“كبير العيلة”بقلم احكي ياشهرزاد
الحلقة الـواحدة والعشرون ج2
حضر كريم في الموعد وجلس الجميع يتباحثون بشأن الأحداث الجديدة التي طرأت, وسط نظرات الريبة التي كان يلقي بها غيث وشهاب الى كريم من حين لآخر والذي لم ينتبه اليها على عكس سلافة وسلمى اللتان كتمتا زفرة ضيق من إصرار شهاب وغيث على الشك بكريم!!..
تساءل غيث وهو ينظر الى كريم بقوة:
– انما تفتكر مين اللي ممكن يكون بيتجسس علينا وينجل أخبارنا لولاد الفرطوس دول؟!..
كريم بحيرة حقيقية وتقطيبة عميقة:
– بصراحة هي حاجة تحير فعلا..
ثم التفت الى سلافة متسائلا:
– المحامي دا يا سلافة انتي واثقة فيه كويس؟
قطبت سلافة وأجابت:
– معتقدش يا كريم انه يكون له يد في اللي حصل, هو لو كان عاوز يوقف الموضوع أبسط حاجة ما كانش اقترح علينا اننا نطعن في قضية سامح الله يرحمه, لكن هو اللي لفت نظرنا لحاجة زي دي…
شهاب بتفكير عميق:
– طيب نرتب أفكارنا سوا.. يومها الموجودين كنا احنا والمحامي وانت يا كريم جيت بعد شوية, ما لاحظتش أي حاجة في مكتب المحامي قبل ما تدخل؟!.
نفى كريم بهزة من رأسه قائلا:
-لا ما لاحظ…
ليبتر عبارته وهو يقطب بدهشة وعدم تصديق:
– معقولة؟..
ليهتف به غيث بينما تحفز الباقون لسماع باقي حديثه:
– معجولة ايه يا كريم؟..
أجاب وهو يتذكر ما حدث يومها:
– يومها بعد ما سلافة كلمتني انا جيت على طول, دخلت المكتب ما لاقيتش حد قاعد على مكتب الوكيل استغربت ولما لافيت عشان ادخل لاقيت الوكيل وهو واقف قودام باب المكتب وأول ما شافني زي ما يكون ارتبك شوية, لكن أنا ما أخدتش في بالي بصراحة, وبعدين دخل عليكم وسمعته بيقول للمحامي انه الدكتور كريم بره وعاوز يقابله!, وقتها استغربت عرف منين اسمي من غير ما يسألني؟, لكن رجعت تاني وقلت يمكن خمن لأنكم كنتم منتظريني فافتكرت المحامي ساب له خبر أول ما آجي يدخلني على طول!!
هتف شهاب بانتصار:
– تمام كدا, هي دي الحلقة المفقودة, الوكيل هو الجاسوس, وأكيد المحامي بلغه بموضوع الطعن في القضية دا إذا ما كانش طلب منه انه هو اللي يروح يقدم الطعن, لأنه دا مش عاوز محامي شاطر ولا حاجة, تقديم الطعن حاجة روتينية والمحامي يحضر الجلسة لما تتحدد..
هتفت سلمى:
– معنى كدا يبقى لازم نقول للمحامي ونحذره!..
غيث بجدية وعيناه تبرقان بشر:
– لاه.. مش لازمن يعرف دلوك, أساسا المحامي ما عادلوش لزوم في جضيتنا, بالعكس بجه احنا ممكن نستفيد منيه اننا نوصل عن طريج الكلب اللي بيشتغل إمعاه معلومات غلط ينجلها للمجرمين دول, وبكده نضمن اننا احنا اللي سابجينهم بخطوات كومان مش خطوة واحدة..
هتف شهاب بحماس:
– تمام يا غيث…
ليردف غيث بعزم:
– باجي خطوة واحدة بس, وديه اللي هتخلينا نوصلهم لعجر دارهم ما عنستناشي لمن يجونا هما!..
قطب كريم في حين تساءلت سلافة بتقطيبة حائرة:
– هي ايه الخطوة دي يا غيث؟!..
لتبرق عينا غيث بعزم وهو ينطق باسم واحد قطب له شهاب بقوة, فهذا الاسم لمن يعلمه جيدا يعني أن غيث قد قرر دق طبول الحرب بل واعلانها قريبا.. قريبا جداااا:
– جابر… جابر زيدان!!..
***********************
كان ليث يجلس في جناحه عندما هاتفه غيث بينما كانت سلسبيل بالأسفل بصحبة والدته والأطفال, تلقى ليث المخابرة الهاتفية بحبور مجيبا:
– هلا بولد العم, كيفك وكيف اخبارك واخبار شهاب, جرى ايه يا غيث انت روحت وجولت عدوا لي؟, عوجتوا جوي يا ولد عمي..
لتدور بعد ذلك المحادثة الهاتفية كالتالي:
غيث:
– معلهش يا ولد عمي ظروف هي اللي شاغلانا, بجولك يا ليث أني جصدك في خدمة…
ليث بجدية وقد اعتدل في جلسته بعد أن كان متكئا على وسادة جانبية فوق الأريكة العريضة:
– اؤمر يا ولد العم..
غيث بجدية بالغة:
– عاوز لك تشيع لي نفر من عنديك, انت اللي هتعرف اتجيبه من تحت الأرض..
قطب ليث وتساءل:
– اعتبره عنديك, انما مين ديه؟.
ليجيبه غيث بحزم فيعلم ليث ما أن سمع إسم الرجل الذي يطلب غيث إحضاره على وجه السرعة أن الأمر جد خطير:
– جابر.. جابر زيدان..
هتف ليث:
– فيه ايه يا ولد عمي عشان تطلب جابر؟
غيث بزفرة عميقة:
– فيه كتير يا ولد عمي, كتير جوي, أني عارف انه جابر زيدان هو اللي ساعدك انك توصل للمحروج عسران اللي جتل راضي الله يرحمه, وخلانا عرفنا ناخدوا بتارنا, ودلوك فيه تار تاني تار لينا احنا يا ولد عمي, ولازمن أخده!.
ليث بحمية عالية وهو ينهض واقفا:
– ايه الحكاية يا غيث؟, جولي يا ولد العم, أني ما هنساشي انك انت اللي وجفت معايْ وأني باخد بتار المرحوم راضي..
غيث بهدوء:
– ما تشغلشي بالك يا أبو شبل, شهاب امعايْ, لكن ما هوصيكِش… مش عاوز حد يِّعرِفْ بجابر زيدان, أني ما هجولش لحد واصل, أبويْ وعمي رؤوف فهمتهم انه المسألة اللي جايين عاشنها مصر امطولة شوي, المهم جابر يكون عندي انهاردِه جبل نهار بكرة يا ليث..
ليث بقوة:
– ولا يهمك يا ولد العم, ما حدش هيعرف حاجة واصل, وجابر أني عارف أراضيه فين واعتبره عنديك من دلوك..
أنهى ليث المحادثة الهاتفية وقد شعت عيناه ببريق شرس, خطى ناحية باب الغرفة وما إن فتحه حتى وقعت سلسبيل بين ذراعيه!..
رفعت عينيها اليه بينما ضغطت يداه بدون وعي منه على خصرها في حين هتفت سلسبيل بتلعثم:
– ما تواخذنيش يا ولد عمي ما كونتيش أعرِف انك خارج..
ابتسم ليث وأجاب وهو يميل ناظرا في القهوة الذائبة لعينيها:
– ولا يهمك يا بت عمي, أني اللي كنت مستعجل..
ابتلعت سلسبيل ريقها ثم حاولت دفعه بعيدا براحتيها الصغيرتين وهي تقول:
– طب عشان مش أعوِّجَك, أني كنت جاية عسألك هتتغدى دلوك؟, عمي انهارده هيتغدى عند جدي عبد الحميد ومرت عمي مع أمي في دارها وجالت لي أسألك..
ليث بابتسامة مكر:
– يعني لوما مرت عمك جالتلك تسعليني رايد أتغدى ولا لاه كنت هتهمليني من غير غدا؟!
رفعت عينيها اليه وأجابت لهفة صادقة:
– لاه, كنت هسألك برضك..
طالعها ليث بنظرات أذابت أطرافها, فهي منذ تلك الليلة التي ادعت فيها المرض كعقابا له لذهابه الى مقهى تلك الغازية وهي لم تقترب منه ثانية, فقد أيقنت أن العقاب لن يكون سوى لها هي!, ولكنه من يومها وهو يتعمد الاقتراب منها حتى توشك على اسقاط حصونها الدفاعية ليبتعد سريعا, وقد أنهكتها لعبة الكر والفر تلك التي يتقنها, تماما كما الليث الذي يحاور فريسته قبل أن تقع بين براثنه!..
همس ليث بأنفاس متهدجة وقد بدأت دقات قلبه تعلو من قربها المعذب له:
– تسلم يديكي يا بت عمي انما معلهش أني ما رايدش أكل دلوك, عندي مشوار ضروري…
نظرت اليه وتساءلت بتقطيبة:
– هتخرج من غير ما وكِلْ!, للدرجا دي مشوارك إمهم؟!.
ليث بتأكيد:
– وأكتر من المهم كومان!..
قطبت سلسبيل وهي تتعجب من هذا الأمر الهام الذي يستدعي ذهابه على جناح السرعة بدون أن يتناول غذائه, إلا إذا كان سيتناوله في مكان آخر!, ولدى هذا الخاطر الذي ضرب عقلها كتمت شهقة كادت تفلت منها, أمعقول أن يكون ذاهب الى تلك الغازية؟, أهذا هو الأمر الملح الذي لا يحتمل التأجيل؟, لماذا؟, أيكون مدعوا لديها على الغذاء؟, عصفت بها الشكوك ولم تعلم أن حيرتها ظهرت جليّا على وجهها ليتساءل ليث بتقطيبة:
– مالك يا سلسبيل.. بتفكري في إيه؟..
لتهتف به قبل أن تخونها شجاعتها:
– فين المشوار ديه يا ليث؟.
قطب باستنكار هاتفا:
– باه.. ايه السؤال ديه يا سلسبيل؟, من ميته وانتي بتسعليني أسئلة اكده؟.
هتفت سلسبيل وقد ترسخت فكرة أنه في سبيله للقاء تلك الغازية المغوية في ذهنها:
– أني مش أبجى مرتك يا ليث؟!, يبجى حجي أعرف انتي رايح فين وحدا مين؟.
فضغط بيديه على خصرها بقوة جعلتها تئن متألمة وهو يهتف بحدة:
– ماحدش له الحج أنه يسأل الليث رايح فين وجاي منين حتى ولو كان مرَتُه!, ولو ع الحجوج فبلاش تفتحي باب ما انتيش جدِّيه, جبل ما تشوفي اللي ليكي شوفي اللي عليكي يا بت عمي!
ليزيحها جانبا ويخطو باتجاه الباب فتنتبه سلسبيل سريعا لتسبقه واقفة أمام الباب وهي تفرد ذراعيها الى الجانبين يمينا ويسارا معيقة خروجه وهي تقول باصرار:
– برضك ما انتش خارج يا ليث غير لمن تجولي رايح فين الاول؟.
زفر ليث بحنق وهو يهتف ناظرا الى الأعلى:
– اللهم طولك يا روح..
ثم عاد بنظره اليها قائلا بتحذير قوي:
– بعدي من وشي يا سلسبيل أحسن لك, أني العفاريت الزُّرج ابتتنطط جودامي الساعا ديْ..
سلسبيل بعناد غريب عنها وقد رمت بحذرها عرض الحائط وهي تتراءى أمامها صورته برفقة تلك الغانية:
– انت مش رايد تجولي ليه, رايح لها صوح؟, رايح عنديها يا ليث؟..
قطب ليث وهتف بغيظ:
– انتي اتجنيتي يا سلسبيل؟, هي مين ديْ اللي هروح لها؟, انتي اتخبطتي في نافوخك باينِّك!..
هتفت سلسبيل بدون وعي:
– وداد.. الغازية يا ليث!, اني عارفه كل حاجة, عارفة انك ليلاتي حداها في الجهوة, عارفة انه عينها منيك وانها يوم المنى عنديها لمن ترضى عنيها!..
قبض ليث على ذراعها بعنف وهتف من بين أسنانه المطبقة وعيناه تبرقان بشر:
– انتي واعية للي بتجوليه؟, وداد إيه وغازية إيه؟, انتي بتحاسبيني يا سلسبيل؟, لآخر مرة بجولك اجصري الشر ووخري من جودامي ماذا وإلا ما عتلوميش الا نفسك!..
ولكن سلسبيل كانت في واد آخر فقد تسلط عليها هاجسها أن ليث في طريقه الى تلك الغانية والتي رأتها بعد أن اصطحبت معها وردة الخادمة لتشاهدها من بعيد لتترسخ صورتها الطاغية الأنوثة في ذهنها, ولتعلمها وردة ببضع كلمات أن هناك بعض الأقاويل المتناثرة من أن ليث الخولي قد ابتاع لها شقة سكنية في مدينة قنا المجاورة وأنهما يتقابلان فيها سرًّا, ولكنها نهرتها وقتها فليس ليث الخولي من يفعل شيئل بالخفاء, وأمرتها ألا تكرر هذه الكلمات الخرقاء ثانية وإلا فأن حسابها معها سيكون عسيرا, ولكنها لا تستطيع أن تنكر تلك النار التي اندلعت داخلها لدى سماعها تلك الأكاذيب الفاضحة والتي تجمع بين زوجها وتلك الساقطة, وما يزيد في اشتعال تلك النيران الصور التي تتراءى لها بين هذه الفاتنة المغوية وهي تجلس الى زوجها كل ليلة تطالعه بعينيها الناعستين تلك, وأي رجل يجري الدم في عروقه لن يستطع تجاهل دعوتها الفاضحة, هي على يقين من أن ليث لن يقترف الخطيئة, ولكنها تعلم أيضا أنه رجل بكل ما للكلمة من معنى, وأنها تمنعه حقه فما المانع أن يشبع رغبته لدى تلك الغانية حتى ولو تزوجها زواجا عابراً !!..
وضعت سلسبيل راحتيها فوق صدره ورفعت نظراتها اليه تتحدث وصوتها تلونه نبرة رجاء لم تخطئها أذنه بينما يطالعها بنظرات ذاهلة لا يعلم أيضربها أم يعتصرها بين ذراعيه ولكن ما يعلمه جيدا أنها ليست بحالتها الطبيعية, قالت بيأس وعينيها تنظران إليه بضراعة وكأنها قد أضحت سلسبيل أخرى من صنع يديه هو:
– عاجبتك يا ليث؟, جدرت تملا دماغك يا ولد عمي!..
قبض على راحتيها المتشبثتان بمقدمة ثوبه وهو يهتف بها بينما تهدجت أنفاسه محاولا إخماد تلك الرغبة الحارقة التي تشتعل في أحشائه ملحة عليه أن يشبع توقه منها:
– أنتي شايفاني راجل ناجص إكده؟.
لتهتف نافية وهي تفلت يديها من قبضته تكتم بهما فمه ناظرة إليه بنفي تام:
– لاه.. لا عشت ولا كونت لو ظنيت فيك ظن السوْ يا ولد عمي, بس بس ريِّحني.. انت رايح عنديها صوح؟.
تمتم ليث بلعنة من بين شفتيه قبل أن يزيح يديها جانبا ويحتويها بعنف بين ذراعيه وهو يهتف بها بصوت أثخنته رغبة حارقة بالنهل من رحيق تلك الشفاه التي ذهبت بعقله:
– انتي لساكي معرفاشي مين اللي أني رايدها يا بت عمي؟..
ليتهدج صوته الى نبرة منخفضة وهو يتابع بأنفاس ساخنة بينما غرقت عيناها في فحم عينيه المشتعل:
– لساكي ما وعياشي يا سلسبيل؟.
همست بنبرة خافتة وهي تطالعه بنظرات حائرة سلبت لبه:
– جصد….
ليقاطعها فمه ملتهما باقي حروف كلمتها وتفاجئه وتفاجئ نفسها باستسلامها اللحظي وكأنها كانت تستجدي هذا العناق منه لينهي مخاوفها, وتغوص معه في عناق حار أبحر بها في عالمه هو.. عالم ليث وحده, ولكنها فوجئت به وهو ينهي عناقه بغتة تماما كما بدأه وهو يطالعها بنظرات تلمع بينما يقول وسط أنفاسه اللاهثة:
– فكري في السؤال زين يا بنت عمي, ولمن أرجع عاوز أعرفك جوابك, وأهم سؤال تجاوبيني عليه.. ليه حرجة جلبك جوي إكده.. واجهي نفسك يا بت عمي, ولمن تعرفي اللي انتي رايداه صوح, وجتها هيبجى لينا كلام تاني..
وفك يديها المعقودتين حول عنقه بينما تطالعه بنظرات دهشة حائرة قبل أن يندفع خارجا وكأن الشيطان يركض في أعقابه, فقد كان تركه لها من أصعب ما قام به, ولكنه لن يحتمل أن تتراجع كما المرة السابقة متهمة إياه بانتهاز الفرصة, فسلسبيل لا بد لها من مواجهة نفسها بما تريده بالفعل!…
بينما وقفت سلسبيل تطالع في أثره وهي تلمس شفتيها المنتفختين بأصابعها فيما يكسو الذهول ملامحها فالآن والآن فقط قد ضربتها الحقيقة الواضحة والتي كانت تهرب منها منذ زمن… فهي تحبه… هو.. ليثها!, ولن تقبل به شريكة لها, وستحارب أية أنثى تعتقد أنه بوسعها الاستحواذ عليه, وأقسمت بداخلها أن تزيح هذه الغازية من طريقها.. فقد آن لها أن تعلم بأن زوجة الليث ما هي إلا… إمرأة الليث قلبا وقالبا.. وقد تفتك بكل من تسول لها نفسها مجرد الاقتراب من… أسدها هي !!..
**************************
تعالى صوت طرقات على باب المنزل فسارع غيث بفتحه ليهتف في دهشة:
– ليث!..
ابتسم ليث قائلا:
– ايه هنفضلوا واجفين ع الباب إكده ولا إيه؟.
جلس شهاب وغيث برفقة ليث بعد الترحيب به بينما انصرفت سلمى وسلافة لتحضير الطعام, قال ليث بعد أن انتهى غيث من سرد الحكاية له كاملة:
– يبجى اللي لازمن نعرفه دلوك, مين هما الناس دول؟, وبيشتغلوا لحساب نفسيهم ولا لحساب حد تاني, وديه اللي جابر هينفعنا فيه, هو جه امعاي بس هملته في الأكانده وجيت لكم على إهنه عشان أعرف الموضوع الاول…
تم الاتفاق على أن يذهب الرجال لرؤية جابر وبالفعل ما أن انتهوا من تناول الطعام حتى ذهبوا اليه مع تشديد غيث وشهاب على الأختين بعدم الخروج نهائيا أو فتح الباب لأيّ كان…
انتهت المقابلة مع جابر الذي وعدهم بسرعة حصوله على المعلومات المطلوبة, ليعود الجميع الى المنزل باستثناء ليث الذي مكث بالفندق مع جابر…
مر يومان اتصل المحامي خلالها بسلافة والتي أوهمته أنهم يعيدون التفكير ثانية في الأمر فقد استشعروا الخوف من هؤلاء الناس وكان هذا الجواب ما سبق واتفقوا عليه لعلمهم بأن وكيل مكتبه سيسارع بنقل المعلومات الى العصابة, بينما توصل جابر الى معلومات خطيرة أهمها أن صاحب المستشفى الذي يقوم بسرقة أعضاء المرضى هم عبارة عن مجموعة من رجال الأعمال المتعددة الجنسيات يرأسهم في مصر شخصية مشهورة ذيع عنها كثرة أفعال الخير ولكنها في الحقيقة ما ذلك الا ستار يخفي وراؤه جرائمه.. شخصية كان لاسمها وقع كبير في نفوسهم فهي من الشخصيات البارزة بل والهامة.. إنه.. حامد رشوان.. من أشهر رجال الأعمال في مصر, بل أنه يمتلك امبراطورية ضخمة كالأخطبوط تمتد أذرعها في كل مكان سواء داخل البلد أو خارجها!!..
تلقى غيث مكالمة هاتفية من ليث انطلق على أثرها اليه بينما همس لشهاب بعدة كلمات انطلق شهاب من فوره بصحبة سلافة وسلمى الى منزل في منطقة نائية وعندما سألته سلمى عن سبب انتقالهم فأخبرها انه للأمان كما أنه نوع من الخداع للعصابة فمن المؤكد أنهم مُراقبون من قِبلهم وسيعتقدون أنهم قد عادوا الى البلدة خاصة وأن المنزل خارج القاهرة في المناطق النائية القريبة من الصعيد وقد عمد شهاب الى سلك طرق ملتوية حتى استطاع الإفلات من المراقبة فكما توقع غيث كان هناك أعين تتربص بهم..
بعد عدة سويعات أتى غيث وليث لموافاتهم في ذلك المنزل الصغير المكون من غرفتي نوم وصالة للجلوس ولكنه يحوي على أأمن مكان لا يستطيع بشر التفكير بوجوده إلى الآن, حيث كان يقبع أسفل المنزل سرداب مظلم بباب خارجي يطل مباشرة على الصحراء المترامية الأطراف المحيطة به, كان المنزل ملكا للرجل المدعو جابر زيدان فمن الواضح أنه رجل خطِر وقد تعجبت سلمى وسلافة من علاقة ليث الوطيدة بهذا الرجل وعندما باحا بتساؤلهما لشهاب أفصح لهما أن ليث قد ساعد هذا الرجل سابقا عندما وجده ملقى على مشارف البلدة غارقا في دمائه فعمل على إنقاذه ليحمل له جابر معروف إنقاذه لحياته ويكون رجله المخلص…
كان من الواضح كتمان غيث وليث لأمر ما.. والذي لم ينكشف إلا مساءا عندما حضر جابر وهو يحمل حقيبة جلدية كبيرة كحقائب السفر, قال له ليث وهو يضعها في وسط المنزل:
– عفارم عليك يا جابر, استنى انت برّه دلوك وفتِّح إعينيك زين…
هز جابر برأسه وانطلق من فوره, لتظهر سلافة وفي أعقابها سلمى بينما وقف شهاب وغيث بجوار ليث يطالعون تلك الحقيبة, قطبت سلافة بحيرة وهي تشير الى الحقيبة قائلة:
– سامعه يا سلمى؟
سلمى بحيرة مشابهة لحيرة أختها:
– بيتهيألي في صوت طالع من الشنطة…
ركع غيث على ركبتيه ليفتح سحاب الحقيبة ثم يكشف غطائها لتشهق سلافة وسلمى بذهول فداخل الحقيبة تقبع فتاة في مثل عمرهما مكممة الفم وموثقة اليدين والقدمين, بينما تبادل كلا من غيث وليث نظرات الظفر, ليسأل شهاب مقطبا:
– ايه دا يا غيث؟, مين دي؟.
أشار له غيث بالتزام الهدوء وأخرج هاتفه المحمول ليضغط بضعة أرقام ثم يرفع الهاتف إلى أذنه متحدثا ببرود صقيعي:
– حامد رشوان… فيه أمانة ليك عندينا…
كانت الفتاة قد بدأت تستفيق من نومها لتنظر بهلع الى الوجوه المحيطة بها, امتدت يد ليث ليزيح بقوة كمامتها فهتفت بذعر وهي تحاول بقوة الافلات من قيدها الخشن:
– انتو عاوزين مني ايه؟, بابي.. أنا عاوزة بابي..
وضع غيث الهاتف على أذنها وهو يقول بسخرية:
– كلمي بابي يا.. روح بابي..
ليعلو صوت والدها حتى سمعه الواقفون جميعا:
– سالي حبيبتي انتى فين؟, سالي جاوبيني..
لتشرع المدعوة سالي بالبكاء هاتفة من وسط دموعها وهى تطالع المحيطين بها بقلق وخوف مهول:
– معرفش يا بابي, فيه ناس اتهجمت عليا وخدرتني ولما فوقت لاقيت نفسي هنا..
ليصرخ والدها بهلع:
– هنا فين؟, انتي فين يا سالي؟..
ليقرر غيث أنه يكفي هذا القدر من الكلام فيسحب يده الممسكة بالهاتف ويضعها على أذنه قائلا بحزم وصرامة:
– لينا عنديك حج, وحجنا هناخده بس .. من بتّك!, وكله سلف ودين يا ابن رشوان!!.., ويغلق الهاتف فجأة بينما تعالى صراخ الطرف الآخر الذي يظهر ما اعتلى صاحبه من هلع ورعب خالص!!.
شهقت سالي بهلع صارخة :
– انتو هتعملوا فيا ايه؟..
ركعت سلافة أمامها وقد تجسدت أمامها صورة مريم التي قُتلت غدرا, وكانت قد شعرت بالكره الشديد تجاه هذه الفتاة ما ان سمعت صوت والدها القاتل الحقيقي لصديقتها والذي كان مرتفع لشدة هلعه على ابنته.. فهتفت بها بشماتة كبرى وابتسامة ساخرة تعلو ثغرها:
– هنخلي بابي يدوق طعم الخسارة لأول مرة, بس خسارته المرة دي مش صفقة .. لأ!, خسارته في بنته.. زي ما كان هو السبب في ان عيلة تخسر بنتها بكل خسة ووضاعة, بابي يا حلوة لازم يعرف يعني إيه.. داين تدان, وكله.. سلف ودين!..
أنهت سلافة عبارتها وهي تطالعها بنظرات شرسة ثم رفعت يدها لتهوى بكل قوتها على وجهها بصفعة مدوية أطلقت على أثرها الفتاة صراخا حادا, بينما اندفع غيث يمنع سلافة من التمادي بضربها لتهتف سلافة بالفتاة وتعبير وحشي يعتلي وجهها:
– العين بالعين, والسن بالسن, والبادي أظلم, وحامد بيه لااااازم يدفع التمن.. وبالكااااااااااااامل..!!
– يتبع –