“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد

الحلقة (40) والأخيرة الجزء الاول
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
كانت تخلع السماعة الطبية حينما سمعت طرقات هادئة فقطبت وهي تدعو الطارق للدخول والذي ما إن شاهدته حتى انفرجت أسارير وجهها وقالت ببشاشة:
– أنا كمان قلت مغاوري مش ممكن يخبط بالرقة دي كلها، دا بيهد عليّا العيادة…
ابتسمت سلافة التي اقتربت من شقيقتها وقالت وهي تقف أمامها:
– لاقيت نفسي زهقانه طلعت اتمشيت وقلت آجي لك هنا ونروّح سوا..
سلمى وهي تخلع معطفها الطبي وتعلّقه على العلّاقة المخصصة لذلك الموضوعة بالزاوية:
– امممم، كويّس انك خرجت عموما يعني، من يوم ما حصل اللي حصل وجدي أصدر فرمانه وأنتي حابسة نفسك في البيت زي ما تكوني خايفة تخرجي من هنا وغيث يدخله من هنا خصوصا ان جدي حدد إقامته طول ما إنتي في البيت ما يهوّبش غير بمعاد سابق!!!
عقدت سلافة ساعديها وقالت بابتسامة صغيرة:
– بابا جد ودا ربنا يخليهولي، فيه زيّه… هو اللي عرف ييجيب لي حق صح، يعني كان منتظر إيه وهو عامل لي فيها هركليز ويخطفني وشغل جيمس بوند وقال إيه أنا لسه مراته، أهو احنا رجعنا لمرحلة الخطوبة تاني، ويبقى يقابلني لو اتجوزنا في سنتنا!!!!!
تقدمت منها سلمى وبطنها البارز واضح في فستان الحمل الذي ترتديه:
– بذمتك مش صعبان عليكِ؟… شهاب كان عنده امبارح وبيقول لي غيث اتغير خالص، يا سلافة مينفعش أحلى أيامكم تضيع في العِند والمكابرة، هتندمي على الوقت دا صدقيني، خصوصا دلوقتي!!!!!
قطبت سلافة وأجابت في يربة:
– وايش معنى دلوقتي يعني؟…
لتطالعها سلمى برفعة حاجب فتبرّمت سلافة وأجابت بحنق:
– وبعدين تعالي هنا فكرتيني… بقه غيث صعبان عليكي صح؟… وعشان كدا كنتي بتنقليله أخباري أول بأول!!!!!!!!!
أُسقط في يد سلمى ولكنها لم تشأ الهروب من مواجهتها لم تفعلها سابقا في أي من مواقف حياتها وحتما لن تبدأ الآن مع تلك المتهورة وعاشقها المجنون!!!…، تنفست بعمق وجابهتها قائلة بهدوئها المعهود:
– أولا أنا برفض تلميحك أني بنقل له – وشددت على الكلمة – انا مش جاسوس عليكي له، دا جوزك، اللي حصل وبمنتهى البساطة أني أشفقت عليه لما لاقيته كل يوم بيقف تحت العمارة عندنا مستني سيادتك عشان تخرجي أو بس يلمحك!!!!!
ذُهلت سلافة وأسدلت يديها بجانبيها وهي تهتف بدهشة:
– إيه؟… غيث كل يوم كان بيستنى تحت البيت؟…
تنهدت سلمى بأسى وهي تحرك رأسها يسارا ويمينا وأجابت بابتسامة ساخرة:
– أيوة ، ولو إني إديتو كلمتي أني ما أقولكيش حاجة، لكن لازم تعرفي غيث اتعذّب وبيتعذب أد إيه!!….
سحبت نفسا عميقا ثم اقتربت من شقيقتها الصغيرة وأحاطت كتفيها بذراعها وهي تردف بحنو:
– أنا الأول شكِّيت قلت يمكن صدفة خصوصا أنه أول أيام بعد الطلاق ما كونتيش بتخرجي، لغاية ما لاقيتني بشوفه تقريبا كل ما بخرج، ولما شهاب صالحني ورجعت معاه، شوفته هنا، وفاتحته في وجوج شهاب اللي طلع عارف لأنه حضرته كان بيكون موجود معاه لدرجة أنه اتغاظ مني إني أخدت بالي من غيث وهو لأ!!!!!!
وشردت بابتسامة حانية وهي تتذكر صيحة شهاب الحانقة وهو يهتف بها:
– يعني بدل ما كنتي مركزة مع غيث بس كنت اضربي بعينك شمال شوية أو يمين شوية كنت هتلاقيني معاه!!!!!!! …
وقتها ضحك كل من غيث وسلمى على هتافه الحانق كما الأطفال تماما!!!….. انتبهت من شرودها بعدها وتابعت:
– ساعتها أنا اللي قلت له على كل اللي مرّ بيكي من ساعة ما رجعنا مصر، سواء في الشغل أو في أي مكان تاني، وطلبت منه أنه ما عادش يسافر تاني وأني هطمنه عليكي على طول، وفعلا أخبارك كانت عنده أول بأول مش عشان تكوني تحت عينه ويعرف الصغيرة قبل الكبيرة لأ… عشان أنا حاسيت أنه غيث بجد تعبان وقوي كمان، وأنه فعلا بيكفّر في كل دقيقة عن كلمة طايشة اتقالت في ساعة غضب، واللي حرّكها كانت شيطان في توب انسان، وللأسف كمان الانسان دا كان أمه!!.. انتي مقدرة حجم الكارثة يا سلافة؟.. لو أنتي زعلانه عشان حبيب سابك في لحظة غضب أومال هو بقه يعمل إيه؟… هو مش بس بعد عن حبيبته لأ… وعن أمه كمان!!.. ويمكن دا السبب اللي خلّاني أسامح شهاب وأحاول أنسى وأدّيه وأدي نفسي فرصة تانية، مش عشان الطفل اللي جاي في السكة وبس لأ.. عشان اللي بيننا يستاهل أننا نسامح ونغفر ونحاول مرة واتنين وتلاتة!!!!
ارتعشت شفتي سلافة وهمست بصوت مشروخ وعينين غائمتين بدموع أبت الهطول:
– وانتي فاكراني ما اتعذبتش وبتعذب في كل لحظة بتمر عليّا واحنا كدا؟.. عارفة يا سلمى… التجربة اللي أنا مرِّيت بيها أنا وغيث دي خلِّيتني أعرف وأتأكد أنا أد إيه بحبه… وأوي كمان، لأني ببساطة شديدة جدا لو ما كانش حبه العمق دا في قلبي ما كونتش الى الآن حاسة بالوجع دا كله في قلبي… أنا قلبي موجوع أوي أوي يا سلمى، كان بالنسبة لي من رابع المستحيلات أنه غيث يسيبني ويرميني بكلمة مهما أنا طلبتها منه، غيث ما كانش بس جوزي لأ… كان جوزي وأخويا وصاحبي وحبيبي، كنت بدلّع عليه وأتنرفز وأطلع جناني عليه وهو بيستحملني، تمام زي الأب لما بيستحمل بنته، ولما… أمه اتهمتني إني كنت بحاول أضربها وأنا كنت بمنعها هي أنها تضربني قلت لا يمكن يصدقها، ساعتها بصّ لي بصّة عمره ما هنساها أبدا، نظرة غضب على حزن على خيبة أمل، ولما حاولت تخنق ماما وأنا فعلا لو كان جدي إتأخر شوية كنت مموتاها مموتها لأني وقتها كنت حاسة أني بموّت شيطان مش إنسان أبدا، ساعتها فعلا كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير زي ما بيقولوا وهو بيتهمني اني عاوزة أموتها وقتها ما دريتش بنفسي وأنا بطل منه الطلاق وسمعت جدي وهو بيتحايل عليه أنه ما يقولهاش..
سكتت تلتقط أنفاسها قبل أن تكمل بابتسامة مرارة وأسى:
– دا حتى ما كلّفش نفسه انه يبص على الكرسي اللي ماما كانت عليه تقريبا شبه مغمي عليها، ونطقها، ياااااه يا سلمى – وكشرت بوجهها وهي تبتلع دموعها التي تهدد بالانهمار- مهما وصفت لكب تبقى صعبة إزاي مش هقدر أوصل لك احساسي وقتها كان عامل إزاي، منتهى الاهانة انك تحسي من الشخص اللي كان أقرب لك من نفسك انك برخص التراب عنده!!…
سلمى وهي تمسد خصلاتها السوداء:
– وانتي لما قلتي له طلقني وأكتر من مرة ما حاسش هو الاحساس دا؟… ما حاسش انه مراته وبنته وحبيبته بيعاه ومش عاوزاه؟.. سلافة.. غيث وشهاب صعايدة عارفة يعني ايه صعايدة؟.. يعني مهما اتعلموا أو حتى سافروا أو وصلوا لأي درجة من التحضر والمدنية انتي تتخيليها جوّاهم لسه الصعيدي اللي بالجلابية والعمّة والشنب اللي يقف عليه الصقر!!
ابتسمت سلافة من وسط حزنها المرسوم على وجهها فيما أردفت سلمى:
– عارفة المشكلة فين؟.. المشكلة أنه كل واحد منكم شايف المسألة من وجهة نظره هو بس، واللي طبعا بتطلعه انه هو المظلوم، لكن لو كل واحد فيكم حط نفسه مكان التاني أنا متأكده أنه الأمور لا يمكن كانت وصلت لكدا، وبعدين ما تنسيش أنك رديتها له وفي مقتل… بقه يا ظالمه يا مفتريه توافقي على سامي وإنتي لسه في العدة؟… ثم مش سامي دا اتقدم لك بدل من المرة تلاته ايش معنى دلوقتي اللي توافقي عليه؟…
نظرت سلافة الى سلمى باضطراب قبل أن تلعق شفتيها بتوتر ملحوظ وهي تجيبها بخفوت:
– أقولك على حاجة وما تقوليش لحد؟… وخصوصا شهاب!!!!
ابتسمت سلمى وأحنت رأسها إلى شقيقتها قائلة:
– سرّك في بير يا سولي!!…
ما أن انتهت سلافة من كلامها حتى شهقت سلمى بذهول صاعق ونظرت اليها بغير تصديق وهي تهتف:
– انتي بتقولي إيه يا سلافة؟.. انتي أكيد اتجننتي؟…
في حين احمر وجه سلافة من تقريع أختها ولكنها أبت الاعتراف بخطئها وبدلا من ذلك تكتفت وهمست بإصرار عنيد:
– هو اللي بدأ.. وأنا مش بسيب حقي أبدا… ولسّه… يا ما هتشوف مني يا غيث اكتشافات ومواهب!!!!!!!
****************************************************************************
جلس الجميع حول مائدة الطعام فيما عدا… غيث!!!! .. تذمر الجد من خلو مقعد الأخير ومال على عثمان الذي يجلس الى يمينه وهمس:
– أني بدي أفهم.. هو مش اللي خاطب ديه يعني ياجي لخطيبته ايزورها ويشوفها؟.. رادي أعرِف ولدك عاوز إيه بالظبِّط؟.. لا بياجي ولا بنشوفَه.. أني لمن جولت ياجي في معاد سابج عشان يتجّل رجليه اهنه مش يجطعها علاولاه!!!..
عثمان بهدوء:
– أني عكلمه يا حاج…
قطع حديهما الجانبي الهامس الجدة وهي تقول بفرح:
– امني حانكم كلاتكم متجمعين عشان أجولكم على آخر الاخبار…
نظر اليها الجميع بانتباه في حين رمقها الجد بنظرة عابرة وهو يعلم تماما أي قنبلة ستلقي بها زوجته التي رفضت أن تدعه يتحدث مع عثمان أولا في هذا الأمر، فقد أخبرته أنها تفضل أن تطرق الحديد وهو ساخن خاصة وأنها قد ألمحت الى عثمان بهذا الأمر فأخبرها أن هذا الحديث سابق لأوانه كما أنها متأكدة أن الحديث اليه وسط عائلته سيكون أنسب إذ سيلقى قبولا للأمر من الجميع، وجّهت نظراتها الى عثمان وأردفت بابتسامة:
– شوف عتبجى فاضي ميتى يا عتمان يا ولدي عشان نخلّصوا موضوعك اللي سبج وجولت لك عليه…
تغير وجه عثمان في حين تبادل الباقيين نظرات التساؤل فتابعت الجدة بثقة:
– بوكوم محتاج مَرَه اتكون جاره وإمعاه… وهوّ لسّاته اف عزّه، وأني شوفت له بنت الحلال اللي عتصونه وتريّح باله…
تبادل شهاب وسلمى نظرات الدهشة في حين قال رؤوف الجالس بجوار شقيقه وهو يربت على ساعده:
– ألف مبروك يا عثمان يا خويا، ان شاء الله ربنا هيعوضك خير…
في حين هتف عثمان باعتراض:
– يا أمّاه!!!!
الجدة بهدوء وابتسامة صغيرة على وجهها:
– خابار إيه يا عتمان يا ولدي… اعيالك ما هومّاشي أصغار… كافاياك اللي شوفتوه طول عمرك مع اللي فاتت.. معتضيعشي أيامك الجايه من بين يديكي… احنا ولاد إنَّهارْدِهْ…
رؤوف بهدوء:
– الحاجة معها حق يا عثمان…
ليسارع شهاب بالقول وقد استقر رأيه:
– على بركة الله يا حاج….. اللي يريحك احنا كلنا موافقين عليه…
سلمى بتساؤل قلِق:
– حتى سلسبيل؟…
لتهتف الجدة بجدية:
– سلسبيل متزوجة وعنديها بيتها وراجلها وعيالها، وأني عارفاها.. عاجله.. وبعدين الليث امعاها عيجف جنبيها، لمهم دلوك… أني عكلم الحاجة زينب يا حاج عبد الحميد وأشوف معاد مناسب عشان تروحوا لهم فيه…
وأنتهى الحديث في هذا الأمر بناءا على عبارة الجدة الأخيرة والتي أنهت النقاش تماما في هذا الشأن!!….
كان يجلس على الزرع الأخضر يطالع في البعيد حيث المروج الخضراء المنتشرة من حوله على الضفة الثانية من فرع النيل الصغير الذي يجلس بمحاذاته، يقبض على عصا رفيعة بيده وهو يخط بضعة حروف على الرمل أمامه حين سمع صوتا يناديه، فالتفت الى الخلف وما إن أبصر صاحب الصوت حتى عاد ينظر الى الأمام ثانية ببروده الذي يلزمه منذ أن أُجبر على خطبة… زوجته!!!.
رمى شهاب نفسه بجواره وقال وهو يلهث:
– ايه يا بني.. كل دا ومش سامعني؟…
أجاب غيث ببرودة وهو ينظر الى البعيد:
– سامعك يا شهاب…
شهاب وهو ينظر اليه بتساؤل:
– انت مقاطعنا ولا إيه يا غيث؟..
ابتسم غيث بتهكّم وأجاب:
– ليه يعني؟… إكمني ما باجيشي الدار؟… مش جدي أمر أنه ما خطيش إهناك إلا بمعاد؟…
قبل أن يتثنى لشهاب الاجابة استدار إليه يتابع بغيظ واضح:
– أني يا شهاب؟… أني أخطب ماراتي؟… انت متصوّر انها سهلى عليّ اني أجعد امعاها وكأننا تنيين أغراب عن بعض؟… ديه ماراتيّ – مشددا على مخارج حروف الكلمة – عارف يعني إيه ماراتي؟…
شهاب وهو متخوف من ردة فعله من الأنباء التي يحملها له ولكنه آثر أن يعرفها منه قبل أن يفاجأ بها أمامه:
– احم … أومال هتعمل إيه لما تعرف باللي جدي أمر بيه؟.. أو بمعنى أصح باللي هيا طلبته منه وجدي وافق عليه!!…
قطب غيث في ريبة وتساؤل بخشونة:
– وأيه هوّ اللي جدِّيْ أمر بيه؟…
تنحنح شهاب ورمقه بطرف عينه وأجاب:
– سلافة هترجع شغلها في الديوان من بكرة!!!…..
ليهب غيث واقفا وهو يصرخ بغضب:
– كيييف!!!!… انت بتجول إيه يا شهاب؟…
نهض شهاب بدوره ووقف أمامه وقال وهو يزفر بعمق:
– اللي أنت سمعته، تقريبا سلافة حاسّة بفراغ وعاوزة ترجع الشغل طلبت منه وهو وافق، وحضرتك من بكرة هتستلم الشغل، وبيتهألي انه مينفعش انه عبد الرازق يبقى موجود وهي موجودة، انت مش ممسكه شغل الديوان كله تقريبا دلوقتي ويدوب بتروح تشرف عليه وخلاص؟!!!
قبض غيث على أصبع يده اليمنى بقوة وهتف من بين أسنانه المطبقة:
– بجاه إكده؟… ماشي يا سلافة… لمّن أشوف آخرتها امعاكي إيه؟!!!!!…
ثم التفت الى شهاب وأردف:
– عاوز أشوفها يا شهاب لوحديها… خلي سلمى تتصرّف… ما عاوزشي حد يّعرف!!!
أومأ شهاب بالايجاب وهو يزفر بضيق لا يعلم ما نهاية لعبة القط والفأر تلك!!!!!!!!!!
***********************************************************************
تأفف غيث للمرة المائة وهي يطالع ساعة معصمه، لقد أخبره شهاب أنها ستأتي الآن لما تأخرت، لمح توأمه يقبل عليه فوق حصانه الأسود العربي، وما إن وصل اليه حتى ترجّل ووقف أمامه وبعد أن ألقى التحية سأله غيث بلهفة:
– ماجاتش يعني؟..
زفر شهاب بضيق وقال بغيظ:
– مراتك دي مش ممكن يا غيث، سلمى قالت لها انك عاوز تشوفها، ودلوقتي قبل ما تروح الديوان دي الفرصة الوحيدة اللي تقدر تشوفها فيها من غير ما جدي يعرف، هي كدا كدا رايحه هناك، للأسف رفضت!!.. وقالت انها عندها شغل ولو عاوز تشوفها فعلا أي خاطب بيزور خطيبته في بيتها بعد إذن أهلها، مش سرقة بين الزراعات زي صميدة وبهانة!!!!!!!!!
قطب غيث وهتف بحنق:
– باه… مين صميده وبهانه دولوم ان شاء الله؟…
شهاب وهو يحرك كتفيه علامة الجهل:
– والله مش عارف يا غيث بس تقريبا شكل مراتك بتتفرج على أفلام أبيض وأسود كتير وفاكره انكم هتطلعوا تجروا ورا بعض وسط القصب!!!!!!!!!!
زمجر غيث وهتف:
– انت بتتريّج انت التاني؟!!.. ماشي يا حرمي المصون… أما نشوف آخرتها امعاكي إيه؟…
وما لبث أن قفز فوق الفرس الأسود وهو يردف عاليا بينما وكز خاصرة الفرس فانطلقت تعدو:
– ابجه عاود انت بجاه… اني هتصرّف!!!!..
تابع شهاب توأمه وهو يسابق الريح منطلقا الى هدفه المنشود…. سلافته!!!!!
————————–————————–————————–
كانت تقف بجوار المكتب تمسك ببعض الأوراق فيما يقف أمامها عبد الرازق الموظف الاربعيني الذي جعله غيث بمثابة نائبا له للاهتمام بأمر الديوان، وكان يخبرها بكل ما يتعلق بالعمل حينما اندفع غيث الى الداخل حيث الباب مشرّعا وهتف بكلمة واحدة قوية فيما التفتت اليه سلافة متفاجئة من دخوله العاصف:
– اخرج…
لم ينتظر عبد الرازق أن يعيد غيث أمره فأسرع بالخروج ليغلق غيث الباب خلفه، وقفت وهي تتمسك الأوراق بقوة تقرّبها إليها وتراقب تقدمه إليها بينما شعره قد شعثته الريح وقد لاح على وجهه أمارات الغضب العنيف، كان يرتدي بنطالا أسودا من الجينز وقميصا أسود مفتوحا الى منتصف الصدر، ولاحظت أنه قد خسر الكثير من وزنه ولكنه بالمقابل قد زادت جاذبيته المهلكة!!!… وقف أمامها تماما مسلطا نيران عينيه عليها وهو يهمس بغضب وحشي مكتوم:
– ما جاتيشي ليه كيف ما طلبت؟…
تمالكت سلافة نفسها وأجابت وهي تشيح بعينيها بعيدا وقد صبغ صوتها برود ثلجي:
– أظن أني قلت أسبابي لشهاب، أنت سمعت جدي كويس أوي بيقول اننا مخطوبين، وأعتقد اني بحترمهم كويس أوي اني أقابل خطيبي من وراهم؟!!!!
هتف غيث بغيظ وهو يرفع يديه الى أعلى رأسه:
– انت عتجننيني؟!!… خطيب إيه وبتاع إيه، أني جووووزك يا سلافة، ها… جووووزك!!!
هزت كتفيها بلا مبالاة وأجابت:
– والله الموضوع دا اتكلمنا فيه كتير أوي، واتفقنا اننا ما عرفناش بعض كويس، وانه فترة الخطوبة دي عشان نشوف هنقدر نكمل مع بعض ولا لأ!!!!!!!!
ليباغتها بالقبض على خصرها بيديه لتشهق عاليا وتحاول الافلات من قبضته المحكمة بينما يهتف بشراسة:
– واني جول تلك جبل إكده وهعيدها تانيّ.. انتي ماراتي… وما عتبجيشي غير ماراتي، ايجولوا خطيبتي ما خطيبتي.. انتي ماراتي، وما عتكونيش غير إكده.. ما هفوتكيش واصل يا سلافة!!!
ثم مال عليها لتلفحها أنفاسه الساخنة وهمس بخبث أمام وجهها الذي فرت الدماء منه:
– أما بجاه من جيهة اننا ما نعرفشي بعض ديْ.. فأحنا نِعرف بعض كويّس جوي.. ولا أنتي ناسياه؟…
وامتدت يده تسحب منها الأوراق التي تتشبث بها وكأنها طوق النجاة، وترميها قبل أن تزحف يده الى أسفل عنقها يثبت رأسها من الخلف بينما تراقبه بذهول أفقدها القجرة على الكلام أو الحركة ثم مال بوجهه ليخطف أنفاسها بقبلة لا يمكن وصفها سوى بأنها زلزال قد ضربها ليرتج قلبها بين جوانحها بشدة فيما قدميها تهددان بسقوطها في أي لحظة!!!!!
وكما الزلزال.. ينتهي في غضون دقائق مخلّفا آثارا مدمرة، كان عناقه… الذي انتهى بعد فترة قصيرة تاركا إياها وهى تحاول لملمة شتات نفسها المتناثرة!!!!..
ابتعد عنها ووقف يطالع وجهها الذي غزته الدماء فيما قالت محاولة التسلح بالهدوء الذي لا شتعر بأدنى شيء منه وذلك حينما استطاعت الحديث:
– إوعى تفكر انك تكررها تاني يا غيث، صدقني المرة دي انت خدتني على خوانه انما المرة الجاية…..
ليقاطعها بابتسامة ماكرة فيما عيناه تغازلانها:
– عتكون برضاكي يا حرمنا المصون!!!!….
هتفت سلافة:
– ممكن أعرف انت عاوز مني إيه بالظبط يا غيث؟…
رفع يده يساوي خصلاتها التي شعثتها أصابعه:
– لسّاكي ما عارفاشي يا بت عمي؟… رايدك أنتي.. ماراتي.. وبتي.. وحبيبتي… ودنيتي كلاتها!!!
شعرت بالضعف يغزوها فحاولت التمسك ببقايا مقاومة واهنة وقالت بعناد البغال:
– من امتى وأنا كل دول؟…
غيث بابتسامة:
– من أول يوم نضرتك فيه لمن فتحتي لي الباب وكانّك فتحتي لي باب الجنّة!!!…
لتفغر فمها في دهشة فانتهز غيث الفرصة وسارع بتقبيلها قبلة سريعة ليبتعد بسرعة أكبر في حين دفعته بيدها وهي تهتف بغيظ:
– انت قليل الأدب على فكرة!!!!!..
غيث وهو يراقص حاجبيه الكثيفين:
– جليل الأدب ديْ هعديهالك النوبة ديْ… لكن مرة تانيه عوريكي جلّة الأدب صوح!!!
سلافة بسخرية:
– لا حول ولا قوة الا بالله.. اللي يشوفك وانت داخل تقول يا شر اشتر.. ما يشوفكش دلوقتي والضحكة من الودن للودن!!!!!!!!
تجهم وجه غيث وهتف بحنق:
– ما تفكّرنيشي، اني كنت جاي وناوي أطبج في زمارة رجبتك…
سلافة بتهكم:
– وايه اللي خلّاك تسيب الزمارة بقه؟…
مال عليها وهمس بمكر:
– شفايفك هي اللي سكّرتني، رشفة واحده منيهوم وناسيت اني كنت جاي ليه؟…
طالعته سلافة بغموض ثم أشارت الى الباب خلفه وهي تقول:
– غيث.. ايه رأيك في الباب دا؟…
حانت منه التفاتة الى الباب خلفه وأجاب بلا مبالاة:
– مالاه؟…
سلافة ببساطة:
– يا ريت تاخده في ايدك بس من برّه!!! يعني وانت خارج!!!!
ليعتدل غيث في وقفته ويهدر بها غاضبا:
– انتي وبعدهالك بجاه في شورتك الغبره ديْ… تبجي ماراتي وخطيبتي كيف بدي أفهم أني؟.. وبعدين أني مش ماشي يا سلافة غير لمّن نشوفوا حل في لحكاية المجندله ديْ، ايه رايك بجاه؟…
هزت سلافة كتفيها بلا مبالاة:
– والله براحتك… بس انت عارف جدي هيزعل إزاي، كلمته قانون لازم الكل ينفذه، لو عاوز تخالف القانون يبقى روح اتظلم عنده!!!!!!!!
نفخ غيث بضيق وهتف فيها وهو يتجه الى الخارج:
– ماشي يا سلافه، اني رايح عنديه دلوك… وعخليه ايجولك انه فرحنا الليلة يا بت عمي.. يا خطيبتي…
وانصرف من أمامها لتطالع في طيفه المبتعد هامسة بابتسامة:
– الليلة؟!!!… الليلة يا عمدة!!!!!!!!!!…
**************************************************************
يتبع
error: