رواية روضت الذئب بقلم اسراء على/كاملة

رواية روضت الذئب بقلم اسراء على الفصل الثانى عشر

الحبّ لا يُقاس بعدد الساعات التي كلّمك فيها بالبطاقات الهاتفيّة،
بل بالزمن الذي في انتظاره،
كنت تحسب الأشهر والأسابيع والأيّام بالساعات،
وحده الوفاء يملك عدّادًا دقيقًا للوقت،
إنّه النخاع الشوكي لذاكرة العشاّق…

وقف أمام المرآة يتطلع إلى وجهه المكدوم..زفر بـ ضيق وأردف

-إيدك تقيلة يا أبو نسب…

إنحنى يغسل وجهه ثم جففه وخرج من المرحاض..فـ وجد نهلة تضحك غيرُ قادرة على كبح ضحكاتها..لولهة تجمد أمام روعة إبتسامتها الصادحة بـ المنزل..كأنها عادت إلى ذلك اليوم الذي إتعرف به بـ عشقه لها مُنذ سنوات..والآن ها هو يقف أمام تلك الضحكة مرةً أُخرى

إرتسمت إبتسامة دافئة على شفتيه وهو يُطالع نظراتها الشقية التي ترمقه بها وإبتسامتها الخبيثة ليقول وهو يضع يده السليمة بـ خصره

-أضحكِ يا ست نهلة..ما أخوكِ مبيتشطرش إلا على العبد لله
-ضمت شفتيها وقالت بـ صوتها المكتوم:ما أنت غلطان الصراحة
-تشدق بـ دهشة:غلطان عشان كنت خايف عليه وعلى مراته!..لولا إننا خبينا عليه..مكنش زمانها لسه عايشة…

أمسكت بـ عُلبة الإسعافات الأولية ثم قالت وهى تتجه إلى الأريكة بـ مُنتصف الصالة

-طب تعالا أغيرلك ع الجرح
-أردف بـ إمتعاض وهو يتجه إليها:طيب…

جلس بـ جانبها لتلتفت إليه تفتح الصندوق وأخرجت من بعض القطن والمطهر الخاص بـ الجروح..تركتهم ثم نزعت الضمادة عن جبهته ذلك الجرح الناجم عن الحادث وبـ جانبه جرح سببته قبضة رائف ما أن عَلِم بـ أن زوجته على قيد الحياة

كانت تعمل بـ تركيز غيرِ واعية لنظرات أحمد إليها..كان هو ينظر إليها بـ عُمق يُحي أحداث ولت..خُصلاتها البُنية التي كانت تتطاير بـ وجهه كلما جلس بـجوارها تعقصها الآن على هيئة ذيل حُصان طويل..شفتيها التي كانت تطليها بـ أحمر شفاه قاني يُثير غرائزه..الآن شفتيها زهرية بـ لون أسره دون أن يعي..ثيابها المُبتذلة التي كانت ترتديها قبلًا..الآن أصبحت أكثر إحتشامًا..شتان ما بين نهلة التي أحبها آنذاك وبين نهلة التي بدأ قلبه بـ إعلان العصيان عليه

تنهد بـ حرارة أجفلتها لتتراجع مُتساءلة بـ توجس

-في حاجة!…

أجفل هو الآخر من تراجعها وهو يعي تلك التنهيدة الحارة التي خرجت من فَيهِ ليقول بـ توتر

-لا مـ..مفيش حاجة..بس بفكر فـ اللي هنعمله
-أومأت بـ خفة قائلة:طيب…

لم يكن يعي أنه إستغرق وقتًا طويلًا بـ ذكرياته إلا عندما وضعت الضُمادة على جرحه..رف بـ جفنيه بـ دهشة وأردف

-كدا خلاص؟
-عقدت نهلة حاجبيها وقالت بـ عدم فهم:أنت كنت عاوزني أفتح الجرح مرة تانية ولا إيه!
-حك جانب عنقه وقال:لا أبدًا..بس أصلك خلصتي بسرعة
-ردت عليه بـ بديهية:أنا بس بغيرلك مكان الجرح..مأخدش مني كتير يعني…

لملمت الأشياء لتضع بعضها بـ سلة المُهملات والآخرى أعادتها إلى صندوق الإسعافات الأولية..حمحم أحمد وقال

-تعالي نقعد فـ البلكونة أظرف
-أوكيه…

توجها إلى الشُرفة ثم جلسا مُقابلين لبعضهما..إتكأت بـ مرقفها على الطاولة الخشبية ثم قالت وهي تنظر إلى الحي

-أخبار ملك إيه!..ليه مش بتجيبها هنا؟
-أجابها بـ خفوت وهو ينظر إليها:خايف عليها بعد اللي حصل معانا..عشان كدا سايبها عند حد معرفة بروحلها كل شوية…

نظرت إليه بسرعة ترمقه بـ حدة جعلته يرتد إلى الخلف ثم أردفت بـ عصبية

-والحد دا أنت واثق فيه!
-إبتسم أحمد وقال بـ لُطف:متخافيش يا ست نهلة..الحد دا يبقى أخو مراتي الله يرحمها..فـ هي فـ أمان…

أومأت بـ خيبة أمل فـ هي كانت تأمل أن تكون هذا الشخص..تعلقت بـ إبنته كثيرًا وأرادت أن تُمضي الكثير من الوقت معها

إنتفضت على ملمس يده الذي أمسك كفها فـ نظرت إليه بـ أعين مُتسعة من الخوف..ليردف هو بـ إطمئنان

-إهدي يا نهلة..أنا شايف إنك بتتحسني..حتى أنا وأنتِ فـ مكان واحد ومحصلش إنك خوفتي أو حصل مني أنا حاجة
-توترت قائلة:عشـ..عشان أنا عارفة..إنك مش هتأذيني
-شد على قبضتها وقال:عمري ما هأذيكِ يا نهلة..أنا عاوز أعتذرلك
-سألته:على إيه!
-نظر إلى زرقاوتيها وقال:على اللي قولته من تلات سنين..لما إتقابلنا وعرفت إنك لسه عايشة..قسيت عليكِ من غير أما أسمعك..فـ أنا أسف…

إزدردت ريقها بـ توتر ثم قالت وهي تُحاول سحب يدها من بين يديه

-أنا نسيت أصلًا اللي حصل..الفترة دي فعلًا أنا مكنتش واعية لـ اللي بيحصل حوليا
-إبتسم على محاولاتها وقال:ومع ذلك أنا أسف…

أومأت بـ خفوت دون رد..ولم تتوقف محاولاتها في الفكاك من بين قبضته ولكنها باءت بـ الفشل لتقول بـ يأس

-ممكن تسيب إيدي..أنا مش مرتاحة
-رفع حاجبيه ثم أخفضهما قائلًا بـ مرح:تؤ..أنا عاوزها كدا…

زفرت بـ ضيق وقررت الهدوء حتى يتركها هو عندما يمل..ولكنه لم يمل أبدًا..نظراتها ضد نظراته..ضيقها مُقابل حنانه وشقاوته..خوفها يُبدده نظرة الدفء بـ عينيه وكأنه يعلن أنها تحت كنفه وحمايته..أنها مُستحقاته التي سيستردها بـ الوقت المُلائم

زفرت بـ حنق لتُبعد ناظريها عنه أما هو فـ حدق بها بـ حُرية أكثر..وعادت خُصلاته تتطاير مع النسيم الهادئ لتلمس أطرافه الناعمة وجهه الخشن فـ تتشابك مع لحيته الخفيفة..فـ يتمرد القلب ويضرب جنبات صدره بـ عُنف


مسح على خُصلاتها السوداء عدة مرات وهو يتأكد أنها بين يديه..لم يكن حُلمًا أو وهمًا وهو يراها مُمدة على الفراش..بـ الرغم الأجهزة التي تُبقيها على قيد الحياة إلا أنها بعثت به أمل جديد..حبل نجاته لم ينقطع بعد

مال يهمس بـ أُذنها وهو يُقبل كل إنش حولها

-مش مصدق إنك هنا فـ الدنيا..لسه معايا وهتفوقي إن شاء الله قُريب..عارفة يا حبيببتي…

إرتفع بـ رأسه إليها ونظر إلى عينيها وكأنها تراه ثم أردف

-أنا منستش الصلاة زي ما وصتيني..قولتي هي اللي بتقربنا لبعض..وفعلًا كل ما بصلي وأنام بتجيلي فـ المنام..ونقعد نتكلم مع بعض زي زمان…

رفع كفها يُقبله عدة مرات ثم أكمل وعيناه تلمعان بـ عبرات يحتبسها قدر الإمكان

-عشان خاطري متخذلنيش وتسبيني..أنا ممكن أضيع من غيرك..الأمل بس اللي أحمد رماه بعد أما قالي إنك عايشة كان محسسني إني فـ وهم..بس وأنا شايفك دلوقني خلاني أصدق إنك بتعافري عشان متسبنيش…

هبط يُلثم ثغرها المُكتنز بـ رقة وهو يُغمض عينيه فـ أدت إلى سقوط عبرة من بين جفنيه فوق جفنها هي..إبتعد وهمس

-بحبك يا زهرة فـ بستان مفيهوش إلا شوك…

نهض وكاد أن يخرج إلا أن تلك المُمرضة دلفت ثم قالت وهو تمد يدها بـ طبق ملئ بـ الماء ومنشفة صغيرة مغمورو به

-حاول ترطب جسمها براحة عشان الجروح اللي فيه
-تناول منها الطبق وقال:طيب..الدكتور مُحي هيجي تاني!
-لأ..هو هيجيلك المقابر..متتأخرش الشمس قربت تطلع…

وإستدارت تعود أدراجها ليعود هو إليها..جلس على طرف الفراش ثم أخذ المنشفة وإعتصرها بـ قبضته ليضعها فوق جبينها بـ خفة مُتحاشيًا الجروح..إبتسم وقال

-فاكرة لما مكنتيش بترضي أخد شاور معاكِ!..أهو أنا اللي بعملها دلوقتي..وهذلك بيها لما تفوقي…

عاد يغمر المنشفة بـ الماء ثم إعتصرها وكرر ما فعله مع باقي أجزاء جسدها..وبعد أن إنتهى مال يُقبل جبينها وقال بـ حنو

-مش هتأخر عليكِ..يومين وهجيلك تاني…

ثم نهض وإتجه إلى الخارج..وجد السيدة تقوم بـ أعمال المنزل ليُشير إليها بـ الرحيل فـ أومأت له


هبط الدرج بـ حرص..ثم نظر حوله فـ وجد أن الحركة قليلة إذ لم يستيقظ الناسُ بعد..أخرج من جيب عباءته نظارة شمسية و وضعها على عينيه الزرقاوين ليتحرك بعدها مُستقلًا أحد مواصلات النقل العامة

وبعد أن وصل إلى القاهرة..ذهب إلى شقته بـ القاهرة بـ الخفاء ليصعد إلى الطابق المُخصص له..دلف إلى الداخل ليجد والدته تُجالس الصغير..تجمد لحظات ولكنه أردف بـ جمود

-صباح الخير…

نهضت رحمة وهي تحمل الصغير قائلة بـ إبتسامة حانية

-صباح النور يا حبيبي..كنت فين من الصبح!
-أجابها بـ شئٍ من التحفظ:كنت بصلي الفجر…

تهللت أساريرها لتتجه إليه تُعطيه الصغير الذي أخذ يلوح بـ يديه بـ الهواء رغبةً بـ الوصول إلى والده..ليتلقفه رائف رادفًا

-متتعبيش نفسك..أنا هجيبله حد ياخد باله منه
-عاتبته رحمة:دا اسمه كلام!..دا حفيدي يا رائف يعني حتة مني زيك بالظبط..أنت بس لو تسمع الكلام وتيجي البيت
-تشدق هو بـ صلابة:مش هينفع..أنا مش هقدر أعتب البيت دا تاني..أنا بس عاوز أفهم إزاي قدرتي تعيشي مع واحدة أذت ولادك وأذتك معانا!…

إبتسمت رحمة و وضعت يدها على ذراعه التي تحمل صغيره ثم هتفت بـ هدوء

-اللي فات مات..وجدتك طلعت مريضة فـ مقدرش أعاتبها فـ حاجة زي دي..دا غصب عنها…

تشنجت عضلاته من لمستها ولكنه لم يُحاول إبعاد يدها عنه فـ هو أراد أن يُختبر إحساس أن يكون قريبًا من والدته كما أخبرته زوجته دائمًا..ولكنه أردف بـ عُنف

-وقبل كدا!
-قبل كدا دي كانت والدة أبوك..و جوزي..أنا أه إتأذيت منها..كلنا إتأذينا ومحدش قدر يسامحها لكن مكناش نقدر نسيبها كلنا ونديها ضهرنا..يمكن أنت شايفها واحدة مخربتش غير حياتنا..بس على الأقل يا رائف لما كانت بتأذيك حاولت تصلح غلطها لما فاقت من غير أما تعرف…

شدت بـ قبضتها على ذراعه وأكملت

-إحنا مش ملايكة يا رائف..وأنت مكنتش ملاك..فـ مطحتش كل ذنب على ناس غيرك وأنت اللي برئ وإتظلمت..لأنك زي ما إتظلمت ظلمت..وأولهم زهرة وبعدين أنا…

إتسعت عيناه بـ قسوة وقبل أن يهتف كانت هي سبقته هاتفة بـ قوة

-أيوة..زهرة وقعت فـ طريقك صدفة..ولولا إنك عرفتها فـ الوقت المُناسب كان زمانها كرهاك دلوقتي..وأنا مكنش ليا إيدك فـ اللي حصلك بس أنت مُصمم تعاقبني..زيي زي أبوك..اللي بيحاول يصلح اللي إتكسر بس أنت مش بتساعده…

ربتت على ظهر الصغير وقالت بـ حنو ناظرة إلى عينيه التي تُطالعها بـ جمود

-عشان خاطر إبنك إتغير..متورثوش الكره والحقد..متخليش قلبه يتملا سواد..جايز ميكنش حظه زي حظك ويلاقي اللي يفوقه…

تنهدت أخذةً نفسًا عميق وقالت

-أنا أكلته..هو صاحي من زمان..يعني شوية وهتلاقيه هينام تاني..فـ إقعد معاه شوية وبعدين شوف هتروح فين…

ثم تركته وإتجهت إلى أحد الغرف مُغلقة الباب خلفها..تاركة إياه يتصارع مع نفسه وحديث والدته ذكره بـ حديث صغيرته التي طالما أخبرته تلك العبارة

-متاخدش ناس بـ ذنب ناس يا رائف..أنا جنبك لسه عشان عرفت إنك مظلوم..بس مش معناه إنك مظلمتش..صفي قلبك يا حبيبي..صفيه عشان تقدر تعيش وأقدر أنا أعيش معاك…

إحتضن صغيره بـ قوة يُقبل رأسه ثم غمغم بـ ضيق وهو يتجه إلى غُرفته

-والله مش عارف أعمل إيه!..أنت إيه رأيك؟…

غمغم الطفل بـ كلماتٍ غير مفهومة ليقول رائف بـ موافقة

-أنا قولت كدا برضو…


إندفع إلى غُرفته كـ المجنون ليدفع الباب بـ قوة هادرًا دون أن يهتم بـ ذلك المشهد المُبتذل أمامه

-أنت قولتلها إيه!…

إبتعد رحيم عن الفتاة وجذب بنطاله يرتديه ثم قال بـ برود وهو يُبعد خُصلاته عن وجهه

-مش المفروض تخبط قبل ما تدخل!..أديك شوفتنا فـ وضع مش كويس…

أطاح جهاد بـ المقعد أمامه ثم هدر بـ صوتٍ جهوري

-البت دي خط أحمر يا رحيم لو قربت منها..هقتلك وأنت عارف إني أقدر أعملها…

إستمع رحيم إلى حديثه بـ لا مُبالاةٍ ساخرة ثم تشدق وهو يسكب كأسًا من النبيذ الأبيض

-كنت عملتها من زمان يا بن أمك..بس أنت لسه جبان..وهتفضل جبان لحد أما أنا أموت
-صر جهاد على أسنانه ليقول بـ غضب:أنت أقذر بني أدم شوفته
-رفع رحيم كأسه يُشير به وقال بـ سُخرية:من بعض ما عندكم…

تقدم منه ومر بجواره ليسمع صوت تنفس جهاد الحاد ثم جلس على الأريكة يُخرج من عُلبة سجائره لُفافة تبغ وأشعلها قائلًا

-سيبك من الهري دا كله وخلينا فـ المهم…

إلتفت جهاد إليه ثم تقدم منه وضع قدمه على الطاولة التي أمامه وهمس بـ فحيح أفعى

-صدقني يا رحيم هندمك ع اليوم اللي دخلت فيه للبنت دي
-ليقول رحيم بـ نفاذ صبر:يووووه..ما خلاص يا جهاد بقى ميبقاش مخك صغير..دي مجرد بت لا راحت ولا جت…

كور قبضته وضرب سطح الطاولة لتتهشم مُسببه جرح بـ يده ولكنه لم يُبالي..نظر رحيم إلى شظايا الزُجاج المُهشم ثم إلى جهاد ليردف بعدها بـ خُبث

-طيب أنا عندي ..deal (إتفاق

أخذ لُفافة التبغ بين شفتيه ثم أردف بعدما زفر سحابةً رمادية

-لو إتفقنا يبقى خلاص..السنيورة بتاعك دي هخليك تاخدها for free
إرغي-
إبتسم رحيم بـ مكر وقال:أخت رائف-
-عقد جهاد حاجبيه وتساءل:مالها
-تُخصني…
-تُخصك إزاي مش فاهم!
-إبتسم حتى ظهرت أسنانه الصفراء وتشدق:يعني عاوزها..يعني زي البت بتاعتك..يعني تبقى هنا فـ ظرف أسبوع ودا عشان خاطرك…

نظر إليه جهاد مُطولًا ثم تساءل بـ إستفهام وهو يحك ذقنه

-وأنت تعرفها منين!
-تراجع رحيم بـ ظهره إلى الخلف وقال:ملكش دعوة بـ دي..أنا عاوزها وخلاص
-ماشي…

قالها على مضض ولكنه رفع سبابته مُحذرًا ثم هدر

-لو رجعت فـ إتفاقنا..متزعلش من اللي هيحصل
-ضرب رحيم على جانب عنقه وقال:عيب عليك..كلمتي سيف على رقبتي…

مدّ يده ليُصافحه قائلًا بـ مكر

-حط إيدك فـ إيدي نوثق الإتفاق…

نظر إليه جهاد بـ إزدراء قبل أن يتركه ويرحل..قذف رحيم ما تبقى من لُفافة التبغ ودهسها هاتفًا بـ إبتسامة عابثة

-كله يهون عشانك يا أم عيون زُرق…

ثم نظر إلى ذراعه الموشم بـ صورتها وهي تضحك وأسفل ذلك الوشم خط حروف اسمها الذي يحفظه عن ظهر قلب


صف رائف سيارته أمام المقابر تحديدًا أمام قبر زوجته المُزيف..فتح البوابة ثم دلف ليجد والده جالسًا بـ إنتظاره

توجه رائف إليه وحياه ليجلس بـ جانبه فـ سأله مُحي مُباشرةً

-شوفت مراتك يا سيدي!
-أومأ رائف وقال:أيوة..نفسي أفهم أنت عملت كدا ليه؟
-أغلق ملف كان بـ يده وقال بـ جدية:عشان اللي بيخونا طلع من المستشفى عندنا…

رفع رائف حاجبيه بـ تعجب..ليمد مُحي يده بـ ملف يطلب منه أن يقرأ اسم الطبيب فقط ثم أكمل هو

-شغال دكتور فـ قسم (مخ وأعصاب) بـ المستشفى..لما حصلت الحادثة وزهرة إتنقلت كان مُصمم يعرف إيه اللي بيحصل..بحجة إنه بيطمن على مرات ابني..بس أنا كنت أصلًا شاكك فيه من زمان فـ عشان كدا عملت الفيلم دا
-وليه مراتك متعرفش؟..ليه أنت وأحمد بس؟
-أجابه مُحي بـ جدية:عشان دا الصح والأأمن لينا كلنا
-إلتفت إليه رائف وأردف:عاوز أفهم كل حاجة…

أومأ مُحي وهو يستعيد أحداث ذلك اليوم

“عودة إلى وقتٍ سابق”

بعدما تلقى الإتصال من أحمد أمر بـ تجهيز غُرفة الجراحة على عجل..وعندما وصلوا جميعًا كان أحمد قد تلقى الإسعافات الأولية فـ إصابته كانت طفيفة عدا الشرخ بـ يده اليُسرى

لم يعرف أحمد سبب إصرار مُحي على بقاءه بـ المشفى تلك الليلة..ولكنه إمتثل لما يقول

وعلى الناحية الأُخرى بدأت إجراء الجراحة لإنقاذ زوجة إبنه..كان مُحي يتصصب عرقًا ولكنه كان من التصميم والإرادة لكي يُنقذها

ولكن لسوء الحظ توقف القلب عن العمل..حاول إنعاشه أكثر من مرة ولكن بلا فائدة..لذلك أمر الطبيب أن يُخبر إبنه أن زوجته ماتت فـ هو لن يحتمل

وبـ مجرد خروج الطبيب أعاد مُحي إنعاشها مُتخذ كل السُبل حتى حدثت المُعجزة وعاد نبضها الضعيف يرتسم على الشاشة..زفر بـ إرتياح وأرسل إلى أحمد بـ القدوم

وما ساعده ذلك الهرج الذي أصاب الجميع بـ الخارج..دلف أحمد دون أن يلحظه أحد وبـ قدر الإمكان عاون مُحي بـ إجراء الجراحة

“عودة إلى الوقت الحالي”

-تساءل رائف بـ جمود:طب كل دا حصل إزاي وليه؟
-وضح مُحي قائلًا:أحمد لما دخل الأوضة كنت أنت مُنهار مع أختك..هو إستغل الوضع ودخل..محدش عرف..رغم أن وضعه مكنش يسمح بس هو متأخرش
-ونقلتوا زهرة إزاي؟

“عودة إلى ذلك اليوم”

ليلًا بعد مُنتصف الليل..وما أن تأكد مُحي من هدوء الأوضاع بـ الخارج..توجه إلى مكتبه وأغلق كاميرات المُراقبة بـ الطريق الذي سيسلكه وأمر أحمد بـ أم يذهب إلى غُرفة الأمن وإخبارهم بـ أن هُناك أعطال بـ تلك الكاميرات

توجها الإثنين إلى غُرفة خاصة..وبحرص قاما بـ نقل إسراء..وتم نقلها بـ سيارة إسعاف مُجهزة بـ أحدث الأجهزة كي يتم نقلها

بـ الرغم المُعاناة والصعوبة اللتين عانيا منهما ولكنهما لم ييأسا..و تم نقلها إلى الفيوم بـ نجاح

“عودة إلى الوقت الحالي”

ليُضيف مُحي قائلًا

-وبكدا عملنا كل حاجة إحنا الإتنين..مش هقولك الموضوع كان سهل..لأ دا كان أصعب مما تتخيل..أي غلطة مراتك كانت هتروح فيها..عشان كدا مرضتش أقولك ساعتها لأني عارف إنك متراقب وأي حركة مش محسوبة أنت اللي هتتضر…

تنهد رائف وهو يحمد الله لما حدث..لم يعرف ما يقول سوى أنه غمغم بـ خفوت

-شكرًا…

صُدم مُحي للحظات ولكنه إبتسم وربت على ساق رائف ثم هتف

-العفو يا سيدي..عشان تعرف غلاوتك بس…

نظر إليه رائف دون تعبير مُحدد ولكن مُحي لمح ذلك الإمتنان الخفي بـ نظرة عينه الضائعة..ليقول بعدها بـ جدية

-المهم دلوقتي..أنا كلمت حد معرفة عشان نخلص من الموضوع دا
-قاطعه رائف:أهم حاجة..طارق وهايدي إختفوا!!
-أجابه مُحي بـ تأكيد:حصل..متقلقش..دلوقتي بقى يا سيدي..حد فـ الداخلية هيساعدنا..قالي إنهم هيدسوا حد بينهم ويجيب أخبارهم وبكدا نخلص منهم…

نهض رائف ونفض الأتربة عن ثيابه ثم تشدق بـ نبرة قاسية تحمل الكثير من الوعيد

-مفيش داعي..دا موضوع يخصني وأنا اللي هخلصه
-نهض مُحي هو الآخر وتساءل بـ توجس:قصدك إيه!..هتهدم اللي بعمله؟
-حرك رائف رأسه نافيًا ثم أردف:لأ..أنا اللي هكون وسطهم..والأخبار أنا اللي هوصلها
-سأله بـ شك:تفتكر هيثقوا فيك!!
-أجابه بـ ثقة:هو دا اللي عاوزين يوصلوله من الأول..إني أرجع..بس أرجعلهم راكع..وأنا مش هحرمهم من حاجة….


هبطت الدرج خلفه وهى تنظر إلى ظهره بـ خجل..حديثهم بـ الصباح جعل حدة توترها وخوفها يتلاشى شيئًا فـ شئ..وكم أحبت أحاديثه..أخبرها كيف تم إستعادة زهرة وإخفاءها عن الأنظار

فاقت من شرودها على صوته وهو يقول

-هاتي إيديك يا نهلة!
-ضيقت عينيها وتساءلت:ليه؟…

لم يرد عليها بل جذب كف يدها و أطبق عليه ثم قال وهو ينظر إليها

-كدا أنا مطمن أكتر..أنتِ أمانة لازم أوصلها…

أبتسمت بـ تردد ثم توجهوا إلى السيارة..صعدت هي وتبعها هو ليقود السيارة بـ صمت..قطعته هي بـ صوتها الرقيق

-أنت ليه ساعدت رائف!
-إبتسم أحمد وأجاب:أنا ورائف صُحاب يا نهلة..إخوات كمان يا ستي مش صُحاب..ومهما حاولت أكرهه زمان معرفتش..أنا مكرهتش غيرك وقتها
-شهقت وقالت بـ إستنكار:بتكرهني!!!
-ضحك أحمد وقال بـ مرح:كنت..كنت يا نهلة..فعل ماضي يا ماما…

أومأت بـ رأسها بـ شئٍ من الخجل..ليردف هو بـ مكر

-مسألتيش يعني دلوقتي حاسس بـ إيه ناحيتك!
-حمحمت وقالت بـ إرتباك:مـ..مش عاوزة أعرف..خليها فـ سرك…

ضحك بـ قوة ثم نظر إليها من طرف عينه ليجدها تتلاعب بـ ثيابها بـ توتر ليرحم إرتباكها قائلًا بـ مُزاح

-خلاص يا ستي..هخليها فـ سري…

أومأت بـ خفة ثم نظرت إلى الطريق تتحاشى النظر إليه

بعد دقائق وصلا إلى البناية التي يقطن بها رائف بُناءًا على طلبه..همت أن تترجل ولكن أحمد إستوقفها قائلًا

-نهلة؟
-نظرت إليه وأجابت بـ رقة:نعم!
-فيه إتنين عينهم رائف عشان ياخدوا بالهم منك..يعني متخافيش منهم..هما واقفين هناك…

أشار بـ يده إلى مدخل البناية لتنظر إليهما بـ رهبة فـ إلتفتت إليه سريعًا تنظر إليه بـ عين قطة مُتسعة ثم طلبت بـ رجاء لم يستطع رفضه

-متسبنيش أنزل لوحدي..هخاف…

أمسك يدها وقال بـ نبرة حانية وكأنه يُحادث طفلة بـ الخامسة من عمرها

-هطلع معاكِ..كدا كدا والدتك فوق
-أومأت عدة مرات قائلة:طيب…

كادت أن تترجل مرةً أُخرى ولكنه ضغط على كف يدها وقال بـ صرامة مُحببة

-نهلة!!..إسمعي كلام الشخصين دول..متطلعيش لوحدك فاهمة؟
-أومأت بـ طاعة:حاضر..يلا بقى ننزل أنا تعبت
-يلا…

ترجلا من السيارة لتنتظره وتُمسك بـ يده فـ تفاجئ هو من تلك الحركة ولكنه ضغط على يدها وسحبها خلفه صاعدًا البناية يتبعه الرجلين

وعلى الجانب الآخر من الطريق..تابعت أعين ذلك الرحيم تلك الحورية الصغيرة..تتحرك بـ خفة فراشة وجسد يخطف أنفاسه الجائعة إليها..خُصلاتها التي تتراقص خلف ظهرها فـ تجعل شهواته تتراقص معها

وضع يده على صدره وهو يلعق شفتيه بـ رغبة في إمتلاكها ثم همس وهو يُدير مُحرك السيارة

-هانت يا قمر..هانت وهتبقي بتاعتي…

error: