رواية حب تحت الرمال
رواية حب تحت الرمال
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة
مقدمه
عن الحب الأول ………… سأروي
حين يصبح الواقع أجمل بكثير من الأحلام
و لكن
هيهات ان يستمر ذلك الجمال
لانه حتما سيأتي الاختبار
فهل سينجو الحب و يصحو من تحت الرمال ؟
الفصل الأول
¤ جارتي الصغيره ¤
————————–
كانت فاتن غارقة في نوم هانئ ، عندما أيقظتها طرقات متتاليه على باب الشقه ، تثائبت منزعجه من ذلك الطارق ، هل يستحق الأمر القادم بخصوصه كل تلك الضجه ، أزاحت الأغطيه و نزلت من فراشها متأففةً من غياب والدتها المستمر ، و اضطرراها إلى تولي كل كبيره و صغيره بشأن حياتهن اليوميه ، ألقت نظره سريعه في المرآه و همت بتصفيف شعرها المشعث من أثر النوم ، و لكن مع ازدياد الطرقات عنفا ، آثرت أن تذهب و تفتح الباب بحالها تلك ، فذلك القادم المزعج لا يستحق أن تتهندم من أجله .
خرجت من غرفتها و اتجهت لتفتح الباب و لكن عندما أدارت القفل كانت الطرقات قد توقفت ، فتحت الباب ، و نظرت لليمين ثم اليسار ، لترى على يسارها أنبوبة البوتاجاز ، اذن قد مل فتى الأنابيب من الانتظار ، و تركها وحيده لمصيرها مع تلك الأنبوبه ، ربما المره القادمه لن تعطيه الثمن مسبقا ، فذلك سيجعله ينتظر و يقوم بتركيبها ، أما الآن عليها أن تصلي من أجل حدوث معجزه لتستطيع تركيبها بالطريقه الصحيحه.
تقدمت محاولة حمل الأنبوبه و إدخالها إلى الشقه ، و لكنها أنزلتها على الفور و قالت بصوت منزعج : هو انتي مش ناويه تعملي رجيم و تخسي شويه .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
أغلق يحيى باب الشقه خلفه ، و تسمر في مكانه ، فلقد رأى جارتهم الجديده تحاول فاشله حمل الأنبوبه و إدخالها إلى شقتها ، هم بالتقدم و مساعدتها ، و لكنه توقف بعد أن سمعها تحادث تلك الأنبوبه.
لم يتمالك يحيى نفسه و انفجر ضاحكا على منظرها و دعابتها .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
استدارت فاتن على الفور لدى سماعها ضحكة أحدهم ، لترى شابا طويل القامه يقف على باب الشقه المجاوره لشقتهم ، و ابتسامه عريضه تزين ثغره .
شعرت فاتن بالاحراج الشديد لبلاهتها ، و مما زاد إحراجها هو تحديق ذلك الشاب فيها بشده ، و في هذه اللحظه حاولت العمل بنصيحة والدتها التي و منذ دخولها في طور النضج ما فتأت تعطيها دروسا في كيفية التعامل مع الرجال .
و أحد دروسها تلك ، هي مبادلة النظرات و بقوه مع أي رجل يقوم بتفحصها ، و إن راقها ما رأت تنتقل للدرس الثاني و هو كيفية الايقاع به ، فبنظر والدتها الرجال ما هم الا وسيله للحصول على أهدافنا في الحياه ، و عند تحقيق الهدف ، علينا الانتقال لرجل آخر ليحقق لنا أهدافاً أخرى .
تنهدت فاتن ، و قامت بالتحديق في متفحصها الشاب جدا ، فعمره بالتأكيد لا يتجاوز الثانيه و العشرون الا أنه عريض البنيان ، طويل القامه ، و ملامح وجه وسيمه للغايه، بالرغم من أنفه الذي يوحي بالعجرفه ، على عكس عيناه اللذان تشعان دفئا بلونهما الاسود الحالك ، الذي يضاهي لون شعره الكثيف المتمرد على جبينه البرونزي اللون ، و لكنه بالتأكيد وسيم جدا ، و على مقياس والدتها سيحصل على عشرة كامله بالنسبه للوسامه و المظهر خاصه مع ارتداءه هذه البدله الداكنه .
عضت على شفتها السفلى ، و تحسست جبينها الذي ارتفعت حرارته نتيجه لتطبيقها نصيحة والدتها .
ثم رفعت يدها لا إراديا و كأنها تريد تبرير موقفها مع الأنبوبه ، ثم أنزلتها سريعا إلى جانبها و قالت : أصلها تقيله اوي .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
اختفت الابتسامه عن ثغر يحيى فور استدارة جارتهم الجديده ، فلقد هاله ما رأى ، أو بالأحرى راقه ما وقعت عليه عيناه ، فجارته و التي يبدو أنها بالكاد أتمت عامها الثامن عشر ، جذابه للغايه ، و رغم تشعث شعرها و تنافره الا أن يحيى تمنى أن يمرر أصابعه خلاله و يعيد ترتيبه من جديد ، فذلك الشعر الأبنوسي ينبىء بملمس ناعم جدا ، يتناسب مع نعومة ملامح وجهها الرقيقه ، الذي يتوسطه أنف صغير مشاكس و فم وردي ، أما عيناها فاحتار ما لونها ، و عند تلك الفكره ، انتبه للخطأ الجسيم الذي اقترفه ، فلطالما غض يحيى بصره عن الفتيات العاديات منهن و الجميلات.
هز يحيى رأسه و أخفض بصره ، مستغفرا ربه في السر.
قال يحيى : طب أنا ممكن أساعدك .
قالت على الفور : ياريت ، و الا مش هاقدر اعمل اكل انهارده.
أومأ يحيى برأسه ، تقدم خطوات قليله ثم حمل الأنبوبه و قام بدخول الشقه ، و لكنه توقف عندما سمع خطواتها تتبعه، وضع الأنبوبه أرضا ، ثم استدار قائلا : هو في حد غيرك جوه .
أجابته بالنفي ، ليقول : يبقى يا ريت تستنى بره على الباب لغاية أما أركب الأنبوبه.
نظرت له باستغراب ، فقال بارتباك : يعني عشان ميصحش أدخل البيت و انتي لوحدك.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
أومأت فاتن برأسها محرجه ، ليتسدير جارها و يختفي داخل المطبخ ، و بعد انتظار دام حوالي خمس دقائق ، عاد ليظهر من جديد قائلا : هو المفتاح فين ؟
سألت فاتن بعدم فهم : مفتاح الشقه ؟
ابتسم يحيى و قال : مفتاح الأنبوبه .
قالت فاتن : ثوان و أجبهولك ، و بعد دقيقه عادت و في يدها المفتاح : اتفضل .
تناول المفتاح منها ، و بقى متسمرا مكانه على باب الشقه من الخارج.
قالت فاتن و قد أدركت سبب تردده : متقلقش أنا هاستنى عالباب من بره ، بس أصلك .. يعني واقف فالوش و مش عارفه أخرج.
حينها تراجع يحيى إلى الخلف ، خرجت و من ثم دلف هو إلى الداخل .
و بعد حوالي خمس دقائق ، أنهى مهمته و قال : أنا ركبتهالك و تقدري تتفضلي جوه .
تمتمت فاتن : استني بره ..اتفضلي جوه ، كأنها شقة اللي خلفوك..
قال يحيى : بتقولي حاجه !
قالت فاتن بسرعه و بصوت مليء بالتهكم : بقول متشكره جدا ، أنا لو قعدت من هنا لبكره مش هاقدر أشكرك كفايه .
فطن يحيى لنبرتها الساخره فقال : لو عايزه تشكريني بجد يبقى تلبسي اسدال قبل ما تفتحي الباب.
و انطلق مغادرا إلى عمله.
تثاءبت فاتن محدثه نفسها : اسدال ، أنا سمعت الكلمه دي قبل كده !
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
بقيت ليلى في فراشها مدعية النوم ، و دعت ربها أن يغادر خطيبها سريعا حتى لا تضطر إلى الجلوس معه و تحمل ثقالة دمه و سخافته .
طرق أحدهم باب غرفتها ، بالتأكيد تلك والدتها .
دلفت خديجه إلى الغرفه قائله : ليلى ، اصحي بقى عشان تفطري مع خطيبك .
لم تجب ليلى ، أزاحت خديجه الغطاء عن وجه ابنتها و قالت : و بعدهالك يا ليلى ، ميصحش كده ، كفاية امبارح نمتي بدري و مقعدتيش مع خطيبك اللي جاي مخصوص مالبلد عشان عيد ميلادك.
جلست ليلي في فراشها و قالت برجاء : أرجوكي يا ماما ، أنا مش بطيقه و لا بطيق اقعد معاه خمس دقايق على بعض.
قالت خديجه : يا بنتي هو اللي نبات فيه هنصبح فيه ، تميم مش بس خطيبك ، ده كمان ابن عمك ، يعني لو فسختي الخطوبه ابوكي هيخسر عمك للأبد، يرضيكي ده.
قالت ليلى بحزن : لا ميصحش يخسروا بعض ، المفروض أنا اللي أخسر حياتي كلها .
قالت خديجه بعتاب : طب اديله فرصه ، اقعدي معاه ، و انتي و شطارتك تقدري تغيريه زي ما انتي عايزه .
قالت ليلى بتهكم : اغير ايه و لا ايه بس يا أمي ، ده احتمال أبوالهول ينطق ، قبل ما تتغير فتفوته في سي تميم ده.
قالت خديجه بنفاذ صبر : طب وافقتي ليه مالأول .
ضحكت ليلى بمراره و قالت : وافقت ليه ، يا ماما انا كان عندي خمستاشر سنه وقت ما اتفق عمي مع بابا على الخطوبه ، كنت فرحانه إني هابقى عروسه ، و هالبس دبله و أعيش قصة حب زي باقي البنات ، مكنتش مستوعبه يعني ايه جواز و اختيار شريك الحياه.
قالت خديجه بتردد : و دلوقتي فضالك سنه و تتخرجي ، و زي ما اتفق باباكي مع عمك هيتم الجواز ، جايه بعد كل السنين دي تغيري رأيك و تبقى سيرتك على كل لسان فالبلد.
مسحت ليلى عبره سالت على وجنتها و قالت : طب ثوان و هاخرج افطر معاكو .
أومأت خديجه برأسها و خرجت ، لتترك ليلى خائبة الأمل في والدتها ، فرغم طيبتها و فطرتها السليمه الا أن المحور الأول في حياتها هو إرضاء زوجها و إطاعته في كل كبيره و صغيره ، لاغية أي عقل أو منطق آخر ، فحتى التعاطف مع ابنتها يجب أن يحصل على التصريح و التأييد من والدها .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
جلس يحيى على مكتبه في إحدى المصالح الحكوميه التي حصل مؤخرا على وظيفه فيها بعد تسوية والده للمعاش و التوسط لدى رئيسه في العمل لتوظيف يحيى ، وظيفه لم تكن ضمن أحلام يحيى أو أهدافه ، فالعمل الحكومي روتيني و ممل للغاية ، تجلس طوال النهار للتسامر مع زملاء العمل و تناول المشروبات المختلفه و من ثم المغادره دون تحقيق أي إنجاز يذكر.
و لكن و رغم رفض يحيى لفكرة والده ، إلا أن الأخير قام بالتنفيذ و الحصول على تقاعد مبكر ، ليفاجيء يحيى و يضعه في خانة اليك ، فوالده عبدالرحمن رضوان رجل صالح و لكنه متمسك بعادات و مفاهيم و موروثات قديمه ، و من الصعب تغييرها ، لذا آثر يحيى أن يرضي والده باستلامه هذه الوظيفه ، و حينما يحقق هدفه سيتركها حتما ، مثبتا لوالده صواب قراره من البدايه .
قراره بالعمل الحر ، فلقد اتفق هو و صديقيه المقربين مالك و أنس على إنشاء شركتهم الخاصه بالبرمجه ، و لحسن الحظ مكتبه الحالي يحتوي على جهاز حاسوب يستطيع من خلاله أن يتم عمله مع صديقيه ، و حين انتهاء الدوام يمر على مقرهم المتواضع للتواصل معهم .
نعم ، لن يستغرق وقتا طويلا في هذه الوظيفه .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
جلست إنجي الشريف مستسلمه لخبيرة التزيين التي أخذت تحرك أدواتها بخفه على وجهها، محاولة خلق صوره فنيه بديعه ، لتظهرها أصغر من أعوامها الأربعين بكثير ، فالدور الجديد الذي ستلعبه يدور حول فتاة في الخامسه و العشرين ربيعا .
قالت صفا خبيرة التزيين : ها ايه رأيك يا مدام انجي .
نظرت إنجي في المرآه بتمعن ، ثم قالت بامتعاض : شفايفي معووجه كده ليه !
لوت صفا شفتيها دون أن تلاحظها إنجي و تمتمت : معووجه من البتاع اللي نفختيها فيه .
ثم قالت بصوت عال : حالا هازبطهم يا مدام .
أمضت صفا حوالي نصف ساعه أخرى مولية اهتمامها لشفتي إنجي التي قالت بعد انتهاءها : بجد تحفه .
ابتسمت صفا و قالت : قمر يا مدام قمر .
بعد مغادرة مزينتها ، تطلعت إنجي إلى مرآتها بحسره ، فقبل أعوام مضت كانت لا تحتاج إلى كل تلك البهرجه لتبدو جميله ، و لكن اليوم و بعد أن تسللت خطوط الزمن الى وجهها ، أصبحت تحتاج إلى كم هائل من الرتوش التجميليه ، فتلك الخطوط لا ترحم أحدا ، و الأدهى من ذلك هو سوء حالتها الماديه و التي جعلتها غير قادره على اللجوء للجراحات التجميليه لتخفي آثار الزمن عن وجهها الذي كان يوما حديث الناس و الصحافه نظرا لتصدره أفيشات الأفلام و تترات المسلسلات و أغلفة المجلات المختلفه.
حكيم هو من قال أن دوام الحال من المحال ، فجمالها آخذ في الرحيل ، تماما كرحيل زوجها الأخيرعنها بعد أن نصب عليها في مبلغ كبير و احتال عليها و استولى على شقتها الفاخره التي كانت تقطن بها معه و مع ابنتها فاتن ، مما اضطرها الى الانتقال لذلك الحي المتواضع و تلك الشقه الوضيعه .
تناولت هاتفها و طلبت رقم ابنتها ، التي ردت على الفور : الو ازيك يا ماما .؟
قالت انجي : كويسه ، أنا بكلمك عشان هتأخر اوي و عايزه تحضريلي مشاوي خفيفه و ضروري طبق سلطه كبير عشان الريجيم يا حبيبتي.
قالت فاتن : حاضر يا ماما ، و طالما هتتأخري يبقى أنا هانزل اشتري الحاجات ع المغرب كده ، يكون الحر خف شويه.
قالت انجي : طب كويس ، واوعي تخرجي مبهدله زي عوايدك.
قالت فاتن بانزعاج : ياماما هو أنا خارجه لمناسبه ، ده أنا هاروح السوبرماركت .
قالت انجي آمره : اسمعي الكلام ، لازم تكوني أنيقه على طول ، مش جايز حد مريَش يشوفك و يُعجب بيكي ، اوعي اوعي تلبسي الكوتشي و الجينز ، نقيلك جيبه من بتوعي و لا أي فستان كيوت من القصيرين اللي عندي.
قالت فاتن باستسلام : حاضر يا ماما .
قالت انجي قبل أن تنهي المكالمه : و متنسيش تحطي ميكب .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
ارتدت ليلى حجابها مخفيه خصلات شعرها السوداء الناعمه ، ثم جلست أمام مرآتها و التقطت الكونسيلر محاولة إخفاء الهاﻻت السوداء تحت عينيها بنية اللون ، هالات تكونت نتيجه لسهرها البارحه تتحدث مع صديقتها أماني على الفيس بوك ، حديث أدى بدوره الى اتفاقهما على التلاقي اليوم لحضور أحد الندوات التي تعدها كلية الصحافه و التي طالما تمنت الالتحاق بها كأخيها لؤي و لكن والدها كان له رأي آخر ، فالصحافه و الاعلام مجال لا يناسب الفتيات ، و بيده قدم التنسيق لكليه الاداب ، لتتخصص في اللغه العربيه .
وضعت الكونسيلر جانبا ، و أضفت بعض اللون إلى وجنتيها و ثغرها ، ثم تأكدت من احكام لفة حجابها الداكن اللون و الذي يبرز لون بشرتها القمحيه برقه.
خرجت من غرفتها و اتجهت إلى الشرفه حيث أعدت والدتها الفطور لها و لخطيبها .
وجدته منخرطا في تناول الطعام ، و كالعاده مرتديا قميصا يحتوي على ألوان الطيف بكاملها و مشمرا أكمامه ، تلاقت أعينهما ليقول : صباح الخير يا بنت عمي .
دخلت الشرفه و ردت : صباح النور ، و اسفه مقدرتش أقعد معاك امبارح كنت تعبانه شويه.
قال تميم بخبث: بكره أما يتقفل علينا باب واحد هأعرف ازاي امشيكي عالعجين متخلبطيهوش .
تأففت ليلى و قالت : أنا مش قلتلك ميت مره مش بحب الهزار السخيف ده .
لعق تميم أصابعه بطريقه مقززه و قال : و مين قال إن ده هزار يا ست ليلى هانم ، أنا صبرت عليكي كتير و على معاملتك اللي من فوق دي ، بس هانت كلها كام شهر و أطلع القديم و الجديد على جتتك .
وضعت ليلي يدها على خدها و قالت : ده كلام يطلع من واحد المفروض متعلم و بيعرف ربنا.
ضحك تميم بسخريه و قال : العلام حاجه و اللي بين الراجل و مراته حاجه تانيه خالص.
أومأت ليلي برأسها فلا فائدة من الجدال معه ، عليها أن تغامر اليوم و تُحادث والدها بشأن إنهاء هذه الخطبه .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
في مبنى الجامعه التقت ليلى بصديقتها أماني ، و اتجهتا لحضور تلك الندوه.
و في القاعه جلست ليلى بالقرب من أخيها لؤي .
قال كِنان الجالس بجوار أخيها من الجهه اليمنى : ازيك يا آنسه ليلى .
أجابت ليلى بصوت خفيض : الحمد لله .
قال لؤي منزعجاً : هششش الندوه هتبدأ عايز اسمع.
فأخيها لؤي شغوف جداً بدراسته ، و حريص على الحصول على أعلى التقديرات ، لإثبات نفسه أمام والده الكثير المتطلبات ، و خاصه بعد تعثر لؤي في شهادة الثانويه العامه و رسوبه لسنتين متتاليتين.
سنتان اضُطر فيها والده إلى تقبل وجود صديقه الانتيم كِنان في بيتهم لمساعدته على المذاكره ، فكِنان أنهى الثانويه العامه بامتياز و مرتبه أولى على الجمهوريه ، تعرف عليه لؤي من احد مواقع التواصل الاجتماعيه حينما اراد بعض الدروس الخصوصيه ليجد اعلانا من كنان عن امكانية تقديمه بعض الدروس للطلبه باسعار مخفضه للغايه ،حينها لجأ له لؤي و اصبحا منذ ذلك الحين صديقين مقربين نظرا لشغف الاثنين بالصحافه و الاعلام ، ليصبح كِنان الاستثناء الوحيد ، فلطالما منع عبدالرحمن ابنيه من احضار اي اصدقاء للبيت خوفا على ليلى ، و نظرا لتمسكه بعادات و تقاليد بلدتهم الصغيره ..
تنهدت ليلى و استرقت النظر إلى صديق أخيها لتُفاجأ بنظراته المصوبه نحوها ، أدارت وجهها بسرعة محرجه من تصرفها ، و خجلى من تحديقه بها.
لكزت ليلي صديقتها أماني الجالسه بجوارها و همست : أنا عايزه اطلع بره.
قالت أماني مستنكره : هو احنا لحقنا نعد يا بنتي.
قالت ليلى بفروغ صبر : أنا ماشيه.
نهضت من مقعدها و تبعتها أماني مرغمه .
قالت أماني بضيق : مالك ، مش جيتي عشان تشوفي حبيب القلب ، ايه اللي حصل!
شهقت ليلي و قالت : ايه الكلام اللي بتقوليه ده !
ردت أماني بهدوء : يا بنتي مش عليا الكلام ده ، الانكار مش هيفيدك ، و الواد مُز و يتحب فعلا.
ابتسمت ليلى و قالت : و الله انتي رايقه و فايقه .
قالت أماني : طب عيني فعينك كده.
قالت ليلى على الفور : اهو ، مالها عيني بقى.
نظرت أماني لصديقتها نظره المتيقن و قالت : تعالي نقعد هنا.
جلستا على أحد المقاعد و قالت ليلى : مش عارفه يا أماني حاسه إني فورطه كبيره.
سألت أماني : احكيلي …
قالت ليلى : أصل زي ما انتي عارفه مش بطيق خطيبي خالص ، و حاولت كتير ألمح لبابا و أكلمه في الموضوع بس هو محكم رأيه و شايف إنه مصلحتي فالجوازه ديه ، و يحيى و لؤي كفايه اللي هما فيه ، انتي متتخيليش بابا ازاي بيضغط عليهم و بيدخل في كل قرار بياخدوه و لازم رأيه هو اللي يمشي ، فمش عايزه أدخلهم كمان في مشاكلي.
صمتت لتستحثها أماني على الحديث : و بعدين ، أنا حاسه إنك عملتي عمله مهببه .
قالت ليلى بخجل : أصلي …
قالت أماني : أصلك ايه يا بت ما تنطقي ، سرك في بير.
قالت ليلى بحرج : مش عارفه ازاي لقيت نفسي بضيف كِنان عندي ع الفيس ، و بقينا نتكلم تقريبا كل يوم .
صفرت أماني بخفه و قالت : يا نهار مِلون ، ضفتي صاحب أخوكي ، و المنيل عادي كده يكلم أخت صاحبه ، وأنا اللي كنت فاكراه أرجل من كده بكتير.
قامت ليلى بضرب صديقتها بالكشكول الذي تحمله بيدها و قالت : اسمعي ، هو ميعرفش إنه أنا ، بس دلوقتي شاكه إنه عرفني .
حدقت فيها أماني قائله : مش فاهمه ، ابسلوتلي مفهمتش المقطعين اللي فاتوا دول ، نزلي الترجمه بسرعه.
تأففت ليلي و قالت : أصلي عملت اكاونت جديد مش باسمي و ضفت كِنان عليه ، و هو قبل طلب الصداقه ، لكن ميعرفش أنا مين ، مرضتش أقوله اسمي ، و امبارح قررت إني خلاص مش هاكلمه تاني ، و زي ما انتي عارفه سهرت معاكي ع الفيس ، بس مش عارفه أما شفته انهارده حسيت إنه عرفني و عنيه كأنها بتسألني ليه مردتش امبارح على مسجاته.
ضربت أماني كفاً بكف و قالت : عنيه بتسألك ، ده انتي واقعه لشوشتك ، يا بنتي غلط جداً اللي بتعمليه ده.
قالت ليلي بحسره : أعمل ايه مش لاقيه حد يفهمني ، و لا يُقف جنبي ، و مش عارفه امتى اتعلقت بيه ، يمكن لأنه بقى يجي عندنا البيت كتير و يمكن عشان بيحب الصحافه و الأخبار زيي ، يمكن بلاقي معاه حلمي اللي مقدرتش أحققه ، مش عارفه ، مش عارفه.
ربتت أماني على كتفها و قالت : طب و أخوكي يحيى مش بتقولي قريب منك و بيفهمك ، ليه متتكلميش معاه.
قالت ليلي : ما قلتلك كفايه مشاكله مع بابا ، و بعدين ده على طول مشغول بيخلص شغل الحكومه اللي بابا أجبره يقبله و بعديها بيروح عالشركه اللي عاملها مع صحابه حتى الاجازات بيقضيها فشغله ، مبعرفش أتلم عليه.
قالت أماني بهدوء : شوفي يا ليلي استمرارك مع خطيبك غلط ، و اللي عملتيه مع كِنان أكبر غلط.
قالت ليلى : طب ادعليلي انهارده هآخد حبوب الشجاعه و أحاول أتكلم مع بابا بخصوص تميم .
قالت أماني بحب : ربنا معاكي ، و ضروري تطمنيني ، هاستنى منك مكالمه .
أومأت ليلي برأسها و اتجهتها لاستكمال محاضراتهن لهذا اليوم.
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
خرج يحيى من الشقه محل شركته الصغيره مع صديقيه مالك و أنس ، اختار أن ينزل الدرج فمصعد البنايه المهترىء يستغرق وقتاً طويلاً في الصعود و الهبوط ، ناهيك عن تعطله المستمر ، وصل إلى أسفل الدرج ليسمع أصواتاً تأن من الألم ، توقف و أطرق السمع ، ليكتشف خطأه فتلك الأصوات تأن و لكن بالتأكيد ليس من الألم ، هم باستكمال سيره ليسمع صوت أنثوي يقول : أنس كفايه كده ، حرام عليك .
شعر يحيى بالضيق الشديد من تصرفات صديقه أنس ، فمن حوالي أسبوعين قام أنس بإحضار إحدي الفتيات إلى الشقه مقر عملهم ، لينهره كل من يحيى و مالك على فعلته تلك ، و لكن يبدو أن عتابهم معهم لم يأت بنتيجه مثمره ، فقط اضُطر صديقهم إلى تغيير المكان.
هز يحيى رأسه ممتعضاً و أكمل طريقه .
و في سيارة الأجره رن هاتفه ، أجاب على الفور : الو .
قالت خديجه : يحيى يا بني ، معلش لو هاتعبك بس كنت عاوزاك تجبلي كام حاجه من السوبرماركت .
حفظ يحيى طلبات والدته عن ظهر قلب أو هكذا ظن ، وبعد توقف السياره ، ترجل منها و دلف إلى السوبرماركت القريب من بنايتهم .
اتجه إلى القسم المخصص للمنظفات لإحضار حاجيات والدته ، بحث عن الأصناف التي طلبتها ، و لكنه كعادته احتار أيَاً يختار منها ، بقى دقيقه يُقيم الأنواع المعروضه على الأرفف ، عندما قرر أخيراً الاتصال بوالدته لمساعدته كعادتها في انتقاء صنفها المفضل.
أخرج هاتفه ، ليفاجأ بصوت أنثوي يقول : ده أفضل نوع ، بيشيل البقع و ريحته حلوه جداً.
التفت تجاه الصوت ، ليرى جارته الصغيره ، صغيره السن و الحجم أيضاً ، فبإمكانه بكل سهوله أن يضعها في عربة المشتروات كما يفعل الآباء مع أطفالهم الصغار ، و لِمَ العربه بإمكانه أن يضعها في جيبه و يغادر السوبرماركت ، ابتسم لهذه الفكره ، هل هي فعلا ضيئلة الحجم لهذه الدرجه أم يُهيأ له ذلك بسبب ضخامة بنيته هو شخصياً.
تفحصها قليلا لتختفي ابتسامته ، و يحل مكانها العبوس بسبب ذلك الفستان الذي ترتديه ، فستان قصير جداً بالكاد يصل إلى ركبتيها ، و بدون أكمام ، و يكشف كثيراً من معالم أنوثتها .
غض بصره للمره الثانيه هذا اليوم و استغفر ربه ، لتقول جارته : أنا بس حبيت أساعدك زي ما ساعدتني الصبح.
ثم أضافت : صدقني ده أحسن واحد فيهم .
عاود يحيى النظر إلى الرف ، و التقط الصنف الذي أشارت عليه باستخدامه و قال باقتضاب : متشكر.
قالت فاتن : العفو ، على ايه .
ثم تنحنحت ، ليعود يحيى بنظره إليها متسائلاً : افندم؟
قالت فاتن بحرج : معلش لو تجبلي واحد أنا كمان ، يعني عشان مش هقدر أطوله و انت بسم الله ما شاء الله طويل اوفر ، و اتبعت كلامها بضحكه صغيره.
ابتسم يحيى رغماً عنه، و التقط واحداً آخر ووضعه في عربتها.
قالت فاتن : ميرسي .
أومأ يحيى برأسه و حرك عربته ليغادر قسم المنظفات ، و كذلك فعلت فاتن.
ليعودا و يلتقيا عند موظف الماليه ، وضعت فاتن عربتها أمام عربته ، و اصطفت بجواره ، ثم قالت بصوت خفيض : ممكن أسألك سؤال ؟
نظر يحيى لها بطرف عينه ، ثم قال : ممكن !
سألت فاتن باهتمام : هو مش الاسدال بيلبسوه في الحج ؟
أعطاها يحيى كامل انتباهه و قال : ياريت لو حابه تهزري يبقى تختاري حاجه مناسبه .
عقدت فاتن حاجبيها و قالت : مين قالك إني بهزر !
قال يحيى : اتفضلي ، دورك .
زمت فاتن شفتيها و تقدمت لدفع ثمن مشترواتها .
حين خروجه من السوبرماركت آثر يحيى عبور الشارع و السير على الضفه الأخرى ، بعيدا عن جارته الصغيره ، و بعيدا عن المزيد من الذنوب ، فعيناه اليوم مصرتان على التحديق فيها و التأمل في كينونتها .
¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤¤
وجدت فاتن صعوبة كبيره في حمل أكياس مشترواتها و السير بهذا الحذاء ذو الكعب العالي جدا ، ترنحت قليلا و كادت أن تسقط ، لولا يد غليظه قامت بإسنادها في اللحظة الأخيره .
يتبع