رواية حب تحت الرمال
¤ حبيبي المجهول ¤
———————-
تحولت نظرات الفزع في عيني ليلى إلى الاستغراب الشديد ، لدى رؤية الفتاه المرافقه لأخيها ، دققت النظر ، إنها بالتأكيد ابنة جارتهم الفنانه ، و التي أوصاهم والدهم بعدم الاحتكاك بها.
قال كِنان محاولا طمأنتها : احنا فزاويه بعيده و مظنش هيشوفنا .
قالت ليلى : ربنا يستر ، ربنا يستر .
قال كِنان المعطي ظهره للباب : أنا هابص أشوف لو ممكن تخرجي من غير ما ياخد باله.
استدار كِنان ببطء شديد ، ثم قال بحنق : فاتن !
سألت ليلى على الفور : انت تعرف البنت اللي قاعده معاه دي .
التفت كِنان لليلى و قال بضيق : هو اخوكي مصاحبها !
قالت ليلى بحنق : معرفش ، و كويس إنك عرفتني قعدتنا مع بعض دي معناها ايه .
قال كِنان بأسى : حرام عليكي ..انتي اصلك مش فاهمه حاجه .
قالت ليلى بارتياب : أفهم ايه ، و بعدين هو انت كان في بينك و بين البنت دي حاجه ….؟
صمت كِنان ، لتقول ليلى : سكت ليه …
ثم أضافت بحرقه : عارف لو مكنتش خايفه يحيى يشوفني ، مكنتش استنيت هنا ثانيه واحده.
قال كِنان بغضب : و أنا لو مكنتش خايف عليكي كنت قمت جبتها من شعرها .
قالت ليلى بتهكم : الله و كمان بتغير عليها ، ده أنا طلعت أكبر مغفله فالدنيا .
قال كِنان بحرج :مش عارف أقولك ايه ، فاتن دي تبقى أختي !
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
شعرت فاتن بالخزي الشديد من تصرفاتها مع يحيى قبل قليل ، و تساءلت هل بدأت فعلا تتأثر بنظريات والدتها ، ألم يحذرها أخاها كِنان من ذلك عندما أصرت على الاستمرار في العيش معها ، و لكن هل والدتها بالفعل كما يصفها كِنان ، أم أنه يبالغ فقط ، ففي النهايه هي لا تؤذي أحدا ، أما عن اعتراضه على استمرارها في التمثيل فذلك ناتج عن ضيق أفقه و عدم تفهمه لرسالة الفن الساميه كما أقنعتها والدتها.
سأل يحيى : تحبي نفطر ايه …؟
فاتن بحرج : أنا كلت قبل ما أخرج .
ضحك يحيى و قال : و أنا كمان فطرت قبل ما أخرج .
قالت فاتن : يبقى خلاص خلينا نمشي .
قال يحيى بضيق : هو احنا لحقنا نقعد .
قالت فاتن بخجل : أصلي حاسه إنه قعدتنا كده غلط .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
تنهد يحيى مرتاحا ، و محتارا في نفس الوقت ، فقلبه يخبره بأنها ليست بالتسيب و الاستهتار الذي عادة ما توحيه تصرفاتها ، أما عقله فيخبره بأن مضمنوها كغلافها و لا داعي لتعليق نفسه بها ، فلا يوجد هناك أمل بتغييرها .
سأل يحيى برفق : طب ليه أصريتي إننا نيجي هنا …؟
رفعت فاتن كتفيها و قالت : مش عارفه .
قال يحيى : طب تحبي تعرفي رأيي …..؟
أومأت ، فقال : أنا شايف إنك مش عارفه انتي عايزه ايه و بتتأرجحي ما بين الصح و الغلط ، و ده طبيعي للي في سنك .
قالت فاتن بحزم : بس دلوقتي أنا عارفه عايزه ايه بالظبط.
سأل يحيى باهتمام : و ايه بقى اللي عايزاه .
قالت بغبطه : عايزه أروح معاك ندوة الاسدال .
ضحك يحيى و قال : على فكره هي مش بالظبط ندوه عن الاسدال .
سألت فاتن : امال عن ايه !
قال يحيى : لما تحضريها هتعرفي .
قالت فاتن بضيق : بس لسه فاضل أكتر من ساعتين ، و أنا مش حابه أروح لوحدي .
قال يحيى : ما أنتي هتروحي معايا .
قالت فاتن بحرج : لا كده هتضطر تستأذن من شغلك تاني ، و أنا مش حابه أعطلك .
قال يحيى بمرح : ما أنا خلاص هازوغ النهار كله .
ابتسمت فاتن و قالت : طب أنا دلوقتي هاروح الكليه و انت بقى هتعمل ايه فالساعتين دول .
قال يحيى بثقه : هاجي معاكي و أحضر المحاضرات بتاعتك عشان أعرف انتي ليه نفسك تسقطي و تخلصي من أم الكليه دي .
ثم سأل : مقولتيش انتي بتدرسي ايه ؟
أجابته : تمثيل .
قال يحيى بانفعال : و طالما مش حابه المجال ده ، ليه تدخليه أصلا .
ضحكت فاتن برقه و قالت : أعمل ايه ، أنا مش غاويه فن و لا تمثيل ، بس ماما أصرت إني أدخل التخصص ده ، و توسطتلي جامد عشان يقبلوني عندهم فالقسم .
قال يحيى بغيظ : و ايه اللي يخليكي توافقي على كلامها ، طالما مش حابه يبقى خلاص حولي لكليه تانيه .
قالت فاتن بيأس : بالسهوله دي .
قال يحيى : طبعا ، اسمعي أحنا هانروح انهارده و نسأل لو ينفع تحولي كليه تانيه دلوقتي .
ثم أضاف : بس انتي عايزه تدرسي ايه ؟
قالت فاتن : انا كنت حابه ادرس لغات ، بحب اتعلم لغات جديده.
ابتسم يحيى و نهض من مقعده قائلا : طب يلا بينا .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
سألت ليلى باستغراب : أختك ازاي ، أنا اللي أعرفه إنه عندك أخين و مهاجرين في كندا .
قال كِنان: دي أختي من أمي ، بابا بعد ما مراته اتوفت ، اتجوز أمي .
قالت ليلى : يعني مامتك تبقى الفنانه انجي الشريف .
أومأ كِنان و أضاف : أيوه ، بس للاسف مليش علاقه بيها نهائي أو بالأحرى هي مش عايزه حاجه تربطها بيا .
قالت ليلى : طب ليه كده !
قال كِنان: أصلها شايفه جوازها من أبويا الله يرحمه كان غلطه ، كانت لسه مبتدئه في التمثيل و بابا كان صحفي كبير ، فاستغلته عشان تشهر نفسها ، لكن لما اتجوزوا و شافت حالته الماديه مش بالصوره اللي كانت متخيلاها طلبت الطلاق ، بس للاسف وقتها كانت حامل ، المهم اطلقوا و لما ولدت ، رمتني لبابا و عمرها عمرها ما حتى غلطت و سألت عليا .
قالت ليلى : انت عارف انها من كام شهر جت و سكنت هي و بنتها في الشقه اللي جنبنا .
قال كِنان: اللي فهمته آخر مره اتكلمت مع فاتن ، انه جوزها الاخير نصب عليها و اضطروا ينقلوا في شقة أهلها القديمه ، بس مكنتش أعرف إن الشقه في نفس العماره بتاعتكو .
قالت ليلى : طب و أختك ، سايبها كده ، متزعلش مني يا كنان بس أنا شفتها كذا مره و بتبقى يعني مش عارفه أقول ايه .. هدومها و لبسها ..
قاطعها كِنان: أنا أول ما خلصت كليه ، عرضت عليها تيجي تعيش معايا ، خاصه بعد وفاة بابا بقيت لوحدي في الشقه ، بس هي رفضت و قالت إنها متقدرش تسيب مامتها لوحدها ، و احنا عمرنا ما كنا قريبين من بعض ، أنا بالصدفه عرفت أن ليا أخت ، و ماما مكنتش بتحب آجي و أزورهم ، بس أنا قلت دي صلة رحم حتى لو هما مش مرحبين أنا لازم أعمل اللي عليا ، و بعدين حاولت كتير معاها لغاية أما خلاص مبقتش قادر أتعامل معاهم و أشوف الغلط و أسكت عليه ، فقطعت معاهم خالص .
قالت ليلى : بس احنا بقالنا سنين نعرفك ، أقصد يعني لؤي و انت صحاب جدا ، ليه مش بتقول إنها مامتك.
قال كِنان: ده موضوع محبش حد يعرفه ، هو انتي عمرك ما شفتي أفلامها.
أومأت ليلى و قالت : معاك حق ، فعلا أفلامها حاجه صعب جدا ، بس انت كده عقدت الحكايه جدا.
قال كِنان: ازاي يعني ..
قالت ليلى : بابا لو عرف إنها مامتك عمره ما هيوافق عليك ، هو في نظره الراجل اللي ملوش كلمه على أهله يبقى مهواش راجل ، وا نت دلوقتي تعتبر الراجل بالنسبه لمامتك و أختك.
قال كِنان: و هو ايه اللي هيعرفه ، بلاش نتوقع البلا قبل وقوعه.
قالت ليلى : انت مش شايف يحيى بيبصلها ازاي ، أنا أول مره أشوفه بيبص لبنت كده ، ده على طول بيغض البصر، و مش بعيد يكون عايز يرتبط بيها رسمي.
استدار كِنان ثانيه ، ثم ضرب المنضده بشده ، لتقول ليلي : شفت انت مدايق ازاي عشان أختك ، اللي بتقول قطعت علاقتك بيها ، ايش حال أخواتي أنا ، قعدتنا و كلامنا ده غلط.
كِنان: أنا آسف ..
ليلى : اهم قاموا اهم …
قال كِنان بعد أن خرج يحيى و فاتن من المقهى : خليكي انتي هنا ، ثوان و راجعلك ، ها.
قالت ليلى بعتاب : انت ناوي على ايه….؟
كِنان مطمئنا : هتأكد إنهم مشيوا عشان تقدري تخرجي.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
و على بوابة المقهى شعر كِنان بالعجز الشديد ، فا هي أخته في الطريق للسير على خطى والدتهم ، دون أن يستطيع فعل أي شيء حيال ذلك ، أغمض عينيه متجنبا النظر إليها برفقة يحيى ، هز رأسه ، لقد حاول انتشالها من ذلك المستنقع و لكنها أبت ترك والدتها ، لقد أدى واجبه و انتهى الأمر .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
ركبت ديما في السياره مع خالتها و ابن خالتها لؤي بعد أن اودع والدها المستشفى لاجراء الفحوصات اللازمه للعمليه و بقيت والدتها مقيمه معه في غرفة المشفى…
قال لؤي مازحا : لسه كلبوزه زي ما انتي.
ارتبكت ديما من دعابته ، فلطالما كانت طفلة سمينه ، و لكن اليوم و بعد أن أتمت عامها الخامس عشر ظنت أنها فقدت الكثير من الوزن ، و استطاعت أن تمحي صورة الطفله السمينه من حياتها و إلى الأبد ، و لكن يبدو أن فتى أحلامها لا يرى ذلك.
قالت خديجه : كلبوزه ده ايه ، دي ديما زي القمر.
قال لؤي : بس برده كلبوزه ، وبعدين مالك ساكته كده ، اوعي تكوني جعانه.
قال دعابته ثم انفجر ضاحكاً.
قالت خديجه معاتبه : و بعدين يا لؤي .
قالت ديما مصطعنه المرح : سيبيه يا خالتو ، أنا مش بدايق من هزاره.
قال لؤي : شفتي اللي بدافعي عنها ، اهي قالتلك اطلعي منها انتي.
قالت ديما : لا مش قصدي كده.
ربتت خديجه على يدها و قالت : أنا فاهمه قصدك يا حبيبتي متقلقيش .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
استيقظت نوف على صوت هاتفها معلنا وصول رساله جديده ، أزاحت الغطاء و تناولت هاتفها ثم ابتسمت بعد أن قرأت محتوى الرساله المرسله إليها من أنس ، و التي يطلب منها أن تحادثه وجها لوجه حتى تكون أول ما تقع عيناه عليه هذا الصباح.
و قبل أن تدلف إلى الحمام ، توجهت إلى حاسوبها و قامت بفتح برنامج السكايب ، لتجد أنس بانتظارها قبلت طلب المحادثه و أضاءت كاميرا الحاسوب الخاص بها.
قال أنس : صباح الجمال يا أجمل نوف في الدنيا.
قالت نوف بخجل : جمال ايه بس و أنا شعري منكوش كده.
قال أنس : امممممم منكوش و لا متسرح برده طعمه.
قالت نوف : طب يلا بقى عشان تشوف شغلك.
قال أنس : كده بسرعه زهقتي مني ، طب أنا ماشي اهو و مخاصمك كمان.
قالت نوف على الفور : لا مش قصدي ، ارجوك متزعلش مني.
قال أنس بخبث : لو مش عايزاني أزعل يبقى تسمعي الكلام.
سألت نوف باهتمام : كلام ايه….؟
قال أنس : مش انتي قولتي امبارح أنك هتخرجي انهارده و تعملي شوبنج .
قالت نوف : مزبوط.
قال أنس : طب أنا هبعتلك صورة موديل عايزك تجيبي زيه و تلبسيهولي لما نتكلم الليله.
قالت نوف بمرح : بس كده ، من عنيا ، ابعتلي الصوره يلا.
قام أنس بإرسال الصوره ، لتفتحها نوف ثم تشهق : لا مش هاقدر ألبس حاجه كده ادامك.
قال أنس بغضب : طيب ، و أنهى المكالمه دون أي كلمة أخرى .
و على الفور اتصلت به نوف ، رد قائلا : طالما زعلي هين عندك كده بتتصلي ليه.
قالت نوف : حرام عليك ،أنا قولت ايه يزعلك.
قال أنس : عشان مش بتسمعي الكلام.
قالت نوف : طب خلاص خلاص ، هاشتري الموديل و أمري لله.
قال أنس بضيق : أما نشوف .
أغلقت نوف الخط غير مقتنعه بما وعدته به ، و لكنها لا تقوى على خصامه ، فآخر مره تخاصما فيها لم يحادثها لمدة شهر كامل و ذلك بسبب رفضها أعطاءه قبله على الهواء كما طلب منها ، تنهدت نوف ساخره من نفسها، فتلك القبله قربت بينهما أكثر فأصبح حديثه معها يوميا، و لم تعد تخجل من إرسال تلك القبلات له ،بل و رأت السعاده في عينيه ، طبعا معه حق ، عليها أن تفعل الأشياء التي تسعده فذلك سيقربهما من بعض بصوره أسرع.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
دلفت فاتن إلى قاعة الندوه برفقه يحيى بعد أن عادا من الجامعه دون ان تتقدم فاتن بطلب النقل و ذلك لعدم احضارها اي اوراق ثبوتيه ….
اقتادها يحيى ليجلسا في الصف الثاني ….
قالت فاتن : مش هتقولي الندوه دي مين الشيخ بتاعها و عن ايه.
ضحك يحيى و قال : انتي فهمتي الحكايه كلها غلط ، مفيش شيخ و لا حاجه.
قالت فاتن بانزعاج : طب ما تفهمني بدل ما انتي سايبني كده.
قال يحيى : دي ندوه الجمهور بيشارك في تجاربه فيها و كله بتمنه.
تأففت فاتن و قالت : برده مش فاهمه ، بلاش أسلوب التنقيط ده و قولي الحكايه من طأطأ لسلامو عليكو.
ابتسم يحيى و قال : و عليكم السلام.
ضربته فاتن بخفه على كتفه و قالت : أنا الحق عليا اللي سمعت كلام واحد معرفوش كفايه.
قال يحيى : بس أنا حاسس كأننا نعرف بعض من زمان.
ابتسمت فاتن بارتباك ليقول يحيى : أنا هأشرحلك الندوه دي عن ايه ، شوفي يا ستي ، احنا كشباب مشاكلنا كتيره و كلنا بنبقى عايزين حد يسمعنا و يفهمنا ، و أوقات كتير الواحد لما بيتكلم