رواية مودة ورحمة تأليف شيماء عبد العزيز

(مودة ورحمة) الحلقة15

وفجأة سمع صوت على المائدة يهتف باندهاش: حلا!!!
وما إن اقتربت حلا من المائدة حتى رأت ذلك الشخص الذي يقف بذهول ويتطلع عليها غير مصدقًا لما يراه.. هذا الوجه هي تعرفه تمام المعرفة
وما إن وصلت ووقفت عند المائدة:
الحوار ده المفروض بالفرنسية وبما أني لا أجيدها هكتب الترجمة بالفصحى
الشخص: حلا! أهذه أنتِ حقًا.. حين عدت من سفري أخبروني أنكِ سافرتي لتقيمي مع عائلتك وسوف تستقرين معهم في بلدك
حلا ببعض الإحراج:نعم سيد أمجد لقد عدت إلى وطني وأنا الآن أقيم مع عائلتي
أمجد:أنا حقًا سعيد لرؤيتك الآن لقد ظننت أنني لن أراكِ ثانية
في ذلك الوقت تحدث حمزة بعصبية من هذا الشخص الذي ينظر ويتحدث مع حبيبته بهذا الشكل: يبدو أنك تعرف حلا جيدا سيد أمجد
أمجد: بالطبع أعرفها فحلا كانت من أكفأ الموظفين في الشركة كما أنها قدمت الكثير من أجلها ولقد تفاجأت حينما عدت من سفري ووجدتها قد قامت بتقديم استقالتها وتركت الشركة
حمزة:لكني على دراية أن شركتك تختص بالهندسة فهل كانت حلا تعمل لديك بمجال الترجمة؟
أمجد بابتسامة: بالطبع لا فالمهندسة حلا كانت تعمل بمجال العمارة..لقد خسرناها بالفعل
حمزة مشددًا على كلامه: لكنا فزنا بها في المقابل
ونظر إلى حلا نظرة أربكتها ثم تنحنح قائلا: دعونا نبدأ
(أمجد هو شريك حمزة المقيم في فرنسا لقد ولد في فرنسا من أب مصري وأم فرنسية وعاش حياته في فرنسا كما أنه يشبه الأجانب في ملامحه فقد ورث الكثير من أمه…. يعرف العربية لكنه لا يتحدث بها كثيرا فقد كان يتحدث بها مع حلا ويحرص على أن يناقشها في أمور العمل بالعربية ..أما عن عمره فكان في عمر ال35 وسنعرف المزيد عنه لاحقًا)
بعد انتهاء عشاء العمل ومناقشتهم في أمر المشروع الجديد
انتهز أمجد فرصة أن حلا تلملم أوراقها فذهب إليها يحدثها: حلا أريد أن أتحدث معك
حلا وهي ما تزال تنظر إلى الأوراق على الطاولة: أراك عدت للحديث بالفرنسية مجددا
أمجد وملامح الحزن ترتسم على وجهه: أبي توفي وأنتِ سافرتِ لذلك لم أجد من أتحدث إليه بالعربية
حلا بدهشة وحزن: حقًا آسفة…ثم تحدثت بالعربية: البقاء لله
أمجد بالعربية: ونعم بالله
كان حمزة يتابع هذا الحوار ويكاد الشرر أن يتطاير من عينيه وعلى وشك أن يقوم بارتكاب جريمة فذهب إليهم سريعًا
حمزة بلهجة قاسية: خلصتي
رفعت حلا رأسها لترد عليه لكنه لم يستمع إلى ردها وتابع بصوت أجش:اطلعي على أوضتك
أوشكت حلا أن ترد عليه ،فكيف يحدثها بهذا الأسلوب لكنها وجدت أن الموظفين ينظرون إليهم ويتابعون ما يحدث فآثرت الصمت وذهبت غاضبة
أمجد وقد شعر بالضيق من أسلوب حمزة: كيف لك أن تحدثها بهذا الأسلوب
حمزة وهو ينظر إليه بغضب: وما دخلك أنت.. أنا ابن عمها.. من أنتَ لتحدثها من الأساس
عندما جاء أمجد ليرد عليه وجدا صوتًا يهتف:أمجد!!!

في شركة القاسم وتحديدًا غرفة آسر
آسر: ممكن اعرف اسمك ايه ايه يا آنسة
نظرت إلى أصابعها وهي تشعر بالإحراج لما تسببت به صباحًا فردت بخفوت: الاء
آسر بتلاعب وسخرية: من حسن حظي إني اشوفك مرتين النهارده وسبحان الله في المرتين عامله مشكلة …إنتِ مبتعرفيش تعملي حاجة في حياتك إلا المشاكل
نظرت إليه شذرا وقد زال عنها الإحراج إثر جملته: مسمحلكش على فكرة
آسر باستفزاز: ايه قولت حاجة غلط؟
الاء بغضب: عن إذنك
وانتصبت واقفة تنوي الذهاب
آسر: والشغل؟
الاء باستفزاز مماثل: خليهولك مش عيزاه
آسر وقد لحق نفسه وتحدث بجدية: إنتِ قولتي إنك محتاجة الشغل واحنا كمان محتاجين موظفة بأسرع وقت خلينا نتكلم جد ونبدأ المقابلة
الاء وقد تذكرت حاجتها للعمل وما دفعها إليه ولكن كان يبدو على وجهها التردد
آسر وقد حسم الأمر: ممكن تقعدي ونخلينا في الجد بقى
امتثلت لأوامره وجلست وبدأ معها المقابلة وبالفعل أبهرته بأجوبتها وخبرتها رغم أنها تعتبر حديثة التخرج مما دفعه لسؤالها:
آسر مستفها: انتِ كنتي بتشتغلي قبل كده لإن واضح عندي إنك حديثة التخرج بس ما شاء الله عندك خبرة
الاء بثقة: كنت بنزل تدريب في شركات أيام الأجازة غير الكورسات اللي كنت باخدها أيام الدراسة
آسر: هايل
انتهت المقابلة على أن يتم الاتصال بها لو قبلت

في المستشفى
زارت ملك جميع المرضى إلى أن وصلت لغرفة سيف وطرقت وانتظرت إلى أن أذن لها بالدخول..وعندما دلفت إلى الغرفة وجدته مستغرقًا في قراءة كتاب
ملك بابتسامة: السلام عليكم
ترك سيف الكتاب ونظر إليها سريعا وارتسمت على وجهه ابتسامة: وعليكم السلام
قالت ملك بعبوس مصطنع: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وانا بقى عايزة اللي أحسن منها
رد سيف بضحكة كشفت عن أسنانه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته…ها ارتحتي
ملك بضحكة مشرقة: ارتحت..ها بقى كنت مندمج في ايه
سيف وقد عادت ابتسامته: أبدا كنت بقرأ في كتاب من الكتب اللي جبتهالي
ملك:وعجبك
سيف:جدا
وظلت تتحدث معه وتقوم بواجبها كطبيبة وكان يبدو عليها السعادة وتفكر في أن سيف بعد هذه المدة بدأ يعود إلى شخصيته وابتسامته وضحكته بل وأحيانا المزاح بمرح ..ولكن تبًا ما هذه الرجفة التي تحدث في قلبي حينما أرى ضحكته من المفترض بي أن أغض بصري..وما ذلك الألم الذي يغزو قلبي ما إن يتطرق الحديث بنا إلى خطيبته السابقة رغم أنه يبغضها..لكني أريده أن ينساها ولا يحمل لها أي شئ حتى لو كان كرهًا
أفاقت على صوت يناديها
سيف:ملك ملك إنتِ معايا
ملك:ها…آسفة سرحت شوية
سيف:مل..أقصد دكتورة ملك.. في حاجة ؟ شكلك مرهقة النهارده
قامت ملك من كرسيها متوترة: لا أبدًا بس انا لازم امشي عن إذنك
(وخرجت سريعًا)
سيف بحزن: سلام
كانت ملك تنوي الذهاب إلى منزلها.. إنها بالفعل تشعر بالإرهاق ولكنها تذكرت أنها يجب أن تعود لترى بسنت كما أخبرتها.. وقبل أن تذهب إليها تذكرت شيئا..فذهبت إلى مكتبها وفتحت خزانتها والتقطت شئا وأخذته وذهبت متجهة إلى غرفة بسنت وما إن طرقت الباب ولم تسمع الإذن بالدخول حتى فتحت هي الباب لتطمئن على بسنت
وما إن أبصرتها حتى وقفت دون الاستطاعة على الحركة
فقد كانت بسنت ساجدة لله عز وجل على سجادة الصلاة تبكي وتبكي كما لم تراها ملك تبكي بهذه الشدة من قبل وتدعو خالقها
تركتها ملك إلى أن أنهت صلاتها وكانت قد هدأت تمامًا ثم تقدمت إليها وجلست أمامها ومدت يدها تعطيها الشئ الذي جلبته من أجلها
مسحت بسنت آثار دموعها بظاهر يدها كالأطفال ومدت يدها لتأخذه وهي تقول بذهول: مصحف!!
ملك بتأثر: افتحيه على سورة (الفرقان) آخر صفحة الآية 68 واقرأي بصوت عالي
نفذت بسنت ما قالته ملك وفتحت آخر صفحة في السورة وبدأت أن تقرأ (والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما.يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا) بدأت أن تبكي مرة أخرى فقد شعرت أن الكلام موجه إليها فهي التي ستلقى الجزاء والعقاب والعذاب جراء ما فعلته
حثتها ملك على أن تكمل القراءة
فأكملت(إلا من تاب وءامن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًر رحيمًا. ومن تاب وعمل صالحًا فإنه يتوب إلى الله متابًا) ظلت تبكي ولكن هذه المرة مختلفة فهي غير مصدقة ألهذا الحد يصل كرم الله ..ظلت تنظر إلى ملك كأنها تترجاها أن تؤكد لها ما فهمته
وبالفعل لم تخذلها ملك وأجابت وهي تهز رأسها بالموافقة
ملك: أيوه..أيوه يا بسنت ربنا كريم جدا مجرد إنك تتوبي بيسامحك علطول مش بس كده ده كمان بيبدل سيئاتك حسنات شوفتي كرم ربنا أد ايه
ظلت بسنت تبكي لكن هذه المرة تنقي روحها سعيدة أنها لا زالت لديها فرصة
ملك وهي تربت على كتف بسنت: لسه أدامك الفرصة اللي كتير بيتمناها بس للأسف ضاعت منه لإنه مبقاش موجود بيتمنى بس لو ربنا يحييه تاني علشان يستغلها ويتوب ويرجع لربنا… احنا بقى لسه عايشين وأدامنا الفرصة خلينا نستغلها.. توبي يابسنت ..نقي روحك.. انسي اللي ظلموكي ربنا مش هينساهم وهيعاقبهم…
سيبيهم للي خلقك هو قادر يجيبلك حقك.. ارجعي تاني لربنا..مضيعيش عمرك على تفاهات مش هتفتكريها في دار الخلد ومش هتفيدك بحاجة.. محدش عارف عمره هينتهي امتى ..زي ما قولتلك الفرصة لسه أدامك استغليها قبل ما تضيع
بسنت بدموع وتحدي: هستغلها
ربتت ملك مرة ثانية على كتفها: أنا لازم امشي دلوقتي أشوفك بكرة إن شاء الله

باسل:أمجد!!!
نظر إليه أمجد في ذهول:باسل!!
واندفع إليه يضمه باشتياق:كيف حالك باسل لقد اشتقت إليك يا رجل
باسل: وأنا أيضًا كيف حالك أنت وحال الصغير
أمجد:كلانا بخير لكنه يشتاق إلى حلا كثيرًا ويسأل عنها باستمرار
كان حمزة ينظر إليهم مذهولًا ولا يعرف عما يتحدث هذان الاثنان وأي صغير هذا الذي يشتاق إلى ملاكه…يجب أن يعرف عما يتحدثان وما علاقة هذا المدعو أمجد بحبيبته
…………………………………
ونكمل الحلقة القادمة إن شاء الله?
شيماءعبدالعزيز

error: