“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد
الحلقة الثانية عشر
*******************بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
– مين دا يا سلمى؟.
تساءل شهاب مقطبا الجبين, دلف احمد الى الداخل متجها الى سلمى غير ملتفت الى من يقف بجوارها, وقف أمامها وقال بنظرات مشتاقة:
– وحشتيني…
لتمتد يد كالكلّاب تمسك بمقدمة قميصه ويجذبه شهاب اليه بقوة ناظرا اليه بغضب وحشي وهو يزمجر من بين أسنانه:
– احترم نفسك!, انت مش شايف راجل جنبها؟..
حاول أحمد دفع يد شهاب بعيدا وهو يهتف بغلظة:
– ايه يا عم انت, انت مالك؟, انا جاي علشان د. سلمى انت تبقى مين؟
شهاب وهو يدفعه بعيدا عن مسار سلمى ويكور قبضته متأهبا لضربه هاتفا بغضب عاصف:
– انا هعرفك دلوقتي أنا أبقى مين؟
وما ان هم بلكمه حتى هتفت سلمى:
– بس كفاية..
اتجهت اليهما في حين نظر اليها شهاب ورغبة في قتل هذا الكائن الطفيلي تتفاقم لديه, وقفت سلمى بجوار شهاب ناظرة الى أحمد ببرودة وهي تقول:
– نعم.. أقدر اعرف سبب الزيارة؟
أزاح أحمد يد شهاب جانبا ودفعها بقوة ليعيد ترتيب ثيابه التي تجعدت من هجوم شهاب المباغت عليه, ثم أجاب وهو يرمق شهاب شذرا:
– عاوزك لوحدنا يا سلمى…
زمجرة شديدة صدرت من شهاب وصرخ وهو يهم بالانقضاض عليه:
– لاااا… دا انت قليل الادب بقه وعاوز تتربى..
سلمى وهي تقبض على ذراع شهاب وتنظر اليه مطالبة له بالصمت, لتلفت الى احمد متسائلة بجمود تام:
– عاوز ايه؟, أي حاجة عاوز تقولها اتفضل قولها دلوقتي انا مبخبيش على شهاب حاجة!
قطب أحمد وسأل باستهزاء:
– ليه؟, يبقى مين ان شاء الله؟
شهاب بترفع ونظرة غضب سوداء تلمع في مقلتيه:
– انا ابن عمها… وخطيبها!
ليبتسم أحمد ابتسامة ساخرة ويرد ببرود تام:
– وأنا أحمد.. جوزها!!..
كتمت سلمى شهقة داخلها وهمّت بالرد عليه عندما فاجئها شهاب بأن نظر الى أحمد نظرة استعلاء واضح قبل أن يقول ببرود وابتسامة صفراء تزين ثغره المغطى بشارب ولحية خفيفة:
– قصدك اللي كان.. جوزها!
أفلتت شهقة سلمى هذه المرة ولكن من عبارة شهاب, نظرت اليه بعدم تصديق في حين تمتم أحمد مقطبا جبينه:
– إنت عارف أنها كانت مراتي؟
بصعوبة تمالك شهاب نفسه من أن يكيل اللكمات الى هذا المغرور السخيف, فكلمته التي ادلى بها بمنتهى البرود من أن سلمى إمرأته جعلت الشياطين تتقافز أمام عينيه.. نسبها الى رجل آخر يثير لديه غريزة رجل الكهف في الدفاع عمّا هو له.. وهي له… لن تنتسب الى رجل غيره.. وسيكون ملعونا ان لم يحصل عليها وسيعمل على جعلها تؤمن بأنه هو رجلها الوحيد وسيجعلها تعترف بذلك إن آجلا أو عاجلا!….
أجاب شهاب بحدة مكتومة واسلوب ساخر:
– قصدك مكتوب كتابكم؟, الموضوع دا كان من سنتين تقريبا والحمد لله ربنا نجاها منك بعد ما أثبت أد إيه انت انسان ندل وخسيس وواطي… أقدر أعرف راجع عاوز ايه؟
هتف أحمد بحدة:
– أنا مسمحلكش تكلمني بالاسلوب دا؟
شهاب باستهزاء:
– انا أساسا مش عاوز أتكلم معاك خالص, لكن زي ما انت شايف انت اللي جيت برجليك… وبما إن سلمى بقيت تخصني يبقى أنا لازم أتلكم معاك وافهم…
احمد ينقل نظراته بين هذا الليث الغاضب وبين سلمى المذهولة التي تتابع ما يحدث بذهن غائب, قال أحمد ببرود مغيظ وهو يزيل شيئا وهمي عالق بكم سترته:
– وانا اعتقد اني قلت انى عاوز سلمى لوحدها؟!..
ثم وجه نظرة مليئة بالتحدي لشهاب وهو يتابع:
– زي ما انت خطيبها دلوقتي أنا كنت في فترة من الفترات جوزها أو.. اللي كاتب كتابه عليها, وأعتقد انه فيه حاجات بيننا مالهاش أي صلة بيك؟!
الى هنا ونفذ صبر شهاب ولم يستطع السيطرة على غضبه أكثر من هذا لينفلت غضبه من عقاله ويهوي بقبضة كالحديد محطمّا فك أحمد لتنزف شفته وأنفه على حد سواء وينظر مبهوتا الى شهاب الذي يقف يلهث من شدة ما يضطرم بداخله من نيران تتأجج مهددة في حرق كل من يقف في طريقها!
انتبهت سلمى من شرودها وذهولها نتيجة مفاجئتها بمعرفة شهاب بأمر ارتباطها السابق بأحمد لتهتف باعتراض وهي ترى أحمد ينزف ويقف محاولا ايقاف سيل تدافع الدماء من أنفه وفمه على حد سواء بينما يقف ذلك الليث الهائج متحفزا على أهبة الاستعداد لأعادة الكرة مرات كثيرة, هتفت بنزق وهي تسرع باعطاء أحمد محارم ورقية لمسح الدماء التي تقاطرت على قميصه:
– مش ممكن يا شهاب, كويس كدا؟, انا أقدر أوقفه عند حده, بس ما ينفعش الضرب!
نار… نار تزداد وتتأجج وهو يستمع لتقريعها له وكأنه طفل صغير قام بفعل سيء!, بينما ذلك المتحذلق المغرور يقف محاولا مسح جرحه وهو يطالعه بنظرة ساخرة متشفية, هتف شهاب وهو يقترب منها والنيران تتصاعد من فحم عينيه المشتعل:
– امشي دلوقتي يا سلمى وسيبيني أنا هتصرف…
وقفت بينهما تهتف بحنق:
– انا مش همشي, الموضوع يخصني أنا..
ثم التفتت الى أحمد الواقف يطالع شهاب باستفزاز لتهتف به محتدة:
– في كلمة ونص أعرف ايه سبب زيارة حضرتك يا دكتور!
نظر احمد الى شهاب الواقف كالصقر المتربص به يحاول تمالك أعصابه بصعوبة, أجاب أحمد محاولا كسب عطفها:
– هتكلم ازاي والاستاذ واقف فوق راسي كدا, عاوز اتكلم معاكي على انفراد لو سمحتي…
نفخت سلمى بضيق ولم تجد بدّا من القبول بسخط والتفتت لتطلب من شهاب تركهما بمفردهما لتبتر كلماتها قبل أن تتلفظ بها ما إن وقعت عيناها أسيرة عينيه!, نظر اليها بتركيز وتقدم منها ليقف قبالها تماما ويقول بغضب مكبوت بينما خافقه يضرب بعنف في جنبات صدره وهسيس أنفاسه الساخنة تضرب وجهها بلهيب حارق:
– اوعي تقولي انك موافقة على طلب المجنون دا؟, اقسم بالله على جثتي أني أمشي وأسيبك معاه!
هتفت سلمى بيأس:
– شهاب أرجوك.. دي مشكلتي أنا وأنا بس اللي أوافق ولا أرفض!
نظر اليها بجدية هاتفا بصرامة بكلمة واحدة ولكن باترة حادة كشفرة السكين:
– لا….
زفرت بضيق في حين لم يتحمل أحمد هذا البائس الذي يقف بينه وبين الانسانة الوحيدة التي خفق لها قلبه, ليتقدم برعونة لم يدرك خطؤها الّا لاحقا وهو يهتف بغضب:
– قالت لك سيبنا لوحدنا, هي عافية يا أخينا؟!
لمعت عينا شهاب وانطلقت يده كالقذيفة تمسك بتلابيب أحمد وهو يهتف بصوت ترجف له الأبدان وترتعش له المفاصل:
– أه عافية, ووريني بقه هتعمل ايه؟
وما إن أنهى عبارته حتى لكمه بقوة على وجنته ولكن أحمد لم يسكت هذه المرة ليرد له الصاع الصاعين وبدأ الصراع بينهما بين ركل وضرب وسباب, ابتعدت سلمى عنهما ووقفت تنقل نظراتها بينهما لتنفخ في يأس ثم تسرع حاملة حقيبتها اليدوية الى الخارج بينما لا يزالان يكيلان لبعضهما الركلات واللكمات, وجدت سيارة شهاب الرباعية المكشوفة واقفة خارج المستوصف ولحسن حظها كانت المفاتيح بداخلها, صعدت الى السيارة وانطلقت بها وسط عاصفة ترابية ضخمة لتصدر عجلاتها صوت صرير عال دليلا على مدى السرعة التي انطلقت بها, فينتبه شهاب واحمد الى صوت السيارة فيدفع شهاب بأحمد جانبا بقوة بعد أن يلكمه اللكمة الأخيرة التي أطاحت به بعيدا ويسرع في إثر سلمى فيفاجأ بعدم وجود سيارته, ويبصر غيث آتيا من بعيد على حصانه فيشير اليه ليتقدم منه ويقف وهو مذهول من حالة توأمه المزرية, ترجل غيث من فوق حصانه وتقدم الى شهاب هاتفا:
– باه.. ايه اللي عِمِل فيك إكده يا وِلد أبويْ؟
اندفع شهاب صاعدا الى فرس غيث وهو يهتف هامّا بالانصراف:
– هقولك بعدين, فيه ضيف عندك في العيادة اتأكد انه يخرج بره البلد وما يهوّبش ناحيتنا هنا تاني, سلام…
وانطلق كالقذيفة بينما تتابعه نظرات غيث المحتارة وهو يعقد جبينه في تساؤل لم يلبث أن تحول الى دهشة بالغة وهو يفاجأ برجل غريب يخرج من المستوصف وحاله ليست بأحسن من حال شهاب بل أسوأ بمراحل!!
************************
صفّت سلمى السيارة وترجلت لتنطلق الى الداخل, ما ان دلفت حتى اتجهت من فورها الى الأعلى دون أن تلتفت الى مناداة أمها لها والتي راعها حال ابنتها, اتجهت ألفت من فورها الى غرفة الجلوس حيث رؤوف زوجها وهتفت بخوف:
– رؤوف الحقني, سلمى راجعه من بره شكلها غريب أوي, زي ما تكون منهارة!
لينطلق رؤوف من فوره تاركا أخيه ووالده يتبادلان نظرات التساؤل والحيرة!
ما أن وصل رؤوف الدرج متأهبا للحاق بابنته حتى أبصر شهاب وهو يدلف كالطلقة هاتفا بلهفة واضحة:
– سلمى.. فين سلمى؟, عمي سلمى جات؟
نظر اليه رؤوف مليا واقترب منه وجال بعينيه على شهاب من قمة رأسه الى أخمص قدميه ليتساءل بتقطيبة عميقة بين حاجبيه:
– أقدر أعرف ايه اللي حصل؟, وايه اللي عمل فيك كدا؟, وبنتي راجعه شبه منهارة ليه؟
نظر شهاب الى عمه وأجاب بقوة:
– أنا هقول لحضرتك كل حاجة….
دفعه رؤوف الى غرفة المكتب وما ان دخلا وأغلق الباب خلفهما حتى أوقفه أمامه وقال وهو يميل ناظرا اليه بجدية:
– اتفضل أنا سامعك…
بعد أن انتهى شهاب من سرد ما دار بينه وبين سلمى وذاك المتحذلق حتى سكت وجلس يرمق عمه بنظرات تساؤل وقلق في انتظار سماع تعليقه عمّا حدث, تحدث رؤوف بنظرات غامضة وهو يكتف ساعديه مستندا الى ظهر مقعده:
– يعني أحمد رجع وعاوز يتكلم مع سلمى؟
أومأ شهاب بالايجاب وهتف:
– حقير!, بني آدم أحقر وأوطى منه ما شوفتش!!
رؤوف بتساؤل:
– وسلمى كانت موافقة على كلامه؟
شهاب بغيظ:
– كانت رافضة في الأول لكن لما هو صمم وافقت, بس أنا اللي ما رضيتش….
ثم توجه بإلحاح الى رؤوف مردفا:
– عمي لازم أنا وسلمى نعلن ارتباطنا رسمي, لازم الكلب دا يعرف أنه ما عادلوش سكة رجوع مع سلمى, لولا اني وعدت حضرتك ان الموضوع يفضل سر بيننا كان زماني دافنه بالحياة في مكانه, يسيب بنت عمي قبل الفرح بأيام!, يحمد ربنا انه حضرتك سبت بلادنا من زمان لو دا حصل عندنا هنا كان زمانه قال على نفسه يا رحمن يا رحيم, بناتنا مش لعبة, ولازم اللي عمله دا كان يدفع تمنه!
رؤوف بزفرة خانقة:
– ما انا قلت لك يا بني, وقتها كنت عاوز أخلصها من بين إيديه بأي طريقة, ما كانش هاممني الا بنتي, شهرين في المصحة بتتعالج من انهيار عصبي حاد أدى ان صوتها يروح بسببه, عمري ما كنت أعتقد انه يطلع بالندالة دي كلها, ومش عاوز كمان يسيبها لأ قال ايه بيحبها والتانية اللي اتجوزها في ألمانيا كانت علشان ياخد الجنسية وبس, بعد ما سافر عشان الدكتوراه ولاقى نفسه ما فيش شغل والفلوس معجزة معاه واهله هنا ناس من طبقة متوسطة الأب موجّه على المعاش والأم ست بيت وعنده أخين وتلات أخوات بنات غيره, طبعا الحالة ما تسمحش خالص انهم يساعدوه, المنحة اللي جات له من كلية الطب عشان يكمل دراسات عليا مش شاملة مصاريفه هو, الاقامة بس والدراسة, شاروا عليه ولاد ال… حلال انه يتجوز عشان ياخد الجنسية ويقدر يلاقي شغل, اتجوز من ورانا, كان خاطب سلمى من قبل ما يسافر وقالت له هستناك, كانوا زملا في الكلية, هو سابقها بسنتين, كان بيلح عليها علشان تقبل بارتباطهم ولما جالي وقعدت اتكلمت معاه ما انكرش اني اتغشيت فيه, كان بيتهيالي انه راجل وأد كلمته, وبعد ما خد الدكتوراه رجع عشان يتمم جوازهم, كان صمم انه يكتب قبل ما يسافر بحجة انه خايف سلمى تضيع من ايده, وانا وافقت اتخطبوا آخر سنه له في الكلية وعارفين بعض كويس, رجع عشان الفرح, وقبل الفرح باسبوع واحد بس عرفنا انه متجوز في المانيا واحده عندها فوق الاربعين سنة, واللي قالنا صاحبه اتخانقوا سوا ففتن عليه, الموضوع سهل, شهرين بتتعالج وهو رافض الطلاق لغاية ما هددته اني أروح السفارة وأقدم لهم ما يثبت انه متجوز وهناك الجمع بين زوجتين بيعاقب عليه القانون, فوافق انه يطلقها, بعدها ابتدت تتحسن شوية بشوية, الموضوع فات عليه سنتين, اتفاجئت بيه من كم شهر نزل مصر وعاوز يستقر ولما عرف ان سلمى لسه ما اتجوزتش لاقيته بيكلمني عاوز يقابلها وعاوز يرجع لها تاني, وقتها انا فعلا كنت بفكر أني أرجع البلد هنا, وقلت خلاص… لازم أمشي, خفت حالتها تتنكس تاني وجبتهم وجيت على هنا….
سكت قليلا ليلتقط انفاسه ثم تابع بيأس:
– انا قلت لك كل دا لما فاتحتني انك عاوز تخطبها, بنتي ما غلطتش وكنت لازم اكون صريح معاك من أولها لكن المشكلة دلوقتي انها عرفت انك عرفت.. ودي حاجة خاصة بيها, أنا متأكد انها متضايقة لكدا, غير طبعا اللي اسمه أحمد دا اللي انا مش عارف هو عاوز ايه ولا ناوي على ايه؟
كشر شهاب عن أنيابه وقبض يده بقوة وتحدث بحزم مخيف:
– طيب خليه يقرب من سلمى بس وهو يشوف اللي هيجرالو!..
ثم أردف بعزم:
– عمي أنا مصمم على جوازي من سلمى وأملي انه حضرتك تقدر تساعدني…
رؤوف بقلة حيلة:
– ايوة يا بني الأول كان ممكن لكن بعد سلمى ما عرفت انك عندك خبر باللي حصل معاها قبل كدا هتفتكر انه دا شهامة منك ولو كانت رافضة فكرة ارتباطكم بنسبة 50% هتبقى رافضاه دلوقتي بنسبة 200%!!
زفر شهاب بحنق وأجاب:
– الله يبشّرك بالخير يا عمي…
قال رؤوف بشرود:
– هو فيه حل بس….
ليندفع شهاب هاتفا:
– الحقني بيه يا عمي أبوس ايدك!
نظر رؤوف اليه قبل ان يقول بجدية تامة:
– اعرف الاول ايه سبب اصرارك الرهيب دا انك تتجوز بنتي؟, وما تقوليش بنت عمك وانت أولى بيها والكلم دا.. خليك صريح وقولي الحقيقة!!
ازدرد شهاب ريقه بصعوبة ونظر الى عمه بنظرات يشوبها الارتباك قبل ان يتماسك ويوجه نظره اليه بثبات مجيبا بجدية بالغة وعيناه تلمع ببريق العزم والتحد:
– انا هقول لحضرتك السبب…
********************
– يوووه يا سلافة…
هتفت سلمى بغيظ الى سلافة التى كانت تُخرج ما تضعه سلمى في حقيبتها الكبيرة, هتفت سلافة بعناد وتشبث وهى تخرج ثياب سلمى التى تضعها في الحقيبة:
– ما هو انا مش هتحرك من هنا قبل ما تفهميني فيه ايه؟.
نظرت اليها سلمى بغيظ وزفرت بحنق هاتفة:
– هنزل مصر.. ارتحتي؟
سلافة بتساؤل:
– ليه؟
سلمى بتهديد:
– سلافة.. بلاش شُغل كرومبو دلوقتي, مش فايقالك!
سلافة بعناد:
– بردو مش همشي غير لما أفهم فيه ايه؟, وبعدين انتي فاهمه ان بابا هيرضى يخليكي تنزلي مصر؟, يا بنتي قوليلي فيه ايه؟
صرخت سلمى بيأس ودموعها تطفر من عينيها رغما عنها ما جعل سلافة تشعر بأن الأمر جلل:
– فيه اني تعبت!, والله العظيم تعبت!
ثم ارتمت فوق الفراش تبكي لتجلس سلافة بجانبها تربت على كتفها بينما تدفن سلمى وجهها بين ذراعيها منخرطة في بكاء حار شبه راقدة فوق الفراش, همست سلافة وهي تكاد تبكي معها:
– سلمى فيه ايه؟, طيب أنا آسفة حبيبتي ما تزعليش, سلمى أنا…
اندفعت سلمى تلقي بنفسها بين ذراعي أختها وهي تتمتم بكلمات خافتة جعلت سلافة تقطب محاولة الانصات وما ان فهمت ما تقوله حتى فتحت عينيها واسعا وهي تردد:
– ايه؟, احمد رجع تاني؟..
لتكشر عن أنيابها مردفة:
– والمأسوف على شبابه دا رجع يهبب إيه تاني؟, مش كفاية اللي عمله؟
ابتعدت سلمى عن أختها محاولة كفكفة دمعها وابتسامة تشق طريقها وسط دموعها وتقول:
– يخرب عقلك يا سلافة, مش عارفة أضحك ولا أعيّط؟!
سلافة بغيظ:
– لا طبعا تضحكي.. تعيطي بتاع ايه ان شاء الله؟, ما يستاهلشي انك تعيّطي علشانه!, عيّطوا عليه ساعة وسكتوا البعيد!
لتخرج ضحكة مبتورة من فم سلمى, ثم سكتت قليلا لتنظر الى أختها بأهداب مبللة من بقايا دموع وهي تقول:
– بس اللي مش متصوراه انه.. شهاب طلع عارف!
قطبت سلافة مرددة:
– شهاب طلع عارف!, عرف منين؟, وعارف إيه؟…
لتتوسع حدقتاها وتتابع مجيبة على سؤالها بنفسها:
– انتي قصدك عارف بموضوع مخفي الذكر اللي اسمه أحمد دا؟
أومأت سلمى بالايجاب, قطبت سلافة ناظرة اليها بتركيز قبل أن تميل عليها هامسة وكأنها تكاد تفشي سرّا دوليّا خطيرا:
– وانتي بقه بتعيطي علشان شهاب عارف ولا علشان البتاع دا رجع؟
نظرت اليها سلمى لثوان ثم أشاحت بعينيها بعيدا فتابعت سلافة بلهجة من توصل الى سر الذرّة:
– يبقى بتعيطي علشان عرف صح؟, انما السؤال دلوقتي… ليه يا أختي يا حبيبتي؟, ما يعرف انت معملتيش حاجة غلط.. الظروف وقعتك مع واحد واطي والحمد لله اتكشف لنا في الوقت المناسب, يببقى تمسحي دموعك يا آمال… أووه.. أقصد يا سلمى, وتعالي اغسلي وشّك كدا, وبعدين نتكلم في موضوع الباش مهندس….
تعالى صوت طرقات الباب لتدلف ألفت بعدها وهي تقول بقلق أمومي:
– سلمى حبيبتي انتي كويسة؟
طالعتها سلمى بعيون دامعة وأبصرت ألفت حقيبة السفر الكبيرة فوق الفراش فهتفت مشيرة اليها:
– ايه دا يا سلمى؟
واتجهت الى ابنتها فوقفت سلافة معيقة سير والدتها وهي تقول بجدية مفتعلة:
– ما حصلش حاجة يا لولو, كانت لطشة شمس في دماغها وفاقت الحمد لله…
زفرت ألفت قائلة:
– على العموم بابا وشهاب ابن عمك برّه.. بابا عاوزك…
أجابت سلافة بدلا عنها في حين همّت سلمى بالإعتذار عن الخروج:
– قولي لبابا ثواني وهتكون عنده..
خرجت ألفت والتفتت سلافة الى سلمى متابعة:
– قومي اغسلي وشّك وانا هروح اعمل لنا كلنا لمون وغيري هدومك وحصّليني..
وانصرفت سلافة تاركة سلمى تحاول استيعاب ما يحدث لها!
*******************
انضمت سلمى لباقي أفراد عائلتها في غرفة الجلوس حيث كانوا يحتسون شراب الليمون الطازج الذي قامت بإعداده سلافة, وقف شهاب ما إن لمح هيئتها, فقطب رؤوف ليتتبع مسار عيني شهاب, فاستراحت أساريره بعد ذلك وأشار لسلمى بالقدوم قائلا:
– تعالي يا سلمى يا بنتي…
تقدمت سلمى لتجلس على أول مقعد يقابلها ليأتي حظها في مقابل شهاب تماما..
خانتها عيناها بالنظر اليه لتطالعها كدمة زرقاء أسفل عينه اليسرى وأخرى فوق وجنته اليمنى, قطبت فقال شهاب بابتسامة خفيفة واعيا لنظراتها:
– لا دي حاجة بسيطة, بس ولا يهمك.. غيّرت لك ديكور وشّه خالص!!
صوت رنين جرس الباب فنهضت سلافة لتفتح, ثوان وعادت في أعقابها غيث, نهض شهاب ينظر الى غيث مقطبا, في حين قالت سلافة للوجوه المتسائلة:
– غيث ابن عمي ما حبش يدخل بإيده فاضية,’ بس بصراحة انا ركنت الشيء اللي جايبه معاه برّه لغاية ما آخد اذنك يا بابا!
تقدم شهاب من غيث وهمس له:
– شيء ايه دا اللي معاك؟
غيث بقهر:
– الجدع اللي حضرتك ضربته لحد ما يبان له صاحب!, مش عاوز يحكي حاجة وانت موبايلك مجفول, صمم يجابل عمي رؤوف, ما رضيتش حد من اللي تحت ينضُرُه دخلته من الباب الجنينه الورّاني, على اهنه على طول!
في حين قال رؤوف لسلافة:
– مين يا بنتي اللي بره؟
سلافة بزفرة ضيق:
– الشيء اللي اسمه احمد!
لينهض رؤوف في دهشة تبعته سلمى, في حين قالت ألفت وهي تنظر الى ابنتها الكبرى في جدية موجهة حديثها الى رؤوف:
– اعتقد يا رؤوف لازم تشوف هو عاوز ايه؟, مش معقول يجري وراها في كل مكان كدا؟
قطب غيث بعدم فهم لما يدور حوله في حين قبض شهاب على أصابعه حتى ابيضت سلاميات أصابعه, قال رؤوف وهو يشير الى ابنته الصغرى:
– دخّليه يا سلافة!
قطبت سلافة بغضب واتجهت حيث تركت أحمد بالخارج وهى تتمتم بصوت مسموع لقطه غيث بسرعة:
– الهي يدخّلوك مرابعة يا شيخ روح!
نظر غيث الى شهاب المتحفز بجانبه وهو يهمس بدهشة:
– بت عمك اتجننت!, بتكلم روحها!
دخلت سلافة وفي أعقابها أحمد الذي دار بعينيه في وجوه الموجودين, حتى تقدم الى بغيّته رافعا يده للمصافحة وهو يقول:
– أزي حضرتك يا عمي..
نظر رؤوف لثوان الى يده الممدودة من دون أن يمد يده للمصافحة وما لبث أن بادله المصافحة ببرود وهو يقول فيما كان لا يزال جالسا في مكانه لم ينهض لاستقباله:
– الحمد لله..
ثم أشار لمقعد خال بجواره قائلا:
– اتفضل..
وجّه حديثه بعد ذلك الى سلافة قائلا:
– كوباية لمون بسرعة يا سلافة…
سلافة وهي تنظر الى الضيف الغير مرغوب به بغيظ:
– اللمون خلص, ومعندناش شاي, ومالناش في القهوة!
هتف رؤوف بجدية:
– بنت!
انصرفت سلافة وهى تهمهم بغيظ وتدعو على ذلك الأرعن في سرّها!!..
بعد أن استقر الجميع في أماكنهم, بادر أحمد الى الحديث وهو يختلس النظر الى سلمى القابعة فوق كرسيها بجمود تام:
– عمي بعد اذن حضرتك, انا عارف اني غلطان وهما قلت عمري ما هقدر أكفّر عن اللي عملته, بس رجاء أخير عاوز أتكلم مع سلمى, عمي اديني فرصة أخيرة أرجوك!
همّ شهاب بالقفز للكم هذا الأرعن بقبضته الساحقة علّعا تسكته الى الأبد, فأمسك غيث بمعصمه , ليطالعه شهاب فنظر اليه غيث آمرا له بالتزام الصمت, ليتأفف ويعاود النظر الى ذلك الأحمق..
رؤوف بجدية:
– سلمى قودامك أهي.. إسألها..
أحمد برجاء حار الى سلمى:
– أرجوكي يا سلمى, اسمعيني لآخر مرة..
سلمى بجمود وهي تطالعه ببرودة وخواء:
– لآخر مرة؟, يعني هتتقبل قراري بعد كدا مهما كان؟
ازدرد أحمد ريقه بصعوبة وتمتم بنعم, نهضت سلمى وهي تقول لوالدها:
– بعد اذن حضرتك يا بابا, هنقعد في الصالة شوية…
وخرجت تحت نظرات شهاب النارية, وما ان غابت عن ناظريه حتى وجه كلماته الحادة التي لم يستطع ايقافها:
– حضرتك ازاي توافق انه يقعد معاها بعد كله؟
رؤوف بهدوء:
– سلمى لازم هي اللي تقول الكلمة الاخيرة في الموضوع دا علشان يفقد الأمل خالص…
وفي الخارج
***********
تقف سلمى عاقدة ذراعيها أمامها بينما يقف أحمد مقابلا لها وعلامات الترجي ترتسم على وجهه وهو يقول:
– سلمى أنا غلطت, ظروفي كانت أقوى مني, مهدد اني أفشل في الرسالة, ما كانش قودامي الا الحل دا, انا رجعت لك يا سلمى وعاوز نبتدي من جديد…
سلمى ببرود وابتسامة ساخرة:
– انت ما غلطتش غلط بسيط, ما دوستش على رجلي غصب عني وجاي بتقولي انا آسف وأنا المفروض أني اسامحك, انت اناني, وكداب, كدبت عليا, ولولا صاحبك اللي اتخانقت معاه هو اللي فضحك عندي انت ما كونتش هتقولي حاجة, وبردوا تصرفت بمنتهى الندالة لما سيبتني قبل فرحنا باسبوع أواجه الناس ومعظمهم مش مصدق انه الفرح اتلغى علشان اكتشفت انك متجوز عليا, وقالوا اكيد فيه حاجة غلط سمعتها عني هي اللي طفشتك, ما هو أصل الناس مش بتصدق الا الوحِش بس!
أحمد بتوسل:
– أرجوكي يا سلمى انسي…
استدارت سلمى توليه ظهرها وقالت بجمود:
– شرفت يا دكتور, بس للأسف طلبك مش عندنا, ويا ريت تبقى دي آخر مرة أشوفك فيها…
هز برأسه يأسا وتقدم منها ليهمس لها:
– صدقيني عمري ما هنساكي يا أحب مخلوقة ليا, أنا اللي خسرت يا سلمى وخسارتي كبيرة اوي ولا يمكن هقدر أعوضها!!
لينصرف من فوره بينما كست عيني سلمى نظرة خواء, لتفيق من شرودها على صوت شهاب وهو يقول:
– مشي؟
نظرت اليه من فوق كتفها ليتابع:
– لو كان قعد ثانية زيادة كان زمانهم شايلينه مرابعه على رأي أختك!
لتنفجر سلمى ضاحكة فنظر اليها شهاب مشدوها ويأتي الجميع على صوتها, اتجهت سلافة اليها وهي تتساءل:
– فيه ايه يا سلمى؟
ثم وجهت سؤالها الى شهاب المندهش:
– انت عملت لها ايه؟, يعني الشيء دا يدخل علينا وكأن قطر داسه من اللي انت عملته فيه, ودلوقتي اختي مش بتبطل ضحك.. ايه انت فول أوبشن؟!
ابتسم شهاب وأجاب ولا تزال نظراته معلقة بسلمى التي احتوتها والدتها بين ذراعيها:
– تقدري تقولي كدا, عموما أي حاجة عاوزاها أنا في الخدمة!
وغمز لها بتخابث فأومأت سلافة بابتسامة متواطئة في حين كانت هناك أعين تراقبهما يكاد صاحبهما ينفث نارا من فمه, ما ان هدأ الجميع حتى اقترب غيث من شهاب هامسا:
– قسما عظما اما كنت خوي ولد أمي وبوي كان زماني دافنك مطرحك!, أجدر أعرف ايه الضحك والغمز واللمز اللي بيناتكم انت وسلافة دِه؟!
حدق به شهاب بغير استيعاب أولا ثم هتف بدهشة:
– ايه يا عمدة انت بتغير ولا ايه؟
كشر غيث عن انيابه وأجاب:
– اجفل خشمك واصل يا شهاب بيه, ماذا وإلا أني هورّيك ديكور وشّك هيبجى ازاي مش كيف ما اعملت للغندور اللي غار دِه!
قال رؤوف قاطعا تهامسهما الجانبي:
– بيتهيألي ننزل لجدكم وابوكم تحت أكيد مستغربين فيه ايه..
قال شهاب وهو يلقي بنظرات مختلسة الى سلمى:
– بعد اذن حضرتك يا عمي, عاوز بنت عمي في كلمتين…
غاب سلمى وشهاب في غرفة الجلوس لمدة لا تقل عن الساعة أو أكثر ليخرجا بعدها ويقفا أمام الجميع ليكون شهاب أول من يتحدث وقد ارتسم على وجهه تعبير جدي:
– عمي..
ليقف رؤوف يتبعه غيث فسلافة وألفت في حين يتابع شهاب وقد بدأت ابتسامة بالظهور لتفترش وجهه الرجولي الجذاب:
– حدد حضرتك المعاد اللي يناسبك عشان ننزل نشتري الشبكة…
هتفت ألفت بغير تصديق:
– ايه؟
همس غيث له:
– خطوبة!
شهاب بفخر وهو ينظر الى سلمى الواجمة والممتقعة خجلا:
– كتب كتاب يا كبير!
شهق الجميع بين دهش وحائر في حين سارع رؤوف بتقديم التهنئة وهتفت ألفت بسعادة لتحتوي ابنتها بين ذراعيها, انحنى غيث على شهاب يهتف بسخط:
– اعملتها كيف دِه؟, دِه ما كانتشي طايجاك واصل!
شهاب بثقة شديدة:
– أنت مستقلّ بأخوك ولا إيه؟, عموما لما ننزل… هقولك!!
– يتبع –
*******************بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
– مين دا يا سلمى؟.
تساءل شهاب مقطبا الجبين, دلف احمد الى الداخل متجها الى سلمى غير ملتفت الى من يقف بجوارها, وقف أمامها وقال بنظرات مشتاقة:
– وحشتيني…
لتمتد يد كالكلّاب تمسك بمقدمة قميصه ويجذبه شهاب اليه بقوة ناظرا اليه بغضب وحشي وهو يزمجر من بين أسنانه:
– احترم نفسك!, انت مش شايف راجل جنبها؟..
حاول أحمد دفع يد شهاب بعيدا وهو يهتف بغلظة:
– ايه يا عم انت, انت مالك؟, انا جاي علشان د. سلمى انت تبقى مين؟
شهاب وهو يدفعه بعيدا عن مسار سلمى ويكور قبضته متأهبا لضربه هاتفا بغضب عاصف:
– انا هعرفك دلوقتي أنا أبقى مين؟
وما ان هم بلكمه حتى هتفت سلمى:
– بس كفاية..
اتجهت اليهما في حين نظر اليها شهاب ورغبة في قتل هذا الكائن الطفيلي تتفاقم لديه, وقفت سلمى بجوار شهاب ناظرة الى أحمد ببرودة وهي تقول:
– نعم.. أقدر اعرف سبب الزيارة؟
أزاح أحمد يد شهاب جانبا ودفعها بقوة ليعيد ترتيب ثيابه التي تجعدت من هجوم شهاب المباغت عليه, ثم أجاب وهو يرمق شهاب شذرا:
– عاوزك لوحدنا يا سلمى…
زمجرة شديدة صدرت من شهاب وصرخ وهو يهم بالانقضاض عليه:
– لاااا… دا انت قليل الادب بقه وعاوز تتربى..
سلمى وهي تقبض على ذراع شهاب وتنظر اليه مطالبة له بالصمت, لتلفت الى احمد متسائلة بجمود تام:
– عاوز ايه؟, أي حاجة عاوز تقولها اتفضل قولها دلوقتي انا مبخبيش على شهاب حاجة!
قطب أحمد وسأل باستهزاء:
– ليه؟, يبقى مين ان شاء الله؟
شهاب بترفع ونظرة غضب سوداء تلمع في مقلتيه:
– انا ابن عمها… وخطيبها!
ليبتسم أحمد ابتسامة ساخرة ويرد ببرود تام:
– وأنا أحمد.. جوزها!!..
كتمت سلمى شهقة داخلها وهمّت بالرد عليه عندما فاجئها شهاب بأن نظر الى أحمد نظرة استعلاء واضح قبل أن يقول ببرود وابتسامة صفراء تزين ثغره المغطى بشارب ولحية خفيفة:
– قصدك اللي كان.. جوزها!
أفلتت شهقة سلمى هذه المرة ولكن من عبارة شهاب, نظرت اليه بعدم تصديق في حين تمتم أحمد مقطبا جبينه:
– إنت عارف أنها كانت مراتي؟
بصعوبة تمالك شهاب نفسه من أن يكيل اللكمات الى هذا المغرور السخيف, فكلمته التي ادلى بها بمنتهى البرود من أن سلمى إمرأته جعلت الشياطين تتقافز أمام عينيه.. نسبها الى رجل آخر يثير لديه غريزة رجل الكهف في الدفاع عمّا هو له.. وهي له… لن تنتسب الى رجل غيره.. وسيكون ملعونا ان لم يحصل عليها وسيعمل على جعلها تؤمن بأنه هو رجلها الوحيد وسيجعلها تعترف بذلك إن آجلا أو عاجلا!….
أجاب شهاب بحدة مكتومة واسلوب ساخر:
– قصدك مكتوب كتابكم؟, الموضوع دا كان من سنتين تقريبا والحمد لله ربنا نجاها منك بعد ما أثبت أد إيه انت انسان ندل وخسيس وواطي… أقدر أعرف راجع عاوز ايه؟
هتف أحمد بحدة:
– أنا مسمحلكش تكلمني بالاسلوب دا؟
شهاب باستهزاء:
– انا أساسا مش عاوز أتكلم معاك خالص, لكن زي ما انت شايف انت اللي جيت برجليك… وبما إن سلمى بقيت تخصني يبقى أنا لازم أتلكم معاك وافهم…
احمد ينقل نظراته بين هذا الليث الغاضب وبين سلمى المذهولة التي تتابع ما يحدث بذهن غائب, قال أحمد ببرود مغيظ وهو يزيل شيئا وهمي عالق بكم سترته:
– وانا اعتقد اني قلت انى عاوز سلمى لوحدها؟!..
ثم وجه نظرة مليئة بالتحدي لشهاب وهو يتابع:
– زي ما انت خطيبها دلوقتي أنا كنت في فترة من الفترات جوزها أو.. اللي كاتب كتابه عليها, وأعتقد انه فيه حاجات بيننا مالهاش أي صلة بيك؟!
الى هنا ونفذ صبر شهاب ولم يستطع السيطرة على غضبه أكثر من هذا لينفلت غضبه من عقاله ويهوي بقبضة كالحديد محطمّا فك أحمد لتنزف شفته وأنفه على حد سواء وينظر مبهوتا الى شهاب الذي يقف يلهث من شدة ما يضطرم بداخله من نيران تتأجج مهددة في حرق كل من يقف في طريقها!
انتبهت سلمى من شرودها وذهولها نتيجة مفاجئتها بمعرفة شهاب بأمر ارتباطها السابق بأحمد لتهتف باعتراض وهي ترى أحمد ينزف ويقف محاولا ايقاف سيل تدافع الدماء من أنفه وفمه على حد سواء بينما يقف ذلك الليث الهائج متحفزا على أهبة الاستعداد لأعادة الكرة مرات كثيرة, هتفت بنزق وهي تسرع باعطاء أحمد محارم ورقية لمسح الدماء التي تقاطرت على قميصه:
– مش ممكن يا شهاب, كويس كدا؟, انا أقدر أوقفه عند حده, بس ما ينفعش الضرب!
نار… نار تزداد وتتأجج وهو يستمع لتقريعها له وكأنه طفل صغير قام بفعل سيء!, بينما ذلك المتحذلق المغرور يقف محاولا مسح جرحه وهو يطالعه بنظرة ساخرة متشفية, هتف شهاب وهو يقترب منها والنيران تتصاعد من فحم عينيه المشتعل:
– امشي دلوقتي يا سلمى وسيبيني أنا هتصرف…
وقفت بينهما تهتف بحنق:
– انا مش همشي, الموضوع يخصني أنا..
ثم التفتت الى أحمد الواقف يطالع شهاب باستفزاز لتهتف به محتدة:
– في كلمة ونص أعرف ايه سبب زيارة حضرتك يا دكتور!
نظر احمد الى شهاب الواقف كالصقر المتربص به يحاول تمالك أعصابه بصعوبة, أجاب أحمد محاولا كسب عطفها:
– هتكلم ازاي والاستاذ واقف فوق راسي كدا, عاوز اتكلم معاكي على انفراد لو سمحتي…
نفخت سلمى بضيق ولم تجد بدّا من القبول بسخط والتفتت لتطلب من شهاب تركهما بمفردهما لتبتر كلماتها قبل أن تتلفظ بها ما إن وقعت عيناها أسيرة عينيه!, نظر اليها بتركيز وتقدم منها ليقف قبالها تماما ويقول بغضب مكبوت بينما خافقه يضرب بعنف في جنبات صدره وهسيس أنفاسه الساخنة تضرب وجهها بلهيب حارق:
– اوعي تقولي انك موافقة على طلب المجنون دا؟, اقسم بالله على جثتي أني أمشي وأسيبك معاه!
هتفت سلمى بيأس:
– شهاب أرجوك.. دي مشكلتي أنا وأنا بس اللي أوافق ولا أرفض!
نظر اليها بجدية هاتفا بصرامة بكلمة واحدة ولكن باترة حادة كشفرة السكين:
– لا….
زفرت بضيق في حين لم يتحمل أحمد هذا البائس الذي يقف بينه وبين الانسانة الوحيدة التي خفق لها قلبه, ليتقدم برعونة لم يدرك خطؤها الّا لاحقا وهو يهتف بغضب:
– قالت لك سيبنا لوحدنا, هي عافية يا أخينا؟!
لمعت عينا شهاب وانطلقت يده كالقذيفة تمسك بتلابيب أحمد وهو يهتف بصوت ترجف له الأبدان وترتعش له المفاصل:
– أه عافية, ووريني بقه هتعمل ايه؟
وما إن أنهى عبارته حتى لكمه بقوة على وجنته ولكن أحمد لم يسكت هذه المرة ليرد له الصاع الصاعين وبدأ الصراع بينهما بين ركل وضرب وسباب, ابتعدت سلمى عنهما ووقفت تنقل نظراتها بينهما لتنفخ في يأس ثم تسرع حاملة حقيبتها اليدوية الى الخارج بينما لا يزالان يكيلان لبعضهما الركلات واللكمات, وجدت سيارة شهاب الرباعية المكشوفة واقفة خارج المستوصف ولحسن حظها كانت المفاتيح بداخلها, صعدت الى السيارة وانطلقت بها وسط عاصفة ترابية ضخمة لتصدر عجلاتها صوت صرير عال دليلا على مدى السرعة التي انطلقت بها, فينتبه شهاب واحمد الى صوت السيارة فيدفع شهاب بأحمد جانبا بقوة بعد أن يلكمه اللكمة الأخيرة التي أطاحت به بعيدا ويسرع في إثر سلمى فيفاجأ بعدم وجود سيارته, ويبصر غيث آتيا من بعيد على حصانه فيشير اليه ليتقدم منه ويقف وهو مذهول من حالة توأمه المزرية, ترجل غيث من فوق حصانه وتقدم الى شهاب هاتفا:
– باه.. ايه اللي عِمِل فيك إكده يا وِلد أبويْ؟
اندفع شهاب صاعدا الى فرس غيث وهو يهتف هامّا بالانصراف:
– هقولك بعدين, فيه ضيف عندك في العيادة اتأكد انه يخرج بره البلد وما يهوّبش ناحيتنا هنا تاني, سلام…
وانطلق كالقذيفة بينما تتابعه نظرات غيث المحتارة وهو يعقد جبينه في تساؤل لم يلبث أن تحول الى دهشة بالغة وهو يفاجأ برجل غريب يخرج من المستوصف وحاله ليست بأحسن من حال شهاب بل أسوأ بمراحل!!
************************
صفّت سلمى السيارة وترجلت لتنطلق الى الداخل, ما ان دلفت حتى اتجهت من فورها الى الأعلى دون أن تلتفت الى مناداة أمها لها والتي راعها حال ابنتها, اتجهت ألفت من فورها الى غرفة الجلوس حيث رؤوف زوجها وهتفت بخوف:
– رؤوف الحقني, سلمى راجعه من بره شكلها غريب أوي, زي ما تكون منهارة!
لينطلق رؤوف من فوره تاركا أخيه ووالده يتبادلان نظرات التساؤل والحيرة!
ما أن وصل رؤوف الدرج متأهبا للحاق بابنته حتى أبصر شهاب وهو يدلف كالطلقة هاتفا بلهفة واضحة:
– سلمى.. فين سلمى؟, عمي سلمى جات؟
نظر اليه رؤوف مليا واقترب منه وجال بعينيه على شهاب من قمة رأسه الى أخمص قدميه ليتساءل بتقطيبة عميقة بين حاجبيه:
– أقدر أعرف ايه اللي حصل؟, وايه اللي عمل فيك كدا؟, وبنتي راجعه شبه منهارة ليه؟
نظر شهاب الى عمه وأجاب بقوة:
– أنا هقول لحضرتك كل حاجة….
دفعه رؤوف الى غرفة المكتب وما ان دخلا وأغلق الباب خلفهما حتى أوقفه أمامه وقال وهو يميل ناظرا اليه بجدية:
– اتفضل أنا سامعك…
بعد أن انتهى شهاب من سرد ما دار بينه وبين سلمى وذاك المتحذلق حتى سكت وجلس يرمق عمه بنظرات تساؤل وقلق في انتظار سماع تعليقه عمّا حدث, تحدث رؤوف بنظرات غامضة وهو يكتف ساعديه مستندا الى ظهر مقعده:
– يعني أحمد رجع وعاوز يتكلم مع سلمى؟
أومأ شهاب بالايجاب وهتف:
– حقير!, بني آدم أحقر وأوطى منه ما شوفتش!!
رؤوف بتساؤل:
– وسلمى كانت موافقة على كلامه؟
شهاب بغيظ:
– كانت رافضة في الأول لكن لما هو صمم وافقت, بس أنا اللي ما رضيتش….
ثم توجه بإلحاح الى رؤوف مردفا:
– عمي لازم أنا وسلمى نعلن ارتباطنا رسمي, لازم الكلب دا يعرف أنه ما عادلوش سكة رجوع مع سلمى, لولا اني وعدت حضرتك ان الموضوع يفضل سر بيننا كان زماني دافنه بالحياة في مكانه, يسيب بنت عمي قبل الفرح بأيام!, يحمد ربنا انه حضرتك سبت بلادنا من زمان لو دا حصل عندنا هنا كان زمانه قال على نفسه يا رحمن يا رحيم, بناتنا مش لعبة, ولازم اللي عمله دا كان يدفع تمنه!
رؤوف بزفرة خانقة:
– ما انا قلت لك يا بني, وقتها كنت عاوز أخلصها من بين إيديه بأي طريقة, ما كانش هاممني الا بنتي, شهرين في المصحة بتتعالج من انهيار عصبي حاد أدى ان صوتها يروح بسببه, عمري ما كنت أعتقد انه يطلع بالندالة دي كلها, ومش عاوز كمان يسيبها لأ قال ايه بيحبها والتانية اللي اتجوزها في ألمانيا كانت علشان ياخد الجنسية وبس, بعد ما سافر عشان الدكتوراه ولاقى نفسه ما فيش شغل والفلوس معجزة معاه واهله هنا ناس من طبقة متوسطة الأب موجّه على المعاش والأم ست بيت وعنده أخين وتلات أخوات بنات غيره, طبعا الحالة ما تسمحش خالص انهم يساعدوه, المنحة اللي جات له من كلية الطب عشان يكمل دراسات عليا مش شاملة مصاريفه هو, الاقامة بس والدراسة, شاروا عليه ولاد ال… حلال انه يتجوز عشان ياخد الجنسية ويقدر يلاقي شغل, اتجوز من ورانا, كان خاطب سلمى من قبل ما يسافر وقالت له هستناك, كانوا زملا في الكلية, هو سابقها بسنتين, كان بيلح عليها علشان تقبل بارتباطهم ولما جالي وقعدت اتكلمت معاه ما انكرش اني اتغشيت فيه, كان بيتهيالي انه راجل وأد كلمته, وبعد ما خد الدكتوراه رجع عشان يتمم جوازهم, كان صمم انه يكتب قبل ما يسافر بحجة انه خايف سلمى تضيع من ايده, وانا وافقت اتخطبوا آخر سنه له في الكلية وعارفين بعض كويس, رجع عشان الفرح, وقبل الفرح باسبوع واحد بس عرفنا انه متجوز في المانيا واحده عندها فوق الاربعين سنة, واللي قالنا صاحبه اتخانقوا سوا ففتن عليه, الموضوع سهل, شهرين بتتعالج وهو رافض الطلاق لغاية ما هددته اني أروح السفارة وأقدم لهم ما يثبت انه متجوز وهناك الجمع بين زوجتين بيعاقب عليه القانون, فوافق انه يطلقها, بعدها ابتدت تتحسن شوية بشوية, الموضوع فات عليه سنتين, اتفاجئت بيه من كم شهر نزل مصر وعاوز يستقر ولما عرف ان سلمى لسه ما اتجوزتش لاقيته بيكلمني عاوز يقابلها وعاوز يرجع لها تاني, وقتها انا فعلا كنت بفكر أني أرجع البلد هنا, وقلت خلاص… لازم أمشي, خفت حالتها تتنكس تاني وجبتهم وجيت على هنا….
سكت قليلا ليلتقط انفاسه ثم تابع بيأس:
– انا قلت لك كل دا لما فاتحتني انك عاوز تخطبها, بنتي ما غلطتش وكنت لازم اكون صريح معاك من أولها لكن المشكلة دلوقتي انها عرفت انك عرفت.. ودي حاجة خاصة بيها, أنا متأكد انها متضايقة لكدا, غير طبعا اللي اسمه أحمد دا اللي انا مش عارف هو عاوز ايه ولا ناوي على ايه؟
كشر شهاب عن أنيابه وقبض يده بقوة وتحدث بحزم مخيف:
– طيب خليه يقرب من سلمى بس وهو يشوف اللي هيجرالو!..
ثم أردف بعزم:
– عمي أنا مصمم على جوازي من سلمى وأملي انه حضرتك تقدر تساعدني…
رؤوف بقلة حيلة:
– ايوة يا بني الأول كان ممكن لكن بعد سلمى ما عرفت انك عندك خبر باللي حصل معاها قبل كدا هتفتكر انه دا شهامة منك ولو كانت رافضة فكرة ارتباطكم بنسبة 50% هتبقى رافضاه دلوقتي بنسبة 200%!!
زفر شهاب بحنق وأجاب:
– الله يبشّرك بالخير يا عمي…
قال رؤوف بشرود:
– هو فيه حل بس….
ليندفع شهاب هاتفا:
– الحقني بيه يا عمي أبوس ايدك!
نظر رؤوف اليه قبل ان يقول بجدية تامة:
– اعرف الاول ايه سبب اصرارك الرهيب دا انك تتجوز بنتي؟, وما تقوليش بنت عمك وانت أولى بيها والكلم دا.. خليك صريح وقولي الحقيقة!!
ازدرد شهاب ريقه بصعوبة ونظر الى عمه بنظرات يشوبها الارتباك قبل ان يتماسك ويوجه نظره اليه بثبات مجيبا بجدية بالغة وعيناه تلمع ببريق العزم والتحد:
– انا هقول لحضرتك السبب…
********************
– يوووه يا سلافة…
هتفت سلمى بغيظ الى سلافة التى كانت تُخرج ما تضعه سلمى في حقيبتها الكبيرة, هتفت سلافة بعناد وتشبث وهى تخرج ثياب سلمى التى تضعها في الحقيبة:
– ما هو انا مش هتحرك من هنا قبل ما تفهميني فيه ايه؟.
نظرت اليها سلمى بغيظ وزفرت بحنق هاتفة:
– هنزل مصر.. ارتحتي؟
سلافة بتساؤل:
– ليه؟
سلمى بتهديد:
– سلافة.. بلاش شُغل كرومبو دلوقتي, مش فايقالك!
سلافة بعناد:
– بردو مش همشي غير لما أفهم فيه ايه؟, وبعدين انتي فاهمه ان بابا هيرضى يخليكي تنزلي مصر؟, يا بنتي قوليلي فيه ايه؟
صرخت سلمى بيأس ودموعها تطفر من عينيها رغما عنها ما جعل سلافة تشعر بأن الأمر جلل:
– فيه اني تعبت!, والله العظيم تعبت!
ثم ارتمت فوق الفراش تبكي لتجلس سلافة بجانبها تربت على كتفها بينما تدفن سلمى وجهها بين ذراعيها منخرطة في بكاء حار شبه راقدة فوق الفراش, همست سلافة وهي تكاد تبكي معها:
– سلمى فيه ايه؟, طيب أنا آسفة حبيبتي ما تزعليش, سلمى أنا…
اندفعت سلمى تلقي بنفسها بين ذراعي أختها وهي تتمتم بكلمات خافتة جعلت سلافة تقطب محاولة الانصات وما ان فهمت ما تقوله حتى فتحت عينيها واسعا وهي تردد:
– ايه؟, احمد رجع تاني؟..
لتكشر عن أنيابها مردفة:
– والمأسوف على شبابه دا رجع يهبب إيه تاني؟, مش كفاية اللي عمله؟
ابتعدت سلمى عن أختها محاولة كفكفة دمعها وابتسامة تشق طريقها وسط دموعها وتقول:
– يخرب عقلك يا سلافة, مش عارفة أضحك ولا أعيّط؟!
سلافة بغيظ:
– لا طبعا تضحكي.. تعيطي بتاع ايه ان شاء الله؟, ما يستاهلشي انك تعيّطي علشانه!, عيّطوا عليه ساعة وسكتوا البعيد!
لتخرج ضحكة مبتورة من فم سلمى, ثم سكتت قليلا لتنظر الى أختها بأهداب مبللة من بقايا دموع وهي تقول:
– بس اللي مش متصوراه انه.. شهاب طلع عارف!
قطبت سلافة مرددة:
– شهاب طلع عارف!, عرف منين؟, وعارف إيه؟…
لتتوسع حدقتاها وتتابع مجيبة على سؤالها بنفسها:
– انتي قصدك عارف بموضوع مخفي الذكر اللي اسمه أحمد دا؟
أومأت سلمى بالايجاب, قطبت سلافة ناظرة اليها بتركيز قبل أن تميل عليها هامسة وكأنها تكاد تفشي سرّا دوليّا خطيرا:
– وانتي بقه بتعيطي علشان شهاب عارف ولا علشان البتاع دا رجع؟
نظرت اليها سلمى لثوان ثم أشاحت بعينيها بعيدا فتابعت سلافة بلهجة من توصل الى سر الذرّة:
– يبقى بتعيطي علشان عرف صح؟, انما السؤال دلوقتي… ليه يا أختي يا حبيبتي؟, ما يعرف انت معملتيش حاجة غلط.. الظروف وقعتك مع واحد واطي والحمد لله اتكشف لنا في الوقت المناسب, يببقى تمسحي دموعك يا آمال… أووه.. أقصد يا سلمى, وتعالي اغسلي وشّك كدا, وبعدين نتكلم في موضوع الباش مهندس….
تعالى صوت طرقات الباب لتدلف ألفت بعدها وهي تقول بقلق أمومي:
– سلمى حبيبتي انتي كويسة؟
طالعتها سلمى بعيون دامعة وأبصرت ألفت حقيبة السفر الكبيرة فوق الفراش فهتفت مشيرة اليها:
– ايه دا يا سلمى؟
واتجهت الى ابنتها فوقفت سلافة معيقة سير والدتها وهي تقول بجدية مفتعلة:
– ما حصلش حاجة يا لولو, كانت لطشة شمس في دماغها وفاقت الحمد لله…
زفرت ألفت قائلة:
– على العموم بابا وشهاب ابن عمك برّه.. بابا عاوزك…
أجابت سلافة بدلا عنها في حين همّت سلمى بالإعتذار عن الخروج:
– قولي لبابا ثواني وهتكون عنده..
خرجت ألفت والتفتت سلافة الى سلمى متابعة:
– قومي اغسلي وشّك وانا هروح اعمل لنا كلنا لمون وغيري هدومك وحصّليني..
وانصرفت سلافة تاركة سلمى تحاول استيعاب ما يحدث لها!
*******************
انضمت سلمى لباقي أفراد عائلتها في غرفة الجلوس حيث كانوا يحتسون شراب الليمون الطازج الذي قامت بإعداده سلافة, وقف شهاب ما إن لمح هيئتها, فقطب رؤوف ليتتبع مسار عيني شهاب, فاستراحت أساريره بعد ذلك وأشار لسلمى بالقدوم قائلا:
– تعالي يا سلمى يا بنتي…
تقدمت سلمى لتجلس على أول مقعد يقابلها ليأتي حظها في مقابل شهاب تماما..
خانتها عيناها بالنظر اليه لتطالعها كدمة زرقاء أسفل عينه اليسرى وأخرى فوق وجنته اليمنى, قطبت فقال شهاب بابتسامة خفيفة واعيا لنظراتها:
– لا دي حاجة بسيطة, بس ولا يهمك.. غيّرت لك ديكور وشّه خالص!!
صوت رنين جرس الباب فنهضت سلافة لتفتح, ثوان وعادت في أعقابها غيث, نهض شهاب ينظر الى غيث مقطبا, في حين قالت سلافة للوجوه المتسائلة:
– غيث ابن عمي ما حبش يدخل بإيده فاضية,’ بس بصراحة انا ركنت الشيء اللي جايبه معاه برّه لغاية ما آخد اذنك يا بابا!
تقدم شهاب من غيث وهمس له:
– شيء ايه دا اللي معاك؟
غيث بقهر:
– الجدع اللي حضرتك ضربته لحد ما يبان له صاحب!, مش عاوز يحكي حاجة وانت موبايلك مجفول, صمم يجابل عمي رؤوف, ما رضيتش حد من اللي تحت ينضُرُه دخلته من الباب الجنينه الورّاني, على اهنه على طول!
في حين قال رؤوف لسلافة:
– مين يا بنتي اللي بره؟
سلافة بزفرة ضيق:
– الشيء اللي اسمه احمد!
لينهض رؤوف في دهشة تبعته سلمى, في حين قالت ألفت وهي تنظر الى ابنتها الكبرى في جدية موجهة حديثها الى رؤوف:
– اعتقد يا رؤوف لازم تشوف هو عاوز ايه؟, مش معقول يجري وراها في كل مكان كدا؟
قطب غيث بعدم فهم لما يدور حوله في حين قبض شهاب على أصابعه حتى ابيضت سلاميات أصابعه, قال رؤوف وهو يشير الى ابنته الصغرى:
– دخّليه يا سلافة!
قطبت سلافة بغضب واتجهت حيث تركت أحمد بالخارج وهى تتمتم بصوت مسموع لقطه غيث بسرعة:
– الهي يدخّلوك مرابعة يا شيخ روح!
نظر غيث الى شهاب المتحفز بجانبه وهو يهمس بدهشة:
– بت عمك اتجننت!, بتكلم روحها!
دخلت سلافة وفي أعقابها أحمد الذي دار بعينيه في وجوه الموجودين, حتى تقدم الى بغيّته رافعا يده للمصافحة وهو يقول:
– أزي حضرتك يا عمي..
نظر رؤوف لثوان الى يده الممدودة من دون أن يمد يده للمصافحة وما لبث أن بادله المصافحة ببرود وهو يقول فيما كان لا يزال جالسا في مكانه لم ينهض لاستقباله:
– الحمد لله..
ثم أشار لمقعد خال بجواره قائلا:
– اتفضل..
وجّه حديثه بعد ذلك الى سلافة قائلا:
– كوباية لمون بسرعة يا سلافة…
سلافة وهي تنظر الى الضيف الغير مرغوب به بغيظ:
– اللمون خلص, ومعندناش شاي, ومالناش في القهوة!
هتف رؤوف بجدية:
– بنت!
انصرفت سلافة وهى تهمهم بغيظ وتدعو على ذلك الأرعن في سرّها!!..
بعد أن استقر الجميع في أماكنهم, بادر أحمد الى الحديث وهو يختلس النظر الى سلمى القابعة فوق كرسيها بجمود تام:
– عمي بعد اذن حضرتك, انا عارف اني غلطان وهما قلت عمري ما هقدر أكفّر عن اللي عملته, بس رجاء أخير عاوز أتكلم مع سلمى, عمي اديني فرصة أخيرة أرجوك!
همّ شهاب بالقفز للكم هذا الأرعن بقبضته الساحقة علّعا تسكته الى الأبد, فأمسك غيث بمعصمه , ليطالعه شهاب فنظر اليه غيث آمرا له بالتزام الصمت, ليتأفف ويعاود النظر الى ذلك الأحمق..
رؤوف بجدية:
– سلمى قودامك أهي.. إسألها..
أحمد برجاء حار الى سلمى:
– أرجوكي يا سلمى, اسمعيني لآخر مرة..
سلمى بجمود وهي تطالعه ببرودة وخواء:
– لآخر مرة؟, يعني هتتقبل قراري بعد كدا مهما كان؟
ازدرد أحمد ريقه بصعوبة وتمتم بنعم, نهضت سلمى وهي تقول لوالدها:
– بعد اذن حضرتك يا بابا, هنقعد في الصالة شوية…
وخرجت تحت نظرات شهاب النارية, وما ان غابت عن ناظريه حتى وجه كلماته الحادة التي لم يستطع ايقافها:
– حضرتك ازاي توافق انه يقعد معاها بعد كله؟
رؤوف بهدوء:
– سلمى لازم هي اللي تقول الكلمة الاخيرة في الموضوع دا علشان يفقد الأمل خالص…
وفي الخارج
***********
تقف سلمى عاقدة ذراعيها أمامها بينما يقف أحمد مقابلا لها وعلامات الترجي ترتسم على وجهه وهو يقول:
– سلمى أنا غلطت, ظروفي كانت أقوى مني, مهدد اني أفشل في الرسالة, ما كانش قودامي الا الحل دا, انا رجعت لك يا سلمى وعاوز نبتدي من جديد…
سلمى ببرود وابتسامة ساخرة:
– انت ما غلطتش غلط بسيط, ما دوستش على رجلي غصب عني وجاي بتقولي انا آسف وأنا المفروض أني اسامحك, انت اناني, وكداب, كدبت عليا, ولولا صاحبك اللي اتخانقت معاه هو اللي فضحك عندي انت ما كونتش هتقولي حاجة, وبردوا تصرفت بمنتهى الندالة لما سيبتني قبل فرحنا باسبوع أواجه الناس ومعظمهم مش مصدق انه الفرح اتلغى علشان اكتشفت انك متجوز عليا, وقالوا اكيد فيه حاجة غلط سمعتها عني هي اللي طفشتك, ما هو أصل الناس مش بتصدق الا الوحِش بس!
أحمد بتوسل:
– أرجوكي يا سلمى انسي…
استدارت سلمى توليه ظهرها وقالت بجمود:
– شرفت يا دكتور, بس للأسف طلبك مش عندنا, ويا ريت تبقى دي آخر مرة أشوفك فيها…
هز برأسه يأسا وتقدم منها ليهمس لها:
– صدقيني عمري ما هنساكي يا أحب مخلوقة ليا, أنا اللي خسرت يا سلمى وخسارتي كبيرة اوي ولا يمكن هقدر أعوضها!!
لينصرف من فوره بينما كست عيني سلمى نظرة خواء, لتفيق من شرودها على صوت شهاب وهو يقول:
– مشي؟
نظرت اليه من فوق كتفها ليتابع:
– لو كان قعد ثانية زيادة كان زمانهم شايلينه مرابعه على رأي أختك!
لتنفجر سلمى ضاحكة فنظر اليها شهاب مشدوها ويأتي الجميع على صوتها, اتجهت سلافة اليها وهي تتساءل:
– فيه ايه يا سلمى؟
ثم وجهت سؤالها الى شهاب المندهش:
– انت عملت لها ايه؟, يعني الشيء دا يدخل علينا وكأن قطر داسه من اللي انت عملته فيه, ودلوقتي اختي مش بتبطل ضحك.. ايه انت فول أوبشن؟!
ابتسم شهاب وأجاب ولا تزال نظراته معلقة بسلمى التي احتوتها والدتها بين ذراعيها:
– تقدري تقولي كدا, عموما أي حاجة عاوزاها أنا في الخدمة!
وغمز لها بتخابث فأومأت سلافة بابتسامة متواطئة في حين كانت هناك أعين تراقبهما يكاد صاحبهما ينفث نارا من فمه, ما ان هدأ الجميع حتى اقترب غيث من شهاب هامسا:
– قسما عظما اما كنت خوي ولد أمي وبوي كان زماني دافنك مطرحك!, أجدر أعرف ايه الضحك والغمز واللمز اللي بيناتكم انت وسلافة دِه؟!
حدق به شهاب بغير استيعاب أولا ثم هتف بدهشة:
– ايه يا عمدة انت بتغير ولا ايه؟
كشر غيث عن انيابه وأجاب:
– اجفل خشمك واصل يا شهاب بيه, ماذا وإلا أني هورّيك ديكور وشّك هيبجى ازاي مش كيف ما اعملت للغندور اللي غار دِه!
قال رؤوف قاطعا تهامسهما الجانبي:
– بيتهيألي ننزل لجدكم وابوكم تحت أكيد مستغربين فيه ايه..
قال شهاب وهو يلقي بنظرات مختلسة الى سلمى:
– بعد اذن حضرتك يا عمي, عاوز بنت عمي في كلمتين…
غاب سلمى وشهاب في غرفة الجلوس لمدة لا تقل عن الساعة أو أكثر ليخرجا بعدها ويقفا أمام الجميع ليكون شهاب أول من يتحدث وقد ارتسم على وجهه تعبير جدي:
– عمي..
ليقف رؤوف يتبعه غيث فسلافة وألفت في حين يتابع شهاب وقد بدأت ابتسامة بالظهور لتفترش وجهه الرجولي الجذاب:
– حدد حضرتك المعاد اللي يناسبك عشان ننزل نشتري الشبكة…
هتفت ألفت بغير تصديق:
– ايه؟
همس غيث له:
– خطوبة!
شهاب بفخر وهو ينظر الى سلمى الواجمة والممتقعة خجلا:
– كتب كتاب يا كبير!
شهق الجميع بين دهش وحائر في حين سارع رؤوف بتقديم التهنئة وهتفت ألفت بسعادة لتحتوي ابنتها بين ذراعيها, انحنى غيث على شهاب يهتف بسخط:
– اعملتها كيف دِه؟, دِه ما كانتشي طايجاك واصل!
شهاب بثقة شديدة:
– أنت مستقلّ بأخوك ولا إيه؟, عموما لما ننزل… هقولك!!
– يتبع –
**********