رواية روضت الذئب بقلم اسراء على/كاملة

رواية روضت الذئب بقلم اسراء على الفصل التاسع

لم يكن عليه الإستسلام
كان عليه مقاومة التيار
فـ هي لا تُريده مهزومًا…

وقف أمام الباب يستوعب وجودها أمامه..تفرك يدها بـ توتر كـ طالبة ثانوية تنتظر نتيجتها..نهلة تقف أمامه وتنتظر صوته يأذن إليها بـ الدلوف

تدارك رائف نفسه ليجذبها من يدها مُغلقًا الباب خلفه ثم تساءل بـ شئٍ من الدهشة

-نهلة!!..أنتِ وصلتي لهنا إزاي!
-أجابته بـ إرتباك:ركبت تاكسي
-هدر بـ حدة خفيفة:فـ الوقت دا !..ولوحدك!!…

أجفلت نهلة وتراجعت إلى الخلف خطوتين لتهمس وهي تبتلع ريقها بـ حشرجة

-أسفة..يظهر إني أزعجتك..أنا همشي…

أمسك يدها يمنعها الرحيل ثم هتف بـ صوتٍ حاول بث الهدوء به بعدما لاحظ إجفالها

-مش قصة أزعجتيني..أنا بس خفت عليكِ..خصوصًا الوقت متأخر وجاية لوحدك
-إرتفع حاجبيها بـ دهشة وقالت:خفت عليا!..أنت خفت عليا أنا؟!
-حرك رأسه بـ حيرة ثم هتف:دا العادي..مش أنتِ أختي برضو ولا أنا غلطان!!
-إبتسمت بـ سعادة وقالت:لأ أنت مش غلطان…

إبتسم لإبتسامتها وكم لاحظ التشابه العجيب بين إبتسامته وخاصتها..جذبها ليجلسا على الأريكة فـ أكملت حديثها

-أنا عرفت اللي حصل من بابا..وقررت أجي أقف جنبك..وجنب مراتك..تسمحلي!
-رد بسرعة:طبعًا أسمحلك..ويا ترى دا بس سبب الزيارة دي ولا عينكِ فيها كلام ومكسوفة تقوله!…

نظرت إليه بـ صدمة حتى إنها تراجعت إلى الخلف قليلًا ثم تمتمت بـ ذهول

-لدرجادي مكشوفة!
-حرك رأسه نافيًا ثم قال بـ نبرته الهادئة:لأ..عشان أنتِ توأمي..يعني طبيعي أحس بيكِ وأنتِ تحسي بيا…

أومأت مُوافقة لحديثه ثم أردفت وهى تتلاعب بـ طرف كنزتها البيضاء

-كـ..كنت عاوزة..أعتذرلك
-عقد حاجبيه وتساءل:عن إيه!…

إبتلعت ريقها بـ صعوبة ثم رفعت أنظارها إليه وأردفت بـ خفوت

-أنا رُحت لدكتور نفسي يعالجني..وقالي أول خطوة فـ العلاج بجد..إني أتصالح مع نفسي وبعدين مع أول حد أذيته
-أشار إلى نفسه وقال:وأنا أول حد أذيتيه؟!…

أومأت بـ إضطراب ثم تهربت من عيناه سريعًا ناظرة إلى أسفل..إبتسم رائف ليضع يده أسفل ذقنها ورفعها إليه ثم تشدق بـ حنو

-وأنتِ شايفة إنك أذيتيني؟!…

أومأت بما يسمح به رأسها بـ موافقة ليبتسم بـ إتساع فاتحًا ذراعيه ثم تساءل بـ توتر طفيف

-ينفع تيجي هنا!!…

نظرت إليه مُطولًا بـ خوف ولكن إبتسامته المُطمئنة وعيناه الدافئة جعلت عضلاتها تتحرك لتتقدم منه ثم تدفن وجهها بـ صدره..ليُحاوطها هو بـ يديه فـ أحس بـ راحة غريبة تغمره وكأنه كان عطشًا وإرتوى بـ ماء زمزم .. هتف وهو يطبع قُبلة أعلى جبينها

-تبقي مبتشوفيش وعنيكِ الزُرق الحلوين دول محتاجين نضارة كعب كوباية…

إبتسمت بـ إهتزاز بين أحضانه..فـ هي لأول مرة تختبر شعور الإنتماء إلى توأمك..لأول مرة ترى رائف بـ أعين مُختلفة..كم بدى لها سابقًا وحش كاسر وكأنه سيفترسها بعد قليل..نظرات الكُره التي رمقها بها سابقًا جعلها تشمئز من نفسها وكأنه نكرة لا تُساوي شيئًا بـ نظره

أما الآن فـ رائف الذي أمامها مُختلف..حنون وعيناه تشعان دفء..يُعلمها أبجاديات الأخوة كما يُعلم زهرة أبجاديات الحُب..ضحكت بـ خفوت ليسألها بـ تعجب

-بتضحكِ على إيه!
-إبتعدت عنه وقالت بـ إبتسامة:لما شوفتك أول مرة خُفت منك..قولت دا مش بني آدم..رغم أنك أمور أوي..بس عينيك كانوا فيهم قسوة غير طبيعية..أما دلوقتي…

صمتت تنظر إليه بـ عُمق فـ حثها قائلًا

-أما دلوقتي إيه!
-أجابته بـ صدق:عكس كل حاجة كانت قبل كدا..أنت إتغيرت أوي..بصراحة لما جيت خوفت تطردني ومش تتقبلني..بس دلوقتي غيرت رأيي تمامًا..يا ترى إيه السر؟!…

نظر إلى الغُرفة التي تنام بها زوجته وصغيره بـ إبتسامة ثم عاد بـ نظره إلى شقيقته وقال بـ نبرة عذبة ، عميقة

-الزهرة اللي بتنبت وسط شوك..بتزرع الجمال فـ النفس…

لم يبدُ عليها أنها فهمت ما يقصد ولكن على ما يبدو أنه موجهه لشخصٍ ما..ولا يوجد سوى زهرته

**********************************

-يعني إيه مش موجودة!!..بنتي إختفت فين؟!…

أردفت بها رحمة بـ عويل أمام جميع من يوجد بـ المنزل ليُعاقنها مُحي قائلًا بـ صوتٍ أجش

-إهدي يا رحمة إن شاء الله هنلاقيها
-هدرت رحمة بـ زوجها قائلة:والغفير اللي واقف بره دا مشفهاش إزاي!…

أحنى الغفير بـ رأسه أرضًا ثم قال بـ خجل و تلعثم

-و..والله يا دكتور معرفش..هـ..هربت إزاي؟!
-نظر إليه مُحي شزرًا وقال بـ قوة:خلاص أسكت..شوف شُغلك وحسابي معاك بعدين…

رحل الرجل يجر أذيال الخيبة..لينظر مُحي إلى الجميع ثم هتف بـ حدة

-وأنتوا كمان شوفوا شُغلكوا..وبرضو حسابكم معايا لما أرجع بنتي..أنا قولتلكوا خدوا بالكم منها..يلا أمشوا…

رحل الجميع إلى عمله وبقى هو و رحمة التي تبكي بين ذراعيه هاتفة بـ نواح

-عاوزة بنتي يا مُحي..أنا ما صدقت إنها بدأت تتحسن..أنا خايفة يجرالها حاجة…

جذبها إلى الأريكة ليُجلسها عليها وتبعها هو ثم أدرف

-وحدي الله يا رحمة..إن شاء الله خير…

تنهد بـ ضيق ثم تساءل

-حصل حاجة زعلتها او إتخانقت مع حد!
-أبدًا والله..وهي أصلًا بتتكلم مع حد!!
-مسح على رأسه بـ عنف وقال:أومال إيه اللي حصل بس وخلاها تهرب كدا!!
-معرفش..أنا عاوزة بنتي…

زفر مُحي بـ غضب وقبل أن يتحدث أردفت رحمة بـسرعة

-طب ما تجرب تكلم رائف..أكيد هيدور دي مهما كانت أخته
-أخرج هاتفه من جيب سترته وتشدق:ودا اللي كنت هعمله…

كاد أن يفتح الهاتف ولكن وجد رقم هاتف رائف يُنير شاشته..لم يتأخر ثانية وأجاب بـ لهفة

-إبن حلال .. كنت لسه هكلمك
-أتاه صوت رائف:لو عشان نهلة..فـ متخافش..هي معايا دلوقتي
-عقد حاجبيه ثم تساءل وهو ينظر إلى رحمة:معاك إزاي؟!…

نظرت إليه رحمة بـ لهفة وهى تتساءل هامسة ليُحرك رأسه بـ حيرة دليلًا على جهله ليسمعا صوت رائف ما أن وضعه مُحي على مُكبر الصوت

-جاتلي من شوية وحابة تقعد معايا..فـ حبيت اتصل وأطمنك إنها هنا لما عرفت إنها طلعت ومعرفتش حد…

زفر كِلاهما بـ راحة ليردف مُحي بعدها وهو يتنهد

-طيب الحمد لله يا بني طمنتني..هي هتقعد الليلة دي عندك ولا أبعت حد يجيبها!
-من الناحية متقلقش أنا اللي هوصلها بـ نفسي
-رد عليه مُحي بـ راحة:طيب..تصبح على خير..وشكرًا إنك طمنتني
-أردف رائف بـ هدوء:على إيه!..نهلة أختي..يلا مع السلامة…

أغلق مُحي الهاتف ثم نظر إلى رحمة التي كانت تُتمتم بـ الحمد والشُكر لله أنه حفظ إبنتها..ليقول وهو يضمها إلى صدره

-ولادنا هيرجعوا يا رحمة..ربنا منساهمش الحمد لله
-بكت رحمة وهي تقول:والله لساني مسكتش عن الدُعا أبدًا..والحمد لله ربنا إستجاب لدُعائي فـ الوقت الصح…

*************************************

في صباح اليوم التالي كان أحمد يقف أمام منزل رائف..بعدما هاتفه أمس يطلب من الحضور لأمرٍ طارئ..ولم يتأخر الأول عن طلب صديقه فـ حضر إليه صباحًا حتى قبل أن يذهب إلى المشفى

طرق الباب مرتين وإنتظر ليُفتح الباب وتطل منه نهلة..تراجع أحمد خطوتين من الصدمة وردد بـ ذهول

-نهلة!
-رددت هى الأُخرى بـ دهشة:أحمد!..بتعمل إيه هنا؟!
-أنتِ اللي بتعملي إيه هنا؟!..وجيتي إزاي!!…

همت أن ترد ولكنها سمعت صوت رائف يصدح من خلفها

-مين يا نهول؟!
-ردد أحمد بـ حيرة:نهول!..هو إيه اللي بيحصل؟…

نظرن نهلة إلى يد أخيها التي وضعها على منكبها ثم إلى أحمد الذي عقدت الصدمة لسانه دون أن تجد القُدرة على الحديث

نظر رائف إلى صديقه ثم إلى نهلة ليهتف وهو يدفعها إلى الداخل

-روحي أنتِ يا نهلة..دخلي الأكل لزهرة وإفطري معاها
-ردت عليه بـ خفوت:طيب….

دلفت إلى الداخل لينظر رائف إلى أحمد المذهول ثم أردف

-تعالَ يا أحمد إتفضل
-أشار إلى الداخل وقال:هو إيه اللي بيحصل!!
-ربت على منكبه وقال:خش بس وأنا هفهمك…

أومأ بـ شرود ودلف..أغلق رائف باب المنزل خلفه وأشار إلى صديقه ليدلفا الشُرفة..سأله عن أحواله وحياته فـ أجابه أحمد بـ شئٍ من التفصيل دون أن يُخبره بـ شكه أن زوجته قُتلت..وكذلك أخبره رائف عن شقيقته وما حدث أمس..ليُردد الآخر بـ صدمة

-معقول!..مكنتش متوقع إن العلاج هيجيب مفعول بسرعة كدا
-رد عليه رائف بـ إستنكار:بسرعة إيه؟!..سنتين وهي بتتعالج والدكتور الجديد اللي قولت عليه دا..معملش حاجة غير إنه كمل على الدكتور الأول..لا أكتر ولا أقل…

صمت ثم عاد يُكمل وهو يضع يده على عينيه

-الدكتور الأولاني كان ماشي خطوة خطوة..وهما فكروا إنه مش شاطر..بس هو كان دوره التأهيل النفسي الأول وبعدين كان يدخل فـ خطوة الكلام والمصالحة مع النفس والكلام دا
-سأله أحمد وهو يربت على رُكبته:وأنت مبسوط عشان أُختك!…

أزال رائف يده عن عينه ثم أردف بسرعة و نبرة لا تحمل الشك

-طبعًا..أنت بتتكلم فـ إيه
-أومال أخد الوقت دا كله ليه؟!
-وضح قائلًا:أنا كمان كنت محتاج فترة أستوعب اللي حصل..محتاج تأهيل نفسي لكل اللي مريت بيه..محتاج ألملم أفكاري وعقلي اللي إتشتت دا..كنت محتاج أرتاح عشان أرجع بـ تصالح النفس اللي أنا فيه داوقتي
-حك أحمد جبهته وتساءل:طب وأهلك!!..والدك و والدتك!..ملهمش فـ تصالح النفس دا برضو!
-شوية شوية يا أحمد..مش كله قفش كدا…

أومأ أحمد بـ تفهم وصمت ليُكمل رائف حديثه وقد تبدلت نبرته إلى أُخرى جدية

-المهم..سيبك من كل دا..عاوزك فـ حاجة أهم
-تساءل أحمد بـ إهتمام:خير يا رائف!
-عاوزك تدبرلي أي تذكرتين على أي طيارة رايحة باريس..حتى لو طيارة خاصة
-عنيا بس ليه ولمين؟!
-لمراتي وأمها..وبعدين هتاخد نهلة ليهم…

عقد أحمد حاجبيه وصمت عله يفهم ما يُريده رائف الذي وضح حديثه

-الموضوع يتم فـ سرية عشان اللي أنا هعمله..وياريت أنت كمان تاخد بنتك وتسافر معاهم…

الآن تجلت الحقائق أمامه وقد فهم ما يوده صديقه ليردف بـ شك

-أوعى يكون اللي فـ دماغي…

ضرب رائف على سطح الطاولة بـ قوة ثم هدر

-حادثة قتل عبدالله مُتعمدة وفيها رسالة تهديد وكان لازم أفهم من ساعة أما مراتك إتقتلت
-إتعست عينا أحمد بـ قوة وتمتم:إتقتلت!..أنت عرفت إزاي!..وإيه اللي يخليك مُتأكد كدا؟!
-مسح رائف على خُصلاته وأكمل:أنا مش نايم على وداني يا أحمد..عبدالله كان قالي قبل كدا إنهم حاولوا يرجعوه لسكة دي تاني..وهو رفض..بعدها بـ فترة بسيطة قالي إن مراتك ماتت يوم ولادة ملك…

صمت يستشف تعابير وجهه والتي كانت جامدة لا تدل على شئ سوى أنه مُحق..ليُكمل رائف حديثه مُتبعًا “إطرق الحديد وهو ساخن”

-حاولت أعرف إيه اللي حصل..بس الدكاترة اللي كانوا بيشرفوا على الولادة القيصرية سافروا..وطلعت أسماءهم دي مُستعارة وإن مفيش دكاترة بـ الاسم دا..يعني مراتك قتلوها يا أحمد…

أكمل أحمد الحديث الناقص بـ نبرة جامدة

-عشان عارفة كتير..وإنها فـ يوم هتتكلم لو حست إني فـ خطر..وقالوا نخلص منها الأول وبعدين يفضولنا
-أسف يا أحمد..بس أنت صح…

إبتسم أحمد بـ سخرية مريرة ثم أردف وهو يبتلع غِصة مُسننة بـ حلقه

-كنت عارف إني لازم أخد عقابي على اللي عملته..مُستحيل يمر كل دا بدون عقاب
-ربت رائف على ساقه وقال:وحد الله يا أحمد..ربنا مش هيسيب حقك
-تشدق أحمد بـ قسوة:ولا أنا هسيب حقي وحق مراتي اللي مكنش ليها حلم غير إنها تبدأ حياة جديدة معايا…

نظر إليه رائف بـ إحباط فـ هو كان يُريد إقصاءه عن الموضوع بـ رمته كي لا يقع بـ مصائب هو بغنى عنها لأجل صغيرته..ولكن أحمد فاجأه وهو يردف بـ حسم

-أنا هعمل اللي أنت عاوزه..هبعد مراتك و والدتها. وبعدين نهلة وملك ونفضالهم..إحنا اللي دخلناهم السكة دي قبل كدا ومش هنسمح تطولهم تاني…

************************************

كان يركض بـ الممر كـ المجنون يتحدى خطواته المُتخازلة والتي تأبى الوقوف..حتى وصل إلى غُرفة الجراحة

جلس على الأرض كـ المتسولين رث الهيئة ومُشعث الشعر..لم يُصدق ما أخبره به صديقه أحمد مُنذ ثلاثون دقيقة..كان صوته مُضطرب خائف وهو يقول

-رائف أنا معرفش دا حصل إزاي..بس مراتك و والدتها عملوا حادثة ودلوقتي طالع بيهم على مُستشفى والدك…

لم يستطع تحديد كيف قادته ساقيه لكي يصل إلى هُنا..عيناه كانتا كـ جمراوتين من النار الحارقة..وعروقه نافرة بـ شكل أوشك على الإنفجار..يتوعد ويتضرع بـ الدُعاء إلى الله أن تعود له سالمة

رفع نظره إلى باب الغُرفة علّ أحدهم يخرج ويُطمأنه على حالتها ولكن لا أحد

أخبروه مُنذ قليل أن والدتها تُعاني كسور..وجروح عميقة حتى أصابتها غيبوبة فـ قد تضرر رأسها بـ درجة كبيرة..حينها أمسك الطبيب من تلابيبه يُخبره بـ قسوة

-مراتي لو جرالها حاجة..هتحصلها..تعمل مُعجزة وتطلعلي صاخ سليم…

لم يستطع الطبيب إخباره أن والده هو المُشرف على جراحة زوجته..ولكنه أومأ عدة مرات ثم توجه إلى غُرفة الجراحة يُتابع ما يحدث بـ صمت

أتت نهلة بعد عدة دقائق وهي تبكي بـ عُنف..قد هاتفها والدها بعدما أحضر أحمد زوجة شقيقها والدتها لتأتي من أجله..كانت رحمة عادت إلى العمل بـ المشفى لذلك لم تأتي معها بل لم تُرد إخبارها من الأساس..ولكن ها هي الآن تقف أمام شقيقها المهزوم وقد بدى وكأنه فقدت عيناه الحياة

ودون تفكير قذفت حقيبتها وجذبته إليها تضمه وبـ دوره ضمها فـ هو أكثر منها حاجةٍ إلى العناق..ربتت على خُصلاته وهمست بـ تحشرج

-هتكون بـخير إن شاء الله..إدعي أنت بس
-همس بـ حرارة:يارب..رجعهالي بـ السلامة…

مرت دقائق تلتها أُخرى وأُخرى حتى فُتح الباب لينهض رائف فجأة وعيناه تتلهف خروجها ولكنه لم يجدها بل خرج الطبيب لينزع عنه القناع الطبي..لتظهر ملامحه الواجمة وهو يقف أمام ذلك الذئب البشري..ذلك الذئب الذي توعده بـ الهلاك إذا أصابها مكروه..بينما ينظر إليه الأخير بـ ملامح مُتلهفة..لينزل عليه قول الطبيب كـ نزول الصاعقة..أحس بـ إنقباض فؤاده..وأن الحياة أصبحت حالكة السواد..تنفسه لا يعلم أيزداد!..أم يقل!!..عندما خرجت حروف الطبيب مُتبعثرة

-أنا أسف يا رائف بيه..إحنا عملنا اللي علينا..لكن…

صمت ليقول بـ صوتٍ خافض مُرتجف

-الأعمار بـ يد الله..ربنا يرحمها..حرم حضرتك فـ مكان أحسن دلوقتي…

صمت ثم صمت..ثم صرخة مُتأوه خرجت من فِيهِ..بعدما تجرعت الأُذن مرارة الخبر..تلك الصرخة التي إهتزت الجُدران لأجلها..وبكت السماء لمرارتها..فـ قد رحلت رفيقته..رحلت وتركته وحيدًا..رحلت إلى مكان لا عدوةَ فيه..لتتركه تائهٍ وسط حياة لا ترحم..فـ قد سُلبت روحه منه..فـ أصبح خاويًا مُجوفًا..يتجرع مرارة الفُقدان وحده!!…

رحل ذلك الخيط الأبيض بـ حياته..لينقطع ويختفي دون أن يترك له أي أثر يتعلق به..تبعت والدها وتركته هو وإبنهما وحيدين كـ جروين صغيرين وسط ذئاب تعوي للفتك بهما..كانت أمنه ومرساته..كانت هي النور بعد الظلام ولكنها رحلت..لم يكن شيئًا دونها ولن يكون بعدها

بعض الأشخاص حينما نفقدهم..نفقد لذة الحياة وتأخذ جزء من روحنا..تاركة إياها يلتهمها الظلام حتى تتحول أرواحنا إلى أُخرى تائهة غيرُ قادرة على المقاومة وكأنها ورقة خريفية هشة تتقاذفها الرياح كما تهوى

error: