رواية روضت الذئب بقلم اسراء على/كاملة

رواية روضت الذئب بقلم اسراء على الفصل السادس

 

بداخلي خراب كبير وأمل كبير ولا أدري أيُهما أنا!!!…

فتحت جفنيها الناعسين بـ تكاسل وهي تشعر بـ طرقات طفولية على باب غُرفتهم يصحبها بُكاء ناعم..شهقت إسراء بـ خفة وهمسة مذعورة

-غيث!!!…

إبتعدت عن أحضان رائف بـ خفة ثم إرتدت مئزرها وتحركت إلى حيث يقبع طفلها..فتحت الباب لتجد الصغير جالس أرضًا يفتح ذراعيه إليها لكي تحمله وجفنيه حمراوين من كثرة البُكاء..شهقت بـ لوعة أموموية وهي ترفعه بين ذراعيها وتُشبعه تقبيلًا

تحركت بعيدًا عن الغُرفة وأغلقت الباب خلفها..إتجهت بـ غيث إلى المطبخ تُعد له الطعام تواسيه عن تغافلها عنه تلك الساعات التي قضتها بين أحضان ذئبها..إبتسمت وهي تُداعبه بـ رقة وقد إستجاب الصغير بـ صدرٍ رحب..وضعت قُبلة على جبينه وقالت بـ حزن

-أسفة يا روح ماما…

إبتسم الصغير وهو يُداعب وجنتها بـ أصابعه الصغيرة دون أن يفقه لما تقوله..أخذت يده وقَبّلت باطنها..إنتهت من إعداد الطعام ثم وضعته على مقعده المُخصص وبدأت في إطعامه

أحست بـ يده تلتف حول خصرها لتشهق وهي تستشعر شفتاه تسير على عُنقها بـ رقة ثم هتف بـ مُزاح

-مش عيب أما تصحي تأكلي إبنك وسايبة أبوه يقوم من غير أما يلاقي حضن يدفى بيه!!…

حمحمت إسراء بـ إرتباك وهي تنظر إلى صغيرها الذي يُراقبهم بـ عقدة حاجب لتكزه بـ صدره قائلة بـ عتاب وخجل لذيذ

-عيب كدا..مش قدام إبنك
-تراقص بـ حاجبيه قائلًا بـ عبث:هو فاهم حاجة!
-غمغمت بـ نزق:بكرة يفهم…

قهقه رائف وهو يتخذ بـ جانبها مقعد ولم ينسَ أن يُقبل صغيره ويُداعب خُصلاته الناعمة ثم قال وهو يتكئ بـ وجنته على قبضته بـ عبث ولؤم

-طب أكليني!
-رفعت حاجبها بـ عدم فهم هاتفة:أأكلك إيه!…

عض على شفاه السُفلى بـ وهو ينظر إلى فتحة المئزر بـ جرأة جعلتها تشهق بـ خجل فـ إنسكب محتويات المُلعقة على ثيابها..ليقول رائف بـ خبث مُصطنع الأسف

-تؤتؤتؤ..كدا بوظتي الهدوم الجميلة دي!..مش تاخدي بالك يا زهور
-دلكت جبهتها بـ تعب ثم قالت يائسة:رائف حبيبي..قوم كُل ولا شوف هتعمل إيه
-رفع منكباه بـ لامُبالاة وقال:معنديش حاجة أعملها..فاضيلك..غير بقى…

صمت وهو يغمزها مُشيرًا بـ رأسه إلى تلك الغُرفة..فـ إشتعلت وجنتها بـ خجل وبـ حركة لا إرادية..ضربت رأسه بـ ملعقة الطعام الخاصة بـ غيث..رغم قوة ضربتها إلا أنها لم تؤلمه بل جعلت حاجباه يرتفعان بـ عبث..جعلها هذه المرة تضرب ساقه بـ قدها ليرتفع حاجباه أكثر دون أن يرد

حركت إسراء رأسها يائسًا ولم ترد..بل أكملت إطعام الصغير الذي حملته بعدما إنتهى من طعامه ثم أجلسته أمام التلفاز..كل هذا يحدث تحت أنظار رائف عاري الصدر “دائمًا”..طوال السنة..بـ جميع فصول السنة..يبقى عاري الصدر..وكأنه يُشاكسها بـ هذا المظهر الجرئ..ولكنها لم تعتاده أبدًا..فـ رائف إقتحمها سريعًا دون أن يترك لها الفرصة لإستكشافه..رغم سنوات الزواج التي قاربت الثلاث إلا أنها لم تعرف عنه الكثير والذي أكد حدسها يوم فض الوصية والذي صرح به الطبيب عن “دلوفه المصحة”..بدأت تشعر أنها لا تعرف عنه إلا ما يُريدها أن تعرفه

عكسه تمامًا فـ هو إخترقها بـ خُبث..كان دائمًا يُخبرها أنها تُشبه “طروادة” حصونها منيعة أمام القوة العسكرية ولكنها هشة أمام الخُبث الذي تسلح به “أخيليس”لكي يصل إلى محبوبته “برسيس”..أسطورة صورت واقع”رائف وزهرة” فـ كانت إسراء هي “طروادة” و زهرة هي “برسيس”..وكلامها يُشكلان جُزء لا يتجزأ منه يعشق كِلتاهما ولكن زهرة!!..لم تكن عشق بل مرساة وأمان..هدف سامي لم يصله إلا عندما إقتحم أسوار إسراء حصنها المنيع أمامه وأمام الجميع..تلتحف بـ ذلك الحصن بـ أوقات يحتاج حقًا بها إليه

تنهدت بـ حرارة ولم تستشعر أن صوت تنهيدتها العالية التي وصلته فـ جعلته ينهض ليستند بـ ظهره على طرف القطعة الرُخامية بـ جوارها وهي تُعد الإفطار لهما يعقد ذراعيه أمام صدره ويسألها بـ إهتمام

-مالك يا زهرة!
-نظرت إليه بـ إستفهام:مالي في إيه!
-مط شفتيه وقال:من ساعة أما رجعنا من عند أهلك وأنتي غريبة
-حركت رأسها نافية بـ توتر:خالص..أنا بس آآ…

قاطعها رائف وهو يُشير بـ يده أن يصمت فـ صمتت..ليجذبها من خصرها إليه يُقربها إلى صدره الذي يطمئن بـ وجودها ثم قال بـت
لهجة تقريرية

-جايز مفكراني مش واخد بالي..بس أنا عارفك يا زهرة..قوليلي مالك!..حاسس إن الموضوع اللي كانوا أهلك عاوزينك فيه هو اللي شقلب كيانك كدا!
-تنهدت وهي تستند على صدرها قائلة:والله مش عارفة يا رائف..بس هو فعلًا الموضوع دا..عاملي هاجس..مش هاجس بس..لأ دا خوف و رعب…

أتسعت عينا رائف بـ قلق ليزيد من ضمه إليها وقد إنتقل خوفها إليه ثم قال بـ إهتمام

-طب عرفيني عشان أساعدك
-ترجمت أفكارها دون أن تدري:أنت بذات مش عاوزاك تعرف
-عقد حاجبيه وتساءل:أنا بالذات!..في إيه يا زهرة متقلقنيش؟…

هدر بـ العبارة الأخيرة بـ قليل من العُنف فـ إستشعر رجفتها ليُمسك كفيها ويجذبها لكي تجلس..ولكنه جلس وأجلسها على ساقيه وقال بـ حزم

-من غير لف ودوران إحكيلي ومتخبيش أي تفصيلة…

************************************

جففت هايدي يدها بعدما أنهت صُنع الإفطار الكارثي..فـ هي وكما يقول طارق “مفيش بينك وبين المطبخ عمار”..ولكنها كانت تصر دائمًا على صُنع الإفطار حتى تتعلم..وكل مرة طعام كارثي وطارق مُجبر أن يُخبرها أنه رائع بل أكثر من رائع..ويخرج إلى عمله ولكن قبل أن يتجه إلى رحمة زوجة والده تُطعمه..فـ والدته قد قررت السفر والإبتعاد في بعض الأعمال الخيرية تتلهى بها بعيدًا حتى تُلملم شتات روحها المُمزقة..حتى عند موت جدته عادت وقامت بواجب عزائها كأي شقيقة ثم رحلت حتى دون إنتظار فتح الوصية

إتجهت إلى غُرفتهما لتجد طارق قد أنهى إرتداء ثيابه..وضع عطره وإبتسم عندما نظر إلى المرآة و وجدها تنظر إليه بـ ذلك العشق الذي لم ينقص بل يزداد مع إزدياد تمسكه بها وعدم الإنجراف ورائها بـ حديثها الذي لا معنى له بـ الزواج من أُخرى وإنجاب الأطفال بعدما إكتشفا أنها تُعاني خللًا ما بـ رحمها يقضي على قدرتها بـ الإنجاب

إلتفت طارق إليها ثم أمسك كِلا كفيها يُقبلهما بـ رقة هامسًا

-صباح الورد يا ورد
-بادلته هي الأُخرى قُبلاته على كفه ثم همست:صباح النور يا حبيبي..يلا عشان نفطر…

تلاشت إبتسامته بـ تدريج ليحل محله آخر أكثر توجسًا لتُضيق هايدي عينيها ثم هتفت بـ شر

-مش حطالك دقيق بدل الملح يا طارق..ولا عملتلك البيض بـ قشره المرادي ولا حطيت بودر بدل السكر فـ الشاي..بتعلم والمفروض تكون طاير من الفرحة عشان خاطر مراتك
-حك خلف عنقه وقال:مش قصدي يا حبيبي..بس أنتِ عارفة..إني بحب أروح الشُغل خفيف
-أشارت بـ يدها بـ حزم:يلا يا طارق
-إمتعضت ملامحه ثم غمغم بـ حنق:بكرهك لما بتتحولي لسُعاد هانم الأسيوطي…

وفجأة تعلقت بـ عُنقه تُقبل وجنته ثم وضعت يدها بـ مرفقه ليبتسم بـ دفء على زوجته..فـ هو لم يكن يتوقع أن يشكر تلك الذلة التي حدثت معهما مُنذ زمن لتجعله زوجته..والإستقرار الذي يشعر به معها..مال إليها يُقبل جانب عينها ثم توجها إلى طاولة الطعام

لم ينكر الرائحة الشهية التي تسللت إلى أنفه ولكن “المظاهر خداعة”..فـ الرائحة الشهية لا تدل على لذة الطعام..جلس وهو يتأمل الأصناف البسيطة بـ إبتسامة أكثر دفئًا وعذوبة..فـ هي تجتهد من أجله..من أجله هو فقط

تلى الشهادتين ثم بدأ في تذوق الطعام تحت نظراتها المُتلهفة..لم يكن يتوقع أن يتحسن مستوى طعامها إلى تلك الدرجة فـ هو “مقبول” عكس ما سبق..فـ السابق كان “كارثي” بكل ما تعنيه الكلمة من معنى..إرتسمت إبتسامة صادقة على شفتيه وهو يقول

-في تطور كبير ما شاء الله..الأكل حلو يا دودو..تسلم إيدك
-شهقت بـ عدم تصديق:بتتكلم جد؟..يعني طلع حلو
-أومأ بـ رأسه وقال:لو هطلعيه حلو كدا كل مرة..هروح الشركة تقيل..يلا إفطري…

إرتسمت إبتسامة مُشرقة على وجهها وهي تستمع إلى حديثه وكأنه أكثر الحديث غزلًا قد تسمعه..ولكن ذلك الموضوع الذي شَغَلَ عقلها ليلًا وحتى الصباح وهي تعد الطعام..فـ ظهر هذا التفكير جليًا على وجهها ولمحه طارق على الفور ليسألها بـ إهتمام وهو يرتشف من كأس عصيره الطازج

-بتفكري فـ إيه يا هايدي!
-رمقته بـ توتر قائلة:لا أبدًا
-أمسك يدها وقال بـ نبرته الدافئة:قولي ومتخافيش يا هايدي..قولي يا حبيبي…

إبتسامته الدافئة وإمساكه ليدها..نبرته التي يخصها بها عندما يُلاحظ توترها أو خوفها..وللحق لم يخذلها مرة..فـ مهما بلغ غضبه منها لا يثور أو يصبه عليها..إبتلعت ريقها بـ توتر ثم قالت بـ تلعثم

-كـ..كنت..يـ..آآ..أوووف…

زفرت وهي تفشل في لملمة كلمتين تُخبره بها رغبتها..لكنه لا يزال يُحافظ على إبتسامته وإمساكه ليدها وكأنهما إثبات على تمسكه بها وبُرهان على عدم تخليه عنها..لتأخذ نفسًا عميق ثم قالت

-عاوزة أتبنى طفل…

ساد صمت مُهيب بينهما..لا هو ترك يدها ولا أزال إبتسامته..ولا هي تركت عيناه التي شعرت بـ جمودها لثوان ثم عادت لطبيعتها..إنتظرت ثورته..إنتظرت غضبه..صُراخه..إنتظرت وإنتظرت وإنتظرت ولكن صمت..كل ما قابلها هو صمت..بعدها تفاجأت وهو ينهض وتلك الإبتسامة الدافئة والتي أضحت بغيضة حاليًا يُقبل جبينها ثم قال

-أنا رايح الشُغل يا حبيبتي عشان إتأخرت…

ولم يُهملها وقت للرد..فـ رحل وتركها ونظرتها المصدومة تتحول إلى أُخرى مُتألمة وهى تراه يبتعد عنها دون أن يُحادثها بـ الأمر أو يُعطيه أهمية وكأنها هواء ولم تتحدث..لو يعلم رغبتها القوية في إمتلاك حق الأمومة التي حُرمت منها دون إرادةً منها..وكأن الله يُعاقبها على ما إقترفته قبلًا..تنهدت وهي تُخفض رأسها فـ تسابقت العبرات بـ الهطول على يديها التي تفركها بـ قسوة وألم نابع من أمومة لن تشعر بها أبدًا وخاصةً أن طارق يفرض أن يكون لهما طفل لن تكون هي والدته

************************************

نهض عن الفراش..نهض عنها بعدما أضحت جثة هامدة..روحها لم تُغادر جسدها ولكن ما غادرها أسوء..بل ما إنتزعه منها أسوء..فـ أضحت خاوية روحها هامدة راكدة..عيناها مُتسعتان تُحدقان بـ سقف الغُرفة بـ عدم تصديق..لم تُصدق أن يأخذ منها ما حافظت عليه طوال تلك الفترة الماضية..لمحات مما حدث في الساعات الماضية مرت عليها

“صفعها لتسقط أرضًا..ثم أمسك خُصلاتها يرفع رأسها بـ قسوة آلمتها ليتشدق بعدها بـ فحيح أسرى الرُعب بـ داخلها

-جهاد لما بتعجبه حاجة مبيسبهاش..جهاد بياخد من غير أما يدي…

جذبها لتنهض صارخة..ليرميها على الفراش..إرتعدت وصرخت وقد تيقنت ما سيحدث..ستهلك بين يداه لا محالة..حاولت النهوض ولكنه رمى بـ ثقل جسده عليها مانعًا إياها من الحراك..ظلت تتلوى أسفله ولكنه كبّلها جيدًا..وعلى وجهه إبتسامة مُرعبة وعيناه السوداوين تُظلم أكثر فـ تسحب روحها بـ قوة

صفعة فـ أُخرى وأُخرى حتى بدأت تترنح..فـ إستغل فترة اللاوعي التي إستمرت دقيقة كانت كفيلة بـ أن يُقيد إحدى يديها لتعود وتتلوى فـ يعود ويصفعها..يُغادرها وعيها دقائق تمكن هو منها..قيد ساقيها ويديها بـ الفراش وإنتظرها تستيقظ بـ عينان تستبيحان جسدها بـ تقزز يثير الغثيان

وإستفاقت..لتراه ينزع قميصه ليظهر صدره القوي ، الصلب الملئ بـ جروح ليست مُنفرة ولكنها تشي بـ تعرض له من قسوة ولكنها لا توازي قسوة عيناه وتلذذه القذر بـ جسدها الذي يلتوى وصراخها المتوسل

-أبوس إيدك بلاش..بلاش وإرحمني
-إلتوى فمه بـ شبه إبتسامة هادرًا:الرحمة دي صفة مش موجودة فـ قاموسي
-حركت رأسها بـ عنف وصرحت بـ رجاء:طب بلاش الرحمة..سبني أبوس إيدك وأنا هكون خدامة تحت رجليك…

نزع عنه حزام بنطاله ثم جلس على الفراش بـ جانبها فـ صرخت بـ قهر وجسدها لا يزال يتلوى مُحاولًا الفكاك..وضع يده على معدتها والأُخرى تُزيح خُصلاتها لتمتعض ملامحها بـ تقزز ثم همس وهو يـ يبتسم بـ لُطف

-بس أنا مش عاوزك خدامة..أنا عاوزك ليا
-صرخت بـ إهتياج:وأنا مش عاوزاك..أنا بكرهك حرااااام
-حرك جبهته على صدغها وهمس:مش مهم عاوزاني ولا لأ..المهم إني عاوزك..وطالما أنا عاوزك يبقى ملكيش حق الإعتراض…

صرخت صرخة كانت مصيرها جوفه وهو يُمزق ثوبها ويستبيح جسدها..يُردد بـ أُذنها عن جمالها وأنها سرقت عقله وأعجبته..وحينها أعلنها أنها عاهرته الخاصة”

كانت أنفاسها البطيئة هي الدليل الوحيد على أنها لا تزال على قيد الحياة..لا تبكي ولا تصرخ..جثة هامدة فقدت الحياة ولكنها لم تفقد روحها الخاوية..بل هي وعاء فارغ..جسد أُنتهك و روح تمزقت

إرتدى بنطاله دون أن ينظر إليها بل إتجه إلى مقعد وثير يجاوره قنينة النبيذ يسكب ويرتشفه وهو يُحدق بها..لم يشعر بـ أي ندم بل سيُكرر ذلك التواصل الذي أوصله لذورة نشوته

لم تكن الأولى بـ الطبع ولكنها ستكون الأولى بـ ترسيخها داخله وستكون الأخيرة..ستكون له وحده..أُنثى بل شبه أُنثى ما بقى منها بعد إنتهاكه لها..ولكنه لا يعِده إنتهاك بل تواصل وحق..وهى له حتى وإن أخذها بـ التعدي الجسدي..ولكنه وشمها به..أصبحت دُميته لا أكثر

إذًا لما الإحساس بـ النقص..ألم تُحقق ما أردته مُنذ أن خطت ساقها هذا المكان..يعلم ويتيقن أنها لم تسمح لرجل أيٍ كان بـ لمسها..وهذا جعله أكثر نشوة وسعادة أنه سيكون أول من يستحق جسدها

وضع يده على جبينه وعيناه لا تحيد عنها..رُبما تلك البراءة القاتلة التي لم تفقدها حتى الآن هي ما تُؤرقه!..لا يُريدها بـ تلك الدرجة من البراءة..بل يُريدها جامحة قوية وليست هشة..يُريدها أن تُريده أن تُخبره أنه رجُلها الوحيد

قذف الكأس بـ عنف ليسقط مُتهشمًا..ثم توجه إليها..لا تزال على شاكلتها لم تتحرك ولا تبكي فقط تحولت إلى صخرٍ وأنفاس ثقيلة تخرج وتدخل..جلس بجوارها ليدثرها جيدًا هامسًا وهو يُداعب خُصلاتها

-أخيرًا بقيتي ملكي..متفهميش غلط دا مش حُب..دا حُب إمتلاك..شئ جديد حبيت أمتلكه وخلاص…

نظر إلى عينيها الجاحظتين دون أي يرف جفنيها..ليتنهد بـ ثقل وهو يضع رأسه على صدرها يستمع إلى دقاتها البطيئة ثم أردف ولا تزال يداه تُداعب خُصلاتها

-الموضوع وما فيه..إن دا شُغلي دا جزء مني…

نهض ثم نظر إلى عينيها وقال وكأنها تستمع إليه بـ إهتمام

-أقولك على سر!..الواحد كان لازم يقتل الإنسانية أو أي مشاعر ممكن تحركه غير الشهوة…

دفن وجهه بـ عنقها ويده تلتف حول خصرها ثم أكمل

-متاخديش اللي حصل بـ شكل شخصي..المفروض تُشكريني..أيوة أشكريني..هنا الغلطة مش بـ جون لأ الغلطة بـ قطع رقبة..وأنا هنا دوري أدربك وأعلمك تبعدي عن الغلطة دي…

شدد يده على خصرها وإرتفع بـ جسده على الفراش ثم أكمل ويده بدأت تتحرك من خُصلاتها إلى وجنتها ثم شفتيها وتوقف هُناك

-بكرة تعرفي إني عندي حق..بكرة هتتأقلمي..بـ وعدك إن مفيش حد هيلمسك غيري..أنا مقدرش أمنعك من الشغل عشان زي ما قولتلك الغلطة بـ قطع رقبة..بس هوصيكي متخليش حد يلمسك وأنا هكون فـ ضهرك وهخليكي ليا لوحدي…

كل ما دار بـ عقلها تلك اللحظة أنه مريض..مُختل عقليًا..لم يكن بـ الإنسان الطبيعي..خرجت منها أول صرخة مذبوحة مُنذ ساعات وهي تستشعر يده بدأت تُزيح الغطاء مرةً أُخرى كأنه لم يكتفي بـ ذبحها مرة بل يبدو أنها لُعبة وقد أعجبته

***********************************

***********************************

إنتهت من سرد ما قصته والدتها عليه ليبقى رائف جامدًا لا يظهر على وجهه أي تعابير سوى الألم والغضب..ولكن تظل جامدة..لم تكن تعلم أن وجهه يستطيه جمع كُل تلك المشاعر جُملةً واحدة..لم تنتظر رده بل وضعت وجهها بـ عنقه وأكملت بـ غصة مُسننة تؤلمه وتؤلمها

-مكنتش متوقعة إننا بقينا فـ غابة كدا..إنعدم الضمير والإنسانية والأهم الدين وبقت الشهوات والشيطان يسوقنا..نقتل ونبرر القتل وننتهك ونبرر الإنتهاك..بقينا فـ غابة ومش عارفين أنهي قانون اللي حاكمنا..قانون الغاب ولا القانون المدني!…

إستشعرت تصلب عضلاته لتضمه إليها وهي تستشعر ألمه..يُخبرها بـ صمت أنه لم ينسَ ما فعله بها لتُكمل

-أنا إخترتك أماني يا رائف بعد كل اللي حصل..وشفت نفسي فـ البنت دي وجايز العصابة دي رجعت تشتغل تاني أو يمكن أصلًا مبطلتش..ولما ماما طلبت مني المساعدة منك..كنت عارفة ومتأكدة إنك مش هتخذلني..لأنك أكيد شوفتها أنا…

إبتعدت عن عنقه لتحاوط وجهه بين يديها ثم قالت بـ حنو تتجاهل نظرة العتاب التي إرتسمت بـ عيناه

-عشان خاطري يا رائف..أنا مش عارفة البنت دي بيجرالها إيه أو هي فين دلوقتي!..بس هي على الأقل لازم ترجع لأمها
-إبتلع غصته وقال:عاوزاني أرجع للطريق دا تاني؟؟…

شهقت بـ فزع وقد تأكد حدسها..مهما الطريق الذي سيسلكه لن يؤدي سوى العودة إلى هوة الماضي وحلة..ضمت رأسه إلى صدرها وهمست بـ أنين

-لا يا رائف..أوعى ترجعله..أنت تقدر ترجع البنت من غير أمل تنغمس فـ الوحل دا
-صدر عنه ضحكة مُتهكمة ثم أردف:تفتكري يا زهرة!..أنا تعبت عما رجعت وإتزنت..لو إدخلت يستحيل أطلع من غير أما أتوسخ
-نهرته بـ حدة:رائف أنا رسخت فيك حاجات كافية تخلي ضميرك يوجعك لما تغلط…

قَبّلت أعلى رأسه ثم همست وهي تُداعب خُصلاته

-على فكرة..أنت ممكن تكلم معارفك فـ الداخلية يساعدوك ومن غير أما تطلع فـ الصورة كمان..عشان خاطري يا رائف..أنا حاسة إن نجاة البنت دي متعلق فـ رقبتك…

شدد رائف من يده حول خصرها وكأنه طفل صغير يستغيث بـ والدته..هو لم ولن ينسى ما حدث..لن يتخطى الماضي فـ هو لم يتصالح مع نفسه بعد وإن كان يتسول حبها حتى بعدما وجده لما لا يزال يشعر أنه شريد!..عيناه لم تُبصر الحقيقة كما تُبصرها زهرته..مُصالحة النفس هي الخطوة الأولى للمُضيّ قدمًا..لكي يشعر بـ الحُرية..لكي يستطيع التنفس وتمزيق صفحة سوداء حتى وإن كانت ناصعة البياض

رفع رأسه يُقبل ترقوتها ثم همس وهو يرسم شبه إبتسامة على وجهه

-طلبات الست زهرة أوامر..هعمل كل اللي أقدر عليه وأكتر
-إبتسمت بـ حنو وقالت:متخافش يا حبيبي..أنا جنبك وفـ ضهرك..هتلاقيني بسندك عشان متقعش…

حدق بـ عمق بُنيتها الساحرة بـ مُحيط زرقاوتيه..ليجذبها من عُقنها يُقبل صدغها هامسًا بـ نبرة خافتة

-مش عارف عملت إيه فـ دنيتي عشان ربنا يكافئني بيكِ..أنتِ مأوى لأي شريد يا زهرة بستاني
-لمعت عيناها وهي تتساءل:بُستانك!!
-أومأ بـ تأكيد قائلًا بـ قوة:أيوة بستان مفيهوش غير زهرة واحدة وبُرعم بيكبر معانا غيث..وأنا الشوك اللي هيحميكِ…

إبتسمت بـ عذوبة وإقتربت منه تٌقبل طرف أنفه ثم قالت بـ نبرة دافئة

-عارفة اللي بطلبه منك كتير….
-قاطعها هامسًا:هشششش..مفيش حاجة كتيرة عليكِ..كل اللي بعمله وهعمله ميجيش جنب اللي بتعمليه معايا حاجة
-همست:بحبك
-ليهمس هو بـ المُقابل:وأنا كمان بحبك يا زهرتي…

ثم ضمها إليه بـ قوة إلى ضلوعه يخشى عليها وعلى نفسه من القادم..يخشى أي ذلة قد تودي بها و به إلى هوة سحيقة لن يخرجا منها إلا بـ شق الأنفس..ذلك الخوف الذي تملكه لم يكن خوفًا من تلك الذلة ولكن الماضي يُطارده عاد يُطارده ولكن دون سُعاد الأسيوطي

*************************************

جلست بجواره بـ السيارة تُتابع الطريق بـ حماس وكأنها تراه لأول مرة بل حقًا هي تراه لأول مرة..تقدم بسيط لاحظه أمس عقب زيارة رائف لها..فـ بعدما رحل تساءلت نهلة عن إحتمالية عودة توأمها مرةً أُخرى..حينها أجابها بـ لهفة حتى وإن كانت كاذبة

-هيجي يا حبيبتي هيجي..أصلًا هو رجع عشانك…

وكانت لأول مرة تبتسم بـ وجه أبيها..سعادته لا يستطيع وصفها وكأن بـ موت جدتها بدأت جميع الحواجز بـ السقوط..قد يكون أنانيًا تفكيره ولكن إبنته فلذة كبده تتحسن إذًا لا بأس بـ بعض الأنانية

وصباح اليوم أخبرته عن رغبتها بـ القدوم معه إلى العمل عندما حدثها والدها أن توأمها طبيب كـ والده والآن هي تتحرى شوقًا أن تتعرف على كل ما يخص رائف وهو لن يبخل عنها..عودة ولده بدأت بـ المساعدة على شفاء الجروح

وصلت السيارة إلى المشفى الخاص بهم ليهبطا من السيارة..لتسير بجواره وهي تتطلع لكل ما حولها بـ إنبهار..فـ بدأ مُحي بـ السرد عليها كافة التفاصيل والشرح المُبسط لكل جزء بـ المشفى

وقفت نهلة أمام أبيها وهتفت بـ إستفسار

-طالما رائف دكتور ليه مش بيشتغل هنا!
-أجابها مُحي بـ إبتسامة:عشان لسه ملقاش نفسه..لما يلاقيها هيجي هنا
-رفعت منكبيها وقالت:خلاص أنا هستناه…

إبتسم مُحي بـ حنو ثم توجه إلى مكتبه لتقول نهلة بـ خجل

-بابا!!!…

تجمد مُحي مكانه وهو يستمع إلى لفظ “بابا” من شفتيها لأول مرة..طرب قلبه وخر ليستشعر مذاق تلك الكلمة من فاها..إلتفت إليها وعيناه تلمعان لمعة مُشرقة وبها بهجة غيرُ طبيعية ليقول بـ صوتٍ أجش

-عيون بابا و روحه من جوه
-حمحمت بـ خجل ثم قالت بـ تلعثم دون النظر إليه:عاوزة أروح قسم الأطفال..محتاجة أشوفهم
-سألها بـ لهفة:تحبي أجي معاكِ!..أنا مش عاوز أسيبك لوحدك!
-أسرعت بـ النفي قائلة:لالا..أنا حابة بس أكون لوحدي معاهم..ينفع؟
-طبعًا ينفع..هبعتلك مُمرضة توديكِ…

أومأت بـ إمتنان..فـ إنتظرت ثوان قبل أن تأتي إحدى المُمرضات لتأخذها إلى قسم الأطفال..ذلك الجناح الكبير وأكثر جُزء بهجة جعل عيناها تتوسعان بـ إنبهار طفولي..بـ الرغم أنهم مرضى ولكن ما يُقدمه والدها من أجل الأطفال جعلها تبتسم بـ سعادة وكأنه ما فعل ذلك إلا لها

إصطحبتها المُمرضة إلى غُرفة الألعاب..حيث يجتمع بها الأطفال لترفيه عن أنفسهم قليلًا..كانت مُجهزة بـ أحدث الألعاب والكثير من البهجة والألوان المُشرقة

جذبت عيناها طفلة ذات سنة أو أكثر على الأقل تجلس بها إحدى المُمرضات وتُلاعبها..توجهت إليها بلا تفكير وجلست أمامها..قربت يدها من كف الصغيرة لتتلقف الأخيرة إصبعها فـ صاحت بـ حماس..ضحكت المُمرضة وقالت

-دي ملك..بنت جراح شغال هنا
-تساءلت نهلة وهي تُداعب الصغيرة:وليه مش بيسيبها فـ البيت مع مامتها!
-مامتها إتوفت بقالها سنة..وهو اللي بيهتم بيها…

أومأت نهلة بـ تفهم..لتقول بـ تردد

-هو أنا ممكن أقعد جنبك وألعب معاها!!…

تعجبت المُمرضة من تلك الشابة التي تبدو كـ طفلة لم تتجاوز الخامسة من عُمرها ولكنها إبتسمت بـ إشراق ثم هتفت وهي تمد يدها بـ الصغيرة

-طبعًا..بس خليكِ جنبي عشان باباها ميتخانقش معايا
-جلست بـ حماس وأخذت الطفلة ثم أردفت:طبعًا..عمومًا أنت بنت الدكتور مُحي..يعني مش تخافي مني…

أومأت المُمرضة ولكنها ظلت تُراقبها..الصغيرة تضحك وتُقهقه بـ سعادة غيرُ عادية والشابة يكاد حماسها وسعادتها تقتلها

وفي تلك الأثناء..كان أحمد قد أنهى عمله وإتجه لكي يأخذ صغيرته ولكن ما أن أبصر ذلك المشهد حتى تجمد بـ مكانه

فـ نهلة تفترش الأرض وبجوارها ملك..يلونان ويرسمان..بل نهلة ترسم والصغيرة تُمسك القلم الصغير وتخط بـ عشوائية فـ تشوه ما تقوم به الأولى

ولكن تلك السعادة البادية على وجهها والضحكات التي لم يراها مُنذ زمنٍ ولى ها هي تعود مع طفلته والأدهى أن الصغيرة تمرح وتضحك..تلك الضحكات الطفولية التي تجعل خفقاته تزداد لم تظهر سوى مع نهلة..الضحية التي كان هو ضحيتها

لم يشعر بـ شفتيه وهي تبتسم وخفقة تهرب من قلبه..وإحساس غريب يتملكه وقرار يمر بـ ذهنه بـ خُبث يتحداه الظهور

error: