“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد
الحلقة (38)
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
كان شهاب يقود في طريقهما ذهابا الى القاهرة، كان يسترق النظر الى سلمى بين كل فينة وأخرى، بينما الأخيرة كانت شاردة تفكر في تلك الكارثة التي ستحل على رأس شقيقتها، هي لم تُعلم غيث بعد وأكدت على شهاب ألا يزلّ لسانه أمامه بحرف، كما أن لا أحد علم سبب سفرهما الحقيقي الى القاهرة فقد تذرعت برغبتها لرؤية أستاذها المشرف على رسالتها..
– ازاي يا ماما توافقوها على حاجة زي كدا؟…
كان هذا السؤال الذي هتفت به سلمى بعد ان انفردت بأمها تاركة شهاب مع أبيها في غرفة الجلوس، تنهدت ألفت وقالت بينما كانت تهتم بسكب الطعام في الصحون تمهيدا لتحضير مائدة السفرة لتناول الغذاء:
– يعني نعمل إيه ياس لمى؟.. يا بنتي أختك لا هي أول واحدة اتطلقت ولا آخر واحدة، لازم تشوف حياتها ومستقبلها، احنا مش هنعيش لها العمر كله حبيبتي…
قالت سلمى بغير رضا وهي تساعد أمها في سكب الطعام:
– أيوة يا ماما بس انتو عارفين كويس أوي انه غيث ما كانش عاوز يطلقها، ولو عليه يردّها انهرده قبل بكرة…
ألفت بجدية:
– وهو فين غيث؟.. من يوم ما جالنا هنا مع جدكم والمأذون وطلقها ما نعرفش عنه حاجة، يا بنتي مش بالكلام بالفعل، شوفي شهاب عمل ايه عشان ترجعي له تاني، حاول مرة واتنين وتلاتة وكان كل يوم والتاني عندك هنا، لكن غيث وكأنه ما صدق، وبعدين سلافة أختك شعنونة وعاوزة اللي يصبر عليها وأنا كنت فاكرة غيث من النوع الهادي الصبور، لكن للأسف استعجل وسمع كلام سلافة وطلّقها، وما شوفنهوش تاني، تقدري تقوليلي هفضل راهناها جنبي على أمل أنه غيث يراجع نفسه؟.. لا يا سلمي.. سلافة أكبر وأغلى من اني أركنها عشان واحد يعرف قيمتها حتى لو كان الواحد دا ابن عمها وجوزها؟…
زفرت سلمى عميقا وهي تقول بهدوء وترو وهي تعلم أنها ستفجر قنبلة ولكن ما باليد حيلة:
– ما تظلميش غيث يا ماما… اللي انتي وبابا ما تعرفهوش انه غيث لما كان هنا يوم الطلاق… قال لسلافة انه… – وترددت قبل أن تلقيها دفعة واحدة في حين تراقبها أمها مقطبة – أنه طلقها طلاق رجعي مش بائن زي ما كانت عاوزة، يعني هي دلوقتي في شهور العدة وممكن يرجعها في أي وقت ولو بكلمة حتى، لكن الطلاق اللي سلمى كانت عاوزاه ما ينفعش غير بعلمها وبموافقتها وبعقد وبمهر جديد، غيث قال لسلمى انه ممكن يرجعها في أي وقت لكنه مش هيعمل كدا الا بموافقتها هي، وأنه….
وسكتت تلعق شفتيها الجافتين في حين استحثتها أمها للمتابعة:
– انه معتبرها لسه مراته لأنه لما عليها اليمين في البلد كان غضبان، ولما جاب المأذون وجه هنا كان مضغوط عليه من جدي، يعني طلاقه ليها في حكم المضطر… يعني..ما يقعش، يعني سلافة لسه.. مراته!!!!!!!!!!
كاد الصحن الذي تمسك به ألفت أن يفلت من يدها حينما انتبهت اليه فوضعته من يديها اللتان ترتعشان وهتفت بغير تصديق:
– انتي بتقولي ايه يا سلمى؟.. مراته ازاي يعني؟…
لتأتيها الاجابة من خلفها:
– أنا أقولكم ازاي.. يعني غيث بيه وقت ما يحب يطلقني يطلقني وما يحب يقول لي لا الطلاق دا ماي قع شانا المطلوب مني اني أصدق، أصلي لعبة في ايده… متجوزين على مذهب المراجيح.. روحي وانيت طالق .. تعالي وانتي مش طالق!!!!!!
التفتت اليها والدتها تعنفها بقوة هاتفة:
– سلافة!!!!!!!!!!..
لتدلف الأخيرة الى المطبخ وهي تجيب بابتسامة وتلقائية:
– نعم يا ماما، ايه بتكمل غلط؟.. البيه فاكرني لعبة في ايده، بيهدنني ويقول لي اني لسه مراته، وانه ما عملش كدا الا عشان خاطر جدي، لكن انا لسه مراته، وانه مطلقنيش طلاق بائن زي ما انا كنت عاوزة، فاكر نفسه ذكري وهيضحك عليا بالكلام دا…
سلمى بهدوء وابتسامة صغيرة:
– يا سلافة يا حبيبتي العناد مش كويّس صدقيني، لازم تقعدوا مع بعض وتوصلوا لحل، تقدري تقوليلي لما يعرف بموضوع سامي هيكون رد فعله إيه؟..
هزت سلافة كتفيها باستهانة وأجابت ببرود تام:
– ولا يهمني، مكان ما يحط راسه يحط رجليه، انا مش هقعد عمري كله أبكي على الأطلال يا سلمى، غيث كان مرحلة وعدِّيت خلاص، ولازم أفكر في حياتي ومستقبلي..
سلمى بجدية شديدة:
– يعني أنتي مش موافقة على سامي كيد وعناد في غيث؟.. تقدري تقنعيني أنك مرة واحدة بعد ما رفضتيه كذا مرة قبل جوازك بغيث خالص اكتشفتي مرة واحدة كدا انك غلطانه؟.. تقدري تنكري انه اتقدم لك تلات مرات من ساعة ما اشتغلتي في الشركة وكل مرة ترفضيه؟.. ليه دلوقتي مرة واحدة كدا اقتعنتي بيه؟.. ايه السبب؟..
سلافة بجمود وعينان كالزجاج تلمعان بدموع مكبوتة:
– لأني اكتشفت اني كنت غبية ومغفلة، كنت عاوزة واحد أحبه ويحبني، وخدت ايه من الحب دا غير على دماغي؟!!!.. واحدة زميلتي لما سامي كلمني المرة دي قالتها لي.. قالت لي يا سلافة خدي اللي بيحبك مش اللي انتي بتحبيه.. اللي بيحبك هيعمل المستحيل عشان يقدر يوصل لقلبك، لكن اللي انتي بتحبيه مهما عملتي عمره ما هيحس بيكي!!.. وبعدين كفاية انه سامي حضر فرحي وهو من جوّاه كان بيتعذب اني عروسة لغيره، ولما سألته لما فاتحني في الارتباط بيا قاللي أنه اللي بيحب بجد بيتمنى السعادة لحبيبه حتى لو مش معاه، وانه كفاية عليه يشوف الفرحة في عينيا، لكن لما أنا وغيث سيبنا بعض قاللي انه غيث فرّط في فرصته اللي هوّ أداهلو… وأنه مش مستعد انه يسيب الفرصة تضيع من ايديه تاني، حاسيت انه عاوزني بجد، وانا متأكده انه هيقدر يخليني أحس بيه….
تقدمت ألفت واحتوتها بين ذراعيها قائلة بقلب أم مشفق على حال ابنتها:
– لكن اللي بتحبيه يا سلافة لو انتي مش حاسة بيه عمرك ما هتحسي بحبه ليكي، بالعكس حبه ليكي هيكون طوق يتلف حوالين رقبتك، لازم الحب يكون متبادل يا سلافة، الحب هو الضمان الوحيد والأمان ليكم انتم الاتنين، هي مش سباق بنشوف مني فينا اللي بيحب التاني أكتر، دي شركة بين اتنين حبيبتي وكل واحد لازم يدخل بنسبة 100% مش 50% عشان الشركة تنجح…
انسابت دمعة صامتة تجري على صفحة وجهها الحليبية وقالت بحزن يقطع نياط القلوب:
– ما تخافيش عليا يا ماما، بنتك قوية، أقوى بكتير من الظاهر كمان، انتي بس ادعي لي يا ست الكل، ادعي لي انه ربنا ينور لي طريقي….
ربتت ألفت على خصلات ابنتها السوداء وقالت بدموع مترقرقة:
– ربنا يهديلك حالك وينور لك بصيرتك ويعملك الخير كله يا رب…
بينما طالعت سلمى أختها وهي بين أحضان أمها لتبرق عينيها عزما، فلم يعد يفيد تجاهل الأمر أكثر من ذلك، وان كان لزاما من اطلاق رصاص عشوائي لجعل من يهمه الأمر أن يفيق من سباته فستفعله وبكل سرور فقد آن الأوان لوضع حد لهذه المهزلة التي طالت!!!!!!…
************************** ************************** *********************
جلست تراقبه وهو يلاعب صغارها منبطحا على ظهره بينما شبل الصغير يجلس فوق بطنه فيما يرقد عدنان بمحاذاته فوق السجادة الفارسية الوثيرة، ارتسمت ابتسامة ناعمة فوق ثغرها الوردي لاحظها ليث الذي همس في أذن شبل ببضع كلمات ليقترب عدنان منهما حتى يتمكن من الاستماع هو الآخر، وما لبثا أن أومئا برأسيهما إيجابا قبل أن يقفز شبل من فوق ليث ليركض محاولا اللحاق بعدنان بينما نهضت سلسبيل من جلستها فوق الآريكة وهي تناديهما دون جدوى لينفجر الليث ضاحكا، خطت سلسبيل خطوتين للحاق بهما قبل أن يعتقل خصرها ذراع قوي مما جعلها تطلق شهقة صغيرة في حين سمعت صوتا خشن يهمس في أذنها:
– يعني لما ربنا يفرجها ولعيال يفوتونا لوحدينا تبجي عاوزة تلحجيهم؟…
تخضب وجهها بدماء الخجل وهمست وقد تلونت وجنتيها بحمرة الفراولة الطازجة:
– جرى أيه يا ليث، رايحه أشوفهم راحوم يمرحوا على فين إكده وما عاوزينش يردوّا عليّ؟!!…
أجابها وهو يمسك بكتفيها يديرها ناحيته:
– راحوم يشوفوم حلجة الجط والفار الكارتوون عشان ياجوا يحكوهالي بالمظبوط!!!!!..
فتحت عينيها واسعا وهتفت:
– حلجة إيه؟… وانت من ميتة بتتفرج على حلجات لعيال ديْ؟…
ليباغتها بحملها بين ذراعيه وهو يقول ضاحكا:
– عشان تِعرفي غلاوتك عِندي جد إيه؟….
قالت وقد رفعت ذراعيها تحيط بهما عنقه القوي كي توازن نفسها فيما لمعت عينيها بحب لم تخفيه:
– برضيكي ما جولتش ايه اللي خلّاك تطلب منيهم الطلب ديه؟…
أجابها وهو يضعها في منتصف فراشهما الوثير:
– ما أني عجولك، دا أني عجولك جواله لا اتجالت جبل إكده ولا عتنجال بعد إكده!!!..
لتطلق سلسبيل ضحكة صاخبة كانت في أذنها كصوت خرير جدول رقراق، وضع يده على فمها وهو ينهرها بجدية زائفة فيما خانته ابتسامة صغيرة ارتسمت على فمه المغطى بشاربه الأسود الكثّ:
– هشششش ، خابار إيه يا أم عدنان، الضحك هديْ ما تنضيحكش اكده، فرضا حد منّيهوم سمعك ولا حاجه… وأني ما رايدش حد يسمعها غيري أبد، ولا اعيالنا ذات نفسيهم!….
همست وهي تطالع عيناه المطلان عليها من أسفل حاجبين كثيفين بينما بقايا ضحكة لا تزال في صوتها:
– ليث… ، ليجبها بهمس خشن:
– يا جلب ليث… ، لتهمس له بما أفقده البقية المتبقية من تماسكه:
– بحبك يا ولد عمي… ، ليطلق تأوها عال ويقول وهو يميل عليها:
– وأني مِتوكّد انك دعوة الحاجة ليّا… يا ما جالت لي روح يا بني ربنا يعطيك الزوجة اللي تفرح خاطرك او بالك، ربنا ما يحرمني منيك أبد يا بت عمي…
أجباته بعشق صاف:
– ولا منّيك يا ولد عمي…
ثم.. لتفاجأ نفسها وتفاجئه بجذب رأسه اليها وإلصاق شفتيها النديتين بشفاهه الحازمة في قبلة رقيقة محبة كرفرفة جناح فراشة، تركته بعدها ليطالعها في ذهول لمدة ثوان وما لبث أن هتف بعدها عاليا:
– يا بركة دُعاكي يا أمّاااااااا….
ليغيبها معه في عناق مليء بالشحنات الكهربائية والمفرقعات النارية لم يفيقا منه إلا على صوت طرقات على الباب، فحاولت سلسبيل إبعاد شفتيها عنه وهي تقول بهمس:
– ليث.. الباب يا ليث…
حاول اعادتها ثانية الى أحضانه ولكنها أشارت بعينيها الى الباب فنفخ بضيق ونهض وهو يزمجر بخشونة قائلا فيما كان يرتدي جلبابه:
– أنا شكلي بعد إكده عخليهوم يّتفرّجو ع الجطط والكلاب والفيران وجميع الحِيوانات اللي خلجها ربّنا!!!!!…..
وما أن فتح الباب حتى تبدلت تعابير وجهه لتكتسي بالجدية المطلقة وتعلو جبينه تقطيبة عميقة وهو يسمع الخادمة تبلغه بوجود الغفير دياب بالاسفل يطلب مقابلته للأهمية القصوى!!!!!!!…
رفعت سلسبيل رأسها وهي تحاول ستر نفسها بغطاء الفراش، شاهدته وهو يتجه الى الحمام الملحق بغرفتهما فقالت مقطبة بحيرة وتساؤل:
– فيه حاجه يا ليث؟…
قال الليث قبل أن يدلف الى الحمام:
– لاه ولا حاجة يا سلسبيل…
ليغيب لدقائق يخرج بعدها وقد ارتدى جلبابا نظيفا واتجه الى منضدة الزينة ليعقد عمامته البيضاء فوق خصلات شعره السوداء التي قد شابها بضعة خيوط رفيعة من أخرى بيضاء، وما هي إلا ثوان إلا وكان قد اندفع خارجا ليجيبها وهي تناديه بلهفة:
– ما تجلجيش يا سلسبيل، حاجة بسيطة بخصوص الديوان، عخلصها وأجيلك طوّالي…
وغاب خلف الباب لتعقد سلسبيل جبينها في حيرة ثم ما لبثت أن نهضت بدورها لتغتسل وتخرج لتفقد صغيريها…
************************** ************************** ******************
وقف الليث يمسك بعصاه العاجية وهو يطالع الزرع الأخضر المنتشر من حوله، بينما وقف خلفه الغفير دياب بعد أن رافقه خارج المنزل ليستطلع منه كافة الأخبار اللازمة عن… أم ستيت!!!…
الليث بجدية وبرود:
– يعني اتوكدت انه خاليص… ما عادليهاشي أثر واصل؟…
تقدم دياب الى سيده ووقف يجيبه بثقة مطلقة:
– اطّمن جنابك… كوخها اللي كان في آخر البلد ما عادلوشي أثر واصل…
الليث ببرود:
– عِرفت مين اللي اعمِلها؟…
دياب ببساطة:
– لاه… لكنه وكيد واحد منني أذتهوم بنت اللذينا ديْ.. الله يجحمها موطرح ما راحت، لانه لو كان حرامي كان سرج ع الاجل افلوسها، لكن أني لاجيت حاجِتها كلاتها سوا دهب ولافلوس موجودة.. دا غير انه الموكان ما كانيش متنفعش ولا حاجة يعني اللي داخل جاصد حاجة واحده متي ما اعملها راجع من موطرح ما كان….
الليث وقد استدار يجابه دياب:
– يعني فيه اللي سبجك واعملها؟… لكن غريبه.. كيف ما صوتت؟..
دياب:
– غير انها عايشة لوحديها فهي يظهر والله أعلم إكده انها كانت نايمه، لأني لمن دخلت عنديها لاجيتها نايمة ع سريرها ومتلفحه بالغطا غير انها كانت واخده راحتها ولا مواخذه يعني في خلجاتها اللي كانت لابستهم، ولاقيت الدم امغرّج الغطا والارض من تحتيه، ودراعاتها مليانه دهب، لو كان حرامي أجلّه كان سرج الدهبات…
الليث بهدوء:
– واعملت ايه يا دياب؟..
دياب بفخر:
– عود كبريت وكوخها من البوص والجش… دجايج والنار ولعت في الموطرح كلّاته… وما ممشيتش غير لمن لاجيت كلّه بجه كيف الفحم الأسود….
الليث ببريق يلمع في عينيه:
– في خُرّارة اتشيلها… ماعاوزشي سيرتها تاجي على لسان حد في البلد، واللي انت جولته دلوك ما حدش يعلم به واصل… أني عارف انك راجل يا دياب.. المَرَهْ ديْ عِملت كاتير جووي، كانت ماشيه بينات الناس بالسحر الاسود وليعاذ بالله.. أديها داجت نار الدنيا، وديه معتجيشي واحد ع الالف من نار اآخره ربنا يجيرنا منها!!… دياب.. عاوزك من الصّبُح اتجيب بالدوزر واتساوي الأرض ديْ.. وازرعها خلي الغنم والبهايم تاجي ترعى أهنه..
دياب بطاعة وهو يهز رأسه الى الآسفل:
– أمر جنابك يا كابير….
ليتاعب الليث بينه وبين نفسه وهو ينظر الى البعيد:
– واكده يكون أخر حاجه في حدوتك يا عمتي خولصت.. وأضمن انه سلسبيلي ما تِعرفشي حاجه تانيه من بلاويكي اللي اعملتيها، واحسن حاجه بةيْ اعملها انه اجتنع انك تدخلي المُصحّه.. لانه ما عادش ينفع انك تعيشي بيناتنا بسلام بعد إكده… الكره والغل ملّوا جلبك لحدت ما أكلوم عجلك هو كومان.. ربنا يحفظنا.. ربنا يعافينا مما ابتلاكي به ويحفظ علينا نعمة العجل..
ثم سار بضعة خطوات قبل أن يسمع سؤال دياب عما إذا كان يأمره بشيء آخر ليقول:
– لا يا دياب.. روح انت وما تنساشي اللي جولتلك عليه…
وتابع بينه وبين نفسه وهو يهمّ خطاه ليركب عربته الخشبية الكبيرة التي يقودها جوادان عربيان أصيلان وسائس هو المتحكم فيهما ” انتظريني سلسبيل.. فقد تمكن مني شوق عظيم لا يطفئه إلا حب أعظم… حبك أنتِ سلسبيلي”…
************************** ************************** **********************
وقف غيث أمام سلافة مقطبا محاولا استعياب عبارتها التي سمعها، ليعيد سؤاله:
– جولي تاني إكده اللي انت جوليته جبل إكده؟…
نظرت سلمى اليه بتردد وهي ترمق شهاب برجاء قبل أن يهتف بها غيث بقوة وحنق:
– جولي يا سلمى اللي جولتيه تاني…
سلمى بتلكؤ وقد بدأ التردد يصيبها في أن تكون قد تسرعت في الافصاح عن أمر أختها لغيث:
– سلافة… سلافة اتقدم لها سامي زميلها وهي… وافقت عليه!!!!!!..
صمت تام ساد المكان قبل أن يخرقه غيث بهدوء ينذر بهبوب إعصار مدمّر:
– وافجت عليه كيف يعني؟.. وافجت على إيه بالظبّط؟…
نفخت سلمى بيأس وهتفت وقد ضاقت ذرعا بالأمر كله:
– يعني ايه وافقت على إيه يا غيث؟.. وافقت على الجواز من سامي!!!!!
أخطأت.. نعم… بل وخطأ فاااااااااادحا… تأكدت منه ما ان لفظت آخر أحرف عبارتها حتى تمنت لو انها تستطيع ابتلاع كلماتها ثانية، ليهتف غيث فيهب غعصار غضبه قويّا مدمرا:
– أختك اتجننت ولا أيه يا سلمى؟…
ليسارع شهاب ليقف بجوار توأمه محاولا تهدئته بينما تطالعه سلمى برجاء كي يحاول امتصاص غضبه، قال شهاب:
– بالراحه يا غيث، الكلام مش كدا.. سلمى بتقولك على اللي حصل عشان تلحق تتصرف!!
غيث باستهجان وصراخ غاضب وهو يشيح بذراعيه:
– وكيف عمي يجبل بالمهزله ديْ؟.. انتوم ناسيين انها لساتها في العده يعني بكلمة منّي أرجّعها؟… ديه غلطتي اني ما رضيتش أعاودها اف ذمتي تاني من غير ما تكون راضية؟..
هتف شهاب وقد أعيته الحيل لتهدئته:
– يووووه يا غيث، يعني انت شوفتها اتجوزت؟.. بنقولك مرااتك هتتجوز.. لسه ها…..
ليهدر فيه غيث بعنف وحشي:
– جفّل يا شهاب وما تجولهشي تاني… سلافة ماراتيّ.. ولو هيّ ناسيه لحكاياه دايْ أني ما عانديش مانع إنّي أفكّرها…وكش بس إكده.. عخليها تتوكد انها ماراتي وما تحلمشي بغير إكده!..
وأسرع بالخروج صافقا خلفه الباب بعنف ارتجت له جدران المنزل….
خبطت سلمى بيدها على رأسها وهمست من بين أسنانها وهي ترمق شهاب شذرا:
– حسبي الله… بقولك هادِّيه يا شهاب تشعلله!!.. يعني منتظر منه ايه وانت بتقوله مراتك لسه ما اتجوزتش هي موافقة تتجوز غيرك؟!!!!..
شهاب باستنكار:
– يعني أنا دلوقتي السبب في غضب غيث؟… واختك ما عملتش حاجة؟.. عارفة أنا لو من أخويا أعمل ايه؟…
اعتدلت وتقدمت منه ترمقه بريبة وقالت:
– كنت عملت إيه ان شاء الله؟..
شهاب بجدية شديدة:
– كنت ردّيتها وتخبط راسها في الحيطة، مش هستنى أنا لما مراتي توافق ترجع لي والخطّاب رايحين جايين على بابها!.
أنّـت سلمى وهي تسند بطنها من الأسفل وقد قاربت على مشارف الشهر الخامس ليسارع شهاب للأمساك بيدها وهو يهتف بقلق:
– سلمى حبيبتي مالك؟…
رمقته بغيظ وهي تعض على أسنانها:
– ولادتي شكلها كدا هتبقى بدري بدري ان شاء الله وعلى ايدين حد من التلاتة….
شهاب بريبة:
– مين التلاتة دول؟…
سلمى بثقة مطلقة:
– مش هقولك يا انت يا غيث يا سلافة.. لأ!!.. هقولك.. يا إنت، يا أنت، يا أنت!!!!!!!!!..
************************** ************************** ********************
أطلقت تنهيدة عميقة جعلت الحاج عبد الحميد يلتفت اليها ليقول بتقطيبة:
– مالك يا أم عتمان كفانا الله الشر؟..
فاطمة بأسى وحزن على حال ولدها عثمان:
– يعني ما انتش داريان يا حاج؟.. عتمان ولدي صوعبان عليّ جوي جوي..
عبد الحميد بهدوء:
– كل شأن المؤمن خير يا أم عتمان.. وحّدي ربّك إكده.. مالّهْ عتمان؟… زي الفل، والحمد لله ربنا نجّاه من اللي كان ممكن يجراله لو ما كانت راوية انكشفت؟.. ومش هو وبس لاه.. كان عيجرى لعيالي كلاتهم…
فاطمة وقد برقت عيناها بإصرار:
– أني لازمن أطمّن عليه يا حاج.. لازمن جلبي يهدى من ناحيتاه..
عبد الحميد بتقطيبة حيرة:
– جصدك إيه يا حاجه؟..
فاطمة بعزم وقوة:
– عتمان لازمن يتجوّز!!!!!!!…
لضرب الحاج الأرض بأسفل عصاه العاجية وهو يهتف بها بدهشة:
– واه!!!!.. عتجولي إيه يا فاطنه؟… بدّك عتمان يتجوّز!!!!!
فاطمة بجدية تامة:
– وما عيتجوزّشي ليه؟.. ما شاء الله عليه عيني عليه باردة.. لسّاتَه ابصحّتاه وعافيتاه.. ديه يتجوز بنت ابنوت كومان… ديه عتمان الخولي أكبر واحد في الجيهة، رجالة البلد والصّعيد كلاته تمنى اتناسباه..
عبد الحميد بشك:
-إيوه يا حاجه أنا امعاك لكن…
فاطمة بلهفة وهي تقترب بجوار الحاج:
– ما لاكانشي يا حاج… عشان خاطري يا حاج.. اني جلبي موجوع عالييه… اعيالاه كلاتهم اتجوزوم وكل واحد منيهم شاف حياتَه وبكره ان شاء الله سلافة اتعاود لغيث وهو يا نضري عيبجى له مين ياخد باله منّيه او يرعاه؟…
عبد الحميد بتقطيبة حيرة وتساؤل:
– لكن ما يتهيأليش أنه عيوافج يا أم عتمان؟..
هتفت فاطمة بلهفة وقد شعرت أنها قد قاربت على نيل موافقة زوجها:
– سيب لحكاياه ديْ عليا أني…
عبد الحميد بشك:
– شكلك إكده فيه واحده ابعينها اف بالك.. صوح؟..
ابتسمت فاطمة وهزت برأسها بالايجاب وهي تغمض وتفتح عينيها عدة مرات ضاغطة بأهدابها بتأكيد وابتسامة تلون محياها المتغضن قائلة:
– ان جيت للحاج… بنت الحلال موجوده وعشان اكده خايفه لو نتأخرّوا اتروح من يدينا!!!..
عبد الحميد بحيرة:
– ومي نديْ يا فاطنه؟..
فاطمة بحماس:
– خديجة بنت عم الحاجة زينب مارات الحاج عبد الهادي كابير السوالمة!..
قطب عبد الحميد فأردفت فاطمة:
– جرى إيه يا حاج لحجت تنساه؟.. مش ديه اللي كان رايد سلافة لولده سيف لمهندس جبل غيث ما يتجدم لها؟.. ويعدين اعرُفنا انه اتجوز شجيجة صاحبه وشريكاه اف مصر؟..
هتف الجد:
– ايوة ايوة فاكراه طبعا.. لكن أني بحاول أفتكر اللي انتي بتجولي عليها ديْ تبجى مين بالظبط؟.. وانتي شوفتيها واتعرفت عليها ميته؟..
أجابت فاطمة وهي تبتسم بجذل:
– شوفتها أيام فرح لولاد.. كانت حداهم ازيارة وجات حضرت الفرح امعاهم.. هي عنديها حوالي ارباعين .. خمسة وارباعين سنه، اتجوزت ابن خالها وما جابتشي منيه اعيال فطلجها بعديها بتلات اسنين، وكانت بت 22 سنة، ودانها ما اتجوّزتشي من يومها، شكلها طيّب جوي يا حاج، يومها جلبي انشرح لها، واتمنيت لو عِندي ليها عريس كت جوزتوهولها…
عبد الحميد بهدوء:
– ربنا يجدم اللي فيه الخير، لكن لوّل نطمّن ع لعيال وبعدين نشوفو لكبار…
ليقاطعه دخول غيث كالصاروخ عابرا من باب المنزل الداخلي رأسا الى الطابق الأعلى يلحقه شهاب مناديا له، ليهتف الجد مناديا شهاب بقوة:
– شهاب…
وقف شهاب على أولى درجات السلّم الداخلي المؤدي للطابق الأعلى والتفت ليرى جده وقد وقف شامخا على عتبة غرفة الجلوس واكتفى بأن أشار له بأن يتابعه، لينظر شهاب الى الأعلى بيأس قبل أن يطيع أمر جده!!!..
وقف شهاب أمام الجد الذي جلس يتفحصه في صمت، في حين هتفت الجدة وهي تضرب على صدرها شاهقة بصدمة:
– يا حِزنيْ!!.. عريس لسلافة!!!!.. وهيّ وافجت؟!!!… وغيث عامل إيه دلوك؟..
شهاب بزفرة يأس:
– على آخره طبعا، ومصمم يسافر مصر حالا ومش هيرجع إلا بيها يا إما…..
وسكت، ليتحدث الجد معلقا للمرة الأولى على ما سمعه منه:
– إما إيه يا والاديْ…
شهاب وهو يزدرد ريقه في صعوبة:
– يا أما يشرب من دم عريس الغفلة !!!!
لتشهق الجدة وتولول هاتفة:
– إلجني يا حاج… والاديْ عيضيّع نفسيه….
نهض الجد وقال لشهاب بحزم شديد:
– نادم خوك وخلّيه ييجيني داري…
ثم التفت الى فاطمة مردفا:
– ما عاوزشي حد يجاطعنا واصل…
انصرف شهاب من فوره لتنفيذ أمر الجد فيما أومأت الجدة بالايجاب وهي تدعو الله أن يلهم الحاج الحل الصحيح….
طرقات على الباب أتبعها أمر بالدخول، دلف غيث مدفوعا بيد شهاب، نظر الجد اليهما ليقول لشهاب آمرا بينما عيناه مسلطتان على غيث:
– اخرج انت يا شهاب، بس خليك أجريّب منينا…
أغلق شهاب الباب خلفه، نهض الجد ووقف أمام غيث الذي كان يتحكم في نفسه بصعوبة، وقف الجد أمامه وقال بهدوء حازم:
– عاجبك اللي واصّلاكْ ليه اجنانك يا غيث؟..
هتف غيث:
– يا جديْ…
ليقاطعه الجد بقوة:
– عتجول إيه؟.. جولتلك واترجيتك ما تسماعشي حديتها، هي في الاول والاخر معذوره لمن شافت أمها وأمك طابجه في رجبيها مش رايده تفوتها واصل، لكن انت عذرك إيه؟…
هم غيث بالكلام ليقاطعه الجد ثانية وصوته قد بدأ في الارتفاع:
– إيه.. عتجولي عشانك شوفتها او هي ابتضروب أمك؟… عجولك برضيك اغلطت.. أول هام أني جولتلك الموضوع مش كيف ما انت فاهم وما صدجتنيش… تاني هام بت عمك ماهيش مجنونة عشان تطبج في زمارة رجبة امك إكده من الباب للطاج.. ما استنيتش تتوكد ليه؟..
غيث بزمجرة خفيفة:
– يا جدي حط نفسك موطرحي، أمي وبتنضرب وبيدعي عليها بالموت، وجبليها كانت ابتضربها وأني دخلت أحوش عنيها، واحد غيري في موطرحي يومها كان مسك ماراته وفين يوجعك.. لكن أني ماعْمِلتِشْ إكده… ليه كلاتكم بتجيبوا الحاج عليّا أني… ولمّن عرفت الحجيجة ما كونتش رايد أطلجها هي اللي أصرّت وانت اللي صممت يا جدّي، ولسّاتني برضك اني بس الغلطان؟..
الجد بقوة وحزم:
– إيوه يا غيث.. عشان انت الراجل!.. ربنا عطاك حج الجوامة.. وخلّا الطلاج في يَد الراجل عشان هو اللي بيحكّم عجله أكتر من الحرمة ماليوون مرة… لو ع الحريم عتلاجيها عتطلّج نفسيها في اليوم ولا سابعين مرّه.. انت ما عطيتش النفسك فرصة تهدى يا غيث، وبعدين ديه ذنبهم وأني كنت بكفّر عنّيه!!..
قطب غيث وتساءل:
– ذنب؟.. ذنب إيه يا جدي؟..
الجد بجدية:
– أني اللي جبرتهم على الجواز بسرعه.. لو عنيهم ما كانوشي رايدين ايكون بالسرعه ديْ… حبيت أخلي لهم فرصة انهم ايفكروا تاني من غير ما يحسوا بأي ضغط منينا عليهم، والحمد لله شهاب خوك جدر ايصالح سلمى ويرجعها، شهاب اللي اني كنت خايف منِّيه طلع أنصح وأوعى منك انت يا غيث!!…
قال غيث متبرما:
– خابار أيه يا جدي؟.. انت ليه امحسسني أني كل حاجه بعملها بتبجى غلط؟..
الجد بحزم:
– لان كل حاجه فعلا ابتعملها يا غيث غلط!!.. تجدر تجولي ما سافارتش ليه لبت عمك ولا مرة من يوم ما اتطلجتوا؟…
غيث بجدية:
– أني سايب لها الوجت اللي هيا رايداه لحدت ما تهدى او ترتاح يا جدي، لكن واضح اكده انه الوجت ديه طوّل.. ولازمن أرجع لها عجلها… بالغصب بالزوج عيرجع لها يعني عيرجع لها…
الجد بأمر:
– بلمهاوده يا ولديْ.. لبنيّه لسّاتها اصغار وعاوزة لمهاوده.. عاملها بحنيتك اللي خاليتها توافج عليك في لوّل.. نسيها ابحنانك جسوتك عاليها!!..
سكت غيث قليلا ثم افترشت ابتسامة واسعة وجهه وقال وهو يتجه ناحية جده يقبل كتفه ويده:
– عيوحصول يا جدي، بأمر الله عيوحصول.. وما راجعشي غير وماراتي اف يديْ..
وخرج من فوره فيما ارتسمت ابتسامة كبيرة وجه الجد!!..
************************** ************************** ***************
كانت ترتب أوراقها وأغلقت حاسوبها الشخصي حينما دلفت اليها زميلتها تقى التي قالت لها:
– سلافة انتي خلصتي؟….
رفعت سلافة رأسها وأجابتها بابتسامة:
– أيوه يا ستي الحمد لله، خلصت شغل، ماشيه، ليه عاوزة حاجه؟…
تقى بقنوط:
– أصلي كنت عاوزة أروح مشوار بس بسلامته مشي، ما رضيش يستناني، وقالي اتصرفي انتي لما اتأخرت!!..
ضحكت سلافة وقالت:
– الندالة ليها ناسها بردو.. معلهش يا توتو بس هو اللي جاب الكلام لنفسه!!..
تقى وهي تشيح بيدها:
– عارفى يا ستي.. طيب أعمل إيه دلوقتي؟..
سلافة بهدوء وابتسامة:
– أنا هسبقك وانتي لمّي حاجتك وحصليني، هاخدك في طريقي وأمري لله..
هتفت تقى بحبور:
– تسلميلي يا سولي، دقايق وأكون عندك..
هتفت سلافة من خلفها:
– هتلاقيني قودام باب الشركة، على ما تحصليني أكون طلعت العربية من الجراج..
ركنت سلافة السيارة أمام باب الشركة الرئيسي، كانت تنظر في ساعة معصمها حينما استرعى انتباهها صوت طرقات على النافذة المجاورة لها فرفعت رأسها لتبسم في وجه الطارق فتسارع بفتح النافذة وهي تهتف بحبور:
– أهلا سامي.. ايه اللي مأخرك كل دا؟.. انت كمان كان عندك شغل متأخر؟!!!…
سامي بحزن مفتعل:
– لا.. بس حبيبتي كان عندها شغل وانا مقدرش أمشي من غير ما أسلم عليها…
ضحكت سلافة وقالت:
– كلك زوق والله يا سامي..
ثم تفتح الباب وتترجل من السيارة وهي تحاول التطلع الى الداخل هاتفة بنزق:
– راحت فين دي؟.. قالت لي دقايق مش ساعات!!!..
سامي بتقطيبة خفيفة:
– هي مين دي يا سولي؟..
سلافة بزفرة ضيق:
– الست تقى هانم… وراها مشوار وقلت آخدها في طريقي انما شكلها هتعطلني…
مال عليها سامي وهمس بتوسل مصطنع:
– طيب ما تاخديني انا كمان… العربية حضرتك عملتها معايا وانا طالع بيها من الجراج وتقريبا البطارية نامت وبتشخّر كمان!!!…
أطلقت سلافة ضحكة رقراقة وقالت:
– ارمي عليها شوية مايه وهي هتفوق!!!…
ليهتف صوتا عال بجوارهما:
– دا أني اللي عرميك اف نار جهنم الحمرا لو ما مشيتش من اهنه الساعاه ديْ!!!!!
لتفتح سلافة عينيها واسعا وتهتف بذهول وهي تحدق في وجه صاحب الصوت الغاضب:
– غيث!!!!!!!..
تقدم اليها غيث وقبض على رسغها بقوة هاتفا:
– إيوه غيث!!!…
قاطعه سامي فيما كانت تحاول التملّص من قبضته:
– لو سمحت يا أستاذ غيث، التفاهم مش بالشكل دا!!!…
هدر فيه غيث وهو يشدد من قبضته على معصم سلافة فتأكدت أنه سيحمل ألوان الطيف السبعة في الغد:
– ماليكش صالح بينا، واحد وماراته ايه اللي دخّلك؟.. ثم… مش انت سامي الي حوضر فرحنا ولا أني غلطان؟….
سامي بحدة:
– لا مش غلطان… ولو سمحت بقه سيب سلافة ما ينفعش كدا في الشارع.. وبعدين ايه حكاية جوزها دي انت مش طلقتها خلاص؟!!!!..
لليطالعه غيث ببرود قائلا بعد هنيهة صمت:
– آه صحيح… اتصدّج انسيت….
لتنطلق قبضة يده الأخرى تلكم أنف سامي ليصرخ الأخير وقد سمع صوت قرقعة عظمة أنفه ثم اندفاع نافورة من الدماء من أنفه لتصرخ سلافة التي حاولت جذب يدها من قبضته:
– انت عملت ايه؟…
ولكنه سارع بسحبها وراؤه متجاوزا سيارتها الى أخرى ذات دفع رباعي سوداء كبيرة حيث ألقى بها الى الداخل موصدا الباب بعدها ثم التفت الى مقعد السائق قبل أن ينطلق في سرعة جنونية!!!!!!!!!!!!!!!
أوقف السيارة في منطقة مظلمة ونظر اليها آمرا:
– انزليْ!!!!…
لم تجبه وزمّت فمها غضبا وهي مصممة على عدم النظر اليه، فكرر أمره مشددا على حروفه:
– عجولي أنزلي بالزووج!!!..
لترميه بنظرة نارية من ليل عينيها البهيم اللتان اشتاق اليهما بقوة، ولكن قبلا لا بد أن يعلمها درسا قاسيا.. فعلاقتهما خط أحمر غير مسموح لها بالاقتراب أو العبث بها!!!…
هدر بعنف أثار فزعها وجعلها تقفز في مكانها:
– جولت إنزلي…..
لتسارع بفتح الباب والترجل من السيارة وتفاجأ بوقوفه أمامها، فقطبت ناظرة اليه بحدة وغضب، أمسك بمرفقها وهو يدفعها أمامه لتسير باتجاه معين، وقف بعد خطوتين وحاولت استيضاح المنطقة حولها، فلم ترى أي معالم لأي حياة بالجوار، شهقت وهي تراه يسحبها بشدة ويدفعها الى الداخل بقوة صافعا الباب بعنف خلفهما، وقفت تلهث بقوة بينما قلبها يطرق بين جنباتها في خوف وفزع، ما أن أغلق غيث الباب خلفهما حتى ساد الظلام ثانية فالشمس قد غابت تماما، ولم تكن قد انتبهت بعد الى المكان الذي يتواجدان به، وان كانت قد خمنت أنه منزل بمنطقة نائية، صوت مفتاح الكهرباء نبهها لينتشر الضوء بالمكان فتغلق عينيها لثوان ثم تفتحهما ثانية، ناظرة حولها، لتفاجأ بردهة منزل واسعة مؤثثة بالكامل، ثم وقعت عيناها عليه، راقبته وهو يتقدم ناحيتها بخطى بطيئة فتراجعت الى الخلف وهي ترفع سبابتها اليه محذرة:
– إنت جايبني هنا ليه يا غيث؟.. جايبني هنا ليه؟…
ليسارع باعتقال خصرها بذراعيه فجأة فتشهق بقوة وعمق في حين رفعها أمامه ليكون وجهها على مستوى وجهه وهو يقول بابتسامة ثعلب ماكر:
– ديه بيتك يا….. عرووووسه!!!!!..
قطبت سلافة وهي تردد بحيرة وخوف بينما يكاد قلبها أن تتوقف دقاته من معنى نظرات غيث الماكرة:
– يعني… يعني إيه؟….
غيث بابتسامة صيّاد نجح في أسر فريسته وهو يحكم قبضته على خصرها بقوة آلمتها ولكنها أطبقت شفتيها حتى لا تصدر تأوها:
– يعني الليلة.. الدخلة… اني همّلتك الوجت اللي انت رايداه.. واعمل تلك اللي انتي عاوزاه.. ودلوك جه الوجت اللي أعمل أني اللأي أني عاوزُهْ!….
وارتفعت ذراعاه ليضمانها بقوة كالكلّاب فيما توسعت حدقتاها ذعرا وهتفت برعب شديد:
– وايه… اللي انت عاوزه؟!!!!!!!!
ليميل عليها ممكشر أنيابه في ابتسامة ظفر كبيرة:
– رايدك أنتي يا بت عمي!!!!!!!!
ما أن وصلها معنى عبارته حتى فتحت فمها لتصرخ عاليا عندما بلع صرختها لتردد بداخل جوفه فيما أخذت تنتفض بذعر كحمامة تم وقعها بين براثن نسر جامح، ولكن لم يكن ليتركها غيث قبل أن يوسمها باسمه…. فتلك الجنية الصغيرة قد أسرت قلبه بقيد حديدي… وحان الوقت ليوشمها هو… بوشمه الناري!!!!!!!!!!!
– يتبع –
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
كان شهاب يقود في طريقهما ذهابا الى القاهرة، كان يسترق النظر الى سلمى بين كل فينة وأخرى، بينما الأخيرة كانت شاردة تفكر في تلك الكارثة التي ستحل على رأس شقيقتها، هي لم تُعلم غيث بعد وأكدت على شهاب ألا يزلّ لسانه أمامه بحرف، كما أن لا أحد علم سبب سفرهما الحقيقي الى القاهرة فقد تذرعت برغبتها لرؤية أستاذها المشرف على رسالتها..
– ازاي يا ماما توافقوها على حاجة زي كدا؟…
كان هذا السؤال الذي هتفت به سلمى بعد ان انفردت بأمها تاركة شهاب مع أبيها في غرفة الجلوس، تنهدت ألفت وقالت بينما كانت تهتم بسكب الطعام في الصحون تمهيدا لتحضير مائدة السفرة لتناول الغذاء:
– يعني نعمل إيه ياس لمى؟.. يا بنتي أختك لا هي أول واحدة اتطلقت ولا آخر واحدة، لازم تشوف حياتها ومستقبلها، احنا مش هنعيش لها العمر كله حبيبتي…
قالت سلمى بغير رضا وهي تساعد أمها في سكب الطعام:
– أيوة يا ماما بس انتو عارفين كويس أوي انه غيث ما كانش عاوز يطلقها، ولو عليه يردّها انهرده قبل بكرة…
ألفت بجدية:
– وهو فين غيث؟.. من يوم ما جالنا هنا مع جدكم والمأذون وطلقها ما نعرفش عنه حاجة، يا بنتي مش بالكلام بالفعل، شوفي شهاب عمل ايه عشان ترجعي له تاني، حاول مرة واتنين وتلاتة وكان كل يوم والتاني عندك هنا، لكن غيث وكأنه ما صدق، وبعدين سلافة أختك شعنونة وعاوزة اللي يصبر عليها وأنا كنت فاكرة غيث من النوع الهادي الصبور، لكن للأسف استعجل وسمع كلام سلافة وطلّقها، وما شوفنهوش تاني، تقدري تقوليلي هفضل راهناها جنبي على أمل أنه غيث يراجع نفسه؟.. لا يا سلمي.. سلافة أكبر وأغلى من اني أركنها عشان واحد يعرف قيمتها حتى لو كان الواحد دا ابن عمها وجوزها؟…
زفرت سلمى عميقا وهي تقول بهدوء وترو وهي تعلم أنها ستفجر قنبلة ولكن ما باليد حيلة:
– ما تظلميش غيث يا ماما… اللي انتي وبابا ما تعرفهوش انه غيث لما كان هنا يوم الطلاق… قال لسلافة انه… – وترددت قبل أن تلقيها دفعة واحدة في حين تراقبها أمها مقطبة – أنه طلقها طلاق رجعي مش بائن زي ما كانت عاوزة، يعني هي دلوقتي في شهور العدة وممكن يرجعها في أي وقت ولو بكلمة حتى، لكن الطلاق اللي سلمى كانت عاوزاه ما ينفعش غير بعلمها وبموافقتها وبعقد وبمهر جديد، غيث قال لسلمى انه ممكن يرجعها في أي وقت لكنه مش هيعمل كدا الا بموافقتها هي، وأنه….
وسكتت تلعق شفتيها الجافتين في حين استحثتها أمها للمتابعة:
– انه معتبرها لسه مراته لأنه لما عليها اليمين في البلد كان غضبان، ولما جاب المأذون وجه هنا كان مضغوط عليه من جدي، يعني طلاقه ليها في حكم المضطر… يعني..ما يقعش، يعني سلافة لسه.. مراته!!!!!!!!!!
كاد الصحن الذي تمسك به ألفت أن يفلت من يدها حينما انتبهت اليه فوضعته من يديها اللتان ترتعشان وهتفت بغير تصديق:
– انتي بتقولي ايه يا سلمى؟.. مراته ازاي يعني؟…
لتأتيها الاجابة من خلفها:
– أنا أقولكم ازاي.. يعني غيث بيه وقت ما يحب يطلقني يطلقني وما يحب يقول لي لا الطلاق دا ماي قع شانا المطلوب مني اني أصدق، أصلي لعبة في ايده… متجوزين على مذهب المراجيح.. روحي وانيت طالق .. تعالي وانتي مش طالق!!!!!!
التفتت اليها والدتها تعنفها بقوة هاتفة:
– سلافة!!!!!!!!!!..
لتدلف الأخيرة الى المطبخ وهي تجيب بابتسامة وتلقائية:
– نعم يا ماما، ايه بتكمل غلط؟.. البيه فاكرني لعبة في ايده، بيهدنني ويقول لي اني لسه مراته، وانه ما عملش كدا الا عشان خاطر جدي، لكن انا لسه مراته، وانه مطلقنيش طلاق بائن زي ما انا كنت عاوزة، فاكر نفسه ذكري وهيضحك عليا بالكلام دا…
سلمى بهدوء وابتسامة صغيرة:
– يا سلافة يا حبيبتي العناد مش كويّس صدقيني، لازم تقعدوا مع بعض وتوصلوا لحل، تقدري تقوليلي لما يعرف بموضوع سامي هيكون رد فعله إيه؟..
هزت سلافة كتفيها باستهانة وأجابت ببرود تام:
– ولا يهمني، مكان ما يحط راسه يحط رجليه، انا مش هقعد عمري كله أبكي على الأطلال يا سلمى، غيث كان مرحلة وعدِّيت خلاص، ولازم أفكر في حياتي ومستقبلي..
سلمى بجدية شديدة:
– يعني أنتي مش موافقة على سامي كيد وعناد في غيث؟.. تقدري تقنعيني أنك مرة واحدة بعد ما رفضتيه كذا مرة قبل جوازك بغيث خالص اكتشفتي مرة واحدة كدا انك غلطانه؟.. تقدري تنكري انه اتقدم لك تلات مرات من ساعة ما اشتغلتي في الشركة وكل مرة ترفضيه؟.. ليه دلوقتي مرة واحدة كدا اقتعنتي بيه؟.. ايه السبب؟..
سلافة بجمود وعينان كالزجاج تلمعان بدموع مكبوتة:
– لأني اكتشفت اني كنت غبية ومغفلة، كنت عاوزة واحد أحبه ويحبني، وخدت ايه من الحب دا غير على دماغي؟!!!.. واحدة زميلتي لما سامي كلمني المرة دي قالتها لي.. قالت لي يا سلافة خدي اللي بيحبك مش اللي انتي بتحبيه.. اللي بيحبك هيعمل المستحيل عشان يقدر يوصل لقلبك، لكن اللي انتي بتحبيه مهما عملتي عمره ما هيحس بيكي!!.. وبعدين كفاية انه سامي حضر فرحي وهو من جوّاه كان بيتعذب اني عروسة لغيره، ولما سألته لما فاتحني في الارتباط بيا قاللي أنه اللي بيحب بجد بيتمنى السعادة لحبيبه حتى لو مش معاه، وانه كفاية عليه يشوف الفرحة في عينيا، لكن لما أنا وغيث سيبنا بعض قاللي انه غيث فرّط في فرصته اللي هوّ أداهلو… وأنه مش مستعد انه يسيب الفرصة تضيع من ايديه تاني، حاسيت انه عاوزني بجد، وانا متأكده انه هيقدر يخليني أحس بيه….
تقدمت ألفت واحتوتها بين ذراعيها قائلة بقلب أم مشفق على حال ابنتها:
– لكن اللي بتحبيه يا سلافة لو انتي مش حاسة بيه عمرك ما هتحسي بحبه ليكي، بالعكس حبه ليكي هيكون طوق يتلف حوالين رقبتك، لازم الحب يكون متبادل يا سلافة، الحب هو الضمان الوحيد والأمان ليكم انتم الاتنين، هي مش سباق بنشوف مني فينا اللي بيحب التاني أكتر، دي شركة بين اتنين حبيبتي وكل واحد لازم يدخل بنسبة 100% مش 50% عشان الشركة تنجح…
انسابت دمعة صامتة تجري على صفحة وجهها الحليبية وقالت بحزن يقطع نياط القلوب:
– ما تخافيش عليا يا ماما، بنتك قوية، أقوى بكتير من الظاهر كمان، انتي بس ادعي لي يا ست الكل، ادعي لي انه ربنا ينور لي طريقي….
ربتت ألفت على خصلات ابنتها السوداء وقالت بدموع مترقرقة:
– ربنا يهديلك حالك وينور لك بصيرتك ويعملك الخير كله يا رب…
بينما طالعت سلمى أختها وهي بين أحضان أمها لتبرق عينيها عزما، فلم يعد يفيد تجاهل الأمر أكثر من ذلك، وان كان لزاما من اطلاق رصاص عشوائي لجعل من يهمه الأمر أن يفيق من سباته فستفعله وبكل سرور فقد آن الأوان لوضع حد لهذه المهزلة التي طالت!!!!!!…
**************************
جلست تراقبه وهو يلاعب صغارها منبطحا على ظهره بينما شبل الصغير يجلس فوق بطنه فيما يرقد عدنان بمحاذاته فوق السجادة الفارسية الوثيرة، ارتسمت ابتسامة ناعمة فوق ثغرها الوردي لاحظها ليث الذي همس في أذن شبل ببضع كلمات ليقترب عدنان منهما حتى يتمكن من الاستماع هو الآخر، وما لبثا أن أومئا برأسيهما إيجابا قبل أن يقفز شبل من فوق ليث ليركض محاولا اللحاق بعدنان بينما نهضت سلسبيل من جلستها فوق الآريكة وهي تناديهما دون جدوى لينفجر الليث ضاحكا، خطت سلسبيل خطوتين للحاق بهما قبل أن يعتقل خصرها ذراع قوي مما جعلها تطلق شهقة صغيرة في حين سمعت صوتا خشن يهمس في أذنها:
– يعني لما ربنا يفرجها ولعيال يفوتونا لوحدينا تبجي عاوزة تلحجيهم؟…
تخضب وجهها بدماء الخجل وهمست وقد تلونت وجنتيها بحمرة الفراولة الطازجة:
– جرى أيه يا ليث، رايحه أشوفهم راحوم يمرحوا على فين إكده وما عاوزينش يردوّا عليّ؟!!…
أجابها وهو يمسك بكتفيها يديرها ناحيته:
– راحوم يشوفوم حلجة الجط والفار الكارتوون عشان ياجوا يحكوهالي بالمظبوط!!!!!..
فتحت عينيها واسعا وهتفت:
– حلجة إيه؟… وانت من ميتة بتتفرج على حلجات لعيال ديْ؟…
ليباغتها بحملها بين ذراعيه وهو يقول ضاحكا:
– عشان تِعرفي غلاوتك عِندي جد إيه؟….
قالت وقد رفعت ذراعيها تحيط بهما عنقه القوي كي توازن نفسها فيما لمعت عينيها بحب لم تخفيه:
– برضيكي ما جولتش ايه اللي خلّاك تطلب منيهم الطلب ديه؟…
أجابها وهو يضعها في منتصف فراشهما الوثير:
– ما أني عجولك، دا أني عجولك جواله لا اتجالت جبل إكده ولا عتنجال بعد إكده!!!..
لتطلق سلسبيل ضحكة صاخبة كانت في أذنها كصوت خرير جدول رقراق، وضع يده على فمها وهو ينهرها بجدية زائفة فيما خانته ابتسامة صغيرة ارتسمت على فمه المغطى بشاربه الأسود الكثّ:
– هشششش ، خابار إيه يا أم عدنان، الضحك هديْ ما تنضيحكش اكده، فرضا حد منّيهوم سمعك ولا حاجه… وأني ما رايدش حد يسمعها غيري أبد، ولا اعيالنا ذات نفسيهم!….
همست وهي تطالع عيناه المطلان عليها من أسفل حاجبين كثيفين بينما بقايا ضحكة لا تزال في صوتها:
– ليث… ، ليجبها بهمس خشن:
– يا جلب ليث… ، لتهمس له بما أفقده البقية المتبقية من تماسكه:
– بحبك يا ولد عمي… ، ليطلق تأوها عال ويقول وهو يميل عليها:
– وأني مِتوكّد انك دعوة الحاجة ليّا… يا ما جالت لي روح يا بني ربنا يعطيك الزوجة اللي تفرح خاطرك او بالك، ربنا ما يحرمني منيك أبد يا بت عمي…
أجباته بعشق صاف:
– ولا منّيك يا ولد عمي…
ثم.. لتفاجأ نفسها وتفاجئه بجذب رأسه اليها وإلصاق شفتيها النديتين بشفاهه الحازمة في قبلة رقيقة محبة كرفرفة جناح فراشة، تركته بعدها ليطالعها في ذهول لمدة ثوان وما لبث أن هتف بعدها عاليا:
– يا بركة دُعاكي يا أمّاااااااا….
ليغيبها معه في عناق مليء بالشحنات الكهربائية والمفرقعات النارية لم يفيقا منه إلا على صوت طرقات على الباب، فحاولت سلسبيل إبعاد شفتيها عنه وهي تقول بهمس:
– ليث.. الباب يا ليث…
حاول اعادتها ثانية الى أحضانه ولكنها أشارت بعينيها الى الباب فنفخ بضيق ونهض وهو يزمجر بخشونة قائلا فيما كان يرتدي جلبابه:
– أنا شكلي بعد إكده عخليهوم يّتفرّجو ع الجطط والكلاب والفيران وجميع الحِيوانات اللي خلجها ربّنا!!!!!…..
وما أن فتح الباب حتى تبدلت تعابير وجهه لتكتسي بالجدية المطلقة وتعلو جبينه تقطيبة عميقة وهو يسمع الخادمة تبلغه بوجود الغفير دياب بالاسفل يطلب مقابلته للأهمية القصوى!!!!!!!…
رفعت سلسبيل رأسها وهي تحاول ستر نفسها بغطاء الفراش، شاهدته وهو يتجه الى الحمام الملحق بغرفتهما فقالت مقطبة بحيرة وتساؤل:
– فيه حاجه يا ليث؟…
قال الليث قبل أن يدلف الى الحمام:
– لاه ولا حاجة يا سلسبيل…
ليغيب لدقائق يخرج بعدها وقد ارتدى جلبابا نظيفا واتجه الى منضدة الزينة ليعقد عمامته البيضاء فوق خصلات شعره السوداء التي قد شابها بضعة خيوط رفيعة من أخرى بيضاء، وما هي إلا ثوان إلا وكان قد اندفع خارجا ليجيبها وهي تناديه بلهفة:
– ما تجلجيش يا سلسبيل، حاجة بسيطة بخصوص الديوان، عخلصها وأجيلك طوّالي…
وغاب خلف الباب لتعقد سلسبيل جبينها في حيرة ثم ما لبثت أن نهضت بدورها لتغتسل وتخرج لتفقد صغيريها…
**************************
وقف الليث يمسك بعصاه العاجية وهو يطالع الزرع الأخضر المنتشر من حوله، بينما وقف خلفه الغفير دياب بعد أن رافقه خارج المنزل ليستطلع منه كافة الأخبار اللازمة عن… أم ستيت!!!…
الليث بجدية وبرود:
– يعني اتوكدت انه خاليص… ما عادليهاشي أثر واصل؟…
تقدم دياب الى سيده ووقف يجيبه بثقة مطلقة:
– اطّمن جنابك… كوخها اللي كان في آخر البلد ما عادلوشي أثر واصل…
الليث ببرود:
– عِرفت مين اللي اعمِلها؟…
دياب ببساطة:
– لاه… لكنه وكيد واحد منني أذتهوم بنت اللذينا ديْ.. الله يجحمها موطرح ما راحت، لانه لو كان حرامي كان سرج ع الاجل افلوسها، لكن أني لاجيت حاجِتها كلاتها سوا دهب ولافلوس موجودة.. دا غير انه الموكان ما كانيش متنفعش ولا حاجة يعني اللي داخل جاصد حاجة واحده متي ما اعملها راجع من موطرح ما كان….
الليث وقد استدار يجابه دياب:
– يعني فيه اللي سبجك واعملها؟… لكن غريبه.. كيف ما صوتت؟..
دياب:
– غير انها عايشة لوحديها فهي يظهر والله أعلم إكده انها كانت نايمه، لأني لمن دخلت عنديها لاجيتها نايمة ع سريرها ومتلفحه بالغطا غير انها كانت واخده راحتها ولا مواخذه يعني في خلجاتها اللي كانت لابستهم، ولاقيت الدم امغرّج الغطا والارض من تحتيه، ودراعاتها مليانه دهب، لو كان حرامي أجلّه كان سرج الدهبات…
الليث بهدوء:
– واعملت ايه يا دياب؟..
دياب بفخر:
– عود كبريت وكوخها من البوص والجش… دجايج والنار ولعت في الموطرح كلّاته… وما ممشيتش غير لمن لاجيت كلّه بجه كيف الفحم الأسود….
الليث ببريق يلمع في عينيه:
– في خُرّارة اتشيلها… ماعاوزشي سيرتها تاجي على لسان حد في البلد، واللي انت جولته دلوك ما حدش يعلم به واصل… أني عارف انك راجل يا دياب.. المَرَهْ ديْ عِملت كاتير جووي، كانت ماشيه بينات الناس بالسحر الاسود وليعاذ بالله.. أديها داجت نار الدنيا، وديه معتجيشي واحد ع الالف من نار اآخره ربنا يجيرنا منها!!… دياب.. عاوزك من الصّبُح اتجيب بالدوزر واتساوي الأرض ديْ.. وازرعها خلي الغنم والبهايم تاجي ترعى أهنه..
دياب بطاعة وهو يهز رأسه الى الآسفل:
– أمر جنابك يا كابير….
ليتاعب الليث بينه وبين نفسه وهو ينظر الى البعيد:
– واكده يكون أخر حاجه في حدوتك يا عمتي خولصت.. وأضمن انه سلسبيلي ما تِعرفشي حاجه تانيه من بلاويكي اللي اعملتيها، واحسن حاجه بةيْ اعملها انه اجتنع انك تدخلي المُصحّه.. لانه ما عادش ينفع انك تعيشي بيناتنا بسلام بعد إكده… الكره والغل ملّوا جلبك لحدت ما أكلوم عجلك هو كومان.. ربنا يحفظنا.. ربنا يعافينا مما ابتلاكي به ويحفظ علينا نعمة العجل..
ثم سار بضعة خطوات قبل أن يسمع سؤال دياب عما إذا كان يأمره بشيء آخر ليقول:
– لا يا دياب.. روح انت وما تنساشي اللي جولتلك عليه…
وتابع بينه وبين نفسه وهو يهمّ خطاه ليركب عربته الخشبية الكبيرة التي يقودها جوادان عربيان أصيلان وسائس هو المتحكم فيهما ” انتظريني سلسبيل.. فقد تمكن مني شوق عظيم لا يطفئه إلا حب أعظم… حبك أنتِ سلسبيلي”…
**************************
وقف غيث أمام سلافة مقطبا محاولا استعياب عبارتها التي سمعها، ليعيد سؤاله:
– جولي تاني إكده اللي انت جوليته جبل إكده؟…
نظرت سلمى اليه بتردد وهي ترمق شهاب برجاء قبل أن يهتف بها غيث بقوة وحنق:
– جولي يا سلمى اللي جولتيه تاني…
سلمى بتلكؤ وقد بدأ التردد يصيبها في أن تكون قد تسرعت في الافصاح عن أمر أختها لغيث:
– سلافة… سلافة اتقدم لها سامي زميلها وهي… وافقت عليه!!!!!!..
صمت تام ساد المكان قبل أن يخرقه غيث بهدوء ينذر بهبوب إعصار مدمّر:
– وافجت عليه كيف يعني؟.. وافجت على إيه بالظبّط؟…
نفخت سلمى بيأس وهتفت وقد ضاقت ذرعا بالأمر كله:
– يعني ايه وافقت على إيه يا غيث؟.. وافقت على الجواز من سامي!!!!!
أخطأت.. نعم… بل وخطأ فاااااااااادحا… تأكدت منه ما ان لفظت آخر أحرف عبارتها حتى تمنت لو انها تستطيع ابتلاع كلماتها ثانية، ليهتف غيث فيهب غعصار غضبه قويّا مدمرا:
– أختك اتجننت ولا أيه يا سلمى؟…
ليسارع شهاب ليقف بجوار توأمه محاولا تهدئته بينما تطالعه سلمى برجاء كي يحاول امتصاص غضبه، قال شهاب:
– بالراحه يا غيث، الكلام مش كدا.. سلمى بتقولك على اللي حصل عشان تلحق تتصرف!!
غيث باستهجان وصراخ غاضب وهو يشيح بذراعيه:
– وكيف عمي يجبل بالمهزله ديْ؟.. انتوم ناسيين انها لساتها في العده يعني بكلمة منّي أرجّعها؟… ديه غلطتي اني ما رضيتش أعاودها اف ذمتي تاني من غير ما تكون راضية؟..
هتف شهاب وقد أعيته الحيل لتهدئته:
– يووووه يا غيث، يعني انت شوفتها اتجوزت؟.. بنقولك مرااتك هتتجوز.. لسه ها…..
ليهدر فيه غيث بعنف وحشي:
– جفّل يا شهاب وما تجولهشي تاني… سلافة ماراتيّ.. ولو هيّ ناسيه لحكاياه دايْ أني ما عانديش مانع إنّي أفكّرها…وكش بس إكده.. عخليها تتوكد انها ماراتي وما تحلمشي بغير إكده!..
وأسرع بالخروج صافقا خلفه الباب بعنف ارتجت له جدران المنزل….
خبطت سلمى بيدها على رأسها وهمست من بين أسنانها وهي ترمق شهاب شذرا:
– حسبي الله… بقولك هادِّيه يا شهاب تشعلله!!.. يعني منتظر منه ايه وانت بتقوله مراتك لسه ما اتجوزتش هي موافقة تتجوز غيرك؟!!!!..
شهاب باستنكار:
– يعني أنا دلوقتي السبب في غضب غيث؟… واختك ما عملتش حاجة؟.. عارفة أنا لو من أخويا أعمل ايه؟…
اعتدلت وتقدمت منه ترمقه بريبة وقالت:
– كنت عملت إيه ان شاء الله؟..
شهاب بجدية شديدة:
– كنت ردّيتها وتخبط راسها في الحيطة، مش هستنى أنا لما مراتي توافق ترجع لي والخطّاب رايحين جايين على بابها!.
أنّـت سلمى وهي تسند بطنها من الأسفل وقد قاربت على مشارف الشهر الخامس ليسارع شهاب للأمساك بيدها وهو يهتف بقلق:
– سلمى حبيبتي مالك؟…
رمقته بغيظ وهي تعض على أسنانها:
– ولادتي شكلها كدا هتبقى بدري بدري ان شاء الله وعلى ايدين حد من التلاتة….
شهاب بريبة:
– مين التلاتة دول؟…
سلمى بثقة مطلقة:
– مش هقولك يا انت يا غيث يا سلافة.. لأ!!.. هقولك.. يا إنت، يا أنت، يا أنت!!!!!!!!!..
**************************
أطلقت تنهيدة عميقة جعلت الحاج عبد الحميد يلتفت اليها ليقول بتقطيبة:
– مالك يا أم عتمان كفانا الله الشر؟..
فاطمة بأسى وحزن على حال ولدها عثمان:
– يعني ما انتش داريان يا حاج؟.. عتمان ولدي صوعبان عليّ جوي جوي..
عبد الحميد بهدوء:
– كل شأن المؤمن خير يا أم عتمان.. وحّدي ربّك إكده.. مالّهْ عتمان؟… زي الفل، والحمد لله ربنا نجّاه من اللي كان ممكن يجراله لو ما كانت راوية انكشفت؟.. ومش هو وبس لاه.. كان عيجرى لعيالي كلاتهم…
فاطمة وقد برقت عيناها بإصرار:
– أني لازمن أطمّن عليه يا حاج.. لازمن جلبي يهدى من ناحيتاه..
عبد الحميد بتقطيبة حيرة:
– جصدك إيه يا حاجه؟..
فاطمة بعزم وقوة:
– عتمان لازمن يتجوّز!!!!!!!…
لضرب الحاج الأرض بأسفل عصاه العاجية وهو يهتف بها بدهشة:
– واه!!!!.. عتجولي إيه يا فاطنه؟… بدّك عتمان يتجوّز!!!!!
فاطمة بجدية تامة:
– وما عيتجوزّشي ليه؟.. ما شاء الله عليه عيني عليه باردة.. لسّاتَه ابصحّتاه وعافيتاه.. ديه يتجوز بنت ابنوت كومان… ديه عتمان الخولي أكبر واحد في الجيهة، رجالة البلد والصّعيد كلاته تمنى اتناسباه..
عبد الحميد بشك:
-إيوه يا حاجه أنا امعاك لكن…
فاطمة بلهفة وهي تقترب بجوار الحاج:
– ما لاكانشي يا حاج… عشان خاطري يا حاج.. اني جلبي موجوع عالييه… اعيالاه كلاتهم اتجوزوم وكل واحد منيهم شاف حياتَه وبكره ان شاء الله سلافة اتعاود لغيث وهو يا نضري عيبجى له مين ياخد باله منّيه او يرعاه؟…
عبد الحميد بتقطيبة حيرة وتساؤل:
– لكن ما يتهيأليش أنه عيوافج يا أم عتمان؟..
هتفت فاطمة بلهفة وقد شعرت أنها قد قاربت على نيل موافقة زوجها:
– سيب لحكاياه ديْ عليا أني…
عبد الحميد بشك:
– شكلك إكده فيه واحده ابعينها اف بالك.. صوح؟..
ابتسمت فاطمة وهزت برأسها بالايجاب وهي تغمض وتفتح عينيها عدة مرات ضاغطة بأهدابها بتأكيد وابتسامة تلون محياها المتغضن قائلة:
– ان جيت للحاج… بنت الحلال موجوده وعشان اكده خايفه لو نتأخرّوا اتروح من يدينا!!!..
عبد الحميد بحيرة:
– ومي نديْ يا فاطنه؟..
فاطمة بحماس:
– خديجة بنت عم الحاجة زينب مارات الحاج عبد الهادي كابير السوالمة!..
قطب عبد الحميد فأردفت فاطمة:
– جرى إيه يا حاج لحجت تنساه؟.. مش ديه اللي كان رايد سلافة لولده سيف لمهندس جبل غيث ما يتجدم لها؟.. ويعدين اعرُفنا انه اتجوز شجيجة صاحبه وشريكاه اف مصر؟..
هتف الجد:
– ايوة ايوة فاكراه طبعا.. لكن أني بحاول أفتكر اللي انتي بتجولي عليها ديْ تبجى مين بالظبط؟.. وانتي شوفتيها واتعرفت عليها ميته؟..
أجابت فاطمة وهي تبتسم بجذل:
– شوفتها أيام فرح لولاد.. كانت حداهم ازيارة وجات حضرت الفرح امعاهم.. هي عنديها حوالي ارباعين .. خمسة وارباعين سنه، اتجوزت ابن خالها وما جابتشي منيه اعيال فطلجها بعديها بتلات اسنين، وكانت بت 22 سنة، ودانها ما اتجوّزتشي من يومها، شكلها طيّب جوي يا حاج، يومها جلبي انشرح لها، واتمنيت لو عِندي ليها عريس كت جوزتوهولها…
عبد الحميد بهدوء:
– ربنا يجدم اللي فيه الخير، لكن لوّل نطمّن ع لعيال وبعدين نشوفو لكبار…
ليقاطعه دخول غيث كالصاروخ عابرا من باب المنزل الداخلي رأسا الى الطابق الأعلى يلحقه شهاب مناديا له، ليهتف الجد مناديا شهاب بقوة:
– شهاب…
وقف شهاب على أولى درجات السلّم الداخلي المؤدي للطابق الأعلى والتفت ليرى جده وقد وقف شامخا على عتبة غرفة الجلوس واكتفى بأن أشار له بأن يتابعه، لينظر شهاب الى الأعلى بيأس قبل أن يطيع أمر جده!!!..
وقف شهاب أمام الجد الذي جلس يتفحصه في صمت، في حين هتفت الجدة وهي تضرب على صدرها شاهقة بصدمة:
– يا حِزنيْ!!.. عريس لسلافة!!!!.. وهيّ وافجت؟!!!… وغيث عامل إيه دلوك؟..
شهاب بزفرة يأس:
– على آخره طبعا، ومصمم يسافر مصر حالا ومش هيرجع إلا بيها يا إما…..
وسكت، ليتحدث الجد معلقا للمرة الأولى على ما سمعه منه:
– إما إيه يا والاديْ…
شهاب وهو يزدرد ريقه في صعوبة:
– يا أما يشرب من دم عريس الغفلة !!!!
لتشهق الجدة وتولول هاتفة:
– إلجني يا حاج… والاديْ عيضيّع نفسيه….
نهض الجد وقال لشهاب بحزم شديد:
– نادم خوك وخلّيه ييجيني داري…
ثم التفت الى فاطمة مردفا:
– ما عاوزشي حد يجاطعنا واصل…
انصرف شهاب من فوره لتنفيذ أمر الجد فيما أومأت الجدة بالايجاب وهي تدعو الله أن يلهم الحاج الحل الصحيح….
طرقات على الباب أتبعها أمر بالدخول، دلف غيث مدفوعا بيد شهاب، نظر الجد اليهما ليقول لشهاب آمرا بينما عيناه مسلطتان على غيث:
– اخرج انت يا شهاب، بس خليك أجريّب منينا…
أغلق شهاب الباب خلفه، نهض الجد ووقف أمام غيث الذي كان يتحكم في نفسه بصعوبة، وقف الجد أمامه وقال بهدوء حازم:
– عاجبك اللي واصّلاكْ ليه اجنانك يا غيث؟..
هتف غيث:
– يا جديْ…
ليقاطعه الجد بقوة:
– عتجول إيه؟.. جولتلك واترجيتك ما تسماعشي حديتها، هي في الاول والاخر معذوره لمن شافت أمها وأمك طابجه في رجبيها مش رايده تفوتها واصل، لكن انت عذرك إيه؟…
هم غيث بالكلام ليقاطعه الجد ثانية وصوته قد بدأ في الارتفاع:
– إيه.. عتجولي عشانك شوفتها او هي ابتضروب أمك؟… عجولك برضيك اغلطت.. أول هام أني جولتلك الموضوع مش كيف ما انت فاهم وما صدجتنيش… تاني هام بت عمك ماهيش مجنونة عشان تطبج في زمارة رجبة امك إكده من الباب للطاج.. ما استنيتش تتوكد ليه؟..
غيث بزمجرة خفيفة:
– يا جدي حط نفسك موطرحي، أمي وبتنضرب وبيدعي عليها بالموت، وجبليها كانت ابتضربها وأني دخلت أحوش عنيها، واحد غيري في موطرحي يومها كان مسك ماراته وفين يوجعك.. لكن أني ماعْمِلتِشْ إكده… ليه كلاتكم بتجيبوا الحاج عليّا أني… ولمّن عرفت الحجيجة ما كونتش رايد أطلجها هي اللي أصرّت وانت اللي صممت يا جدّي، ولسّاتني برضك اني بس الغلطان؟..
الجد بقوة وحزم:
– إيوه يا غيث.. عشان انت الراجل!.. ربنا عطاك حج الجوامة.. وخلّا الطلاج في يَد الراجل عشان هو اللي بيحكّم عجله أكتر من الحرمة ماليوون مرة… لو ع الحريم عتلاجيها عتطلّج نفسيها في اليوم ولا سابعين مرّه.. انت ما عطيتش النفسك فرصة تهدى يا غيث، وبعدين ديه ذنبهم وأني كنت بكفّر عنّيه!!..
قطب غيث وتساءل:
– ذنب؟.. ذنب إيه يا جدي؟..
الجد بجدية:
– أني اللي جبرتهم على الجواز بسرعه.. لو عنيهم ما كانوشي رايدين ايكون بالسرعه ديْ… حبيت أخلي لهم فرصة انهم ايفكروا تاني من غير ما يحسوا بأي ضغط منينا عليهم، والحمد لله شهاب خوك جدر ايصالح سلمى ويرجعها، شهاب اللي اني كنت خايف منِّيه طلع أنصح وأوعى منك انت يا غيث!!…
قال غيث متبرما:
– خابار أيه يا جدي؟.. انت ليه امحسسني أني كل حاجه بعملها بتبجى غلط؟..
الجد بحزم:
– لان كل حاجه فعلا ابتعملها يا غيث غلط!!.. تجدر تجولي ما سافارتش ليه لبت عمك ولا مرة من يوم ما اتطلجتوا؟…
غيث بجدية:
– أني سايب لها الوجت اللي هيا رايداه لحدت ما تهدى او ترتاح يا جدي، لكن واضح اكده انه الوجت ديه طوّل.. ولازمن أرجع لها عجلها… بالغصب بالزوج عيرجع لها يعني عيرجع لها…
الجد بأمر:
– بلمهاوده يا ولديْ.. لبنيّه لسّاتها اصغار وعاوزة لمهاوده.. عاملها بحنيتك اللي خاليتها توافج عليك في لوّل.. نسيها ابحنانك جسوتك عاليها!!..
سكت غيث قليلا ثم افترشت ابتسامة واسعة وجهه وقال وهو يتجه ناحية جده يقبل كتفه ويده:
– عيوحصول يا جدي، بأمر الله عيوحصول.. وما راجعشي غير وماراتي اف يديْ..
وخرج من فوره فيما ارتسمت ابتسامة كبيرة وجه الجد!!..
**************************
كانت ترتب أوراقها وأغلقت حاسوبها الشخصي حينما دلفت اليها زميلتها تقى التي قالت لها:
– سلافة انتي خلصتي؟….
رفعت سلافة رأسها وأجابتها بابتسامة:
– أيوه يا ستي الحمد لله، خلصت شغل، ماشيه، ليه عاوزة حاجه؟…
تقى بقنوط:
– أصلي كنت عاوزة أروح مشوار بس بسلامته مشي، ما رضيش يستناني، وقالي اتصرفي انتي لما اتأخرت!!..
ضحكت سلافة وقالت:
– الندالة ليها ناسها بردو.. معلهش يا توتو بس هو اللي جاب الكلام لنفسه!!..
تقى وهي تشيح بيدها:
– عارفى يا ستي.. طيب أعمل إيه دلوقتي؟..
سلافة بهدوء وابتسامة:
– أنا هسبقك وانتي لمّي حاجتك وحصليني، هاخدك في طريقي وأمري لله..
هتفت تقى بحبور:
– تسلميلي يا سولي، دقايق وأكون عندك..
هتفت سلافة من خلفها:
– هتلاقيني قودام باب الشركة، على ما تحصليني أكون طلعت العربية من الجراج..
ركنت سلافة السيارة أمام باب الشركة الرئيسي، كانت تنظر في ساعة معصمها حينما استرعى انتباهها صوت طرقات على النافذة المجاورة لها فرفعت رأسها لتبسم في وجه الطارق فتسارع بفتح النافذة وهي تهتف بحبور:
– أهلا سامي.. ايه اللي مأخرك كل دا؟.. انت كمان كان عندك شغل متأخر؟!!!…
سامي بحزن مفتعل:
– لا.. بس حبيبتي كان عندها شغل وانا مقدرش أمشي من غير ما أسلم عليها…
ضحكت سلافة وقالت:
– كلك زوق والله يا سامي..
ثم تفتح الباب وتترجل من السيارة وهي تحاول التطلع الى الداخل هاتفة بنزق:
– راحت فين دي؟.. قالت لي دقايق مش ساعات!!!..
سامي بتقطيبة خفيفة:
– هي مين دي يا سولي؟..
سلافة بزفرة ضيق:
– الست تقى هانم… وراها مشوار وقلت آخدها في طريقي انما شكلها هتعطلني…
مال عليها سامي وهمس بتوسل مصطنع:
– طيب ما تاخديني انا كمان… العربية حضرتك عملتها معايا وانا طالع بيها من الجراج وتقريبا البطارية نامت وبتشخّر كمان!!!…
أطلقت سلافة ضحكة رقراقة وقالت:
– ارمي عليها شوية مايه وهي هتفوق!!!…
ليهتف صوتا عال بجوارهما:
– دا أني اللي عرميك اف نار جهنم الحمرا لو ما مشيتش من اهنه الساعاه ديْ!!!!!
لتفتح سلافة عينيها واسعا وتهتف بذهول وهي تحدق في وجه صاحب الصوت الغاضب:
– غيث!!!!!!!..
تقدم اليها غيث وقبض على رسغها بقوة هاتفا:
– إيوه غيث!!!…
قاطعه سامي فيما كانت تحاول التملّص من قبضته:
– لو سمحت يا أستاذ غيث، التفاهم مش بالشكل دا!!!…
هدر فيه غيث وهو يشدد من قبضته على معصم سلافة فتأكدت أنه سيحمل ألوان الطيف السبعة في الغد:
– ماليكش صالح بينا، واحد وماراته ايه اللي دخّلك؟.. ثم… مش انت سامي الي حوضر فرحنا ولا أني غلطان؟….
سامي بحدة:
– لا مش غلطان… ولو سمحت بقه سيب سلافة ما ينفعش كدا في الشارع.. وبعدين ايه حكاية جوزها دي انت مش طلقتها خلاص؟!!!!..
لليطالعه غيث ببرود قائلا بعد هنيهة صمت:
– آه صحيح… اتصدّج انسيت….
لتنطلق قبضة يده الأخرى تلكم أنف سامي ليصرخ الأخير وقد سمع صوت قرقعة عظمة أنفه ثم اندفاع نافورة من الدماء من أنفه لتصرخ سلافة التي حاولت جذب يدها من قبضته:
– انت عملت ايه؟…
ولكنه سارع بسحبها وراؤه متجاوزا سيارتها الى أخرى ذات دفع رباعي سوداء كبيرة حيث ألقى بها الى الداخل موصدا الباب بعدها ثم التفت الى مقعد السائق قبل أن ينطلق في سرعة جنونية!!!!!!!!!!!!!!!
أوقف السيارة في منطقة مظلمة ونظر اليها آمرا:
– انزليْ!!!!…
لم تجبه وزمّت فمها غضبا وهي مصممة على عدم النظر اليه، فكرر أمره مشددا على حروفه:
– عجولي أنزلي بالزووج!!!..
لترميه بنظرة نارية من ليل عينيها البهيم اللتان اشتاق اليهما بقوة، ولكن قبلا لا بد أن يعلمها درسا قاسيا.. فعلاقتهما خط أحمر غير مسموح لها بالاقتراب أو العبث بها!!!…
هدر بعنف أثار فزعها وجعلها تقفز في مكانها:
– جولت إنزلي…..
لتسارع بفتح الباب والترجل من السيارة وتفاجأ بوقوفه أمامها، فقطبت ناظرة اليه بحدة وغضب، أمسك بمرفقها وهو يدفعها أمامه لتسير باتجاه معين، وقف بعد خطوتين وحاولت استيضاح المنطقة حولها، فلم ترى أي معالم لأي حياة بالجوار، شهقت وهي تراه يسحبها بشدة ويدفعها الى الداخل بقوة صافعا الباب بعنف خلفهما، وقفت تلهث بقوة بينما قلبها يطرق بين جنباتها في خوف وفزع، ما أن أغلق غيث الباب خلفهما حتى ساد الظلام ثانية فالشمس قد غابت تماما، ولم تكن قد انتبهت بعد الى المكان الذي يتواجدان به، وان كانت قد خمنت أنه منزل بمنطقة نائية، صوت مفتاح الكهرباء نبهها لينتشر الضوء بالمكان فتغلق عينيها لثوان ثم تفتحهما ثانية، ناظرة حولها، لتفاجأ بردهة منزل واسعة مؤثثة بالكامل، ثم وقعت عيناها عليه، راقبته وهو يتقدم ناحيتها بخطى بطيئة فتراجعت الى الخلف وهي ترفع سبابتها اليه محذرة:
– إنت جايبني هنا ليه يا غيث؟.. جايبني هنا ليه؟…
ليسارع باعتقال خصرها بذراعيه فجأة فتشهق بقوة وعمق في حين رفعها أمامه ليكون وجهها على مستوى وجهه وهو يقول بابتسامة ثعلب ماكر:
– ديه بيتك يا….. عرووووسه!!!!!..
قطبت سلافة وهي تردد بحيرة وخوف بينما يكاد قلبها أن تتوقف دقاته من معنى نظرات غيث الماكرة:
– يعني… يعني إيه؟….
غيث بابتسامة صيّاد نجح في أسر فريسته وهو يحكم قبضته على خصرها بقوة آلمتها ولكنها أطبقت شفتيها حتى لا تصدر تأوها:
– يعني الليلة.. الدخلة… اني همّلتك الوجت اللي انت رايداه.. واعمل تلك اللي انتي عاوزاه.. ودلوك جه الوجت اللي أعمل أني اللأي أني عاوزُهْ!….
وارتفعت ذراعاه ليضمانها بقوة كالكلّاب فيما توسعت حدقتاها ذعرا وهتفت برعب شديد:
– وايه… اللي انت عاوزه؟!!!!!!!!
ليميل عليها ممكشر أنيابه في ابتسامة ظفر كبيرة:
– رايدك أنتي يا بت عمي!!!!!!!!
ما أن وصلها معنى عبارته حتى فتحت فمها لتصرخ عاليا عندما بلع صرختها لتردد بداخل جوفه فيما أخذت تنتفض بذعر كحمامة تم وقعها بين براثن نسر جامح، ولكن لم يكن ليتركها غيث قبل أن يوسمها باسمه…. فتلك الجنية الصغيرة قد أسرت قلبه بقيد حديدي… وحان الوقت ليوشمها هو… بوشمه الناري!!!!!!!!!!!
– يتبع –