رواية روضت الذئب بقلم اسراء على/كاملة

رواية روضت الذئب بقلم اسراء على الفصل الثالث عشر

كل ما عليك فعله هو النضال..المُثابرة
لتتحدى ماضٍ أقسمت على عدم الرجوع إليه بكامل إرادتك…

صباح يوم جديد يحمل معه الكثير

بعدما إستيقظ رائف وجد والدته وشقيقته تتناولان الإفطار وصغيره يجلس على المقعد المخصص له يتلاعب بـ طعامه

ليقول بـ صوته الهادئ وهو يُقبل وجنة غيث

-صباح الخير
-ردت عليه نهلة بـ إبتسامة:صباح النور..هتفطر!…

إتجه إلى أحد المقاعد وجلس بـ جانب نهلة ثم أردف وهو يأخذ قطعة خُبز

-فين كوباية الشاي بتاعي!!
-حالًا…

قالتها نهلة وهى تسكب بعض الشائ بـ الفنجان وتسأله

-أحطلك سكر!
-حرك رأسه نافيًا وقال:لأ هاتيه كدا…

أومأت و وضعت أمامه الشاي الخاص به..تنحنح رائف وقال

-أنا إحتمال مرجعش النهاردة..يعني بلاش تستنوني
-تساءلت رحمة:خير عندك شغل؟
-حك ذقنه وأجاب:أها..وأهو أول يوم فـ هتأخر
-طيب يا حبيبي..خد بالك من نفسك…

أومأ بـ خفة وأكمل طعامه ليقول بعدها بـ صرامة

-نهلة!..بلاش خروج من البيت..أظن أحمد فهمك كل حاجة
-تشدقت بـ طاعة:حاضر والله..أحمد حفظني الإسطوانة وأنت كمان بلاش تكمل
-أنا بس بعرفك…

إلتفت إلى رحمة وقد بدى مُترددًا ولكنه تشدق وهو يُخفض نظره

-وحضرتك بلاش شُغل..خليكِ مع غيث ونهلة..دول ميتسابوش لوحدهم
-إبتسمت رحمة ثم قالت بـ حنو:متقلقش..أنا إتفقت مع أبوك على كدا..لحد أما تحب ترجع البيت براحتك…

لوى شدقه بـ تهكم ولم يرد بل نهض وإتجه إلى غُرفته..تنهدا رحمة بـ أسى لتربت نهلة على يدها وأدرفت بـ تعاطف

-رائف محتاج وقت يا ماما..اللي حصله مش سهل كل اللي هو محتاجه وقت..وإحنا نصبر عليه
-تشدقت رحمة بـ ألم:والله صابرة وهصبر..بس رائف يرجعلي..أنا محضنتش إبني لحد دلوقتي زي الناس..محتاجة أحس إني أمه
-عانقتها نهلة وقالت:ولحد الوقت دا..كفاية عليكِ حضني..مش أنا زي رائف ولا إيه؟!
-أردفت رحمة بسرعة وهي تُشدد على إبنتها:طبعًا يا حبيبتي..أنا فكرت إن ربنا أخد أمانته لما ولدك..ومصدقتش نفسي لما لاقيتك قدامي..أنتوا حتة مننا يا نهلة..حتى من روحي…

كور رائف قبضته وهو يستمع إلى حديثهما فـ قد توقف يسترق السمع لما تتحدثان به..ثم أكمل طريقه إلى غُرفته بـ عينين تتآكلهما الغضب

فتح خزانة ثيابه وإنتقى منها قميص من اللون الأزرق الداكن و بنطال أسود قُماشي..ترك أول زرين مفتوحين و رفع أكمامه حتى ساعديه

صفف خُصلاته البُنية إلى الخلف وهذب لحيته المتوسطة ثم أخذ حاجياته الشخصية وخرج

وجدهما تجلسان على الأريكة أمام التلفاز إنحنى يُقبل غيث الذي يُشاهد الرسوم المُتحركة بـ إهتمام ثم شقيقته وعاد يُخبرهم بـ حزم

-أظن مش هكرر كلامي كتير..يلا خدوا بالكوا من نفسكوا
-أردفت رحمة وهي تنظر إليه:لا إله إلا الله
-أجلى رائف حنجرته وغمغم بـ خفوت:سيدنا محمد رسول الله..أنا ماشي…

ثم تركهم ورحل..وقف أمام الحارسين وتشدق بـ صرامة وتحذير

-مش عاوز دبانة تُدخل..فاهمين؟
-أومأ الرجلان ليقولا بـ نفس النبرة:فاهمين يا باشا…

تركهم وهبط الدرج..صعد سيارته و وضع الهاتف على أُذنه فـ أتاه الرد بعد لحظات..ليردف وهو يُدير المُحرك

-أنا رايح دلوقتي أهو…

***********************************

فتحت جفنيها بـ تثاقل لتجد أحدهم يتلاعب بـ خُصلاتها لتتسع عينيها بـ رهبة وهي تجده أمامها..إنتفضت جالسة لتسمع صوته الهادئ وعيناه تتمهل بـ تفحصها

-صباح الخير…

لم ترد عليه ليصعد هو على الفراش ويجلس أمامها..أبعد خُصلة سوداء عن وجنتها ثم همس وهو يُحدق بـ عينيها بـ شغف

-تعرفي إنك حلوة أوي وأنتِ نايمة!..أول مرة ألاقي متعة فـ مراقبة حد وهو نايم
-نفضت يده عنها بـ إشمئزاز:عاوز إيه!…

عقد حاجبيه بـ حزن وقال بـ نبرة آسفة

-بقى دا جزاتي إني جاي أطمن عليكِ بعد اللي الـ*** عمله معاكِ
-صرت على أسنانها وأردفت:وأنت فاكر أنك تفرق عنه..أنت زيك زيه حيوانات…

أطلقت مارده..حقًا أطلقته دون أن تعي..أكثى ما يكرهه هو أن يكون بـ نفس الجهة مع ذلك الحقير..إشتعلت عيناه وهو يُحاوط وجنتيها ثم هدر وهو يُحركها بين يديه

-إوعي تُحطيني أنا وهو فـ نفس الكفة..متفكريش أصلًا فـ حاجة زي دي أحسنلك…

إتسعت عيناها بـ ذعر وبدأت أنفاسها تتسارع بـ التزامن مع إرتجافة جسدها التي إستشعرها هو..فـ توقف عن هزه لها و وضع جبهته على جبهتها يهمس بـ عذاب

-بلاش تقولي عليا حاجة أنتِ متعرفيهاش..أنا ضحية زيك..بس الفرق إني قويت نفسي مش زيك بفضل محلك سر…

ضربت صدره في محاولة يائسة لإبعاده ولكنه لم يتوقف بل أكمل وهو يُغمض عينيه

-أنا إنجذبتلك لأنك شبهي..أنا وأنتِ مجبورين على العذاب دا
-صرخت وهى تعتصر جفنيها:إبعد عني يا حقير..إبعد عني أنا بكرهك
-صرخ بـ المُقابل وعيناه تحتد:وأنا بحبك…

وأسكتها بـ شفتيه وهو يُقبلها بـ رقة جديدة عليها..إتعست عيناها بـ صدمة ولكن سُرعان ما تحولت الصدمة إلى غضب وإشمئزاز لتضرب صدره بـ كفيها الصغيرين ولكنه لم يتوقف..بل وضع يد خلف رأسها يُقربها منه ليُعمق قُبلته

بكت بـ حرقة و هي ترتخي بين يديه بعدما يأست من تركه لها..أما هو فـ لأول مرة يشعر بما يشعره الآن..ضربات قلبه تتسارع بـ شكل مُقلق وجسده لا يستجيب له..كلما حاول الإبتعاد يجد نفسه ينجذب أكثر

إلا أنه عندما فتح عينيه وجدها تبكي بـ شدة حتى شهقاتها كانت طريقها جوفه..ليبعتد عنها سريعًا..وضعت هي يدها على شفتيها تمسحها بـ تقزز وعنف حتى أدمتها

أبعد يدها بـ القوة هادرًا وهو يُكبل تحركاتها العنيفة

-بسس كفاية خلاص
-تلوت صارخة بـ.إهتياج:إبعد إيدك عني..بقولك إبعد يا قذر..إبعد!!!
-أحكم تقييده لها وأردف بـ صرامة:لما تهدي هسيبك…

تلوت أكثر وأكثر ولكن فرق القوى لم يكن إلا أن أنهك قواها..لتستسلم باكية بـ نشيج..أحكم كف حول يديها وبـ الأُخرى أمسك ذقنها بـ رقة ورفعه إليه..حدقت سوداوتيه بـ خاصتها ليهاله حالتها ليهمس بـ عدم تصديق

-كل دا عشان قربت منك؟!..لدرجادي قرفانة مني!
-زمجرت بـ شراسة:وأكتر مما تتخيل…

كانت تُريد نهش وجهه بـ أظارفها وخاصةً شفتيه التي تستبيح جسدها بلا رحمة ولكنه يُكبلها بـ يدٍ من حديد..إزدرد جهاد ريقه وأردف بـ خفوت

-لو لمستي بـ تقرفك كدا..مش هقرب منك إلا بمزاجك
-ضحكت بـ عذاب رادفة:مزاجي!!..مزاجي إزاي وأنت إغتصبتني..مزاجي إزاي وأنت سرقت مني عفتي!..أنت بتحلم…

وجدته ينظر إليها بـ صدمة لتنخر عظامه بـ نيران كلماتها القاسية

-هفضل أكرهك لحد أما أموت..وبدعي ربنا تجيلي الفُرصة عشان أقتلك وأخلص الناس من شرك أنت والقذرالتاني…

توقعت أن يتركها أو يُنكس رأسه بـ خزي..ولكنها تفاجأت بـ إبتسامة تُزين ثغره القاسي ليردف بعدها بـ هدوء

-لو كان قتلي هيريحك فـ أنا معنديش مانع..هسيبك تقتليني بس لما أخد حقي الأول..هسيبك وقتها تشفي غليلك مني بس أخد روح اللي عمل المسخ اللي قدامك دا
-أنت واحد مريض…

وضع جبهته على جبهتها فـ تلوت بين يديه ولكنه أحكم أكثر عليها وهمس بـ نبرة صادقة نبعت من تلك التجربة التي خاضها مُنذ دقائق معها

-وكل اللي عاوزه منك..إنك تعرفي إني بحبك…

ثم طبع قُبلة طويلة على جبينها جعلتها تُجعد أنفها بـ نفور لينهض بعدها وهو يُحدق بها بـ إبتسامة..وقبل أن يخرج تشدق بـ حزم

-خليكِ عاقلة يا نجلاء..أنا هخرجك من هنا وهديكِ حُريتك..بس إعملي اللي هقولك عليه وإتفاقنا اللي إتفقا معاكِ بيه قبل كدا…

ثم خرج وأغلق الباب خلفه..لتضم هي الملاءة إلى صدرها لتبكي بـ عُنف غيرُ آبهه لما وعدها به “حُريتها”..إن كان بقاؤها هُنا عَلمها شيئًا فـ لن يكون سوى “ألا تثق بـ مبدأ الحرية بـ مفهوهم”

***********************************

وصل رائف إلى وجهته ليصف سيارته وهو يعلم أنه مُراقب..ليهبط بـ وقاره المُعتاد ونظرة قاسية تعلو قسمات وجهه..وضع نظارة شمسية على عينيه ثم دلف إلى شركته التي كان يُديرها شقيقه

إنتفض الجميع واقفًا يُهنئ رائف على رجوعه مُجددًا وهو يرد عليهم بـ إماءة بسيطة..لم يخلُ الوسط المُحيط به من التعجب والهمهمات التي وصلته واضحة عن كيفية عودته إلى العمل و زوجته قد توفت مُنذ ما يقرب عشرةً أيام

إستقل المصعد حتى وصل إلى مكتبه القديم..فتح الباب ليجد والده وشخصًا آخر بـ إنتظاره..نزع النظارة الشمسية ثم أردف وهو يُغلق الباب

-أسف على التأخير دا
-تولى مُحي الحديث:لأ أبدًا إحنا لسه جايين من خمس دقايق بس
-تمام…

جلس رائف بـ مقعده خلف المكتب وشابك يديه يتكئ بهما على سطح المكتب ثم تشدق بـ جدية

-نبدأ بقى بـ الجد!
-أومأ الشاب وقال:الأول أنا حابب أعرفك على نفسي..أنا سمير عابد ظابط شُرطة والدك كلمني وكلم الجهات المعنية بـ الأمر عشان الموضوع دا
-أومأ رائف وقال:وطبعًا قالك إني اللي هدخل وسطهم
-أيوة ودا شئ كويس..رغم أنك هتقابل عقبات كتير لكن حضرتك أدها…

وضع سمير بعض الأوراق أمام رائف الذي تناولها فـ أوضح له الأول ما تحتويه هذه الأوراق

-دي معلومات عن جهاد الطليمي..هو كان عايش فـ حي بسيط مع أهله قبل أما والده يتقتل و أمه تتجوز واحد تاني…

صمت وهو يُحدق بـ رائف الذي يتفحص الأوراق بـ إهتمام ثم أكمل

-من تحرياتي عنه..اللي حواليه قالوا إنه و أمه كانوا بيتعرضوا للضرب من الراجل اللي اسمه رحيم جوز أمه..ودا من الصريخ والدوشة اللي بتطلع من البيت
-قاطعه رائف وهو يقول بـ عدم إهتمام:وأنا إيه دخلي بـ كل دا!
-رمقه مُحي بـ تحذير وقال:أصبر يا رائف..خلي حضرة الظابط يكمل كلامه…

أشار رائف بـ يده بـ معني أكمل وهو يتأفف بـ ضيق ليُكمل سمير وهو يُخرج إحدى الأوراق

-المهم فـ الموضوع إن العيلة كلها إختفت فجأة..وبعدين ظهرت الأم و بعدين جهاد دا بعد حوالي خمس سنين بعد الإختفاء..اللي أنا بخمنه إن جهاد مجرد طابية فـ اللعبة كلها
-أردف رائف:طب ودا معروف
-تشدق سمير دون الإلتفات إلى حديثه:اللي بفكر فيه إن جوز أمه يا إما إتقتل يا إما هرب..بس اللي مُتأكد منه..إنه له إيد فـ اللي جهاد بيعمله..وهو دا الخيط اللي هيخلينا نوصل أسرع لـ اللي بيدير الموضوع دا هنا
-تساءل مُحي:طب وهنجيب جوز أمه منين؟!
-أجابه سمير بـ جدية:سيب الموضوع دا عليا..لو إتقتل أكيد هوصل ولو هربان هجيبه..وغير كدا أنا حاطط مراقبة على بيت أمه لأن جهاد بيتردد عليه كتير ودا ممكن يوصلنا لحاجة…

أعطى سمير الورقة لـ رائف ثم تشدق

-دي البنت اللي المفروض إنها بتشتغل معاهم..حاول تلقطها ودي هتكون أول حاجة تساعدنا من جوه بعدك..إحفظ ملامحها كويس عشان هتحرق الورقة دي تمامًا…

حدق بها رائف جيدًا قبل أن يُمزق الورقة وكافة المعلومات عنها..ثم قام بـ حرقها بعدما أخرج قداحة من أحد أدراج مكتبه

نهض بعدها وقال بـ جدية

-أنا هعمل كام حاجة وبعدين هروح النهاردة..خليكوا معايا على طول…

نهض سمير وتقدم منه ثم مدّ يده بـ شئٍ صغير وأدرف

-دا جهاز تصنت..واحد ليك و واحد للبنت..أحنا عاوزين نعرف الكبيرة والصغيرة هناك
-وضعهم بـ جيبه وقال:تمام..هستأذن أنا بقى…

خرج رائف وتركهم ليتساءل سمير بـ شك

-هنقدر نعتمد عليه يا دكتور!
-أومأ قائلًا بـ تأكيد:الموضوع بقى شخصي بـ النسباله..فـ متقلقش..رائف مش هيستريح إلا لما يخلص عليهم تمامًا…

************************************

وصل أحمد إلى منزله ليجده فارغ كـ عادته..ألقى مفاتيحه بـ عدم إهتمام ثم دلف إلى مرحاض وأخذ حمامًا عله يُزيل إرهاق يومًا كاملًا من العمل

بعدما خرج قام بـ إعداد شطيرةً ما ثم إتجه إلى التلفاز وهو لا يُتابعه حقًا..بل كل تفكيره مُنصب على دوره بما سيحدث وتلك الصغيرة..نهلة

إبتسم وهو يتذكر أحداث أمس..كانت تُمسك يده وكأنه والدها وكم أعجبه هذا!..وضع يده خلف رأسه وراح يُفكر لما لا يعودان كـ سابق عهديهما

هي لم تكن خائنة بل كانت ضحية..هي أول من أحب..هو تزوج سوزي والدة طفلته وأحبها حقًا وإعتاد حياته معها..ولكن ظهور نهلة من جديد جعل موازينه تختل..صحيح يشتاق زوجته كثيرًا ويرثي غيابها عنه ولكن قلبه الملعون بـ حب تلك الجميلة

تنهد بـ ثقل وسحب هاتفه يتعلل أتصاله بها بـ غرض الإطمئنان عليها لا أكثر

إنتظر قليلًا حتى أتاه صوتها الرقيق

-ألو
-حمحم وأجاب:ألو..إزيك يا نهلة!
-كويسة..وأنت!
-إبتسم وقال:بقيت كويس دلوقتي
-أتاه صوتها القلق:ليه أنت كنت تعبان!…

وضع يده على فمه يضحك بـ خفوت ثم أردف

-أه..يوم طويل عريض من الشغل..بصراحة هلكني جدًا
-تشدقت نهلة بـ تعاطف:معلش يا أحمد..دا شغلك برضو…

ساد الصمت لعدة لحظات قبل أن يقطعه أحمد وهو يتوجه إلى الشُرفة

-بتعملي إيه!
-رفعت نهلة منكبيها وقالت:قاعدة مع غيث فـ البلكونة…

سمعته يضحك لتسأله بـ عقدة حاجب وشفتيها تبتسم لضحكه

-بتضحك ليه!
-أصلي أنا كمان فـ البلكونة
-بجد!
-حرك رأسه وقال:أه والله…

إبتسمت نهلة بـ رقة لتسمعه يتنهد فـ سألته بـ إرتباك

مالك!-
أخرج زفيرًا وقال:بفكر أخد شقة فـ نفس العمارة عشان أكون –
قريب منكوا..لأني قلقان ومش مطمن
-ردت عليه بـ عذوبة:إحنا كويسين متقلقش
-رد نافيًا بـ قوة:لأ أقلق يا نهلة..خصوصًا أنتوا أمانة…

صمتت قليلًا وقبل أن تتحدث كان هو يستكمل حديثه بـ نبرةٍ عميقة جعلت وجهها يبهت من الصدمة

-خصوصًا إنك بعيد عن عيني..محتاج أشوفك طول الوقت عشان أطمن..عشان قلبي يطمن…

حبست أنفاسها ولم تجد القدرة على الحديث..نظرت إلى غيث الذي يلعب بـ صمت ثم عادت تنظر إلى الطريق أمامها ليقول هو بـ تعجب

-أنتِ معايا يا نهلة مش كدا!
-تلعثمت قائلة:آآ..أه
-إبتسم وقال بـ مرح:بحسبك نمتي ولا حاجة
-ردت عليه بـ حنق:رخم على فكرة..رخم أوفر يعني…

ضحك أحمد بـ إستمتاع لتبتسم نهلة بـ خجل..قبضت على الهاتف ثم تنشقت الهواء وسألته قبل أن تفقد شجاعتها

-هو أنت ليه خايف عليا أوي!
-أجابها بـ دهشة:عشان مش مطمن وأنتِ بعيد
-زفرت بـ ضيق وأردفت:وليه مش مطمن وأنا بعيد!..فيه حراس على فكرة قدام البيت…

فتح فمه ينوي الرد بما يقتضيه المنطق..ولكن الحروف أبت الخروج..زفر بـ قوة ثم قال بـ نبرة قوية أسرت الرجفة بـ جسدها

-عشان أنتِ تهميني..عشان قلبي عاوزك قريبة منه…

إتسعت عيناها بـ قوة وضربات قلبها أصبحت تصم أُذنيها..حبست الهواء بـ رئتيها وفقدت قُدرتها على الحديث..لتسمع بعدها صوته وهو يُكمل بـ نفس النبرة القوية

-دي أكتر إجابة منطقية ممكن أقولها..وغير اللي فكرت أرد بيه بـ دبلوماسية..دي إجابة نابعة من جوايا يا نهلة…

تفاجئ أحمد من صوتها المُتلعثم وهي تقول على عجل

-تصبح على خير يا أحمد..ماما بتنادي عليا…

ثم أغلقت الهاتف وضمته إلى صدرها..تبتسم بـ سعادة..وضعت ظاهر يديها على وجنتيها اللتين تتشتعلان بـ وهج الخجل والحماس..لتقفز عدة مرات قبل أن تُقبل إبن شقيقها هاتفة بـ سعادة تطرق بابها بعد غيابها الطويل

-طلعت مهمة عنده زي ما هو مُهم..وشك حلو يا حبيب عمتو…

وعلى الجانب الآخر نظر أحمد إلى الهاتف بـ صدمة قبل أن يبتسم ثم أخرج تنهيدًا حار من فمه يتكئ على سور الشُرفة بـ مرفقيه يترك لخياله العنان بـ تصور خجلها وتوترها اللذين تُعاني منهما الآن

نظر إلى الحلقة الفضية بـ بنصره الأيسر ثم أزاله مُتشدقًا

-أسف يا حبيبتي..بس قلبي دق تاني..وبرضو ليكِ مكانتك المميزة جوايا محدش هيقرب منها…

************************************

نظر رائف إلى ذلك المكان بـ تقزز ها هو يعود بعد غياب دام ثلاثة أعوام..مُنذ أن خطت زهرته إلى حياته وهو ترك هذا المكان بلا عودة

تنهد بـ ثقل وسار بـ بُطء بـ المكان بـ غرض لفت الأنظار إليه حتى وصل إلى المكان المنشود

وبـ غُرفة جهاد إبتسم بـ مكر وهو يرى الذئب يعود إلى وكره..موطنه الأصلي..لم يكن يعتقد أنه سيسلم من جديد بـ تلك السرعة..حقًا تلك الفتاة كانت القيود التي تمنع شراسته بـ الخروج

رفع سماعة الهاتفة أردف بـ جمود

-جهوزا البنت الجديدة..ونزلوها على تحت خليها تقع قدام رائف…

ثم أغلق الهاتف ونهض يتجه إلى غُرفتها..إنتظر بعض الوقت حتى خرجت بـ زيها الفاضح..رغم إمتعاض ملامحه والغضب الذب تسرب إليه إلا أنه حافظ على جمود ملامحه

عندما مرت بـ جانبه لاحظ إرتعاشة جسدها ليقبض على مرفقها جاذبًا إياها إليه ثم همس بـ تحذير

-متخليهوش يلمسك..سامعة!…

أبعدت يده عنها بـ حدة و تحركت بعيدًا عنه..لكم الحائط بجواره ثم عاد إلى غُرفته يُتابع ما سيحدث

كان رائف يجلس على أحد الطاولات وهو يدور باحثًا عن تلك الملامح إلا أنه لم يجدها..زفر بـ ضيق و وضع يده بـ جيب بنطاله الأسود

رفع رأسه عندما أتى النادل يُرحب به بـ حبور وكيف لا وهو أشهر ضيف كان يتردد بـ ذلك المكان قبل سنوات

-رائف باشا!..نورتنا والله..إيه الغيبة دي كلها!
-رد رائف بـ فتور:مشاغل بقى..المهم هاتلي كاسي اللي أنت عارفه..وحضر الأوضة بتاعتي..شكلي كدا هرجع لأيام زمان تاني
-عنيا يا باشا..ثواني وطلبك يجهز…

أومأ رائف ليرحل النادل..توقف عن المراقبة حتى لا يلفت الأنظار إليه..حتى أتى النادل واضعًا أمامه ما طلبه ثم رحل..هنا وحدث ما ينتظره..يراها على الحقيقة لا مُجرد صورة تُشبهها..تُشبه صغيرته..حبس أنفاسه ثم أشغل نفسه بـ هاتفه وهو يراها بعيدًا عنه

وهو بـ الأعلى يُراقب رائف و ما يحدث عندما لفتت أنظاره تلك الفتاة التي ترتدي ملابس فاضحة تكشف جسدها..وهي تتلوى بـ جسدها من هذا الوحش الذي يُحاول الإنقضاض عليها..ليترك كأس الخمر من يده..ويتجه فورًا إليها..سحبها من خصرها بـ قوة جعلتها تشهق..فزعة مما حدث..تفرس النظر إلى وجهها البرئ وكان مُصيبًا..وااااه من ذلك الوجه الذي يُشبه إلى حدٍ كبير محبوبته الضائعة

أبعد ناظريه عنها ونظر إلى ذلك الثمل ثم قال بـ غلظة

-البت دي تلزمني
-ليرد صاحب الجسد المُترهل..قائلًا بـ حدة:يعني إيه!..أنا اللي واخدها الأول

بـ الطبع المكان مملؤ بـ العاهرات ولكنها هدفه..فـ تلك الفتاة تُشعل بـ داخله ذكرى زوجته..من خفق قلبه لأجلها..من أمنت مكر الذئب

أتى العامل يهرع وهو يقول بـ تهدئة بعدما لاحظ حدة الشجار الذي على وشك النشوب

-رائف بيه!..خير!!
-تتطلع إليه رائف بـ برود ثم قال بـ صوتٍ قاتم:جهزلي الأوضة..عشان هقضي الليلة دي هنا…

ثم سحب الفتاة خلفه دون نبس حرف

تنشق العامل الهواء وهو يُشير إلى جهاد الذي كانت جمرتين مُشتعلتين من النيران بـ أن كل شئ سار وفق الخطة..فـ إستدار على عقبيه يُمسك بـ تحفة أثرية وقذفها بـ الحائط لتتناثر إلى أشلاء من شدة غضبه

وعلى الجانب الآخر ما أن وصل إلى غُرفته المُخصصة حتى فتحها ودفعها لـ تدلف..أستشعر إرتجافتها بين يديه ولكنه لم يُبدِ أي رد فعل

أغلق الباب خلفه وتبعها..وجدها تجلس على الفراش مُنكمشة على نفسها بـ خوف..مسح بـ يده على وجهه ثم إقترب منها لتنكمش أكثر

أغمضت نجلاء عينيها بـ خوف وهي تراه ينزع قميصه الأسود ولكنها سُرعان ما إتسعت بـ دهشة عندما وضع القميص على جسدها يستر عريها أمامه

رفعت أنظارها إليه سريعًا ليقول بـ نبرة مُطمئنة

-متخافيش أنا مش هعملك حاجة…

ضمت القميص على جسدها أكثر دون أن ترد..ولكن بقت عينيها تُحدق بـ خاصته ليبتعد عنها حتى مُنتصف الفراش ثم أردف

-أنا اسمي رائف..أنتِ نجلاء مش كدا!
-إهتزت حدقيتها وهي تسأله بـ صدمة:أنت تعرفني
-أومأ بـ تأكيد وقال:طبعًا أنا هنا مخصوص عشانك
-مش..مش فاهمة
-وضح قائلًا:والدتك طلبت مني أساعدها عشان ندور عليكِ..وبعدين الظروف رمتني هنا عشان أساعدك…

نهض عن الفراش ثم قال وهو يضع يديه بـ جيبي بنطاله

-أنا جاي عشان أخرجك من المكان القذر دا..أنا هنا حبل نجاتك يا نجلاء…

 

error: