رواية (المحترم البربري)
الفصل الخامس والأربعون (الأخير – الجزء الرابع)
أفسدت لياليه باختفائها الذي أحرق روحه وزاد من عذاب ضميره، لم يترك بقعة يمكن أن تتواجد بها إلا وذهب للبحث عنها فيها، ظن من تابعه من على بعد أنه حريص بما يختص بأمور الموضة، لكن القريب منه مُدرك لسبب متابعته الزائدة بتلك الأخبار عله يجد بين العارضات ضالته المنشودة، ورغم مرور الأشهر إلا أن “معتصم” ظل محافظًا على جدية بحثه عن “آسيا”، لام نفسه مئات المرات لتفريطه بها، هي فقط نفذت ببساطة ما طلبه منها مرارًا وتكرارًا لينكوي بعذاب هجرها له، حدق من جديد في صورتها الموجودة بهاتفه متسائلاً بحرقةٍ ومرارةٍ:
-ليه يا “آسيا”؟ للدرجادي كرهتيني؟
انحبست الدمعات المغلولة في عينيه تأثرًا بما اقترفه في حقها من تحميلها ما لا تطيق في أصعب ظروفها ليجني الآن ثمرة كراهيته السابقة لها، تنفس بعمق ليمنع نفسه من البكاء، أعاد وضع الهاتف في جيبه ليحدق من جديد بشرود في الفراغ مستعيدًا تلك الذكرى الحميمية التي منحتهما سكينة مؤقتة، ولكن ما لبثت أن تحولت إلى ذكريات شك وصدام وعنف وبغضٍ لا حدود له ليتضاعف عذاب ضميره، خشي أن يخسر ما تبقى له من أمل لملاقاتها، فقد اختارت الهجر والرحيل وبرعت لأقصى درجة فيه.
………………………………………….
نقلتها الرضيعة بحضورها الملائكي إلى عالم آخر مليء بالسعادة والتطلعات لغدٍ مشرق تتشاركان فيه حياتهما سويًا، تناست “آسيا” أحزانها وعكفت على رعاية طفلتها موفرة لها كل ما تحتاجه، شعرت بأن وجودها في ذلك التوقيت تحديدًا هو نعمة من الله لتستطيع المضي قدمًا، تغلبت على خوفها من المجهول وخبت أحزانها مع براءة الصغيرة التي استحوذت على كامل تفكيرها، فأولتها اهتمامها بالكامل بجانب متابعة عملها، تحمست كونها امتلكت لون عينيها وبشرتها البضة، حتى خصلاتها الصغيرة المتناثرة كانت سوداء داكنة مثلها، بدت الرضيعة “نادية” نسخة مصغرة منها.
شاطرتها رفيقتها المقربة “جميلة” في تربيتها واعتبرت نفسها في منزلة الخالة وإن لم يكن يجمعهما رابط الدم، التفتت “آسيا” نحوها حاملة الرضيعة من خصرها لتقول لها بلهجة شبه صارمة:
-ده دورك تغيريلها البامبرز
عبست قائلة بتذمرٍ:
-اشمعنى لازم تحطيني في الحاجات دي؟ على فكرة أنا بتاعة الفرفشة
هزت رأسها بالنفي وهي تأمرها:
-اتعلمي يا خالتو، يالا استلمي
تناولت “جميلة” الرضيعة منها لتنظر لها بنظراتٍ حزينة، وما لبث أن تحول حزنها الزائف إلى نظرات فرحة، داعبت طرف أنفها بإصبعها هامسة لها:
-عشان خاطرك يا “نادو” بس!
غمزت لها “آسيا” معلقة:
-مين أدك يا “نادو”، الدلع كله من “جميلة” هانم!
-طبعًا، هي سكرتنا!
راقبتها وهي تبدل حفاضها بآخر نظيف، تعلقت عينيها بحركاتها العفوية الملهبة للقلوب، عادت الابتسامة لتطفو على صفحة وجهها وهي تتخيلها تكبر رويدًا رويدًا أمام ناظريها، حتمًا ستستمتع بكل لحظة تمضيها معها، اتسعت بسمتها لتتحول إلى ضحكة مرحة بعد أن غابت عنها لأشهر كثيرة، شغلت بالها بأدق التفاصيل فتناست تدريجيًا مخاوفها، كما دفنت في أعماقها ذكرى ما عاشته ذات يوم من ليلة حالمة مع العاشق البربري “معتصم”.
……………………………………………..
بعد مضي ما يقرب من أربع سنوات،
لم يتخيل مرور سنواته العجاف في ذلك البلد الغريب عنه ليعود أخيرًا إلى موطنه ولو في عطلة قصيرة، تحمس “مصطفى” كثيرًا لقضاء وقت فراغه متنقلاً بين المحافظات المختلفة لينعش ذاكرته بما افتقده خلال بعثته الخارجية، كان الترشيح الأول له هو الذهاب إلى ذلك البلد السياحي الشهير، بالطبع شاهد معالمه المميزة في الكتيب الصغير فتشجع أكثر لرؤيته على الطبيعة، كما حمسه كثيرًا للمكوث هناك لبضعة أيام رغبته في التمتع بأمواج البحر والشمس الساطعة التي اشتاق إليها، مر بالمزار السياحي ملقيًا نظرات شمولية على المحال والبازارات به، فكر في أن يبتاع هدايا مميزة لأصدقائه القدامى ليهديها لهم حينما يلتقي بهم، لوح لأحد رفقائه في الرحلة القصيرة قائلاً له:
-أنا هاروح أشوف حاجة هناك، نتقابل في الكافيه كمان ساعة
رد عليه رفيقه مبتسمًا:
-أوكي، على تليفونات، سلام!
واصل “مصطفى” سيره بين حشود الزائرين المتوافدين متأملاً المعروضات باهتمام، لمح من على بعد امرأة تشبه تلك الشابة الجامحة التي التقاها قبل سنوات في منزلها وفي المشفى الذي عمل به، لم ينسَ ملامحها، فوضعها كان مختلفًا للغاية ويمس واحدًا من أعز أصدقائه، قطب جبينه مرددًا لنفسه باندهاش:
-هي دي “آسيا”؟ شبهها خالص
وليقضي على بذور شكه اقترب أكثر منها ليمعن النظر فيها عن قرب، التوى ثغره بابتسامة صغيرة هاتفًا بنبرة عالية ليلفت انتباهها:
-“آسيا”
التفتت الأخيرة نحو صاحب الصوت الذكوري الذي ناداها، رأت شخصًا ملامحه تبدو مألوفة إلى حد ما رغم عدم تذكرها لهويته، وقف قبالتها متسائلاً بحماس وقد تدفقت الدموية إلى وجهه:
-إنتي “آسيا” صح؟ مش فكراني
ردت عليه بحيرة واضحة في نظراتها إليه:
-بصراحة مش أوي
مد يده لمصافحتها مقدمًا نفسه:
-أنا الدكتور “مصطفى” اللي كنت متابع حالتك من كام سنة، وقت ما عملتي حادثة في ….
تذكرت على الفور هويته، انتابتها حالة من القلق المرتعد، واختفت تلك النضارة المشرقة من على بشرتها، تحرك بؤبؤاها بعصبية طفيفة معتقدة أنه قد جاء بصحبة “معتصم”، صافحته بيد مرتعشة، وبلا وعي سألته بتوترٍ:
-إنت جاي هنا لوحدك؟
أجابها مبتسمًا:
-لأ مع أصحابي من البعثة، من أصلي سافرت برا وفضلت هناك كام سنة ولسه راجع من كام يوم، بس قولت أغير جو.
تنفست الصعداء لكونه قد أتى بمفرده بدون ذاك الذي تخشاه، حاولت أن تحافظ على هدوء تعبيراتها أمامه كي لا تثير ريبته، ابتسمت له رغم كون بسمتها شبه باهتة ومضطربة، تفرست في وجهه لتتأكد من عدم شكه في أمرها، تابع سؤاله عنها قائلاً:
-إنتي أخبارك إيه؟ وبتعملي إيه هنا؟
أجابته بتمهلٍ:
-يعني .. ماشية
شكت في كونه على غير علمٍ بتطورات العلاقة الشائكة بينها وبين “معتصم”، معلوماته بدت محدودة للغاية، انتشلها من تفكيرها الشارد سؤاله الفضولي وهو يلقي نظرة عابرة على الإكسسوارات المميزة الموضوعة عند مدخل البازار الخاص بها:
-ده المحل بتاعك؟
اضطربت من إخباره بالحقيقة فادعت كذبًا:
-لأ
ثم تابعت موضحة بارتباك:
-آ.. البازار ده بتاع صاحبتي، وأنا بأعدي عليها كل فترة نقعد مع بعض
أومأ برأسه متفهمًا وهو يقول:
-تمام، وأنا مش هاعطلك، بس مبسوط إني شوفتك، رجعتيني لكام سنة ورا
ردت برقةٍ:
-وأنا برضوه يا دكتور “مصطفى”، وميرسي على اللي عملته معايا زمان
علق عليها مجاملاً:
-يا فندم ده واجبي، وفرصة سعيدة، عن إذنك
حافظت على ابتسامتها الصغيرة مودعة إياه:
-ميرسي، باي باي
تابعته بعينيها القلقتين حتى اختفى من أمام ناظريها، أحست بقلبها يتقاذف بين ضلوعها من التوتر المرتعد، فقد أنعش حضوره ذاكرتها بما توهمت أنها تناسته واقتحم عقلها ذكريات مزعجة اختلطت بلحظات مميزة، ضمت يدها إلى صدرها مستشعرة النهجان الذي أصاب صدرها، اضطربت أكثر مع رؤيتها لصغيرتها وهي تركض ببراءة نحوها، تلفتت حولها بهلع لتتأكد من عدم عودة ” مصطفى”، حمدت الله في نفسها أنه لم يكن موجودًا ليراها وإلا لوضعت في مأزق حقيقي، ولاحقها بأسئلته الفضولية فكشف أمرها على الفور، تعلقت “نادية” بثوب والدتها تجذبها منه مرددة بعفوية:
-مامي
انحنت “آسيا” لتحملها بين ذراعيها، ضمتها إليها بقوة وكأنها تخشى ضياعها، تعجبت “جميلة” من العبوس الظاهر على وجهها، ومن حالة الارتباك المسيطرة عليها، لذا سألتها باهتمام:
-في إيه مالك يا “آسيا”؟
ردت بغموض وهي تحدق نحوها بحدقتين متوترتين:
-ولا حاجة
زوت “جميلة” ما بين حاجبيها متابعة تساؤلاتها الفضولية:
-بس وشك لونه مخطوف؟ حد ضايقك أو ..؟
قاطعتها بجمودٍ:
-عادي، تلاقيه إرهاق من الشغل والجو
ثم صمتت للحظة لتفكر مليًا في أمر ما قبل أن تصرح علنًا:
-بأقولك يا “جميلة” أنا هاخد أجازة كام يوم كده أرتاح فيهم في البيت
أثار قرارها الغريب والمفاجئ الريبة في نفسها فردت متسائلة:
-ليه في حاجة؟
هزت رأسها بالنفي معللة:
-لأ، بس حابة أقضي وقت مع “نادو”
رسمت “جميلة” ابتسامة ناعمة لطيفة على وجهها الضاحك لتقول لها:
-أوكي يا حبيبتي، اللي يريحك!
بادلتها “آسيا” ابتسامة متكلفة ثم أحنت رأسها على ابنتها لتنهال عليها بقبلة عميقة مطولة، أغمضت عينيها للحظة لتستعيد ثباتها، بدا ذلك الخيار الأسلم حاليًا للاختفاء ولو مؤقتًا من أنظار “مصطفى” فينسى أمرها، أو هكذا اعتقدت في نفسها.
………………………………………………
انتهت عطلته القصيرة فعاد إلى القاهرة ليلتقي مع رفاقه القدامى، بالطبع كان مقدرًا لـ “مصطفى” الالتقاء بأعز أصدقائه “معتصم” بعد أن انقطع عن التواصل معه لفترة طويلة، فرح الأخير كثيرًا برؤيته، واتفق على مقابلته في النادي لقضاء بعض الوقت سويًا، وفي الميعاد المتفق عليه كان رفيقه ينتظره على أحر من الجمر، استقبل “مصطفى” صديقه بابتسامة حارة قائلاً له:
-واحشني يا “معتصم”
رد عليه الأخير بودٍ كبير وهو يحتضنه:
-وإنت أكتر، عامل إيه؟ ووصلت لفين كده في دراستك؟
أجابه بابتسامته العريضة التي تنم عن الرضا:
-الحمدلله كله تمام
جلس الاثنان على المقاعد الخاصة بهما ليشرع بعدها “مصطفى” في سؤاله باهتمام وهو يدقق النظر في ملامح وجهه التي تبدلت للخشونة ولذقنه التي نبتت وبات يهذبها بعناية:
-بس إنت شكلك اتغير، ده من إيه بقى؟
أجابه “معتصم” بزفير مرهق:
-الحياة ومشاكلها مش سايبة حد في حاله
وافقه الرأي مرددًا:
-على رأيك، المهم إنت عامل إيه في شغلك؟
أومأ برأسه قائلاً:
-بخير
رن هاتف “معتصم” المسنود على الطاولة فالتقطه بيده ثم رفع سبابته معتذرًا:
-أنا أسف يا “مصطفى”، مضطر أرد على المكالمة دي
تفهم عذره قائلاً:
-خد راحتك يا “معتصم”
وضع الأخير الهاتف على أذنه ليجيب برسمية جادة وقد قست تعبيراته المرتخية:
-ألوو، أيوه، ها إيه الأخبار معاك؟
صمت للحظات ليصغي للطرف الآخر قبل أن يتابع بنفس الجدية الصارمة:
-تمام، قوله أنا هاتكلم مع المقاول وأتصرف بنفسي معاه، ماهي مش ناقصة خراب، خلاص، سلام!
حك “مصطفى” طرف ذقنه قائلاً بهدوءٍ:
-واضح إنك مشغول!
رد عليه “معتصم” بامتعاض:
-محدش بيريح حد أبدًا، لو مكونتش أقف على دماغهم مافيش حاجة بتخلص
-على رأيك
لم ينتبه كلاهما لـ “أية” التي انتهت لتوها من تدريب الأسكواش الخاص بها، تفاجأت بوجود ابن عمها في النادي بعد فترة انقطاع طويلة، اقتربت أكثر منه لتتأكد من صحة ما رأته عيناها، تهللت أساريرها صائحة بحماسٍ:
-“معتصم” ازيك، بقالي كتير مشوفتكش في النادي!
رد ببرود وهو ينظر لها بطرف عينه:
-أهلاً يا “أية”، أخبارك؟
ابتسمت قائلة:
-أنا تمام
لم يكن ليأتي ببال “مصطفى” مطلقًا أن يلتقي بها ولو مصادفة حتى في أحلامه، خفق قلبه طربًا لمجرد التطلع إلى وجهها المشرق، خطفته بنظراتها وإيماءاتها العفوية، مثلت له العالم وما فيه، عاد من شرود حينما سمع “معتصم” يقول بجدية:
-سلمي على الدكتور “مصطفى”، فاكراه؟
تحرجت “أية” كثيرًا لعدم انتباهها لوجوده، فهي على معرفة ودودة به، تورد وجهها بحمرة طفيفة حينما التقت عيناها بعينيه اللامعتين، تنحنحت قائلة برقةٍ:
-د. “مصطفى”، ازي حضرتك؟
ألقى نظرة سريعة متفحصة لأصابعها ليتأكد من خلوها من خاتم الخطبة قبل أن يرد بتلعثم واضح عليه:
-آ.. الحمدلله، إنتي عاملة إيه يا آنسة “أية”؟ ولا إنتي اتجوزتي ولا …
قاطعته مرددة بضحكة صغيرة:
-لأ جواز إيه؟ أنا خلاص توبت من المواضيع دي
بينما علق “معتصم” بتجهمٍ:
-هو الجواز بيجيب إيه غير الهم والنكد
استغرب “مصطفى” من جملته الأخيرة، فلم يكن رفيقه بتلك الكآبة أبدًا، ربما لابتعاده عنه لفترة طويلة فبات لا يعرف عنه إلا القليل المقتضب، عاد ليحدق من جديد في وجه “أية” حينما أردفت قائلة:
-هستأذنكم بس أغير هدومي وأرجع تاني، مش هتأخر
رد مجاملاً وقد اتسعت بسمته حتى برزت نواجذه:
-على أقل من مهلك
لم يكترث “معتصم” بردة فعل صديقه المبالغ فيها مع ابنة عمه أو حتى قد لاحظ اهتمامه الزائد بها، فقد كان مشغولاً بمتابعة أخبار أعماله، أخرجه من التحديق في هاتفه سؤال “مصطفى” المهتم:
-فرصة حلوة إني شوفتك، وشوية كده وهاقابل “نبيل”، أكيد إنت فحته معاك، صح؟
أجابه بإرهاق وهو يحرك عنقه للجانبين:
-ماهو مين هايشيل الشغل غيرنا
هز رأسه متفهمًا:
-ربنا يعينكم، شغل الإنشاءات مش سهل!
تابع “معتصم” تحديقه في شاشة هاتفه المحمول معتذرًا بجدية:
-معلش هارد على الايميل ده
لم يبالِ “مصطفى” بعزوفه عن الحديث الودود معه قائلاً باقتضاب:
-براحتك
اندمج “معتصم” لدقائق في هاتفه حتى انتهى من أعماله العالقة، ثم أسند هاتفه بإهمال على الطاولة ليمرر أنظاره بشرود على الجالسين من حولهما، استطرد “مصطفى” حديثه من جديد قائلاً بعد أن ارتشف القليل من مشروبه البارد:
-مش هاتصدق أنا قابلت مين في أجازتي
سأله “معتصم” بعدم اكتراث وهو ينظر له بعينين فارغتين:
-حد من أصحابنا القدام؟
هز رأسه بالنفي قبل أن ينطق ببساطةٍ:
-لأ، خالص، دي “آسيا”، عارفها بنت طنط “نادية”
وكأن كلماته الأخيرة وقود اندلاع الحرب حيث تبدلت تعابير وجه “معتصم” واشتدت على الأخير، اشتعلت نظراته وتوهجت حدقتاه بطريقة مريبة، التفت نحوه كالمسلوع الممسوس مرددًا بصدمة حانقة:
-بتقول مين؟
قطب “مصطفى” جبينه متعجبًا من التحول المخيف في ملامحه، ردد بتوترٍ:
-“آسيا”
لم يصدق الأخير أذنيه، فبكل بساطة يعلن له عن رؤيته لمن فقد الأمل في إيجادها بعد سنواتٍ بائسة وكأن وجودها والعدم سواء، صرخ بلا وعي وقد اكتسى وجهه بحمرة مخيفة:
-انطق يا “مصطفى” إنت شوفتها فين بالظبط؟
توجس رفيقه خيفة من أسلوبه العدائي، ازدرد ريقه متمتمًا:
-حاضر
قاطع الأجواء المشحونة حضور “أية” التي تساءلت بنعومة مدللة:
-اتأخرت عليكم؟
تحركت أنظار “مصطفى” نحوها ليشرد في قسماتها الآسرة التي أنعشت روحه بحبٍ ظن أنه دفن ووارى الثرى، هدر به “معتصم” بهياج ليجبره على النظر نحوه:
-ركز معايا هنا، هاتلي عنوانها بالظبط
استشعر رفيقه وجود خطب ما بسبب طريقته الهوجائية في الحصول على معلومات كاملة عنها، رد عليه بحذرٍ وهو يطمع أن يهدأ من انفعاله غير المفهوم بالنسبة له:
-ما أنا مش متأكد إنت كانت عايشة هناك ولا لأ، أنا شوفتها صدفة
تساءلت “أية” بفضول حائر بعد أن عجزت عن تفسير سبب عصبية ابن عمها:
-إنتو بتحكو عن مين؟
التفت الأخير نحوها ينهرها:
-ولا كلمة دلوقتي
خافت “أية” من طريقته الحادة معها وحدقت في “مصطفى” بحيرة، أشار لها الأخير بعينيه كي لا تتجادل معه حاليًا، فهمت نظراته وصمتت، لحظة دون فيها “معتصم” العنوان ليقوم بعدها بجمع متعلقاته الخاصة ثم هرول مبتعدًا عن المكان، همت ابنة عمه باللحاق به متسائلة:
-“معتصم” إنت ماشي ولا إيه؟
لم تتمكن من ملاحقة خطواته المتعجلة فتوقفت عن السير لتستدير نحو “مصطفى” الذي تبعها متسائلة بقلق مزعوج:
-هو ماله؟
أجابها موضحًا:
-اتقلب أول ما قولتله إني شوفت “آسيا”
انفرجت شفتاها عن اندهاش كبير بعد أن شهقت عفويًا لتضيف متسائلة:
-إنت لاقيتها؟
حملق فيها بتعجبٍ شديد، لم يختلف حالها عن صديقه كثيرًا، غمغم مستفهمًا:
-هو في إيه؟ الكل مستغرب من ده!
ردت عليه بقليل من الغموض المثير:
-أصل حصل حوارات جامدة مع “آسيا” و”معتصم”
ضاقت نظراته قائلاً:
-للدرجادي فاتني حاجات كتير!!
هزت كتفيها في حيرة فلم تعرف بماذا تجيبه، في حين تابع “مصطفى” معلقًا:
-الحقيقة أنا كنت مقصر مع “معتصم”، يعني كل كام شهر لما أتصل وساعات هو مابيردش، بس كنت عاذره عشان الشغل
هزت رأسها بإيماءة متفهمة، انتابته حالة من القلق معتقدًا أنها ربما تكون متحرجة من وجوده معها، فسألها بحذرٍ آملاً في نفسه أن تكون شكوكه واهية:
-أنا خايف أكون معطلك عن حاجة يا آنسة “أية”
ابتسمت قائلة:
-أنا مش ورايا حاجة مهمة، كده كده أنا بأقضي معظم وقتي هنا
عادت البسمة لتشرق على وجهه من جديد، أردف قائلاً بحماسٍ:
-حلو، يبقى ده من حظي عشان أقعد معاكي، قصدي أفهم اللي حصل لـ “معتصم”، هو برضوه صاحبي ويهمني أمره
توردت بشرتها من جديد من اهتمامه الملحوظ بها رغم تلاعبه بالكلمات لينكر ذلك، ردت عليه باقتضاب دون أن تخفي ابتسامتها الصغيرة:
-أكيد
أشار لها بيده ليتحرك الاثنان في اتجاه الطاولة، سحب لها المقعد لتجلس عليه فشكرته على ذوقه، ثم جلس قبالتها كي يمتع عينيه بحضورها، علق مادحًا إياها في صورة غزل متوارٍ:
-بس إنتي لسه زي ما إنتي متغيرتيش، حلوة ورقيقة
أحست “أية” بتلك السخونة التي انبعثت من وجنتيها من تأثير كلماته لترد بخجلٍ:
-ميرسي أوي
أسبل عينيه نحوها مضيفًا بتأكيد:
-دي حقيقة فعلاً، إنتي إنسانة رقيقة جدًا
رمشت بعينيها باستحياء من تغزله الحذر بها، لو قيل له قبل ساعات أنه سيلتقي مجددًا بحب عمره لما صدق ذلك، ولكنه الآن يعايش من جديد حالة من العشق الملهب للقلوب، خفف من وطأة الأمر على “أية” حينما لاحظ ارتباكها الذي انعكس عليه أيضًا بالإيجاب المتحمس ليميل نحوها متسائلاً:
-تحبي تشربي إيه؟
أجابته دون أن تنظر نحوه:
-أي حاجة
ثرثر معها في أحاديث عامة ليحافظ على وجودها معه أطول فترة ممكنة، ثم تشجع أكثر ليطلب منها بجرأة:
-ولو مافيهاش إزعاج ممكن أخد رقم تليفونك، مش لحاجة والله بس ممكن أستشيرك في اللي يخص “معتصم”، صعب الواحد يتفاهم معاه في حالته دي
لم تعرف ما الذي انتابها هي الأخرى لتشعر بتلك السعادة الخفية ولا الحماس المثير في خلاياها بعد أن استرسلت في الحديث معه، لكنه منحها شيئًا افتقدته مؤخرًا، اهتمام أحدهم بها دون زيف أو تجميل، لم تتردد في الاستجابة لطلبه وردت مبتسمة:
-أوكي، مافيش مشكلة
اختلج صدره المزيد من المشاعر الدافئة لموافقتها البسيطة، فذلك سيعطيه الفرصة للتقرب أكثر إليها وتعويض ما فاته كي لا يخسرها مجددًا، بادلها ابتسامة عذبة قائلاً لها بامتنان:
-شكرًا أوي لذوقك يا آنسة “أية”!
…………………………………………………..
قطع الطريق أشواطًا ليصل إلى وجهته المنشودة وهو متحفر بالكامل لرؤية من لقنته الدرس جيدًا، امتلأ رأسه بالكثير من الأفكار المشحونة، لم يعرف تحديدًا ما الذي سيفعله معها فور أن يراها، لكن لن يتركها تتسرب من بين أصابعه وتهرب، صف “معتصم” سيارته بعيدًا عن منطقة الزحام ليترجل على قدميه سائرًا بين زوار منطقة المزارات، حدق في لافتات البازارات المختلفة باحثًا عن ضالته المنشودة حتى وجد المكان المقصود، دق قلبه بعنفٍ واشتدت قسماته بقسوة، أكمل سيره إلى أن ولج إلى داخل البازار، كان المكان خاليًا من الزوار، زكم أنفه بقوة رائحتها التي عرفها جيدًا، كان الهواء معبقًا برائحة عطرها الذي لم تغيره، تأكد أنه لم يضل طريقه، تصلبت عروقه مع لمحه لامرأة تنحني للأسفل لترص بعض الأشياء، اقترب أكثر منها لينطق بكلمة واحدة وبصوت رخيم حمل في طياته الكثير من اللوم والعتاب والحنق والغيظ:
-“آسيــــا”
تخشبت الأخيرة في مكانها فور أن سمعت نبرته تخترق مسامعها، هوى قلبها في قدميها رافضة تصديق أنه بالفعل هو، استدارت ببطء للخلف لتقع عيناها على وجهه المتعصب ونظراته العدائية الشرسة، تجمدت الكلمات على طرف لسانها فعجزت عن البوح بكلمة واحدة، ارتعشت نظراتها، وارتجف جسدها بالكامل، لم تتحمل صدمة رؤيته فتخلت عن وعيها بإرادتها لتسقط فاقدة للوعي، وقبل أن ترتطم “آسيا” بالأرضية كانت ذراعي “معتصم” الأسرع في بلوغها، حاوطها بذراعه من خصرها ليسندها وقربها إليه أكثر، تأمل كل تفصيلة في وجهها الذي افتقد التطلع إليه بنظرات مزجت بين الاشتياق والغضب، اللوعة والاحتقان، تلمس بيده بشرتها ليشعر بتلك الرجفة الخفيفة التي اعترتها وهي في إغماءتها المؤقتة.
انحنى قليلاً ليتمكن من رفعها بين ذراعيه ثم تلفت حوله باحثًا عن مقعد ما ليضعها عليه، وقعت نظراته على الأريكة المنزوية في جانب البازار حيث من المفترض أن يكون ذلك مكتبها، اتجه إلى هناك ثم بحذرٍ واضح أسندها عليها، جثا قبالتها ليمعن النظر فيها عن قرب، كم افتقدها كثيرًا وتعذب لبعدها، وامتلأ قلبه بالغضب لهجرها له دون أي مقدمات، ومع ذلك مجرد العثور عليها أعاد له الشغف القديم بقوة، تنفس بعمقٍ كي يضبط انفعالاته الثائرة بداخله، نهض من جلسته ليعتدل في وقفته مديرًا رأسه للجانب، سحب أحد المقاعد الجلدية ووضعه في مواجهة الأريكة الممددة عليها مترقبًا بصبر كبير إفاقتها، لن يبذل مجهودًا في إفاقتها، سيجلس في صمت يشاهدها ممتعًا عيناه بالنظر إليها مطولاً عله يشبع حاجته لها.
……………………………………………
تأوهت وهي تحرك رأسها ببطء للجانبين مستعيدة وعيها، تخيلت “آسيا” أنها عايشت أحد كوابيسها المزعجة والذي سينتهي فور أن تفيق من سباتها، ارتسمت علامات الهلع على وجهها حينما تجسد الوهم حقيقة أمام ناظريها، انقضى عصر الأحلام وباتت في مواجهة واقعها الذي ترقبته، شهقت بخوفٍ وقد رأت نظرات “معتصم” الحادة نحوها، هبت ناهضة من رقدتها لتصاب بدوار طفيف من الحركة المفاجئة، سألته بنبرة مهتزة وقد تركز بصرها عليه:
-إنت عرفتي مكاني منين؟
نظر لها مليًا قبل أن يعلق بنبرة حملت العتاب الشديد:
-يـــاه يا “آسيا” للدرجادي كنتي قاسية معايا؟
وقفت على قدميها لترد مدافعة بقوةٍ:
-بلاش تحاسبني، أنا عملت الصح
نهض ليواجهها متسائلاً بحدة وقد برزت عروقه المحتقنة في جانب عنقه:
-أنهو صح اللي تسيبي فيه جوزك وترميله ورقة تقوليله فيها طلقني؟!
استجمعت جأشها لترد بعدم خوفٍ:
-جوازنا كان غلطة من الأول
صاح متسائلاً باستنكارٍ:
-ومين أقنعك بده؟
ردت دون تردد وهي محدقه فيه بنظرات نارية:
-إنت يا “معتصم”
نظر لها في صمت ليسبر أغوار عقلها المشبع بأفكاره الكارهة له فتابعت هجومها عليه:
-تصرفاتك معايا، كرهك ليا، حبك إنك ترد انتقامي بانتقامك مني، أوعى تنكر إنك كنت تتمنى أختفي من حياتك؟ وإنت طلبت ده بنفسك!
رمقها بنظراته الحادة دون أن يرف له جفن مُعقبًا:
-مأنكرتش، بس أنا اتغيرت
نظرت له باستخفاف قبل أن ترد متهكمة:
-بين يوم وليلة؟ عاوز تقنعني إن في شخص بيتحول 180 درجة في لحظة؟ ده اسمه غباء أو استعباط
كانت إلى حد ما محقة في تلك الجزئية، فليس من السهل أن تصدق كونه شخصًا عاديًا يمتاز بمعاملته الراقية للجنس اللطيف بعد العدائية المتبادلة بينهما على مرأى ومسمع من الجميع، حاول إقناعها بالعكس فعاتبها على هروبها قائلاً:
-إنتي اللي حرمتينا من سعادة كان ممكن ….
قاطعته بحدةٍ وهي تشير بيدها:
-بلاش تعيش الوهم
اعترف لها بسوء تصرفاته معللاً:
-ماشي أنا غلطت، ومكونتش مدي نفسي فرصة أعرفك أو حتى أفهمك، بس على الأقل حاولت أعمل الصح، وإنتي ماصدقتي تهربي حتى بعد ما قربنا من بعض و….
عادت لتقاطعه دون منحه الفرصة لتبرير موقفه المتغير معها هاتفة:
-صدقني مكوناش هنعرف نكمل مع بعض، أنا عملت اللي كنت هاتعمله بعد كده!
قبض على ذراعيها يهزها منهما بعصبية وهو يصيح بها بنفاذ صبر:
-إنتي غلطانة
نفضت يديه عنها قائلة بإصرار عنيد:
-إنت اللي رافض تقتنع
نظر لها بجمود مؤكدًا لها بقوة وهو يكز على أسنانه:
-“آسيا”، أنا مش هاسيبك، حطي ده في دماغك
حدجته بنظرة مستهترة معلقة بثقةٍ:
-مش هايحصل يا “معتصم”
توقف قلبها عن النبض للحظة حينما سمعت صوت صغيرتها ينادي من الخارج:
-مامي
شحب لون وجهها بدرجة ملحوظة ونظرت بارتياب إلى “معتصم” الذي شك في تحولها السريع من الثقة والشجاعة إلى الخوف والاضطراب، تجمدت في مكانها خائفة مما سيحدث لاحقًا، خاصة إن اكتشف أمر إنجابها لطفلةٍ منه، ولجت “جميلة” إلى داخل البازار ملقية نظرة خاطفة على ذلك الغريب الواقف في مواجهتها وهي تحمل الصغيرة على ذراعها متسائلة بفضولٍ:
-إنتي عندك ضيوف يا “آسيا”؟
رمقتها بنظرة متسعة في رعب وهي تهمس لها بصوتٍ مرتجف:
-“جميلة”
بالطبع التقطت أذني رفيقتها اسم الضيف بسبب صوت “آسيا” المرتفع، تساءلت ببلاهة وهي تجوب بنظراتها على هيئته:
-هو ده “معتصم” .. طليقك؟
صحح لها خطئها قائلاً بغيظٍ:
-لأ جوزها يا مدام
نظرت له “جميلة” بحرجت ثم عادت لتحدق في وجه “آسيا” الشاحب المذعور، انقبض قلبها بخوف شديد مع ترديد الصغيرة “نادية”:
-مامي، مامي!
تحولت أنظار “معتصم” لتلك الطفلة التي حملت الكثير من الملامح المشابهة لـ “آسيا”، تساءل بحدة وقد زادت شكوكه بدرجة كبيرة:
-دي مين؟
ردت “آسيا” بنبرة مهتزة آمرة صديقتها:
-خدي “نادية” يا “جميلة” وامشوا دلوقتي من هنا
هتف معترضًا بغلظة:
-محدش هايمشي، مين دي يا “آسيا”؟
استبسلت رغم خوفها لترد بتحدٍ:
-مايخصكش
عبست “جميلة” بوجهها مبدية استيائها من تأزم الأمور بين “آسيا” وزوجها، وما ضاعف من ضيقها جهل الأخير بوجود طفلة صغيرة أتت من صلبه، رددت عفويًا:
-حرام بجد ميعرفش إنها بنته
زجرتها “آسيا” هادرة بعصبيةٍ مستنكرة زلة لسانها التي ستفتح عليها أبوابًا من الجحيم:
-“جميـــلة”
توقف قلبه عن النبض للحظة ليستوعب حقيقة الأمر، هو لديه ابنة صغيرة لا يعلم بوجودها، ووالدتها قد حرمته من أبسط حقوقه في معرفة ذلك، صرخ بهياجٍ:
-معناه إيه الكلام ده؟
توسلت “آسيا” لرفيقتها لتأخذ ابنتها من البازار قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة قائلة:
-ارجوكي امشوا من هنا
هدر “معتصم” آمرًا بصوتٍ جهوري غاضب:
-قولت محدش هيتنقل من هنا قبل ما أفهم بالظبط اللي حصل من ورا ضهري
استشعرت “آسيا” تهديدًا حقيقيًا منه، تشجعت لتقول دون أن تظهر خوفها:
-أيوه دي “نادية” بنتك، بس ملكش دعوة بيها و….
مجرد تأكيدها لحقيقة وجودها أثار فيه الحنق المضاعف، انفعل عليها بتشنجٍ:
-كمان خلفتي من ورايا، يا قسوة قلبك، قدرتي تعملي ده فيا؟!!!
اضطرت “جميلة” أن تتراجع بالصغيرة للخلف حتى لا تشاهد ذلك الشجار الدائر بين والديها فيؤثر على نفسيتها بالسلب، في حين دافعت “آسيا” عن تصرفها مبررة:
-ومستعدة أعمل أي حاجة عشان أحمي بنتي من أي حد يأذيها، حتى لو كان منك إنت!
نظر لها باندهاش غير مصدق أنها بالفعل تعامله كما لو كان غريمها الشرس، بل إنها رسخت في ذهنها تلك الفكرة كي تقضي على أي فرصة لهما معًا، حدجها بنظراته النارية متسائلاً بهياجٍ:
-إيه التفكير ده؟ إزاي يجي في بالك تعملي كده؟
ردت عليه بصراخٍ محتد:
-اطلع من حياتي يا “معتصم”، احنا مش لبعض، إفهم بقى!
منحها نظرة قوية معلقًا عليها بلهجة غير قابلة للتفاوض:
-لأ يا “آسيا”، أنا مش هاسيبك لو اتطربقت السما على الأرض، وهترجعيلي إنتي وبنتي، وهنتحاسب على ده!
تحدته قائلة:
-مش هايحصل، ولو مطلقتنيش بالذوق، هاخلعك في المحكمة
استفزته جملتها الأخيرة ومع ذلك حافظ “معتصم” على انضباط أفعاله أمام تصرفاتها المحفزة للاشتباك ليرد بصلابةٍ:
-هانشوف!
ألقى عليها نظرة متوعدة قبل أن يلتفت ليحدق في وجه ابنته الصغيرة متمتمًا بكلمات متبرمة، خرج من البازار متوعدًا إياها باسترداد كل ما يخصه دون تفريط في أدنى حقوقه معها، انهارت “آسيا” على الأريكة دافنة وجهها بين راحتيها وهي تشعر بذهاب ما فعلته سدى، فكل شيء قد ضاع في لحظة، وما خططت له قد فسد بظهور “معتصم” من جديد في حياتها، تأكدت الآن أن رؤية “مصطفى” لها مصادفة جرت عليها المشاكل ……………………. !!
……………………………………………………..
تتبع الخاتمة >>>>>>>>>>