“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد

كبير العيلة الحلقة الرابعة:
بقلمي/ احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
تقدم رؤوف حيث تركت سُلافة غيث واقفا وهو يمد يده مصافحا ويقول ببشاشة:
– أهلا .. أهلا… إيه المفاجأة دي؟؟
بادله غيث المصافحة ومال عليه مقبلا رأسه الأشيب وهو يقول بإحترام تام وابتسامة صغيرة ترتسم على وجهه الأسمر:
– الله يخليك يا عمي, أهلا بحضْرِتَكْ, نورت الكفر والصعيد كلّاته….
أشار رؤوف الى مقعدين كبيرين خلفه داعيا إياه للجلوس, فجلس تبعه غيث بينما أجاب رؤوف:
– منورة بيكم انتم يا إبن أخويا….
ابتسم غيث وعيناه تسترقان النظر رغما عنه حيث اختفت تلك الغزال الشارد ومنع نفسه بصعوبة عن سؤال عمه عمن تكون من بناته الأثنتين؟, فعلى حسب معلوماته من جده أنه يملك ابنتيْ عم من عمه رؤوف..
قطع استرساله وقوف ألفت أمامه وهى تقول بترحيب حاملة صينية عليها كؤوس العصير البارد:
– فرصة سعيدة أوي يا غيث يا بني…
انتفض غيث واقفا ومد يده متناولا الصينية من يدها وهو يجيب بينما يضع الصينية على الطاولة الرخامية التى تتوسط الجلسة:
– أني أسعد يا مَرَتْ عمِّي…
بعد أن استقروا في أماكنهم التفت رؤوف الى ألفت سائلا:
– أومال سلافة فين؟, ماجابتش هي العصير ليه؟؟
تصنع غيث عدم الاهتمام بسماع اجابة السؤال وفي داخله يحترق لسماع الاجابة متزامنا مع انتفاضة صغيرة لخافقه لدى سماعه اسمها الذي أعجب به لغرابته!!..
قالت ألفت بابتسامة:
– أبدا, انت عارفها على ما تجهز نفسها فيها ساعة, قلت أنا أسرع…
لم يمر وقت قليل تبادل فيه غيث الحديث مع عمه ليفاجأ بظهور من نوع آخر لتلك الغزال الشارد وهو يقبل عليهم بخطوات خفيفة وكأنها تطير فوق الأرض لا تسير!, ليرفع عينيه إليها فيرى وجها ملائكيا بملامح طفلة وفتنة إمرأة!!..
تقدمت إليه تبتسم إبتسامة صغيرة وهي تهز برأسها بالتحية قائلة بصوتها ذو النغمة المميزة:
– أهلا يا إبن عمي…
ليقف ناظرا اليها هنيهة قبل ان تعتلي عيناه الغموض وهو يوميء برأسه قليلا مجيبا وقد ارتفعت طرفي شفتيه المغطاة بشارب كثيف قائلا:
– أهلا إنبك يا بت عمي…
جلست سلافة بجوار والدتها تبعها غيث, كانت سلافة تسترق النظر اليه بينما انخرط في الحديث مع والدها, جابت عيناها في هيئته التي أثارت الذعر في قلبها منذ قليل ما إن طالعها أمام الباب بهيئته الضخمة وجلبابه الرمادي وتلك العمامة الملفوفة حول رأسه بإتقان تام ذكرها بعتريس في فيلم شيء من الخوف!
نظرت الى وجهه حيث حاجباه الكثّان المعقودان بتركيز لحديث عمه, وأنفه الطويل المعقوف بدايته بشكل يدل على أنه أثر حادث قديم قد يعود الى طفولته, بينما يبتسم فمه المغطى بشارب أسود كثيف ابتسامة صغيرة لوالدها, ولفت نظرها ذلك النغز العميق في وسط ذقنه العريض بينما ترتكز هذه الرأس على عنق طويل يظهر به تفاحة آدم بوضوح, ولتكمل هذه الصورة بنيته الضخمة بكتفيه العريضتان وكأنه لاعب في كمال الأجسام, ولن تنسى مطلقا نظرة عيناه الرمادية ما إن وقع نظره عليها ولا هتافه بذهول غير مصدق لما تراه عيناه!!..
لم يكن حال غيث بأفضل من حال سلافة, ولكنه برع كالعادة في كتم مشاعره وانفعالاته والتعامل ببرود وكأن شيئا لم يكن بينما هناك فتيل بدأ بالإشتعال منذ أن أبصر تلك الشعلة المتوهجة أمام عينيه منذ برهة ليست بالقصيرة!!..
لن يستطع أن ينكر استحسانه لما يراها عليه الآن فقد أبدلت ثيابها بأخرى محتشمة بدءا من تنورة طويلة حتى الكاحل باللون البني يعلوها قميص قطني يصل أكمامه حتى المرفق باللون الكريمي, ولكن ما جعله يعود ليقطب جبينه غير راض ملاحظته لإحكام هذا القميص تماما على نصفها العلوي مما أوضح دقة خصرها!!..
تمتم في نفسه مستنكرا:
– انتي متعرفيشي تلبسي صوح للآخر ابدا؟, شكلك متجلعة جوي!!..
انتبه من شروده على صوت عمه وهو يهتف قائلا:
– سلمى… كنت فين؟, تعالي سلِّمي على غيث ابن عمك…
رفع عيناه لتطالعه فتاة قريبة الشبه بتلك التي تجلس بجوار والدتها وكأنها قطة فوق صفيح ساخن!, يعتقد من يراهما للوهلة الأولى أنهما توأمين, ولكنه لاحظ بعد أن تمعن فيها أن تلك القادمة أطول قامة من شقيقتها, ومن الواضح أنها تتسم بالاتزان أكثر وإن لم يخفى عليه نظراتها الزائغة وإرتباكها الواضح!!
بعد أن تمتمت سلمى بعبارات الترحيب بغيث استأذنت بالانصراف فلحقت بها سلافة معتذرة بابتسامة صغيرة تاركة غيث ينظر في أعقابهما وقد انعقد جبينه في تقطيبة عميقة!!
– إيه يا بنتي كنتي فين كل دا؟؟
زفرت سلمى بعمق وهي ترتمي جالسة فوق الفراش خلفها وتقول بتعب:
– اسكتي يا سولي, خليني أشم نفسي الأول, أنا مش مصدقة اني وصلت هنا!!…
جلست سلافة فوق الفراش المقابل لها وقطبت بحيرة متسائلة:
– مش مصدقة انك وصلتي هنا؟, ليه يعني هو انتي كنت خرجت في مشوار وتهتي عن السكة؟؟
نظرت اليها سلمى وقالت بتنهيدة عميقة:
– لا… بس من اللي حصل تحت!!..
عقدت سلافة ساعديها ومالت بإتجاهها وقد ارتسمت ابتسامة حماسية على شفتيها الكرزتين وهو تهتف بحماس:
– أيوة وإيه بقه اللي حصل تحت؟
سلمى ببرود:
– خبطت في حيطة!!
عقدت سلافة جبينها ورجعت بجسدها الى الوراء قليلا ورددت:
– نعم؟, خبطتي في حيطة!!
هزت سلمى رأسها بتأكيد قائلة:
– ومش أي حيطة…. حائط خرساني مسلّح ومن النوع التقيل كمان!!
رفعت سلافة ساقيها فوق الفراش وكتفتهما في تربيعة وهتفت بإندفاع:
– لالالا الموضوع عاوز له قاعدة, من الأول خالص وواحدة واحدة….
قصت سلمى على شقيقتها كيف اصطدمت بشهاب ابن عمهما والذي لم تعرف هويته إلا بعد أن ألقى على مسامعها عبارات غاضبة مما جعلها تكيل له بمكيالين, وقد شردت نظراتها وهي تستعيد المشهد ثانية…
************************************************
رفعت عيناها اليه لترد على عباراته النابية بأخرى أغلظ منها, عندما اصطدمت عيناهما, سكتا قليلا قبل أن تكون هي أول من يخرق هذا الصمت وهي تحاول الفكاك من قبضته لمرفقيها هاتفة بإرتباك:
– انت فاكر نفسك بتعمل ايه بالظبط؟؟؟
لينتبه شهاب على شروده في نظراتها التي سمرته, وحاول إستعادة تركيزه فهتف بحدة:
– بسندك يا هانم بدل ما كنت وقعت على وشّك!, هي دي شكرا اللي بتقوليها؟, المفروض مش يبقى فيه رخصة بس للعربيات.. لأ!. لازم كمان يعملوا رخصة للي زيّك… علشان يتعلموا يمشوا في الشارع ازاي!
نظرت اليه بنصف عين وقد شعرت بالحنق من كلماته ولكنها لن تدعه يفرح بإغاظتها وبدلا من ذلك تخصرت أمامه قائلة ببرود:
– والله أنا مش ماشية في الشارع.. أنا هنا في بيتي!!
قطب شهاب بحدة وهتف:
– ايه؟, بيتك!!
أومأت ايجابا مكررة :
– أيوة بيتي, دا يبقى بيت جدي… عبدالحميد الخولي..
ابتسم شهاب بسخرية وأجاب:
– والله؟, امممم… على كدا بقه انتي تبقي بنت عمي رؤوف؟!
قطبت سلمى حائرة وأجابت وقد أسدلت ذراعيها بجانبها مشيرة اليه بسبابتها:
– عمي رؤوف؟, هو انت تبقى..
قاطعها بانحناءة ساخرة منه مومئا برأسه تجاهها وقال:
– شهاب ابن عمك يا….
أجابت بتلقائية:
– سلمى…
لمعت عيناه بغموض وهو يكرر:
– سلمى.., فرصة سعيدة يا سلمى….
أومأت سلمى برأسها وقد نسيت صلافته وغروره التي أزمعت بالرد عليها واستدارت تبغي الانصراف عندما ناداها فالتفتت اليه تنظر اليه بتساؤل عندما قال بابتسامة ساخرة:
– ابقي خلي بالك بعد كدا وانتي ماشية, ربنا ستر وكنت على رجليكي, لو كنتي في العربية المرة الجاية مش هيبقى حيطة من لحم ودم.. لأ… هتبقى حيطة سد!!!
لوت تعابير وجهها استهجانا منه وأجابت ببرود حاولت التمسك به:
– لا ما تخافش, بيتهيألي أنه أي حيطة هتبقى أهون من الحديد مسلح اللي أنا اتخبط فيه دلوقتي!!..
لم تمهله الرد عليها واستدارت مغادرة تحمل في يدها حقيبة حاسوبها الشخصي بينما تشعر بشعاع ناري يلهب مؤخرة عنقها, تكاد تقسم أنه صادر من ذلك الفحم المشتعل الذي سبق وأن رأته في عينيه!!…
بعد أن أنهت سلمى روايتها قفزت سلافة وهي جالسة وتصفق بيديها وعلقت بمرح:
– بداية مشرقة بالتفاؤل… واحدة تخبط في حيطة سد والتانية يطلع لها إنسان الغاب طويل الناب!!..
قطبت سلمى بحيرة:
– نعم؟, ايه حكاية إنسان الغاب دا كمان؟؟
تكتفت سلافة ومالت عليها هاتفة بحماس:
– هقولك…
وطفقت تروي لشقيقتها ما حدث منذ أن فتحت الباب لغيث معتقدة أن الطارق سلمى حتى وقت دخول سلمى عليهم, بينما شردت سلمى بعقلها أثناء إنشغال سلافة برواية ما حدث متذكرة وجه شهاب, هو ليس بالوسيم الذي يأخذ بالألباب ولكنه يملك جاذبية رجولية خشنة, استرجعت وجهها في ذاكرتها بدءا من شعره الاسود القصير المجعد بدرجة بسيطة ثم عيناه الواسعتان بفحمهما المشتعل والذي يشرف عليهما حاجبين كثين, , مرورا بأنفه الطويل ثم شفتاه الغليظتان, يظلل وجهه لحية خفيفة نامية, بينما يرتفع هذا الرأس فوق جسد رياضي طويل يقرب المترين, حتى أنها أضطرت لرفع رأسها وهى تحادثه, مع أن طولها يتعدى المائة وسبعين سنتيمترا, همست في نفسها وهي تستمع لهذر أختها أن هناك أمرا وحيدا لم تخبر به شقيقتها وذلك لأنها هي نفسها لم تفهمه بعد وهو… تلك الرجفة التي أصابت خافقها ما إن أبصرت عيناه وكأنه بنظراته القوية قد أسر عيناها!!
*********************************************
حضر أفراد عائلة الخولي للسلام على الغائب الذي عاد بعد سنين طويلة, كان اللقاء المرتقب بين رؤوف وعدنان, والذي ما إن أبصر رؤوف واقفا مستعدا للسلام عليه وهو يبتسم إبتسامة صافية حتى وقف يطالعه بنظرات غامضة لمدة ثوان لم يقدم فيها لمصافحته مما جعل الباقيين يحبسون أنفاسهم ترقبا, وجعل عثمان يقبض يديه بقوة بينما تبادل النظر مع أبيه الذي جلس بكل هدوء يناقض ما يعتمل بداخله من قلق وهو يدعو الله أن ينهي هذه الخصومة كي يعود ولده ليعيش بينهم بكل راحة, بينما تبادل غيث وشهاب النظرات, الأول ببروده المعهود الذي يخفي انفعالاته, والثاني بعصبيته وحدته المشهور بها, وقد أقسم في نفسه إن صدر من عمه عدنان ما يسيء لجده أو أبوه وعمه فهو من سيتصدى له, ولكن… أشرقت أسارير عدنان لتنهي هذا الموقف الشائك وهو يفتح ذراعيه قائلا:
– بجه تغيب عُمر بحاله وتاجي ونسلم بس؟!, بالحضن يا وِلد عمي!!..
وسارع لاحتضان رؤوف فتنفس عثمان الصعداء بينما أغمض الجد عينيه براحة قبل أن يعود للنظر اليهما من جديد…
————————–————————–—-
– ديه تبجى زينب أختي, الست ألفت يا زينب مرت ولد عمنا..
ابتسمت ألفت ابتسامة صغيرة ومدت يدها مصافحة تلك السيدة التي تقف أمامها بجانب راوية زوجة عثمان والتي تقوم بالتعريف بينهما, كانت زينب ترتدي عباءة واسعة من الكتان سوداء اللون, بينما تزين معصميها عدة أساور ذهبية تصدر صليلا كلما حركت يديها, وتغطي شعرها بوشاح أسود مزركش بتطريز يدوي من الأطراف, يحمل وجهها مسحة جمال تدل على أنها كانت تحمل قدرا من الجمال في شبابها, ومن العجيب في الأمر أنها شعرت بالآرتياح اليها منذ الوهلة الأولى عكس راوية التي تشعر بالقلق من ناحيتها!!..
بعد أن سلمت عليها قالت زينب بهدوء:
– البلد نورت يا أم سلمى, مش سلمى برضك؟؟
هزت ألفت برأسها وأجابت بعد أن جلسا بجوار بعضهما على تلك الأريكة الخشبية المشغولة بشكل الأرابيسك:
– أيوة, سلمى الكبيرة وسلافة الصغيرة…
همت زينب بالكلام عندما قاطعتها راوية قائلة بفخر تشير الى شقيقتها وكأنها تقول لألفت أن أختها قد نجحت فيما فشلت هي فيه, وكأن هذا الشيء بيد المخلوق:
– زينب أختي ما شاء الله عندها بدال الواحد أربعة, عندها صابر وإمحمد وعرفان وهند….
ابتسمت ألفت ولم يفُتها ما أرادت راوية الأشارة اليه من حديثها عن أولاد أختها بينما هي لم يرزقها الله سوى ببنتين… وهي راضية بما قسم الله لها, فكله رزق من عند الله..
قالت ألفت بابتسامة:
– ربنا يخليهوملها ويفرحها بيهم, أومال هند فين؟, يا ريتها تيجي تتعرف بسلمى وسلافة..
ألقت زينب بنظرة لوم الى أختها وأجابت بابتسامة هادئة:
– أكيد هتاجي ان شاء الله, بس عندها امتحانات ومش راضية تضيّع وجت….
أشرقت اسارير ألفت وهتفت:
– بجد؟, ماشاء الله… هي بتكمل إيه؟؟
قالت زينب:
– هي ثانوية عامة ونفسها تجيب مجموع كبير وتدخل الجامعة, هتفت ألفت بحماس:
– برافو عليها, خليها تتشطر وتذاكر كويس وهي ان شاء الله تدخل الكلية اللي نفسها فيها, ولو عاوزة أي مساعدة من سلمى أو سلافة ما تتردديش..
قطعت راوية اندماجهما في الحديث ناظرة الى ألفت بنزق وقالت بحنق شديد:
– مالك يا أم سلمى… زي ما تكوني مش إمصدجة ان حدانا بنات في العلام؟..
فوجئت ألفت بالهجوم الذي شنته راوية وارتبكت قائلة بحيرة:
– ليه بتقولي كدا يا أم غيث؟, أنا عارفة طبعا أنه مافيش بنت دلوقتي مش بتتعلم, أنا فرحانه أنه البنت بتذاكر بهمة وعارفة مصلحتها ما شاء الله, رد فعلي دا طبيعي, أنا بحب البنات المجتهدة اللي عارفة مصلحتها كويّس…
قلبت راوية وجهها غير راضية عما قالته ألفت التي نظرت الى زينب بحيرة, أنقذتها تلك الأخيرة عندما هتفت براوية:
– باه, انتي هتاخدينا في الكلام ولا إيه؟, وينه الحلى بتاعك اللي جولتيلي انك عاملاه مخصوص عشاني؟
انبسطت أسراير راوية ونهضت وهي تقول:
– دجايج ويكون عنديكي, سلسبيل جوة في المطبخ بتزيّنه وهتجيبه وتاجي حالا, وما تنسيشيْ تبجي تاخدي منيه لهند أني خابرة انها بتحبه جوي, مرات ولدي بجه ولازمن أعرف بتحب إيه وبتكره ايه!!
وانصرفت متجاهلة ألفت التي نظرت الى زينب وقد تعمق إحساسها بالراحة اليها, بينما حاولت زينب التحدث معها في مواضيع أخرى بعيدا عن راوية…
————————–————————–—–
– بس تعرفي يا سلسبيل انتي صغيرة أوي انك تكوني زوجة وأم لولدين؟
هتفت سلافة بتلك العبارة لسلسبيل والتي شعرا معها بالراحة وكأنهما يعرفاها منذ زمن, قالت سلسبيل وعيناها السوداء تلمع بينما ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتاها المكتنزة لتظهر غمازة خدها الأيمن بارزة بوضوح:
– أني عندي 23 سنة, وحدانا إهنه في الصعيد بنتزوج أصغيرين, دا غير إني ما كانشي لايد عليا العلام, من الآخر ما كونتش رايداه, يدوب خلصت الابتدائية وجعدت ريح أمي في الدار, لغاية ما راضي خلص جيش واتزوجنا…
ولمعت عيناها بحب عميق ما إن همست بإسم زوجها, وسرعان ما انتبهت سلافة لشرودها ذاك فغمزت قائلة بشقاوتها المحببة:
– احم احم, ايه يا سوسو… اللي يسمعك يفتكركم لسه مخطوبين ولا بتحبوا في بعض.. مش متجوزين بقالكم ييجي 6 سنين وعندكمن ولدين كمان؟!…
قاطعتها سلمى قائلة:
– صحيح يا سلسبيل ولادك اسمهم ايه؟
أجابت سلسبيل بحب:
– عدنان على إسم عمي و..شبل!!
قطبت سلافة مكررة بإستهجان:
– شبل؟, ليه يا بنتي الذعر دا؟, طفل صغير في القرن الـ 21 تسموه شبل؟
زفرت سلسبيل بعمق مجيبة:
– مش احنا اللي سميناه, ديه رغبة عمه الكبير, جال شبل يُبجى شبل!!
تساءلت سلمى عاقدة حاجبيها:
– وليه إن شاء الله؟, وعمه ماله ومال اسم ابنكم؟
أجابت سلسبيل بدهشة:
– واه, كيف ماله؟, ديه عمه الكبير, ولولا اننا سمينا إسم النبي حارسه عدنان على إسم عمي كان هيسميه شبل!!
تأففت سلافة وعلقت:
– أيوة ليه بردو؟, ما يسمي ولاده هو!!…
أجابت سلسيبل بنظرات امتزج بها الخوف:
– معندهوش عيال, وسايجه عليكم النبي جفلوا السيرة ديْ, أني جتتي بتتلبش لما بسمع إسمه, هو جال عاوزه شبل… يبجى شبل, طالما عمه ليث يبجى لازمن هو يبجى شبل!!
شهقت سلمى وسلافة سوية دهشة وبادرت سلافة بالقول بحنق:
– ايه غابة الأسود اللي الواحد وقع فيها دي؟, هو ليث وابنك شبل واللي أنا شوفته ملك الغابة!!
قطبت سلسبيل جبينها وتساءلت:
– إيه؟, كيف ملك الغابة يعني؟..
تأففت سلافة بينما أجابت سلمى بتلعثم طفيف:
– ما تاخديش في بالك يا سلسبيل, بس تعالي هنا قوليلي بقه بتترعبي من عم ولادك ووافقتي ازاي تتجوزي أخوه؟
غامت عينا سلسبيل بنظرة ضبابية واجابت بابتسامة شاردة بينما تتلاعب في وشاحها الملون وقد أفلتت خصلة بنية اللون حريرية لتلتف حول وجنتها الحليبية الذهبية اللون:
– راضي.. راضي مجري فاتحتي عليه من واني لسه في اللفة, كبرت وأنى عارفة انه ديه جسمتي ونصيبي, بس اوعاكو تفتكروا اني اتزوجته غصبانية, لاه!, راضي ما في حد يعرفه إلّا لازمن يحبه, كفاية حنيته وطيبته, كفاية خوفه عليا وعلى عيالنا, دايما بيجف جنبي وما يرضاشي لأي حد يجولي أجلَّها كلمة تزعلني, حتى خوه الكبير ليث, لمن يلاجيه متعصب من حاجة يصده عني, ولما مرت أخوه اللي راحت كانت تعمل خناجات إمعايْ كان يجف لها لأنه عارف إني مش بحب الخناج وكتر الحديت!!
سلافة بفضول طفولي فاتحة عيناها بشدة:
– هو أخو جوزك كان متجوز ؟
أومأت سلسبيل بالايجاب وتلفتت حولها قبل أن تميل اليهما هامسة وكأنها تسر اليهما بسر خطير وتخشى أن يسمعها أحدهم:
– كلام في سركم اتزوج تلات مرات, ما في واحدة عمّرت إمعاه, أكترها واحدة جعدت إمعاه ست شهور وطلجها زي اللي جبلها!
استهجنت سلمى وقالت:
– يا ساتر… تلات مرات واكتر واحده ست شهور!!, وليه كدا؟؟
أجابت سلافة بمنتهى الثقة:
– أكيد يا بنتي, واللي مشيت معاه ست شهور دي لازم تتكتب في موسوعة جينيس للأرقام القياسية, بتقولك ليث… ليثٌ… أسد .. غضنفر!!, حد عاقل يقف قودام الأسد؟!!..
لم تستطع سلسبيل كتم ضحكتها التي انطلقت تصدح عاليا ولكنها سرعان ما كتمتها براحتها وهي تقول من بين ضحكاتها المكتومة:
– الله يسامحك يا بت عمي, كنت هاخد لي كلمتين في عضامي من مرات عمي دلوك!!
قالت سلمى:
– ومرات عمك طيبة معاكي يا سلسبيل؟
أجابت سلسبيل بابتسامة:
– الشهادة لله هي طيبة كيف أمي تومام!!
تمتمت سلافة ساخرة:
– لا اذا كان زي أمك يبقى فعلا طيبة!!
انتبهت سلسبيل على تمتمتها وقالت بتلقائية:
– بتجولي حاجة يا سولي؟
ابتهجت سلافة والتي أخبرتها منذ أن رأتها أن أسمها سولي وأن سلافة هذا للأوراق الرسمية فقط!, أجابت سلافة بابتسامة:
– لالا أبدا يا سوسو, دا أنا بكُح !!
انقضت باق الامسية وسط الاحاديث الخفيفة والتي كانت مرحة بين الفتيات الثلاث بينما لم تخلو من بعض الكلمات التي تلقيها راوية على مسامع ألفت وتكون محملة بمعاني تخالف ظاهرها..
انصرف الضيوف وذهب كل الى غرفته لنيل قسط من النوم والراحة فقد كان يوما طويلا مرهقا للجميع, أوقفت فاطمة راوية قبل ذهابها الى غرفتها ونظرت اليها جيدا وهي تقول بخفوت:
– راوية أنا مش عاوزة الحديت الناجص والكلام اللي كنت عم بتحدفيه على مرات الغالي كانك بتحدفي طوب يتكرر منِّيكي تاني, أني المرة ديْ هعديها بمزاجي لكن نوبة تانية مش هسكت, وابجي شوفي هتجولي ايه لزوجك لمن يعرف بجلة عجلك!!.
ناظرة اليها بقوة جعلت راوية تشعر بالهلع فزوجها لا يوجد لديه أدنى تفاهم في مثل هذه الأمور, فهو كحماها عبد الحميد تماما, ذو بأس كبير وشخصية قوية ترجف لها الأبدان لدى ذكر اسمها, أومأت برأسها وقالت وهي تنظر الى أسفل:
– حجك عليّا يا مرات عمي, أنا مجصديشي اللي فاهمتيه..
سخرت فاطمة متابعة بصوت خفيض وهما تقفان أسفل السلم الموصل الى أعلى:
– لاه, أنا فاهمتك زين يا مرت الكبير, أنتي لساتك جواتك نار جايدة عليها عشان ولدي اختارها هيّ عن أختك, بس زينب اختك طلعت أوعى منيكي, شوفيها كيفها رحبت بيها انهارده كنْها ضيفه عنديها هيَّا مش انتي!, فوجي لنفسك يا راوية واطردي شيطانك الشاطر ديه جبل ما يوعى لك زوجك ولا الحاج أو أزهج أني من عمايلك وأجولهم يرجعوكي عن اللي بتعمليه…
شهقت راوية عاليا وقالت بهلع:
– لاه يا عمة الحاجة, أحب على يدك, انتي خابرة عتمان زين, ما عيتفهمش, أني مش هجف لها في طريج واصل, وليها عندي حج الضيف وبس…
ربتت فاطمة على كتفها وقالت بابتسامة صغيرة:
– عليكي نور يا أم غيث..
ثم التفتت متابعة صعودها الى أعلى حيث غرف النوم عندما وقفت فجأة واستدارت متابعة وهى تنظر اليها بتركيز:
– آه صحيح يا أم غيث.. أم سلمى مش ضيفة.. ديه صاحبة مكان زييها زيّك تومام!!..
وانصرفت الى أعلى تاركة راوية وقد احمر وجهها غيظا وكمدا!!..
**********************************************
– مالك يا غيث مش جاي لك نوم ولا ايه؟؟
ألقى شهاب بسؤاله الى غيث الذي وجده يقف في الحديقة الواسعة المحيطة بالقصر تحت شجرة باسقة يعود تاريخها الى تاريخ بناء هذا القصر منذ أكثر من ثلاثة عقود, انتبه غيث الى شقيقه فألقى اليه بنظرة عابرة قبل أن يعيد عيناه الى الأعلى حيث يشاهد النجوم التى تلمع في السماء وكأنها ألماسات تلمع فوق غطاء أسود !, أجاب غيث بهدوء:
– ما جانيش نوم جولت أتمشى في الهوا شويّْ….
اقترب منه شهاب وأسند ذراعه على جذع الشجرة بجواره وقال بابتسامة صغيرة:
– وشيخ الشباب ايه اللي طيّر النوم من عينه؟
التفت اليه غيث وهربا من السؤال الذي لا يعلم هو نفسه اجابته قال بتفكّه:
– ما تجول لنفسك الاول؟, ايه اللي مسهّرك لغاية دلوك؟, لاه وايه.. ماروحتش سهرت مع ولد ابو سويلم كيف كل ليلة, ما يتهيأليش انك عامل على زعل بوك لو عرف, انت من ميته بتعمل إحساب لحد!!
زفر شهاب بعمق ونظر اليه بعتب وقال بهدوء غريب عليه:
– لازم نبرة اللوم في كلامك؟, انت عارف علاقتي بعزت عاملة ازاي, عزت أكتر من أخ, وعارف بردو اني مش بحب الحاج يزعل مني بس مش انا الي أتأمر زي الحريم أعرف وما تعرفش… صاحب وما تصاحبش!!, وتصدق أنا غلطان… لاقيتك سهران وأنا كمان مش جايلي نوم قلت نسهر سوا بقالنا كتير معملنهاش, وقبل ما تسأل أنا كمان معرفش سهران ليه؟
قال غيث وهو يربت على كتفه بابتسامة حانية:
– خلاص, جلبك أبيض, ما تزعلش, روح جول للواد راجح يعمل لنا كاستين شاي علشان السهرة إكده شكلها صباحيْ!
تمتم شهاب في نفسه وهو يتذكر غابات زيتونية ضاع فيها وشعر أنه فقد فيها شيئا لم ولن يستعيده أبدا! , قال بهمس:
– ومين سمعك يا ولد أبويْ!
نظر اليه غيث بعدم تصديق وهتف بضحك:
– ولد أبويْ؟!, لاه لاه, إكده المسألة وعرة جوي!, انت من ميته بتتكلم لغوتنا؟, من يوم ما صممت تروح الجامعة في مصر ورفضت تجدم في جامعة أسيوط ورجعت لنا وانت لغوتك عادت لغوة اهل البندر ونسيت لغوتنا واصل, مش بتفتكرها غير لمن يكون بالك مشغول, أو فيك حاجة!, شكلها سهرة صباحي صوح, روح روح خلي راجح يعملنا الشاي وجوله يحصّلك بيه وتعالى …
انطلق شهاب ليبحث عن راجح بينما نظر غيث في أثره وهو يطلق زفرة عميقة وخانته عيناه لتصعد الى أعلى وتمتم بحنق غاضبا من نفسه:
– إمطيّرة النوم من عينيك ليه؟, انت ما شوفتهاشي غير نوبة واحدة … كفاية جلعها ولبسها الماسخ!!..
زفر بحنق وتابع:
– هي هتُبجى ليلة واحدة؟, بس لازمن أجول لجدي يتصرف, مش ممكن تفضل إهنه وهي بلبسها وطريجتها ديْ, لازم طريجتها ديه كلاتها تتغير….
ولمعت عيناه ببريق عزم وتصميم…
************************************************
مرت ثلاثة أيام على مكوثهم وسط عائلة والدهم , عندما بدأت سلافة وسلمى تشعران بالتململ, الأولى لرغبتها بالخروج والتنزه مع صديقاتها كما اعتادت والثانية لرغبتها بالذهاب الى الجامعة لإطلاع أستاذها المشرف على رسالتها التعديل الذي أجرته على الجزئية التي طلبه منها, وكانت كلتاهما قد تحاشتا أولاد عمهما كلية, وقد سهلها عليهما كلا من غيث وشهاب واللذان تجنباهما بدورهما, فلم يحدث أن جلسا الى مائدة طعام واحدة فكان التوأمين يتناولان طعام الغذاء كلا في عمله, بينما الإفطار كان يتناولانه في الصباح الباكر قبل الذهاب الى العمل, ولكن بطبيعة الحال لم يعجب هذا الحال الجد والذي أزمع على مفاتحة حفيديه بشأن تجاهلهما لبنات عمهم, ولكنه كان يحاول وضع اجابة مقنعة للسؤال الذي ولا شك سيتساءلانه وهو: ولما يريد منهما الاهتمام بهما؟, عندما جاءه الحل بأيسر الطرق, وعلي يد حفيدتيْه نفسيهما عندما فاتحه رؤوف بأمرهما!!
– معلهش يا حاج, أنا عارف انهم مش متعودين على البلد هنا, فبستأذن حضرتك سلمى عاوزة تنزل مصر علشان الرسالة بتاعتها, أستاذها كان طالب حاجة فيها, وسلافة هتروح مع أختها وبعدين يبقوا يرجعوا تاني ان شاء الله…
الجد باستنكار:
– كيف دِهْ؟, انت جاصدك تجول ان البنات عيسافروا وحديَّتهم؟!
أومأ رؤوف بنعم وهو يهم بالكلام عندما قاطعه الجد بحزم:
– لاه, دا لا يمكن يوحصل واصل!!..
رؤوف بابتسامة هادئة متفهمة:
– يا حاج ليه بس؟, بناتي وانا معودهم انهم يعتمدوا على نفسهم, صدقني يا حاج البنت منهم ب 100 راجل, ما تخافش عليهم..
الجد بإصرار رافض:
– جولت لع يعني لع, لو ما هخافشي عليهم عشان إبنتّة ووحديهم هخاف أجلُّه من الطريج, انتو جيتو وكانت بتك سلمى اللي سايجة بس انت كنت معهم, والطريج طويل ووعر, لو لازمن ولا بد يسافروا.. يبجى مش لوحديهم, خلي شهاب او غيث يكون معهم!!..

شهقت سلمى ونهضت واقفة تلحقها سلافة وهما تطالعان والدهما الذي يجلس أمامهما يخبرهما بقرار جدهما الذي لا رجعة فيه, وقد أخبرهما كيف أنه حاول مرارا معه ولكن لا فائدة لقد أصدر القرار ووجب عليهما التنفيذ!…
قالت ألفت وهي مشفقة على حال زوجها وفي ذات الوقت تعلم صعوبة الأمر على بناتها فهن لم يختبرن قبلا التسلط والاستبداد بالرأي, فقد زرع فيهما رؤوف المناقشة وحرية الاختيار, قالت ألفت بحنان:
– معلهش حبايبي , جدكم وخايف عليكم, والحكاية كلها مشوار كم ساعه بالعربية ابن عمكم هيوصلكم وخلاص..
سكتت سلمى قليلا بينما نظرت اليها سلافة بتضرع, همت سلافة بالاعتراض عندما تحدثت سلمى بهدوء عيناها تلمع بتصميم:
– يعني يا بابا كل اعتراض جدي اننا بنات لوحدنا ماينفعش نقعد هناك من غير حد معانا, وعلشان الطريق صح؟
نظر اليها والدها موافقا على كلامها فجلست بجواره تبعتها سلافة وهي تقول بابتسامة خفيفة:
– خلاص تبقى محلولة ومن غير ما نتعب حد!..
نظرت اليها سلافة بتساؤل سرعان ما أجابت عليه وهي تتابع بينما لم تستطع أن تمنع ابتسامة نصر صغيرة أن ترتسم على وجهها:
– احنا هنسافر بالقطر, أظن دا حل كويس أوي لموضوع الطريق, وبالنسبة اننا هنكون هناك لوحدنا فماما تيجي معانا, الموضوع كله يومين تلاتة بالكتير, ها.. إيه رأيك يا بابا؟..
نظر اليها والدها بسكون باديء الامر ثم ما لبث أن انبسطت أساريره بابتسامة فخر أبوي وقال بإعجاب لذكاء ابنته:
– كنت عارف انك هتلاقي لها حل يا دكتورة, وأعتقد انه جدك لما يسمع الحل دا مش هيرفض!!..

وبالفعل سافرت البنتين برفقة أمهما الى القاهرة في حين قبل الجد بهذا الحل بإمتعاض ولكنه كان شاكرا لهما فقد سبق لهما وأوجدا له الطريقة التي سيقرب بها بين أحفاده وبمنتهى السهولة وذلك عندما عرف بالملل الذي يشعران به لشدة الفراغ الذي لم يعتادانه بعد!!..

جلس الجد فوق الأريكة المذهبة الفخمة بغرفته مقابلا لحفيديه, قال غيث بابتسامة:
– طلبتنا يا جدي؟
قال الجد وهو يستند براحته على عصاه العاجية المطعمة بفصوص من الأحجار الكريمة:
– فيه موضوع عاوز أتحدت إمعاكم فيه…
تبادل كلا من غيث وشهاب النظرات قبل أن يقول غيث بابتسامة متسائلة:
– خير جدي؟, أؤمر…
قال الجد بهدوء:
– الأمر لله وحده, بنات عمكم!
نظر شهاب الى غيث بتساؤل فقال غيث:
– مالهم يا جدي؟..
ثم تابع بحنق لم يستطع مداراته:
– ما هما مسافرين, ماجدروش يجعدوا أكتر من يامين تلاتة ورجعوا يرمحوا على مصر!
قال الجد بمكر وقد أخفى ابتسامته فهو يعلم حفيده جيدا, ذلك الذي يبرع في رسم واجهة البرود أمام الجميع بينما بداخله أتون مشتعل!, أجاب الجد:
– هما ما راحوشي لعب ولا فسحة, لاه, الدكتورة سلمى عنديها شغل في الجامعه اهناك وراحوا إمعاها….
صمت قليلا ثم تابع وعيناه تلمعان بغموض:
– بس لو جيتوا للحجيجة هما زهجانين مش عشان مش متعودين على بلدنا.. لاه!, هما بيشتِغلوا… ومش متعودين ع الجاعده إكده… عشان إكده انا لاجيت الحل اللي يخليهم ما يحسوشي بالزهج دِه واصل!…
نظر اليه كلا من غيث وشهاب بتساؤل فأجاب تساؤلهما الصامت بجدية:
– يِّشتغلوا !!, لازمن يشتغلوا, وبما إن بناتنا لا يمكن يشتغلوا حدا حد, فأني هشغلهم في مالهم!!
صرح شهاب بتساؤل:
– ازاي يا حاج؟
قال الجد بصرامة:
– هيشتغلوا إمعاكم انت وخوك, سلافة هتمسك الحسابات إمعاك يا غيث, هي دراستها في إكده كيف بوها ما جالي, وسلمى هوضب لها الاستراحة اللي حداك في المزرعة يا شهاب عشان عمال المزرعة وعوايلهم ولو حد من اهل الكفر احتاج دكتورة ولا حاجة, وأني فعلا اديت أوامري انهم يظبطوا الاستراحه وكلها يامين وتبجى جاهزة, يعني على رجعتهم بالسلامة ان شاء الله هيلاجو شغلهم مستنيهم!!…
ما إن سمع غيث وشهاب قرارات الجد حتى انتفضا واقفين, أحدهما يحاول مداراة مفاجئته من فرمان الجد الصارم والآخر لم يهتم بإخفاء استنكاره لهذا القرار, ولكنهما اتفقا معا بالهتاف بصوت واحد وبلكنتهما الصعيدية:
– انت بتجول إيه يا جدَّيْ؟!!..
محدقين في جدهما بشدة بينما ارتسمت ابتسامة ماكرة على وجه الجد المتغضن وهو يطالعهما بخبث ودهاء!!..
– يتبع –

error: