رواية (المحترم البربري)
المحترم البربري
الفصل السادس والثلاثون
أمعنت النظر في تأمل تفاصيل وجهه وهيئته، لم يكن “سامر” بالشخص الغريب عنها، شعرت “آسيا” بوجود صلة ما أو رابط خفي يجمعهما سويًا، لكنها لم تستشف بعد ماهية الأمر، ولتقضي على فضولها التفتت نحو “أية” لتقول لها بنزقٍ وقد اتسع بؤبؤاها قليلاً:
-أنا عاوزة أشوفه، ينفع؟
فركت “أية” طرف ذقنها قبل أن ترد بحذرٍ:
-أوكي، بس أقوله الأول
بررت “آسيا” رغبتها في رؤيته موضحة:
-أنا هاتكلم معاه وأشوفه إن كان جاد معاكي ولا لأ، وصدقيني ده هايفرق أوي
تحمست لفكرتها كثيرًا فربما حضورها سيسهم في تشجيعه على الارتباط الرسمي بها، اتسعت ابتسامتها مضيفة:
-على فكرة هو بيقول إنه يعرف “معتصم” وصاحبه كمان
أبدت “آسيا” إعجابًا مصطنعًا بجملتها الأخيرة لترد مبتسمة بتكلفٍ:
-بجد، طب كويس
-هو مسافر كام يوم يخلص شغله، وأول ما يجرع هتف قمعاه
-تمام
انضمت “نادية” لهما وتبعتها الخادمة التي أسندت صينية المشروبات والحلوى على الطاولى الصغيرة بالشرفة لتنصرف بعدها في عجالة، قامت “نادية” بالترحيب من جديد بـ “أية” وجلست على المقعد المواجه لابنتها، تبادلت معها حديثًا وديًا لدقائق لم تشاركهما فيه “آسيا” بالتعليق، دققت والدتها النظر فيها فلاحظت ذلك التبدل الطفيف في تعابيرها، لذا سألتها باهتمام:
-في إيه شاغل بالك يا “آسيا”؟
انتبهت لها فردت نافية:
-مافيش حاجة يا ماما
غمزت “أية” لزوجة عمها قائلة بتسليةٍ:
-تلاقيها بتفكر في “معتصم”، مش كده برضوه؟!
ثم أخفت ضحكة عابثة ظهرت على شفتيها، رمقتها “آسيا” بنظرة متنمرة قبل أن تدير وجهها في اتجاه والدتها لتقول لها بجدية:
-ماما، أنا مش حابة أتجوز “معتصم”
حملقت فيها بغرابة وسألتها باندهاش:
-طب إيه اللي غير رأيك كده؟
ردت عليها “أية” وهي تهز كتفيها:
-تلاقيها خايفة من التجربة
أشارت “نادية” بيدها وهي موجهة حديثها لابنتها:
-طبيعي كل البنات تقلق قبل ما يرتبطوا ببعض، وبعدين “معتصم” غير أي حد، ده متربي على إيدي
زفرت “آسيا” بعمقٍ قبل أن ترد:
-الموضوع مش كده، هو أسلوبه معايا صعب
رسمت والدتها بسمة ناعمة على ثغرها قبل أن تميل نحوها لتقول:
-طبيعة الرجالة كده، مش سهل تتفاهمي معاهم، لكن كفاية إنه بيحبك ومتمسك بيكي
اعترضت على مبرراتها التي لا تتفق مع ما يحدث بينهما من مناوشات وجدال يصل في بعض الأحيان للعنف، زمت شفتيها لترد بضجرٍ:
-ماما، مش كده خالص، كل اللي بيعمله “معتصم” مجرد فيلم بايخ قدامكم
سألتها بحيرةٍ:
-وإيه اللي هيجبره على كده؟
كتفت ذراعيها أمام صدرها لترد بزمجرة طفيفة:
-معرفش
انحنت “نادية” نحوها لتضع يدها على فخذها، ربتت عليها برفق وهي تقنعها قائلة:
-يا “آسيا” مش هلاقي حد زي “معتصم” يخاف عليكي ويحميكي من أي أذى وفوق ده كله بيحبك كمان
حدقت ابنتها أمامها تفكر فيما تقوله، فتابعت بجدية:
-إنتي ناسية حياتك اللي فاتت، ووجود “شرف الدين” هيعرضك للخطر، وإنتي شوفتي بنفسك
ظنت “أية” أن “آسيا” مترددة في مسألة زواجها منه لعدم استطاعتها فهم شخصيته فأضافت قائلة:
-على فكرة “معتصم” مش بالساهل يرضى بأي واحدة ويتجوزها، بنات كتير هاتموت عليه، وهو بيعاملهم كويس جدًا، بس معمروش زود في التعامل معاهم عن الطبيعي، بس هو جنتل جدًا و….
استدارت “آسيا” نحوها لتنظر لها باستنكار، فكل ما قالته يتناقض كليًا مع تصرفاته الفظة معها، صاحت مقاطعة بانفعال قليل:
-ده عصبي ومجنون، ومد إيده عليا
ارتفع حاجبي “نادية” للأعلى في صدمة، سألتها بجدية وقد اختفت البسمة من على تعبيراتها البشوشة:
-إيه الكلام الغريب ده؟
التفتت ابنتها لتسألها بتذمرٍ:
-تقبلي أتجوز واحد بيهيني يا ماما؟
احتجت “نادية” قائلة بجدية شديدة:
-لأ طبعًا، ولو فعلاً عمل كده هيبقالي كلام معاه
لم تنتبه ثلاثتهن إلى وجود “معتصم” الذي استمع مصادفة إلى حديثهن عنه، توخى حذره لتبوح “آسيا” بما في جعبتها دون زيف فيتخذ حيطته معها، ما أزعجه أيضًا حديثها عن تطاوله باليد عليها حتى وإن كان مخطئًا في تصرفه معها، سيؤثر ذلك على طبيعة ما يخطط له، فكر سريعًا في إفساد محاولتها الفاشلة لتنقلب الطاولة على رأسها، قست ملامحه وهو يخطو لداخل الغرفة مرددًا بخشونة:
-“آسيا”
انتفضت الأخيرة في جلستها بمجرد سماعها لصوته، جمدت أنظارها عليه متوقعة ثورة غاضبة منه، في حين هبت “نادية” واقفة من مكانها لتسأله بعبوسٍ:
-“معتصم”، إيه الكلام اللي بتقوله ده؟ إنت مديت إيدك عليها؟!
رد باستنكار شديد وقد انزوى ما بين حاجبيه:
-وده حصل أمتى؟ في خيالها مثلاً؟!
ثم التفت ناحية ابنتها ليقول لها بعتابٍ:
-عمومًا شكرًا يا “آسيا” على ذوقك، كل ده عشان مرضتش أجيبلك الخاتم السوليتير اللي شوفتيه على النت؟!
رفعت حاجبها للأعلى مرددة باندهاش مصدوم:
-نعم
تابع عاتبها برقة وهو مسبل عينيه نحوها:
-طاوعك قلبك تفتري عليا كده؟
فاض بها الكيل من حيله التي لا تنضب فصاحت بحدةٍ:
-شايفة يا ماما كدبه
نظرت لها والدتها بحيرة، لم تفهم حقًا ما الذي يدور بينهما لتستمر حالة الجدال هكذا، سألتهما بنفاذ صبر:
-ما تفهموني في إيه بالظبط؟!!!
دس “معتصم” يده في جيب سترته ليخرج علبة صغيرة، فتحتها أمام نظرات الثلاثة ليظهر ذلك الخاتم البراق الذي يخطف الأنظار، مده نحو “آسيا” قائلاً بابتسامة صغيرة:
-اتفضلي يا حبيبتي، طلباتك أوامر عندي
صفقت “أية” بيديها هاتفة بحماسٍ:
-واو، So Romantic (رومانسي للغاية)
اندهشت “نادية” هي الأخرى من تلك الهدية الباهظة الثمن، نظرت إلى الخاتم بإعجاب ملحوظ، ثم استطردت قائلة:
-حلو أوي يا “معتصم”، مبروك عليكي يا “آسيا”
رد عليها بتنهيدة متعبة:
-يا رب بس أنول الرضا منها، أنا كل غرضي إني أسعدها وأخليها تكون مبسوطة
ربتت “نادية” على كتفه قائلة بامتنان:
-ربنا يباركلي فيك يا ابني، ويهنيكم يا ولاد
أضاف “معتصم” بابتسامته الماكرة:
-خديه يا “آسيا”، ماتكسفيش بقى، احنا بقينا واحد دلوقتي
جذبت الأخيرة العلبة بغيظ وأغلقتها دون أن تتوقف عن رمقه بنظراتها المغتاظة منه، تنحنحت “أية” قائلة:
-أنا هامشي بقى يا طنط عشان متأخرش
تحركت “نادية” نحوها لتودعها:
-تعالي هاوصلك لتحت
كتفت “آسيا” ساعديها مترقبة خروج والدتها و”أية” من الغرفة لتنفجر في “معتصم” هاتفة بغضبٍ:
-اقسم بالله إنت تجنن العاقل
ثم أرختهما لتتمكن من إلقاء هديته على الفراش، تابع ما تفعله ببرود جليدي، حدجها بنظرة خالية من المشاعر وهو يقول لها عن ثقة تامة:
-إنتي لسه مشوفتيش مني حاجة
-ولحقت تعمل حكاية الخاتم دي امتى بقى؟
تحدث من زاوية فمه قائلاً:
-طبيعي تلبسي شبكة يا “آسيا” هانم، أومال هي جوازة فشنك!
تحركت خطوة لتقف قبالته، نظرت في عينيه بقوة وهي ترد مؤكدة:
-وأنا هاكشف كدبك قصادهم
رد متحديًا بخشونة:
-مش قبل ما أفضح ألاعيبك القذرة يا “آسيا”
-رجعنا تاني للتخاريف اللي في دماغك وبس
قبض على ذراعها ضاغطًا عليه بأصابعه بقوة وهو يرد:
-دي حقيقتك اللي مخبياها عن الكل
تأوهت من قسوة ضغطه واستخدمت قواه لنفض يده عنها، ثم تراجعت خطوة للخلف لترمقه بنظرة تهكمية قبل أن تضيف:
-ماتعيش الدور أوي وتصدق نفسك
هي تحاول استفزازه باستمرار اتقانها لدور الشابة الفاقدة للذاكرة، سيتجاهل هذا مؤقتًا كي يحافظ على هدوئه، فقد تأتي والدتها بين لحظة وأخرى وتلاحظ جدالهما، رمقها بنظرة جافة قائلاً لها بصيغة شبه آمرة:
-بالمناسبة اختاريلك فستان محترم عشان كتب كتابنا
ردت ساخرة:
-بطل أوهامك دي
كانت تعابيره جادة للغاية حينما قال:
-هانشوف
ثم أولاها ظهره ليتجه نحو باب غرفتها، سمع صوتها يصيح من خلفه:
-صدقني هاتشوف معايا أيام سودة تكره فيها اللحظة اللي فكرت فيها فيا
استدار ببطء نحوها ليرد مبتسمًا باستخفاف:
-مستني الأيام دي، سلام
ضربت “آسيا” بقدمها الأرضية بعصبية مرددة مع نفسها بغيظٍ:
-بني آدم بارد مستفز
…………………………………………………..
خاصم النوم جفنيها لليال عديدة، فكلما زاد الضغط عليها ممن حولها للقبول بـ “معتصم” كزوج لها، تضاعف نفورها منه وأصرت على رفضها، خاصة أنها تعرف نواياه الخبيثة، وفي كل مرة تتحجج فيها “آسيا” بشيء يفسده عليها “معتصم” وكأنها قد باتت كتابًا مفتوحًا بالنسبة له يستطيع التنبؤ بتصرفاتها، فأصبحت في موقف حرج وانتهت كافة أعذارها، لم يبقَ لها إلا الرضوخ أمام إصرار والدتها التي لجأت لابتزازها عاطفيًا بالحديث عن خوفها مما يمكن أن يصيبها إن فارقت الحياة وصارت وحيدة، ضعفت أمام إلحاحها المتواصل وقبلت بعقد قرانها فقط عليه دون إقامة أي مراسم للزفاف، وستستغل تلك الفترة لإظهار أسوأ ما فيه لتكشف حقيقة نواياه، وافقت أمها على طلباتها فقد كانت تأمل في عمل الأفضل لها، والأهم من ذلك هو أن تتزوج بمن يستطيع حمايتها والدفاع عنها إن لزم الأمر.
كان كمن يحترق على بركان ثائر وهو يرى بأم عينيه “آسيا” توقع على وثيقة الزواج، تعجب “نبيل” كثيرًا من موافقتها عليه بعد رفضها المستمر، شعر بوجود خطب ما وراء قبولها به، وما إن انتهت من التوقيع حتى أطلقت الخادمة زغرودة فرحة، فقد تم الحفل في منزل العائلة بعيدًا عن أي أجواء صاخبة، وفي حضور بعض الأقرباء المعدودين، لم تكن السعادة بادية على تعبيرات “آسيا”، بل على العكس كانت واجمة، مكفهرة الوجه، صامتة أغلب الوقت، مال “نبيل” على ابنه عمه ليهمس له:
-عاوزك في كلمتين
نهض الأخير من مكانه ليذهب معه، توجه الاثنان للشرفة الخارجية ليتجنبا متابعة أحد ما لهما، استند “معتصم” بيديه على حافة الشرفة متسائلاً:
-ها، في إيه تاني؟
أجابه بضيقٍ كبير:
-عملت اللي في دماغك واتجوزتها؟
رد ببرود وهو يتأمل المارة في الطريق:
-ده مجرد كتب كتاب، يعني خطوبة بس بشكل رسمي!
جذبه “نبيل” من كتفه ليقول له بجدية:
-“معتصم” أنا عند كلامي ليك، مش هاسمحلك تأذي “آسيا”
نظر له بحدة قبل أن يبعد يده عنه، ثم رد باستنكار:
-هو إنت هتخاف عليها أكتر مني؟!
برر له سبب دفاعه المستميت عنها:
-عشان عارف إن نيتك مش صافية ناحيتها
لم يعلق عليه “معتصم” والتفت ليحدق في الطريق، سأله “نبيل” بتهكم:
-اللي أنا مستغربه هي إزاي وافقت عليك كده بسهولة؟
أجابه ابن عمه ببساطةٍ:
-أنا ليا لي أساليبي، ده غير ماما “نادية”، عملت الواجب وزيادة عشان توافق
رد عليه بوجه ممتعضٍ:
-والله طنط “نادية” مظلومة معاك، ولو عرفت اللي …..
قاطعه “معتصم” بنفاذ صبر:
-افرحلي إنت بس وماتفكرش في حاجة
رد عليه بجمود:
-عيبك إني فهمك كويس
تنهد قائلاً ببسمة سخيفة:
-إنت غلطان، ويالا ندخل، أكيد الناس بتسأل عليا، ما أنا العريس برضوه
تركه في مكانه وعاد إلى ضيوفه ليتلقى التهنئات على عقد القران، في حين بقي “نبيل” في الشرفة رافضًا المشاركة في تلك الفرحة الزائفة ومتوجسًا خيفة من المستقبل المجهول الذي سيجمع بين النقيضين.
…………………………………………
انسحبت بعد برهة من عقد قرانها لتنزوي بعيدًا عن الضيوف في غرفتها، كانت “آسيا” بحاجة لمساحة من الخصوصية لاستنشاق بعض الهواء المنعش لتزيح عن صدرها ذلك الثقل الذي يجثو عليه، هزت رأسها باستنكار وهي تتذكر موافقتها الغريبة على الزواج من أكثر الأشخاص كرهًا لها، تجسد في مخيلتها فرحة والدتها العارمة حينما أبلغتها بذلك، التوت شفتاها بابتسامة ساخرة من اختيارها العجيب، فكيف تشكو قسوته وعنفه غير المقبول وفي نفس الآن تقبل به كزوج تكمل معه حياتها؟ أُرهق عقلها من كثرة التفكير والبحث عن مبررات ليصدق الجميع أنها ضحية حياة غير متكافئة، حتى أنها لم تهتم باختيار ثوبًا فخمًا، وفضلت ارتداء البسيط غير المتكلف الذي مزج بين جمالها الطبيعي وروعة تصميمه، لم تلاحظ مراقبة “معتصم” لها، سار الأخير ببطء ممررًا عينيه على كل تفصيلة فيها، بدت كملكات الجمال وهي تقف بخيلاء في الشرفة تتلألأ في ثوبها بإغراء مهلك، نفض بصعوبة عن عقله تلك الخيالات المتهورة التي روادته، دنا منها لتنتفض فزعًا مع صوته المتسائل:
-سايبة ضيوفك وأعدة هنا لوحدك؟!!
تنفست بعمق لتهدئ من روعتها ثم ردت عليه بجفاءٍ دون أن تمنحه نظرة منها:
-خليك إنت معاهم
أخفض عينيه ليتأمل عن قرب تفاصيلها المتناسقة مع قسمات الثوب، خالفت توقعاته وارتدت ما لم يكشف مفاتنها، لكنه أبرز سحرًا خفيًا يخطف الألباب، زفر قائلاً بنبرة استغربتها:
-ماينفعش، الكل جاي يبارك للعروسة ويشوف حلاوتها
استدارت نحوه لتجده محدقًا فيها بجرأة، زفرت بصوت مسموع واعتدلت في وقفتها لتفسد عليه مشهد تأمله الذي طال، ابتسم لها بسخافة وهو يقول لها:
-شكلك حلو
ردت مجاملة بعبوسٍ:
-ميرسي
أشار لها بعينيه قائلاً بوقاحةٍ:
-ماتخديش مقلب في نفسك، كل ده شغل الكوافيرات ومراكز التجميل
انفرجت شفتاها عن صدمة مستنكرة من فظاظته الفجة، ردت عليه بحدةٍ وقد وضعت يدها أعلى خصرها:
-والله أنا مش محتاجة أتصنفر عشان أعجب سيادتك
رمقها بنظرة قللت من شأنها ثم تابع بعدم مبالاة:
-مش فارقة
تجاهلت وقاحته المستفزة وولجت إلى داخل غرفتها ولم تنتبه إلى نظراته التي لم تفارق تفاصيلها المغرية، سار “معتصم” بتريث قاصدًا إزعاجها بطريقة تحديقه الجريئة ثم أردف قائلاً:
-تعرفي “نبيل” هايتهبل عشان اتجوزنا
أدارت جسدها نصف استدارة لترد عليه بغرور:
-والله عنده حق، واحد بيفهم
استفزه ردها الذي تضمن مدحًا لرجل غيره، سألها بنبرة حملت الغيرة:
-إيه معجبة بيه؟
استشعرت لمحة الضيق الواضحة عليه فتابعت مشيدة به:
-والله مافيش زيه، إنسان محترم وذوق، ده لازم البنات تعجب بيه من أول نظرة
أيقن أنها تتلاعب به فرد ببرود وكأنها لم تنطق بشيءٍ:
-ده العادي بتاعه مع أي واحدة حتى لو كانت جاية من الشارع
اشتعل وجهها بحمرة قوية من كلماته المحفزة للأعصاب، التوى ثغره بابتسامة مستمتعة لنجاحه في ترجيح كفة الميزان لصالحه، سألها بنفس الجفاء:
-مش هانتعشى برا؟
أجابته برفضٍ قاطع:
-لأ، نفسي مسدودة
فرك طرف ذقنه بهدوءٍ ثم خطا نحوها قائلاً ببسمة سخيفة مرسومة على محياه:
-أحسن برضوه، أنا كمان ماليش مزاج أخرج معاكي أصلاً، بس عملت اللي عليا وجتلك زي ما ماما طلبت مني
برقت عيناها بوهجٍ مغتاظٍ من أسلوبه المحفز للقتال، كزت على أسنانها مرددة بحنقٍ:
-أنا مكرهتش حد في حياتي زيك
مد “معتصم” يده نحو وجهها ليداعب وجنتها بكفه قائلاً ببرود:
-أول مرة تقولي حاجة عدلة أتفق معاكي فيها
اقشعرت “آسيا” من تلمسه لها، فلكزت يده بشراسة لتمنعه من الاقتراب منها رامقة إياه بنظرات نارية، أراد أن يترك لها ذكرى تزعجها في تلك الليلة تحديدًا، خاصة أن سحرها الأنثوي المثير قد أوقظ رغبات ذكورية في نفسه، تفاجأت به يحتضن وجهها بين كفيه، شلت الصدمة حركتها، كانت على وشك مقاومته لكنه جذبها نحو شفتيه ليطبع أول قبلة جريئة عليهما، شخصت نظراتها بذهول مصدوم من تصرفه غير المتوقع معها، استخدمت كفيها لدفعة بأقصى ما تستطيع من صدره ليتوقف عما يفعل، انتهى “معتصم” من تقبيلها هامسًا لها بعذوبة:
-كده أنا علمت عليكي بطريقتي
ثم غمز لها بعينه اليسرى وهو يبتسم مضيفًا بعبثٍ:
-إيه رأيك؟!
رفعت “آسيا” يدها لتصفعه على وجهه كنوع من رد الاعتبار لتجاوزه الوقح وإهانته غير المقبولة، تصدى لها وأمسك برسغها قبل أن تصل إلى صدغه، شهقت بتوتر حينما سحبها منه إليه، أحاطها من خصرها بذراعه الآخر لتلتصق به، تلوت بجسدها محاولة التملص منه، لم تنجح بسبب إحكامه قبضتيه عليها، ضغط “معتصم” بأصابعه على رسغها متابعًا همسه الجاد:
-عيب تمدي إيدك على جوزك في أول ليلة لينا سوا
حملقت فيه “آسيا” بقلق مضاعف متوقعة أن يبادلها صفعة عنيفة، صدمها بتقبيل يدها وعينيه مسلطة على حدقتيها اللامعتين، دفعها ببرود بعيدًا عنه وكأنها نكرة ليضيف بنبرة جافة خالية من أي عطفٍ:
-هاعديهالك المرادي، بمزاجي!
لكزها بقوة من كتفها وهو يمر إلى خارج الغرفة لتظل محدقة فيه بنفس الحالة المصدومة، تأججت مشاعر الكراهية نحوه، مسحت بيدها ما ظنت أنها بقايا قبلته من على شفتيها، ألقت بجسدها على الفراش تتوعده بغضبٍ:
-ماشي يا “معتصم”، أنا وإنت والزمن طويل!
…………………………………………….
تلقى اتصالها الهاتفي بغبطة جلية، فقد انشغل عنها “سامر” مؤخرًا بعمله ليتفرغ بعدها لانتقامه الممتع من قريبة خصمه “أية”، بالطبع لم يخلو حوارهما من عبارات الغزل التي تسلب العقول وتلهب القلوب ليضمن سيطرته عليها، أيقن أنها باتت جاهزة لاستدراجها ببساطة إلى حيث يريد، وأثناء لقائهما المعتاد في النادي تفاجأ بها تطلب منه:
-على فكرة أنا حكيت لقريبتي عليك
تحولت ملامحه للانزعاج وهو يلومها:
-ليه كده يا “أية”؟ مش احنا متفقين منكلمش مع حد في موضوعنا لحد ما يبقى رسمي؟!!
بررت تصرفها قائلة بارتباك:
-بالعكس والله، دي فرحت جدًا، وبعدين “آسيا” قالت هتساعدنا
اخترق اسمها ثنايا عقله فردد باستغراب انعكس على نظراته أيضًا:
-“آسيا”
أومأت برأسها مؤكدة:
-أيوه، الموديل المعروفة “آسيا”، تسمع عنها؟
ارتدى قناع البراءة وهو يجيبها باقتضاب:
-تقريبًا
أكملت “أية” حديثها مبتسمة بنعومة:
-دي بقى خطيبة “معتصم”، قصدي كتبوا كتابهم على بعض
تصنع الاندهاش قائلاً:
-بجد، بس مقرتش حاجة زي كده عنها
أوضحت له باسترسال:
-أصل الموضوع كان عائلي شوية، وبعدين “آسيا” كان عندها شوية ظروف، بيني وبينك هي فاقدة الذاكرة
اعتدل في جلسته ليفكر بروية في كل كلمة تتفوه بها، لم يتوقع أبدًا ذلك التطور الخطير في علاقة “آسيا” بعدوه، بدأت تفاصيل خطة جديدة تتشكل في رأسه، سألها بمكر دون أن تتبدل تعابير وجهه:
-وده حصلها من إيه؟
أجابته على الفور:
-حادثة من قريب
تراجع بظهره على المقعد ليرمقها بنظرة مطولة غامضة لم تفهمها، ثم هز رأسه قائلاً:
-سلامتها
ردت مبتسمة بوجهٍ متوردٍ:
-الله يسلمك، هي كانت عاوزة تشوفك
أخفى “سامر” تلك الابتسامة الشيطانية التي تقاتل للظهور على محياه، فقد نصب من جديد شراكه ليوقع تلك المرة بصيدين ثمينين في وقت واحد، خاصة مع تلك المعلومات الهامة التي عرفها، انحنى نحو “أية” ليتمكن من وضع يده على كفها، داعبه برفق فارتعشت من لمسته، بادلته نظرة خجلة مليئة بالإشراق، نظر لها بعينين لئيمتين وهو يضيف باستسلام وكأنه قد وافق على طلبها:
-وماله، طالما إنتي واثقة فيها، يالا حددي ميعاد ونتقابل احنا التلاتة في الفندق بتاعي …………………………………………. !!
……………………………………………………
يتبع >>>>>>