“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد

كبير العيلة
الحلقة الـواحدة والعشرون
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
كانت سلافة أول من خرق الصمت المتوتر السائد بينهم عندما اندفعت الى هاتفها المحمول وهي تضغط بعض الأرقام هاتفة:
– لازم نبلغ البوليس..
لتمنعها سلمى التي اندفعت اليها وهي تهتف بها فيما تسحب الهاتف من يدها:
– لا.. غلط..
قطب شهاب واتجه اليهما متسائلا:
– غلط ليه يا سلمى؟, المفروض البوليس يعرف عشان يبقى دليل ضد المجرمين دول؟.
سلمى بهدوء وهي تنقل نظراتها بينهم:
– عشان لو بلغنا يبقى احنا كدا بنقولهم اننا مش خايفين وطبعا هيتنقلوا لخطوة البلطجة اللي بعد كدا, دا غير أني متأكدة انه تبليغ البوليس مش هيثبت عليهم أي حاجة دول مش هواة دول مافيا بجد والقانون مش بيتعامل غير بالورق وبس حتى لو اللي بينفذ القانون دا مصدقنا لكن بردو لازم أدلة ملموسة مش محسوسة…
سلافة بتقطيبة:
– بردو مش فاهمه, وايه المشكلة لما يعرفوا اننا مش خايفين لأننا فعلا مش ممكن نخاف من شوية مجرمين زي دول؟
ليتدخل غيث في الحديث قائلا بجديته المعهودة وهو يتقدم منهم:
– لأننا لو ما بلغناشي الشرطة.. عيفهموا إن تهديدهم جاب نتيجة إمعانا واتهوشنا صوح, فهيبتدوا يتصرفوا بسِجَة زايدة ووجْتها عيغلطوا الغلطة اللي هتلف حبل المشنجة حوالين رجبيهم..
سلمى بابتسامة ظفر وهي ترفع إبهامها الى غيث:
– هو كدا يا ابن عمي..
ليعلو تعبير الاستنكار وجه شهاب ويتبادل النظر مع سلافة التي نقلت نظراتها بين اختها وخطيبها بدهشة فيما تحدث شهاب بصوت خرج ساخرا رغما عنه:
– ايه دا.. ما شاء الله كنتو بتشتغلوا في عصابة قبل كدا؟..
ثم نظر الى سلافة وتابع بابتسامة ساخرة:
– شكلي أنا وسلافة كدا هنتعلم منكم شغل العصابات على حق..
ليشعر غيث بالغيظ لحديث شهاب الذي جمع بينه وبين سلافته هو فأجابه بغيظ وقهر:
– لاه يا ولد يا بويْ ما تخافيش.. هتتعلموا كل حاجة.. ركز انت بس مع مراتك وفوت لي مرتي أني هفهمها كل حاجة…
قطبت سلافة ناظرة الى غيث بتساؤل قطعه صوت سلمى وهى تزفر بقلة صبر:
– دلوقتي إيدك معايا يا سلافة نروق الدنيا وبعدين نقعد نفكر في خطوتنا اللي جاية..
ليهتف غيث وشهاب في آن معا:
– انكم ترجعوا البلد…
لتهتف الشقيقتان بدهشة واستنكار تام:
– نعم!!..
كرر شهاب بزفرة حادة:
– أيوة أول ما النهار يطلع هنرجعكم البلد وما لكوش دعوة بعد كدا بالموضوع دا, أنا وغيث متكفلين بيه..
لتقاطعه سلافة بحدة:
– لا طبعا, الموضوع دا لو يخص حد معين يبقى يخصني أنا, ولو حد هيرجع البلد يبقى انت وأخوك وسلمى كمان, الموضوع دا موضوعي أنا والتار تاري أنا وانا متعودتش أهرب يا ابن عمي..
قطب غيث استهجانا وتقدم منها يقبض على مرفقها هاتفا:
– انتي بتجولي ايه يا سلافة؟..
لينظر شهاب الى سلمى بنظرة خاصة فينسحبا تاركين غيث وسلافة بمفردهما, لم يعي أيّاً منهما إنصراف شهاب وسلمى وبدلا من ذلك نظرت سلافة الى غيث وأجابت بانفعال:
– اللي انت سمعته يا غيث, احنا مش شوال بطاطا هترجعوه مكان ما جبتوه, في الأول والآخر دا موضوعي أنا, يبقى أنا اللي أقول مين يقعد ومين يمشي, وعاوز الحق أنا حاسة ان الموضوع دا ممكن ياخد في رجليه ناس مالهاش ذنب, عشان كدا الأفضل أني أتعامل فيه لوحدي, مش عاوزة أشيل ذنب حد!
نظر اليها مندهشًا بتعبيرات جامدة لثوان ليصرخ بها بانفعال تام بعد ذلك حتى أن عروقه قد برزت واضحة في عنقه وهو يقبض على مرفقها الآخر ليهزها بقوة بينما يعلو صوته ثائرا:
– انتي اتجنيتي إياك!, يعني ايه موضوعك لوحديكي ديه؟, أني جوزك يا هانم.. جوووووزك!, واعيه للكلمة ديْ ولا مواعياشي؟, أسيبك لوحديكي كيف في حاجة زي ديْ؟, ديه لو أني غريب عنيكي معملهاشي يبجى أعملها وإنتي مرتي؟, ليه مش شايفاني راجل جودامك ولا إيه؟..
حاولت سلافة الفكاك من أسر قبضتيه وعندما فشلت هتفت به:
– سيبني يا غيث, أنت اللي ابتديت, انت واخوك اللي عاوزين تشحنونا على البلد زي ما تكونوا بتشحنوا بضاعة, مريم دي تبقى زي سلمى أختي بالظبط, وتارها يبقى تاري أنا وأنا بس اللي هاخده, انت صعيدي يا ابن عمي وعارف يعني ايه تار, ومينفعش حد ياخد بتار حد تاني, تبقى عيبة كبيرة أوي ولا أنا غلطانة؟.
كشر غيث وهتف بها وهو يهزها حتى اصطكت أسنانها:
– افهمي يا بت عمي, من ساعة ما بجى طريجنا واحد مافيش حاجة اسمها تاري وتارك ولا حاجتي وحاجتك, احنا التنييين بجينا واحد, ولو عِملت اللي بتجولي عليه ديه يبجى أحسن لي ألبس ترحة وأجعد في الدار جنب أمي, ويبجى عيب لو اتسميت راجل بعد إكده!.
سكتت سلافة وهي تلهث بعدما فشلت في الافلات منه بينما تغيرت وتيرة صوته وضعفت قبضتاه ليقربها منه وهو يفلت مرفقيها ليحتوي خصرها بين ذراعيه القويتين ويردف وهو يغرق في ليل عينيها السرمدي:
– أنتي ازاي تتصوري اني أجدر أفوتك في الهم ديه وحديكي, لسّاكي يا بت عمي معرفاشي غلاوتك جد إيه؟, أني مش ممكن ههملك واصل يا سلافة, اتجنيتي انتي لمن تطلبي مني أفوتك وحديكي, أني مجدرش أتصور المجرمين دول ممكن يعملوا إيه, احنا بنتعامل مع ناس معيخافوشي ربنا, الود ودي أحطك جواتي وأغلج عليكي عشان أبجى مطمن عليكي, انتي ليه ما فهماش لحد دلوك أنتي بجيتي إيه بالنسبة لي؟!..
ابتلعت سلافة ريقها ونظرت اليه لتقابلها عيناه وهما يطالعانها بنظرة شوق وحب ملتهب بينما هناك في البعيد تقبع نظرة خوف وقلق لم يسبق لها وأن شاهدتها قبلا, حاولت التحدث لتشعر بجفاف في حلقها فرطبت شفتيها بلسانها الوردي قبل أن تجيبه بخفوت وعيناها تتضرعان إليه بالموافقة:
– بس أنا مقدرش يا غيث, مقدرش أسيب تار مريم, دي أمّنتني يا غيث, وأنا مش ممكن أخون الأمانة, وبعدين انت فاكر انك لوحدك اللي خايف عليا؟, أومال أنا ليه قلت لك انا اللي هكمل لوحدي؟, من خوفي عليك…. – سكتت قليلا ثم استدركت وهي تهرب بعينيها جانبا – عليكم, من خوفي عليكم يا غيث..
لتقربها يداه أكثر اليه ضاغطيْن على ظهرها ليلامس صدرها اللين عضلات صدره القوية فيما يجيب بأنفاس متهدجة وهو يطالع وجهها الفاتن:
– خايفة عليَّ يا بت عمي؟.
لتجيب وهي تشرد بعينيها بعيدا:
– لو.. لو ما خفتش عليك يا ابن عمي, هخاف على مين؟..
ثم أردفت ببراءة مفتعلة:
– وأكيد طبعا هخاف على سلمى أختي وشهاب ابن عمي..
ليزمجر غيث بحدة ويقول بينما تلتصق شفتاه بصدغها ليستنشق رائحة بشرتها الشبيهة برائحة الأطفال بل أنها تضاهي أيضا نعومة بشرتهم:
– مالكيشي صالح بشهاب ولد عمك, ليه حرمة تخاف عليه!.
صدرت منها ضحكة صغيرة لترفع عينيها اليه وتتساءل:
– انت بتغير من أخوك يا غيث؟.
ليجيبها بحنق:
– وأبويْ كمان..
فتحت فمها لتجيبه ساخرة ولكن توقفت الكلمات على طرف لسانها وتاهت منها أحرفها التي ابتلعها غيث في قبلة محمومة أودعها قلقه وعشقه و.. غضبه من تلك المتهورة العنيدة الحمقاء التي نجحت في أٍسر قلبه ليصبح أسيرها مدى الحياة…
تركها غيث بعد وقت طويل بعد أن شعر بحاجتهما للهواء, ثم اعتصرها بين ذراعيه وأسند ذقنه على خصلاتها الثائرة وقال بأنفاس لاهثة:
– يدي في يدك يا بت عمي.. وزي ما سبج ووعدتك تار مريم هناخدوه سوا.. مع بعض, مش عيلة الخولي اللي تهمل تارها واصل…
أغلقت سلافة عينيها وهي تستنشق نفسا طويلا, قبل أن تجيبه بخفوت قائلة:
– وأنا مش هسيب ايدك يا ابن عمي, وتار مريم هناخده سوا..
ليحتضنها بقوة أكبر وابتسامة هانئة ترتسم على وجهه الرجولي الوسيم زافرا براحة…
******************************
لاحقا بعد أن أعادت سلافة وسلمى ترتيب المنزل جلس الآربعة يتناقشون في خطوتهم المقبلة, قال شهاب بتفكير عميق:
– أهم حاجة دلوقتي لازم نفكر فيها.. مين اللي عرّف المجرمين دول أننا معانا نسخة تانية من الأدلة اللي اتحرقت؟, ومين اللي قالهم اننا طلبنا من المحامي انه يقدم طعن في قضية سامح الله يرحمه؟, فيه حد بيتجسس علينا وينقلهم المعلومات..
سلمى بتأكيد:
– فعلا يا شهاب, فيه حد عارف احنا بفكر ازاي وبينقلهم الأخبار علشان كدا هما سابقينا بخطوة, ولو عرفناه يبقى احنا اللي هنسبقهم المرة اللي جاية..
سلافة بهتاف منفعل:
– صح كدا, وبكدا يبقى احنا اللي بنتحكم في خطواتهم اللي جاية لأنهم هيتصرفوا بناءا على خطوتنا احنا..
غيث بتركيز:
– انما الشخص ديه يبجى مين؟, ما حدش كان عارف باللي دار بيننا وبين المحامي غيرنا احنا والمحامي و….
ليقاطعه شهاب هاتفا بقوة:
– وكريم!!..
لتهتف سلمى وسلافة باستنكار تام:
– مين؟, كريم!, لا طبعا…
زفر شهاب بحنق ونظر الى سلمى متسائلا بنزق:
– وليه لأ طبعا يا دكتورة؟, مين الغريب يومها واللي كان موجود غيره هو؟!..
قاطعته سلافة هاتفة بقوة:
– لا طبعا.. كلامكم دا ما يدخلش العقل, إلا كريم!..
لتساندها سلمى بقوة موازية لقوتها ونفي قاطع لما قاله شهاب وأيّده غيث:
– طبعا إلا كريم, أنا ممكن أشك في أي حد تاني أنما كريم من رابع المستحيلات انه يعملها!..
شهاب بحنق وحدة بالغين:
– أفندم؟, يعني ايه تشكي في أي حد تاني دي ان شاء الله؟, يعني ممكن تشكي فيّا أنا مثلا ولا في غيث انما سي كريم لأ؟
زفرت سلمى بضيق وأجابت:
– لا طبعا ايه اللي انت بتقوله دا, أنا بس عاوزة أفهمكم إنه مش ممكن أبدا كريم يعمل كدا…
هتفت سلافة تقاطعها:
– من الآخر لو شكيتوا في كريم يبقى كأنكم بتشكوا في حد فينا بالظبط!..
نظر اليها غيث باستهجان ثم تبادل نظرات الاستنكار بينه وبين شهاب بينما تناولت سلمى هاتفها النقال وقالت وهي تضغط بضعة أرقام:
– أنا هثبت لكم حالا…
تبادل غيث وشهاب نظرات التساؤل التي سرعان ما تبدلت الى نظرات إجرامية في عيني شهاب وهو يسمع سلمى تقول بهدوء ينافي انفعالها السابق وابتسامة صغيرة تعتلي ثغرها الوردي:
– أهلا يا كريم إزيك أخبارك واخبار طنط وعمو إيه؟, – سكتت قليلا لتنصت إلى الطرف الآخر قبل أن تتابع قائلة – معلهش يا كريم كنا عاوزينك تيجي عندنا شوية, آه عندنا هنا في البيت, احنا كلنا موجودين, آه في حاجة حصلت وعاوزين نقولك عليها, اوكي في انتظارك..
لتنهي المكالمة وترفع عينيها ناقلة بصرها في الوجوه أمامها وهي تقول بهدوء:
– كريم جاي, مسافة السكة وهيكون هنا…
وقف شهاب بالتصوير البطيء وهو يقول بذهول:
– انتي ايه اللي عملتيه دا؟
رفعت سلمى عينيها اليه لتتساءل بدهشة:
– عملت إيه؟..
هتف شهاب بنزق:
– انتي هتستعبطي؟, ازاي تكلميه واحنا لسه بنقول اننا شاكين فيه؟..
نهضت سلمى واقفة يتبعها سلافة وغيث بينما وقفت هي تجيب بحدة:
– لو سمحت يا شهاب بلاش طريقة الكلام دي, وبعدين أنا معملتش حاجة غلط كريم معانا في الموضوع دا من الأول, كان هو أول واحد فكرت فيه سلافة قبل أي حد مننا كمان.. لتلوح نظرة غضب وقهر من غيث الى سلافة التي أشاحت بنظراتها بعيدا فلا الوقت ولا المكان يسمحان بمزيد من الحوارات الجانبية بينما توعدتها نظراته بعقاب قوي آنفا..
انتبهت سلافة الى سلمى التي أردفت قائلة:
– وبعدين أظن لو فيه خطر فعلا علينا يبقى كريم هيكون معانا في الخطر دا, لأنه مش ممكن يكون العصابة عرفت اننا رجعنا تاني ننبش في القضية وعرفت بالأدلة من غير ما تعرف الأدلة نفسها كانت مع مين؟..
عاجلها شهاب بحدة:
– عشان كدا بشك فيه, ايش معنى دلوقتي بعد ما طلبناه ييجي ومعاه الدليل يحصل اللي حصل؟, هو الوحيد اللي كان يعرف باللي عاوزين نعمله؟
عقدت سلمى ذراعيها ونظرت اليه ببرود قائلة:
– أهو كلامك دا دليل براءة كريم!, لأنه ببساطة لو كان كريم زي ما بتقول معهم كان إيه اللي هيخليه يستنى لما سلافة تطلب الدليل اللي معاه كان سلم اللي عنده للعصابة من الأول…
غيث بزفرة ضيق ناهيا الجدل المحتد بينهما:
– عموما هو جاي دلوك والمايه تكدب الغطاس…
اتجه شهاب بخطوتين حازمتين الى سلمى وقبض على مرفقها مجبرا إياها على السير معه وهو يلقي بكلمات الى غيث وسلافة دون الالتفات اليهما:
– معلهش يا جماعه بعد إذنكم, عاوز مراتي في كلمتين كدا..
واتجه بها إلى غرفتها هي وأختها تاركا غيث ينظر بنظرات حادة الى سلافة التي هربت بعينيها بعيدا…
دخل شهاب ساحبا سلمى معه وأفلتها بالداخل فوقفت تطالعه بدهشة واستنكار بينما أغلق الباب خلفهما واتجه اليها بخطوات قوية ليقف أمامها يطالعها بنظرات نارية وقبل أن تهم باطلاق كلماتها الحادة في وجهه عاجلها بصوت منخفض ينبأ بغضب وحشي مكتوم:
– أقدر أعرف هتفضلي لغاية امتى تتجاهلي وجودي ولا كأني جوزك؟!..
نظرت اليه باستنكار وأجابت:
– وايه اللي حصل ان شاء الله خلاك تقول كدا؟, اني دافعت عن كريم؟ كريم اللي انا أعرفه وواثقة فيه زي ثقتي في نفسي بالظبط؟!..
لتتبع جملتها شهقة ذهول وهي تراه ينقض عليها معتصرا ذراعيها بقبضة قوية وهو يهتف بانفعال حاد:
– مين دا اللي زي نفسك؟, انت اتجننتي أكيد؟, لآخر مرة ايه اللي بينك وبين اللي اسمه كريم دا بالظبط؟, أنت فاكراني ناسي انه كان عاوز يتجوزك؟, أنت بلسانك قلتيلي كدا لما سمعت مكالمته ليكي, ناسية ولا أفكرك؟..
نظرت اليه سلمى باعتراض وهتفت بحنق:
– انت بتقول ايه؟, معقول توصل بيك انك تتهمني اتهام زي دا؟, يعني ايه بيني وبين كريم حاجة؟, انت واعي للي بتقوله؟, وبعدين مين اللي قال انه كريم كان عاوز يتجوزني؟..
شهاب بانفعال تام وعصبية مفرطة:
– انتي هتجنينيني؟, هو مش سبق وكلمك في موضوع الجواز وانتي بنفسك اللي قلتيلي؟..
نظرت اليه سلمى وقد هدأت حدتها وأجابته بنزق:
– أيوة بس ما كونتش أنا العروسة!..
لتبرد نار غضبه قليلا وترتخي قبضته لذراعيها وهو يتساءل بتقطيبة عميقة بين حاجبيه:
– أومال مين؟.
هرتب بنظراتها وهي تجيب:
– نهلة صاحبتي!, دكتورة زميلتي معانا في المستشفى, هي اللي عاوز كريم يخطبها…
ساد السكون عقب كلماتها تلك لم يخرقه سوى صوت أنفاسه الثائرة, ليميل برأسه اليها فتضرب أنفاسه الساخنة صفحة وجهها القشدية وهو يعيد كلماتها بجمود:
– نهلة زميلتك؟, كريم كان عاوز يتجوز نهلة زميلتك وانتي سيبتيني أفتكر انه قصدك أنتي؟..
رفعت عينيها اليه تعارضه هاتفة بقوة:
– أنا ما سيبتكش تفتكر حاجة, وقتها لو تفتكر كويس انت ما ادتنيش فرصة اني أشرح لك حاجة وحطيت تصور معين في دماغك اتصرفت على أساسه, وبعدين دا مش موضوعي أنا عشان أقولهولك, أعتقد شخصية العروسة اللي عاوزها كريم ما تهمكش في حاجة؟!..
ليهتف بها بانفعال تام وهو يقبض على خصرها معيقا ابتعادها عنه:
– انتي بتستهبلي؟, تفرق طبعا!, لما أفتكر انه قاصدك انتي.. الوحيدة اللي اتمنيتها زوجة ليا, والوحيدة اللي قلبي حبها, يبقى ساعتها ممكن أعمل أي شيء علشان أضمن انها ما تضيعش من إيدي, وأكيد انتي كنت بتضحكي في سرك وانتي شايفاني قودامك هتجنن كل ما ييجي في بالي انه الكلام كان عليكي أنتي, مفكرتيش انك تصارحيني وتخلي أعصابي تهدى, انتي عارفة أني كنت ممكن أرتكب جناية لو كان فعلا اتقدم لك بجد؟.
نظرت اليه مصعوقة وتمتمت بذهول:
– ايه؟, جناية!..
أكد بهزة من رأسه وهو يقربها اليه محتويا جسدها الضئيل بين ذراعيه:
– طبعا جناية, يا روح ما بعدك روح.. وانتي أغلى من روحي كمان!..
امتقع وجهها خجلا من حديثه الصريح واعترضت بضعف هامسة:
– شهاب أنا…
ليقاطعها بإلحاح وشوقه يستعر في نظراته الجائعة اليها:
– إنتي ايه بس؟, حاسة بيا؟, حاسة انتي بقيتي مهمة أد إيه في حياتي؟, صعبة اوي يا سلمى انك تريحيني ولو بكلمة؟!, كلمة واحدة تهدي مشاعر الخوف اللي جوايا!..
همست بذهول تطالعه بغابات الزيتون خاصتها:
– خوف؟!..
ليكرر بقوة:
– طبعا خوف!, طول ما أنا مش مطمن أنا بقيت ايه عندك وانا حاسس انك ممكن في لحظة تبعدي, أنا متأكد من نفسي كويس أوي وأني مش ممكن أسمح لك انك تبعدي ولو للحظة واحدة, بس البعد مش شرط يبقى بالجسم ممكن نكون في نفس المكان وبنتنفس الهوا نفسه لكن انتي بعيده عني بقلبك ومشاعرك, صدقيني البعد دا بيكون صعب اوي, مهما بقيتي جنبي لكن مشاعرك وعواطفك بعيدة عني هفضل حاسس ببعدك عني!
سكتت قليلا تطالعه بنظرات غير مصدقة لما تراه في عينيه من صدق صاف, وما تلمسه من توق في نبرات صوته بينما تقربها يديه ليحتويها بين أحضانه فيستند برأسه على مقدمة شعرها مغمضا عينيه زافرا بتعب ليسمع همسة خافتة منها جعلته يعقد جبينه ويفتح عينيه ناظرا أمامه قبل أن يتساءل بخفوت:
– انتي بتقولي إيه؟
لتعيد على مسامعه كلمتها الساحرة والتي كان لها مفعول السحر بالنسبة له:
– عمري ما هبعد!..
أبعدها عنه قليلا قابضا على كتفيها بقوة وهو يهتف غير مصدق:
– سلمى.. انتي بتقولي إيه؟..
لتطالعه بعينين تلمعان بينما تخضب وجهها بلون أحمر فتنه وهي تعيد بابتسامة خجل وهمس خافت:
– بقولك اني عمري ما هبعد ولا هسمح لك انك تبعد عني…
ليحتضنها بقوة بين ذراعيه مطلقا تأوها عال بينما تتشبث به بدون وعي منها لتسمعه يهتف باسمها بشوق ملتهب قبل أن يهبط بوجهه الى وجهها مقتنصا شفتيها في قبلة حارة أودعها كل ما يعتمل في قلبه من عشق لم يكن يعتقد بوجوده ولكنه لم يلبث أن وقع أسيرا له ما ان وقعت عيناه أسيرة لغابات زيتونية في يوم صيفي ساخن!!..
************************
يتبع
error: