“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد

*الحلقة العاشرة
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
****************************
وصل غيث بصحبة غفيره راجح الى مخزن قابع على مشارف البلدة, كان المكان محاط برجال ليث, ابتعد الحارسان الواقفان أمام الباب جانبا ليدلف غيث الى الداخل, كان الظلام يسود المكان الذي يضيئه مصباح قديم موضوع على الحائط في آخر المخزن, تقدم غيث من مصدر الضوء ليشاهد رجلا قابع فوق كرسي خشبي, مقيّد اليدين والقدمين, اتجه ناحيته ليبصر ليث ابن عمه وهو يقف على رأسه وبجواره غفيره صابر الذي انتبه لدخول غيث برفقة غفيره راجح, قال صابر بصوت خشن:
– غيث بيه..
التفت ليث ليرى ابن عمه وهو يقف بجانبه, ثم أعاد نظره ثانية الى ذلك الملقى فوق الكرسي الخشبي المتهالك, مغمى عليه, لم يستطع رؤية معالم وجهه جيدا, أشار ليث لصابر بعينيه, فانصرف صابر ليعود بعد أقل من دقيقة حاملا دلوا مملوءا بالماء, أشار له ليث فقذف بمحتواه فوق رأس ذاك الجالس دفعة واحدة ليشهق عاليا وهو يصحو من غيبوبته تلك, رفع رأسه ونظر حوله وهو يهتف برعب:
– فين؟, أني فين؟, ايه اللي جابني إهنه؟
تحدث ليث ببرود وهو يبتسم بتشف بينما يدور حوله:
– عملك الاسود اللي جابك اهنه..
نظر اليه غيث ليجد رجلا قد تخطى الاربعون عاما بوجه كالح وشارب ضخم يحتل معظم وجهه, بينما عيناه جاحظتان بشكل مخيف, وعندما تحدث لمح أسنانه الصفراء فيما هناك سن ذهبي يتوسطهم, كانت ثيابه عادية جلباب بني اللون وعمامة صوفية تلتف فوق رأسه بينما تهدلت أطرافها, جذبه ليث من مقدمة جلبابه وهو يزأر في وجهه مائلا عليه ينظر في عينيه بقوة:
– فاكر الراجل اللي جتلته من شهر تجريبا حدا اول البلد؟, راضي الخولي؟!..
سكت الرجل قليلا ثم تحدث برعب:
– إيـ..أيوة افتكرته, مالُه دِه؟
ليث وهو يشده بقوة تجاهه:
– أني أبجى خوه, وهو يبجى راضي الخولي, ولد عيلة الخولي, تسمع عنّيها؟
الرجل بالتياع:
– باه!, يا وجعة مجندلة!, ايوة طبعا أسمع…, ومين ميعرفشي عيلة الخولي وكفر الخولي كلاته؟
ليث بغضب ناري:
– جِه الوجت اللي تدفع فيه حساب كل اللي إعملته..
صرخ الرجل بفزع وهو يرى ليث ينتصب واقفا ليأتي آخر يشبهه في البنية والهيبة يقف بجواره, ثم يرفع ليث قبضته لتهوى على فكه بقوة جعلته يطلق صراخا كخوار الثور, لتسقط إحدى أسنانه الأمامية وتنزف لثته, قال ليث بعنف وهو يشير الى صابر:
– أني مش هموّتك وانت مربط اكده كيف الدبيحة.. لاه!, فكّه يا صابر..
قال غيث بتقطيبة:
– ليث يا ولد عمي كيف دِه؟, نجتله ونخلص عليه ونخلص الناس من شره وناخدوا بتارنا..
ليث وهو لا يحيد بعينيه عن ذلك المجرم عسران:
– لاه يا غيث, لازمن يدفع تمن كل فعايله, الموت بالنسبة له راحه وأني مش هنولهاله بسهولة..
فك صابر وثاق عسران الذي دلك معصميه ليهدأ من ألمهما, رفع عسران عيناه لليث وقال بضراعة:
– هدّيك كل الحلال اللي عندي بس اعتجني ابوس يدك…
نزع ليث عمامة عسران المحلولة جانبا ثم أمسك بمقدمة رأسه الأمامية جاذبا لها إلى الوراء بعنف وقال بفحيح غضب قاتل:
– حلالك؟, هو حلالك يا ولد الحرام؟, من ميته السرجة والجتل بتجيب مال حلال, جولي يا ابن الـ….. مين الناس اللي انت أذيتهم, تعرفهم ولا لاه؟
أشار برأسه نافيا وهتف:
– لاه, اني جاطع طريج, بطلع ع الناس سوى اعرفهم ولا معرفهومش, أخد اللي اخده وخلاص!
جذب ليث بشعره حتى تقطعت خصلات منه بين يديه جعلت عسران يطل صيحة ألم عالية وقال ليث بحزم وعينيه تبرقان ببريق مخيف يبعث الرجفة في الأوصال:
– يبجى تكفر عن اللي اعملته..
نظر اليه عسران برعب محدقا فيه بخوف شديد وهو يتساءل بتلعثم واضح:
– كيـ… كيف يعني؟, ما فاهمش!
ليث بابتسامة سخرية صغيرة:
– أني هفهمك…
ثم خلع عباءته الكشميرية الثمينة ملقي بها الى غفيره الذي تلقاها, قطب غيث ورفع يده آمرا الرجال المحيطين بهم بالابتعاد, فهو يعلم غرض ابن عمه, هو يريد قتله بيديه العاريتين..
ابتعد الرجال مشكلين دائرة كبيرة يتوسطها ليث وعسران بينما يقف غيث ليس ببعيد عن ابن عمه تحسبا للظروف, كان ليث يدور حول عسران كمالليث يدور حول فريسته بينما شعر ذلك المجرم بالدوار من شدة الرعب ومراقبته لليث تحسّبا لتصرف مباغت منه..
قبض ليث يديه رافعا لهما أمامه وزأر قائلا:
– دافع عن نفسك لو انك راجل صوح, مش متحامي بشوية عصبجية خلِّصنا عليهم كيف الحشرات, تمام كيف ما هخلص عليك بيديْ كيف البرغوت اللي بيمص دم الناس لكن فعصة اصغيرة تجضي عليه…
زمجر عسران وقد حسبها سريعا, هو في كل الأحوال ميت إذن فليمت بعد أن يقتل ذلك الليث الثائر أولا, هو عسران من ترجف له الأبدان هلعا عند ذكر اسمه, صاح صيحة غضب وهجم هاتفا:
– موتة بموتة يبجى على جولتك أموت راجل أهون…
ورمى بنفسه فوق ليث, لم يكن عسران بالضئيل البنية بل كان ثقيلا وان لم يكن سمين, لكم ليث بقبضته ليتلقى ليث اللكمة على ذراعه ويعاجله بلكمة في معدته بقوة جعلته يقذف دما من فمه, مسح فمه بكم جلبابه ثم عاد لينقض من جديد على ليث راكلا له بقوة فيحاول ليث تفاديها لتتسبب في تعثّره ووقوعه فيقفز فوقه عسران محيطا عنقه بيديه, حاول رجال ليث التدخل فمنعهم غيث رافعا يده عاليا بينما يراقب الموقف بعيون كما الصقر, قد يبدو أن عسران ذاك المسيطر حاليا ولكنه يعلم ابن عمه تماما ويعلم أنه في حالته الطبيعية يستطيع صرع عسران ذلك وبسهولة فكيف بالآن والغضب قد منحه قوة مضاعفة ليس لصرع ذاك القاتل بل وتهشيم عظامه لتصبح فتاتاً!..
التحم ليث وعسران وأخذا يدوران فوق الارض الترابية فمرة يكون عسران فوق ليث وأخرى يكون ليث من يرقد فوق عسران, لتأتي الأخيرة فيكون عسران هو المشرف على ليث ويحيط عنق الأخير بكفيه الغليظين ويضغط محاولا خنقه, انحبس الهواء عن ليث, قطب غيث بقلق وما إن هم بالتدخل حتى ركل ليث عسران بقوة بين ساقيه ليصرخ الأخير كالبهيمة المذبوحة ويرتمي جانبا, يسعل ليث بقوة, ثم ما لبث أن قفز واقفا, أمسك بمقدمة ثوب عسران وأوقفه أمامه بينما الأخير لم يستطع الوقوف بصلابة فلا يزال الألم قويًّا, كال له ليث اللكمات تباعا وهو يصرخ به, حتى شارف عسران على السقوط مغشيا عليه, عندما رماه ليث جانبا وهو يصرخ عاليا متوعدا له أن يصحو ليجهز عليه, وفجأة لا أحد يعلم كيف ذلك, ولكن استطاع ذلك المجرم أن يستل سكينا كان مخبئا أسفل سرواله الذي يرتديه أسفل جلبابه, أمسك بالسكين ونظر الى ليث وهو يشير به بينما يدعوه للاقتراب منه بيده الاخرى وهو يقول بابتسامة صفراء:
– تعالى يا ليث بيه, ما تاجي, خُفت ليه؟, ايه خايف السلاح يطول؟, هيطول ما تخافش, أني ميت ميت بس مش هموت جبل ما اخدك امعايا أجلُّه تروح تطمن على أخوك.. راضي!
وكأنه بذكره اسم راضي قد بعث بقوة غريبة في أطراف ليث الذي زأر عاليا لينقض على عسران في نفس اللحظة الذي أشاح بها عسران بالسكين لتشرط ثوب ليث فتصيب صدره بشق طولي ولكنه سطحي, لم يجد غيث بدّا من التدخل, خلع عمامته ولفّها كحبل, لم ينتبه اليه عسران فقد كان كل تركيزه منصبا على ليث الذي لم تضعفه الإصابة, صرخ عسران وهمّ بالتهجم على ليث عندما سمع صوت صيحة غاضبة من خلفه ولم يُتح له الوقت للالتفات حيث رمى غيث بعمامته التي أصبحت أشبه بحبل ملفوف يمسك بطرفيها, فرمى بها ليحيط بها عنقه جاذباً له بقوة فجحظت عيناه بينما ارتخت يده القابضة على السكين لترتمي أسفل قدميه فأسرع ليث بركلها بعيدا, ثم انقض على عسران الذي إزرق لونه بينما خرج لسانه يلهث كالكلب بحثا عن الهواء, لكمه لكمات متتالية عديدة وشد غيث الرباط حول عنقه من الناحية الأخرى, أمسك ليث برأسه جيدا بين يديه ناظرا في عينيه ببريق مخيف وقال:
– دِه عشان تبجى عبرة لغيرك..
ثم ضربه بقوة من مقدمة رأسه في جبهة ذلك القاتل ليرتد الى الخلف بشدة فيستلم ليث الرباط من غيث ويشده بقوة ثم يلفه حول يده ويشد وكلما سمع صوت أنينه يجذب بقوة أكبر حتى أصدر صوتا كالخوار بينما تدلى رأسه جانبا وجحظت عيناه وتهدل لسانه خارج فمه اعلانا عن موته!!
لهث ليث بقوة وترك الرباط ليسقط عسران مصدرا دويّا قويا, نظر اليه ليث ليركله بمقدمة حذائه في جسده بقرف واضح ويقول آمرا رجاله:
– ارموه للديابة في الجبل تاكله, لازمن يكون عبرة لغيره, كلب وراح ولا له ديّة, والكل لازمن يعرف انه أي واحد يعمل كيف الكلب دِه نهايته هتبجى زييه تمام….
وضع غيث يده مربتا على كتف ليث بينما ربت ليث بدوره على كتف غيثي قائلا بخشونة:
– تسلم يا ولد العم, اكده نجدروا ناخدوا عزا راضي خويْ الله يرحمه..
*******************
– طيب احنا هنفضل كدا, ما تتصرف..
زفر شهاب للمرة التي لا يعلم عددها بضيق والتفت الى سلمى الجالسة بجواره في سيارته العاطلة وقال بحنق:
– اسكتي شوية, دي المرة الكم اللي بتقوليلي فيها نعمل ايه؟, اعملك ايه؟, مافيش شبكة والموبايلات مش شغالة والدنيا ليل, يعني أتصرّف ازاي؟
نظرت اليه سلمى بنزق وقالت:
– ودي مشكلتي؟, مشكلتك انت.. انت اللي حطيتنا في المطب دا, قال وبابا كان مطمن عليا علشان معاك, ييجي يشوف, لو كنت لوحدي ما كانش كل دا حصل!
كتم شهاب شتيمة كادت أن تنطلق من فمه ونظر اليها قائلا بسخرية:
– ولا يهمك يا سلمى هانم, انت قصدك انك لوحدك بتعرفي تتصرفي أحسن مني صح؟, طيب يا ريت يا دكتورة سلمى لو تعرفي تلاقي لنا حل, اتفضلي فكري في حل بقه ولما تلاقيه ابقي صحيني انا ما نمتش ساعتين تلاته من امبارح, تصبحي على خير!
وعقد ساعديه دافعا بمقعده الى الخلف بواسطة زر أسفل المقعد حتى أصبح أشبه بفراش مائل وأغمض عينيه بينما سلمى تطالعه بذهول صاعق وهي تردد بغير تصديق:
– أصبح على خير؟..
ثم هتفت بسخط:
– تصدق انك بارد!
لم يلتفت اليها وما هي إلا ثوان وسمعت صوت انتظام أنفاسه فعلمت أنه قد غطّ في نوم عميق فهتفت بحنق وهي تكور قبضتيها تتمنى لو كالت له اللكمات غيظا وقهرا منه:
– دا بيشخّر كمان!!..
لا تعلم سلمى كم مر من الوقت فلم يغمض لها جفن, وبين كل حين وآخر تلتفت الى شهاب الذي يبدو كمن ينام على ريش نعام, فهو لم يقلق ولو لثوان كما ارتسمت على شفتيه ابتسامة من يرى أحلاما سعيدة في منامه!.
لفت نظر سلمى ضوءا شحيحا من بعيد ليقترب هذا الضوء منهما شيئا فشيئا, ابتلعت سلمى ريقها بوجل, فهما على أطراف البلدة والليل يسود المكان, وتعلم جيدا مخاطر الصعيد, نادت شهاب بصوت خائف:
– شهاب..
ولكن ما من مجيب, والضوء يقترب أكثر فأكثر فوضعت يدها على كتفه لتهزّه منادية بإلحاح وهي تكاد تبكي:
– شهاب قوم يا شهاب اصحى…
وكأن الصوت في الحلم, ليفتح عيناه جاهلا بمكانه باديء الأمر ثم تذكر أنه وابنة عمه العنيدة يقبعان داخل سيارته المعطلة في الصحراء, نظر اليها وهو يمسح وجهه براحتيه قائلا:
– ايه يا سلمى, فيه ايه؟
أشارت الى الخارج باصبعها بينما احتبس صوتها من الخوف, قطب ناظرا اليها لينقل نظره الى الخارج, فيلاحظ شبح انسان يقف بجوار نافذتها, مال عليها هامسا في أذنها وهو يضع يده فوق مقبض الباب:
– أنا هخرج أشوف مين دا, أول ما أخرج اقفلي الباب من السنتر لوك على طول..
قبضت بيديها الاثنتين على ذراعه معيقة خروجه وهي تتوسل اليه بخوف:
– لا يا شهاب ما تخرجش, هو هيزهق ويمشي..
قال شهاب محاولا تهدئتها:
– وافرضي ما زهقش؟, وافرضي كان معاه ناس تانية؟, لازم أخرج أشوف مين دا؟, مش يمكن يقدر يساعدنا؟, عموما ما تخافيش احنا قريبين اوي من البلد يعني يمكن واحد من اهل البلد أو من نواحيها, يعني هيطلع عارفني!, اقفلي انتي الباب ورايا كويس, وخلي بالك في مسدس في التابلوه لو احتجتي تستخدميه, صوّبي على الرِّجلين بس.. ماشي؟
زاد هلعها بعد كلامه وترجته ألا يخرج ولكنه خلّص ذراعه من قبضتها وخرج ففعلت كما أمرها مغلقة الأبواب, غاب دقائق كانت فيها تحاول مراقبة ما يجري بالخارج, وقد أخرجت سلاحه من صندوق السيارة الأمامي تحسّبا للظروف ممسكة به بين يديها ولكنها لم تجذب صمام الأمان, وما هي الا دقائق معدودة حتى فتح شهاب الباب المجاور لها فشهقت لترفع السلاح مصوبة إياه في وجهه فهتف حانقا وهي يجذبه من يدها المتشبثة به:
– انتي بتعملي ايه؟, مش تشوفي الأول مين اللي قودامك؟!
أفلتت السلاح ليتناوله شهاب واضعا اياه أسفل ملابسه, ثم قال:
– أمان ما تخافيش, بيته مش بعيد, هنقضي معاه الليلة ومن الفجر هيتصرف ويقطر لنا العربية..
سلمى برفض قاطع:
– لا طبعا أنا مش موافقة!, افرض طلع نصاب ولا قاطع طريق, ايش عرفك انه بيتكلم بجد؟!
شهاب بصبر:
– علشان سألته عن كم حاجة وطلع عارف البلد واهلها كلهم وكمان كم سؤال كدا تانيين خلوني اتأكدت انه مش كداب, ياللا اتفضلي بقه بدل ما المرة اللي جاية يطلع قاطع طريق بجد!..
ترجلت سلمى من السيارة فأحكم شهاب إغلاق الأبواب بينما تقدمهم الرجل مضيئا بمصباحه اليدوي لهم الطريق, وصلوا الى بيت من الطين, نادى الرجل عاليا لإفساح الطريق, قال الرجل وهو يشيح بنظره بعيدا عن سلمى التي علمت ما ان نظرت اليه أنه رجل في العقد الخامس من العمر:
– اتفضل يا شهاب بيه, وحرمتك تتفضل داخل مع حريمنا!
لم يسنح لسلمى الفرصة للاستفسار عن قصد الرجل فتوجهت حيث أشار لها, دخلت الغرفة لترى ستة أزواج من الأعين تتطلع إليها, شاهدت إمرأة تبدو في أواسط العقد الرابع علمت أنها الزوجة, ثم خمسة أبناء ثلاث بنات يقاربن بعضهن في العمر الفرق بين كل ابنة وأخرى لا يتعدى العامين, وولدين أحدهما يبلغ الـ 11 عاما والآخر السنتين, علمت بعدما رحبت بها الزوجة وتمت عملية التعارف ان البنات صفا وهنا وسما تبلغ الكبيرة 19عاما والوسطى 18 والأخيرة 16 عاما, وان الكبرى متزوجة ولكن زوجها يعمل في البلدة ويأتي نهاية كل اسبوع بينما هنا فهي معقود قرانها على ابن عمها وتنتظر انتهائه من أداء الخدمة العسكرية قبل أن تزف اليه بينما سما فقد تمت خطبتها قريبا لابن عمها الآخر وزفافها مع شقيقتها هنا..
استمتعت سلمى بالجلوس معهن وان كانت شعرت في البداية بالترقب والقلق اللذان ما لبثا أن تلاشيا ما ان انخرطن في الحديث, سألت صفا بينما كانت أم علي الزوجة تقوم بتحضير الطعام:
– وانتي بجه اتزوجت ميتى؟, شكلك اصغيّر؟, انت متعلمة؟, مش من بلادنا صوح؟ شكلك ولبسك بيجول اكده؟
ضحكت هنا وقالت:
– بشويش عليها يا صفا مالك جولتي سؤالاتك كلاتها مرة واحده اكده كيف المدفع الرشاش؟
لم تعلم سلمى بما تجيب, ولا تعلم ما الذي أوحى اليهن أصلا بأنها وشهاب زوجين, قد يكون والدهم استنتج ذلك لوجودهما سوية؟, أنقذها من الجواب صوت الأم وهي تدعوها لتناول الطعام الذي انشغلن به وتركنها, نظرت الى محمود ذلك الطفل البالغ من العمر سنتين, ابتسم وركض سريعا ليجلس في حضنها, كانت الجلسة أرضية, نهرته والدته قائلة:
– محمود عيب اكده, تعالى عندي أني..
قالت سلمى والتي شعرت بالدفيء ما ان احتوت ذلك الصغير بين ذراعيها:
– لا يا أم علي سيبيه, بسم الله ما شاء الله ربنا يخليهولك, اومال فين علي صحيح؟
أجابت سما وهي تهم بوضع قطعة من الخبز المغمسة بالبيض المصنوع بالسمن الطبيعي في فمها:
– تلاجيه عند ابوي, علي ما بيبحش جعدتنا بيجول أني راجل أجعد مع الحريم كيف..
ضحك الجميع وكانت سلمى تتناول لقمة لتطعم محموداً الأخرى..
بعد أن أنهى الجميع تناول العشاء واحتساء الشاي, قالت أم علي لسلمى التي نسيت تماما شهاب وما حدث لهما في الساعات السابقة:
– معلهش جهزنالكم مُطرح اكده مش جد المجام, عشان تريّحوا جتتكم , شكلكم يا نضري من زمان وانتو جاعدين كيف ما ابو علي لاجاكم؟
أومأت سلمى بالايجاب وكان التعب قد أخذ منها كل مأخذ فلم تنتبه لعبارة أم علي كاملة فكل ما اهتمت له أنها أخيرا ستنام فوق فراش آمن:
– ايوة يا ام علي, احنا بقالنا اكتر من 3 ساعات تقريبا!
دخلت سلمى حيث أشارت أم علي بعد أن استخدمت الحمام, كانت تريد الاغتسال ولكنها لم تستطع فاكتفت بغسل يديها ووجهها ورقبتها, دخلت حيث الغرفة, لتجدها مفروشة بأثاث بسيط للغاية عبارة عن سرير خشبي مكتنز وبساط قديم ولكنه معتنى به جيدا فوق الأرض الطينية, ومرآة بطرف مكسور موضوعة فوق الحائط, وأريكة خشبية صغيرة أسفل نافذة صغيرة, أغلقت الباب خلفها لتشاهد عدة مسامير مثبتة خلف الباب لتعليق الثياب, خمّنت أن الغرفة للزوجين, وذلك من الجلباب الأسود الرجالي المعلق خلف الباب وبجانبه وشاحا نسائي ملون..
كانت أم علي قد وضعت لها ثوبا للنوم يظهر عليه القدم لكثرة الغسيل, فلونه الأصفر باهت بشدة, كان قصير الأكمام ويصل الى أعلى قدميها بقليل, علمت أنه لصفا فهي تقصر سلمى بعدة سنتيمترات, بينما مقدمته تعلوها ثلاثة من الأزرار لم تغلق منهما سوى اثنين بينما الثالث يكاد يطبق على حلقها فتركته مفتوحا!, بعد أن أبدلت ثيابها رقدت فوق الفراش ساحبة الغطاء البالي لتغطي قديمها وهي تغمض عينيها فالنوم يلح عليها لتستسلم له وهي ترسم على شفتيها ابتسامة هانئة فأخيرا ستنال قسطا من الراحة في هذا اليوم الطوييييل… ولكن مهلا! ما هذا الصوت الذي تسمعه؟, فتحت عيناها واسعا وهي ترى شهاب يقف على مدخل الغرفة يتحدث موجها كلامه الى الخارج وما لبث أن أغلق الباب ليلتفت فيفاجأ بها جالسة فوق الفراش تنظر اليه بغيظ ورغبة بالقتل واااضحة!!..
********************
لم تستطع سلافة أن يغمض لها جفن حتى أبصرت غيث وهو يعود راكبا جواده الأسود, كانت تقف في شرفتها تتطلع بين كل فينة وأخرى الى الطريق, وما ان شاهدته حتى ركضت خارجا تسابق الدرجات نزولا حتى وصلت الى المدخل في نفس اللحظة التي دخل بها, وقفت تنظر اليه بلهفة تدفعها الرغبة في الاطمئنان عليه والفضول لمعرفة ما حدث, قطب غيث جبينه واقترب منها متسائلا في قلق:
– باه!, ايه اللي مصحيكي لحد دلوكيت يا بت عمي؟, فيه حاجة؟
ابتسمت ابتسامة ناعمة كان لها أثر كبير على غيث الذي تسارعت دقات قلبه بينما لم تفطن هي لما ألمّ به, أجابت محاولة بث الهدوء اليه:
– لا يا غيث احنا الحمد لله بخير, أنا بس ما جاليش نوم كنت عاوزة أطمن وأعرف حصل ايه؟
ابتسم غيث بتعب ومال عليها ناظرا في عينيها اللتين هربت بهما بعيدا وهو يقول:
– عاوزة تطمني على ايه بالظبط يا بت عمي؟
أجابت بتلعثم طفيف:
– على.. على اللي حصل يا غيث, مش بتقول ان ليث ابن عمك مسك القاتل, يا ترى عملتو فيه ايه؟
أجاب غيث:
– خد اللي يستاهله وبزيادة كومان..
تساءلت سلافة ولم يطمئنها جواب غيث:
– يعني ايه يا غيث؟, انتو عملتو فيه ايه بالظبط؟
أجاب غيث وهو يواصل سيره الى الداخل:
– مش وجت حديت دلوك يا بت عمي, اطلعي دارك نامي دلوك والصباح رباح..
قطبت سلافة لتهتف بوجل بعد ذلك:
– داري!, ها… سلمى!
التفت غيث مقطبا وسأل بصوت خشن:
– مالها أختك؟
نظرت اليه سلافة برجاء وهلع وأجابت والخوف يقطر من أحرف كلماتها:
– سلمى وشهاب لسه ما وصلوش يا غيث, وانا من قلقي على موضوع القاتل دا نسيت خالص..
قطب غيث وهتف:
– كيف دِه؟
وسريعا أخرج هاتفه المحمول محاولا الاتصال بشقيقه ليجيبه النداء الآلي ان الهاتف خارج نطاق التغطية, وبالمثل فعلت سلافة, نظرت سلافة الى غيث وقالت بخوف:
– هنعمل ايه دلوقتي يا غيث؟
قاطع حديثهما صوت رؤوف وهو ينزل سريعا تتبعه ألفت, نظر رؤوف اليهما وقال مقطبا وهو ينقل نظراته بينهما:
– فيه ايه؟ ايه اللي موقفكم هنا الساعة دي؟
سعل غيث وقال وهو ينظر الى سلافة سريعا:
– ابدا سلافة جلجت على الدكتورة سلمى وكانت بتخبّرني أحاول أكلم شهاب..
رؤوف بلهفة:
– وكلمته يا غيث يا بني؟
هز غيث برأسه نفيا وقال:
– للأسف المحمول حجُّه مجفول يا اما فاصل شحن او المنطجة اللي هو فيها مافيهاش شبكة, ان شاء الله خير يا عمي ما تجلجش…
ثم نظر الى نقطة خلف عمه وتابع:
– ما تجلجيش يا مرت عمي خير ان شاء الله, تلاجيهم طلعوا متأخرين من مصر ولا حاجة..
أجابت ألفت بقلق قوي:
– لا يا غيث يا بني, سلمى كلمتني وهما خارجين, طلعوا على المغرب تقريبا, الساعه دلوقتي 3 الفجر, يعني المفروض كانوا هنا من 11 بالكتير اوي…
قال رؤوف بتقطيبة حادة:
– انما انت ايه اللي مبهدلك كدا يا غيث؟
تبادل غيث وسلافة النظر قبل أن يجيب غيث بجدية:
– خدنا بتار راضي يا عمي..
هتف رؤوف بينما شهقت ألفت واضعة يدها فوق فمها:
– ايه؟, قصدك لاقيتو القاتل؟
تحدث غيث بفخر:
– لاه, احنا مش بس لاجيناه, احنا لاجينا وخد جزاته على يدينا..
رؤوف بتساؤل بينما نظرت سلافة الى يديْ غيث:
– انتو مين؟
غيث بزفرة عميقة:
– انى وليث يا عمي..
ألفت بتردد:
– قصدك.. قتلتوه؟
أجاب غيث بابتسامة صغيرة:
– ما اسمهاشي جتلناه يا مرت عمي, اسمها خدنا بتارنا وهو خد جزاته, وزمانها الضباع نهشت جتته النتنة..
لتكون سلافة من يشهق عاليا هذه المرة وتهرع ركضا الى شقتهم بالاعلى لتدخل من فورها الى الحمام لتفرغ ما بمعدتها بينما يدي غيث الملطختين بالدماء لا تبرح مخيلتها, لم تكن تظن أن القتل هيّن لهذه الدرجة, هو مجرم وقاتل نعم ولكن هناك قانون وعقاب, ولكن من الواضح أن القانون الوحيد المطبق في هذا البلد هو قانون الخولي كما سبق وأخبرها ليث في وقت سابق!!
**************
– اتفضل شوف لك حتة تانية تنام فيها..
هتفت سلمى بعبارتها تلك بمنتهى الحنق, كانت تتحدث بصوت منخفض وهي تقف في منتصف الغرفة بينما يقف أمامها شهاب وقد بلغ منه التعب أقصى الدرجات, تحدث للمرة المائة يحاول افهامها:
– أروح فين؟, قلت لك الراجل افتكر اننا متجوزين, وانا مقدرتش أنكر لأنه ببساطة حاجة من اتنين يا احنا ناس اخلاقهم بايظة وساعتها ممكن يضربنا بالنار لانه دا شرف واحنا ناس فلتانة, يا اما هيسيبنا مكاننا وكنا هنبقى صيدة سهلة اوي للمطاريد وقطاع الطرق, وأديكي شوفتي اللي جرى لابن عمي راضي!
ضربت سلمى بقدمها في الأرض كالأطفال وأجابت بحنق:
– بردو ماليش دعوه!, انا تعبانه وعاوزة انام ولو اتطبقت السما على الارض لا يمكن أنام معاك في اودة واحدة, ايه رأيك بقه؟
أزاحها جانبا واتجه ناحية الفراش ليجلس ويقول وهو ينزع حذائه جانبا بينما يتأوه محركا أصابع قدميه لإراحتهم من ضغط الحذاء عليهم طوال اليوم:
– بكيفك, انا هنام, اخرجي انتي وقوليلهم اللي عاوزة تقوليه!
اتجهت اليه ووقفت أمامه واضعة يديها في منتصف خصرها وقالت بغضب:
– يا سلام!…
لم يجبها فنفخت بضيق ثم قالت بنزق ولم تجد بدا من الاستسلام ولو مؤقتا:
– خلاص, انما انت هتنام هناك على الكنبة اللي تحت الشباك دي, اتفضل, ووشك يبقى في الحيطة يكون تلتفت ناحيتي..
زفر بضيق ونهض وهو يرفع يديه عاليا ويهتف برجاء ناظرا الى الأعلى:
– الرحمة يااااااارب…
ثم رماها بنظرة غيظ قبل أن يذهب الى الأريكة فيضع احدى وسائدها العريضة كوسادة تحت رأسه, ثم يشرع في خلع قميصه, فقفزت فوق الفراش وهي تهتف بحدة واضعة يدها فوق عينيها:
– ايه ايه, انت بتعمل ايه؟
اتجه اليها بخطوات غير مسموعة, فأزاحت يديها جانبا لترى لما لم يرد على سؤالها لتفاجأ به واقفا أمامها عاري الصدر, شهقت باستنكار بينما مال فوقها يستند باحدى يديه على عارضة السرير الخشبية ويشوح بسبابة الأخرى في وجهها هاتفا بحدة:
– بقولك ايه, انا اللي فيا مكفيني!, خلي اليوم الطويل دا يعدي على خير, ماذا وإلا هتشوفي مني وشّ عمرك ما تخيلتيه أبدا!
ثم نفخ عاليا واتجه الى الاريكة ليرقد معطيا لها ظهره, بينما قدميه تتدليان خارج الأريكة الصغيرة التي بالكاد تتسع لجسمه العضلي الضخم!..
رمقته سلمى بنظرة قلق قبل أن تسحب الغطاء لتغطي جسدها كاملا حتى رأسها, وتوليه ظهرها وهي تدعو الله أن يأتيها النوم سريعا لتمر الساعات المتبقية في هذه الليلة بسرعة, ولكنها تقلبت عدة مرات قبل أن تغفو وقد استغربت كيف نام شهاب ما ان لمست رأسه الوسادة فهو لم يتقلب أو يغير من وضعه ما جعلها تتيقن من تعبه الشديد, وهي لا تعلم أن شهاب كان طوال الوقت يمنع نفسه وبصعوبة من الالتفات ناحيتها لمراقبتها فصورتها وهي تحتضن محمود الصغير تداعبه وتقبله لا تزال في مخيلته وكان قد لمحها وهو يتجه الى الحمام المقابل للغرفة التي كانت تجلس بها, وسؤال يتردد في ذهنه ترى كيف سيكون شكل أولادها؟, وهل سيرثون غابات الزيتون خاصتها؟
***************
بزغ الصبح وكان أبو علي وشهاب بعد أن فرغا من صلاة الفجر وبمساعدة بعض الرجال قد استطاعوا اخراج السيارة من الرمال التى علقت بها, فحصها أحد الرجال سريعا وكان يعمل في ورشة تصليح سيارات وأخبره أنها بحالة جيدة, صافح شهاب الجميع, وفي الداخل ودّعت سلمى أم علي وبناتها على وعد منها بحضور زفاف هنا وسما, صعدت الى السيارة بجوار شهاب الذي انطلق من فوره للوصول الى البلدة..
كانت سلمى تسترق اليه النظر دهشة من أمره, فهو لم يوجه اليها أي حديث سوى بعض الكلمات المقتضبة, هزت كتفيها بلامبالاة واعتقدت ان طبعه النزق قد عاد اليه, خاصة أنها كلما وجهت اليه الحديث كان جوابه حادا مبتورا, فقررت ألا تحادثه الى أن يصلا, وبعد ذلك ستقطع علاقتها نهائيا معه, ولن تكلمه الا في أضيق الحدود..
وصلا بعد قرابة الساعة, ما ان أوقف شهاب السيارة حتى سارعت سلمى بالترجل واتجهت الى المنزل بخطوات سريعة, دخلت لتجد عائلتها جميعها مجتمعة, اتجهت الى والدتها التي احتوتها بين ذراعيها هاتفة بقلق أمومي:
– سلمى حبيبتي كنتو فين كل دا؟
لحق بها شهاب الذي صافح جده ووالده وعمه, بينما ربت غيث على كتفه هامسا:
– كنت فين يا ولد أبويْ؟, احنا منمناشي واصل من ليلة انبارح!
همس شهاب وعيناه على سلمى:
– ومن سمعك يا أخويا, ولا أنا عيني غمضت!
رؤوف وهو يحتضن ابنته:
– حمد لله على سلامتك يا بنتي, ايه اللي حصل, تليفوناتكم مقفولة ليه؟
صافحت سلمى جديْها وجلس الجميع قبل أن تجيب سلمى:
– معلهش يا بابا المكان اللي كنا فيه ما كانش فيه شبكة, واتفاجئنا انهرده ان الموبايلات فاصلة شحن..
سمع الجميع صوتا ساخرا يأتي من أمام غرفة الجلوس يقول بينما تتجه صاحبته اليهم داخل الغرفة:
– وليه ان شاء الله؟, كنتي فين يا دكتورة؟, تلاجيها بيتت في مصر وشهاب ما راضيشي ياجي من غيرها صوح يا ولدي؟
حدقت سلمى دهشة من ظن زوجة عمها الظالم في حين أجاب شهاب بجدية:
– لا يا أمي, أنا وسلمى ما نمناش في مصر!
شهقات بين دهشة واستهجان تعالت في حين رمقت سلافة شقيقتها بتساؤل وحيرة, قالت سلمى بحيرة وهي لا تعلم لما هذا الاستنكار الذي يعلو الوجوه حولها محاولة رسم ابتسامة خفيفة:
– جرى ايه يا جماعة فيه ايه؟, العربية عطلت في اول البلد والحمد لله ربنا رزقنا براجل ابن حلال ضيفنا عنده في بيته والصبح صلحها وجينا..
ثم حانت منها التفاتة الى شهاب وتابعت بابتسامتها الشاحبة بينما نغز في صدرها ينبئها بأن هناك أمر غير سار على وشك الحدوث:
– ما تقولهم يا شهاب!
ليتحدث الجد قاطعا السبيل امام أي أحد للتحدث موجها كلامه الى سلمى وشهاب:
– انتو جصدكم تجولوا انكم بايَّتُّوا حدا راجل غريب؟
علم شهاب ما يعنيه الجد فسارع بالايضاح في لهفة:
– يا جدي الراجل كتر خيره شافنا وعرض اننا ننزل عنده لغاية الصبح, انت عارف الليل مخاطره كتيرة, فوافقت!
الجد بحزم:
– الراجل دِه نعرفوا؟
شهاب وهو يومأ بالإيجاب غير قادر للنظر في وجه الجد أو سلمى فهو لم يصارحها بحقيقة الرجل:
– بيشتغل غفير عند.. عند عيلة أبو سويلم, وسبق له وشافني كم مرة قبل كدا وانا مع عزت!
شهقت الجدة استهجانا ونفخ عثمان بضيق في حين تبادل رؤوف وألفت نظرات التساؤل والجهل بينما زفر غيث بحنق, ونظرت سلافة بقلق الى سلمى التي قطبت في حيرة وكادت تهتف بالجميع حانقة عمّا يجري وما هذه الألغاز كلها؟….
الجد بصرامة:
– وجولت ايه للراجل عنيِّك انت وبت عمك؟
شهاب وهو يسترق النظر الى جده :
– انا ما قولتش يا جدي, هو اللي استنتج لوحده!
انتظر الجد لسماع تتمة جواب شهاب الذي تابع زافرا بضيق:
– فهم انها مراتي وعلشان كدا ضايفنا, ما كنتش أقدر أقوله يا جدي غير كدا, انت أكتر واحد عارف أهل البلد ممكن يفكروا ازاي لو عرفوا اني راجع مع بنت عمي لوحدنا وفي وقت زي دا ومن سفر كمان!!
قال الجد بصرامة:
– طالما الراجل دِه عرفك يبجى كلها ساعتين وهتلاجي الخبر ملا البلد والكل هيعرف ان شهاب ولدنا وعروسته كانوا في ضيافة ابو علي غفير عيلة ابو سويلم..
لم يرق لسلمى الحديث الدائر وخاصة عندما رأت والدها وقد اعترى وجهه الشحوب لينظر الى الأسفل, فالتفتت اليه لتربت على يده وتقول بشبه ابتسامة:
– بابا فيه ايه؟, انا مش فاهمه؟, مين ابو سويلم دول وايه المشكلة في اللي حصل؟, دا ما كانش ذنبنا؟!
ربت والدها على يدها ونظر الى عينيها اللتان تطالعانه بقلق واضح وقال وهو يتمنى أن تمر هذه المشكلة على خير:
– الناس هنا للأسف مالهاش الا الظاهر يا بنتي!
لتهب راوية واقفة وهي تهتف ناسية وجود زوجها وعمها:
– على جثتي!, يستحيل أوافج انك تكوني مرت ولدي!
هتف عثمان عاليا وهو ينهض من فوره واقفا:
– أم غيييييييييييث!, اجفلي خاشمك واصل!, ولا كلمة بعد اكده, ما بجاش غير الحريم اللي هيجولوا اللي يوحصل واللي ما يوحصلش, ياللا روحي دارك ويكون تخرجي برّاه من غير أمري!
لتنصرف راوية بخطوات سريعة غاضبة ولكن ليس قبل أن ترمي بنظرة نارية الى سلمى ووالدتها, قالت سلمى بقلق حقيقي:
– فيه ايه يا جماعة انا بجد مش فاهمه؟
الجدة بصوت حنون:
– فيها اننا هنفرحوا بيكي جريّب يا دكتورة!
هتفت سلمى بذعر وهي تنظر الى والدها تريده ان يكذِّب حدسها:
– هتفرحوا بيا؟, ازاي مش فاهمه؟!
قال الجد وهو يشير الى شهاب الذي يجلس مسلطا نظراته على سلمى, بعينين غير مقروءتيْن, وتعبير غامض يرتسم على وجهه:
– واضحة كيف عين السمس يا دكتورة, وعريسك أهاه.. شهاب ولد عمك!
شهقت في ذهول وقفزت واقفة وهتفت غير مصدقة وهى تهز رأسها يمينا ويسارا:
– لا مش ممكن!, انا يستحيل أوافق!
هتف رؤوف وهو يقف فهو يعلم أنه من المرفوض تماما أن تقف ابنته تصيح برفضها خاصة في وجود جدها وعمها الكبير:
– سلمى, اطلعي على أودتك دلوقتي..
التفتت اليه وقالت بعينان متسعتان من شدة الصدمة:
– لا يا بابا, عشان خاطري قول انك مش موافق على الكلام دا!, ناس ايه وجواز ايه؟, انا مش ممكن أوافق!
هتف رؤوف بصرامة بينما نهضت ألفت لتحيط ابنتها بذراعها:
– سلمى هي كلمة واحدة.. أنا قلت فوق يعني فوق, اتفضلي..
نقلت نظراتها بين الموجودين بحنق لتستقر على شهاب بكره وحقد فيما وقف يبادلها النظرات بأخرى متحدية يشوبها الغموض, هتفت سلمى قبل أن تنصرف يرافقها والدتها وسلافة:
– مهما حصل يا بابا, أنا بقول لحضرتك اني مش موافقة على الجوازة دي, ومش ممكن أوافق!
لترمق شهاب بنظرة غضب ناري أخيرة قبل أن تنصرف, بينما جلس رؤوف ثانية يتبعه شهاب, نظر رؤوف الى شهاب بغموض قبل أن يلتفت الى الجد قائلا بجدية:
– أنا تحت أمرك يا حاج, اللي تقول عليه هنفّذه!!
– يتبع –
error: