رواية روضت الذئب بقلم اسراء على/كاملة

رواية روضت الذئب بقلم اسراء على الفصل العشرون والاخير

إليكِ يا من احتوتك العيون
إليكِ يا من أعيش لأجلها
إليكِ يا من طيفك يلاحقني
إليكِ يا من أرى صورتك
في كلّ مكان في كتبي، في أحلامي،
في صحوتي
إليكِ يا من يرتعش كياني من شدّة حبي
لكِ الشّوق إلى رؤياك فقط عند ذكر اسمكِ

إنتهت المُمرضة من تضميد رأس أحمد المُصاب ثم قالت

-حمد لله على سلامتك يا دكتور أحمد..إن شاء الله مش هيطلع فـ الأشعة حاجة…

أومأ أحمد دون أن ينظر إليها فـ عيناه لا تزال تشهد إختطافها..رفع رأسه ليرى إندفاع رائف كـ الثور ليُباغته بـ لكمة أطرحته أرضًا

جذبه رائف من تلابيبه دون أن يأبه بـ إصابته ثم جأر بـ صوتٍ جهوري جذب إنتباه الجميع

-هي دي الأمانة اللي أمنتهالك!!..أختي إتخطفت وهي قدام عينك…

أتى مُحي على صوت رائف ليُبعده عنه ثم قال بـ تعب

-بس يا رائف..أحمد عمل اللي عليه..هو مكنش مخوّن..ومحدش يعرف إزاي رحيم عرف وخطف نهلة…

إتكئ أحمد بـ ظهره إلى الفراش وقال بـ جمود

-هو معرفش..هو كان مخطط وظهوري مكنش فـ الخطة عشان كدا اللي شافني معرفش يتصرف غير إنه يضربني..غير كدا كان ممكن يقتلني
-صر رائف على أسنانه وقال:والمفروض نعمل إيه!..أسيب أختي بين إيدين مُختل!…

وضع رائف يده على فمه بـ غضب وهو يتذكر كلمات جهاد ما أن عَلِم بـ إختطاف شقيقته

-“أختك إتخطفت!..مكنتش متوقع بـ السرعة دي!!…

غمغم بها جهاد وهو يضع يده أسفل ذقنه ثم أكمل بـ خُبث

-نسيت أقولك إن رحيم حاطط عينه على أُختك ومش ناوي يرجعها”

لم يشعر بـ نفسه إلا وهو ينهال عليه بـ اللكمات ثم رحل ليأتي أحمد ويحصل على نصيبه الشرعي

رفع أحمد أنظاره إلى رائف وقال بـ نفس جموده

-لازم نروح لظابط
-مفيش داعي..أنا عرفت الظابط كل حاجة
-تساءل مُحي وعيناه تُرسلان رجاء خفي:وقالك إيه؟
-بكرة الفجر رحيم هيجيب بنات من ملجأ دا اللي لسه عارفه على باب المستشفى…

إنتفض أحمد صارخًا وهو يزأر كـ الوحش

-وإحنا لسه هنستنى الفجر!..هنسيبها كدا بين إيديه لحد الفجر والله أعلم بيفكر فـ إيه
-هدر رائف وهو يشد خُصلاته:لأ طبعًا..بس قولي أعمل إيه!..أنا معرفش حاجة ولا فـ إيدي حاجة أعملها
-أما أنا فـ بـ إيدي أعمل كتير..أنا كنت شغال معاهم وممكن أعرف..مش هستنى أسيبها كل الوقت دا…

دفع رائف ثم تحرك من مُحيط الغُرفة..لكم الأول الحائط بـ غضب وتحرك يتبع أحمد


إتكأت بـ يديها على حوض إغتسال الوجة..وهي تنظر إلى إنعكاسها بـ المرآة بـ شرود..مُنذ ساعات وهي رسميًا أصبحت زوجته..زواج صحيح..عقد قران لدى مأذون..شهود و وليها والذي هو شقيقها

“عودة إلى وقتٍ سابق”

دفعها لتدلف إلى تلك البناية..صعدت درجات السُلم وما أن وصلا إلى الطابق المنشود..دق جهاد جرس المنزل ليفتح بعد ثوان شخصًا ما لا تعلم هويته

دفعها لتدلف ثم إلى غُرفة بها المأذون والشهود..وعلى الناحية الأُخرى شقيقها يجلس ناظرًا إليها بـ تجهم وعلامات الإشمئزاز تملأ وجهه..شهقت وركضت إليه..حاولت إحتضانه ولكنه أوقفها بـ كف يده قائلًا وهو ينظر إلى ثيابها

-كل اللي بيني وبينك إن أجوزك الـ*** وبالنسبالنا أنتِ ميتة…

شعرت وكأن أحدهم يسحب روحها..شحبت تمامًا وتجمدت مكانها..حاولت الحديث وهي تستوعب حديث شقيقها

-ياسر آآ..أنا كنت مـ. مخطوفة والله
-إخرسي…

هدر بها وهو يصفعها ليندفع جهاد مُمسكًا إياه من تلابيبه ثم هدر بـ غضب

-اللي ضربتها دي هتبقى مراتي..اللي منعني عنك إنك أخوها وأنك أنت اللي هتسلمهالي
-نفض يد جهاد عنه وقال:خدها وغور من وشي فـ مصيبة تاخدكوا يا أوساخ…

كانت نجلاء تبكي بـ صمت غير قادرة على الحديث أو الحركة..إتجه إليها جهاد يجذبها من ذراعها كي تجلس وياسر ينظر إليها بـ إزدراء بـ نظرات كـ السكين التي تخترق قلبها

-بكرهك..بكرهك…

إستمع جهاد إلى همسها ولكنه لم يُبالي..أخيرًا ستُصبح ملكه شرعًا..ستكون له أبدًا..لا يهم كيف السبيل ولكنه وصل

عندما ذهب إلى منزلها وأخبر عائلتها القصة كاملةً لم يُصدقه لا شقيقها ولا والدتها وإعتبراها ميتة..فـ هي لن تكون سوى فضحية تجلب العار للجميع..ولكن لم يهتم ستُصبح له وتحت كنفه..لذلك أجبر شقيقها على الحضور ليكون وليها ويُسلمها له

إنتهت مراسم عقد القران لينطلق ياسر سريعًا دون أن ينظر إليها..أخفت وجهها بين يديها وأجهشت بـ بُكاء مرير غيرُ آبهه لمن ينظر إليها

وضع جهاد يده على ظهرها لتنتفض بعيدًا عنه هادرة بـ غضب وهستيرية

-ربنا ياخدك ويريحني منك..ربنا يدوقك من السم اللي سقيته ليا..حسبي الله ونعم الوكيل فيك…

إلتوى فكه بـ إبتسامة مُتهكمة..أكان يتوقع أن تحبه!..أم من المُمكن أن تكون مُمتنة لما حدث الآن!..ولكن كل ذلك لا يهم..فـ هي ستكون معه و وقتها سيُعلمها كيف تحبه

“عودة إلى الوقت الحالي”

تساقطت عبراتها بـ غزارة لما آل إليه حالها..أصبحت زوجته وتخلت عائلتها عنها..أتظن إنهم سيصدقونها وأنها ليست سوى ضحية!..لم يكن ليسمح لها جهاد بـ ذلك..دمر حياتها ومُستقبلها..سلب عائلتها وعذريتها..إقتلع حقها بـ الحياة بـ يديه

أزالت عبراتها ثم خرجت من المرحاض..نظرت إلى الساعة فـ وجدتها تُشير إلى الواحدة بعد مُنتصف الليل..إتجهت إلى الفراش وجلست عليه ضامة ساقيها إلى صدرها تنظر إلى الفراغ

دقائق مرت وسمعت الباب يُفتح..هرب نشيج من بين شفتيها وهي تظن أنه آتى ليقتنص حقه الشرعي الآن..لذلك إستجمعت ما تبقى من شجاعتها وصرخت

-جاي عاوز إيه!..مش إتجوزتني وخلاص!..إبعد عني بقى…

لم يرد عليها ولكن الظل الذي رأته بـ ذلك الظلام لم يكن يدل على هيئته الجسدية بل أضخم

شهقت بـ فزع عندما أُنيرت الغُرفة وهي تجد رحيم ينظر إليها نظرات شيطانية ثم صوته كـ الفحيح الذي صدر منه فـ أرسل رجفة عنيفة من الرُعب إلى جسدها

-مبروووك…


فتحت عينيها بـ تثاقل وهى تتأوه بـ خمول..رفعت رأسها المائل قليلًا ثم نظرت حولها..لتجد نفسها بـ مكان مُظلم وله رائحة لم تتحملها أنفها

حاولت الحراك ولكنها وجدت نفسها مُقيدة على مقعد حديدي..أتى صوتًا من خلفها بدا غليظًا

-متتحركيش كتير..أنتِ مربوطة
-صرخت نهلة وهي تتحرك بـ هستيرية:أنت مين!!…

تقدم ذلك الرجل بـ خطوات رتيبة ذات لحن مُرعب..ليجلس أمامها فـ إنكمشت على نفسها بـ خوف..تحدث بـ نبرته الغليظة مرةً أُخرى

-محدش هيأذيكِ..الريس منبه علينا محدش يلمسك إلا لما يجي…

ما أن أنهى عبارته حتى فُتح باب ذلك المخزن القديم..نهض الرجل ليجده رحيم ومعه رجلان يجران خلفهما فتاة تصرخ وتتلوى بـ ذعر

أمر رحيم رجاله وهو يتحرك بـ إتجاه نهلة التي أغمضت عينيها خوفًا

-إربطوها كويس..وإربطوا بوقها عشان قرفتني صريخ
-حاضر يا ريس…

نطق بها الرجلان ليقوما بـ تقييد نجلاء التي تصرخ بـ هيستيرية

جلس رحيم أمام نهلة مُقربًا مقعده منها ثم قال بـ إبتسامة شيطانية

-متخافيش يا حلوة..أنا مبفكرش أأذيكِ..أنا عاوزك…

توقف قلبها عن الخفق وهي تستمع إلى حديثه..ضمت شفتيها بـ قوة و بدأت بـ النحيب..توجهت أصابع رحيم التي ما أن لمست وجهها حتى صرخت بـ هلع ليقول وهو يُقهقه

-إهدي بس يا قطة..شكلك إتخضتي من أسلوب رجالتي..هما أغبية فـ التعامل مع الستات أعذريهم
-آآ..أنا..هنا ليه!
-عض رحيم على شِفاه السُفلى وقال:بصي عشان أكون صريح..أنتِ هنا عشان حاجات كتير..أولهم إننا هنسافر مع بعض لمكان بعيييد أوي..أنا وأنتِ وبس…

نهض وملس على وجنتها لتبتعد هي سريعًا لينحني ويهمس بـ فحيح

-خليكِ مؤدبة وإسمعي الكلام عشان متزعليش مني..لحد أما أرجعلك…

إقترب من أُذنها وهمس بـ خُبث

-مع إني مش قادر أستنى عليكِ يا قطة..بس الغالي يستاهل…

إهتز جسدها مع النشيج والبُكاء المكتوم..إعتدل رحيم بـ جلسته وإتجه إلى نجلاء التي لا تقل رُعبًا عن نهلة..لينحني إليها مُتشدقًا بـ مكر

-أما نشوف غلاوتك عند جوزك…

خرج منها صُراخ مكتوم وهي تُناظر رحيم بـ هلع

أخرج هاتفه ثم إتصل بـ جهاد الذي أجابه بعد لحظات

-عاوز إيه!!…

لم يرد عليه رحيم بل نزع القُماشة التي تُكمم فم نجلاء ليهمس لها بـ غضب

-سمعي حبيب القلب صوتك
-خرج صوتها مذبوحًا ، مبحوحًا:جـ..جهاد!!!…

هوى قلبه إلى أخمص قدميه..لأول مرة تهمس بـ اسمه ولحظه السي بل الأسوء على الإطلاق تهمس به وهي بين يدي عدوه الأول

صرخ جهاد بـ غضب حارق ليهدر وهو يُحطم ما تطوله يداه

-أنت واخدها ليه!..عاوز منها إيه!
-مط رحيم شفتيه وقال:أنا بس حبيت أبارك للعروسة
-جأر جهاد بـ صوتٍ حاد:متعجلش بـ موتك
-تحدث رحيم بـ برود:عيب تقول كدا..يعني بتخوني وكمان بتهدد!..لا كدا مش صح..إحمد ربنا إني مقتلتهاش…

أردف عبارته الأخيرة بـ نبرةٍ مُظلمة ليُكمل بـ نفس النبرة

-هتيجي معايا العملية..معادها إتغير..ونشوف بها هتسيبهم يقبضوا عليك وتضيع حياتك مع حبيبة القلب
-توعده جهاد بـ نبرة سوداء:أقسم بالله لو حطيت إيدك الـ**** دي عليها لكون مقطعك حتت وراميك لديابة الجبل تنهش لحمك
-قدامك ساعة..تيجي على المخزن عشان نروح ونخلص العملية..بـ المرة تطمن على حبيبة القلب…

أغلق رحيم الهاتف ثم نظر إلى نجلاء وقال

-إيدتله فرصة يشوفك قبل ما أقتلك وأقتله…

ثم أعاد وضع القُماشة وتركها تبكي


بـ تلك الأثناء

كان رائف وأحمد يطوفان بلا هوادة وقد تسلل اليأس إلى قلب الثاني بعدما أخبرا الضابط والذي قال

-مش هنقدر نتحرك قبل العملية..كدا هياخدوا حذرهم والعملية تتلغي وممكن تخسر أختك فـ النُص…

إتكئ بـ يده على النافذة وقال

-هنعمل إيه!!…

لم يرد عليه رائف بل كان ذهنه شاردًا بما سيفعله..ليقطع شروده صوت هاتفه مُعلنًا عن وصول رسالة نصية

أخرج هاتفه وقرأ ما بها ليضع كفه على معصم أحمد هادرًا بـ حدة

-بُسرعة على ملجأ*****..المعاد إتغير…

توقف أحمد بـ سيارته فجأة حتى أحدثت صريرًا ثم أعاد تشغيل المُحرك ليتحرك في الإتجاه المُعاكس بسرعة جنونية

إتصل رائف بـ الضابط سمير الذي أجابه بعد ثوان

-الميعاد إتغير..التسليم هيحصل كمان ساعة..أنا وأحمد طالعين هناك حصلونا
-إنتفض سمير قائلًا بـ صرامة:متعملش أي حاجة ممكن تودي الكُل فـ داهية يا رائف..أنا جاي حالًا…

ثم أغلق الهاتف وأمر الجميع بـ التحرك الفوري


هبط من سيارته دون أن يأبه بـ غلقها ثم ركض إلى داخل المخزن..فتحه وجأر

-نجلااااء!!!
-أتاه صوت رحيم:تعالا يا جهاد…

دلف جهاد وعينا تبحث عنها كـ المجنون حتى وجدها مُقيدة بـ المقعد الحديدي..إتجه إليها دون تفكير

كانت مُنحنية الرأس تبكي بـ صمت ولكنها إنتفضت على يد تُحيط وجنتيها وصوتٍ ملأته اللهفة

-نجلاء!..نجلاء!!..أنتِ كويسة!..قرب منك؟!…

حركت رأسها نافية ليضمها إلى صدره زافرًا بـ راحة وغضب..أتاه صوت رحيم الخبيث

-مكنتش أعرف إنك بتحبها كدا..وعشان كدا…

نهض رحيم وإتجه إلى نجلاء..حلّ قيدها فـ جذبها جهاد إلى أحضانه ليتشدق بعدها الأول بـ تهكم

-عشان أثبتلك حُسن نيتي..هي هتيجي معانا..تتأكد إن محدش يلمسها ومتتأذاش
-هدر جهاد بـ صوتٍ حاد مُرعب:أٌقسم بالله هقتلك
-ضحك رحيم وقال بـ تهكم:طب يلا عشان منتأخرش..أكيد مفكرتش تخوني!..لأني ساعتها لا هرحمك ولا هرحمها..يلا…

كان رحيم مُتأكدًا أن جهاد لن يشي بهم حتى لا يُزج كِلاهما بـ السجن..كان يعلم أنه يُريد التخلص منه والهرب مع نجلاء..ولكنه لن يسمح له بـ ذلك


بـ الموعد المُحدد كان الجميع يقف أمام الملجأ..رائف وأحمد ومعهمت الضابط سمير..وعلى الناحية الأُخرى جهاد ورحيم وكذلك مسئولي الدار

بعد دقائق بدأت عملية التسليم..ليُشير سمير بـ قبضته ثم أمر بـ الإقتحام

توترت الأجواء وبدأت إطلاق الأعيرة النارية..ليحاول رحيم الهرب فـ ركض بعيدًا وتبعه جهاد

إتجه رائف وأحمد إلى نجلاء الجالسة بـ السيارة وذلك الرجل المُوجه إلى رأسها سلاحًا

فتح رائف الباب من جهه الرجل ثم سحبه سريعًا..قبل أن يُطلق الرصاص كان رائف يوجه اللكمات حتى فقد وعيه

وعلى الناحية الأُخرى سحب أحمد نجلاء التي كانت تبكي وتصرخ ليقول بـ تهدأة

-إهدي يا أنسة محدش هيأذيكِ…

إتجه رائف إليهما ثم نزع سُترته و وضعها على منكبيها لتقول بـ تقطع

-أَختك فـ فـ مخزن..على طريق..بعيد
-أدارها أحمد وقال بـ لهفة:أنتِ شوفتيها!..هي كويسة؟!
-أومأت قائلة بـ نشيج:هو قال إنه بعد العملية دي هياخدها وهيهرب
-سألها رائف بـ جدية:تعرفي مكان المخزن دا!
-حركت رأسها نافية قائلة:لأ معرفش…

أغمض رائف عينيه بـ إحباط أما أحمد فـ ضرب السيارة بـ غضب..إنتفضت هي وقالت بـ تلعثم

-آآ..أسفة..كـ..كنت عاوز..آ..أساعدك
-أردف رائف بـ خفوت:لا يا نجلاء أنتِ عملتي اللي عليكِ..أهم حاجة إنك طمنتيني…

وعلى الجانب الأخر ظل رحيم يركض ولكن تقدم سنه لم يسمح له ليتوقف وقد ظن أنه إبتعد..لكن تفاجئ من تلك الرصاصة التي إخترقت ساقه..ليصرخ بـ ألم وهو ينحني..سقط أرضًا والرصاصة الأُخرى تخترق ساقه الثانية

كان يتلوى ألمًا فـ رفع نظره إلى جهاد الذي ينظر إليه بـ نظرات مُظلمة ثم تشدق بـ نبرة أكثر سوادًا وهو يوجه سلاحه إليه

-مش قولتلك هقتلك
-ضحك رحيم وقال:كنت مُتخيلك جبان مش هتقدر تعمل حاجة..بس أبهرتني
-أردف جهاد ونظرته تزداد سوادًا وحقدًا:مُستعد أروح جهنم بس أخلص حقي وحق أبويا وأمي منك
-تشدق رحيم وهو يلهث:أنت أجبن من إنك تقتلني
-إبتسم جهاد بـ شيطانية وقال:متراهنش أوي كدا..عشان جهاد الطفل اللي إغتصبته بقى وحش قادر ينهش لحمك ويكسر عضمك..بس مفيش وقت وأنا هرحمك من كل دا…

إتسعت عينا رحيم قبل أن ينهال عليه جهاد بـ وابل من الرصاص بـ جميع أنحاء جسده حتى تلك التي قتلته صغيرًا

ألقى المُسدس وإلتفت على صوت الضابط سمير

-سلم نفسك يا جهاد..مفيش مكان تهرب…

رفع يديه خلف رأسه وجثى على رُكبتيه..عيناه كانتا فارغتين..فاقدتين للحياة ولكن إبتسامة ميتة رُسمت على شفتيه وهو يقول داخله

-حتى النهايات السعيدة لم تُكتب لأمثاله…

لم يهتم بـ يدي سمير التي تُفتشته أو تُقيده..بل صورة نجلاء هي ما تحوز على ذهنه كله


كانت نجلاء تضم السترة إلى جسدها..جالسة بـ أحد سيارات الإسعاف تُتابع ما يحدث..العديد والعديد من الناس يتم القبض عليهم و صعودهم إلى سيارات الشُرطة..الفتيات الاتي كن مُقدر لهن نفس مصيرها قد أُنقذن وهم الآن بين يدي الشُرطة

إصطدمت عينيها بـ عيني جهاد الذي حدق بها بـ إبتسامة..كان يقوده شُرطيين وبـ يده موضوعة الأصفاد..بينه وبينها لم يكن سوى خطوات صغيرة قبل أن يلتفت إلى رائف رادفًا

-أختك فـ المخزن جنب مصنع قديم على طريق مهجور..طريق صحراوي…

عاد يلتفت إلى نجلاء التي تُنظاره بـ كره وإشمئزاز ثم قال بـ إبتسامة

-آسف على كل حاجة..بس مش آسف على حُبي ليكِ…

إستستلم ليدي الشُرطي التي تدفعه ولكنه توقف على صوتها الجامد

-لحظة!!…

إلتفت ينظر إليها بـ لهفة إختفت ما أن أردفت بكل مشاعر الكره لديها

-طلقني الأول…

صُدم ولم يسعفه لسانه لكي يتحدث..هم أن يقول شيئًا ما ولكنه عاد يُغلق فمه..لترتسم إبتسامة على شفتيه قبل أن يقول بـ بساطة

-مقدرش..أنتِ مراتي يا نجلاء..أنتِ مراتي ومينفعش أطلقك..إستنيني هخرجك وأرجعلك…

إتسعت عينيها بـ دهشة وهي تراه يُلوح لها ثم إلتفت وصعد السيارة..وما أن مرت أمامهت حتى قرأت شفتيه التي همست

-بحبك…

لم تكن تظن أنها ستراه بـ هذا السلام من قبل..عينيه كانتا فاقدتين للحياة ولكنه بدى وكأنه وصل إلى نهاية المطاف..كان هادئ ومُسالم وكأنه عاد إلى ذلك الطفل المذبوح


وصل رائف وأحمد إلى ذلك المخزن ومعهما ضابطين ليقوما بـ القبض على الرجلين ليتجه كِلاهما إلى نهلة المُقيدة

-نهلة!!!…

رفعت رأسها على صوت أحمد يتبعه رائف الذي إحتضنها بقوة..بكت بـ هستيرية بين يديه ليقول أحمد وهو يحلّ وثاقها

-خلاص يا نهلة..أنتِ بخير دلوقتي…

قَبّل رائف جبينها ثم حملها بين يديه وخرج من ذلك المخزن لتسأله نهلة بـ خفوت

-في بنت كانت معايا!..هي كويسة؟!
-اومأ رائف رادفًا:الحمد لله..بخير متخافيش…

ثم توجها إلى السيارة وصعدا ثم تحركت بهم مُخلفة غُبار يتصاعد إلى السماء

لينتهي كابوس كاد أن يزهق أنفاس الجميع


بعد مرور يوم

توجه رائف إلى القصر بـ سيارته ليهبط ويُساعد زوجته على الهبوط..نظر إلى المبنى بـ نظرات شاردة ولكن يد زهرة أفاقته لينظر إليها فـ وجدها تبتسم ليرد إبتسامتها ثم شدد على كفها ودلفا

إستقبل الجميع زهرة بـ حرارة ليقول مُحي بـ مرح

-كُلنا تعبنا عشان سي رائف وست زهرة
-نظرت إلى رائف وقالت بـ خُبث:خاصةً إيمان
-حك رائف ذقنه وغمغم بـ غيظ:ست طيبة والله…

ضحك الجميع ليتجه رائف إلى رحمة التي جلست منزوية على نفسها..جثى على رُكبتيه وأمسك كفها ثم أردف

-قاعدة لوحدك ليه يا ماما !!..

خرجت شهقة مذهولة من فم الجميع وأولهم رحمة التي بكت لينهض رائف ويُقبل رأسها هامسًا

-آسف لكل الوجع اللي سببته ليكِ
-عانقته رحمة بـ قوة وقالت بـ نشيج:مش زعلانة منك يا حبيبي..والله مش زعلانة..أنا فرحانة بكلمة ماما…

عانقها رائف بـ قوة ثم نظر إلى زوجته التي تنظر إليه بـ سعادة ليمد يده إليها فـ إقتربت بـ خُطى عرجاء..ليضمها إليه هامسًا

-شكرًا يا ذات الرداء الأحمر..شكرًا يا من روضتِ ذئبك…


بعد أن قضوا وقتًا قصيرًا إتفق فيه رائف مع أحمد عن موعد خطبته هو و شقيقته ثم إستأذن الصعود إلى الغُرفة المُخصصة لهما..وقفا أمام الدرج لتشهق زهرة وهي ترى نفسها بين يديه مُعلقة بـ الهواء ثم تذمرت بـ خجل

-على فكرة أنا هعرف أمشي
-وأنا مش عاوز ست زهرة تمشي..أنا عاوز أشيلك بين إيديا كدا…

توجه بها إلى غُرفة صغيرهم الذي إشتاقته بـ جنون

ما أن أبصرها الصغير حتى صرخ بـ سعادة..وضعها رائف أما غيث الذي أمطرته بـ وابل من القُبلات ثم أردفت وهي تبكي

-وحشتني أوي يا حبيب ماما..وحشتني أوي…

كان رائف جالسًا ينظر إليهما بـ سعادة..عاد إلى قصر العائلة بعد سنوات ظن أنه لن يخطو داخله مرةً أُخرى..مسح على رأس صغيره وقبله وكذلك هي

سألته زهرة وهي ترمي بـ رأسها على صدره

-و نجلاء راحت فين!..أنت قولتلي إن أهلها سبوها
-تنهد رائف بـ حزن وقال:هتيجي تعيش هنا يا زهرة..مقدرش أسيبها بعد كل اللي عانته دا
-عارفة..عارفة كويس إحساس إنك تتخطف من وسط أهلك وتترمى فـ النار…

تشنجت عضلات فكه وهو يستمع إلى نبرتها الغريبة..ذكرته بما حدث وكيف إلتقاها..وكأنه يعلم أنها لن تُسامحه

شعرت بـ جسده يتصلب لترفع رأسها إليه..صُدمت من ملامحه التي تحولت إلى رُخام..وصُدمت أكثر وهو يسألها بـ جمود به لمحة من الخوف

-أنتِ سامحتيني يا زهرة!..سامحتيني على اللي كنت هعمله فيكِ!…

تفاجئ بـها تجذبه من رابطة عنقه وعينيها تُطالع عينيه بـ شراسة وغضب

-لو مستغني عن عُمرك إسأل السؤال دا تاني…

رفّ بـ جفونه عدة مرات قبل أن يبتسم وهو يميل إليها هامسًا بـ عبث

-هو العُمر بعزقه يا باشا
-رفعت حاجبها وقالت:أيوة كدا…

مال إليها أكثر ليطبع شفتيه على شفتيها فـ إبتسمت بـ خجل ولكنها لم تُبعده عنها..ضمهما رائف إلى صدره يطمئن بـ جودهما وأنه لم يفقد أحدهما

إبتعد عنها يضع جبينه على خاصتها ثم همس

-بحبك يا زهرة بُستاني…


بعد مرور عدة أشهر

خرجت من قاعة المُحاضرات بـ جامعة أُخرى قد قيدها بها رائف..ذلك الفارس من زمن آخر..تكفل بها وها هي تعيش معه بـ بيته..تدرس و تُعالج نفسيًا مما أصابها

ضمت الكُتب إلى صدرها وتحركت من مُحيط الجامعة..توقفت أمام السيارة التي يُرسلها إليها ذهابًا وإيابًا..صعدت ليتحرك السائق بهما

مدّ يده بـ مظروف وقال

-إتفضلي يا أنسة نجلاء
-أخذته وقالت بـ إنزعاج:جواب تاني!!..أنا زهقت…

رفع السائق منكبيه ولم يرد..ظلت تنظر إلى المظروف الأبيض عدة دقائق قبل أن تُقرر قراءتها هذه المرة..دومًا كانت تضعها بـ أحد الأدراج دون الإهتمام..ولكن هذه المرة غلبها فضولها لقراءتها وهي تعلم المُرسل تمامًا

-“مش هيأس أبدًا من كتابة الرسايل..دي الحاجة الوحيدة اللي أقدر أكلمك بيها..إتحاكمت خلاص وشكلي مطول..بس أنا في حد بيساعدني عشان يخفف العقوبة .. أنا مريض نفسي..أيوة مريض نفسي..وعاوز أتعالج عشانك…”

أغلقت عينيها ثوان تمنع ذلك التشويش عنهما ثم عادت تُكمل

-“عارف إني مليش حق أطلب منك السماح..أصلًا مينفعش تسامحيني..بس حقي إني أحبك يا نجلاء..أخبارك بتوصلي وعارف إنك عند رائف عشان ملكيش مكان تروحيه..آسف على كل اللي عملته..آسف على حقك اللي سرقته..آسف على كل لحظة خوف عيشتهالك..أسفي مش هيغير حاجة بس دا اللي بـ إيدي أعمله..نفسي أشوفك مرة تانية..مرة تخليني أقدر أكمل هنا..بقولك تاني أنا مش آسف على حُبي ليكِ..ياريت أقدر أرجع الزمن وأرجع طفل تاني عشان أستحقك..ياريت…..

جهاد….”

أغلقت المظروف وأجهشت بـ بُكاءٍ عنيف لم تأبهه إلى السائق ولكنها أرادت البُكاء مُنذ ذلك اليوم لم تبكي وكأن قُدرتها على البُكاء نفذت


كان يجلس أمام النافذة كـ عادته مُذ أن تم إلقاءه بـ أحد السجون المصرية..يأمل الخروج من هُنا ليبدأ حياةً جديدة معها..ولكن كيف السبيل جرائمه لا تُحصى!

تنهد بـ قنوط ثم فتح قبضته لينظر إلى خُصلاتها السوداء الذي إستحوذ عليها مرةً أثناء نومها..قربها من أنفه يشتمها وكأنه يستشعرها من خلالها

رائف قرر مُساعدته بعدما عَلِم القصة كاملةً من نجلاء..نوعًا ما أخبره أنه يُذكره بما قاساه..ولكن جهاد كان طفلًا وهذا ما لم يستوعبه

تذكر زيارته له بعد شهرًا واحدًا لتلك الحادثة..أخبره أن نجلاء ستظل بـ رعايته وأنه لن يُخبر أحدًا عن زواجهما تنفيذًا لرغبتها..ثم أخبره بـ جمود

-أنا هيعنلك مُحامي يحاول يخفف عقوبتك بما إنك ساعدتنا على القبض عليهم والتسليم متمش..غير إنك قتلت رحيم..ساعتها قول إني قولتله يقف وموقفش فـ إضطريت أقتله…

بعدها خرج وتركه..عاد يقبض على خُصلاتها لينتفض على صوت أحد العساكر وهو يقول

-جواب ليك يا جهاد…

إتجه إليه سريعًا ليجذب المظروف بـ لهفة وفضة..إتسعت عيناه وهو يرى كلماتها التي خطته
ا

-“فعلًا ملكش الحق تُطلب مني أسامحك..لأني مش قادرة أسامحك حاليًا..أنا مش متصالحة مع نفسي ولا عارفة أتأقلم مع اللي إتحطيت فيه..أنا مش مصدقة نفسي إني بكتبلك بس حبيت أعرفك إنك تقطع الأمل من حُبي..لأني مُستحيل أحب واحد سرق أحلامي وحولها لكابوس..مقدرش أقول بكرهك لأني فقدت الإحساس أصلًا..ياريت تشيل من دماغك أي فكرة لإحتمال يكون فيه مُستقبل بينا..أنت محيت المُستقبل..سلام

نجلاء….”

لم يهتم لحديثها بل هي أرسلت إليه رسالة ولن يفقد الأمل..قبض على الورقة وقال

-مش هفقد الأمل فـ حُبك أبدًا…

النهاية….

رائف و زهرة مش الأبطال الفعليين للرواية..بس نجلاء وجهاد هما الأبطال..ضحايا جديدة لمُجتمع جاهل و فوضى خلت الجاني مظلوم والمجني عليه الظالم..ضحايا لقوانين مفيش منها الرادع لمُرتكب الجريمة..لقوانين تُعتبر مُكافأة للي بيغلط

فـ النهاية..مكنتش حابة الرواية تبقى مأسوية كدا بس للأسف دا بقى حالنا..أتمنى للجميع إن ربنا يحفظكم ويحفظ أولادكم من كل شر

error: