رواية (المحترم البربري)
الفصل السادس عشر
خرجت تلك الكلمات الصادمة من جوف “معتصم” لتنزل كالصاعقة على رأس والدتها التي تسمرت للحظات في مكانها غير مصدقة ما تلفظ به، أيعقل أن فعلت ابنتها ذلك في لحظة طيش متهورة؟ أفاقت “نادية” من صدمتها لتنظر بهلع إلى فلذة كبدها، ثم هرولت جاثية على ركبتيها أمام جسدها المسجى على الأريكة صارخة بها:
-عملتي كده ليه يا بنتي؟
مدت كفيها لتمسك بقبضتها تضمها بين راحتيها وهي تبكي بحرقة على ما اقترفت، رفعت رأسها الباكي إلى “معتصم” تستغيث به:
-الحقني يا ابني، اتصرف وإنقذها قبل ما تضيع مني
كان أمامه خيارين؛ الأول أن يهاتف الإسعاف وينتظر قدوم العربة والتي من المحتمل أن تأتي متأخرة، أو أن يحملها بنفسه ويقلها بسيارته إلى أقرب مشفى، بالطبع لم يكن بحاجة للتفكير مطولاً، حسم أمره واقترب من “نادية”، وبحركة رقيقة على كتفها أجبرها على الابتعاد عن طريقه ليتمكن من الانحناء وحمل “آسيا” بين ذراعيه، أسرع في خطاه بها متجهًا نحو الخارج تتبعه والدتها ليصل بعد دقائق معدودة إلى سيارته، أسندها بحذر على المقعد الخلفي، وجلست “نادية” إلى جوارها واضعة رأسها على صدرها وتضمها بذراعيها وكأنها تخشى فقدانها، هتفت فيه بصوتها المنتحب:
-بسرعة يا ابني، اطلع على أي مستشفى!
أومأ برأسه قائلاً بهدوءٍ مريب وهو يلقي بجسده على مقعد قائد السيارة:
-حاضر
ثم أدار المحرك واستدار برأسه ليتحرك بالسيارة في الاتجاه العكسي متجهًا إلى المشفى، كان ممتنًا في نفسه هدوء حركة السير في تلك الأثناء مما سهل كثيرًا عليه وصوله إلى وجهته في وقت أقل ليسهم ذلك في زيادة فرص إنقاذها، لكن ما لم يتوقف عن التفكير فيه هو البحث عن إجابة وافية للسؤال الذي يلح عليه عقله به، لماذا لجأت إلى فعل ذلك؟
……………………..
لاحقًا، ناول “وحيد” زوجته كوبًا بلاستيكيًا مليئًا بالمياه الباردة لتبلل به حلقها الجاف، ففور أن علم بالكارثة التي حدثت حتى أتى هو الآخر إلى المشفى ليكون إلى جوارها في مثل تلك الظروف، نظرت له “نادية” بأعينها الدامعة تحدثه بهمس منكسر:
-“آسيا” موتت نفسها يا “وحيد”
رد عليها بنبرة عقلانية محاولاً طمأنتها:
-إن شاء الله الدكاترة يساعدوها وهاتبقى كويسة
سألته بحسرةٍ لم تخفها نظراتها إليه:
-طب عملت كده ليه؟ نفسي أفهم
كفكفت عبراتها المنهمرة على وجنتيها مكملة حديثها:
-أنا مكونتش عاوزة منها حاجة غير إنها تسمعني وتبقى كويسة
رد عليها “وحيد” مبررًا تصرفها المتهور:
-ساعات بيجي على الإنسان لحظات ضعف، مابيبقاش في وعيه ولا عارف بيفكر إزاي، بيستسلم للأفكار السودة اللي في دماغه وبتخليه يعمل حاجات تأذيه
سألته بحزنٍ أكبر:
-طب ليه؟
لم يجد في جعبته الرد الشافي لها، عجز عن إراحتها فتنهد قائلاً:
-السؤال ده “آسيا” وحدها اللي تقدر تجاوبلك عليه
مسحت بأناملها دمعاتها هامسة برجاءٍ:
-يا رب طمني عليها
لف “وحيد” ذراعه حول كتفي زوجته قائلاً:
-إن شاء الله هاتبقى بخير، اهدي بس إنتي يا حبيبتي!
على الجانب الآخر، وقف “معتصم” منزويًا في أحد الأركان مستندًا بظهره على الحائط ومراقبًا حركة الممرضين والأطباء بنظرات شــاردة، أخرج زفيرًا ثقيلاً من رئتيه وهو يتذكر كيف وقع الاختيار على المشفى الذي يعمل به رفيقه ليلجأ إليه، فهو يعلم جيدًا أن محاولات الانتحار ستتطلب تحقيقات رسمية وبعض الإجراءات القانونية، وإن وصل الأمر إلى الصحافة أو تسرب الخبر إلى المواقع الإلكترونية لن يسلم هو وعائلته من فضائح “آسيا”، وهي لن تكترث بتبعات ما تفعله، لذا وجودها هنا سيكون الحل المؤقت ريثما يرتب أفكاره، ظل باله مشغولاً لبعض الوقت يفكر في طريقة يستدرجها بها نحو مخطط يحجم به هجومها الشرس، بدأت ملامح الخطة تتشكل في عقله، وضع البدايات التي سيتبعها لكن انتزعه من تفكيره المتعمق خروج صديقه “مصطفى” من الداخل فاعتدل في وقفته، ثم اقترب منه مشيرًا له بعينيه ليتحرك كلاهما نحو الجانب، استطرد متسائلاً بجمود:
-إيه الأخبار؟
أجابه الأخير مبتسمًا بروتينية:
-الحمدلله لحقناها وعملنا غسيل معدة ليها، وشوية وهاتفوق، هي خلاص اتنقلت لأوضة عادية
هز رأسه بإيماءة متفهمة وهو يرد باقتضاب:
-تمام
سأله “مصطفى” بفضول وهو مركز بصره عليه:
-بس مش هي دي البنت إياها؟
تصلبت تعابير “معتصم” قائلاً بتحذير:
-“مصطفى”، مافيش داعي تحكي عن أي حاجة حصلت قبل كده، وبعدين أنا جايبها هنا علشان نلم الدور مايكونش في سين ولا جيم
هز رفيقه رأسه متفهمًا:
-اطمن يا صاحبي
تابع تحذيراته قائلاً بجدية شديدة:
-ومش هاوصيك، مش عاوز ماما تعرف بأي حاجة، صحتها زي ما إنت فاهم
ابتسم له “مصطفى” هاتفًا:
-حاضر
-ويا ريت تقولهم إنها هاتفوق على بكرة
عقد “مصطفى” ما بين حاجبيه متسائلاً باستغراب:
-طب ليه؟
تحولت نظراته لشيء من الإظلام قبل أن يجيبه بغموض:
-محتاج أتكلم معاها الأول قبل ماما ما تشوفها
حرك رأسه بالإيجاب متسائلاً:
-ماشي، ها في أي أوامر تانية؟
وضع يده على كتفه مرددًا بامتنان:
-لأ شكرًا يا “مصطفى”، أنا مش عارف أقولك إيه
رد عليه مبتسمًا:
-ولا حاجة يا سيدي، احنا إخوات، بس عد الجمايل
تصنع الابتسام وهو يقول:
-ماشي
ثم اتجه كلاهما إلى حيث يجلس والده و “نادية”، وما إن رأت “مصطفى” مقبلاً عليها حتى هبت واقفة من مكانها، شعرت بالأدرينالين يتدفق في عروقها، باضطراب دقات قلبها، سألته بتلهفٍ وقد توترت نظراتها:
-خير يا ابني؟ من فضلك طمني! بنتي كويسة؟
سأله “وحيد” هو الآخر بجدية:
-أخبارها إيه يا دكتور؟
رد عليهما “معتصم” بابتسامة سخيفة زائفة:
-د. “مصطفى” طمني وقال هاتبقى كويسة، فمتقلقوش
سلطت “نادية” أعينها اللامعة على وجه “مصطفى” لتسأله بعدم تصديق:
-بجد؟ يعني هي فاقت؟ اتكلمت معاها؟ أرجوك طمني!
أجابها الأخير بصوته الهادئ:
-لسه مفاقتش، بس إن شاء الله هاتبقى أحسن
تنفست الصعداء بعد جملته التي أثلجت صدرها، بينما تابع “مصطفى” حديثه الجاد محذرًا:
-ونصيحتي إنها تتعرض على دكتور نفسي يشوف هي عملت كده ليه
رد عليه “معتصم” بامتعاض ملحوظ:
-هانشوف ده بعدين
التفت “مصطفى” نحوه قائلاً بجدية:
-الموضوع مهم، لأن جايز تكرر ده تاني، ماتستبعدش ده!
انزعج “معتصم” من جملته الأخيرة فلم يكن الاتفاق معه يتضمن البوح بذلك الأمر الذي تفاجئ به، ضبط انفعالاته المتغيرة قائلاً بجدية:
-حاضر
هتفت “نادية” بصوتٍ أقرب للبكاء وهي تضع يدها المرتجفة قليلاً على ذراع “مصطفى”:
-من فضلك يا دكتور خليني أدخل أشوفها
تبادل سريعًا نظرات شبه حائرة مع “معتصم” فقد بدا في موقف حرج، كانت نظرات الأخير صارمة للغاية رغم صمته، ثم رد بهدوء محاولاً إخفاء ارتباكه الطفيف:
-مش هاينفع دلوقتي، على بكرة الصبح هاتكون فاقت وبقت أحسن
انقبض قلبها فصاحت بلا وعي:
-ده معناه إنها تعبانة و…
قاطعها “مصطفى” محاولاً تهدئتها:
-لأ مش كده، بس جسمها محتاج يرتاح، ده غير كمان إن حضرتك شكلك مرهق ومحتاجة ترتاحي زيها، صح ولا غلطان
دعمه “وحيد” قائلاً:
-الدكتور عنده حق يا “نادية”، تعالي نروح بيتنا دلوقتي، وبكرة من بدري هانكون عندها
هزت رأسها رافضة:
-مش هاقدر أسيبها
تنفس “معتصم” بعمق قبل أن يقول بتريث محاولاً إقناعها:
-يا ماما، الأعدة هنا مالهاش أي لازمة دلوقتي
بدت على وشك البكاء وهي تقول:
-بس يا ابني …
قاطعها بنفس الهدوء العقلاني ممتصًا حزنها:
-من فضلك يا ماما، د. “مصطفى” هايفضل معاها وهيبلغنا بأي جديد يحصل، علشان خاطري أنا، خلينا نمشي ووعد هاجيبك من بدري
أضاف “وحيد” بابتسامة باهتة:
-“معتصم” عنده حق، احنا بنضيع وقتنا على الفاضي، ده غير مواعيد الدواء بتاعتك، إنتي مخدتيش حاجة من بدري
استسلمت أمام إلحاحهما قائلة بإحباط انعكس على تعبيراتها الحزينة:
-طيب
اقترب “معتصم” من والده ثم مال عليه هامسًا:
-اسبقني يا بابا على البيت، أنا شوية وهاحصلكم
التفت “وحيد” ناحيته متسائلاً بصوت خفيض:
-وراك حاجة؟
أجابه باقتضاب:
-يعني
-ماشي يا “معتصم”، بينا يا “نادية”
وجهت الأخيرة حديثها للطبيب قائلة:
-مش هاوصيك يا د. “مصطفى” على “آسيا”
ابتسم قائلاً بلطف:
-اطمني، مش محتاجة وصاية
ودعته “نادية” وهي تملي عليه المزيد من وصايا الأمهات العشر وكأنها سترحل عنها لأيام وليس لساعات محدودة، ظل “وحيد” محاوطًا إياها من كتفيها حتى انصرف معها من المكان، بينما راقب “معتصم” ابتعادهما على أحر من الجمر ليشرع في الاتجاه نحو غرف المرضى الموجودة بالطابق العلوي، كانت وجهته محددة؛ غرفة “آسيا”.
……………………..
أصدرت أنينًا خافتًا وهي تقلب رأسها على الوسادة، فتحت “آسيا” جفنيها بتثاقل محاولة معرفة أين هي، شعرت بصداع عنيف يجتاح رأسها، تأوهت بصوت خفيض وهي تحرك يدها لتضعها على جبينها، شعرت كذلك بتلك الوخزة في ظهر كفها، ضيقت نظراتها لترى ما الذي يؤلمها فوجدت إبرة طبية مغروزة فيه، تساءلت مع نفسها بحيرة:
-أنا فين؟
ردت عليها الممرضة وهي تعيد ضبط الوسادة من خلفها:
-حمدلله على السلامة، حاسة بإيه دلوقتي
ركزت “آسيا” نظرها المشوش عليها، تأملت ملامحها بإرهاق، ثم سألتها بنبرة واهنة:
-إنتي مين؟
رسمت الممرضة ابتسامة ودودة على ثغرها وهي تجيبها:
-أنا ممرضة شغالة هنا في المستشفى
ثم تفقدتها سريعًا قبل أن تكمل بنفس اللطافة:
-لو عوزتي حاجة من فضلك دوسي على الزرار ده، وثواني وهاكون عندك، ومرة تانية حمدلله على سلامتك
انصرفت الممرضة تاركة “آسيا” بمفردها والتي بدأت في استيعاب الأمر، فقد باءت مسألة انتحارها بالفشل، وما زاد الطين بلة هو نجاتها منها، لكن من الذي ساعدها لتنجو؟ لم تكن بحاجة للتخمين، بالطبع “معتصم” كان متواجدًا بمنزلها، ناهيك عن والدتها، إذًا فكلاهما كانا شاهدين على لحظة انهيارها، غمغمت بكلمات خافتة تحمل اللعنات، تخشب جسدها كليًا على إثر الصوت المتسائل:
-مبسوطة دلوقتي؟
جمدت “آسيا” أنظارها على “معتصم” الذي سد بجسده الباب قبل أن يلج للداخل ويغلقه من خلفه، تسارعت دقات قلبها من التوتر، ثم صاحت مستنكرة اقتحامه للغرفة:
-إنت مين سمحلك تدخل هنا؟
اعتدلت في نومتها بطريقة فجائية مما أرهق جسدها، لم تكترث لذلك، وواصلت هتافها الآمر:
-اتفضل برا
اتجه “معتصم” إلى أقرب مقعد ثم سحبه سائرًا بخطوات هادئة نحو الفراش، لم يعبأ بصياحها ولا صرخاتها التي تطالب بخروجه، بل بكل وداعة جلس عليه، أوشك بركان غضب “آسيا” على الانفجار فيه، لكنه نطق ببرود جليدي آمرًا إياه:
-اسكتي خالص، واسمعيني للآخر، لأن الكلام الجاي هايكون في مصلحتك قبل مصلحتي
ردت بتهكم وهي تنظر له بازدراء:
-مصلحة معاك إنت؟!
تحدث من زاوية فمه قائلاً بسخرية:
-ماتستقليش بيا!
تشنجت نبرتها وهي ترد:
-مش عاوزة اسمع حاجة
ثم أشارت له بيدها:
-اتفضل من هنا، برا
رد ببرود واضعًا ساقه فوق الأخرى:
-أولاً ده مش بيتك علشان تطرديني منه، أنا اللي جبتك هنا، ولولايا كان زمانك مع الأموات
صاحت بغيظ وقد اشتعلت نظراتها:
-هايبقوا أرحم منك، برا
أنزل ساقه ثم انحنى للأمام بجسده قائلاً بنبرة مليئة بالقسوة وقد تركزت أعينه عليها:
-صدقيني يا “آسيا”، محدش في الدنيا دي يفرق معاه تعيشي ولا تموتي غير بس أمك
بادلته نظرات حانقة كارهة لوجوده وهي ترد بحدةٍ:
-بناقص منها
أرجع ظهره للخلف متابعًا بفتور وكأن احتراقها لا يعنيه:
-لو كان عليا كنت أجبرتها تنساكي، وتمحي أي صلة بيكي بس للأسف هي أمك، هتتقهر عليكي، وصعب أعمل في الست اللي ربتني كده
رمقته بنظرات احتقارية قبل أن تنطق بعبوس ساخط:
-كفاية عليها إنت تداوي جرحها
بدت كأنها تسخر منه بكلماتها، فابتسم متعمدًا إغاظتها ثم رد بهدوء:
-عندك حق، بس قلبها ضعيف ناحيتك، هانقول إيه بس!
حدجته بنظرات نارية تحمل الكره، بينما رفع “معتصم” يده ليمرره على خصلات شعره وهو يتابع:
-شوفي يا ملكة الفضايح
اغتاظت من ذلك اللقب المهين واستعرت من داخلها، كزت على أسنانها صائحة بانفعال:
-إنت …
قاطعها مشيرًا بإصبعه:
-إيه مش عاجبك الكلام؟ ده إنتي بتحبي الجو ده موت!
نفثت زفيرًا مليئًا بالحنق من صدرها فاستأنف حديثه بنفس القسوة:
-وبصراحة أنا معنديش مانع خالص، بالعكس هازودلك جرعة الفضايح وأبسطك
فغرت شفتيها مشدوهة من ذلك الأسلوب المختلف الذي يتعامل به معها، وقبل أن تترجم ما يرمي إليه أضاف مهددًا:
-بس الفرق مش هاخليكي تشتغلي بعد كده نهائي، هاقضي عليكي وأمحيكي من على وش الأرض
انتصبت في جلستها صارخة بتحدٍ:
-ولا تقدر
لم يرف له جفن وهو يقول:
-إنتي لحد دلوقتي مجربتنيش
ردت عليه بتهديد صريح:
-ولا إنت تعرفني، أنا معنديش اللي أخسره
ضحك ساخرًا من طريقتها ليزيد من استفزازه لها ثم ادعى صعوبة السيطرة على ضحكاته قائلاً:
-بلاش جو التحديات ده، لأنك هتخسري معايا
اغتاظت من استخافه بها وصرخت فيه:
-مش هايحصل
تنحنح “معتصم” بخشونة قبل أن يجلس باسترخاء أكبر على المقعد، شبك أصابعه معًا ثم استطرد قائلاً بهدوء أشد رزانة:
-طيب نتكلم بأسلوب تاني، أو باللغة اللي تفهميها، أنا هادفع تمنك يا “آسيا” هانم
رفعت حاجبها للأعلى هاتفة باستنكار كبير:
-نعم؟!
بدت نظراته قاسية للغاية، خالية من أي وميض للحب أو العاطفة، استمر في تحديقه بها متحدثًا من زاوية فمه:
-ماتبصليش كده، يعني هأجرك، اتفاق هنعمله زي أي اتفاق بين طرفين
كتفت ساعديها معًا لتسأله بنبرة ساخرة:
-وده بمناسبة إيه؟ هاتعمل شو وناقصك موديل؟!
هز رأسه نافيًا:
-لأ، الحاجات دي ماتهمنيش، اتفاقي يخص إنسانة واحدة بس
مطت فمها قائلة:
-“نادية” هانم، صح؟
رد عليها مادحًا:
-مظبوط، بيعجبني ذكائك السريع مع إن ….
بتر عبارته عمدًا ليضمن حوزته كليًا على انتباهها ثم أكمل قائلاً:
-اللي يشوفك بمنظرك ده يعتبرك (مومس) رخيصة
استشاطت غضبًا من نعته لها بتلك الكلمة المهينة فصرخت فيه بهياج:
-إنت واحد قذر
رد ببرود محافظًا ببراعة على ثبات انفعالاته:
-بس مش أقذر منك
نجح بأسلوبه الهادئ المستفز في إخراج “آسيا” عن شعورها، انتفضت من جلستها على الفراش نازعة عنها الإبرة الطبية وقاصدة الهجوم عليه، اندفعت نحوه بكل شراسة تريد نبش أظافرها في وجهه لتشوهه لكنه تفاداها بمهارة بل وأحكم السيطرة عليها؛ حيث أمسك بها من رسغيها ولفهما خلف ظهرها ملصقًا إياها به، ثم أجبرها على السير مع خطواته متجها بها نحو الحائط ليحاصرها في الزاوية، التصقت بالحائط وشعرت بالوهن يجتاحها، تلوت بجسدها الغاضب محاولة التحرر منه لكنه لم يدع لها الفرصة، سيطر عليها ببساطة وبقيت أسيرته حتى إشعار آخر، جمد نظراته الحادة على وجهها المتعصب، نظر في عينيها الفيروزيتين مباشرة دون أن تتطرف حدقتاه، آمال رأسه نحوها ليقول محذرًا بهمس خطير:
-ماتلعبيش مع النار يا “آسيا” ……………………..
……………………..
يتبع >>>