رواية روضت الذئب بقلم اسراء على/كاملة

رواية روضت الذئب بقلم اسراء على الفصل الخامس عشر

رواية روضت الذئب بقلم اسراء على الفصل الخامس عشر

ضربات قلبها كانت تضرب بـ قوة جعلتها تتألم..عيناها تنظران إليه بـ رهبة ممزوجة بـ الهلع الذي أثار غرائزه بها..صرخات مكتومة خرجت منها ولكنه كان يكبحها..جسده الضخم يضغط على جسدها يُكبل حركتها

أغلقت عينيها بـ نفور وهو يقترب منها ويهمس بـ فحيح ماكر

-أخيرًا بين إيديا يا نهلة…

وضع أنفه بـ وجنتها يشتم رائحتها لتسقط عبراتها بـ قهر غيرُ قادرة على الصُراخ..ثم همس

-متعرفيش بقالي أد إيه بحلم بيكِ..بحلم تكوني بين إيديا…

سار بـ يده على وجنتها نزولًا إلى عُنقها حيث بقى بـ إبهامه هُناك يتحسس ذلك العرق النافر ثم أكمل حديثه وهو يُحدق إلى زرقاوتيها الهلعتين

-سنين يا نهلة وأنا مستني اللحظة دي..بس مش وقته..مش وقته أخدك معايا…

تصاعدت أنفاسها بـ قوة وقد بدأت تشعر بـ إختناق ليقول هو بـ نبرةٍ خفيضة

-أنا هسيبك دلوقتي..بس مش لوقت طويل..ولحد الوقت دا متخليهوش يقرب منك…

ثم طبع قُبلة عنيفة على عُنقها ورحل..لتسقط هي على الأرض تحتضن رُكبتيها تبكي بـ إرتجاف لذلك الموقف الذي وُضعت به

وبـ الخارج عندما تأخرت نهلة وأثارت قلق أحمد..توجه إلى حيث توجد وطرق باب الغُرفة وناداها بـ قلق

-نهلة!..أنتِ كويسة!!…

إنتظر يسمع ردها ولكنه لم يسمع سوى نشيج صادر من الداخل..تصاعد الخوف والقلق ليطرق بـ قوة أكبر هادرًا

-نهلة في إيه!..إفتحي الباب دا…

جن جنونه وهو يستمع إلى نشيجها يتعالى مع شهقات مزقت البقية الباقية من عقله..ضم قبضته وطرق على الباب بـ قوة أوشكت علة تحطيمه وصرخ بـ حدة

-نهلة بقولك إفتحي الزفت دا…

ولكنه لم يترك لها الوقت لكي تفتح إذ ضربه بـ كتفه مُسببٍ كسره لينظر بـ أرجاء الغُرفة فـ وجدها متكومة على ذاتها وتبكي بـ أحد الأركان..تقدم منها دون تفكير ثم جثى على رُكبته ليتساءل وهو يضع يده على ذراعيها

-نهلة!..مالك ردي عليا!…

ما أن وضع أحمد يده على ذراعيها حتى صرخت وظلت تضرب صدره بـ كفيها..تفاجئ هو من رد فعلها ذاك ولكنه أمسك يدها وضمها إلى صدره مُتشدقًا بـ تعجب

-أنا أحمد يا نهلة..مالك في إيه!…

كانت يدها تُحاول دفعه بعيدًا عنها ولكنه جلس على الأرض وضمها أكثر يربت على خُصلاتها هامسٍ بـ أُذنها بـ طُمأنينة

-إهدي يا نهلة..إهدي يا حبيبتي..ركزي فـ صوتي وهتلاقني أحمد…

توقفت عن حركتها وبدأت تستعيد أنفاسها المسلوبة لتنظر إلى عيناه اللتين تُناظرها بـ قلق لتهمس قبل أن تغيب عن الوعي لما تعرضت له من ضغط

-أنا خايفة
-هدر أحمد بـ عصبية:نهلة!!..نهلة!..فوقي…

زفر بـ يأس ليضع يده السليمة حول خصرها ثم رفعها مُحاولًا حملها بـ طريقة تجعله يتدارك ثقل جسدها..وإتجه إلى الخارج..كان الجميع يقف وينتظر أن يعلموا ما سبب تلك الضجة..حتى تفاجؤا بـ أحمد يحمل تلك الشابة والتي يظهر على ملامحها الذبول والرُعب

نظر أحمد إلى العاملة وقال بـ أسف

-أي خساير أنا هتحملها والفستان لو سمحت هاخده..بس أنا حاليًا مراتي تعبت ولازم تروح المستشفى…

أومأت العاملة ليرحل هو بعدها..قام بـ إيقاف سيارة أُجرة ليصلا إلى المنزل

وعلى الجانب الآخر من الطريق كان يُشاهد ما يحدث بـ غضب وعينيان تشتعلان غضبًا..ليُدير المُحرك بـ عنف هادرًا بـ نبرة شيطانية

-موتك على إيدي…


-خلاص يا رائف مش هقدر أكمل أكتر من كدا..كفاية…

قرب الملعقة من فمها وقال بـ نبرة آمرة

-إفتحي بوقك..أخر معلقة
-لوت شدقها قائلة بـ غيظ:من نص ساعة وأنت بتقول كدا
-ليرد بـ بساطة:طيب يعني لسه في قابيلة للأكل..يلا إفتحي بوقك…

نفخت بـ نفاذ صبر لتفتح فمها على مضض تستقبل ما يُقدمه من الطعام إليها..ليقول بـ إهتمام

-حاسة بـ إيه يا زهرة!..يعني الوجع؟!
-ردت بـ هدوء:وجع خفيف فـ كل حتة غير دراعي المكسور..والرضوض اللي بـ رجلي..غير كدا تقدر تقول صحتي بومب
-إبتسم وقال بـ تهكم:ماشي يا عم البومب
-متتقريش عشان مفرقعش فـ وشك…

وضع الطعام بجواره على الطاولة ثم وضع يديه حول جزعها العلوي الشبه جالس ثم قرب وجهه منها وهمس بـ مكر

-وريني هتفرقعي إزاي!..أصلي بقالي مُدة وحشاني الفرقعة
-زمت شفتيها ثم قالت بـ خجل:بلاش قلة أدب يا رائف..عيب كدا على فكرة..أنا واحدة مريضة والمفروض تراعي يعني
-إقترب أكثر ثم أكمل بـ عبث:وأنا!..أنا مين يراعيني يا مفترية…

وضع قُبلة خفيفة على أنفها ثم همس وهو يبتسم

-أنتِ لازم تخفب بسرعة يا ست زهرة عشان دا غلط عليا
-ضيقت عينيها وقالت بـ تهكم:غلط عليك ليه إن شاء الله!
-غمزها بـ عبث وقال:لم تخفي وترمي عضمك هقولك…

عضت على شِفاها السُفلى بـ خجل ونكست رأسها غيرُ قادرة على مُجابهه طوفان المشاعر الذي تُرسله عيناه

وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها إليه ثم قال وهو يتشرب من قدحي القهوة

-تعرفي إني إتصالحت مع بابا
-إتسعت عينيها وقالت بـ غباء:بابا إزاي!…

ضحك وهو يعتدل ليجلس بـجوارها ثم قص عليها ما حدث وما فعل الجميع من أجله..لتبتسم بـ عذوبة قائلة

-كنت عارفة إنك مش هتخذلني
-قَبّل جانب شِفاها وقال:كل دا عشان أنتِ روضتيني
-إبتسمت وقالت:لأ عشان أنت أب ومش هتستحمل إبنك يعمل كدا..وبعدين أنا عاوزة أشوف غيث..هشوفه أمتى؟
-فـ أقرب فرصة يا حياتي..لأن حاليًا أنا متراقب وبجيلك بـ شق الأنفس والله
-همست بـ حزن:بس هو واحشني
-رد عليها بـ تعاطف:عارف والله..عارف ومُتأكد..بس إستحملي يا حبيبتي عشاني وعشانك وعشان كل اللي بنحبهم…

قطع حديثهم طرق الباب لتدلف إيمان قائلة بـ نبرتها الباردة كـ العادة

-أنا عاوزة أشوف الجرح وأغير عليه…

نهض رائف وإتجه إليها..مد يده بـ الطعام وأخذ صندوق الإسعافات ثم أردف

-خدي أنتِ الأكل دا وأنا هقوم بـ الواجب…

نظر إلى زوجته ثم قال بـ خُبث وهو يغمزها

-مش عاوز أتعبك معايا
-حركت إيمان منكبيها وقالت:أنت حر..لو إحتاجت حاجة أنا بره
-بعون الله مش هحتاجك…

خرجت إيمان ليتجه هو إلى زوجته..حك كفيه بـ بعضهما ثم قال بـ خُبث وعيناه تتفرس خجلها وتوجسها منه

-إستعنا على الشقى بالله
-أشارت بـ تحذير:رائف إعقل كدا وإهدى ها
-رفع حاجبيه قائلًا بـبراءة:الله أنا عملت حاجة!..أنا بس هاخد بالي من مراتي..غلطت أنا يا ناس!
-ضيقت عينيها وقالت:يا خوفي يا بدران…

ضحك رائف بـ قوة ثم قال وهو يقترب منها

-وهو بدران عمل حاجة!..دا غرضه أشرف من الشرف
-أنت هتقولي…

أمسك بـ يده زُجاجة المُطهر وبعض الضُمادات والمراهم اللازمة ليقول وهو ينظر إليها

-يلا إقلعي…


إستيقظ جهاد بعد وقتٍ طويل وكأنه لم ينم..نظر إلى نجلاء التي تنام على صدره..لأول مرة يشعر بـ هذا الكم من الراحة..ينام ويستيقظ وهي بين أحضانه

تلاعب بـ خُصلاتها بـ خفة حتى لا تستيقظ..وتنفسه حاول السيطرة على علوها حتى لا تجفل وتبتعد..أصبحت جزء منه حتى وإن كان صغيرًا..أغلق جهاد عيناه وقال بـ همس

-الماضي بـ النسبالي عائق يا نجلاء..عائق مخليني مش عارف أعيش ولا أنسى…

قَبّل جبينها فـ إستيقظت..تململت ونظرت حولها لتجد جهاد يطبق على جسدها..إنتفضت وإبتعدت عنه ترمقه بـ غضب..ليبتسم هو قائلًا

-طب صباح الخير…

لم ترد عليه..ليتنهد جهاد بـ حرارة ثم تشدق دون أن يقترب منها حتى لا تخاف

-أنا عارف كلمة أسف قليلة على اللي حصل بس أنا مكنتش فـ وعيي
-أردفت بـ جمود:لو سمحت إطلع برة
-همس بـ عذاب:نجلاء…

وصلتها همسته المُعذبة لتنظر إليه بـ صدمة قبل أن تردف وعيناها تعود لجمودها بل ونبرتها تُصبح أقسى

-نجلاء معتش فيها حاجة..سرقت روحها وحياتها..قضيت على حقي فـ الحياة..رميتني فـ البحر وقولتلي عومي لوحدك..أنت بني آدم تستاهل اللي بيحصل فيك..بتمنى من ربنا إن تدوق من نفس الكاس…

ضحك جهاد بـ آسى ليرتفع حاجبيها بـدهشة..إعتدل بـ جلسته ثم قال وهو يضع رأسه بين يديه

-ومين قالك إني مدقوتش من نفس الكاس..أنا دوقت اللي ألعن منه
-هسمت بـ تلعثم:مش..مش فاهمة…

إبتلع جهاد ريقه بـ صعوبة وهو يُقرر لأول مرة الإفصاح عن ذبح براءته بل وكل ما يُقاسيه عله يرتاح أو يهدأ..عله يجد مرساه وكم تمنى أن تكون هي مرساته..لذلك أردف بـ نبرة قاسية بعض الشئ

-هحكيلك حكاية عن طفل مبلغش سن التسع سنين..طفل كان عايش حياته طبيعي بين أم وأب مبيتمنوش غير سعادة إبنهم ويضمنوله مستقبل كويس…

إختنق صوته وهو يُكمل حديثه

-لحد أما أبوه مات..أو هو اللي فكر كدا..أمه كانت بتحب أبوه وعشان كدا قررت إنها تعيش عشان إبنها..بس طلع واحد وغصب أمه تتجوزه..وهنا بدأ عذاب الطفل اللي سمع فـ يوم ان الواحد دا هو اللي قتل أبوه البنا..الراجل الطيب اللي الناس قالت إنه وقع من على ااسقالة بتاع العمارة من الدور العاشر…

إختفى لون وجهه ثم أكمل وهو ينظر إلى عينيها التي تُطالعه بعدم تصديق

-سمعه وهو بيقول لواحد إنه لو عَرّف حد عن اللي حصل وإن هو اللي زقه من السقالة هيقتله هو كمان..كان ساعتها طفل صغير معندوش أي فكرة يعمل إيه..مكنش يقدر يعما حاجة غير إنه خاف..غصب عنه والله..مجرد طفل محدش هيصدقه..ويكدب راجل كبير كان صاحب أبو الطفل دا وإتجوز أمه عشان خاطر يربيه…

وضع يديه على وجهه ثم أكمل غير قادر على النظر إلى عينيها

-فـ يوم سمع أمه بتنضرب من الراجل دا..طلع يشوف في إيه..تقدري تقولي فضول..فضول دبح طفولته..مترحمش من ضربه ومن إهانته..حزامه كان بينزل على جسمه وبيسيب أثر فـ روحه قبل جسمه صعب يتمحي…

رفع نظره إليها وهو يراها بـ حالة ذهول تام ثم أردف بـ نبرةٍ مُختنقة

-والجرح الأصعب إنه إغتال براءته..مش بس مرة لأ دا لسنين..سنين طويلة إنتهاك جسدي ونفسي والطفل ساكت مش قادر يقول ولا يعمل حاجة..الخوف الحاجة اللي مقدرش يتغلب عليه وقتها..عشان كدا كان بيتمادى بـ طغيانه..الطفل روحه إطفت وكره كل حاجة..إدبح بسكينة باردة أخدت كل حاجة حلوة جواه..و كونت مسخ…

شهقت نجلاء وهي تضع يدها على فمها وقد بدأت تفهم أن ذلك الطفل لم يكن سواه..سمح لـ الضعف بـ السيطرة عليه ليقول بـ نبرة شبه تهكمية

-أقدملك أعظم أعماله..أنا..أنا الطفل والمسخ…

بعترف إن الفصل قصير..بس إدعولي بالشفاء 

 

error: