“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد
كبير العيلة
الحلقة (26)
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
كان يستند بظهره الى الخلف فيما ترتسم ابتسامة واسعة على شفتيه وهو يشرد في طفلته، صغيرته، حبيبته، امرأته… سلسبيله هو…، نعم، لا تزال في عينيه طفلته الصغيرة التي كان يحب إغاظتها بشد ضفائرها الطويلة وكانت هي تتذمر وتنظر اليه بحنق بينما الدموع الماسية تلمع بين عسلي عينيها مما يجعله يحتضنها ويرفعها بين ذراعيه ليمسح دموع لم تنساب، فلم يكن ليرضى بأن تنساب لآلئها بسببه حتى وأن كان يلهو بها، بل أنه ما أن يحتويها بين ذراعيه وهي ابنة السادسة عام حتى يعترف بينه وبين نفسه أنه لم يستفزها إلا كي تنتهي بين يديه، ينعم برائحتها الطفولية المحببة، ولا يرضى بإنزالها قبل أن تعتذر وتقبله فوق وجنته الخشنة!.. وهي تحتار فيما تعتذر وهو من أخطأ في حقها؟.. ولكنه الليث الذي ومنذ نعومة أظفاره تهابه الرجال، فتسارع بالاعتذار ولصق قبلة طفولية فوق وجنته الخشنة سريعا كي ينزلها فتعود للهو بين أقرانها، ولكن سرعان ما يمتعض وجهها حينما تلمس خشونة ذقنه وهو صبي يتعدى عمره السادسة عشر ربيعا، فيضحك ملء فيهِ وهو يراقص حاجبيه بإغاظة مهددا إياها أنها لو كررتها وكشرت في وجهه ثانية فلن ينزلها بل سيعلقها من جديلتيها في أعلى النخلة لتسارع بالاعتذار ثانية وتقبيل وجنته الأخرى تعويضا عن سخريتها من خشونة وجنته الأولى!!..
ضحك بخفوت وهو يشرد في ذكرياتهما سوية بينما قلبه يدق بقوة ويهتف في نفسه بأنه سيخبر الطبيب بأنه سيتابع علاجه بالمنزل، فقد تعدى الجرح مرحلة الخطر.. ولكن قلبه إن لم يغادر الى منزله سريعا فسيكون في عمق الخطر!.. فهو لم يعد يستطيع احتمال الابتعاد أكثر من ذلك عن واحته العذبة… عن سلسبيله الصافي.
صوت ضوضاء خارج غرفته شد انتباهه لينظر الى الباب مقطبا واعتدل مغادرا الفراش يريد التوجه الى الخارج ليرى ما الأمر خاصة وأنه قد ميّز صوت.. سلسبيل!…
ما أن تقدم خطوتين باتجاه الباب حتى فُتح بقوة لتدخل سلسبيل كالصاروخ وتقف أمامه وقد احمر وجهها فيما لمعت عينيها لينظر اليها مقطبا ويتقدم اليها يتساءل بحيرة وقلق:
– سلسبيل.. مالِك إكده؟.. ايه اللي حوصل؟..
ليبصر آخر وجه تخيل أن يراه، كانت وداد من لحقت بها، نظر الى الأخيرة في تساؤل وريبة، رفعت سلسبيل سبابتها وصاحت بحنق وهي تشير الى وداد:
– صوح يا ليث الحديت اللي بتجوله ديه؟.. انت اتزوجتها صوح؟؟
لتنساب دموعها وهي تصيح بصوت مخنوق بينما تناظره بذهول وعدم تصديق، فيما تراجع ليث بصعوبة مستندا على دعامة السرير المعدنية فقد شعر بوهن ساقيه، بينما وقفت وداد تطالع ليث بريبة وقلق فيما يبادلها الآخر برغبة في القتل واضحة، حاول ليث تجاهل ألمه ليقترب من سلسبيل ببطء وهو يقول محاولا تهدئتها:
– اسمعيني يا سلسبيل أني….
فقاطعته هاتفة بحنق:
– اتزوجتها ولا له يا ليث؟..
عاود محاولة تهدئتها مرارا ولكن طفح كيلها وهي تعتقد أنه يحاول الهروب من الأجابة لتهتف بحدة صارخة به:
– جاوبني ولاش لف ودوران.. اتزوجتها ولا لاه؟؟…
لتتبدل نظرات ليث الى اخرى غاضبة سوداء قوية.. فمهما بلغ حبه لسلسبيله فهو لا يزال ليث الخولي.. من ترجف لاسمه الأبدان وتهتز له أعتى الشوارب.. ولن يسمح أبدا بأن تطاول عليه او تصرخ في وجهه كما تفعل الآن، ليجيبها بجمود وبرود صقيعي:
– جصري حسك يا سلسبيل، صوتك ما عيعلاشي في وجودي…
وقفت سلسبيل تطالعه بتحد وهي تكرر بقوة:
– واني مش هكرر سؤالي كاتير… انت اتزوجتها صوح؟..
فهتف بكلمة واحدة كانت كطلقة الرصاص، مدوية في رنّتها.. لتصيب قلبها فتمزقه الى آلاف القطع:
– إيوة يا سلسبيل.. اتزوجتها!!.
سكتت… تراجعت… و..وجمت!!… لتهمس بغير تصديق محدقة اليه بذهول وهي تبتعد الى الخلف بخطوات متعثرة:
– اتـ.. اتزوجتها يا ليث؟… لااااه…..
وتهرع الى الخارج صافقة الباب خلفها بعنف، في حين حاول ليث اللحاق بها وهو يصرخ مناديا لها ولكنها كانت قد اختفت، فالتفت الى تلك الأفعى التي تراجعت الى الوراء في خوف منه فاصطدمت بالحائط خلفها، في حين اقترب منها ونية القتل مسطورة بوضوح على وجهه وفي بريق عينيه الجاد، هتفت في رعب وبتلعثم واضح:
– أني ما كانيش جصدي اجولها حاجة، هي اللي جبرتني اني أنطوج و…. آآآآآآآآه…
ليسارع ليث بالقبض فجأة على عنقها بيده الحرة فيما الأخرى معلقة بحامل الى كتفه حيث الجرح، حاولت التكلم بصعوبة ترجوه تركها فيما هتف ليث بشراسة من بين أسنانه المطبقة:
– هجتلك واشرب من دمك يا مرة يا فاجرة، انتي فاكرة انه اللعب امعاي بالساهل اكده؟.. تبجي غلطانه، هدفعك التمن غالي جوي يا وداد الكلب!!!
وبظهر يده التي رفعها عاليا هبط بصفعة مدوية على وجهها أدمت شفتيها ثم ما لبث أن دفعها بعيدا عنه قبل أن يتناول هاتفه المحمول ويضغط بضعة أرقام ثم تحدث بجدية قائلا:
– صابر.. ام عدنان جايتك دلوكيت عشان إتعاود بيها البيت، اسمع اللي عجولك عليه وتنفذه بالحرف الواحد!!!!!!!!!!!
بعد أن أنهى محادثته مع صابر أغلق الهاتف ونظر بغضب أسود الى وداد التي كانت تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها كي لا تختبر غضب الليث، فغضبه وحشي لا قبل لها باحتمال عواقبه، صوت طرقات على الباب جعلتها تطلق أنفاسها التي حبستها في راحة لتسمع بعدها صوته وهو يدعو الطارق للدخول، لتكتشف أن هذا الطارق لم يكن سوى عمتها فرودس.
وقفت فردوس تقول بتردد وهي تنقل نظراتها بين ابنة اخيها وليث:
– حمد لله ع السلامة يا كبيرنا، شدة وتزول ان شاء الله..
هرعت وداد تجاه عمتها في حين تحامل ليث على نفسه واتجه الى الباب يغلقه قبل أن يلتفت اليهما ويتجه ناحيتهما فيما عيناه مسلطتان على وداد التي توارت خلف عمتها في ذعر شديد، وقف ليث على بعد خطوات منهما وقال بحزم صارم:
– ست فردوس.. هي كلمة ومش هتنِّيها، عيشكوم انجطع من البلد إهنه… جودامكم مهلة اربع وعشرين ساعة، باكر عشيّة ما عاوزيش ألاجيكم في البلد كلاتها، وإلا تبجوا انتو اللي حكمتم على نفسيكم.
شهقت فردوس في خوف وذهول وقالت بوجل:
– ليه يا كبيرنا؟.. دا احنا جاعدين بحسّك ربنا يخليك لينا، انت اللي حامينا وحنا اتنين ولايا وانت خابر الظروف..
ليث بصرامة ولا تزال نظراته معلقة بوداد التي تبادله النظر بأخرى تائهة.. مترجية.. حزينة:
– خير تعمِل شرٍّ تِلجا، أني عاوز عسعلك سؤال واحد يا فردوس.. أني ايه بالنسبة للمحروسة بت خوكي؟..
فرجوس مقطبة بحيرة:
– انت كبير كفر الخولي واللي اعملته عشان تحميها من المدعوج عارف محدش يجدر اينكره.
ليث بجمود:
– يعني أني مش جوزها؟..
شهقت فردوس والتفتت الى وداد في تساؤل وهي تجيب:
– أيه؟… لاه.. ما حضرتك عارف الجواز كان…
قاطعها هاتفا بحدة:
– كان من مدة، فاكرين ولا أفكِّركم أنا؟… لمّن عارف البلطجي اللي كان امعاكم وكان بيحرسها طومع فيها وكان رايد يتزوجها، وهي بلغت عنيه الشرطة وجبضت عليه، وهربتوا منّيه فايتين بيتكم وناسكو وجيتو إهنه، ولكن خرج من كم شهر من السجن جيتو وجعتوا في عرضي، وجولتوا احمينا، حوصل ولا ما حوصلش؟..
فردوس برهبة في حين شحب وجه وداد وهربت بعينيها بعيدا:
– حوصل يا كبيرنا، وحضرتك وجتيها جولت لو جرّب منيكو هتدفنه مُطرحه..
ليث بسخرية:
– لكن انتم مصدجتونيش، ووجتها وطّت على يديْ تحبّها عشان اتزوجها.. صوح ولا لاه؟..
فردوس بخنوع وهي تدعو الله في سرها أن تمر المسألة على خير:
– صوح يا سي ليث.
ليث بحزم:
– وجتها أني جولت إيه؟..
فردوس باستسلام:
– حضرتك جولت معينفعشي، وانك ليك وضعك وهيبتك، واننا في احماك من غير خوف..
ليث بغضب وحشي مكتوم:
– لكن بنت خوكي صممت أني أعجد عليها، جالت ورجة بس اتوريهاله عشان ايشيلها من دماغه، وجتها اشترطت عليكو أيه؟
فردوس وهي لا تعلم ألى أين سينتهي هذا الاستجواب:
– اشترطت انه يبجى عرفي.. في السر يعني، وانه لمّن المدعوج عارف يبعد عنينا عترمي عليها اليمين وتحللها منيه الجواز ديه..
امتدت يد ليث لتجذب وداد من شعرها من خلف فردوس والتي ابتعدت من فورها فلم تكن لتقف أمام الليث وهو في غضبه الراهن، صاح ليث وهو يهز وداد بقوة حتى كادت تقسم أن رأسها سيقتلع من فوق كتفيها:
– وعارف غار ولا لاه؟… جطعت الورجة ورميت عليكي اليمين ولا لاه يا مراه؟.. اني عمري جرّبت منيكي يا مراه؟..
لتهتف وداد وهي تمسك بيديه القابضة على خصلاتها بقوة:
– لاه.. ما حوصلشي يا سي ليث، انت.. انت جطعت الورجة لمن عارف عرف واتوك داني في حماك… لكن..
صرخ ليث بعنف:
– لكن إيه؟؟.. ايه اللي خلّاكي تنبشي في اللي فات؟.. جولتي لمَرَتي ليه انك امراتي؟.. انطجي يا وداد أحسن يمين يحاسبني عليه ربنا أكون دافنك في مُطرحك دلوك..
نظرت اليه وداد بعينين تذرفان دموعا غزيرة وقد اكتسى وجهها الجميل بتعبير حزن عميق:
– لأني… لأني بحبك يا سي ليث؟..
ليدفعا ليث بقوة وقد هاله ما سمعه فيما وبدلا من ان تبتعد عنه أخذت تقترب تجاهه بينما قطب في وجها بحدة ولكنها كانت قد قررت كشف أوراقها كلها.. فهو يستحق أن تحارب المرأة لأجله.. بل أن تضحي بالنفيس والغالي كي لا تضحي به هو!
هتفت وداد وهي تقف أمامه رافعة عينان تستجديانه ونبرة صوت غلفها التوسل الشديد:
– إيوة يا سي ليث، ما تستغربشي إكده، انت الوحيد اللي كا كونتيش بتبص لي بصّة شينة، انت الوحيد اللي كونت شايف وداد البني آدمة اللي خلجها ربنا، ما كونتيش طمعان فيا زي بجيت الخلايج، غولطت لمن جولتا ني مرَتك جايز مش هنكر، لكن ماجادرتش أستحمل لمّن لاجيتها بتمنعني أني أشوفك وأطمّن عليك.. وجتها غيرتي عمَتني، خليتني أجول وايه المانع لمّ، يكون عندك ابدال الحرمة اتنين وتلاتة، انت الليث اللي أي واحدة تتمناك…
هدر فيها ليث بعنف:
– اخرسي يا حرمة، ما فيش أي كلام ايبرر اللي اعملتيه والكدب اللي هلفطتي بيه..
هتفت وداد وهي تحاول جذب يده لتقبيلها فسحبها منها بعنف لترتمي فوق قدميه وهي تصيح بنواح عال:
– أحب على يدك.. أحب على رجلك ما تبعدنيش عنّيك.. أني ما عاوزاشي حاجة واصل، خليني في ريحك وخلاص، خليني أحس انك عزوتي وحمايتي وضهري… أحب على رجلك يا سي ليث ما اتخجرنيش من جنِّتك…
رفعها ليث قابضا على كتفيها وهو يصيح بها:
– ما عادش منيه فايدة الحديت ديه، أني أمنتك وانتي خونتي يا وداد..
سكتت وداد لوهلة قبل أن تقول بجدية وعينيها تحدقان فيه بقوة:
– اتزوجني يا سي ليث…
ضغط ليث على كتفيها بقوة آلمتها وصاح بقسوة:
– باه.. اتجنيتي إياك..
وداد وهي تمسح دموعها بارحتيها في الحاح كبير:
– الجنان أني أبعد عنيك يا سي ليث، اتزوجني واني جابلة باللي تعمله، أكون في الضل مش مهم، لكن أشيل اسمك، أنت عارف جد ايه رجالة يتنوا نظرة منِّي أني، لكن أني ما رايداشي غيرك..
تركها ليث واستدار معطيا اياها ظهره وهو يقول ببرود:
– واني ما رايدش غير واحدة بس… اللي هي زوجتي، ومن سابع المستحيلات أني أتزوج عليها، مش ليث الخولي اللي يعمل إكده ومش سلسبيل الخولي اللي يتعمل فيها إكده.
لتنسى وداد خوفها من الليث وتهتف بغيظ سافر صائحة:
– هي ساحرتك؟.. فيها ايه غريب عنينا؟.. كلنا حريم، واللي أعرِفه انك انجبرت عليها لانها مرت أخوك الله يرحمه، يبجى….
أخطأت… بل.. أجرمت… اعترفت بهذا وهي تتلقى صفعتها المدوية الثانية، وأن كانت الأولى قد أدمت قلبها فالثانية قد دمرتها تماما!!…. هرعت اليها فردوس تساعدها على النهوض اذ سقطت من شدة الصفعة، نظر اليها ليث وهو يهدر متوعدا:
– كلمة واحدة منيِّكي تاني وأني هنسى أنك حرمة!… اسمها ما هتجوليهوشي ولو بينك وبين نفسك… ودلوك… جودامكم لغاية اناهردِه عشيّة تكونوا سايبين البلد كلّأتها ماذا وإلا خبر طلاجك هيوصل عارف ووجتها انتي خابرة زين هو عيعمل إيه؟؟
صاحت وداد وقد كان اسم عارف كفيل بادخال الذعر في قلبها بينما وجهها المكدوم يشي بنتيجة إغضابها لليث:
– لاه يا سي ليث، كله إلا عارف، جطعني ما عجولشي لاه.. لكن عارف… أحب على يدّك بلاش..
نظر اليها ليث بصرامة، وما لبث أن سمع عدة طرقات على الباب فأذن للطارق بالدخول، دلف صابر الى الداخل واقترب هامسا ببضع كلمات الى ليث الذي كان يسلط نظراته السوداء على وداد التي وقفت تحتضنها فردوس لتهدأ ارتعاشتها الواضحة، قال ليث بصرامة:
– صابر.. تاخد زوج الحريم دول واتدنيك امعاهم لغاية ما يفارجوا البلد كلّاتها..
فردوس بدموع غزيرة:
– طب عنروح فين يا كبيرنا؟..
ليث بصرامة:
– اتركيّهم يا صابر إو تديني التمام انهم رحلوا، وانتو مش هتغلبوا يا فردوس، ما هو دا شغلكو، انتو كنتوا فين جبل إنه؟.. انتو بتدوروا على طول، بلاد الله لخلج الله، لكن اجعاد أهنه أني جولت اللي حدايا، اذا صبح عليكو صبح هتلاجو عارف أمشرف، انا الاول كنت كريم امعاكو وهملتكو لبكرة الصبح، لكن معجبكوشي، دلوك بجولكو لغاية عشية، ولو زودتو عتخرجوا من اهنه عتلاجوا عارف مستنييكوم تحت..
هزت الاثنتان رأسيهما في خنوع واتجهتا للخروج في حين أشار ليث لصابر بالاقتراب ليهمس له في أذنه بصوت غير مسموع:
– ابعت حد من الرجالة يجطُرهوم، مهما كان تنتين ولايا ما عاوزينش يوحصل حاجة ويبجى زنبهوم في رجبتنا..
هز صابر رأسه بالايجاب ولحق بهما مغلقا الباب خلفه ليزفر ليث بعمق وهو يقول:
– فاضل المجنونة سلسبيل، فاكراني معجدرشي عليكي؟.. يبجى لساتك معرفتيش الليث!..
************************
اخذت تسير جيئة وذهابا وهي تكاد تشد شعرها فيما تهتف محدثة نفسها بصوت مسموع وفي حنق غاضب:
– إكده يا ليث؟.. أني أي ليث تتجوز عليْ؟.. د هانت معملتهاشي جبل إكده، عمرك ما اتجوزت على واحدة من اللي سبج واتجوزتهم، أني سلسبيل ليث تعملي فيّا إكده؟.. ماشي يا ليث.. ابجى شو فمين اللي عيجعودلك فيها؟..
ليجيبها صوت عال أمام الباب:
– ومين اللي جال انك عتتحركي خطوة واحدة بعيد عن اهنه؟..
شهقت والتفتت لتراه وقد انتصب أمام الباب، ليغلق الباب خلفه بإحكام قبل أن يقترب منها بخطوات محسوبة فيما وقفت أمامه وهي تهتف مشيرة الى الباب:
– فاكر أنك لمّن اتخلي غفيرك يجيبني إهنه أني معارفشي أروّح إلحالي، تبجى غلطان يا ليث، وبجولك دلوك خلّيه زي ما جابني ايعاودني لعيالي، عخودهم وأرجع دار أبوي وعريّحك مني خالص..
اقترب منها وهو يشير بيده اليمنى الحرة فيما اليسرى مرفوعة لأعلى بحامل ذراع حتى يشفى الجرح تماما، قال بهدوء يشي بعاصفة هوجاء تلوح في الأفق:
– انتي بتجولي إيه؟..
همّت سلسبيل بتكرار حديثها حينما هدر فيها بعنف أخرسها:
– اوعاكي.. شوفي إوعاكي أسمعك اتجولي كلامك الماسخ ديه تاني، اعيال مين ودار ايه اللي عتسيبيها، انتي مرتي أنا.. والعيال دول إعيالي.. وفكري.. فكري بس يا سلسبيل في الجنان اللي بتجولي هديه وانتي هتعرفي غضب الليث كيف.
وقفت سلسبيل أمامه رافعة رأسها في شموخ جعل لمحة اعجاب سريعة تمر عبر سوداء عينيه في حين أجابته بثقة لا تشعر بمقدار نصفها:
– هي مش سايبة يا ولد عمي، انت خابر بويْ زين.. أني ليا أهل وعزوة.. لو كنت فاكر أكمنهم جوزوني ليك يبجى ماليش عازة احداهم تبجى غلطان، جوازنا انت خابر زين كان غرضه إيه..
لتنغلق تعابير وجه ليث ويقترب منها حتى تلفحها رائحته الخاصة فيما يقول متسائلا بغموض:
– لاه، ما خابرشي يا بت عمي… يا ريت تجوليلي أنتي جوازنا كان ليه؟..
حاولت سلسبيل الهرب من عيناه النافذتين وهي تجيبه بعناد رافضة أن تدع خوفها الذي بدأ يطرق جنبات قلبها يظهر على وجهها:
– انت خابر زين يا ليث، لو ما كانيش عمي فاتحك في موضوع جوازنا ما كونتيش اتجدمت، أني خابرة زين أن عمي هو اللي صمم ع الجواز عشان العيال أجلّه، لو كنت ارضيت أني أفوت لكم العيال ما كانيش هيبجى فيه مشكلة، اعيالكم وفي حضنكم وأني بوي كان هيجوزني ما كانيش هيهملني إكده من غير جواز، وانت خابر عمك عتمان صعب كيف.. ما كونتـ..
وفي أقل من ثانية كان ليث أمامها، متجاهلا جرحه الذي لم يندمل بعد، ليمسك بها بقوة ضاغطا يده الحرة فوق فمها وهو يهتف بشراسة ووحشية من بين أسنانه:
– كلمة زيادة يا سلسبيل وما عتلومشي إلا نفسك!.. إنتي اتجنيتي إياك!… واحد تاني؟.. انت فاكرة أني كنت ههملك تتجوزي واحد غيري؟.. بويْ يمكن هو اللي فاتحني في جوازنا لكن حتى لو ما كان اعملها أني ما كوتش ههملك واصل، كل الحكاية أني كت رايد أفوت لك وجت عشان تهدي، لكن الله في سماه شعرك ما كان عينفرد على فرشة راجل غيري، كت دفنته مُطرحه، جبل سابج اللي كان ملجمني انه خويْ.. لكن لمّن بجيتي خالية ما كانيش فيه اللي يجدر يبص لك بطرف عينه حتى، انت لليث يا سلسبيل.. لليث وبس.. اوعاكي تجولي اكده مرة تانيِّة، خشمك ديه ما يجيبش السيراديْ غير لو انتي رايده صوح تشوفي وشِّي التاني.. وصدجيني ماعتجدريش تتحمليه.
نظرت اليه سلسبيل وقد أخذ بلبها عزيمته الواضحة وعيناه اللتان تقسمان لها بأغلظ الأيمان أنها أبدا لن تكون لغيره، وأنه لم يكن ليسمح بذلك، كان هذا الأمر يقض مضجعها، على الرغم من أنه قد صارحها بحبه لها ولكن كان لا يزال هناك جزءا صغير من الشك في أمر زواجهما، وهل لأن أبوه قد أصر عليه أم عن رغبة فعلية منه، كانت تريد سماعها ثانية منه كي تنسى كارثة زواجه الثانية!… وعند هذه النقطة وكأنها قد أفاقت من سباتها، إذ زمجرت كقطة متوحشة مبعدة يده عن وجهها وتساءلت بحدة:
– ولمن هوّ الموضوع إكده اتزوجت عليْ ليه يا ولد عمي؟..
لتصدح ضحكات ليث فيزداد حنق سلسبيل، أمسك بها يعيقها عن الهروب من أمامه فيما هتفت بحنق غاضب:
– بعّد عني يا ليث..
ليحكم قبضته على كتفيها وهو يقول وبقايا ضحكته لا تزال في صوته:
– أنتِ مجنونة يا بت عمي، لكن أني بموت في اجنانك ديه، عاوزة تعرفي الحكاية كلاتها يبجى تهدي أكده وتجفلي خشمك واصل لغاية ما أخلّص كلام، استنبينا؟..
أومأت بالموافقة وهي تزفر بضيق هاتفة:
– ماشي يا ولد عمي، أمّ، نشوف آخرتها امعاك إيه، وخلّي بالك كيف ما أنت الليث.. أني أبجى مَرَتْ الليث، يعني مش هتجدر تضحك على عجلي بكلمتين…
سار بها ليث الى الأريكة الوثيرة حيث أجلسها وجلس بجوارها قبل أن يبدأ يسرد عليها الحقيقة بينما تتفاوت تعابيرها بين متعاطف وحانق و… شرس!!
حالما انتهى من سرد روايته التفت الى سلسبيل وسألها بينما شعر بألم مصحوب بسخونة مكان الجرح ولكنه تجاهله:
– ها.. عرفت يا بت عمي الحكاية صوح؟.. ما كانيش له لازمِه كل اللي اعملتيه ديه؟.
سلسبيل وهي تشعر بالخجل لتهورها معه ولكن في نفس الوقت تشعر بالحنق والغضب لأن هذه الوداد حملت اسمه في يوم من الايام وان كان بورقة زواج عرفي أبيض!، قالت سلسبيل وهي تكشر كالأطفال في حنق طفولي:
– وأني كت أعرِف امنين؟.. وبعدين انت المحجوج.. أني مرتك يعني المفروض كت أعرف الحكاية ديْ منِيك انت من جبل ما بت الفرطوس ديْ تاجي لك المشتشفى او تعمل اللي عِملتو ديه.
ليث وهو يغالب ألمه مجيبا بتعب واضح:
– أنتي اغلطتي يا بت عمي، الاصول كتي تستاني لمن تشوفي الحكاية ايه، مش تاخدي في وشك وتهربيْ.
سلسبيل وأحساس الحرج لديها تضاعف بينما تنظر اليه بعينين صادقتين:
– اعذرني أي ليث، أني برج من عجلي كان عيطير لمن سمعتها، وخصوصي لمن سعلتك وجولتلي انه الحديت صوح، لكن إيه الموكان ديه؟.. انت خليت صابر يجيبني فين؟..
ليث وهو يرفع يده يمسك رأسه:
– ديه شوجتي في جنا، اني كنت خابر انك عتهلفطي بالكلام اللي مالوش عازه جودام بوي وبوكي، ما كونتيش عاوز حد يتدخل بيننا، ما كونتيش عسيبك تبعدي عني ولو دجيجة واحده، عشان إكده جبرت الدكتور يكتب لي اخروج انهارده مع انه جالي حالتي لسه….
وبتر عبارته وهو يرتمي على الأريكة في حين هتفت سلسبيل بخوف:
– ليث!!!!!…
————————– ————————– —-
خرج الطبيب الذي أتى به صابر والذي هاتفته سلسبيل وهي في أقصى درجات الخوف على ليث الذي سقط بين أيديها مغشيّا عليه، ناول الطبيب وصفة الدواء لصابر وهو يؤكد على وجوب الالتزام بمواعيد الدواء والراحة التامة فقد نزف الجرح واضطر لقطب غرزتين أخريين له، انصرف الطبيب ومعه صابر وقد أمرته سلسبيل بإحضار الدواء قبل أن تعود غرفة النوم حيث يرقد ليث النائم بفعل المهدئ..
جلست سلسبيل بجواره ومدت يدها تمسح خصلات شعره الأبنوسي برقة لتهبط بسبابتها على وجهه تتلمس خشونة ذقنه فشاربه الكث بينما تنهل عيناها من وسامته الخشنة وهي تهمس بلوم:
– إكده يا ليثي؟.. عاجبك الخرعة اللي اتسببتي لي فيها؟.. أني جلبي كان عينخلع من موطرحه، لسّاتك معترفشي أني بخاف عليك كيف؟.. فداك أني وأي حد تاني المهم انت تجوم بالسلامة يا ليث سلسبيل..
صوت طرقات هادئة لتتجه سلسبيل الى الباب حيث تناولت الدواء من صابر وأمرته أن يلزم السيارة بالاسفل وألا يخطو خطوة واحدة إلا بمشورتها..
أعدت سلسبيل الحساء الساخن، دلفت الى الداخل لتجد ليث وقد أفاق من سباته، وضعت صينية الأكل فوق الفراش بجواره وهي تقول بابتسامة ناعمة:
– الدكتور بيجول لازمن تتغذى منيح عشان الجرح ايلم بسرعة.
قال ليث وهو يشيح بوجهه بعيدا عن الطعام:
– ماعاوزشي يا بت عمي، بعّديه عني.
قالت وابتسامة ناعمة تزين ثغرها الكرزيّ:
– لاه.. أني اللي عاملاه بيدِّيني التنيين دول، هتكسف يديْ؟..
ليطالعها ليث وهو يبتلع ريقه بصعوبة هامسا في حين تسافر عيناه على صفحة وجهها البهي تلتهم تفاصيله الفاتنة:
– لاه طبعا.. يسلموا ايديكيْ يا بت عمي.
ومد يده ليتناول الملعقة حينما فاجأته للمرة الثانية بأن سبقته وتناولتها وغرفت بها بعض الحساء ثم رفعته الى فمه وهي تقول بنعومة ورقة:
– افتح خاشمك.
ليقول بانشداه:
– ها!!!…. ضحكت سلسبيل ضحكة خافتة ناعمة أجرت الدم ساخنا في عروقه بينما أجابته وهو تشير له بالملعقة:
– هوكّلك بيديّ يا ولد عمي.
ليفتح فمه تلقائيا كالطفل الوديع فيما تطعمه هي الحساء الذي أنهاه عن آخره دون أن يعي مذاقه الفعليّ، فقد كان تائها بين أهدابها الساحرة حينا وانعطافة شفتيها المسكرتين أحيانا!..
************************** *******************
– عمي، أنا مش عجبني حال سلمى.
تنهد رؤوف عميقا وهو يجيب شهاب بينما تابع الجد عبد الحميد الحوار الدائر أمامه دون أي تدخل منه:
– وأنا هعمل أيه يا شهاب يا بني؟.. أنت شايف بنفسك من ساعة ما اللي حصل وهي قافلة على نفسها بابها ومش عاوزة تشوف حد.
زفر شهاب بيأس في حين قال والده عثمان بحزمه المعروف:
– ما تواخزنيشي يا خويْ.. بس بتّك امزوداها حبتين.. واحد وعمره انتهى لحد إكده.. ديه أعمار وكله امجدر ومكتوب، واحنا ما عننساشي اللي عِمله واصل، هو حافظ على عرضنا وصانه، وعشان إكده أكبر صوان عيتنصب له احدانا..
**لم يخبر شهاب والده أو الجد بحقيقة ما حدث، ولا يعلم أيّا كان بأمر مقطع الفيديو المسجّل لسلمى والذي كان بحوزة حمدان الذي قُتل يوم الحادث ليختفي أي أثر للفيديو بعد أن تحطم هاتفه يومها، وحدها أسرتها والديها وشقيقتها من علموا بالحقيقة، ولم يخبرهم سوى أنه ساعد في انقاذ سلمى من براثن العصابة وقد تلقى الرصاصة بدلا عنها**
قال الجد بجدية:
– مش كفاية يا عتمان يا ولديّ، ادبح عجلين ووكل الفوجرا بيهم، واتبرع بجرشينات تساعد بيهم في بنى الجامع الكبير اللي حدا البحر عشان تبجى صدجة جارية للمرحوم.
زفر شهاب بضيق وقال:
– كل داك ويس وجميل، بس مش هيخرج سلمى من اللي هيا فيه.
ليقاطع الجد الجدل الدائر قائلا بصرامة:
– رؤوف.. الولاد أديهم كاتبين بجالهم فترة طويلة، أني شايف اننا نتمم الجواز.. جولت إيه؟..
لتنفرج أسارير كلا من شهاب وغيث في حين ابتسم عثمان استحسانا لأمر والده المغلّف على هيئة اقتراح ولكنه أكثر الناس علما بالحاج عبد الحميد وأنه لم يكن يقترح بل… يأمر!
رؤوف بتردد:
– مش عارف يا حاج، بس مش مستعجلين شوية؟.. سلمى لسه ما خرجتش من اللي هي فيه.
عثمان باعتراض:
– كيف مستعجلين يعني يا ولد ابويْ؟.. العيال أداهم زمن عاجدين لهم على بعض، وافج يا راجل خلينا نفرحوا بيهم، خير البر عاجله.
نظر عبد الحميد الى رؤوف وقال في جدية:
– رؤوف يا ولدي أني خابرك زين، انت رايد تطمَّن على بتّك واتخرجها من اللي هيا فيه ديه، وأني بجولك انه أحسن طريجة اننا نتمم الجواز، صدجني ديه بس اللي عتخليها تنشغل بلوازم الفرح وتطلع من اللي هيّا فيه ديه.
همس رؤوف وكأنه يحدث نفسه بصوت منخفض:
– يمكن يا حاج، لما نشوف، عموما أنا هقولك وأشوف هتقول إيه.
عثمان باستنكار فلم يعجبه رد أخيه:
– أيه؟.. يعني ايه تشوف رأيها ديْ؟.. هو فيه بعد شور الحاج راي ولا ايه؟.. رؤوف يا خوي انت تجولها انه الحاج أمر انه الزواج يتم.
نظررؤوف الى الجد بتساؤل ليجيب الأخير بحزم وهو ينقل نظراته بينهم جميعا:
– بلِّغ بناتك يا رؤوف ان الجواز على هلال الشهر الجديد.. يعني بعد سبوعين تمام من انهاردِه!.. وديِه قرار جدهم عبد الحميد.. كبير العيلة!..
فأسقط في يد روؤف فهو أكثر من يعلم أنه إذا ما أمر الكبير بشيء.. فأمره واجب النفاذ!!
– يتبع –
الحلقة (26)
بقلمي/احكي ياشهرزاد(منى لطفي)
كان يستند بظهره الى الخلف فيما ترتسم ابتسامة واسعة على شفتيه وهو يشرد في طفلته، صغيرته، حبيبته، امرأته… سلسبيله هو…، نعم، لا تزال في عينيه طفلته الصغيرة التي كان يحب إغاظتها بشد ضفائرها الطويلة وكانت هي تتذمر وتنظر اليه بحنق بينما الدموع الماسية تلمع بين عسلي عينيها مما يجعله يحتضنها ويرفعها بين ذراعيه ليمسح دموع لم تنساب، فلم يكن ليرضى بأن تنساب لآلئها بسببه حتى وأن كان يلهو بها، بل أنه ما أن يحتويها بين ذراعيه وهي ابنة السادسة عام حتى يعترف بينه وبين نفسه أنه لم يستفزها إلا كي تنتهي بين يديه، ينعم برائحتها الطفولية المحببة، ولا يرضى بإنزالها قبل أن تعتذر وتقبله فوق وجنته الخشنة!.. وهي تحتار فيما تعتذر وهو من أخطأ في حقها؟.. ولكنه الليث الذي ومنذ نعومة أظفاره تهابه الرجال، فتسارع بالاعتذار ولصق قبلة طفولية فوق وجنته الخشنة سريعا كي ينزلها فتعود للهو بين أقرانها، ولكن سرعان ما يمتعض وجهها حينما تلمس خشونة ذقنه وهو صبي يتعدى عمره السادسة عشر ربيعا، فيضحك ملء فيهِ وهو يراقص حاجبيه بإغاظة مهددا إياها أنها لو كررتها وكشرت في وجهه ثانية فلن ينزلها بل سيعلقها من جديلتيها في أعلى النخلة لتسارع بالاعتذار ثانية وتقبيل وجنته الأخرى تعويضا عن سخريتها من خشونة وجنته الأولى!!..
ضحك بخفوت وهو يشرد في ذكرياتهما سوية بينما قلبه يدق بقوة ويهتف في نفسه بأنه سيخبر الطبيب بأنه سيتابع علاجه بالمنزل، فقد تعدى الجرح مرحلة الخطر.. ولكن قلبه إن لم يغادر الى منزله سريعا فسيكون في عمق الخطر!.. فهو لم يعد يستطيع احتمال الابتعاد أكثر من ذلك عن واحته العذبة… عن سلسبيله الصافي.
صوت ضوضاء خارج غرفته شد انتباهه لينظر الى الباب مقطبا واعتدل مغادرا الفراش يريد التوجه الى الخارج ليرى ما الأمر خاصة وأنه قد ميّز صوت.. سلسبيل!…
ما أن تقدم خطوتين باتجاه الباب حتى فُتح بقوة لتدخل سلسبيل كالصاروخ وتقف أمامه وقد احمر وجهها فيما لمعت عينيها لينظر اليها مقطبا ويتقدم اليها يتساءل بحيرة وقلق:
– سلسبيل.. مالِك إكده؟.. ايه اللي حوصل؟..
ليبصر آخر وجه تخيل أن يراه، كانت وداد من لحقت بها، نظر الى الأخيرة في تساؤل وريبة، رفعت سلسبيل سبابتها وصاحت بحنق وهي تشير الى وداد:
– صوح يا ليث الحديت اللي بتجوله ديه؟.. انت اتزوجتها صوح؟؟
لتنساب دموعها وهي تصيح بصوت مخنوق بينما تناظره بذهول وعدم تصديق، فيما تراجع ليث بصعوبة مستندا على دعامة السرير المعدنية فقد شعر بوهن ساقيه، بينما وقفت وداد تطالع ليث بريبة وقلق فيما يبادلها الآخر برغبة في القتل واضحة، حاول ليث تجاهل ألمه ليقترب من سلسبيل ببطء وهو يقول محاولا تهدئتها:
– اسمعيني يا سلسبيل أني….
فقاطعته هاتفة بحنق:
– اتزوجتها ولا له يا ليث؟..
عاود محاولة تهدئتها مرارا ولكن طفح كيلها وهي تعتقد أنه يحاول الهروب من الأجابة لتهتف بحدة صارخة به:
– جاوبني ولاش لف ودوران.. اتزوجتها ولا لاه؟؟…
لتتبدل نظرات ليث الى اخرى غاضبة سوداء قوية.. فمهما بلغ حبه لسلسبيله فهو لا يزال ليث الخولي.. من ترجف لاسمه الأبدان وتهتز له أعتى الشوارب.. ولن يسمح أبدا بأن تطاول عليه او تصرخ في وجهه كما تفعل الآن، ليجيبها بجمود وبرود صقيعي:
– جصري حسك يا سلسبيل، صوتك ما عيعلاشي في وجودي…
وقفت سلسبيل تطالعه بتحد وهي تكرر بقوة:
– واني مش هكرر سؤالي كاتير… انت اتزوجتها صوح؟..
فهتف بكلمة واحدة كانت كطلقة الرصاص، مدوية في رنّتها.. لتصيب قلبها فتمزقه الى آلاف القطع:
– إيوة يا سلسبيل.. اتزوجتها!!.
سكتت… تراجعت… و..وجمت!!… لتهمس بغير تصديق محدقة اليه بذهول وهي تبتعد الى الخلف بخطوات متعثرة:
– اتـ.. اتزوجتها يا ليث؟… لااااه…..
وتهرع الى الخارج صافقة الباب خلفها بعنف، في حين حاول ليث اللحاق بها وهو يصرخ مناديا لها ولكنها كانت قد اختفت، فالتفت الى تلك الأفعى التي تراجعت الى الوراء في خوف منه فاصطدمت بالحائط خلفها، في حين اقترب منها ونية القتل مسطورة بوضوح على وجهه وفي بريق عينيه الجاد، هتفت في رعب وبتلعثم واضح:
– أني ما كانيش جصدي اجولها حاجة، هي اللي جبرتني اني أنطوج و…. آآآآآآآآه…
ليسارع ليث بالقبض فجأة على عنقها بيده الحرة فيما الأخرى معلقة بحامل الى كتفه حيث الجرح، حاولت التكلم بصعوبة ترجوه تركها فيما هتف ليث بشراسة من بين أسنانه المطبقة:
– هجتلك واشرب من دمك يا مرة يا فاجرة، انتي فاكرة انه اللعب امعاي بالساهل اكده؟.. تبجي غلطانه، هدفعك التمن غالي جوي يا وداد الكلب!!!
وبظهر يده التي رفعها عاليا هبط بصفعة مدوية على وجهها أدمت شفتيها ثم ما لبث أن دفعها بعيدا عنه قبل أن يتناول هاتفه المحمول ويضغط بضعة أرقام ثم تحدث بجدية قائلا:
– صابر.. ام عدنان جايتك دلوكيت عشان إتعاود بيها البيت، اسمع اللي عجولك عليه وتنفذه بالحرف الواحد!!!!!!!!!!!
بعد أن أنهى محادثته مع صابر أغلق الهاتف ونظر بغضب أسود الى وداد التي كانت تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها كي لا تختبر غضب الليث، فغضبه وحشي لا قبل لها باحتمال عواقبه، صوت طرقات على الباب جعلتها تطلق أنفاسها التي حبستها في راحة لتسمع بعدها صوته وهو يدعو الطارق للدخول، لتكتشف أن هذا الطارق لم يكن سوى عمتها فرودس.
وقفت فردوس تقول بتردد وهي تنقل نظراتها بين ابنة اخيها وليث:
– حمد لله ع السلامة يا كبيرنا، شدة وتزول ان شاء الله..
هرعت وداد تجاه عمتها في حين تحامل ليث على نفسه واتجه الى الباب يغلقه قبل أن يلتفت اليهما ويتجه ناحيتهما فيما عيناه مسلطتان على وداد التي توارت خلف عمتها في ذعر شديد، وقف ليث على بعد خطوات منهما وقال بحزم صارم:
– ست فردوس.. هي كلمة ومش هتنِّيها، عيشكوم انجطع من البلد إهنه… جودامكم مهلة اربع وعشرين ساعة، باكر عشيّة ما عاوزيش ألاجيكم في البلد كلاتها، وإلا تبجوا انتو اللي حكمتم على نفسيكم.
شهقت فردوس في خوف وذهول وقالت بوجل:
– ليه يا كبيرنا؟.. دا احنا جاعدين بحسّك ربنا يخليك لينا، انت اللي حامينا وحنا اتنين ولايا وانت خابر الظروف..
ليث بصرامة ولا تزال نظراته معلقة بوداد التي تبادله النظر بأخرى تائهة.. مترجية.. حزينة:
– خير تعمِل شرٍّ تِلجا، أني عاوز عسعلك سؤال واحد يا فردوس.. أني ايه بالنسبة للمحروسة بت خوكي؟..
فرجوس مقطبة بحيرة:
– انت كبير كفر الخولي واللي اعملته عشان تحميها من المدعوج عارف محدش يجدر اينكره.
ليث بجمود:
– يعني أني مش جوزها؟..
شهقت فردوس والتفتت الى وداد في تساؤل وهي تجيب:
– أيه؟… لاه.. ما حضرتك عارف الجواز كان…
قاطعها هاتفا بحدة:
– كان من مدة، فاكرين ولا أفكِّركم أنا؟… لمّن عارف البلطجي اللي كان امعاكم وكان بيحرسها طومع فيها وكان رايد يتزوجها، وهي بلغت عنيه الشرطة وجبضت عليه، وهربتوا منّيه فايتين بيتكم وناسكو وجيتو إهنه، ولكن خرج من كم شهر من السجن جيتو وجعتوا في عرضي، وجولتوا احمينا، حوصل ولا ما حوصلش؟..
فردوس برهبة في حين شحب وجه وداد وهربت بعينيها بعيدا:
– حوصل يا كبيرنا، وحضرتك وجتيها جولت لو جرّب منيكو هتدفنه مُطرحه..
ليث بسخرية:
– لكن انتم مصدجتونيش، ووجتها وطّت على يديْ تحبّها عشان اتزوجها.. صوح ولا لاه؟..
فردوس بخنوع وهي تدعو الله في سرها أن تمر المسألة على خير:
– صوح يا سي ليث.
ليث بحزم:
– وجتها أني جولت إيه؟..
فردوس باستسلام:
– حضرتك جولت معينفعشي، وانك ليك وضعك وهيبتك، واننا في احماك من غير خوف..
ليث بغضب وحشي مكتوم:
– لكن بنت خوكي صممت أني أعجد عليها، جالت ورجة بس اتوريهاله عشان ايشيلها من دماغه، وجتها اشترطت عليكو أيه؟
فردوس وهي لا تعلم ألى أين سينتهي هذا الاستجواب:
– اشترطت انه يبجى عرفي.. في السر يعني، وانه لمّن المدعوج عارف يبعد عنينا عترمي عليها اليمين وتحللها منيه الجواز ديه..
امتدت يد ليث لتجذب وداد من شعرها من خلف فردوس والتي ابتعدت من فورها فلم تكن لتقف أمام الليث وهو في غضبه الراهن، صاح ليث وهو يهز وداد بقوة حتى كادت تقسم أن رأسها سيقتلع من فوق كتفيها:
– وعارف غار ولا لاه؟… جطعت الورجة ورميت عليكي اليمين ولا لاه يا مراه؟.. اني عمري جرّبت منيكي يا مراه؟..
لتهتف وداد وهي تمسك بيديه القابضة على خصلاتها بقوة:
– لاه.. ما حوصلشي يا سي ليث، انت.. انت جطعت الورجة لمن عارف عرف واتوك داني في حماك… لكن..
صرخ ليث بعنف:
– لكن إيه؟؟.. ايه اللي خلّاكي تنبشي في اللي فات؟.. جولتي لمَرَتي ليه انك امراتي؟.. انطجي يا وداد أحسن يمين يحاسبني عليه ربنا أكون دافنك في مُطرحك دلوك..
نظرت اليه وداد بعينين تذرفان دموعا غزيرة وقد اكتسى وجهها الجميل بتعبير حزن عميق:
– لأني… لأني بحبك يا سي ليث؟..
ليدفعا ليث بقوة وقد هاله ما سمعه فيما وبدلا من ان تبتعد عنه أخذت تقترب تجاهه بينما قطب في وجها بحدة ولكنها كانت قد قررت كشف أوراقها كلها.. فهو يستحق أن تحارب المرأة لأجله.. بل أن تضحي بالنفيس والغالي كي لا تضحي به هو!
هتفت وداد وهي تقف أمامه رافعة عينان تستجديانه ونبرة صوت غلفها التوسل الشديد:
– إيوة يا سي ليث، ما تستغربشي إكده، انت الوحيد اللي كا كونتيش بتبص لي بصّة شينة، انت الوحيد اللي كونت شايف وداد البني آدمة اللي خلجها ربنا، ما كونتيش طمعان فيا زي بجيت الخلايج، غولطت لمن جولتا ني مرَتك جايز مش هنكر، لكن ماجادرتش أستحمل لمّن لاجيتها بتمنعني أني أشوفك وأطمّن عليك.. وجتها غيرتي عمَتني، خليتني أجول وايه المانع لمّ، يكون عندك ابدال الحرمة اتنين وتلاتة، انت الليث اللي أي واحدة تتمناك…
هدر فيها ليث بعنف:
– اخرسي يا حرمة، ما فيش أي كلام ايبرر اللي اعملتيه والكدب اللي هلفطتي بيه..
هتفت وداد وهي تحاول جذب يده لتقبيلها فسحبها منها بعنف لترتمي فوق قدميه وهي تصيح بنواح عال:
– أحب على يدك.. أحب على رجلك ما تبعدنيش عنّيك.. أني ما عاوزاشي حاجة واصل، خليني في ريحك وخلاص، خليني أحس انك عزوتي وحمايتي وضهري… أحب على رجلك يا سي ليث ما اتخجرنيش من جنِّتك…
رفعها ليث قابضا على كتفيها وهو يصيح بها:
– ما عادش منيه فايدة الحديت ديه، أني أمنتك وانتي خونتي يا وداد..
سكتت وداد لوهلة قبل أن تقول بجدية وعينيها تحدقان فيه بقوة:
– اتزوجني يا سي ليث…
ضغط ليث على كتفيها بقوة آلمتها وصاح بقسوة:
– باه.. اتجنيتي إياك..
وداد وهي تمسح دموعها بارحتيها في الحاح كبير:
– الجنان أني أبعد عنيك يا سي ليث، اتزوجني واني جابلة باللي تعمله، أكون في الضل مش مهم، لكن أشيل اسمك، أنت عارف جد ايه رجالة يتنوا نظرة منِّي أني، لكن أني ما رايداشي غيرك..
تركها ليث واستدار معطيا اياها ظهره وهو يقول ببرود:
– واني ما رايدش غير واحدة بس… اللي هي زوجتي، ومن سابع المستحيلات أني أتزوج عليها، مش ليث الخولي اللي يعمل إكده ومش سلسبيل الخولي اللي يتعمل فيها إكده.
لتنسى وداد خوفها من الليث وتهتف بغيظ سافر صائحة:
– هي ساحرتك؟.. فيها ايه غريب عنينا؟.. كلنا حريم، واللي أعرِفه انك انجبرت عليها لانها مرت أخوك الله يرحمه، يبجى….
أخطأت… بل.. أجرمت… اعترفت بهذا وهي تتلقى صفعتها المدوية الثانية، وأن كانت الأولى قد أدمت قلبها فالثانية قد دمرتها تماما!!…. هرعت اليها فردوس تساعدها على النهوض اذ سقطت من شدة الصفعة، نظر اليها ليث وهو يهدر متوعدا:
– كلمة واحدة منيِّكي تاني وأني هنسى أنك حرمة!… اسمها ما هتجوليهوشي ولو بينك وبين نفسك… ودلوك… جودامكم لغاية اناهردِه عشيّة تكونوا سايبين البلد كلّأتها ماذا وإلا خبر طلاجك هيوصل عارف ووجتها انتي خابرة زين هو عيعمل إيه؟؟
صاحت وداد وقد كان اسم عارف كفيل بادخال الذعر في قلبها بينما وجهها المكدوم يشي بنتيجة إغضابها لليث:
– لاه يا سي ليث، كله إلا عارف، جطعني ما عجولشي لاه.. لكن عارف… أحب على يدّك بلاش..
نظر اليها ليث بصرامة، وما لبث أن سمع عدة طرقات على الباب فأذن للطارق بالدخول، دلف صابر الى الداخل واقترب هامسا ببضع كلمات الى ليث الذي كان يسلط نظراته السوداء على وداد التي وقفت تحتضنها فردوس لتهدأ ارتعاشتها الواضحة، قال ليث بصرامة:
– صابر.. تاخد زوج الحريم دول واتدنيك امعاهم لغاية ما يفارجوا البلد كلّاتها..
فردوس بدموع غزيرة:
– طب عنروح فين يا كبيرنا؟..
ليث بصرامة:
– اتركيّهم يا صابر إو تديني التمام انهم رحلوا، وانتو مش هتغلبوا يا فردوس، ما هو دا شغلكو، انتو كنتوا فين جبل إنه؟.. انتو بتدوروا على طول، بلاد الله لخلج الله، لكن اجعاد أهنه أني جولت اللي حدايا، اذا صبح عليكو صبح هتلاجو عارف أمشرف، انا الاول كنت كريم امعاكو وهملتكو لبكرة الصبح، لكن معجبكوشي، دلوك بجولكو لغاية عشية، ولو زودتو عتخرجوا من اهنه عتلاجوا عارف مستنييكوم تحت..
هزت الاثنتان رأسيهما في خنوع واتجهتا للخروج في حين أشار ليث لصابر بالاقتراب ليهمس له في أذنه بصوت غير مسموع:
– ابعت حد من الرجالة يجطُرهوم، مهما كان تنتين ولايا ما عاوزينش يوحصل حاجة ويبجى زنبهوم في رجبتنا..
هز صابر رأسه بالايجاب ولحق بهما مغلقا الباب خلفه ليزفر ليث بعمق وهو يقول:
– فاضل المجنونة سلسبيل، فاكراني معجدرشي عليكي؟.. يبجى لساتك معرفتيش الليث!..
************************
اخذت تسير جيئة وذهابا وهي تكاد تشد شعرها فيما تهتف محدثة نفسها بصوت مسموع وفي حنق غاضب:
– إكده يا ليث؟.. أني أي ليث تتجوز عليْ؟.. د هانت معملتهاشي جبل إكده، عمرك ما اتجوزت على واحدة من اللي سبج واتجوزتهم، أني سلسبيل ليث تعملي فيّا إكده؟.. ماشي يا ليث.. ابجى شو فمين اللي عيجعودلك فيها؟..
ليجيبها صوت عال أمام الباب:
– ومين اللي جال انك عتتحركي خطوة واحدة بعيد عن اهنه؟..
شهقت والتفتت لتراه وقد انتصب أمام الباب، ليغلق الباب خلفه بإحكام قبل أن يقترب منها بخطوات محسوبة فيما وقفت أمامه وهي تهتف مشيرة الى الباب:
– فاكر أنك لمّن اتخلي غفيرك يجيبني إهنه أني معارفشي أروّح إلحالي، تبجى غلطان يا ليث، وبجولك دلوك خلّيه زي ما جابني ايعاودني لعيالي، عخودهم وأرجع دار أبوي وعريّحك مني خالص..
اقترب منها وهو يشير بيده اليمنى الحرة فيما اليسرى مرفوعة لأعلى بحامل ذراع حتى يشفى الجرح تماما، قال بهدوء يشي بعاصفة هوجاء تلوح في الأفق:
– انتي بتجولي إيه؟..
همّت سلسبيل بتكرار حديثها حينما هدر فيها بعنف أخرسها:
– اوعاكي.. شوفي إوعاكي أسمعك اتجولي كلامك الماسخ ديه تاني، اعيال مين ودار ايه اللي عتسيبيها، انتي مرتي أنا.. والعيال دول إعيالي.. وفكري.. فكري بس يا سلسبيل في الجنان اللي بتجولي هديه وانتي هتعرفي غضب الليث كيف.
وقفت سلسبيل أمامه رافعة رأسها في شموخ جعل لمحة اعجاب سريعة تمر عبر سوداء عينيه في حين أجابته بثقة لا تشعر بمقدار نصفها:
– هي مش سايبة يا ولد عمي، انت خابر بويْ زين.. أني ليا أهل وعزوة.. لو كنت فاكر أكمنهم جوزوني ليك يبجى ماليش عازة احداهم تبجى غلطان، جوازنا انت خابر زين كان غرضه إيه..
لتنغلق تعابير وجه ليث ويقترب منها حتى تلفحها رائحته الخاصة فيما يقول متسائلا بغموض:
– لاه، ما خابرشي يا بت عمي… يا ريت تجوليلي أنتي جوازنا كان ليه؟..
حاولت سلسبيل الهرب من عيناه النافذتين وهي تجيبه بعناد رافضة أن تدع خوفها الذي بدأ يطرق جنبات قلبها يظهر على وجهها:
– انت خابر زين يا ليث، لو ما كانيش عمي فاتحك في موضوع جوازنا ما كونتيش اتجدمت، أني خابرة زين أن عمي هو اللي صمم ع الجواز عشان العيال أجلّه، لو كنت ارضيت أني أفوت لكم العيال ما كانيش هيبجى فيه مشكلة، اعيالكم وفي حضنكم وأني بوي كان هيجوزني ما كانيش هيهملني إكده من غير جواز، وانت خابر عمك عتمان صعب كيف.. ما كونتـ..
وفي أقل من ثانية كان ليث أمامها، متجاهلا جرحه الذي لم يندمل بعد، ليمسك بها بقوة ضاغطا يده الحرة فوق فمها وهو يهتف بشراسة ووحشية من بين أسنانه:
– كلمة زيادة يا سلسبيل وما عتلومشي إلا نفسك!.. إنتي اتجنيتي إياك!… واحد تاني؟.. انت فاكرة أني كنت ههملك تتجوزي واحد غيري؟.. بويْ يمكن هو اللي فاتحني في جوازنا لكن حتى لو ما كان اعملها أني ما كوتش ههملك واصل، كل الحكاية أني كت رايد أفوت لك وجت عشان تهدي، لكن الله في سماه شعرك ما كان عينفرد على فرشة راجل غيري، كت دفنته مُطرحه، جبل سابج اللي كان ملجمني انه خويْ.. لكن لمّن بجيتي خالية ما كانيش فيه اللي يجدر يبص لك بطرف عينه حتى، انت لليث يا سلسبيل.. لليث وبس.. اوعاكي تجولي اكده مرة تانيِّة، خشمك ديه ما يجيبش السيراديْ غير لو انتي رايده صوح تشوفي وشِّي التاني.. وصدجيني ماعتجدريش تتحمليه.
نظرت اليه سلسبيل وقد أخذ بلبها عزيمته الواضحة وعيناه اللتان تقسمان لها بأغلظ الأيمان أنها أبدا لن تكون لغيره، وأنه لم يكن ليسمح بذلك، كان هذا الأمر يقض مضجعها، على الرغم من أنه قد صارحها بحبه لها ولكن كان لا يزال هناك جزءا صغير من الشك في أمر زواجهما، وهل لأن أبوه قد أصر عليه أم عن رغبة فعلية منه، كانت تريد سماعها ثانية منه كي تنسى كارثة زواجه الثانية!… وعند هذه النقطة وكأنها قد أفاقت من سباتها، إذ زمجرت كقطة متوحشة مبعدة يده عن وجهها وتساءلت بحدة:
– ولمن هوّ الموضوع إكده اتزوجت عليْ ليه يا ولد عمي؟..
لتصدح ضحكات ليث فيزداد حنق سلسبيل، أمسك بها يعيقها عن الهروب من أمامه فيما هتفت بحنق غاضب:
– بعّد عني يا ليث..
ليحكم قبضته على كتفيها وهو يقول وبقايا ضحكته لا تزال في صوته:
– أنتِ مجنونة يا بت عمي، لكن أني بموت في اجنانك ديه، عاوزة تعرفي الحكاية كلاتها يبجى تهدي أكده وتجفلي خشمك واصل لغاية ما أخلّص كلام، استنبينا؟..
أومأت بالموافقة وهي تزفر بضيق هاتفة:
– ماشي يا ولد عمي، أمّ، نشوف آخرتها امعاك إيه، وخلّي بالك كيف ما أنت الليث.. أني أبجى مَرَتْ الليث، يعني مش هتجدر تضحك على عجلي بكلمتين…
سار بها ليث الى الأريكة الوثيرة حيث أجلسها وجلس بجوارها قبل أن يبدأ يسرد عليها الحقيقة بينما تتفاوت تعابيرها بين متعاطف وحانق و… شرس!!
حالما انتهى من سرد روايته التفت الى سلسبيل وسألها بينما شعر بألم مصحوب بسخونة مكان الجرح ولكنه تجاهله:
– ها.. عرفت يا بت عمي الحكاية صوح؟.. ما كانيش له لازمِه كل اللي اعملتيه ديه؟.
سلسبيل وهي تشعر بالخجل لتهورها معه ولكن في نفس الوقت تشعر بالحنق والغضب لأن هذه الوداد حملت اسمه في يوم من الايام وان كان بورقة زواج عرفي أبيض!، قالت سلسبيل وهي تكشر كالأطفال في حنق طفولي:
– وأني كت أعرِف امنين؟.. وبعدين انت المحجوج.. أني مرتك يعني المفروض كت أعرف الحكاية ديْ منِيك انت من جبل ما بت الفرطوس ديْ تاجي لك المشتشفى او تعمل اللي عِملتو ديه.
ليث وهو يغالب ألمه مجيبا بتعب واضح:
– أنتي اغلطتي يا بت عمي، الاصول كتي تستاني لمن تشوفي الحكاية ايه، مش تاخدي في وشك وتهربيْ.
سلسبيل وأحساس الحرج لديها تضاعف بينما تنظر اليه بعينين صادقتين:
– اعذرني أي ليث، أني برج من عجلي كان عيطير لمن سمعتها، وخصوصي لمن سعلتك وجولتلي انه الحديت صوح، لكن إيه الموكان ديه؟.. انت خليت صابر يجيبني فين؟..
ليث وهو يرفع يده يمسك رأسه:
– ديه شوجتي في جنا، اني كنت خابر انك عتهلفطي بالكلام اللي مالوش عازه جودام بوي وبوكي، ما كونتيش عاوز حد يتدخل بيننا، ما كونتيش عسيبك تبعدي عني ولو دجيجة واحده، عشان إكده جبرت الدكتور يكتب لي اخروج انهارده مع انه جالي حالتي لسه….
وبتر عبارته وهو يرتمي على الأريكة في حين هتفت سلسبيل بخوف:
– ليث!!!!!…
————————–
خرج الطبيب الذي أتى به صابر والذي هاتفته سلسبيل وهي في أقصى درجات الخوف على ليث الذي سقط بين أيديها مغشيّا عليه، ناول الطبيب وصفة الدواء لصابر وهو يؤكد على وجوب الالتزام بمواعيد الدواء والراحة التامة فقد نزف الجرح واضطر لقطب غرزتين أخريين له، انصرف الطبيب ومعه صابر وقد أمرته سلسبيل بإحضار الدواء قبل أن تعود غرفة النوم حيث يرقد ليث النائم بفعل المهدئ..
جلست سلسبيل بجواره ومدت يدها تمسح خصلات شعره الأبنوسي برقة لتهبط بسبابتها على وجهه تتلمس خشونة ذقنه فشاربه الكث بينما تنهل عيناها من وسامته الخشنة وهي تهمس بلوم:
– إكده يا ليثي؟.. عاجبك الخرعة اللي اتسببتي لي فيها؟.. أني جلبي كان عينخلع من موطرحه، لسّاتك معترفشي أني بخاف عليك كيف؟.. فداك أني وأي حد تاني المهم انت تجوم بالسلامة يا ليث سلسبيل..
صوت طرقات هادئة لتتجه سلسبيل الى الباب حيث تناولت الدواء من صابر وأمرته أن يلزم السيارة بالاسفل وألا يخطو خطوة واحدة إلا بمشورتها..
أعدت سلسبيل الحساء الساخن، دلفت الى الداخل لتجد ليث وقد أفاق من سباته، وضعت صينية الأكل فوق الفراش بجواره وهي تقول بابتسامة ناعمة:
– الدكتور بيجول لازمن تتغذى منيح عشان الجرح ايلم بسرعة.
قال ليث وهو يشيح بوجهه بعيدا عن الطعام:
– ماعاوزشي يا بت عمي، بعّديه عني.
قالت وابتسامة ناعمة تزين ثغرها الكرزيّ:
– لاه.. أني اللي عاملاه بيدِّيني التنيين دول، هتكسف يديْ؟..
ليطالعها ليث وهو يبتلع ريقه بصعوبة هامسا في حين تسافر عيناه على صفحة وجهها البهي تلتهم تفاصيله الفاتنة:
– لاه طبعا.. يسلموا ايديكيْ يا بت عمي.
ومد يده ليتناول الملعقة حينما فاجأته للمرة الثانية بأن سبقته وتناولتها وغرفت بها بعض الحساء ثم رفعته الى فمه وهي تقول بنعومة ورقة:
– افتح خاشمك.
ليقول بانشداه:
– ها!!!…. ضحكت سلسبيل ضحكة خافتة ناعمة أجرت الدم ساخنا في عروقه بينما أجابته وهو تشير له بالملعقة:
– هوكّلك بيديّ يا ولد عمي.
ليفتح فمه تلقائيا كالطفل الوديع فيما تطعمه هي الحساء الذي أنهاه عن آخره دون أن يعي مذاقه الفعليّ، فقد كان تائها بين أهدابها الساحرة حينا وانعطافة شفتيها المسكرتين أحيانا!..
**************************
– عمي، أنا مش عجبني حال سلمى.
تنهد رؤوف عميقا وهو يجيب شهاب بينما تابع الجد عبد الحميد الحوار الدائر أمامه دون أي تدخل منه:
– وأنا هعمل أيه يا شهاب يا بني؟.. أنت شايف بنفسك من ساعة ما اللي حصل وهي قافلة على نفسها بابها ومش عاوزة تشوف حد.
زفر شهاب بيأس في حين قال والده عثمان بحزمه المعروف:
– ما تواخزنيشي يا خويْ.. بس بتّك امزوداها حبتين.. واحد وعمره انتهى لحد إكده.. ديه أعمار وكله امجدر ومكتوب، واحنا ما عننساشي اللي عِمله واصل، هو حافظ على عرضنا وصانه، وعشان إكده أكبر صوان عيتنصب له احدانا..
**لم يخبر شهاب والده أو الجد بحقيقة ما حدث، ولا يعلم أيّا كان بأمر مقطع الفيديو المسجّل لسلمى والذي كان بحوزة حمدان الذي قُتل يوم الحادث ليختفي أي أثر للفيديو بعد أن تحطم هاتفه يومها، وحدها أسرتها والديها وشقيقتها من علموا بالحقيقة، ولم يخبرهم سوى أنه ساعد في انقاذ سلمى من براثن العصابة وقد تلقى الرصاصة بدلا عنها**
قال الجد بجدية:
– مش كفاية يا عتمان يا ولديّ، ادبح عجلين ووكل الفوجرا بيهم، واتبرع بجرشينات تساعد بيهم في بنى الجامع الكبير اللي حدا البحر عشان تبجى صدجة جارية للمرحوم.
زفر شهاب بضيق وقال:
– كل داك ويس وجميل، بس مش هيخرج سلمى من اللي هيا فيه.
ليقاطع الجد الجدل الدائر قائلا بصرامة:
– رؤوف.. الولاد أديهم كاتبين بجالهم فترة طويلة، أني شايف اننا نتمم الجواز.. جولت إيه؟..
لتنفرج أسارير كلا من شهاب وغيث في حين ابتسم عثمان استحسانا لأمر والده المغلّف على هيئة اقتراح ولكنه أكثر الناس علما بالحاج عبد الحميد وأنه لم يكن يقترح بل… يأمر!
رؤوف بتردد:
– مش عارف يا حاج، بس مش مستعجلين شوية؟.. سلمى لسه ما خرجتش من اللي هي فيه.
عثمان باعتراض:
– كيف مستعجلين يعني يا ولد ابويْ؟.. العيال أداهم زمن عاجدين لهم على بعض، وافج يا راجل خلينا نفرحوا بيهم، خير البر عاجله.
نظر عبد الحميد الى رؤوف وقال في جدية:
– رؤوف يا ولدي أني خابرك زين، انت رايد تطمَّن على بتّك واتخرجها من اللي هيا فيه ديه، وأني بجولك انه أحسن طريجة اننا نتمم الجواز، صدجني ديه بس اللي عتخليها تنشغل بلوازم الفرح وتطلع من اللي هيّا فيه ديه.
همس رؤوف وكأنه يحدث نفسه بصوت منخفض:
– يمكن يا حاج، لما نشوف، عموما أنا هقولك وأشوف هتقول إيه.
عثمان باستنكار فلم يعجبه رد أخيه:
– أيه؟.. يعني ايه تشوف رأيها ديْ؟.. هو فيه بعد شور الحاج راي ولا ايه؟.. رؤوف يا خوي انت تجولها انه الحاج أمر انه الزواج يتم.
نظررؤوف الى الجد بتساؤل ليجيب الأخير بحزم وهو ينقل نظراته بينهم جميعا:
– بلِّغ بناتك يا رؤوف ان الجواز على هلال الشهر الجديد.. يعني بعد سبوعين تمام من انهاردِه!.. وديِه قرار جدهم عبد الحميد.. كبير العيلة!..
فأسقط في يد روؤف فهو أكثر من يعلم أنه إذا ما أمر الكبير بشيء.. فأمره واجب النفاذ!!
– يتبع –