“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد

كبير العيلة
الحلقة الخامسة عشر
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
سارت سلافة في الحديقة التي يغلبها الظلام إلا من بضعة أنوار تشع من مصابيح موزعة في الأرجاء وهي شاردة فيما صار هذا اليوم من أحداث جعلته يوما طويلا للغاية, لم تستطع النوم بعد أن تحدثت مع شقيقتها وقد أشفقت على سلسبيل, حاولت مرارا التحدث مع والدها بشأن التدخل لإقناع عمها بقبول رفض سلسبيل للزواج من ليث ولكن والدها كان صريحا معها أنها العادات والتقاليد التي تحكم هذا المجتمع ولكنه سيحاول أن يؤخر موعد الزواج حتى تلين سلسبيل قليلا, تركت شقيقتها نائمة وقررت السير في الحديقة علّ نسيم الليل يهدأ من روحها المتمردة التي تتواثب في صدرها بغضب شرس من تلك العادات البعيدة كليّة عن تعاليم ديننا الحنيف, فالإسلام نهى عن تزويج الفتاة أو الثيب إلا بإذنها, فالثيب تستنطق أي لا بد من أن تتلفظ بالموافقة بينما البكر فإذنها سكوتها حيث يمنعها الحياء من الإدلاء بموافقتها علانية, ولكن ما يحدث هو ضد كل الشرائع السماوية ولا يستطيع عقل بشري استيعابه…
قادتها قدماها الى شجرة باسقة ذات جذع عريض ضخم تسبح في السماء بأغصانها العالية التي تحمل أوراقها الخضراء, ارتكزت برأسها الى جذعها وزفرت بعمق مغمضة عينيها وهي تهمس في سرها أنه كلما مرّ الوقت تأكدت من صواب قرارها برفض غيث زوجا لها حتى وإن كانت…..
– مين هناك؟
انتفضت سلافة من وقفتها وفتحت عينيها متلفتة حولها لتستطلع مصدر الصوت الذي تعلم صاحبه جيّدا, كيف لا وهو من كان يشغل تفكيرها حالا!!
خرجت سلافة الى دائرة الضوء وقالت بصوت هاديء بينما يقف غيث على مسافة غير بعيدة منها وهي تجيب بهدوء:
– أنا يا غيث…
عقد غيث جبينه وتقدم منها بضعة خطوات حتى وقف على مقربة منها وتساءل بحيرة قاطبا:
– سلافة؟, غريبة!, ايه اللي امصحيكي لدلوك؟, وكيف تجفي لوحديكي في الجنينة إكده؟
سلافة بزفرة خانقة:
– ما جاليش نوم يا غيث قلت أتمشى شوية, ما حاصلش حاجة يعني…
تكلم غيث بإصرار:
– كيف ما حوصلش حاجة؟, ميت مرة أفهّمِك انك ماعينفعشي توجفي لوحديكي في وجت زي دِه, انتي ما عاوزاشي تسمعي الكلام ليه؟
وكأن غيث بحديثه هذا قد فتح أتون غضبها ليفلت من عقاله فتقطع الخطوات الفاصلة بينهما وتقف أمامه هاتفة باشمئزاز بالغ وكأنها تبصق الكلمات:
– عشان عاداتكو وتقاليدكو صح؟
غيث بحيرة لا يفهم سبب انفجارها:
– إيوة بس…
لتقاطعه باسطة يدها وهي ترفعها أمامه هاتفة بحدة:
– بس خلاص مش عاوزة أسمع حاجة تاني, تأكد اني من هنا ورايح مش هعمل أي حاجة تخالف عاداتكم وتقاليدكم العظيمة..
سكتت قليلا لتنظر اليه بقوة متابعة:
– عارف ليه؟..
لم تنتظر سماع جوابه وأجابت بتحد:
– لأني مش هكون موجودة عشان أسيء لعوايدكم العليا, عن إذنك!..
لم تبتعد سوى خطوتين اثنين قبل أن يعلو صوته وراؤها هذه المرة آمرا اياها بالوقوف!, ليتقدم منها ويقف أمامها متسائلا بغلظة وتقطيبة عميقة بين حاجبيه فيما يطرق القلق جوانحه بقوة عن معنى عبارتها الأخيرة التي رمتها في وجهه بكل تحد:
– جصدك إيه مش هتكوني موجودة؟
عقدت سلافة ذراعيها ورفعت ذقنها الصغير لأعلى دليل التحد لتجيبه بقوة:
– يعني ماشية, مش هستنى هنا أكتر من كدا, خلاص الأجازة طوّلت أوي ولازم تنتهي!
وكأنها مدت يدا من حديد لتنتزع قلبه بقسوة وجبروت وهي تخبره بلامبالاة متناهية عن عزمها على الرحيل و… تركه!
ولكنه يكون ملعونا لو سمح لها بتنفيذ ما رمته في وجهه, ليأتي دوره هو هذه المرة ليجابهها بمنتهى الصلف والغرور وهو يهتف بقوة بينما لمعة عيناه تأسران نظراتها فلا تستطيع الإشاحة جانبا:
– ومين اللي جال أنك هتعملي التخريف اللي بتجوليه دِه؟, مين اللي هيسمح لك أساسا إنك تتحركي خطوة واحدة بس من مُطرحِك؟!
نظرت اليه باستنكار وهتفت محتدة:
– ليه ان شاء الله؟, هو سجن؟!, وبعدين أنا بابا بس هو اللي يقدر يوافق أو يرفض غير كدا ما اسمحش لأي شخص إنه يتدخل في شيء يخصني…
ليميل غيث ناحيتها ناظرا بتركيز شديد في ليل عينيها البهيم وهو يشدد على كلماته ليضمن فهمها لها جيدا:
– بس أني مش أي حد, أني ولد عمك.. وزوجك!..
همت بمقاطعته عندما أردف:
– عارف هتجولي انك مش موافجة لكن أنا بجولك أنا اتجدمت لك وعاوز أتزوجك ولغاية ما أسمع موافجتك رجلك مش هتخطي شبر واحد بعيد عن إهنه… أظن واضح؟
خانتها الكلمات وهي تطالعه في ذهول غير مصدقة لما سمعته آذانها قبل أن تتحدث بتلعثم والحروف تتعثر على لسانها من فرط دهشتها:
– إنت.. إنت بتـ… بتقول ايه؟, انت اتجننت أكيد!..
لينفلت لسانها من عقالها بعد ذلك وهي تهتف بغضب ناري جعل عينيها تبرقان كسماء مرعدة في ليل شتوي غاضب:
– لكن هنتظر ايه منك؟, اذا كانت أختك اترمت تحت رجليكم وتبوس ايديكم انكم ترحموها وما ترموهاش لأبن عمكم وما اهتزتش فيكم شعرة, يبقى اللي انت بتعمله دلوقتي دا المفروض ما يدهشنيش, كل يوم بتأكد ان رفضي لارتباطنا كان صح مليون في الميّه!
تحدث غيث بهدوء ينذر بالخطر بينما تطايرت ألسنة اللهب من فحم عينيه المشتعل وهو يجيب:
– اللي حوصل انهاردِه ما يخصيكيش جد ما يخصّني أني واخويْ, سلسبيل أختنا من لحمنا ودمنا, وليث عم اعيالها وولد عمها هيجدر يصونها ويراعاها, هي ما هتجعدشي العمر كله تبكي على راضي الله يرحمه, سلسبيل لساتها اصغيرة وجودامها العمر كله, لكن لأنك مخّك إصغيّر حاكمت وأدانتي من غير ما تسمعي ولا تستفسري, أني كان ممكن ما أبررشي حاجة, لكن أنا جولتلّك يمكن تجدري تفهمي سبب اللي بوي وجدي عِملوه انهرده ايه, ومع إنها أول مرة أبرر نفسي لكن هجولك.. أنا اتحدت مع سلسبيل جبل شويْ, كانت منهارة مش هجدر أنكِر.. لكنها عارفة انه بوها وجدها مش رايدين غير مُصلحتها, وسيبتها تفكِّر.. هما كلمتين اللي جولتهوم لها.. هي عارفة ان بوها مش عيسيبها إكده من غير زواج.. ولو حوصل واتزوجت.. ليث وعمي عدنان مش هيجبلوا حد غريب إيربي اعيالهم, يبجى تتزوج عمهم ويتربوا وسط بيت بوهم وحضن عمهم اللي هيبجى حنين كيف راضي الله يرحمه عليهم, ولا ترفض وتركب راسها وهي عارفة ومتوكدة انها مسيرها هتتزوج يعني هتتزوج بس المرة ديْ هتتحرم من اعيالها, وسيبتها تفكّر في كلامي زين…. وأجدر أجولك انها هتوافج.. لأنها في الأول والآخر أم.. ماعاوزاشي تبعد عن ضناها!!
سكتت تراقبه وهو يطالعها بنظرات غضب ممزوجة بخيبة أمل لا تعلم لما قرصها قلبها لها؟!, تابع بصوت بارد:
– وأأكد لك انها هتوافج… ولوما إني اتكلمت امعاها وفهّمتها كانت زمانها في انهيار كيف اللي جالها بعد وفاة راضي الله يرحمه, يعني يا بنت عمي يا بنت مصر عوايدنا وتجاليدنا اللي مش عجباكي ديْ في الاول والاخير يهمها مصلحة بتّها, احنا بنفكّر لجودام مش فرض راي ولا هي لوي دراع ولا حاجة, عوايدنا اللي مش عاجباكي أول واحد كسرها كان عمي رؤوف.. بوكي.. ولمّن رجع لجى جلوبنا ودراعتنا مفتوحاله ومن غير مجابل.. يا.. بت عمي!
واستدار مبتعدا بخطوات قوية لتفيق سلافة من شرودها في كلماته وتلحق به حتى قطعت عليه الطريق وهي تهتف بيأس وترجي وعينيها لأول مرة يظهران ضعفا لم يسبق لغيث أن شاهده عليها قبلا:
– غيث.. أنا.. أنا آسفة, غيث أرجوك ما تضايقش من كلامي, بس.. بس أنا مش قادرة أنسى منظر سلسبيل وهي بترمي نفسها تحت رجليكم وتبوسها وهي بتترجاكم بلاش الجوازة دي!
زفر غيث بيأس مغمضا عينيه ليفتحهما ناظرا اليها وكأن عيناه تسألانها ماذا يفعل بها؟, بينما طالعته بنظرات حائرة مشتتة وهي تردف برجاء وقد تشبثت أصابعها بمقدمة ثوبه بدون شعور منها:
– أرجوك يا غيث بلاش تجبروها على حاجة هي مش عاوزاها, أصعب شيء لما أقرب ناس ليها اللي فاكراهم ضهرها هما اللي يكسروها, بلاش تكسروها يا غيث.. أرجوك!..
أغمض عينيه ليزفر عميقا ثم فتحهما وهو يطالعها بنظرات لا تعلم لما أشاعت الاضطراب في دقات قلبها والتي علت صوتها حتى خُيّل إليها أنه ولا بد قد سمعها, تحدث وهو يمسك لا شعوريا بأصابعها النحيلة الهشة بين أصابعه القوية وقد غُلف صوته بنبرة حنان لم تألفها منه:
– سلافة.. سلسبيل أختي الوحيدة, دِه نوارة البيت دِه, ما كانش حد فينا يجدر يرفض لها طلب جبل ما تتزوج, ولحد دلوك, بس أنا فهمتك ليه أبوي وجدي مصرِّين على زواجها من ليث, وحاجة كُمان أنا واثق ومتأكِّد إن ليث هيشيلها في عينيه, ما تتصوريش هو بيحب عيال المرحوم كيف, اطمني يا سلافة, بس اللي برجوه منّيِكي انك تهدّيها, افهميني يا بت عمي, آخر حاجة أجبلها اني أكسر أختي.. شجيجتي!
وسكت… لتتابع حديثهما العيون, فتتيه عيناه بين سرمدي عينيها لتعلو دقات القلوب وتتهدج الأنفاس, وتنتبه سلافة ليدها الصغيرة وهى تقبع داخل راحته العريضة بأمان وكأنها قد وجدت فيه ملاذها الآمن فتسحبها بارتباك دفع بحمرة الخجل الى وجهها لتلون وجنتيها, وتقطع حبل الاتصال بين أعينهما مشيحة بوجهها جانبا, ويكون غيث أول من يقطع الصمت المحيط بهما كالشرنقة قائلا بصوت متحشرج محاولا استعادة هدوءه الذي تبعثر بين جفونها الناعسة:
– ممكن تجاوبيني بصراحة يا بت عمي؟
أومأت في صمت فتابع:
– إنتي رافضة عشان الموضوع اللي اتحدتنا فيه جبل سابج عن تارنا اللي خدناه بيدنا ولا عشان ما انى عيشتي كلها اهنه في البلد؟, وانتى خابرة انى يستحيل أهمِّل بيتي وأرضي واهلي وناسي وأعيش في مصِر, ولا يمكن إكمن لغوتي واللبس اللي بلبسه ما عيلدوش عليكي؟
رفعت سلافة ناظرة اليه بتركيز وهي تجيب بثقة وهدوء:
– هجاوبك بصراحة يا غيث, وصراحة شديدة كمان, أولا أنا مش بنت تافهة مش بيهمها غير الشكل واللبس وطريقة الكلام وبس.. لأ!, وبعدين مين قال اني مش بحب البلد, انا لو ما كنتش بحبها ما كنتش استحملت فيها يومين مش داخلين على اكتر من خمس شهور تقريبا, انت عارف إني بشتغل في شركة أجنبية, طبعا الاجازة طويلة جدا, ولأن علاقتي معهم كويسة.. اتفقت معهم إني أعملهم الشغل كله من هنا على النت, والظروف خدمتني لأن القسم اللي أنا بشتغل فيه سهل أوي أني أرتب أموري وأخلص شغلي كله بالكمبيوتر وأبعته على ايميل الشركة, لو ما كنتش مرتاحة كنت قطعت الأجازة ورجعت.. ايه اللي هيمنعني؟, وبابا كان هيوافق عشان ظروف شغلي, ما كنتش اهتميت إني أرتب أموري بحيث أني أشتغل من هنا, دا أولا.., ثانيا بقه….
سكتت قليلا بينما يطالعها في تساؤل وقلق من اجابة سؤاله الثاني عن ملبسه ولهجته, ارتسمت ابتسامة طفيفة فوق شفتيها الكرزتين وهي تردف:
– انت عارف أني متعلقة ببابا جدا؟, أنا كنت أعرف انه من الصعيد, ما كانش بيحكي لنا عنكم بصورة مباشرة بس كان بيكلمنا دايما عن عادات بلده وعن أهلها وناسها لغاية ما شربنا حب البلد دي زيّه تمام, ولما قال لنا اننا لينا أهل والمفروض نيجي عشان نشوفكم كنا متحمسين جدا لكدا, نفسنا نشوفكم على الطبيعة, وأنا بالذات كنت عاوزة أعرف يا ترى الحكايات اللي كان بابا بيحكيها لنا واحنا صغيرين دي حقيقة ولا لأ؟, لما شوفتك بالعباية والعمة أول مرة حاسيت أني قودام عمدة بس شاب, بهرتني بجد, تمسكك بلهجة بلدك وانك لازم تكون مع أهلك وناسك وخصوصا أن أنت كبير عيلتك بعد والدك وجدي خلّاني أحترمك أكتر, عشان كدا يا غيث عمر ما لبسك ولا لهجتك ولا حتى حياتك هنا في البلد ما هتكون سبب لرفضي أبدا, بالعكس.. أنت امتداد لبابا في نظري, انت بتحقق لي الصورة اللي رسمتها في خيالي من وانا طفلة على حكايات بابا للصعيد ولأهله ولناسه, بحس إن بابا لو كان قعد هنا كان هيبقى شبهك تمام دلوقتي, بس أنا زي ما قلت لك قبل كدا.. على قد ما أنا اللي يشوفني يفتكرني متسرعة وعصبية وانفعالية لكن دا – ورفعت سبابتها مشيرة الى عقلها – فيه نقط معينة بيشتغل وجامد جدا, وارتباطنا صدقني حواليه علامات استفهام كتير, وأهم حاجة فيه إن رأينا مش واحد في الحاجات الأساسية اللي هي القاعدة اللي بيتبني عليها حياتنا بعد كدا, فهمتني يا غيث؟..
زنظرت اليه برجاء ويأس ليفهمها, بينما لم يستطع غيث وصف شعوره وهو يسمعها تتحدث بهذا الشغف الذي لمس صدقه بين نبرات صوتها عن والدها وعن ولعها ببلدها من قبل أن تراها, ولكن.. تظل العقبة الوحيدة… عقلها!, ترى ما الحل؟, ولكنه لن ييأس وإن كان ارتباطهما يخالف أوامر عقلها فهو كفيل بأن يُفقدها هذا العقل لتصبح طوع بنانه بعد ذلك, وسيبدأ منذ اللحظة!!…
مال عليها تائها في ليل عينيها البهيم وتحدث بصوت متهدج من فرط توقه لاحتوائها بين ذراعيه ليجعلها تلمس وعن قرب بل وتتأكد كيف أن ارتباطهما هو الأمر الصائب الوحيد الذي عليهما فعله قبل أي شيء آخر, قال وأنفاسه الساخنة تضرب وجنتيها المرمريتين:
– إديني فرصة يا سلافة وأني هثبت لك اننا احنا التنييين بنتحدت لغوة واحدة, واننا بنفكر زي بعض, انتي ما عتصدجنيش دلوك لكن الأيام هتثبت لك كلامي دِه, وافجي على خطوبتنا وجربي.. صدجيني مش هتخسري حاجة, مش هما بيجولوا انه الخطوبة دي فترة تعارف؟…
أومأت بالايجاب فواصل بأمل في اقناعها خاصة وأنها لم تعارضه والتزمت الصمت التام:
– يبجى نعملو كتب كتاب كيف شهاب وسلمى جولتي ايه؟
لتفيق من ضياعها في عينيه وبين همسة شفتيه هاتفة:
– لا…
قطب فأردفت تشرح وجهة نظرها:
– أرجوك يا غيث… كفاية خطوبة بس, مش هقدر كتب كتاب, أرجوك افهمني…
جاء وقت غيث ليهتف هو بها من أعماق قلبه وهو يميل عليها لتضربه أنفاسها الدافئة فتشعل نارا في أحشائه لا سبيل لإطفائها إلا بها هي وحدها:
– أرجوك انتي اللي تفهميني يا سلافة, أنا ما أجدرش تكوني خطيبتي وبس, صدجيني… عاوز الحواجز اللي بيناتنا تنجص, لو مكتوب كتابنا هجدر أتعامل امعاكي براحتنا لكن خطوبة إكده.. هيبجى لسّاتو فيه حاجز بيناتنا..
سلافة في محاولة منها لصد هجومه العاطفي الذي يكاد يغرقها به, وهي تراه في عينيه وتسمعه في نبرات صوته.. هو لن يكتفي بخطبة أو عقد قرآن.. بل إنها تكاد تقسم أنه سيتمم زواجهما الى آخره.. مهما كان قرارها النهائي, ومن سخرية الموقف أنها تعلم يقينا أنه يصيبها ضعف من نوع غريب لم يسبق لها وأن اختبرته قبلا ما إن يرتبط الموضوع بغيث, تماما كما يحدث الآن, فهي كانت قد قررت الرفض ونهائيا, ولكن ما حدث عكس ذلك, فقد أقنعها بأن توافق على الخطبة لتمنح نفسيهما الفرصة للتأكد من صحة ارتباطهما من عدمه, ولكنه يتحدث الآن وبعد ثوان من موافقتها على الخطبة ويطلب منها الموافقة على عقد القرآن!, بل إنها تكاد تقسم أنه ما إن يمر خمس دقائق أو أقل فإنه سيعمل على إقناعها بالزفاف!!!!, شدت من أزرها وأجابت بعد أن رطبت شفتيها بطرف لسانها الوردي ما جعل غيث يسمّر نظراته على شفتيها النديتين:
– معلهش يا غيث, خليها خطوبة بس, وبعدين يا سيدي الموضوع في إيدينا لو حبينا نكتب في أي وقت أعتقد عمي وبابا مش هيمانعوا… ايه رأيك؟
سعل غيث ليجلي حنجرته وأجاب بصوت خشن بينما عيناه تراقبان تحرك شفتيها مما جعل الدماء تسير ساخنة في عروقها كالعسل الدافيء وشعرت بنظراته وكأنها… تحتوي شفتيها في قبلة عميقة… داااافئة!!, قال غيث:
– وهو كذلك يا سلافة, هخليها عليّ المرة ديْ..
ابتسمت ابتسامة صغيرة وهمست له وهى تنظر اليه بعينيها الكحيلتين:
– تمام يا غيث, انا هبلغ بابا بموافقتي, ودلوقتي أقولك تصبح على خير…
ثم انصرفت سريعا من أمامه بينما تمتم رادًّا بتحية المساء عليها وهو يضرب رأسه بجذع الشجرة بجواره بخفة بينما يلاحق طيفها الغارب بنظراته المشتعلة وهو يهمس بعذاب:
– واني هيجيلي النوم الليلادي واصل!, طول ما نفسك في البيت امعاي وبعيدة عن يديّْ مش هعرف أدوج طعم الراحة واصل…
ثم رفع عينيه الى السماء مردفا من أعماقه:
– الصبر يا رب…….
************************
يتبع
error: