شعاع نور للقيصر محمد محسن حافظ
**************************
-“هتوحشيني يا نور”
حول الجميع نظره إلى كريم عندما قال هذه الجملة وفِي بطيء شديد رفع قميصه واخرج السكين وأخذ يجري بسرعة إلى أن وصل إلى بطن نرجس وصرخ في وجهها
-“مووووتي …..مووووتي يا بنت ……..”
طعنها ثلاث طعنات متفرقة حتى سقطت أرضا فمد يده وسحب السلسلة من يد نرجس وهي غارقة في دمائها وهو يبتسم ويضعها حول عنق نور التي وقفت في ذهول مما فعله كريم تهز رأسها وتضمه إلى صدرها تبكي بقوة فقد انهارت تماما وفهمت ما قاله كريم وابتسامته اما ابوهم فقد جلس بجوار نرجس وهو يرفع رأسها غير مصدق كانت تتنفس في بطي ثم نهض من جديد وجذب كريم من صدر اخته يكيل على وجهه الصفعات بكلتا يديه وهو يصرخ في وجهه
-“قتلتها ليه انا مقدرش اعيش من غيرها اعمل ايه في العيال الصغيره دي”
بينما جرت نجوى ابنة نرجس إلى الشارع تصيح باكية
-“كريم موت ماما الحقوني”
سمع راشد كلمات نجوى وهو جالس على احد الأرصفة فهب مسرعا إلى منزل نرجس لإنقاذ كريم صديقه كان الجميع يهاب راشد فهو شقي منذ صغر سنه يدخل السجن وما من شهور إلى ويعود له وعليه عشرات القضايا من سرقة بالإكراه وبلطجة عمره لم يتجاوز الخامسة والعشرون ولكنه يحب كريم رغم فارق السن بينهم عندما دخل راشد منزل نرجس كان ممتلئا عن آخره فرفع صوته كي يعلن عن حضوره فأفسح له الجميع الطريق خوفا من بطشه وجذب كريم وهو يقول محذرا للجميع
-“اللي هيفتح بؤقه وينطق انتوا عارفين انا هعمل فيه ايه ومحدش يجيب سيرتي انا ماجتش هنا”
مسكت نور بيد كريم وهي تبكي لا تعلم ماذا تفعل انتابها الخوف والذعر فهو أمانها الوحيد الشخص الذي لم يفارقها منذ ولادته بادلها النظرات ولَم تظهر على وجهه اي علامات الحزن او الندم وكأنه اطمئن بفعلته على أخته وقال بهدوء
-“خالي بالك من نفسك ومتخفيش عليا”
ظلت نور تهز رأسها ولا تريد ترك يده إلى أن نزعها راشد بقوة وهو ينظر إلى نور الذي يعلم جيدا كم تكره لما تعرضت له من ايذأ على يده منذ صغرها ولكنها كتمت في صدرها ولَم تخبر احد خوفا منه خرج راشد وكريم مسرعين وكان راشد ينظر إلى الشرف المليئة بالبشر ويصيح فيهم
“ادخلوا جواه بدل ما اطلع ارميكم من فوق وإياك حد فيكم يتكلم انتوا عارفين هعمل فيه ايه”
لم تمر دقائق حتى وصلت عربة الإسعاف قد طلبها بيومي العتر المحامي العجوز عند سماعه صياح نجوى كان رجل يتحلي بالمبادئ يحترمه الجميع محامي فذ ولكنه لا يحب الطرق الملتوية سمين الجسم ولكنه خفيف الحركة مرح إلى أقصي درجة فتجده في أشد المصائب يمزح وهذا ما فعله عندما دخل منزل نرجس ونظر إليها من خلف نظارته السميكة وهو يضحك ناظرا إلى إسماعيل
-“متخفش مش هتموت دي زي القطط بسبع ارواح المصيبه ان ابنك هو اللي راح في داهيه وكويس انه قاصر وحتى انه يهرب دي مصيبه تانيه كان سلم نفسه”
كلام بيومي أراح إسماعيل قليلا فهو يحب نرجس لدرجه الجنون وفهم بيومي العتر كما يطلقون عليه في المحاكم أن إسماعيل تهمه نرجس ولا يهتم على الإطلاق لأمر كريم.
التصقت نور بالحائط والفزع ينهش قلبها بعد ان حضرت عربة الإسعاف وحملت نرجس وجاءت الشرطة تبحث عن أخيها كان تفكيرها مشلول وزاد رعبها عن سماع كلمات بيومي العتر بأن أخيها في كارثة حاولت ان تهدئ قليلا كي تفكر فقفز في رأسها داغر ففتحت الباب وأخذت تجري في الشارع وهي تبكي ترفع طرف فستانها الطويل حتى لا تتعثر هي لا تعرف الطريق وكيف تذهب إلي حي الزمالك ولكنها لا تنطق تري كل ما حولها بلون اسود قاتم جاءت فكرة الانتحار امامها فأرادت ان تقذف بنفسها امام احد السيارات ولكنها وضعت يدها على فمها وأخذت في النواح
-“مالك يا بنتي فيه ايه”
استوقفها رجل عجوز أراد مساعدتها لوجه الله فأخذت بالإشارة لكنه لم يفهم نظرت إلي جيب قميصه فوجدت قلم معلق يستطيع ان يتحدث مكانها سحبت القلم وبحثت على ورقة في الأرض كي تكتب عليها ما تريد وفعلت نظر الرجل إلي الورقة وكان مكتوب بداخلها
-“عاوزه اروح حي الزمالك ومش معايا فلوس”
اخرج الرجل ورقة نقدية من جيبه وأعطاها إيها فشكرته بعينها الدامعة واستأذنته بأن تحتفظ بالقلم فلم يمانع وانصرف اما هي فقد أوقفت احد العربات وكتبت العنوان ثم أكملت بعده كلمة “بسرعه”.
وصلت اخيرا بعد مرور الكثير من الوقت صعدت الأدراج بالسرعة ودقت الجرس بمنتهي القوة ولَم تزيح يدها عنه إلي ان فتحت خالتها مشيره فاندهشت وهي تري نور في هذه الحالة السيئة تجذبها إلي الداخل وتحاول تهدئتها فتخرج سالي من غرفتها وداغر الذي كان يستعد ان يغادر مكتبه ويذهب للنوم، حاول الجميع فهم إشارات نور الواضحة وهي ترفع قبضتها وتهوي بها على بطنها ببطيء شديد وقتها أدرك داغر ان هناك مصيبة بالفعل ولكنها تذكرت القلم فكتبت بسرعة ما حدث لم ينتظر داغر حتى تنتهي ولكنه كان يقرأ كلمة تلوى كلمة حتى انتهت ثم سألها عن كريم فكتب انه ذهب مع بلطجي اسمه راشد، خلع داغر روب نومه وذهب وارتدى بدلة فاخرة ورباط للعنق ومرر يده على شعره الناعم واستعد للخروج وطلب من سالي الاهتمام الشديد بنور ورعايتها، اما مشيره فقد سألته عن وجهته، فرفع يده وامتنع عن الكلام، أخذت سالي بيد نور بعدما علمت بالكارثة ودخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها وأخرجت بيچامة إلي نور واصطحبتها إلي الحمام وأرادت ان تخلع لنور ثيابها بنفسها ولكن نور رفضت بشدة معلنة خجلها نظرت إليها سالي وظهرت في عينيها رغبة غريبة متوحشة ولكنها وافقت على طلب نور بأنها ستبدل ثيابها وحدها ففتحت لها الماء الساخن داخل ‘البانيو’ المستدير وطلبت منها الاسترخاء بداخله بعد ان وضعت فيه المعطر وسائل الاستحمام وابتسمت لها ثم غادرت الحمام، كانت سالي لا تحب الرجال ولَم تظهر ذلك فهي كما تهوي النساء مثلها يطلق عليهم ‘ليسبن’ ظهر على سالي إعجابها بجسد نور التي تكاد
تخرج من كارثة حتى تقع في أخرى
**************************
ذهب داغر إلي المستشفي مسرعا بعد ان هاتف إسماعيل وعرف مكانه وعند دخوله المشفى تحرك بسرعة بعد ان علم
ان نرجس بغرفة العمليات وكان إسماعيل ينتظرها بالخارج ومعه المحامي بيومي العتر وعندما اقترب داغر ورأى بيومي ظهرت على وجهه علامات الضيق بينما ضحك بيومي بطريقة مستفزة وهو ينظر إلي داغر قائلا
-“اهلًا بالأستاذ العظيم الدكتور داغر مره واحده عاش من شافك يا راجل خير ايه اللي جابك”
وضع داغر يده في جيبه وهو يستعد للرد على بيومي
-“انا جاي اطمن على نرجس واعرف ايه اللي حصل علشان اخرج كريم منها”
يضحك بيومي بشدة وهو ينظر إلي داغر في لؤم ويقول بعد ان انتهي من نوبة الضحك المفاجئ
-“وهتخرجه ازاي انا مش بقلل منك وعارف انك تقدر بس عاوز افهم انت عارف اني محامي كبير في السن وعلى قد حالي”
يبتسم داغر في وجه بيومي فهو يعرف ما يقصد فقد تتلمذ داغر في اول حياته في مكتب بيومي العتر وعمل معه لسنوات طويلة قبل ان يطرده بيومي بعد ان علم ان داغر يستخدم طرق غير قانونية لتبرئة المتهمين ففتح داغر مكتبه الخاص بمساعدة احد تجار المخدرات له بعدما نجح في تبرئه ابنه من حيازة ثلاث أطنان من مخدر الحشيش فيذيع صيته ويصبح من اشهر المحامين.
لم يجد داغر المفر في الجواب على أستاذه وقال بنبره تعلوها الثقة
-“انت عارف يا استاذنا ان كريم قاصر والمحكمه هدخله الأحداث لحد لما يبلغ سن الرشد وبعد كده هتحوله على السجن العمومي”
ابتسم بيومي هو الاخر وقال وهو يسحب سيجار من جيب داغر
-“بس انت طبعا هتقول اللي هو كان بيدافع عن نفسه وممكن كمان تعوره او تفتح دماغه وتقول ان نرجس عملت كده قام هو ساحب سكينه فاكهه من على التربيزه وحطها في بطنها ومش ياخد فيها ساعه واحده كل ده جميل بس عارف لو عملت كده يبقي بتساعد على ميلاد مجرم جديد”
أعطي داغر ظهره إلي بيومي وقال في غرور واضح
-“كل ده مش مهم يعني هو لو دخل السجن هيطلع مؤدب ما انت عارف ممكن يطلع اوسخ من الاول”
كسر بيومي السيجار ووضعه تحت قدمه وهو يقول
-“مفيش فايده في الكلام معاك”
خرج الطبيب بعد مرور وقت طويل يعلن ان نرجس على قيد الحياة فيضحك بيومي ويقول لإسماعيل مداعبا
-“مش قولتلك دي بسبع ارواح”
ثم التفت إلي داغر وأكمل
-“الف مبروك اهي اتحولت من قتل لشروع في قتل مش هتفرق انت لو النيه مبيته هتخرجو منها زي ما بنقول مع سبق الإصرار والترصد”
ذهب بيومي وهو يهز رأسه بينما حذر داغر إسماعيل من الكلام ولقنه الحوار الذي يجب ان يقوله عند شهادته في النيابه ثم سأله عن كريم فأخبره انه لا يعلم طريقه فبتسم داغر وقال انه سيعرف بطريقته الخاصة
*****^******************
فتحت سالي باب الحمام بعد تردد دام دقائق لتفزع نور عند رؤيتها فما كان من سالي التي جلست على طرف ‘البانيو’ سوى الضحك كمحاولة منها حتى تهدأ نور ثم نظرت إليها
-“مالك يا نور فيه ايه احنا بنات زي بعض مكسوفه مني طب ما عادي انا ممكن اغير هدومي قدامك”
هدئت نور وهي لا تعلم نيه سالي السيئة وحاولت ان تبعد جميع الأفكار عنها بعدما اقتنعت برد سالي التي حاولت بعد ثواني ان تلمس جسد نور معلله انها تساعدها على الاسترخاء لتعود رأس نور في التفكير من جديد.
علم داغر مكان كريم بمنتهي السهوله فله اعين كثيره، ذهب اليه بعد ان اصطحب معه احد البلطجيه المخضرمين فهو لا يستطيع الدخول بمفرده ليجده مختبئا في احد العشش الكائنة بالعشوائيات ومعه راشد الذي رفع سلاحه في وجه داغر ولكنه أعاده سريعا بعد ان رأي ‘حامد حديده’ كما يطلقون عليه ابتسم داغر واقترب من كريم ولَم يعلق على فعله راشد ولو بكلمه طلب من كريم ان يسلم نفسه بمنتهي الهدوء ووعده انه سيخرجه دون أدني عقاب هنا تكلم راشد وقال بصوته الخشن
-“يعني يا استاذ انت شايف كده على العموم حلو الكلام بكره الصبح انا هخده بنفسي واسلمه بدل ما يبات النهارده في الأخشيبه”
اخرج داغر مبلغا كبيرا من جيبه وقذفه إلي راشد وطلب منه الاهتمام بكريم ابتسم راشد فرحا وقال وهو يعد النقود
-“يا باشا انت بتوصيني على اخويا ده في عينيه”
انصرف داغر وحامد حديده نظر راشد إلي كريم وسأله
-“انتوا تعرفوا الناس النضيفه دي منين ياض يا كريم”
جلس كريم على الأرض وهو يقول
-“والله لسه عارفه هو وخالتي امبارح”
اقترب منه راشد وقد وضع النقود في جيبه الخلفي واخرج ‘مطوه’ يطلقون عليها قرن غزال وحك بها ذقنه ونظر إلي كريم قائلا
-“بص يا كريم انا هجبلك من الاخر في حدوته انت متعرفهاش انا البت اختك دي داخله دماغي من زمان وعاوز اتجوزها”
نظر له كريم في غضب وقال محذرا
-“ابعد عن نور يا راشد ملكش دعوه بيها خلينا اصحاب احسن”
ضحك راشد وهو يفتح فمه على اخره ثم تجهم وجه مره واحده وقد وضع ‘المطوه’ هذه المره على وجه كريم
-“مش راشد ياض اللي يتقله لاء اسأل اختك دي انا كنت بعمل فيها ايه وهي صغيره اعقل انا اولي بيها”
ابتسم كريم وقد مسك حجر كبير بجواره وقال
-“وماله احنا مش هنلاقي احسن منك يا راشد”
*تـــــابعونــــي*