“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد
كبير العيلة
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
الحلقة (31)
دلفت الى غرفة النوم، رأته يقف يرتدي عمامته البيضاء، فابتسمت واقتربت منه، طالع صورتها المنعكسة في المرآة خلفه، ولكنه لم يهتم بمبادلتها الابتسامة وأكمل لف عمامته، اقتربت منه ومسحت ذرات غبار وهمي من على كتف جلبابه الكتاني الأبيض، ثم قالت محاولة إسباغ الرقة على صوتها:
– عتتأخر انهَااردِه؟…، أجابها وهو يستدير نافضا يدها من فوق كتفه وببرود:
– ما عارفشي… انما غريبة يعني… من ميته وانتي عتسأليني عتأخر ولا لاه؟..، هزت كتفيها واجابته بخفوت:
– لاه .. بس بطمّن.. أني عارفة انك متكدر منّي وأني ما عاوزاكشي تغضب عليّا يا ولد عمي أني….
لتبتر عبارتها فجأة وقد توسعت عينيها ذهولا ورعبا وهي تراه يرتدي وشاحه لافاًّ اياه حول رقبته وهو يستمع اليها بغير اهتمام، فهتفت وهي تشير الى وشاحه:
– ديه… ديه شاملة غيث مش إكده؟….، أجابها عثمان وقد أنهى استعداده للخروج:
– غيث عطاها لي .. عندك مانع؟..، ولم ينتظر اجابتها واستدار منصرفا ليوقفه هتافها العالي باسمه فالتفت اليها ناهرا لها بتقطيبة حادة فوق جبينه:
– باه.. جرالك إيه يا وَلِيِّه؟.. اتجنيت إياك؟.. عم بتزعِّجي ليه إكده؟….
هرولت اليه وهي تجيب وقد شارفت على البكاء:
– ماعالهشي يا ولد عمي، ما تواخزنيشي، لكن الشاملة ديْ غيث كان لابسها جبل ما يتزوج ولسّه ما غسلنهاشي, غيِّرْها وهاتها لمّن أغسلها…
عثمان بحدة:
– باه.. اتخبطتي في نافوخك يا راوية؟؟.. غيث ما اتلفعشي بيها واصل، من وجت ما عطيتهاله هَديّة وهو عطاهالي لمّن شافها عاجبتني، وديه يدوبك تاني مرة أتلفع بيها.. وخّري من جودامي خليني أروح ِأشوف مصالحي…
كادت راوية تنوح وهي ترجوه:
– يعني انت اللي لابستها من الاول يا عتمان؟…، أجابها ساخرا مقلدا صوتها الباكي:
– إيوة أني اللي لابستها من الاول يا عتمان!!.. بعدي عني يا إماتَنْ الله في سماه لا أخلِّص منِّيكي الجديد والجديم يا راوية… بعِّدي!!…
ليزيحها عن طريقه ويخرج صافقا الباب خلفه بعنف فتطلع الى الباب حيث اختفى وراؤه وهي تهمس في شبه هستيرية:
– هو اللي لابسها من الاول!!!!.. على إكده لمن جبتها من المجعد اللي كان في الجنينة ما كانشي غيث اللي ناسيها كيف ما كنت فاهمه.. كان هو!!!!.. يعني عمل أم ستيت معيصيبشي بنت ألفت….
لتقطع عبارتها وتصمت فجأة وهي تشهق برعب هاتفة وحدقتاها قد توسعتا فزعا:
– عيصيبني أني!!!!!!!!!، وفتحت الباب تهرع مسرعة خلف عثمان وهي تناديه عاليا قبل أن يعرق في الوشاح أو تغمض عينيه وهو يرتديه فيسري مفعول السحر الأسود فيصيبها هي!!!!!!!!…
وقف عثمان فجأة حتى كادت تضرب به وهو يزفر بضيق ونظر اليها من فوق كتفه وهو يصيح بها عاليا:
– أنتي وبعدهالك أنّهاردِهْ؟؟.. اتجنيتي ولّا إيه؟..
حاولت راوية التقاط انفاسها المتعثرة وأجابته بتلعثم واضح وهي تقف تواجهه في ردهة المنزل أمام الباب الداخلي:
– ما.. ماجراشي يا.. يا ولد عمي، لكن التلفيعة دي مش امناسباك فأني بجول انك… انك.. اتغيّرها أحسن!…
ضيق عثمان عينيه ومال عليها وهو يقول باستنكار حاد:
– بتجولي إيه يا أم الوِلْدْ؟… أغيِّر إيه؟.. ومن ميتة انتي بتتدخّلي في اللي عالبسه واللي معلبسوشي؟…
راوية وقد هرب الدم من وجهها فزعا من لهجة الوعيد الواضحة في صوته:
– لاه ماجصداشي حاجة لا سمح الله، غاية ما هناك إني رايداك تيابك كلاتها اتكون ريحتها زينة، وديه ما تواخزنيشي يعني يا ولد عمي، ريحتها عِفشة.. لازمن أغسلها وأطيّبها لك بالعود والبخور كيف ما بعمل في خلجاتك كلاتها، أني لو كُتْ أعرِف أنها تلفيعتك كُتْ بخرتهالك كيف ما بتحب اتيابك كلاتها..
زفر في اختناق وهتف بها:
– راوية بجولك إيه.. اطلعي من نافوخي.. ايه الحديت الماسخ ديه؟؟… وبعدين ريحتها عفشة!!… جصدك ريحتي أني بجاه ما هو أني الوحيد اللي لابستها!!!
شهقت راوية وهي تهز رأسها مرارا وتكرار نفيا وهي تهتف بلهفة:
– لاه.. لاه ينجص إلساني لو جولت إكده.. أني بس…
ليقاطعها هاتفا:
– اسكتي ساكت خلاص… جبر يلم العفش…..
ليقاطعه دخول شهاب وسلمى وهما مشبكان أيديهما سويا وما أن لمح شهاب والده حتى ترك يد سلمى احتراما له، اتجها إلى عثمان وراوية حيث ألقيا تحية الصباح فرد عثمان وهو يحاول الابتسام في وجهيهما في حين ردت راوية وهي تشعر بالحنق والغيظ من منظر ولدها مع ابنة ألفت، لتلقي التحية ببرود ولكنها سرعان ما ابتسمت لشهاب وهي تحتضنه وهو يقبل رأسها ويدها داعية له بصلاح الحال وأن يكفيه الله شر أولاد الحرام وبنات الحرام وهي تحدج سلمى بطرف عينها والتي لاحظت نظرتها فقطبت في حيرة!!!…
قال شهاب بابتسامة:
– ايه مالك يا حاج ع الصبح مين اللي معصّبك بس؟؟..
عثمان وهو يحاول تمالك أعصابه:
– لاه مافيشي يا باشي مهندز.. ما تشغلشي روحك أنته…
ثم وجه حديثه الى سلمى مردفا بابتسامة أبوية:
– كيفك يا عروسة.. شهاب عامل امعاكي إيه؟.. لو زعَّلِك ولّا عِمِل لك أي حاجة جوليلي وأني هعرِّفه شغله صوح..
ضحكت سلمى وأجابت بابتسامة:
– ربنا يخليكي ليا يا بابا الحاج.. شهاب مش ممكن يزعلني…
ليبتسم لها شهاب ابتسامة عشق صافي بادلته اياها في حين كانت راوية ترغي وتزبد وهي ترى نظرات الحب المتبادلة بينهما وما زادها كرها وبغضا حديث زوجها لسلمى من أنه سينصفها هي على ابنه!!!..
لمحت بطرف عينها وردة وهي تسير بالقرب منهما تحمل كوب ماء فنادتها لتقبل الأخيرة عليها فسألتها بأمر:
– هاتي الكوباية ديْ، لَمين واخداها؟..
أجابتها وردة بينما تناولت راوية كوب الماء من يدها:
– ديه ستِّي الحاجة كانت رايدة تشرب…
رفعت راوية الكوب على فمها وهي تميل ناحية عثمان، وما أن سمعت جواب وردة حتى أسرعت بإزاحة الكوب متظاهرة بالاضطراب ليقع نصف محتويات الكوب فوق ثياب عثمان وتحديدا… على الوشاح الملموس!!!!!
هتف عثمان وهو يبتعد عنها:
– باه.. جبر يلم العِفش!.. خبر إيه يا راوية انّهارْدِه؟…
راوية وهي تصطنع الأسف:
– ماعالهشي يا ولد عمي، لمن اسمعت ان المايّة ديْ لمرات عمي إزوِرْتْ!!!
تأفف عثمان وهو يقول:
– أعمل إيه دلوك؟.. ناجص عطلة أني؟.. أمري لله عروح أبدّل اتيابي…
لينصرف من فوره تتبعه راوية وهي تخفي ابتسامة نصر صغيرة في حين تبادل شهاب وسلمى نظرات التساؤل والجهل!!..
————————– ————————
تقدمت أم علي من سيدتها وهي تتساءل في سرها عن سبب تلك التكشيرة الكبيرة التي تزين وجهها؟!!….، تحدثت أم علي بلهفة:
– مالك يا ست الحاجة كفالنا الشرّ؟.. شكلك إكده تعبان ومتضايج..
تنهدت راوية بعمق ثم أجابتها بينما تجلس أم علي على السجادة الأعجمية أسفل قدمي سيدتها في غرفة نوم الأخيرة:
– عجولك إيه بس يا أم علي، العمل اللي عاملاته أم ستيت مابجاش نافع!..
خبطت أم علي على صدرها براحتها وهي تهتف في دهشة وتساؤل:
– كيف ديه؟.. أم ستيت سرّها باتع وعملاتها ما عتخورّش المايّه..
قالت راوية بضيق:
– أهو اللي حوصل… أتصرف كيف أني دلوك؟..
قالت أم علي بابتسامة مترددة:
– ما يمكن يا ستي الحاجة ربْنا يخلف الظنّ ويطلعوا بنات حلال مش كيف ما انتي خايفه!..
نهرتها راوية والتي شعرت بأنها على وشك خسارة حليفها الوحيد في هذا المنزل حتى وإن كانت خادمتها المطيعة:
– باه… عتخرّفي تجولي إيه يا وليّه إنتي؟!… يطلعوم زينيين كيف وأمهم ألفت؟!.. وبعدين ماواعياشي لطريجتهم في الحديت ولا ضحكهم، وكله كوم ولبسهم الماسخ ديه كوم تانيْ!.. أني كنت رايدة لولادي ابنتّه من حدانا اهنه عارفاهم زين وخابره تربايتهم كيف شكلها، لكن بنات البندر دولم هعرِف منين أني ان كانوا زينين ولا شينين؟.. دولات ولاديْ وأني أمهم يعني أني الوحيدة المفروض تجول آه ولا لاه على الرايدين يتزوجوهم، مش كيف ما عملوا وأنغصب أني أجبلهم، بذمِّتِكْ يا أم علي ما شايفاشي لبسهم كيف؟.. أني مستغْرِبَه كيف شهاب وغيث سايبينهوم إكده من غير ما يجبروهم أنهم يتغطُّوا؟.. واتجوليلي عيطلعوا زينين؟.. الجواب بيبان من عنوانه يا أم علي..
أم علي وقد اقتنعت بوجهة نظر سيدتها:
– تصدجي يا ستي الحاجة عنديكي حاج، صحيح.. لبسهوم أني ذات نفسي اللي اسمي مَرَهْ كبيرة لمن بشوفهم بانكسف لهم، لاه.. عنديكي حاج يا ستي الحاجة..
وسكتت أم علي لتتابع بعد ذلك بسذاجة جاهلة بأن حديثها سيكون بمثابة صب الزيت على النار وسيفتح بابا لن يُسد بسهولة:
– أني لساتني حتى جبل شوية لمن شوفت ست الدَّكتووورة وهي راكبة الترموبيل مع جدع إكده ربّك والحاج.. استعجابت!..
قطبت راوية وقاطعتها وهي تسأل بريبة:
– انتي عتجولي إيه يا ولّيَّه؟…، هزت أم علي رأسها بالايجاب وهتفت:
– إيوه يا ستي الحاجة… ست سلمى نَضَرْتها وهي راكبة الترومبيل مع جدع أني شوفته جبل إكده… بس مافاكراشي فين؟..
ثم قطبت وهي تحدث نفسها وتخبط بسبابتها على صدغها:
– فين يا أم علي فين؟..
كانت راوية تتابعها بتساؤل ولهفة حتى هتفت أم علي بظفر:
– إيوه.. افتكرت.. الجدع الدَّكتووور اللي جِه حدانا إهنه وكانوا بيجولوا انهم يّعرِفوه من زمان..
راوية بتقطيبة:
– جصدك الدّكتوور كريم؟…، هتفت أم علي:
– إيوه.. هوّ ديه.. الدّكتووور كريم!!..
لمعت عينا راوية بلمعة ذئب قد وقعت فريسته في الشّرك، وابتسامة شيطانية ارتسمت على وجهها الأسمر ليصبح وجها بشعا مخيفا للكراهية مجسّدة!!!..
– ماما وحشتني أوي يا سلمى….
هتفت سلافة بهذه العبارة لسلمى شقيقتها وهي تحادثها في الهاتف، لتجيبها الأخيرة:
– وأنا كمان، بابا وماما وحشوني جدا، ان شاء الله يخلّصوا العمرة ويرجعوا لنا بالسلامة..
سلافة بتنهيدة عميقة:
– ان شاء الله، تصدقي ما فاتش الا اربع ايام بس من يوم ما سافروا وبيتهيألي انهم اربع اسابيع!.. المهم عامله ايه انتي مع الحيزبون؟..
سلمى تنهرها:
– يا بنتي عيب كدا، مهما كان دي اسمها أم جوزي وجوزك ومرات عمك بردو…
شخرت سلافة باستهانة وقالت:
– بس، بس.. هتفضلي عبيطة كدا طول عمرك، دي مش بس حيزبون لا والعجوز أم منقار كمان، أنا بحمد ربنا أني سافرت اسكندرية مع غيث وهو بيخلص شغل ليهم، اترحمت من سحنتها شوية..
سلمى بعتاب:
– بردو يا سلافة، مش عاوزة تبطلي؟.. عموما يا ستي الحمد لله أنا في حالي وهي في..
قاطعتها سلافة بجدية:
– في حالك بردو!!!!…، قطبت سلمى وتساءلت:
– إيه؟… يعني إيه هي في حالي بردو دي؟..
سلافة بصبر:
– يعني هي مش هتسيبك في حالك يا سلمى، وخلي بالك منها كويس أوي، مش معنى أنك مقتصراها خالص انها هتبعد عنك، انتي مش فاكرة وماما بتسلم عليها وهي مسافرة انها سلمت عليها ببرود من طراطيف صوابعها وقالت لها معلهش أصلي عندي برد!!… برد!!!.. الهي وانت جاهي يجيلها برد وحر سوا يعملوا عندها قافلة ما تقوم منها!!!!.
زجرتها سلمى عاليا:
– بقولك ايه يا سلافة لو مش هتبطلي طريقتك دي أنا هقفل، انا مش مستعدة أني أخد ذنوب من وراها، 100 قولتلك مالكيش دعوة باللي بين الكبار، هي لغاية دلوقتي ما أذتناش في حاجة، ولا حتى أذيت ماما، كونها بقه بتسلم ببرود ولا بتتكلم من تحت الضرس دي حاجة منقدرش نقول فيها حاجة، طالما ما واجّهتش إهانة لينا او لماما يبقى خلاص..
سلافة بجدية:
– خليكي كدا يا سلمى لما تتقرصي منها، أنا قلبي دليلي وسبحان الله اللي بحس بيه بيطلع صح على طول، ومن أول يوم شوفتها فيه وانا مش مرتاحالها، انتي نسيتي انها كانت معارضة جوازنا من ولادها؟.. سلمى نصيحة من أختك الصغيرة.. أنتي يمكن الكبيرة لكن طول عمرك وسط كتبك ومراجعك ومن المستشفى للبيت، أنا ليا خبرة بالناس واحتكيت بيهم أكتر منك، خلي بالك منها، اوعي تأمني لها، ودايما صارحي شهاب بأي حاجة، اوعي يا سلمى تخبي عليه حاجة لانها لو عرفتها بالصدفة صدقيني هتعملك حفلة عليها وجوزك معلهش مندفع، ما تزعليش مني أنا عارفة شخصية شهاب، لانه للأسف نفس التسرّع اللي عندي والاندفاع، خلي بالك يا سلمى..
سلمى وقد بدأت تشعر بالقلق من حديث شقيقتها الصغرى:
– حاجة إيه اللي أصارح بيها شهاب يا سلافة؟.. أنا عمري ما خبيت عليه حاجة..
سلافة بجدية مطلقة:
– شهاب عرف بموضوع كريم انهرده؟..
سلمى بتقطيبة:
– لا.. أنا لسه مروّحتش، وأكيد كنت هقوله أول ما أشوفه، المفروض أنه هيفوت عليا هنا في العيادة لكن اتأخر، عموما أنا لما أروح هقوله..
سلافة بإصرار:
– لا.. تكلميه حالا دلوقتي في الموبايل وتقولي له، اقفلي مني وكلميه يا سلمى، أرجوك.. انتي مش ضامنه الحيّة اللي انتي عايشة معاها دي ممكن تعمل إيه؟..
تأففت سلمى وهتفت:
– يوووه.. تاني يا سلافة؟!.. بصي أنا فعلا هقفل لأنك قلبتي دماغي.
وأنهت المحادثة الهاتفية، وشردت قليلا وسرعان ما استعادت هدوءها وهي تتمتم:
– ربنا يسامحك يا سلافة، قلقتيني على الفاضي، أنا متأكدة انه الموضوع بسيط وأول ما أروح أن شاء الله هقول لشهاب، وشهاب بيثق فيا مهما حد قاله عمره ما هيصدق حاجة إلا لما يسمعني الأول!..
ولكنها كانت كمن يطمئن نفسها بينما داخلها وخز ينبئها بأن أختها أبدا لم تضّخم الأمور… وأن قلقها في محله!…
************************** **********
– انتي بتقولي ايه يا أمي؟….، هتف شهاب بذهول في حين اقتربت منه راوية بخطوات واثقة ووقفت أمامه مكررة قولها بجدية:
– عجولك الجدع اللي اسميه كريم ديه جه اهنه ومراتك خرجت امعاه!…
ذهل شهاب ولم يجد جوابا للسؤال الواضح في عيني والدته ليزدرد ريقه بصعوبة ثم تحدث بصوت أجش:
– اكيد عاوزها في حاجة مهمة..
راوية وهي تنظر اليه بتركيز فيما تنفث السم في أذنيه وابتسامة سخرية صغيرة تشكّلت على طرف فمها الذي يقطر سُمًّا:
– هي جالتلك؟.. استسمحتك انها تُخرج امعاه؟… ، نظر اليها بحدة وريبة فعلمت أنها لا بد وأن تغير من طريقتها معه كي لا يشك في نواياها، فشهاب ليس كغيث، فهو سريع الانفعال وحاد، لذا ارتأت المداهنة فخفضت صوتها مسبغة عليه رنة خوف زائفة وقلق وهي تردف:
– يا ولديْ أني عارفة ان مراتاك لساتها ما اتعاوّدت على طبْعِنا وعاوايدنا، لكن برضيكي أني ما يرضينيشي ان حد من اهل البلد يشوفوها وهي ماشية امعاه.. عيجولوا إيه وجتها؟…، ليهب صارخا:
– يعني ايه ماشية معاه دي؟.. جرى ايه يا أمي؟….
ترقرقت دموع التماسيح في عينيها وهي تقول بأسف زائف وحزن:
– بتزعّج لي يا ولدي واني رايدة موصلحتك انت ومراتَك؟… زفر شهاب بضيق ومال عليها مقبلا رأسها وهو يعتذر قائلا:
– معلهش يا أمي ما تزعليش، حقك عليا، بس أكيد فيه سبب يخلي سلمى تعمل كدا!..
كادت تنفخ بضيق فهذه الـ سلمى تبدو قد تمكّنت من ولدها تماما، فهذا ليس شهاب ابنها الذي كان دائما فعله يسبق تفكيره، فهو انفعالي بالدرجة الاولى، ولكنها لن تكون راوية ان لم تجعله يهب كالاعصار عليها!!.
تظاهرت بالاقتناع وهي تقول:
– عنديك حج يا ولديْ، لازمن فيه سبب ايخليها اتروح امعاه المركز، اني بس كُت خايفة لمّن الناس ايشوفوها وهي راكبة امعاه عيجولوا ايه؟…
ليحدق فيها شهاب بشدة في ذهول أول الامر قبل ان يهدر صائحا:
– ايه؟.. راكبة معاه؟.. سلمى ركبت مع كريم العربية؟..
راوية وهي تتظاهر بالدهشة من انفعاله:
– إيوة يا ولديْ، وبصراحة إكده.. أني سمعتها وهي بتحدته في التَّلفون وكات بتجوله انه المشوار مش عياخد كاتير، بس ما كوتش خابره انهم عيتكلموا على خروجتهم سوا!!..
فمن سوء حظ سلمى ان راوية كانت قد سمعت طرفا من حديثها في هاتفها المحمول وطرق اسمه سمعها وما ان علمت من ام علي ان سلمى قد خرجت برفقة كريم حتى نسجت لعبتها الماكرة وأحكمت خطتها للايقاع بين ابنها وابنة ألفت!!..
احمرّت عينا شهاب لتصبح بلون الدم، وما ان همّ بالكلام حتى قاطعه صوت سلمى المرح وهي تدلف الى الداخل، والتي ما ان رأته حتى تقدمت ناحيته وهي تهتف بفرح لرؤيته:
– شهاب حبيبي.. حمد الله على السلامة..
ثم تعلقت بعنقه ورفعت رأسها لتقبله على وجنته كما اعتادت ليبتعد بوجهه عن مرمى قبلاتها فقطبت ثم لاحظت وقوف راوية جانبا وكانت قد ابتعدت لدى رؤيتها لسلمى وهي تدخل، فاعتقدت سلمى ان برود شهاب راجع الى وجود والدته فاحترامها واجب، فابتسمت وهي توجه تحيتها لوالدته قائلة:
– ازي حضرتك يا طنط؟..، ابتسمت راوية ابتسامة صفراء وهي تجيبها:
– الحمد الله زينة.. انتي كيفك يا بتِّي؟..
قاطعهما صوت شهاب الذي هدر بعنف:
– كنتي فين يا سلمى؟… ، نظرت اليه سلمى مقطبة وقالت:
– يعني ايه كنت فين؟.. كنت في المركز…
نظر اليها بحدة مردفا:
– ليه؟.. ويا ترى كنتي لوحدك؟…
سلمى بريبة:
– انا مش فاهمه ليه الأسئلة دي كلها؟.. هو تحقيق؟.. عموما كنت في المركز بقضي مصلحة، ارتحت ؟.. عن إذنك…
وتركته واستدارت منصرفة حين انطلق صوته آمرا من خلفها:
– سلمى!!!!… ، لتتيبّس في وقفتها فيما تراقبهما راوية وابتسامة جذل تتراقص بين مقلتيها، تقدم شهاب منها واستدار ليقف أمامها وهو يهتف بشراسة من بين أسنانه:
– الست المتربية ما تسيبش جوزها وهو بيتكلم وتمشي يا هانم!… هو سؤال واحد.. كريم كان هنا بيعمل ايه؟….
لتظهر الصدمة جلية على ملامحها ثم تنقل نظراتها بينه وبين حماتها تلك العقربة التي حذرتها منها أختها قبل قليل وكانت هي من الغباء والسذاجة أن نهرتها بعنف، لتتحقق مخاوف أختها من أن راوية تقف لها بالمرصاد ولا بد أن لها يد في حدة شهاب واتهامه الصارخ في طريقة كلامه معها، والتي ترفضها شكلا وموضوعا، تنفست بعمق ثم تحدثت ببرود وصوت ميت:
– سؤالك كنت ممكن أجاوبك عليه لو كان استفسار عادي، لكن صوتك فيه تلميح واتهام انا مقبلوش، وعشان كدا.. أنا آسفة.. أنا أرفض طريقة كلامك معايا بالاسلوب دا، وغير كدا دي حاجة خاصة بكريم مش بيّا فمش من حقي أني أقولها!..
فتتدخل راوية هاتفة بخبث لتصب الزيت فوق النار:
– خاصّة بيناتك انتي وكريم دِه؟…
سلمى بجمود:
– تمام .. بيني وبينه!….
حدق فيها شهاب بغضب مخيف بينما أسود وجهه وهو يصرخ بها:
– ايه؟…. انت اتجننتي؟!!!!!!!!!! ..
سلمى وقد بدأت تشعر بالاختناق:
– ولا كلمة زيادة بعد كدا يا شهاب، انت مش في وعيك دلوقتي..
ليعاجلها بجنون:
– قصدك ايه؟.. إني مجنون؟…
لتتقدم إليه وقد تصدعت قشرة برودها بسبب اتهاماته المجحفة بحقها ونظرة التشفِّي الواضحة التي تراها في عيني أمه في حين قد عميت عيناه هو عن ملاحظتها، وقفت أمامه وهي تهتف بانفعال خارج عن ارادتها:
– والله اللي تحسبه بقه.. أنت أدرى بنفسك!!.. مجنون ولّا…..
ليقاطعها بصفعة مؤلمة جعلتها تصرخ ألما وهي تطالعه بأسى وذهول وما لبثت أن هتفت صائحة:
– مش ممكن هستنى معاك دقيقة واحده بعد كدا، انت مجنون فعلا، طلقني يا شهاب.. طلقني!!!!!!..
ما ان سمعتها راوية حتى كادت تزغرد فرحا فها هي أولى بنات ألفت قد نطقتها والبقية تأتي يا بنات ألفت!!..
ولكن صوت قوي رغم عمر صاحبته التي تخطت الستين صدح عاليا وبقوة:
– إيه اللي بسمعو ديه؟…
نظرت سلمى تجاه الصوت لتبصر جدتها فركضت إليها وارتمت بين ذراعيها وهي تجهش ببكاء حار وتهتف برجاء وحزن يقطع نياط القلوب:
– الحقيني يا ستّوُ، أنا مش ممكن أستنى ولا دقيقة واحده كمان هنا..
احاطتها جدتها بحنان وقالت بهدوء في حين رمت شهاب بنظرة غاضبة وراوية بأخرى سوداء غامضة:
– باه… ايه الحديت ديه يا بتّي؟..
رفعت سلمى وجهها اليها وقالت وهي تشهق بعنف بينما دموعها تغرق وجهها:
– أنا اتضربت واتهنت يا ستُّو، عمر ما حد مد إيده عليّا لا بابا ولا ماما، وزعيق وطريقة كلام وتلميحات أنا مقبلهاش، أنا مش ممكن هستنى هنا، أرجوكي يا ستو خلّيني أمشي من هنا…
ليهدر شهاب بغضب ينافي الخوف الذي احتل قلبه ما ان سمعها وهي تصرخ طالبة الطلاق:
– انتي اتجننتي؟.. مش هتتحركي خطوة واحدة من هنا يا سلمى، وانسي الكلمة المجنونة اللي انتي قولتيها دي، ولو زودتي في الكلام رجلك مش هتخطي عتبة البيت ولا اضطريت أني أحبسك.. هحبسك!!!.. ايه رأيك بقه؟…
هتفت الجدة بحدة:
– شهاااب!!!.. اتجنيت إياك!!.. ليه ان شاء لله.. معنديهاشي عيلة وعزوة يوجفولك؟.. انت اتخبطت في نافوخك ولا ايه؟.. ديه بدل ما تحب على راسها وتستسمحها تجوم اتجول إكده؟…
تأفف شهاب وقال:
– يا جدتي انتي مش عارفة اللي حصل..
قاطعته هاتفة:
– مهمن كان… متوصلشي بيك المواصيل انك اتمد يدك على مراتك، ودلوك اتفضل جودامي على داري لمن أشوف آخرتها مع اجنانك اللي انتي مش ناوي اتودّرُه ديه إيه…
هتفت سلمى برجاء:
– أرجوكي يا ستّو.. أنا مش قادرة أستنى دقيقة واحده بعد كدا أنا…
ليهتف شهاب بحدة بينما يتقطع داخله ما أن لمح علامات أصابعه فوق وجنتها الناعمة حيث كاد يجذبها بين أحضانه ليقبل وجنتها ويرجوها أن تسامحه:
– ما تعصبنيش يا سلمى، انتي مش هتتنقلي من هنا…
الجدة بصرامة:
– أني جولت ايه يا شهاب؟.. مش جولت ما رايداشي أسمع صوتك دلوك؟!…
ثم أشارت لسلمى قائلة بابتسامة خفيفة:
– تعالي يا بتي الله يرضى عنيكي، واطمّني.. اللي عيرضيكي أني هعمله….
هتف شهاب بهلع:
– جدتي…
لتنهره بنظرة زاجرة، فتقدمها كلا من شهاب وسلمى وسارت هي خلفهما حتى إذا ما أصبحت بمحاذاة راوية التي تابعت الحوار الذي دار بين ثلاثتهم فيما ينتفض داخلها خوفا من الجدة، اذ بفاطمة تميل ناحيتها وهي تقول بخفوت ولهجة تحذير واضحة تلون صوتها:
– إياكي تتحركي من اهنه، هخلص امعاهم وبعدها ليا جاعده امعاكي يا… مرات ولديْ!…
————————– ———————–
جلست الجدة تقلب نظراتها بينهما، كانت سلمى تشيح بعينيها بعيدا عن شهاب الذي كان وكأنه يجلس فوق مقعد من شوك!
خرقت الجدة الصمت السائد بقولها:
– يعني حسب اللي سامعتو منيكو انتو التنيين ان المشكلة أنه سلمى خرجت مع كريم من غير ما تجولك صوح يا شهاب؟..
ليرد الاثنين في نفس واحد:
– سلمى: لا…
شهاب: آه..
هتفت الجدة بصرامة:
– بكفاياكو عاد!!!… ، ثم تنهدت عميقا قبل أن تردف موجهة حديثها الى سلمى بحنان أمومي:
– سلمى يا بتّي جوزك من حجّه يّعرِف انتي روحتي فين وجيتي منين..
هتف شهاب بظفر:
– شوفتي!.. عندي حق أهو..
نهرته الجدة:
– باه.. بكفاياك جولت!..
سلمى بعتاب للجدة:
– انا ما اعترضتش انه من حقه انه يعرف يا ستّو، لكن مش من حقه انه يزعق لي بالشكل دا ومش من حقه يكلمني بتلميح انا ما اقبلوش وانا شايفه نظرات شك واتهام في عينيه، ولا من حقه أنه… يضربني يا ستُّو!!!…
لتنهار في البكاء الذي حاولت صدّه كثيرا، كاد شهاب أن يقفز من مكانه ليحتويها بين ذراعيه حينما منعته نظرة قوية من الجدة التي قالت بحنان بينما تحتوي سلمى الجالسة بجوارها على الاريكة القماشية الفاخرة:
– بكفاياكي بُكا يا بتّي.. عينيكي الحلوين دولا عيدبلوا يا نضري..
أجابت سلمى من وسط شهقات بكائها الحار:
– مش قادرة يا ستّو، أول… أول مرة حد يمد إيده عليّا، ومش أي حد.. دا.. جوزي، الانسان اللي بابا أأتمنه على بنته، ومش بس كدا دا بيشك….
هدر شهاب مقاطعا لها وهو ينتفض واقفا من مقعده بجوار الجدة:
– إياكي تكمليها يا سلمى، أنا مش ممكن أشك فيكي، ولا للحظة واحدة حتى…
رفعت سلمى رأسها بعيدا عن كتف الجدة ونظرت اليها بعينيها الذابلتين وهي تجيب باكية:
– أومال طريقتك معايا دي اسمها ايه يا ابن عمي؟.. نظراتك ليا والشك اللي في صوتك وآخرتها تمد ايدك عليا، كل دا تسميه إيه؟..
اقترب منها شهاب بينما الجدة تطالعه بقوة فيما سلمى تراقب تقدمه نحوها بتقطيبة غضب عميقة، قال شهاب وهو يميل ناحيتها:
– أسميه لحظة غضب مجنون، أسميه اني انفعلت لما عرفت بخروجك مع راجل غريب من ورايا، أسميه أي حاجه إلا أني أشك فيكي!…
ابتسمت سلمى بسخرية وهي تقول:
– راجل غريب!.. انت عارف كويس أوي انه كريم…
هتف مقاطعا:
– عارف، والله عارف، لكن الناس مش عارفة، الناس اللي شافوكي وقالوا لمـ….
وسكت باترا عبارته، لا يريد إقحام والدته في الأمر، ولكن التقطت الجدة الاسم من فوق طرف لسانه، لتضمر أمرا في سرها، والتفتت الى سلمى تقول بجدية زائفة:
– باه… وبعدهالك يا بت رؤوف، ما جولنا انه غلطان، لكن انتي كومان غلطانه انك ما جولتليلوشي جبل ما تروحي مشوارك ديه، وانت يا باشي مهندز.. حسّك عينك يدّك تنمد عليها مرة تانية.. ولا جسما عظما لا اكون جايله لكَبيركم.. وانت خابر جدك عبد الحميد زين، ما عيحبش الحال المايل..
هتف شهاب وابتسامة ترتسم على وجهه:
– توبة يا حاجة لو مديت ايدي تاني..
ابتسمت الجدة وقالت لسلمى:
– خلاص.. جلبك أبيض، سامحيه النوبة ديْ..
سلمى برفض تام:
– لا… مش ممكن…
هتف شهاب وهو يشير اليها:
– شايفه يا حاجة…، مش كفاية اني لسه معرفتش هي خرجت معاه ليه؟..
أجابت سلمى بحدة:
– مع أنه شيء خاص بكريم لكن هقولك، كريم كان رايح يقابل عمي عثمان بخصوص حتة الارض بتاعتكم اللي في أول البلد..
شهاب بتقطيبة حائرة:
– ايه؟.. يقابل بابا!!..
سلمى بمرارة:
– آه.. أول مرة كريم جه هنا وشاف الارض عجبه المكان أوي وعرض على جدي وعمي عثمان فكرة مستشفى شامل كل التخصصات لعلاج الناس في البلد هنا والبلاد اللي حوالينا، وفي فرحنا عمو نبيل والد كريم فتح الموضوع مع جدي بعد ما عمي عثمان قاله لازم ناخد رأيه، وجدي اتحمس أوي للمشروع..
شهاب بتساؤل:
– ودا في ايه خاص مش عاوزة تقوليه؟..
سلمى بسخرية:
– عشان عمو نبيل وكريم داخلين شركا مع عمي عثمان وجدي، والمشروع دا خيري أكتر منه تجاري، يعني حاجة لله، يعني المفروض صاحبها بس هو اللي يقول لو حب، وبما أني عارفة انه ممكن جدا عمي نبيل يرفض حد يعرف عشان ياخد الثواب كامل ما كونتش عاوزة أقول، واللي حصل انه كريم جه انهرده حسب معاده مع عمي عثمان، ولأنه ميعرفش مكان الديوان فين اتفق مع عمي عثمان أني أنا اللي هوديه وأنا رايحه العيادة بتاعتي..
شهاب بتلكؤ بسيط:
– يعني بابا…\
أكملت ساخرة:
– أيوة!.. يعني عمي عثمان عارف أنا كنت فين ومع مين وركبت مع كريم ليه!..
شهاب باعتراض واه:
– كان ممكن يقول لي انا أو حد من الغفر أحسن ولا أنك تتعرضي انه حد يشوفك!..
سلمى بحدة وقد غاظها عناده الاحمق:
– لانه كريم كان جه فعلا، ولأني أنا سلمى الخولي بنت عيلة الخولي اللي محدش يقدر يجيب سيرتها بربع كلمة، ولأن الناس شافوني وأنا مع كريم ومع عمي عثمان في الديوان، وأنا اللي قلت لعمي ما فيش داعي لأي قلق أنا هوديه الديوان وأنا رايحه العيادة كدا كدا دا طريقي.. بس لأسف ما عملتش حساب انه جوزي هو اللي هيتكلم عليا ويشك فيا!!..
هتف شهاب بحنق:
– بردوه تقول بيشك فيا!!… افهمي.. أنا…
قاطعته الجدة بجدية:
– شهاب.. خلاص.. أديكي افهمت الحجيجة عشان ماتوبجاشي تتسرّع بعد إكده.. ممكن بجاه تهمّلنا دلوك؟..
أراد الاعتراض ولكن نظرة واحدة من الجدة اليه جعلته يتراجع ويتمتم معتذرا ثم انصرف من فوره مغلقا الباب خلفه…
التفتت الجدة الى سلمى بعد انصراف شهاب وقالت:
– شوفي يا بتي… الكلام اللي عجولوه دلوك مش عشان أني في صف شهاب، أبدا… يعلم ربنا غلاوتك انتي واختك في جلبي لو اجولك أغلى منيه هو غيث يمكن معتصدجنيش…
سكتت قليلا لتضمن إنصات سلمى لها ثم أردفت:
– اسمعيني زين يا بتي.. جوزك جلبه أبيض، عصبي حبتين وحِمَجي تلات حبّات لكن من جواته أبيض كيف الجوطن تومام، لو راجل غيره كان زماناته لف ودار عليكي لكن شهاب اللي في جلبه على لسانَه، عرف حاجة ضايجته منيكي جام باخِخْها في وِشِّك في وجْتها.. جوزك بيحبك وبيخاف عليكي، ما تضيعيشي حبه من يدّك…
سلمى وبقايا بكاء لوّنت صوتها:
– أيوة يا ستّو بس…
الجدة بحزم:
– انتي بتحبيه ولا لاه يا بتي؟…
سلمى وهي تهرب بعينيها:
– دا جرحني يا ستو أوي…
كررت الجد بصرامة أقوى:
– بتحبيه ولا لاه؟….
سلمى وهي تتنهد بعمق وتنظر اليها معترفة بضيق:
– أيوة يا ستو، بس مش عاوزة حبي له يخيليني أتحمل اهانة وبهدلة أكتر من كده..
الجدة بقوة:
– ما عاش مين يبهدلك ولا يّجل بيكي، سلمى يا بتّي جوزك هو عزوتك وسندك، هو كرامتك، مش أي واحدة جوزها يُضربها تجوم جايلاله طلجني!!!.. كلمة الطلاج ديْ كلمة وعرة جوي، ما اتعوديشي لسانك عاليها… انتو لساتكو في الاول ويا ما هيمر بيكو حاجات.. لو كل مرة جولتيلو الكلمة الشينة ديْ هياجي في مرة منيهوم ويحججهالك فعلا.. وجتيها يبجى ازي الحال؟…
سلمى بضيق وقد بدأ كلام الجدة يلقى صدى في نفسها:
– يعني أسامحه على طول كدا يا ستو ولا كأنه عمل حاجة؟..
الجدة وهي تبتسم رافعة حاجبها:
– مين اللي جال إكده؟… غلطته امعاك من حجك انك تاخدي بحجك منيه تالت ومتلّت وكيف ما انتي عاوزه … بس وانتي في دارك، وبابك مجفول عليكي انتي وهو، مافيش مخلوج يعرف بيناتكوم إيه، عرِّفيه غلطه بطريجتك وخلّيه يجول ان الله حاج… بذكاء يا دكتوورة…
ابتسمت سلمى ومسحت دموعها وهي تطالع ابتسامة الجدة الماكرة وقد فهمت ما ترمي اليه فتوعّدته في سرها انها ستجعله يعضّ أصابع الندم على ما اقترفه في حقها وأنها لن تكون سلمى الخولي إن لم تجعله يكفّ عن حدته وتهوره الأرعن ذاك!!!…
راقب شهاب سلمى وهي تخرج من غرفة الجدة وتتجه للصعود الى الأعلى فراقبها ليلحق بها فيما نظرت راوية باتجاهه ليقطع تفكيرها صوت الجدة وهي تقف أمام باب غرفتها تطالعها بنظرات صارمة قائلة بأمر لا يقبل النقاش:
– راوية… عاوزاكي اشويْ…
ودلفت الى غرفتها تتبعها راوية وهي تقدم قدم وتؤخر الأخرى…
أغلقت راوية الباب خلفها، وتقدمت تقف أمام الجدة التي جلست على مقعدها المفضل أمام النافذة، تململت راوية في وقفتها وهي تسترق النظرات الى الجدة التي تطالعها بغموض، همّت راوية بالحديث حينما قاطعتها فاطمة بجدية صارمة:
– ليه؟.. عتستفيدي إيه من اللي بتعمليه ديه يا راوية؟..
تصنعت راوية عدم الفهم وأجابت:
– جصدك إيه يا عمة الحاجّة؟…
الجحدة بصرامة:
– انتي فاهمه زين أني بتحدت عن إيه..
راوية بعدم فهم زائف:
– لاه يا عمّة… ما عارفاشي..
نهضت الجدة واقفة وتقدمت اليها لتقف أمامها تطالعها قليلا بنظرات حادة قبل أن تهمس لها بشرّ:
– شوفي يا راوية… أني خابراكي زين، وعارفة اللي في جلبك من ناحية ولدي رؤوف ومرتو وبناته التنيين، لكن توصل بيكيّ انك تخربي بيت ابنك ابيدك يبجى وجتها ما عسكوتلكيشي واصل… هي كلمة ومش هتنِّيها… اجصري شرّك عن ولادك انتي جبل نساوينهم يا راوية.. انتى مش عتخربي بيت بنات ألفت لاه.. انتي عتخربي بيت اولادك.. واني ما عجفش أتفرج عليكي… لو حوصل منيكي حاجة تانية وجتيها مش أنا اللي عجف لك، ولا جوزك.. لاه…. كبيرنا هو اللي عيجف لك… كبير العيلة… الحاج عبد الحميد الخولي، وأظن انك تعرفي الحاج عبد الحميد غضبه بيكون عامل كيف…
همست راوية:
– عارفة يا حاجة لكن…
قاطعتها الجدة رافعة يدها بصرامة:
– خلاص يا راوية.. ما عاوزاشي كوتر حديت، روحي دلوك، وعجلك إفـ راسك تعرفي خلاصك..
انصرفت راوية تاركة الجدة وهي تزفر وتدعو الله في سرها ان يبعد عن كنّتها شيطانها بينما وقفت راوية خلف الباب بعد أن أوصدته وراءها وقد كسا اللون الأسود وجهها وهي تتمتم ببغض عميق:
– بجه أجف كيف العيّل الصغيّر جودام عمتي الحاجة من ورا راسك انتي يا ألفت انتي وبناتك! ( ناسية أو متناسية أن حديث الجدة الصارم لها من جراء أفعالها السوداء ولكنها الكراهية التي ملأت قلبها من ناحية ألفت وابنتيها) … لكن لاه.. ما ابجاش راوية أما خليتكو تعاودو مكان ما جيتو.. انتي وبناتك وجوزك… وبكرة تشوفي راوية تجدر تعمِل إيه…
وبرقت عيناها بشر مستطير!!، بينما هناك.. في الأعلى.. كان شهاب يواجه عاقبة ما صنعته يداه وهو يقف متطلعا الى باب غرفة النوم الموصد في وجهه بعد أن أصدرت سلمى حكمها بأن ينام في غرفة الأطفال…. إلى إشعار آخر!!!!!!!!
– يتبع –
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
الحلقة (31)
دلفت الى غرفة النوم، رأته يقف يرتدي عمامته البيضاء، فابتسمت واقتربت منه، طالع صورتها المنعكسة في المرآة خلفه، ولكنه لم يهتم بمبادلتها الابتسامة وأكمل لف عمامته، اقتربت منه ومسحت ذرات غبار وهمي من على كتف جلبابه الكتاني الأبيض، ثم قالت محاولة إسباغ الرقة على صوتها:
– عتتأخر انهَااردِه؟…، أجابها وهو يستدير نافضا يدها من فوق كتفه وببرود:
– ما عارفشي… انما غريبة يعني… من ميته وانتي عتسأليني عتأخر ولا لاه؟..، هزت كتفيها واجابته بخفوت:
– لاه .. بس بطمّن.. أني عارفة انك متكدر منّي وأني ما عاوزاكشي تغضب عليّا يا ولد عمي أني….
لتبتر عبارتها فجأة وقد توسعت عينيها ذهولا ورعبا وهي تراه يرتدي وشاحه لافاًّ اياه حول رقبته وهو يستمع اليها بغير اهتمام، فهتفت وهي تشير الى وشاحه:
– ديه… ديه شاملة غيث مش إكده؟….، أجابها عثمان وقد أنهى استعداده للخروج:
– غيث عطاها لي .. عندك مانع؟..، ولم ينتظر اجابتها واستدار منصرفا ليوقفه هتافها العالي باسمه فالتفت اليها ناهرا لها بتقطيبة حادة فوق جبينه:
– باه.. جرالك إيه يا وَلِيِّه؟.. اتجنيت إياك؟.. عم بتزعِّجي ليه إكده؟….
هرولت اليه وهي تجيب وقد شارفت على البكاء:
– ماعالهشي يا ولد عمي، ما تواخزنيشي، لكن الشاملة ديْ غيث كان لابسها جبل ما يتزوج ولسّه ما غسلنهاشي, غيِّرْها وهاتها لمّن أغسلها…
عثمان بحدة:
– باه.. اتخبطتي في نافوخك يا راوية؟؟.. غيث ما اتلفعشي بيها واصل، من وجت ما عطيتهاله هَديّة وهو عطاهالي لمّن شافها عاجبتني، وديه يدوبك تاني مرة أتلفع بيها.. وخّري من جودامي خليني أروح ِأشوف مصالحي…
كادت راوية تنوح وهي ترجوه:
– يعني انت اللي لابستها من الاول يا عتمان؟…، أجابها ساخرا مقلدا صوتها الباكي:
– إيوة أني اللي لابستها من الاول يا عتمان!!.. بعدي عني يا إماتَنْ الله في سماه لا أخلِّص منِّيكي الجديد والجديم يا راوية… بعِّدي!!…
ليزيحها عن طريقه ويخرج صافقا الباب خلفه بعنف فتطلع الى الباب حيث اختفى وراؤه وهي تهمس في شبه هستيرية:
– هو اللي لابسها من الاول!!!!.. على إكده لمن جبتها من المجعد اللي كان في الجنينة ما كانشي غيث اللي ناسيها كيف ما كنت فاهمه.. كان هو!!!!.. يعني عمل أم ستيت معيصيبشي بنت ألفت….
لتقطع عبارتها وتصمت فجأة وهي تشهق برعب هاتفة وحدقتاها قد توسعتا فزعا:
– عيصيبني أني!!!!!!!!!، وفتحت الباب تهرع مسرعة خلف عثمان وهي تناديه عاليا قبل أن يعرق في الوشاح أو تغمض عينيه وهو يرتديه فيسري مفعول السحر الأسود فيصيبها هي!!!!!!!!…
وقف عثمان فجأة حتى كادت تضرب به وهو يزفر بضيق ونظر اليها من فوق كتفه وهو يصيح بها عاليا:
– أنتي وبعدهالك أنّهاردِهْ؟؟.. اتجنيتي ولّا إيه؟..
حاولت راوية التقاط انفاسها المتعثرة وأجابته بتلعثم واضح وهي تقف تواجهه في ردهة المنزل أمام الباب الداخلي:
– ما.. ماجراشي يا.. يا ولد عمي، لكن التلفيعة دي مش امناسباك فأني بجول انك… انك.. اتغيّرها أحسن!…
ضيق عثمان عينيه ومال عليها وهو يقول باستنكار حاد:
– بتجولي إيه يا أم الوِلْدْ؟… أغيِّر إيه؟.. ومن ميتة انتي بتتدخّلي في اللي عالبسه واللي معلبسوشي؟…
راوية وقد هرب الدم من وجهها فزعا من لهجة الوعيد الواضحة في صوته:
– لاه ماجصداشي حاجة لا سمح الله، غاية ما هناك إني رايداك تيابك كلاتها اتكون ريحتها زينة، وديه ما تواخزنيشي يعني يا ولد عمي، ريحتها عِفشة.. لازمن أغسلها وأطيّبها لك بالعود والبخور كيف ما بعمل في خلجاتك كلاتها، أني لو كُتْ أعرِف أنها تلفيعتك كُتْ بخرتهالك كيف ما بتحب اتيابك كلاتها..
زفر في اختناق وهتف بها:
– راوية بجولك إيه.. اطلعي من نافوخي.. ايه الحديت الماسخ ديه؟؟… وبعدين ريحتها عفشة!!… جصدك ريحتي أني بجاه ما هو أني الوحيد اللي لابستها!!!
شهقت راوية وهي تهز رأسها مرارا وتكرار نفيا وهي تهتف بلهفة:
– لاه.. لاه ينجص إلساني لو جولت إكده.. أني بس…
ليقاطعها هاتفا:
– اسكتي ساكت خلاص… جبر يلم العفش…..
ليقاطعه دخول شهاب وسلمى وهما مشبكان أيديهما سويا وما أن لمح شهاب والده حتى ترك يد سلمى احتراما له، اتجها إلى عثمان وراوية حيث ألقيا تحية الصباح فرد عثمان وهو يحاول الابتسام في وجهيهما في حين ردت راوية وهي تشعر بالحنق والغيظ من منظر ولدها مع ابنة ألفت، لتلقي التحية ببرود ولكنها سرعان ما ابتسمت لشهاب وهي تحتضنه وهو يقبل رأسها ويدها داعية له بصلاح الحال وأن يكفيه الله شر أولاد الحرام وبنات الحرام وهي تحدج سلمى بطرف عينها والتي لاحظت نظرتها فقطبت في حيرة!!!…
قال شهاب بابتسامة:
– ايه مالك يا حاج ع الصبح مين اللي معصّبك بس؟؟..
عثمان وهو يحاول تمالك أعصابه:
– لاه مافيشي يا باشي مهندز.. ما تشغلشي روحك أنته…
ثم وجه حديثه الى سلمى مردفا بابتسامة أبوية:
– كيفك يا عروسة.. شهاب عامل امعاكي إيه؟.. لو زعَّلِك ولّا عِمِل لك أي حاجة جوليلي وأني هعرِّفه شغله صوح..
ضحكت سلمى وأجابت بابتسامة:
– ربنا يخليكي ليا يا بابا الحاج.. شهاب مش ممكن يزعلني…
ليبتسم لها شهاب ابتسامة عشق صافي بادلته اياها في حين كانت راوية ترغي وتزبد وهي ترى نظرات الحب المتبادلة بينهما وما زادها كرها وبغضا حديث زوجها لسلمى من أنه سينصفها هي على ابنه!!!..
لمحت بطرف عينها وردة وهي تسير بالقرب منهما تحمل كوب ماء فنادتها لتقبل الأخيرة عليها فسألتها بأمر:
– هاتي الكوباية ديْ، لَمين واخداها؟..
أجابتها وردة بينما تناولت راوية كوب الماء من يدها:
– ديه ستِّي الحاجة كانت رايدة تشرب…
رفعت راوية الكوب على فمها وهي تميل ناحية عثمان، وما أن سمعت جواب وردة حتى أسرعت بإزاحة الكوب متظاهرة بالاضطراب ليقع نصف محتويات الكوب فوق ثياب عثمان وتحديدا… على الوشاح الملموس!!!!!
هتف عثمان وهو يبتعد عنها:
– باه.. جبر يلم العِفش!.. خبر إيه يا راوية انّهارْدِه؟…
راوية وهي تصطنع الأسف:
– ماعالهشي يا ولد عمي، لمن اسمعت ان المايّة ديْ لمرات عمي إزوِرْتْ!!!
تأفف عثمان وهو يقول:
– أعمل إيه دلوك؟.. ناجص عطلة أني؟.. أمري لله عروح أبدّل اتيابي…
لينصرف من فوره تتبعه راوية وهي تخفي ابتسامة نصر صغيرة في حين تبادل شهاب وسلمى نظرات التساؤل والجهل!!..
————————–
تقدمت أم علي من سيدتها وهي تتساءل في سرها عن سبب تلك التكشيرة الكبيرة التي تزين وجهها؟!!….، تحدثت أم علي بلهفة:
– مالك يا ست الحاجة كفالنا الشرّ؟.. شكلك إكده تعبان ومتضايج..
تنهدت راوية بعمق ثم أجابتها بينما تجلس أم علي على السجادة الأعجمية أسفل قدمي سيدتها في غرفة نوم الأخيرة:
– عجولك إيه بس يا أم علي، العمل اللي عاملاته أم ستيت مابجاش نافع!..
خبطت أم علي على صدرها براحتها وهي تهتف في دهشة وتساؤل:
– كيف ديه؟.. أم ستيت سرّها باتع وعملاتها ما عتخورّش المايّه..
قالت راوية بضيق:
– أهو اللي حوصل… أتصرف كيف أني دلوك؟..
قالت أم علي بابتسامة مترددة:
– ما يمكن يا ستي الحاجة ربْنا يخلف الظنّ ويطلعوا بنات حلال مش كيف ما انتي خايفه!..
نهرتها راوية والتي شعرت بأنها على وشك خسارة حليفها الوحيد في هذا المنزل حتى وإن كانت خادمتها المطيعة:
– باه… عتخرّفي تجولي إيه يا وليّه إنتي؟!… يطلعوم زينيين كيف وأمهم ألفت؟!.. وبعدين ماواعياشي لطريجتهم في الحديت ولا ضحكهم، وكله كوم ولبسهم الماسخ ديه كوم تانيْ!.. أني كنت رايدة لولادي ابنتّه من حدانا اهنه عارفاهم زين وخابره تربايتهم كيف شكلها، لكن بنات البندر دولم هعرِف منين أني ان كانوا زينين ولا شينين؟.. دولات ولاديْ وأني أمهم يعني أني الوحيدة المفروض تجول آه ولا لاه على الرايدين يتزوجوهم، مش كيف ما عملوا وأنغصب أني أجبلهم، بذمِّتِكْ يا أم علي ما شايفاشي لبسهم كيف؟.. أني مستغْرِبَه كيف شهاب وغيث سايبينهوم إكده من غير ما يجبروهم أنهم يتغطُّوا؟.. واتجوليلي عيطلعوا زينين؟.. الجواب بيبان من عنوانه يا أم علي..
أم علي وقد اقتنعت بوجهة نظر سيدتها:
– تصدجي يا ستي الحاجة عنديكي حاج، صحيح.. لبسهوم أني ذات نفسي اللي اسمي مَرَهْ كبيرة لمن بشوفهم بانكسف لهم، لاه.. عنديكي حاج يا ستي الحاجة..
وسكتت أم علي لتتابع بعد ذلك بسذاجة جاهلة بأن حديثها سيكون بمثابة صب الزيت على النار وسيفتح بابا لن يُسد بسهولة:
– أني لساتني حتى جبل شوية لمن شوفت ست الدَّكتووورة وهي راكبة الترموبيل مع جدع إكده ربّك والحاج.. استعجابت!..
قطبت راوية وقاطعتها وهي تسأل بريبة:
– انتي عتجولي إيه يا ولّيَّه؟…، هزت أم علي رأسها بالايجاب وهتفت:
– إيوه يا ستي الحاجة… ست سلمى نَضَرْتها وهي راكبة الترومبيل مع جدع أني شوفته جبل إكده… بس مافاكراشي فين؟..
ثم قطبت وهي تحدث نفسها وتخبط بسبابتها على صدغها:
– فين يا أم علي فين؟..
كانت راوية تتابعها بتساؤل ولهفة حتى هتفت أم علي بظفر:
– إيوه.. افتكرت.. الجدع الدَّكتووور اللي جِه حدانا إهنه وكانوا بيجولوا انهم يّعرِفوه من زمان..
راوية بتقطيبة:
– جصدك الدّكتوور كريم؟…، هتفت أم علي:
– إيوه.. هوّ ديه.. الدّكتووور كريم!!..
لمعت عينا راوية بلمعة ذئب قد وقعت فريسته في الشّرك، وابتسامة شيطانية ارتسمت على وجهها الأسمر ليصبح وجها بشعا مخيفا للكراهية مجسّدة!!!..
– ماما وحشتني أوي يا سلمى….
هتفت سلافة بهذه العبارة لسلمى شقيقتها وهي تحادثها في الهاتف، لتجيبها الأخيرة:
– وأنا كمان، بابا وماما وحشوني جدا، ان شاء الله يخلّصوا العمرة ويرجعوا لنا بالسلامة..
سلافة بتنهيدة عميقة:
– ان شاء الله، تصدقي ما فاتش الا اربع ايام بس من يوم ما سافروا وبيتهيألي انهم اربع اسابيع!.. المهم عامله ايه انتي مع الحيزبون؟..
سلمى تنهرها:
– يا بنتي عيب كدا، مهما كان دي اسمها أم جوزي وجوزك ومرات عمك بردو…
شخرت سلافة باستهانة وقالت:
– بس، بس.. هتفضلي عبيطة كدا طول عمرك، دي مش بس حيزبون لا والعجوز أم منقار كمان، أنا بحمد ربنا أني سافرت اسكندرية مع غيث وهو بيخلص شغل ليهم، اترحمت من سحنتها شوية..
سلمى بعتاب:
– بردو يا سلافة، مش عاوزة تبطلي؟.. عموما يا ستي الحمد لله أنا في حالي وهي في..
قاطعتها سلافة بجدية:
– في حالك بردو!!!!…، قطبت سلمى وتساءلت:
– إيه؟… يعني إيه هي في حالي بردو دي؟..
سلافة بصبر:
– يعني هي مش هتسيبك في حالك يا سلمى، وخلي بالك منها كويس أوي، مش معنى أنك مقتصراها خالص انها هتبعد عنك، انتي مش فاكرة وماما بتسلم عليها وهي مسافرة انها سلمت عليها ببرود من طراطيف صوابعها وقالت لها معلهش أصلي عندي برد!!… برد!!!.. الهي وانت جاهي يجيلها برد وحر سوا يعملوا عندها قافلة ما تقوم منها!!!!.
زجرتها سلمى عاليا:
– بقولك ايه يا سلافة لو مش هتبطلي طريقتك دي أنا هقفل، انا مش مستعدة أني أخد ذنوب من وراها، 100 قولتلك مالكيش دعوة باللي بين الكبار، هي لغاية دلوقتي ما أذتناش في حاجة، ولا حتى أذيت ماما، كونها بقه بتسلم ببرود ولا بتتكلم من تحت الضرس دي حاجة منقدرش نقول فيها حاجة، طالما ما واجّهتش إهانة لينا او لماما يبقى خلاص..
سلافة بجدية:
– خليكي كدا يا سلمى لما تتقرصي منها، أنا قلبي دليلي وسبحان الله اللي بحس بيه بيطلع صح على طول، ومن أول يوم شوفتها فيه وانا مش مرتاحالها، انتي نسيتي انها كانت معارضة جوازنا من ولادها؟.. سلمى نصيحة من أختك الصغيرة.. أنتي يمكن الكبيرة لكن طول عمرك وسط كتبك ومراجعك ومن المستشفى للبيت، أنا ليا خبرة بالناس واحتكيت بيهم أكتر منك، خلي بالك منها، اوعي تأمني لها، ودايما صارحي شهاب بأي حاجة، اوعي يا سلمى تخبي عليه حاجة لانها لو عرفتها بالصدفة صدقيني هتعملك حفلة عليها وجوزك معلهش مندفع، ما تزعليش مني أنا عارفة شخصية شهاب، لانه للأسف نفس التسرّع اللي عندي والاندفاع، خلي بالك يا سلمى..
سلمى وقد بدأت تشعر بالقلق من حديث شقيقتها الصغرى:
– حاجة إيه اللي أصارح بيها شهاب يا سلافة؟.. أنا عمري ما خبيت عليه حاجة..
سلافة بجدية مطلقة:
– شهاب عرف بموضوع كريم انهرده؟..
سلمى بتقطيبة:
– لا.. أنا لسه مروّحتش، وأكيد كنت هقوله أول ما أشوفه، المفروض أنه هيفوت عليا هنا في العيادة لكن اتأخر، عموما أنا لما أروح هقوله..
سلافة بإصرار:
– لا.. تكلميه حالا دلوقتي في الموبايل وتقولي له، اقفلي مني وكلميه يا سلمى، أرجوك.. انتي مش ضامنه الحيّة اللي انتي عايشة معاها دي ممكن تعمل إيه؟..
تأففت سلمى وهتفت:
– يوووه.. تاني يا سلافة؟!.. بصي أنا فعلا هقفل لأنك قلبتي دماغي.
وأنهت المحادثة الهاتفية، وشردت قليلا وسرعان ما استعادت هدوءها وهي تتمتم:
– ربنا يسامحك يا سلافة، قلقتيني على الفاضي، أنا متأكدة انه الموضوع بسيط وأول ما أروح أن شاء الله هقول لشهاب، وشهاب بيثق فيا مهما حد قاله عمره ما هيصدق حاجة إلا لما يسمعني الأول!..
ولكنها كانت كمن يطمئن نفسها بينما داخلها وخز ينبئها بأن أختها أبدا لم تضّخم الأمور… وأن قلقها في محله!…
**************************
– انتي بتقولي ايه يا أمي؟….، هتف شهاب بذهول في حين اقتربت منه راوية بخطوات واثقة ووقفت أمامه مكررة قولها بجدية:
– عجولك الجدع اللي اسميه كريم ديه جه اهنه ومراتك خرجت امعاه!…
ذهل شهاب ولم يجد جوابا للسؤال الواضح في عيني والدته ليزدرد ريقه بصعوبة ثم تحدث بصوت أجش:
– اكيد عاوزها في حاجة مهمة..
راوية وهي تنظر اليه بتركيز فيما تنفث السم في أذنيه وابتسامة سخرية صغيرة تشكّلت على طرف فمها الذي يقطر سُمًّا:
– هي جالتلك؟.. استسمحتك انها تُخرج امعاه؟… ، نظر اليها بحدة وريبة فعلمت أنها لا بد وأن تغير من طريقتها معه كي لا يشك في نواياها، فشهاب ليس كغيث، فهو سريع الانفعال وحاد، لذا ارتأت المداهنة فخفضت صوتها مسبغة عليه رنة خوف زائفة وقلق وهي تردف:
– يا ولديْ أني عارفة ان مراتاك لساتها ما اتعاوّدت على طبْعِنا وعاوايدنا، لكن برضيكي أني ما يرضينيشي ان حد من اهل البلد يشوفوها وهي ماشية امعاه.. عيجولوا إيه وجتها؟…، ليهب صارخا:
– يعني ايه ماشية معاه دي؟.. جرى ايه يا أمي؟….
ترقرقت دموع التماسيح في عينيها وهي تقول بأسف زائف وحزن:
– بتزعّج لي يا ولدي واني رايدة موصلحتك انت ومراتَك؟… زفر شهاب بضيق ومال عليها مقبلا رأسها وهو يعتذر قائلا:
– معلهش يا أمي ما تزعليش، حقك عليا، بس أكيد فيه سبب يخلي سلمى تعمل كدا!..
كادت تنفخ بضيق فهذه الـ سلمى تبدو قد تمكّنت من ولدها تماما، فهذا ليس شهاب ابنها الذي كان دائما فعله يسبق تفكيره، فهو انفعالي بالدرجة الاولى، ولكنها لن تكون راوية ان لم تجعله يهب كالاعصار عليها!!.
تظاهرت بالاقتناع وهي تقول:
– عنديك حج يا ولديْ، لازمن فيه سبب ايخليها اتروح امعاه المركز، اني بس كُت خايفة لمّن الناس ايشوفوها وهي راكبة امعاه عيجولوا ايه؟…
ليحدق فيها شهاب بشدة في ذهول أول الامر قبل ان يهدر صائحا:
– ايه؟.. راكبة معاه؟.. سلمى ركبت مع كريم العربية؟..
راوية وهي تتظاهر بالدهشة من انفعاله:
– إيوة يا ولديْ، وبصراحة إكده.. أني سمعتها وهي بتحدته في التَّلفون وكات بتجوله انه المشوار مش عياخد كاتير، بس ما كوتش خابره انهم عيتكلموا على خروجتهم سوا!!..
فمن سوء حظ سلمى ان راوية كانت قد سمعت طرفا من حديثها في هاتفها المحمول وطرق اسمه سمعها وما ان علمت من ام علي ان سلمى قد خرجت برفقة كريم حتى نسجت لعبتها الماكرة وأحكمت خطتها للايقاع بين ابنها وابنة ألفت!!..
احمرّت عينا شهاب لتصبح بلون الدم، وما ان همّ بالكلام حتى قاطعه صوت سلمى المرح وهي تدلف الى الداخل، والتي ما ان رأته حتى تقدمت ناحيته وهي تهتف بفرح لرؤيته:
– شهاب حبيبي.. حمد الله على السلامة..
ثم تعلقت بعنقه ورفعت رأسها لتقبله على وجنته كما اعتادت ليبتعد بوجهه عن مرمى قبلاتها فقطبت ثم لاحظت وقوف راوية جانبا وكانت قد ابتعدت لدى رؤيتها لسلمى وهي تدخل، فاعتقدت سلمى ان برود شهاب راجع الى وجود والدته فاحترامها واجب، فابتسمت وهي توجه تحيتها لوالدته قائلة:
– ازي حضرتك يا طنط؟..، ابتسمت راوية ابتسامة صفراء وهي تجيبها:
– الحمد الله زينة.. انتي كيفك يا بتِّي؟..
قاطعهما صوت شهاب الذي هدر بعنف:
– كنتي فين يا سلمى؟… ، نظرت اليه سلمى مقطبة وقالت:
– يعني ايه كنت فين؟.. كنت في المركز…
نظر اليها بحدة مردفا:
– ليه؟.. ويا ترى كنتي لوحدك؟…
سلمى بريبة:
– انا مش فاهمه ليه الأسئلة دي كلها؟.. هو تحقيق؟.. عموما كنت في المركز بقضي مصلحة، ارتحت ؟.. عن إذنك…
وتركته واستدارت منصرفة حين انطلق صوته آمرا من خلفها:
– سلمى!!!!… ، لتتيبّس في وقفتها فيما تراقبهما راوية وابتسامة جذل تتراقص بين مقلتيها، تقدم شهاب منها واستدار ليقف أمامها وهو يهتف بشراسة من بين أسنانه:
– الست المتربية ما تسيبش جوزها وهو بيتكلم وتمشي يا هانم!… هو سؤال واحد.. كريم كان هنا بيعمل ايه؟….
لتظهر الصدمة جلية على ملامحها ثم تنقل نظراتها بينه وبين حماتها تلك العقربة التي حذرتها منها أختها قبل قليل وكانت هي من الغباء والسذاجة أن نهرتها بعنف، لتتحقق مخاوف أختها من أن راوية تقف لها بالمرصاد ولا بد أن لها يد في حدة شهاب واتهامه الصارخ في طريقة كلامه معها، والتي ترفضها شكلا وموضوعا، تنفست بعمق ثم تحدثت ببرود وصوت ميت:
– سؤالك كنت ممكن أجاوبك عليه لو كان استفسار عادي، لكن صوتك فيه تلميح واتهام انا مقبلوش، وعشان كدا.. أنا آسفة.. أنا أرفض طريقة كلامك معايا بالاسلوب دا، وغير كدا دي حاجة خاصة بكريم مش بيّا فمش من حقي أني أقولها!..
فتتدخل راوية هاتفة بخبث لتصب الزيت فوق النار:
– خاصّة بيناتك انتي وكريم دِه؟…
سلمى بجمود:
– تمام .. بيني وبينه!….
حدق فيها شهاب بغضب مخيف بينما أسود وجهه وهو يصرخ بها:
– ايه؟…. انت اتجننتي؟!!!!!!!!!! ..
سلمى وقد بدأت تشعر بالاختناق:
– ولا كلمة زيادة بعد كدا يا شهاب، انت مش في وعيك دلوقتي..
ليعاجلها بجنون:
– قصدك ايه؟.. إني مجنون؟…
لتتقدم إليه وقد تصدعت قشرة برودها بسبب اتهاماته المجحفة بحقها ونظرة التشفِّي الواضحة التي تراها في عيني أمه في حين قد عميت عيناه هو عن ملاحظتها، وقفت أمامه وهي تهتف بانفعال خارج عن ارادتها:
– والله اللي تحسبه بقه.. أنت أدرى بنفسك!!.. مجنون ولّا…..
ليقاطعها بصفعة مؤلمة جعلتها تصرخ ألما وهي تطالعه بأسى وذهول وما لبثت أن هتفت صائحة:
– مش ممكن هستنى معاك دقيقة واحده بعد كدا، انت مجنون فعلا، طلقني يا شهاب.. طلقني!!!!!!..
ما ان سمعتها راوية حتى كادت تزغرد فرحا فها هي أولى بنات ألفت قد نطقتها والبقية تأتي يا بنات ألفت!!..
ولكن صوت قوي رغم عمر صاحبته التي تخطت الستين صدح عاليا وبقوة:
– إيه اللي بسمعو ديه؟…
نظرت سلمى تجاه الصوت لتبصر جدتها فركضت إليها وارتمت بين ذراعيها وهي تجهش ببكاء حار وتهتف برجاء وحزن يقطع نياط القلوب:
– الحقيني يا ستّوُ، أنا مش ممكن أستنى ولا دقيقة واحده كمان هنا..
احاطتها جدتها بحنان وقالت بهدوء في حين رمت شهاب بنظرة غاضبة وراوية بأخرى سوداء غامضة:
– باه… ايه الحديت ديه يا بتّي؟..
رفعت سلمى وجهها اليها وقالت وهي تشهق بعنف بينما دموعها تغرق وجهها:
– أنا اتضربت واتهنت يا ستُّو، عمر ما حد مد إيده عليّا لا بابا ولا ماما، وزعيق وطريقة كلام وتلميحات أنا مقبلهاش، أنا مش ممكن هستنى هنا، أرجوكي يا ستو خلّيني أمشي من هنا…
ليهدر شهاب بغضب ينافي الخوف الذي احتل قلبه ما ان سمعها وهي تصرخ طالبة الطلاق:
– انتي اتجننتي؟.. مش هتتحركي خطوة واحدة من هنا يا سلمى، وانسي الكلمة المجنونة اللي انتي قولتيها دي، ولو زودتي في الكلام رجلك مش هتخطي عتبة البيت ولا اضطريت أني أحبسك.. هحبسك!!!.. ايه رأيك بقه؟…
هتفت الجدة بحدة:
– شهاااب!!!.. اتجنيت إياك!!.. ليه ان شاء لله.. معنديهاشي عيلة وعزوة يوجفولك؟.. انت اتخبطت في نافوخك ولا ايه؟.. ديه بدل ما تحب على راسها وتستسمحها تجوم اتجول إكده؟…
تأفف شهاب وقال:
– يا جدتي انتي مش عارفة اللي حصل..
قاطعته هاتفة:
– مهمن كان… متوصلشي بيك المواصيل انك اتمد يدك على مراتك، ودلوك اتفضل جودامي على داري لمن أشوف آخرتها مع اجنانك اللي انتي مش ناوي اتودّرُه ديه إيه…
هتفت سلمى برجاء:
– أرجوكي يا ستّو.. أنا مش قادرة أستنى دقيقة واحده بعد كدا أنا…
ليهتف شهاب بحدة بينما يتقطع داخله ما أن لمح علامات أصابعه فوق وجنتها الناعمة حيث كاد يجذبها بين أحضانه ليقبل وجنتها ويرجوها أن تسامحه:
– ما تعصبنيش يا سلمى، انتي مش هتتنقلي من هنا…
الجدة بصرامة:
– أني جولت ايه يا شهاب؟.. مش جولت ما رايداشي أسمع صوتك دلوك؟!…
ثم أشارت لسلمى قائلة بابتسامة خفيفة:
– تعالي يا بتي الله يرضى عنيكي، واطمّني.. اللي عيرضيكي أني هعمله….
هتف شهاب بهلع:
– جدتي…
لتنهره بنظرة زاجرة، فتقدمها كلا من شهاب وسلمى وسارت هي خلفهما حتى إذا ما أصبحت بمحاذاة راوية التي تابعت الحوار الذي دار بين ثلاثتهم فيما ينتفض داخلها خوفا من الجدة، اذ بفاطمة تميل ناحيتها وهي تقول بخفوت ولهجة تحذير واضحة تلون صوتها:
– إياكي تتحركي من اهنه، هخلص امعاهم وبعدها ليا جاعده امعاكي يا… مرات ولديْ!…
————————–
جلست الجدة تقلب نظراتها بينهما، كانت سلمى تشيح بعينيها بعيدا عن شهاب الذي كان وكأنه يجلس فوق مقعد من شوك!
خرقت الجدة الصمت السائد بقولها:
– يعني حسب اللي سامعتو منيكو انتو التنيين ان المشكلة أنه سلمى خرجت مع كريم من غير ما تجولك صوح يا شهاب؟..
ليرد الاثنين في نفس واحد:
– سلمى: لا…
شهاب: آه..
هتفت الجدة بصرامة:
– بكفاياكو عاد!!!… ، ثم تنهدت عميقا قبل أن تردف موجهة حديثها الى سلمى بحنان أمومي:
– سلمى يا بتّي جوزك من حجّه يّعرِف انتي روحتي فين وجيتي منين..
هتف شهاب بظفر:
– شوفتي!.. عندي حق أهو..
نهرته الجدة:
– باه.. بكفاياك جولت!..
سلمى بعتاب للجدة:
– انا ما اعترضتش انه من حقه انه يعرف يا ستّو، لكن مش من حقه انه يزعق لي بالشكل دا ومش من حقه يكلمني بتلميح انا ما اقبلوش وانا شايفه نظرات شك واتهام في عينيه، ولا من حقه أنه… يضربني يا ستُّو!!!…
لتنهار في البكاء الذي حاولت صدّه كثيرا، كاد شهاب أن يقفز من مكانه ليحتويها بين ذراعيه حينما منعته نظرة قوية من الجدة التي قالت بحنان بينما تحتوي سلمى الجالسة بجوارها على الاريكة القماشية الفاخرة:
– بكفاياكي بُكا يا بتّي.. عينيكي الحلوين دولا عيدبلوا يا نضري..
أجابت سلمى من وسط شهقات بكائها الحار:
– مش قادرة يا ستّو، أول… أول مرة حد يمد إيده عليّا، ومش أي حد.. دا.. جوزي، الانسان اللي بابا أأتمنه على بنته، ومش بس كدا دا بيشك….
هدر شهاب مقاطعا لها وهو ينتفض واقفا من مقعده بجوار الجدة:
– إياكي تكمليها يا سلمى، أنا مش ممكن أشك فيكي، ولا للحظة واحدة حتى…
رفعت سلمى رأسها بعيدا عن كتف الجدة ونظرت اليها بعينيها الذابلتين وهي تجيب باكية:
– أومال طريقتك معايا دي اسمها ايه يا ابن عمي؟.. نظراتك ليا والشك اللي في صوتك وآخرتها تمد ايدك عليا، كل دا تسميه إيه؟..
اقترب منها شهاب بينما الجدة تطالعه بقوة فيما سلمى تراقب تقدمه نحوها بتقطيبة غضب عميقة، قال شهاب وهو يميل ناحيتها:
– أسميه لحظة غضب مجنون، أسميه اني انفعلت لما عرفت بخروجك مع راجل غريب من ورايا، أسميه أي حاجه إلا أني أشك فيكي!…
ابتسمت سلمى بسخرية وهي تقول:
– راجل غريب!.. انت عارف كويس أوي انه كريم…
هتف مقاطعا:
– عارف، والله عارف، لكن الناس مش عارفة، الناس اللي شافوكي وقالوا لمـ….
وسكت باترا عبارته، لا يريد إقحام والدته في الأمر، ولكن التقطت الجدة الاسم من فوق طرف لسانه، لتضمر أمرا في سرها، والتفتت الى سلمى تقول بجدية زائفة:
– باه… وبعدهالك يا بت رؤوف، ما جولنا انه غلطان، لكن انتي كومان غلطانه انك ما جولتليلوشي جبل ما تروحي مشوارك ديه، وانت يا باشي مهندز.. حسّك عينك يدّك تنمد عليها مرة تانية.. ولا جسما عظما لا اكون جايله لكَبيركم.. وانت خابر جدك عبد الحميد زين، ما عيحبش الحال المايل..
هتف شهاب وابتسامة ترتسم على وجهه:
– توبة يا حاجة لو مديت ايدي تاني..
ابتسمت الجدة وقالت لسلمى:
– خلاص.. جلبك أبيض، سامحيه النوبة ديْ..
سلمى برفض تام:
– لا… مش ممكن…
هتف شهاب وهو يشير اليها:
– شايفه يا حاجة…، مش كفاية اني لسه معرفتش هي خرجت معاه ليه؟..
أجابت سلمى بحدة:
– مع أنه شيء خاص بكريم لكن هقولك، كريم كان رايح يقابل عمي عثمان بخصوص حتة الارض بتاعتكم اللي في أول البلد..
شهاب بتقطيبة حائرة:
– ايه؟.. يقابل بابا!!..
سلمى بمرارة:
– آه.. أول مرة كريم جه هنا وشاف الارض عجبه المكان أوي وعرض على جدي وعمي عثمان فكرة مستشفى شامل كل التخصصات لعلاج الناس في البلد هنا والبلاد اللي حوالينا، وفي فرحنا عمو نبيل والد كريم فتح الموضوع مع جدي بعد ما عمي عثمان قاله لازم ناخد رأيه، وجدي اتحمس أوي للمشروع..
شهاب بتساؤل:
– ودا في ايه خاص مش عاوزة تقوليه؟..
سلمى بسخرية:
– عشان عمو نبيل وكريم داخلين شركا مع عمي عثمان وجدي، والمشروع دا خيري أكتر منه تجاري، يعني حاجة لله، يعني المفروض صاحبها بس هو اللي يقول لو حب، وبما أني عارفة انه ممكن جدا عمي نبيل يرفض حد يعرف عشان ياخد الثواب كامل ما كونتش عاوزة أقول، واللي حصل انه كريم جه انهرده حسب معاده مع عمي عثمان، ولأنه ميعرفش مكان الديوان فين اتفق مع عمي عثمان أني أنا اللي هوديه وأنا رايحه العيادة بتاعتي..
شهاب بتلكؤ بسيط:
– يعني بابا…\
أكملت ساخرة:
– أيوة!.. يعني عمي عثمان عارف أنا كنت فين ومع مين وركبت مع كريم ليه!..
شهاب باعتراض واه:
– كان ممكن يقول لي انا أو حد من الغفر أحسن ولا أنك تتعرضي انه حد يشوفك!..
سلمى بحدة وقد غاظها عناده الاحمق:
– لانه كريم كان جه فعلا، ولأني أنا سلمى الخولي بنت عيلة الخولي اللي محدش يقدر يجيب سيرتها بربع كلمة، ولأن الناس شافوني وأنا مع كريم ومع عمي عثمان في الديوان، وأنا اللي قلت لعمي ما فيش داعي لأي قلق أنا هوديه الديوان وأنا رايحه العيادة كدا كدا دا طريقي.. بس لأسف ما عملتش حساب انه جوزي هو اللي هيتكلم عليا ويشك فيا!!..
هتف شهاب بحنق:
– بردوه تقول بيشك فيا!!… افهمي.. أنا…
قاطعته الجدة بجدية:
– شهاب.. خلاص.. أديكي افهمت الحجيجة عشان ماتوبجاشي تتسرّع بعد إكده.. ممكن بجاه تهمّلنا دلوك؟..
أراد الاعتراض ولكن نظرة واحدة من الجدة اليه جعلته يتراجع ويتمتم معتذرا ثم انصرف من فوره مغلقا الباب خلفه…
التفتت الجدة الى سلمى بعد انصراف شهاب وقالت:
– شوفي يا بتي… الكلام اللي عجولوه دلوك مش عشان أني في صف شهاب، أبدا… يعلم ربنا غلاوتك انتي واختك في جلبي لو اجولك أغلى منيه هو غيث يمكن معتصدجنيش…
سكتت قليلا لتضمن إنصات سلمى لها ثم أردفت:
– اسمعيني زين يا بتي.. جوزك جلبه أبيض، عصبي حبتين وحِمَجي تلات حبّات لكن من جواته أبيض كيف الجوطن تومام، لو راجل غيره كان زماناته لف ودار عليكي لكن شهاب اللي في جلبه على لسانَه، عرف حاجة ضايجته منيكي جام باخِخْها في وِشِّك في وجْتها.. جوزك بيحبك وبيخاف عليكي، ما تضيعيشي حبه من يدّك…
سلمى وبقايا بكاء لوّنت صوتها:
– أيوة يا ستّو بس…
الجدة بحزم:
– انتي بتحبيه ولا لاه يا بتي؟…
سلمى وهي تهرب بعينيها:
– دا جرحني يا ستو أوي…
كررت الجد بصرامة أقوى:
– بتحبيه ولا لاه؟….
سلمى وهي تتنهد بعمق وتنظر اليها معترفة بضيق:
– أيوة يا ستو، بس مش عاوزة حبي له يخيليني أتحمل اهانة وبهدلة أكتر من كده..
الجدة بقوة:
– ما عاش مين يبهدلك ولا يّجل بيكي، سلمى يا بتّي جوزك هو عزوتك وسندك، هو كرامتك، مش أي واحدة جوزها يُضربها تجوم جايلاله طلجني!!!.. كلمة الطلاج ديْ كلمة وعرة جوي، ما اتعوديشي لسانك عاليها… انتو لساتكو في الاول ويا ما هيمر بيكو حاجات.. لو كل مرة جولتيلو الكلمة الشينة ديْ هياجي في مرة منيهوم ويحججهالك فعلا.. وجتيها يبجى ازي الحال؟…
سلمى بضيق وقد بدأ كلام الجدة يلقى صدى في نفسها:
– يعني أسامحه على طول كدا يا ستو ولا كأنه عمل حاجة؟..
الجدة وهي تبتسم رافعة حاجبها:
– مين اللي جال إكده؟… غلطته امعاك من حجك انك تاخدي بحجك منيه تالت ومتلّت وكيف ما انتي عاوزه … بس وانتي في دارك، وبابك مجفول عليكي انتي وهو، مافيش مخلوج يعرف بيناتكوم إيه، عرِّفيه غلطه بطريجتك وخلّيه يجول ان الله حاج… بذكاء يا دكتوورة…
ابتسمت سلمى ومسحت دموعها وهي تطالع ابتسامة الجدة الماكرة وقد فهمت ما ترمي اليه فتوعّدته في سرها انها ستجعله يعضّ أصابع الندم على ما اقترفه في حقها وأنها لن تكون سلمى الخولي إن لم تجعله يكفّ عن حدته وتهوره الأرعن ذاك!!!…
راقب شهاب سلمى وهي تخرج من غرفة الجدة وتتجه للصعود الى الأعلى فراقبها ليلحق بها فيما نظرت راوية باتجاهه ليقطع تفكيرها صوت الجدة وهي تقف أمام باب غرفتها تطالعها بنظرات صارمة قائلة بأمر لا يقبل النقاش:
– راوية… عاوزاكي اشويْ…
ودلفت الى غرفتها تتبعها راوية وهي تقدم قدم وتؤخر الأخرى…
أغلقت راوية الباب خلفها، وتقدمت تقف أمام الجدة التي جلست على مقعدها المفضل أمام النافذة، تململت راوية في وقفتها وهي تسترق النظرات الى الجدة التي تطالعها بغموض، همّت راوية بالحديث حينما قاطعتها فاطمة بجدية صارمة:
– ليه؟.. عتستفيدي إيه من اللي بتعمليه ديه يا راوية؟..
تصنعت راوية عدم الفهم وأجابت:
– جصدك إيه يا عمة الحاجّة؟…
الجحدة بصرامة:
– انتي فاهمه زين أني بتحدت عن إيه..
راوية بعدم فهم زائف:
– لاه يا عمّة… ما عارفاشي..
نهضت الجدة واقفة وتقدمت اليها لتقف أمامها تطالعها قليلا بنظرات حادة قبل أن تهمس لها بشرّ:
– شوفي يا راوية… أني خابراكي زين، وعارفة اللي في جلبك من ناحية ولدي رؤوف ومرتو وبناته التنيين، لكن توصل بيكيّ انك تخربي بيت ابنك ابيدك يبجى وجتها ما عسكوتلكيشي واصل… هي كلمة ومش هتنِّيها… اجصري شرّك عن ولادك انتي جبل نساوينهم يا راوية.. انتى مش عتخربي بيت بنات ألفت لاه.. انتي عتخربي بيت اولادك.. واني ما عجفش أتفرج عليكي… لو حوصل منيكي حاجة تانية وجتيها مش أنا اللي عجف لك، ولا جوزك.. لاه…. كبيرنا هو اللي عيجف لك… كبير العيلة… الحاج عبد الحميد الخولي، وأظن انك تعرفي الحاج عبد الحميد غضبه بيكون عامل كيف…
همست راوية:
– عارفة يا حاجة لكن…
قاطعتها الجدة رافعة يدها بصرامة:
– خلاص يا راوية.. ما عاوزاشي كوتر حديت، روحي دلوك، وعجلك إفـ راسك تعرفي خلاصك..
انصرفت راوية تاركة الجدة وهي تزفر وتدعو الله في سرها ان يبعد عن كنّتها شيطانها بينما وقفت راوية خلف الباب بعد أن أوصدته وراءها وقد كسا اللون الأسود وجهها وهي تتمتم ببغض عميق:
– بجه أجف كيف العيّل الصغيّر جودام عمتي الحاجة من ورا راسك انتي يا ألفت انتي وبناتك! ( ناسية أو متناسية أن حديث الجدة الصارم لها من جراء أفعالها السوداء ولكنها الكراهية التي ملأت قلبها من ناحية ألفت وابنتيها) … لكن لاه.. ما ابجاش راوية أما خليتكو تعاودو مكان ما جيتو.. انتي وبناتك وجوزك… وبكرة تشوفي راوية تجدر تعمِل إيه…
وبرقت عيناها بشر مستطير!!، بينما هناك.. في الأعلى.. كان شهاب يواجه عاقبة ما صنعته يداه وهو يقف متطلعا الى باب غرفة النوم الموصد في وجهه بعد أن أصدرت سلمى حكمها بأن ينام في غرفة الأطفال…. إلى إشعار آخر!!!!!!!!
– يتبع –