بليلة لا تنسى، تجاهل “سامر” هتافات رفاقه التشجيعية مدققًا النظر في أوجه الفتيات القابعات في المسبح، عبست تعابيره وتجهم وجهه كثيرًا، دفع المحيطين به متجهًا نحو طرف المسبح وهو يغمغم بضيق:
-راحت فين دي؟
صعد “سامر” على الدرج المعدني ليخرج بجسده الرياضي ذو العضلات المشدودة من المياه، شدد من تباعد كتفيه ليبدو كالمصارعين ضخام الجثة وهو يسير في اتجاه البار القريب، لمح بطرف عينه منظم الحفل، فرقع له بإصبعيه فأتى الأخير صاغرًا إليه وهو يقول بابتسامته الصفراء المستفزة:
-باشا، أوامر معاليك!
سأله “سامر” بنبرة مزعوجة وقد احتدت نظراته:
-فين “آسيا”؟
رد الأخير بتلعثم ناظرًا له ببلاهة وهو يشير بيده نحو المسبح:
-مش هي .. كانت مع سيادتك في المياه و….
انقض عليه ممسكًا إياه من تلابيبه صائحًا بانفعال:
-أنا مش دافع الألوف دي كلها علشان ثانيتين، روح هاتلي “آسيا” أحسنلك!
ابتلع المنظم ريقه بخوف، ثم أومأ برأسه قائلاً بانصياع تام:
-حـ.. حاضر!
دفعه “سامر” بعصبية للخلف فتمالك الأخير نفسه كي لا يسقط ثم أسرع في خطاه باحثًا عن ضالته وإلا تعرض لتوبيخ لا يُحمد عقباه من قبل ابن صاحب المجموعات الاستثمارية الشهيرة “عمران”.
……………………..……………….
ارتشف “معتصم” أغلب مشروبه البارد لكنه لم يشارك إلا بكلمات مقتضبة إن استدعى الأمر ذلك، تلفت حوله بفتور متأملاً بنظرات خاطفة المشاركين في لعبة البولينج، لم يكن متحمسًا للمشاركة، كان يود الابتعاد عن كل ما يضغط على أعصابه ليحظى ببعض السكينة والهدوء، تنبه عقله فجأة لما يدور من حوله من حديث مقلق حينما تطرقت إحدى رفيقات ابنة عمه إلى خبر ما جعله متحفزًا، ركز أنظاره مع “أية” التي تساءلت بفضول:
-معقول؟ وريني كده
ثم مالت على رفيقتها لتشاهد ما في هاتفها المحمول، أضافت رفيقتها بابتسامة خجلة:
-بصي، ده على كل الصفحات!
-طب ابعتي اللينك
-أوكي
تابعت الفتيات الفيديو باهتمام ويعلو وجوههن نظرات منوعة ما بين الخجل والعبث، ورغم الأصوات المبهمة الصادرة من الفيديو إلا أن صوت ضحكتها اخترق أذنيه بقوة، تمنى “معتصم” في نفسه لو كان وهمًا، تساءل “نبيل” بفضول وقد لمعت عيناه:
-بتكلموا عن مين يا بنات؟
أجابته “أية” باستحياء قليل:
-ملكش دعوة
عاتبها بعبوس زائف:
-ينفع كده تحرجيني قصاد أصحابك
ورغم كون حديثه عفويًا إلا أن طريقته استفزت “مصطفى” الجالس إلى جواره، وعلى قدر المستطاع حاول أن يبدو طبيعيًا وكتم في نفسه ضيقه من حوارهما، سألها “نبيل” بإلحاح:
-يالا بقى، مين اللي بتحكوا عنها!
-عن موديل مشهورة نازل فيديو عنها صعب شوية و…
هنا قاطعها “معتصم” بوجوم مخيف:
-اسمها ايه؟
نظرت له بغرابة، فقد كانت تعابيره متشنجة إلى حد كبير، هزت كتفيها وهي تجيبه:
-“آسيا”
انتفضت في جلسته مع ترديد اسمها، أشار بيده إلى ابنة عمه يأمرها:
-وريني كده
ناولته هاتفها المحمول وهي تطالعه بنظرات حائرة فقد بدت تصرفاته حادة ومريبة، حدق “معتصم” في الفيديو المعروض أمامه بنظرات تحولت للاشتعال في أقل من ثوانٍ، كز على أسنانه هامسًا بحنق كبير:
-يا بنت الـ ……
راقب الجميع ردة فعله، لكن كانت “أية” الأسبق في التساؤل:
-هو إنت تعرفها؟
فهم “نبيل” دون أن يخمن سبب تقلب مزاج ابن عمه واحتدام أعصابه، غمز إلى “مصطفى” قائلاً بنبرة ذات مغزى:
-شكلها هي
أعاد “معتصم” الهاتف إلى “أية” بعد أن قام بإرسال الفيديو إلى نفسه ثم ترك الجميع دون أي مقدمات أو تفسيرات، هب “مصطفى” واقفًا من مكانه صائحًا بجدية وقد توتر هو الأخر:
-روح معاه يا “نبيل”، ماتسبوش لوحده
استغربت “أية” ورفيقاتها من تبدل حال “معتصم” الهادئ إلى حالة هوجاء تنذر بوجود خطب شديد، تساءلت بقلق موجهة حديثها إلى “مصطفى”:
-في إيه يا دكتور؟
تردد في إخبارها بالسبب الأساسي لانفعال ابن عمها، رسم على ثغره بسمة صغيرة قائلاً بلطفٍ:
-تلاقي بس حاجة ضايقته
تفهمت رغبته في عدم البوح بما أزعجه فاكتفت بالابتسام له، استدارت برأسها نحو رفيقاتها قائلة بتنهيدة أسفة وهي تجمع متعلقاتها:
-واضح كده إن السهرة اتفركشت، بينا يا بنات
فكر “مصطفى” في استغلال الفرصة وعرض خدماته عليها لربما يحظى بوقت إضافي معها، تنحنح مقترحًا بارتباك طفيف:
-احم .. تحبي أوصلك، قصدي أوصلكم
ردت مجاملة:
-معانا عربية، ميرسي يا دكتور
لاحظ يدها وهي تعبث بحافظة نقودها فهتف بلا تفكير:
-ثواني يا آنسة “أية” أنا اللي هحاسب
تحرجت منه قائلة برقة وقد تورد وجهها:
-مافيش داعي، كلك ذوق
رد مبتسمًا وهو يطالعها بنظرات أكثر إشراقًا:
-دي حاجة بسيطة!
……………………..………………….
ركض “نبيل” خلف ابن عمه محاولاً اللحاق به قبل أن يُقدم على شيء أحمق، فبعد أن رأى هو الأخر محتوى الفيديو المنتشر فهم سبب انفعاله الزائد، توجس خيفة من تهوره الطائش في لحظة غضبته العمياء تلك، اعترض طريقه لأكثر من مرة محاولاً تهدئته فصاح الأخير بنفاذ صبر وبصوتٍ متحشرج:
-عاوزني أهدى ازاي؟
رد “نبيل” بحذرٍ مستخدمًا ذراعيه في سد الطريق عليه:
-نتكلم بس الأول و…
لوح بيده متابعًا بغضب أشد:
-والوساخة اللي أنا شوفتها دي تسميها إيه؟ فكرك أمي لو شافت ده مش هيجرالها حاجة؟
كان محقًا في ذلك، فوالدته لن تتحمل صدمة أن ترى ابنتها الوحيدة كواحدة من تلك العابثات اللاتي يتم دفع الأجور الباهظة لهن من أجل متعة مؤقتة مع الشباب الأثرياء، لم يكن بيده أي حيلة أو مبرر ليفسر تصرفها، أكمل “معتصم” حديثه بصوته المتشنج:
-قولتلك دي شيطان، مش فارق معاها حد!
رد عليه بتريثٍ:
-إنت معاك حق، بس فكر بالعقل، أكيد مافيش واحدة هتقبل كده على نفسها، وخصوصًا لو كانت مشهورة
تقوس فمه بابتسامة متهكمة وهو يصحح له جملته:
-دي مش بتعمل إلا كده وبس، دور على فضايحها القديمة، هتلاقي بلاوي سودة
حك “نبيل” مقدمة رأسه قائلاً بحرج وقد بدت الحيرة عليه:
-مش عارف أقولك إيه
اقترب “معتصم” خطوة منه ثم ربت على كتفه بقوة ليضيف بعدها بلهجة تحمل الشراسة:
-ماتقولش حاجة، اللي زي دي ماينفعهاش إلا القتل وبس!
ثم أولاه ظهره ليتحرك في اتجاه السيارة، هرول “نبيل” خلفه ليوقفه متسائلاً بخوفٍ كبير:
-إنت هتخسر نفسك علشانها؟ بلاش جنان الله يكرمك!
التفت ناحيته يرمقه بنظرات مظلمة ثم أردف قائلاً بغموض مهلك:
-معدتش ينفع التفكير خلاص!
-بس …
قاطعه قائلاً بصيغة آمرة:
-هات المفاتيح!
شحب لون وجهه متسائلاً بقلب مرتعد وقد تجمدت أنظاره عليه:
-رايح فين؟
رد بعصبية ضاعفت من قلقه:
-بأقولك هات مفاتيح العربية!
حرك رأسه يإيماءات متتالية وهو يرد ممتثلاً:
-ماشي هاخليك تسوق، بس أنا جاي معاك!
……………………..…………
لم تكن قد أفرغت حقيبتها بالكامل بعد، جمعت “آسيا” ما تركته على الفراش وعلى الكومود دون ترتيب ودسته فيها، ثم أكملت ارتداء ثيابها على زي السباحة ولم تكترث بتجفيف جسدها أو حتى شعرها المبتل، فقط جمعته على هيئة ذيل حصان لينساب خلف ظهرها بتموجات سوداء امتزجت مع بشرة ظهرها البيضاء، اتجهت إلى المصعد محدثة نفسها بحنق:
-مش هاستنى هنا لحظة
ضغطت على زر استدعائه لأكثر من مرة وهي تكمل حديث نفسها المزعوج:
-ناقص تاني إيه يتعمل علشان حد يربي الكلاب دول
ولجت إلى الداخل مندفعة بعصبية فلكزت إحدى المسنات بكتفها، بدت غير عابئة بنظرات الأخيرة المزعوجة منها والتي كانت بصحبة زوجها، همست السيدة بسبة خافتة لزوجة فالتفت “آسيا” نحوها تنظر لها شزرًا كتعبير عن سخطها منها، تعمدت أن ترد عليها بطريقتها المعهودة في التباهي بأنوثتها لتثير حنقها وتجبر زوجها على النظر إليها، استشاطت المرأة غيظًا مع دلالها الزائد بجسدها، ابتسمت لها “آسيا” مرددة نفس الكلمة اللاذعة لها وهي تخرج من المصعد متجهة إلى الاستقبال، أوقفت حقيبتها ووضعت يدها على الطاولة الرخامية المرتفعة فتساءل الموظف بلباقة:
-ايوه يا فندم
أجابته باستعلاء وهي عابسة الوجه
-عاوزة أعمل check out
ولكونه على علم سابق بهويتها فخشي الموظف أن تكون ضيفة الفندق قد انزعجت من سوء الخدمات أو من تقصير أحدهم معها، فتساءل باهتمام:
-في حاجة حصلت ضايقتك يا فندم؟
ردت نافية وهي تزفر باستياء:
-لأ، عندي ظروف ومضطرية أرجع، من فضلك شوف الإجراءات علشان أمشي
هز رأسه بالإيجاب متفهمًا طلبها وهو يرد:
-حاضر
ظلت “آسيا” تطرق بأصابعها على السطح الرخامي ريثما ينتهي الموظف من الأمور الروتينية، تركت حقيبتها مع عامل بالفندق ليوصلها إلى سيارتها ليبدو كل شيء جاهزًا حينما توقع على الأوراق، ما جعلها تستثار في ثانية ذلك الصوت المقيت الذي صاح باسمها:
-“آسيا”
أدارت رأسها في اتجاه صاحبه فوجدت المنظم الذي خدعها، رفعت سبابتها أمام وجهه تحدثه بصرامة:
-ولا كلمة
أمسك بسبابتها يقبلها بطريقة مقززة فسحبت يدها للخلف مبدية نفورها منه، قطب جبينه متسائلاً بضيق مصطنع:
-في إيه بس يا جميلة الجميلات؟
أولته ظهرها قاصدة تجاهله لكنه اقترب منها مقلصًا المسافات بينهما، سألها بهمس وهو يميل نحوها:
-ينفع تختفي فجأة كده وتزعلي الضيوف مننا
اشمئزت من راحة أنفاسه الكريهة التي كادت تصيبها بالغثيان، أبعدت وجهها عنه لترمقه بنظرات احتقارية وهي ترد بتأفف:
-ضيوفك إنت مش أنا
هز رأسه بحركات متفهمة ثم تابع قائلاً بجمود:
-تمام
راقبها حتى انتهت من توقيع الأوراق وحينما أوشكت على التحرك اعترض طريقها متابعًا بنبرة ذات مغزى:
-بس “سامر” بيه مضايق، يعني هو سايب مشاغله واللي وراه علشان يقضي وقت لطيف هنا واحنا كده نبوظله الـ vacation (الأجازة) بتاعته
وكأنه نزع صمام الأمان عن سلاح ناري معد مسبقًا للفتك بالأعداء، صاحت فيه صارخة بنبرة حادة لفتت الأنظار نحوهما:
-ماتجبش سيرة الحيوان ده تاني قصادي
تلفت حوله بقلق وحاول الابتسام ليخفي ذلك الحرج الكبير الذي بات فيه، هدأها قائلاً:
-ماشي.. بلاش شوشرة بس
رمقته بنظرات دونية قبل أن تكمل بازدراء:
-وبعدين أنا بأتكلم معاك ليه أصلاً، دي غلطتي من الأول إني أوافق على حاجة تبعك وإنت سمعتك معروفة عند الكل!
حدجته من جديد بنظرة مهينة لتكمل بعدها سيرها مبتعدة عنه، لحق بها متسائلاً بقلقٍ:
-رايحة فين؟
حذرته بلهجة عدائية:
-إبعد عني بدل ما أندهلك الأمن
رفع المنظم يديه مشيرًا إلى عدم رغبته في اللجوء إلى العنف للتعامل معها، ولكن كان ذلك تمويهًا زائفًا ليمنح الفرصة لذلك الثري ليقترب منها، شعرت “آسيا” بتلك اليد التي تتلمس ظهرها فانتفضت في وقفتها وهي تلتفت للجانب لتجده ملتصقًا بها، ابتسم لها قائلاً:
-“آسيا”
أزاحت يده عنها وهي تنظر له باحتقارٍ، تراجعت خطوة للخلف محذرة إياه بشراسة:
-إياك تلمسني تاني!
لوى ثغره للجانب معبرًا عن إعجابه بوحشيتها التي تستفز رجولته وتحرك فيه النزعة الذكورية المسيطرة، كانت بثيابها شبه المبتلة أكثر إغراءً، بل وضاعفت من رغبته في التودد أكثر إليها وربما افتراسها إن منحته الفرصة لذلك، استطرد حديثه قائلاً بتفاخرٍ ومتعمدًا الإشارة إلى سلطته القوية وهيمنته:
-إنتي هنا في مكاني، مملكتي بمعنى أدق
أدارت رأسها في أرجاء البهو بنظرات غير مبالية، ثم جمدت أنظارها عليها لتقول بعدم اكتراث وكأن ما يملكه غير كافٍ لاسترضائها:
-اشبع بيه!
اغتاظ من أسلوبها المتهكم على نفوذه وشخصه، اندفع بهوجائية نحوها قابضًا على رسغها بيده، ومطوقًا خصرها باليد الأخرى، صاحت فيه بغضب مهددة إياه وهي تدفعه من صدره بقبضتها المتحررة:
-ابعد عني أحسنلك، إنت مش عارف بتتعامل مع مين
غمز لها هامسًا وهو يجبرها على التحرك مع خطواتها بعيدًا عن رواد الفندق:
-لأ عارف كويس
شدد من ضمه لها مكملاً بمكرٍ:
-ودافع حسابك مقدمًا يا حلوة
-أها، العرض الفشنك إياه
مال عليها متعمدًا تقريب أنفاسها من بشرتها:
-مظبوط
لم تستسلم كالمرة السابقة لقوته الخشنة عليه بل لجأت لشحذ قواها الغاضبة وتوجيهها للدفاع عن نفسها، ركلته بشراسة أسفل معدته مسببة له ألمًا شديدًا في موضع حرج مما أجبره على تحريرها والانحناء بجذعه للأمام كاتمًا ما يشعر به من أوجاع، تراجعت مبتعدة عنه وهي تصيح بانفعال:
-ده تاخد حسابه من اللي ضحك عليك وفهمك إن “آسيا شرف الدين” سهلة وللبيع!
حدق الجميع فيهما فبات “سامر” في موقف حرجٍ للغاية، فكل الأعين الآن مسلطة عليه، خاصة الغرباء ممن لا يعرفهم، اعتدل في وقفته رغم الألم الشديد، فرمقته بنظرة أخيرة أشعرته بازدرائها له، استفادت “آسيا” من الموقف وأكملت سيرها المتعجل هاربة منه، لكن بقيت أنظاره مسلطة عليها، كان أفراد الأمن متحفزين للإمساك بها لكن تلك الإشارة الضمنية من يده ومن عينيه جعلتهم يتراجعون للخلف، دس “سامر” يديه في جيبي سرواله القصير قائلاً باستمتاع وقد وجد في الأمر تحديًا من نوع يحبذه كثيرًا:
-مش مع “سامر عمران” يا “آسيا”!
……………………..…………………….
ظل مرابطًا لساعات أمام مدخل البناية التي تقطن بها رغم تأكيد حارسها أنها ليست متواجدة بها، أصر “معتصم” على البقاء متجاهلاً توسلات ابن عمه بالذهاب، فشل الأخير في إقناعه بالعدول عن رأيه، ولم يرغب بالطبع في تركه بمفرده، تحرك ليقف قبالته قائلاً بامتعاض:
-هاتستفيد إيه من الوقفة دي؟
نظر في نقطة ما بالفراغ مكتفًا ساعديه أمام صدره ومتخذًا الصمت وسيلته، استند “نبيل” بظهره على جانب السيارة مكملاً بانزعاج:
-طب تعالى نقعد في كافيه قريب من هنا يا “معتصم”
لم يعلق عليه، واكتفى بالتحديق أمامه متوعدًا إياها، بالطبع كان ابن عمه ملزمًا بطمأنة العائلة عليه ليتجنب حالة القلق السائدة هناك، راقبه في صمت ملول منتظرًا أن يتخلى عن عناده ويأتي معه، بينما كان “معتصم” في عالم آخر خاص به، وضع في رأسه عشرات السيناريوهات المختلفة لمحاسبتها على ما اقترفت من أخطاء متخيلاً استجدائها للعفو والسماح بعد أن لوثت سمعتها وسمعة المحيطين بها، لكن كل أوهامه كانت تنتهي بالفشل الذريع وابتسامتها الشيطانية انتصرت في الأخير، تحفزت خلاياه من جديد ضدها، أراد إفراغ شحنته المتأججة بداخله فيها، لن يعود إلى منزله وهو بتلك الحالة، بل ربما سيهدأ إن عنفها بقسوة، تأهب بالفعل حينما رأى إحدى السيارات تقترب قبيل الفجر من المنطقة، استطاع أن يميز وجهها المختلف من خلف الزجاج، استعد للهجوم عليها ريثما تقترب منه كي لا يثير فزعها فتهرب قبل أن يمسك بها، لاحظ “نبيل” التوتر الذي ساد على تعابيره مع مجيء تلك السيارة، توسله راجيًا:
-بلاش تهور من فضلك
رمقه بنظرة جامدة مليئة بالغموض والشر مما ضاعف من إحساس الخوف بداخله، وبمجرد أن صفت سيارتها كان هو في طريقه إليها، بدت “آسيا” في حالة إنهاك من القيادة المتواصلة لساعات فلم تنتبه لقدوم “معتصم”، ترجلت من السيارة فتفاجأت بمن يقبض على رسغها، ظنت أنه سارقًا تربص بها فأوشكت على الصراخ لكن يده الأخرى كانت الأسبق على فمها، حدقت بأعين متسعة في رعب لوجهه في البداية، لكن سريعًا ما تحولت نظرات الخوف إلى غضب شديد، ضغط “معتصم” على شفتيه محذرًا:
-هاتيجي معايا من سكات
حاولت التملص منه والحديث لكنه حاصرها جيدًا وألصقها بسيارتها متابعًا بنفس الخشونة والشرر يتطاير من عينيه:
-وقت الحساب جه!
احتقنت نظرات “آسيا” مع تهديده المتطاول عليها، ولو لم تكن منهكة من قبل لتصدت له بكل قوتها، تطلبها الأمر مجهودًا زائدًا لتتخلص من قبضتيه، بدت كمن يحرك جبلاً صامدًا، ساعدها قليلاً تدخل ذلك الغريب الذي بدا مذعورًا وهو يقول:
-إيه اللي بتعمله ده، الناس هتتفرج علينا وهتحصل مشكلة
استخدم قوته الجسمانية في إبعاد ابن عمه عنها، وكانت تلك فرصة ذهبية لنيل حريتها، صرخت توبخه بتهديد قوي:
-هتندم على ده!
رد بعدائية أشد شراسة رافعًا إصبعه أمام وجهها مهددًا:
-ماتكلميش!
فغرت ثغرها مدهوشة من جرأته المهددة لها دون أن تفهم السبب، استجمعت جأشها لترد بانفعال:
-الظاهر إنك عاوز تتهزأ من تاني
ثم أطلقت ضحكة رقيعة مضيفة بعدها بتهكم وهي تنظر له ساخرة:
-واضح مزاجك بيجي على ده!
كانت إهانة واضحة لرجولته التي لن يقبل بالمساس بها، انتفض بكل ما أوتي من قوة ممتلئًا بشحنة مضاعفة من غضب ممزوج بانفعالات زائدة دافعًا “نبيل” للجانب ليغدو أمامها، أطبق على عنقها يخنقها بقبضته ضاغطًا على عروقها النابضة وهو يقول من بين أسنانه بشراسةٍ:
-مزاجي مش هايجي إلا على موتك النهاردة ……………………..………. !!
……………………..……………………..……….

error: