رواية روضت الذئب بقلم اسراء على/كاملة
رُبما الماضي لم يكن سوى تنبيه لما إقترفتاه بـ أيدينا..ليقتل حلاوة الحاضر والتطلع إلى المُستقبل…نهض طارق سريعًا ما أن أبصر أخيه رائف ليندفع إليه ويحتضنه بـ قوة هاتفًا بـ نبرة مُشتاقة صادقة-حمد لله ع السلامة يا رائف..نورت مصر
-ربت رائف على ظهره قائلًا:الله يسلمك يا طارق…
كان نظره مُعلق على رحمة التي ترقرقت عبرات الإشتياق بـ مُقلتيها ولكنه تجاهلها لينظر إلى مُحي الذي يُحدق به بـ ثبات
إبتعد طارق عنه ليتجه رائف إلى مُحي وتشدق بـ جمود ودون أن يُكلف نفسه عناء المُصافحة
-البقاء لله
-أومأ مُحي بـ رأسه رادفًا:و نعم بالله..حمد على سلامتكوا
-الله يسلمك…
تقدمت إسراء من رحمة وضمتها بـ قوة قائلة بـ إشتياق صادق
-وحشتيني يا إسراء أوي
-هدر رائف من خلفهما:اسمها زهرة..مش عاوز أسمع اسم إسراء خالص…
إلتفتت إليه إسراء بـ ذهول وعينان مُتسعتان تكاد تبتلع وجهها كله..وكذلك رحمة التي لم تستطع الحديث..لتبتسم إسراء بـ إهتزاز قائلة
-خلاص محصلش حاجة يا طنط رحمة..مشيها زهرة…
أومأت رحمة بـ خفوت ولم ترد بل تطوع طارق رادفًا بـ هدوء وكأن شيئًا لم يكن
-تعالَ يا رائف إستريح فوق
-إلا أن رائف رد عليه بـ صلابة:أنا حاجز فـ أوتيل هقضي فيه أيام العزا وبعدين هرجع غلاسكو مرة تانية
-تنفس طارق بـ عمق وقال:ومع ذلك إطلع إستريح من السفر
-لأ…
صمت طارق بـ إمتعاض لتتقدم إسراء منه وتهتف بـ صوتٍ خفيض
-رائف مينفعش كدا..وبعدين غيث تعبان من السفر ولازم يستريح شوية…
نظر إليها رائف بـ شرر يتطاير من عيناه إلا أنها هتفت بـ قوة
-عشان خاطري..وكمان أنا تعبانة ورجلي مش شيلاني..عشان خاطري…
زفر رائف بـ ضيق ثم قال وهو ينظر إلى طارق
-تمام يا طارق..فين الأوضة!
-إبتسم طارق وقال:فين ابن أخويا الأول…
تنحت إسراء قليلًا ليظهر غيث الهادئ من خلفها بـ عربته يلعب بـ دُمية خضراء لحيوان الديناصور..فـ إقترب منه طارق بـ لهفة يُقبل وجنته هاتفًا
-شبه عمك يا واد
-ضحكت إسراء وقالت:لأ معلش..هو شبهي أنا رائف
-رد عليها طارق بـ إبتسامة:قصدي شخصيته
-مش يلا نطلع نستريح ولا صحتك جات على الكلام مع طارق!!…
إنطلق من خلفهم صوت رائف الجامد كـ صخرة قوية..لتتأفف هى بـ ضيق ثم إنحنت حاملة الصغير وإتجهت إليه..لم يخفَ عليها نظرة اللهفة بـ عيني رحمة ومُحي ولكنها إن تقدمت إليهما بـ الصغير لقتلهم معًا
أشارت بـ عينيها إلى رحمة في إشارةٍ منها أنها ستأتي به فيما بعد..لتومئ بـ رأسها بـ خفوت..ثم تحركت خلف طارق ورائف اللذان صعدا الدرج
**************************
جلست تلك السيدة أرضًا بـ أحد الأقسام تصرخ بـ جزع هاتفة بـ عويل
-يعني إيه بنتي راحت خلاص!..مفيش نجلاء تاني!
-إنحنى إليها أحد أُمناء الشرطة يقول بـ نبرة باردة: يا جاحة إحنا عملنا اللي علينا وملقنهاش
إعتدل يرمُقها بـ إزدراء ثم قال بـ حدة
-جايز المحروسة هربت مع واحد الله يعلم مين
-صرخت السيدة وهى تضرب ساقيها:بنتي متربية..بنتي إتخطفت قلبي حاسس بيها
-ضرب كفًا على آخر وقال:وإحنا نعمل إيه بقلبك!..إحنا شوفنا شُغلنا ومفيش فايدة..إستعوضي ربنا فيها بقى…
أخدت تضرب وجنتيها بـ قوة وهى تصرخ بـ عويل..ليأتي الإبن الأكبر لها ينظر إلى أمين الشُرطة بـ غضب ثم إنحنى إليها هاتفًا بـ نبرة جامدة
-خلاص ياما..الحكومة شافت شُغلها..ميبقوش يزعلوا لما نشوف شُغلنا إحنا
-أنت بتهددنا!
-هدر محمود قائلًا:أنا لابهدد ولا نيلة..أنا بس هدور على أختي بـ معرفتي..بينا ياما…
وضع يده أسفل ذراعها ثم رفعها لتصرخ والدة نجلاء بـ قهر
-حسبي الله ونعم الوكيل..حسبي الله ونعم الوكيل…
جذبها محمود خلفه بـ يد والأُخرى تحك خُصلاته السوداء القصيرة بـ عصبية حتى خرجا من القسم..توجها إلى طريق المنزل ليقول محمود بـ نبرة صلبة
-خلاص ياما..قولت مش هسيب نجلاء ولا هسكت..الحكومة شالت إديها بس إيدي مش هشيلها
-ردت عليه والدته بـ نحيب:وأنت فـ إيدك إيه!..ولا معاك مين يساعدك!!
-معايا ربنا ياما..أحن علينا من أي حد..إحنا صحيح غلابة ومش هنلاقي حد يساعدنا زي اللي معاهم فلوس بس أكيد ربنا مش هينسانا
-أردفت والدته بـ تردد:طب مش جايز يكون هر….
-قاطعها محمود هادرًا:عيب عليكي تقولي على بنتك كدا وأنتي عارفة تربيتها..لو أنتي بتفكري كدا أنا مش هسمح..أختي وعارف إنها فـ مُصيبة..وربنا مش هينساها
-من غُلبي..من غُلبي يابني
-صلي على الرسول واستغفري وربنا هيكرمنا…
فعلت ما قاله محمود ثم لم تلبث أن قالت فجأة
-مفيش غير عمك عبدالله
-ضيق محمود عيناه وتساءل:عم عبدالله مين!
-أبو إسراء..البت اللي أنت كنت هتتجوزها وبعدين عرفنا إنها إتجوزت راجل كُبرة…
توقف محمود بـ خطواته ليلتفت إليها بـ حاجبين معقودين ثم أردف بـ خفوت
-وبعدين!!..كملي
-إبتلعت ريقها وأكملت:أكلم الست صفاء تخلي جوز بنتها يساعدنا
-رد عليها إبنها بـ عصبية:بـ مُناسبة إيه يساعدنا!..ولا الست صفاء هتساعدنا ليه وهى أصلًا مبتساعدش حد؟
-تنهدت والدته وهتفت بـ يأس:أي أمل نتشعبط فيه يابني..بنتي وقلبي واكلني عليها..الله أعلم فين أراضيها بس عاوزة أطمن بس..أشوفها وأموت بعدها
-بعد الشر يا حاجة..هتشوفي بنتك وهتكمل علامها وهتكون ضاكتورة أد الدنيا..بينا عليهم…
**************************
-تعرف إن رائف الأسيوطي رجع!!…
تشدق بها رجل أربعيني ذو خُصلات سوداء فحمية..إلى أخر يحتسي شرابًا كحوليًا..فـ ما أن سمع ما تفوه به الآخر ليسعل نتيجة ما وقف بـ حلقه فـ قال بعدها بـ صدمة
-بتتكلم جد يا جهاد!
-وضع ساق على أُخرى وتشدق:وأنا ههزر ليه!..دا إحنا حتى لينا حساب كبير أوي هو والخاين التاني
-بس الخاين التاني أخد جزاءه
-إبتسم جهاد بـ تهكم وقال:ودا بتسميه جزاء!!..دا لسه حسابه معايا عسير..بس أسيبه يستوي الأول…
أشعل لُفافة تبغ بُنية رفيعة ليسأله الرجل الآخر
-ناوي تعمل إيه!!
-أردف جهاد بـ بساطة:ناوي أرحب بيه..وأعمله حفلة إستقبال تليق بيه..رائف بيه مش غريب عننا
-رد عليه الآخر بـ توجس:دا رائف الأسيوطي..عارف يعني إيه؟!…
ضحك جهاد بـ قوة حتى أدمعت عينا ثم أكمل بـ نبرة تهكم تحمل الخُبث بين ثناياها
-عارف..وعارف كويس نقطة ضعفه..اللي ناوي أدخله بيها..ولما يحصل كدا..هيركع زي الكلب تحت رجلي
-رد عليه الأخر بـ تهكم:مش رائف
-ليقول جهاد بـ ثقة:لأ رائف..لما أمسك رقبته بـ إيدي هتعرف إنه رائف..وإن السم الـ*** لسه بيجري فـ دمه
-عقد حاجبيه وتساءل:مش فاهم!!.. بـ إيه؟
-تؤ تؤ تؤ..قصدك بـ مين
-لوى شدقه وأكمل: بـ مين يا سيدي؟!…
إسودت عيناه بـ نظرات شيطانية وقد ذهب تهكمه ومرحه أدراج الرياح ليقول بـ نبرة لا تقل عن نظرة عيناه السوداوية
-الـ****..اللي باع كل حاجة عشانها..لما أخلص منها..هخلي خاتم فـ صُباعي..مش بعيد أخليه حتة خادم عندي…
**************************
نزعت وشاح رأسها ثم وضعت غيث بـ الفراش بعدما غفى ثم توجهت إلى رائف الذي ينزع عنه قميصه الأسود لتهدر بـ حدة خافتة كي لا تُوقظ الصغير
-ممكن أفهم إيه اللي أنت عملته دا!..إيه اللي حصل تحت دا!
-قذف القميص ثم قال بـ لا مُبالاة:عملت إيه!!
-إستدارت إليه وهدرت:مش عارف يعني!
-لأ مش عارف…
دفعها بـ يده من منكبها ثم توجه إلى المرحاض ليأخذ حمامًا..فـ بقت هى واقفة تحك جبهتها بـ سبابتها وإبهامها بـ تعب..تعي مقدار ما يُعايشه من ألم ولم تُرد الضغط عليه..ولكن بعض الآلام لا تُشفى إلا بـ الضغط
توجهت إلى الأريكة وجلست عليها تنتظر خروجه وما لبث أن دقائق وخرج..كان يلف حول خصره منشفة وبـ يده أُخرى يُجفف خُصلاته فـ سمعت صوته الساخر وبه لمحة من الجمود
-منمتيش ليه!
-ردت عليه بـ صلابة دون النظر إليه:مستنياك…
إبتسم ساخرًا ليقذف المنشفة الصغيرة بـ إهمال ثم توجه إلى حقيبته التي جلبها أحد الخدم وأخرج ثيابه ليُبدل سريعًا بـ بنطال قُطني أسود وكنزة بيضاء ذات خطين طوليين سوداوين..وتجاهلها تمامًا ليذهب إلى الشُرفة
تنهدت بـ قنوط لتضع الوشاح بـ إهمال وإتجهت إليه..توقفت لحظات وهي تُحدق بـ ظهره..كان يضع يديه بـ جيبي بنطاله ويتطلع إلى بُقعةٍ ما دون أن يحيد عنها فـ أثار فضولها لتعرف..توجهت إليه بـ خُطىٌ حثيثة لتنظر إلى تلك البُقعة فـ وجدت مُحي ورحمة يتبادلان أطراف الحديث
أخذت نفسًا عميق ثم تقدمت خطوة أخيرة لتضع يدها على منكبه ولكن لم يجفل ولم يستدير..همست بـ رقة
-تعالَ عشان تنام..شكلك تعبان
-رد عليها بـ جفاء:مش تعبان..خشي نامي…
أشتعلت عيناها بـ غضب لتُديره بـ قوة من ذراعه..لم يتأثر بـ لمستها إلا أنه إستدار إليها لأنه يعلم كم إشتد عليها وعاملها بـ جفاء..فـ توقع إنفجارها وكما توقع إنفجرت بـ غيظ هاتفة
-هتفضل تعاملني بـ جفاء كدا لحد أمتى!..أنا لما قولتلك تعالَ ننزل فـ كان عشان خاطر نفسك..عشان متفقدش أخر ذرة إنسانية منك
-أبعد يدها وقال بـ هدوء:أنا لما عرفت إنك بتكلميهم معاتبتكيش..فـ متعاتبنيش على حاجة أنا مش قادر أتحكم فيها..مشاعري خاصة بيا
-لكزته بـ صدره وقالت بـ شراسة:من ساعة أما دخلت حياتك مبقتش خاصة بيك…
لم يرد عليها لتقول بـ قسوة مُفاجئة عله يفيق
-لأ..من وقت أما أجبرتني أدخل حياتك…
توقعت أن يغضب أو يصفعها ولكن تلك النظرة القاسية والألم المُرتسمة على وجهه آلمتها بـ قوة وكأنها أصابتها بـ الصميم..ولكنها أجبرت نفسها على تلك القسوة حتى يفيق..لتسمعه يقول بـ صعوبة
-أنتي عارفة إنه كان غصب عني..وكمان مكنتش مُتزن من اللي حصلي
-تنهدت وقالت:عارفة..بس عاوزاك تحن شوية…
أخفض رأسه وقد تنغضت ملامحه بـ ألم بالغ شطر قلبها نصفين..لتضع يديها حول وجهه ثم رفعته وهتفت بـ رقة
-أسفة مكنش قصدي أجرحك..بس أنت بتعاملني بـ طريقة مُهينة
-رد عليها بـ صوتٍ ميت:أنا موجوع أوي…
إتسعت عيناها بـ قوة ليخرسها بـ ذلك الجواب الذي لطم قلبها..لم تجد حلًا سوى أن ترتمي بـ أحضانه تُشدد عليه ثم همست بـ نبرةٍ مُتحشرجة
-أنا جنبك..طلع كل وجعك فيا
-بادلها العناق وقال بـ ألم:أنا وجعتك بما فيه الكفاية
-إبتسمت بـ حزن قائلة:مش آن الآون أرتاح!
-آن..آن وأوي كمان…
قربها إليه أكثر ليستند بـ ذقنه على قمة رأسها وأغمض عيناه..وبـ دورها أغمضت هى الآُخرى عيناها
مسح على ظهرها وهمس بـ إبتسامة
-أسف يا زهرتي لو كنت وجعتك..بس صدقيني غصب عني
-خلاص يا رائف مش زعلانة
-لثم جبينها وقال:إثبتيلي…
إبتسمت وهى تعي أي نوع من الإثبات..لترتفع على أطراف أصابعها ثم قَبّلت جانب فاه بـ نعومة فـ أحست به يبتسم وقد ظهرت غمازته النادرة لتعود و تُقبّلها بـ نعومة أكبر..فـ إتسعت إبتسامته أكثر هاتفًا بـ تحشرج
-إحنا عندنا حالة وفاه ومينفعش نعمل حاجة مُخلة
-ضحكت وقالت:خلاص منعملش حاجة مُخلة
-خلاص إقعدي بـ أدبك…
أومأت بـ رأسها لتضع يدها حول خصره..وهو الآخر فـ جذبها إلى الداخل وقال
-لما تنتهي أيام العزا هنروح شقتنا التانية..تطمني على أهلك ونسافر بعدها على طول
-إبتسمت وقالت بـ هدوء:خلاص تمام
-لثم جبينها وقال:تعالي عشان ننام
**************************
وضعت صفاء الوشاح حول رأسها سريعًا ثم هتفت بـ صوتٍ عال حتى يصل إلى الطارق
-أيوة ياللي بتخبط جاية أهو…
أحكمت الوشاح حول رأسها ثم فتحت الباب لتجد والدة نجلاء وإبنها يقفان لتشهق بـ فزع صغير قائلة
-أم نجلاء!!!..تعالي يا ختي..إتفضلوا…
إبتعدت عن الباب ليدلفا إلى الداخل أشارت إلى أحد الآرائك ليجلسوا عليها ثم جلست هى وتساءلت بـ فضول
-خير يا حبيبتي!!..لاقيتوا البت نجلاء!
-حرك محمود رأسه وقال:لأ يا ست صفاء
-أردفت صفاء بـ تعاطف:قلبي عندك يا بني..ربنا يدلكوا عليها…
نهضت صفاء ثم قالت وهى تتجه إلى المطبخ
-ثواني هعملكوا حاجة تشربوها…
ولم تسمح لهما بـ الرد بل دلفت وأعدت كأسين من الشاي وعادت بعد عدة دقائق وضعت الكؤوس أمامها..لتقول والدة نجلاء بـ تعب
-تعبناكي يا أم إسراء
-ولا تعب ولاحاجة يا أم نجلاء..ربنا بس يدلكوا عليها
-حمحمت والدة نجلاء وقالت:منا جيالك وقصداكي فـ خدمة
-ضيقت صفاء عينيها وقالت بـ إهتمام:خير يا حبيبتي إتكلمي!…
إرتشفت من كوب الماء البارد الذي أحضرته صفاء مع الشاي ثم وضعت الكوب وقالت بـ تردد
-مش بنتك النبي يُحرسها متجوزة إشي راجل أعمال مش فاكرة اسمه والنبي
-إرتفع حاجبي صفاء وأردفت:رائف بيه الأسيوطي!
-أيوة هو دا…
وضعت صفاء كفيها على معدتها وقالت بـ فتور
-طب ودا علاقته إيه بـ بنتك!
-رد محمود بـ خشونة:يا ست صفاء قاصدينه فـ خدمة عشان خاطر أختي
-أيوة يعني يعمل إيه؟…
وضعت والدة نجلاء يدها على ساق صفاء وقالت بـ رجاء أشبه بـ التوسل
-سايق عليكي النبي تكلميه..تقوليله يخلي حد من الحكومة يهتم يدور على البت..رحنا القسم وبهدولنا ولما زهقوا رمونا بره وسابونا…
صمتت صفاء تستوعب ما تفوهت به تلك السيدة ليسود الصمت لحظات قبل أن يقطعه محمود هاتفًا بـ جفاء
-معلش يا ست صفاء تعبناكي…
إستدركت صفاء نفسها وقالت بسرعة
-مقصدش يا بني إقعد..بس أنا على ما أستوعبت…
نظرت إلى والدته وقالت بـ نبرة هادئة
-الحقيقة بنتي وجوزها مش فـ مصر ومش هعرف أكلمها..هي اللي بتكلمني كل فترة
-طب وهنعمل إيه!!
-إبتسمت صفاء وقالت:أول أما تكلمني هقولها وأزن عليها ولا يكون عندك فكرة..نجلاء زي بنتي برضو
-بكت والدة نجلاء بـ قوة وقالت:ربنا يكرمك يا ست أم إسراء..مش هنسالك المعروف دا أبدًا
-إن شاء الله هكلمها وأجيلك بـ أخبار حلوة…
نهض محمود ثم والدته ليقول بـ نبرة خافتة وقد ظهر بها الإمتنان
-معروفك دا مش هننساه يا ست صفاء..ربنا يكرمك
-خلاص بقى ولا يكون عندكوا فكرة..ربنا يرجعها بـ السلامة…
أمنا على دُعاءها ثم رحلا لتغلق الباب خلفهما ثم قالت بـ نبرة بها شك
-موضوع خطف البنات دا زاد عن حده الفترة دي…
صمتت قليلًا ثم شهقت وهى تصك صدرها هاتفة بـ صدمة
-تكنش الناس دي رجعوا يشتغلوا تاني!!….
**************************
بعد إنتهاء أيام العزاء وقد عزم رائف على الرحيل..كانت إسراء تُحادث والدتها والتي طلبت منها المجئ بـ أقصى سُرعة فـ هي قد إشتاقتها وأرادت أيضًا الحديث معها بـ أمر تلك الفتاة
صدح صوت رائف وهو يلعب مع صغيره
-يلا يا زهرة إتأخرنا
-حاضر..هقفل الشنطة أهو…
وبـ الفعل ثوان وقد إنتهت إسراء من حزم الحقائب ليُجرها رائف خلفه فـ تذمرت بـ عبوس
-كان لازم نمشي بدري كدا!
-صدقيني مش طايق أقعد هنا ثانية كمان…
أجبرها على الصمت لتتبعه مُنكسة رأسها لأسفل..كانا قد وصلا إلى الصالة ليهتف رائف بـ جمود
-أنا ماشي…
نهض مُحي سريعًا وقال
-أستنى يا رائف…
توقف رائف دون الإلتفات إليه ليُكمل حديثه بـ نبرة رزينة
-مينفعش تمشي قبل فتح الوصية
-إلتفت رائف وهتف بـ غموض:وصية إيه دي اللي أحضرها!
-أخذ مُحي عدة أنفاس وقال بـ هدوء تسلح به:أنا عارف اللي بتمر بيه وأد إيه بتكره جدتك وبتكرهنا..بس دي وصيتها يا رائف
-وأنت عرفت منين إنها وصيتها!…
تجاهل مُحي نبرته الساخرة ليُكمل حديثه بـ نفس الهدوء
-مهما عملت هي أمي..مقدرش ماحسنش ليها..هي كانت عاوزة تشوفك قبل ما تموت…
فلتت ضحكة ساخرة من بين شفتيه فـ نظرت إليه إسراء بـ تحذير ليقول بـ تهكم
-أسف..أسف..مقدرتش أمسك نفسي
-ما علينا..المحامي جاي كمان ساعتين..معلش إعصر على نفسك لمونة وإستحملنا فيهم…
نظر إليه رائف بـ قتامة ولكنه أحس بـ كف زوجته يضغط على ذراعه فـ إلتفت إليها ليجدها تنظر إليه بـ رجاء قائلة بـ همس
-عشان خاطري
-أغمض عيناه وقال بـ نفاذ صبر:حاضر..بس متفكرش دا عشان خاطر حد فيكم غير مراتي اللي مطالتش منكم غير الأذى
-عاودت الضغط على ذراعه وهمست:خلاص كفاية يا رائف…
حاوط خصرها بـ يده الحُرة ثم توجه إلى غُرفة الصالون يجلس بها وحدهما..تنهد مُحي وضري جانبي ساقه ثم عاد إلى طاولة السُفرة .. مالت إليه رحمة تسأله بـ تلهف
-قال إيه؟
-أجابها بـ فتور:هيقول إيه يعني!..رمى الكلمتين قعد
-أهم حاجة أنه قعد…
أرتشفت من فنجان قهوتها ثم عاودت تسأله
-معرفتش مين الدكتور سالم دا!
-حك جبهته وقال:كل اللي عرفته إنه دكتور نفسي..غير كدا معرفش علاقته بيها إيه
-مطت شفتيها وقالت:عمومًا ساعتين وهنعرف…
وعلى الجانب الآخر وبخته إسراء قائلة
-مينفعش تفضل ترمي كلام كل شوية يا رائف عليهم..كدا عيب
-ضغط على أنفه وقال:أنا مش ناقص وفيا اللي مكفيني والله يا زهرة..فـ بلاش تتكلمي عشام متزعليش مني بـ كلمة…
لوت شفتيها بـ إمتعاض دون أن تُعقب على حديثه لتقول بعدها بـ هدوء
-ماما كلمتني وقالتلي إنها عاوزة تشوفني ضروري
-رد عليها بـ عدم إهتمام:بكرة
-حركت رأسها نافية وقالت:لأ يا رائف..شكل الموضوع كبير…
فتح عيناه فجأة ونظر إليها بغتةً ثم قال بـ نبرة حادة
-في إيه يا زهرة!..لو عارفة حاجة قولي؟
-تعجبت من حدته ولكنها أجابت:والله مش عارفة حاجة..هي مقالتليش ومش راضية تقولي..عمتًا نخلص الموضوع دا و نروح نشوف في إيه…
همّ أن يرد عليها ولكن الخادمة أتت وقالت بـ إحترام
-الدكتور مُحي طلب حضرتك تشرف أنت والهانم..بـ مكتبه
-تشدقت إسراء بـ دهشة:معقولة عدت ساعتين!
-رد دون تعبير:أكيد لأ..بس الظاهر المُحامي جه بدري..يلا أحسن…
تبعا الخادمة حتى وصلا إلى غُرفة المكتب ليجدا الجميع وشخصين..أحدهما يعرفه وهو مُحامي العائلة والآخر لا يعرفه أبدًا..تشدق مُحي بـ خفوت
-تعالَ يا رائف..تعالي يا إسـ..يا زهرة…
أمسك رائف كف يدها ثم جلسا على الأريكة المُقابلة للمكتب..تنحنح سالم وقال بـ رزانة وهدوء
-أحب أعرفكوا بـ نفسي..أنا الدكتور سالم العراقي
-أومأ مُحي قائلًا:تشرفنا..بس حضرتك مشرفنا يوم فتح الوصية ليه؟!
-تولى المُحامي الرد:دا بناء على طلب سعاد هانم…
عقد الجميع حاجبيه بـ توجس..ليُكمل سالم حديثه بـ نفس الهدوء النبرة العميقة
-زي ما دكتور مُحي عارف إني طبيب نفسي..أنا كنت الطبيب الخاص لسُعاد هانم
-مش فاهم!…
إلتفت سالم إلى مُحي الذي سأله بـ قلق ليشبك كفيه مُوضحًا
-سُعاد هانم ربنا يرحمها..وصتني إني أحضر فتح الوصية وقالتلي أقولكوا على حاجة محدش يعرفها غيري أنا والمُحامي…
نظر مُحي إلى المُحامي بـ إهتمام ثم تساءل وهو يلتفت إلى سالم
-وإيه هي الحاجة دي؟!…
أخذ سالم نفسًا عميق وهو ينظر إلى رائف ثم نهلة بـ نظرات مُتعاطفة وهو يعلم أنه سيُفجر قُنبلة موقوتة ثم تشدق
-سُعاد هانم كانت بتتعالج عندي
-إرتفع حاجبي مُحي مُتساءلًا:إزاي!
-نظر إلى مُحي وقال:والدتك كانت بتعاني من الشيزوفرينيا…