رواية روضت الذئب بقلم اسراء على/كاملة

رواية روضت الذئب بقلم اسراء على الفصل الرابع

 

روضت_الذئب

قد تكون الحياة عادلة في بعض الأحيان…

ولكنها تكون ظالمة أكثر في أحيانًا كثيرة…

لربما تُعطي قليلًا…

ولكنها تأخذ كثيرًا…

-والدتك كانت بتعاني من الشيزوفيرنيا…

ساد صمتٌ مُهيب عقب ما تفوه به الطبيب سالم الذي وزع أنظاره يُتابع ملامحهم المشدوهه..ليتنحنح بعدها قائلًا بـ هدوء و وقار

-أنا عارف إنها صدمة..بس هي طلبت مني محدش يعرف حاجة عن المرض دا
-غمغم مُحي عقب أن تتدارك دهشته:يعني فضلت إنها تكون مُذنبة على إنها تكون مريضة!
-رد عليه سالم:والله دي كانت حاجة تُخصها..أسبابها مش معروفة..أنا كنت حابب أعرف ليه بس الظاهر إن كانت فيه حاجة فـ دماغها
-تساءلت رحمة بـ تجهم:بخصوص؟!
-نظر سالم إلى رائف وقال:رائف بيه…

إرتفعت أنظار رائف إلى سالم سريعًا بـ ملامح لا تحمل أي تعبير ثم تساءل بـ جفاء

-وضح مش فاهم!
-شابك سالم أصابعه وقال:من حوالي أتناشر سنة أو أكتر حصل خلاف بينك وبين سُعاد هانم..بخصوص زوجة حضرتك…

قست تعابير وجهه سريعًا وقبل أن يتحدث..كانت زهرة قد أمسكت بـ يده مُحركة رأسها نافية ليُتابع سالم الحديث

-جايز الكلام دا مش هيغير حاجة بس سُعاد هانم حكتلي كل حاجة..بداية لما عرفت إنك متعلق بـ طفلة وإنك حبيتها..لحد أما قررت تبعدها عنك وتطرد جدها من الشُغل..كل اللي عملته كان تحت تأثير نوبات كانت بتجيلها من ضمنها دخولك السجن ومصحة نفسية..لما فاقت وأستوعبت اللي حصل قررت إنها تعمل أشعة وتشوف إيه اللي بيحصلها..وكانت النتيجة إنها بتعاني من المرض دا من فترة طويلة…

أخذ سالم أنفاسه وأكمل حديثه دون أن يلتفت إلى تعابير الدهشة والإستنكار المُرتسمة على وجوههم

-وهنا كان دوري..كنت بتابع معاها خطوة بـ خطوة حتى أنا اللي ساعدتها تخرجك من السجن زي ما دخلتك بالظبط..صحيح تعبنا بس على الأقل حاولنا..ولما حاولت أقنعها تحكيلك رفضت بشكل قاطع..لأسباب برضو لازلت أجهلها..بس من واجبي أعرفكم زي ما طلبت مني قبل الوصية…

كانت تعابير رائف لا تدل على شئ سوى الصدمة التي ألجمت فاه الجميع

بعد مُدة إحترمها سالم لكي يستوعبوا ما تفوه به..إلا أن رائف تشدق بـ جمود

-طب وأختي!!..الضحية الوحيدة اللي إتأذت أكتر مني!
-رفع سالم منكبيه وقال:حقيقي دي الحاجة الوحيدة اللي معنديش رد عليها..بس أرجع أقولك جدتك مكنتش مُتزنة يا رائف بيه…

إلتوى فم رائف بـ شبه إبتسامة مُتهكمة قبل أن ينهض و يقول بـ نبرة صارمة

-أنا هطلع أشوف نهلة توأمي..بعد إذنكوا…

نهضت إسراء خلفه تلحقه لتُمسك ذراعه قائلة بـ قلق

-رائف أنت كويس!
-مسح على وجنتها وقال:مقدرش أقولك إلا لما أطلع وأشوف نهلة…

أومأت بـ إبتسامة مُهتزة لتترك ذراعه وتعود..كان المُحامي يقرأ عليهم الوصية ولكنها لم تستمع إلى حرف مما يُقال

إنصرف المُحامي لتتجه رحمة إلى غيث وبدأت تُلاعبه بـ لُطف..ليتجه مُحي وطارق إلى إسراء ليتحدث طارق أولًا

-هتعملي إيه مع رائف يا زهرة!
-تنهدت بـ ثُقل قائلة:والله مش عارفة..رائف محدش بيتوقع تصرفاته ولا ردات فعله..هو حاليًا بيعاني صدمة بس هو أدها
-يارب
-جلس مُحي أمامها وقال:حاولي تقنعيه ميسافرش دلوقتي لحد أما نشوف هنعمل إيه
-أومأت ثم قالت بـ لُطف:حضرتك كويس!
-ضغط مُحي على عيناه وقال:والله ما أنا عارف..مش عارف أدعيلها بـ الرحمة ولا أقولها الله يسامحك على اللي عملتيه فينا ولا أعمل إيه!
-ردت عليه زهرة بـ هدوء:هي مكانتش عاوزة تخلي المرض عذر..هي ظهرت مُذنبة وحبت تكمل دورها كدا…

نظر إليها مُحي بـ صدمة قبل أن يعتدل بـ جلسته ثم قال بـ نبرة مُنفعلة

-كلام إيه دا يا زهرة!..لو كبرياءها منعها على الأقل عرفتني أنا..كنت هقدر أحل ولو جزء بسيط..أنا عارف إنها كانت مريضة..بس أوقات كانت في كامل وعيها ليه محاولتش تصحح كل دا قبل ما تموت
-طب خلاص إهدى يا دكتور محصلش حاجة..ولو كان على رائف سيبهولي وأنا هتصرف…

*************************************

كان رائف يصعد درجات السُلمْ بـ بُطء رهيب..حتى وصل إلى غُرفتها..لم تكن تلك أول مرة يدلف إليها..بل كان يُراقبها أثناء نومها لم يُدهشه الشبه الذي لم يلتفت إليه قبلًا ولكن الآن أصبحت مشاعر أُخرى غير النفور منها هو ما يختلجه..قد يكون شفقة لما أصابها أو الأخوة التي يُريد أن يشعر بها

كان طارق قد أخبره قبلًا أنه تأقلم مع نهلة وحالتها سريعًا فـ لم يكن مثل رائف..بل تعامل معها بـ أريحية حتى تتقبل علاقتهما وبـ الفعل بدأت علاقتهما تتحسن وتتقبل طارق حتى وإن كان تحسن لا يُذكر

وضع يده على المقبض وأداره ليجدها تجلس على مقعد أمام النافذة شاردة كـ عادتها..تقدم منها ثم جلس وعيناه لا تُفارق وجهها الذابل..ظل فترة على ذلك المنوال حتى تشدق بـ نبرة خافتة

-إزيك يا نهلة!!…

نظرت إليه نهلة ولم ترد..بل ظلت تنظر إليه وملامحها باهتة ، ذابلة ، ميتة وكأنها جثة عفنة..إبتلع غصة غريبة بـ حلقه ثم أكمل

-أنا رائف أخوكِ..يمكن متعاملناش مع بعض أبدًا بس إحنا إتأذينا بـ درجات مُختلفة..عارف إنك أكتر واحدة إتأذيتِ..بس أنا كنت فـ حالة متسمحش إني حتى أتقبل علاقتنا…

عقدت نهلة حاجبيها ثم تساءلت بـ بُطء وتعجب

-علاقتنا!!
-أومأ بـ رأسه وقال:أنا قولتلك إني أخوكِ..توأمك يا نهلة..مكنتش أعرف إنك ضحية زيي..بس لما عرفت مُكنتش عارف أتقبل حد غير مراتي
-إبتسمت شبه إبتسامة وقالت:قالولي إنك فعلًا أخويا..بس أنا مشوفتكش قبل كدا…

إبتسم رائف لتجاوبها معه وإن كان يعجز عن حمل مشاعر لها إلا أنه قال بـ نبرة دافئة كـ نبرته التي يُخصها بـ زهرته

-كنت مسافر ورجعت..أنا ومراتي زهرة وإبني غيث هو عنده سنتين
-مالت بـ رأسها وقالت:وجيت ليه!
-تجهم وجهه فجأة وقال:عرفت إنها ماتت وكان لازم أرجع..حتى عشان خاطر الدكتور مُحي
-أنت ليه مش بتقوله يا بابا!!…

عقدت الصدمة لسانه وهو يجد نفسه يتحدث مع طفلة صغيرة ليست شابة في مُقتبل العمر..تتعامل معه بـ أريحية ليست مُتحفظة وكأن أواصر الدماء تُجبرها على التعامل معه بـ هذا الشكل..وكم أسعده ذلك حتى وإن أنكر ذلك الشعور

إبتسم رائف بـ دفء ثم مد يده بـ تردد يُمسك كفها الصغيرولدهشته أمسك كفه هى الأُخرى لتستع إبتسامته بـ حنان لا يعرفه إلا مع زهرته..ولكن تلك الصغيرة تُجبر قلبه المُروض على التعامل بـ رفق معها..ليهتف بعد مُدة صغيرة

-إتعودت أقوله كدا..علاقتي أنا وهو شوية متوترة…

أومأت بـ رأسها دون رد ليتنحنح هو قائلًا

-قالولي إنك مبتتعامليش مع حد ولا بتتكلمي معاهم..بس أنا شايف العكس معايا
-يمكن عشان كنت مستنياك…

نظرت إليه بـ براءة لتجده فاغر الفاه غيرُ قادر على الحديث لتُكمل هي بـ نبرة لا تحمل أي مشاعر باردة كـ طقس ديسمبر

-ماما رحمة حكتلي عنك كتير..وأد إيه عانيت فـ حياتك زيي..يمكن كنت مستنية حد شبهي أقدر أكلمه..تفتكر كلنا إتظلمنا بسببها!..تفتكر كُلنا مش ضحاياها هي بس كان دورها توضح العكس؟..مش يمكن هي الضحية وإحنا اللي سرقنا منها الدور!…

*************************************

تطلعت إليه زهرة وهو يقود السيارة بـ شرود..عقب جلسته مع شقيقته لم يتحدث أو ينظر إلى أفراد عائلته بل أخذ الصغير من بين يدي رحمة وخرج..تبعته وهي تعتذر عن تلك الحالة التي أصابته

نظرت خلفها تطمأن على الصغير فـ سألها رائف مما جعلها تنتفض بـ ذعر

-نام مش كدا!!
-أومأت بـ خفوت:أها…

أومأ هو الآخر دون أن يرد عليها..تنهدت بـ ثقل ثم قالت وهى تضع يدها على معصمه

-مالك يا رائف!..من ساعة أما نزلت من عند نهلة وأنت ساكت كدا!…

لم يرد عليها بل ظل فترة صامتًا وعبارة شقيقته تطن بـ عقله كـ النحل “مش يمكن هي الضحية وإحنا اللي سرقنا منها الدور”..بهت وجهه تمامًا وهو يستمع إلى عبارتها..لما قد تُدافع عنها!..ربما ما فعلته جدته بها هو عقاب عما إقترفه من آثام قبلًا

تنهدت إسراء بـ إحباط ولم تتحدث فـ وجدته يتشدق بـ نبرة مُجهدة

-مش جايز اللي حصلي دا عقاب على اللي عملته قبل كدا!
-ردت عليه بـ دهشة:بتقول إيه؟
-نظر إليها رائف وقال:مش جايز اللي عملته هي تفكير عن ذنوبي مثلًا..أنا مكنتش ملاك قبل ما أعرفك يا زهرة..أنا كنت واحد فسدته الفلوس والدلع وأهلي اللي ميعرفوش عني حاجة غير الفلوس…

عاد ينظر إلى الطريق ثم أكمل بـ شرود

-أنا صُحابي هما اللي ربوني..رسمولي طريق ومشيت فيه بـ مزاجي مش غصب عني..يمكن أنتي جيتي فـ وقت كنت محتاج فيه أفوق بس لما خسرتك…

صمت يبتسم بـ إستهجان ثم أكمل وهو يضرب المُقوّد

-رجعت أسوأ مما كنت عليه..ويمكن أنتي كنتي ذنب
-شهقت بـ جزع قائلة:ذنب؟!
-أومأ قائلًا:أه ذنب..ليه جيتي فـ الوقت الغلط ومشيتي فـ الوقت الغلط برضو..كان لازم أعرف إن واحد زيي مُستحيل ربنا يكفاءه بـ هدية زيك…

وضعت إسراء يدها على فاها و قد ترقرقت العبرات بـ عينيها لتهتف وهي تضع يدها على وجنته قائلة بـ تحشرج

-مينفعش تقول كدا يا رائف..أي إنسان من حقه يتوب وربنا بيغفر..باب ربنا مبيتقفلش فـ وش حد..أنت بس اللي كنت محتاج تفوق محتاج حد ياخد بـ إيدك
-أمسك يدها وقال:وأنتي أخدتي بـ إيدي لنص الطريق وسبتيني فـ النص
-إبتسمت بـ دفئ وسط عبراتها هاتفة:وأديني جيت أكمل الطريق…

قرب يدها إلى فاه ثم قال وشفتاه تُدغدغ باطن كفها

-كملي معايا الطريق ومتسبنيش
-مش هسيبك أبدًا يا رائف..بس أنت ساعدني أقدر أكون جنبك…

*************************************

-بنتك إتأخرت يا صفاء…

نظرت صفاء إلى زوجها ثم أكملت تقطيع الخضروات لعمل الغذاء لهم لتقول بـ فتور

-متأخرتش ولا حاجة يا عبدالله..تلاقي بس موضوع الست سُعاد هو اللي أخرهم
-تشدق عبدالله بـ حرج:والله كان المفروض نروح نعمل الواجب
-ردت عليه صفاء بـ إنفعال:واجب إيه بس!..هتروح بصفتك أبو إبنهم اللي هما مش قابلينها
-وأنتي عرفتي منين!
-حركت يدها بـ الهواء وقالت:مش محتاجة يعني..واضحة…

حرك عبدالله رأسه بـ يأس ثم صمت عندما لم يجد بدًا للحديث..ثوان وسمعا صوت جرس الباب لتقول صفاء

-تلاقيها أم نجلاء جاية تسأل عملنا إيه
-أشار بـ يده إلى الباب وقال:طب روحي شوفيها..خلينا نخلص من الموضوع دا…

إتجهت صفاء إلى الباب وهي تُعدل وشاح رأسها..وما أن فتحته حتى وجدت رجلٌا ما يقف أمامها..كان يرتدي حلة سوداء ومن أسفلها قميص أبيض..رفعت أنظارها إلى وجهه المُبتسم بـ طريقة لم تُريحها لتقول بـ تجهم

-خير يا حضرت!!
-تشدق الرجل بـ نفس الإبتسامة:أنا جاي عشان أتكلم مع الأستاذ عبدالله…

نظرت إليه صفاء بـ تفحص قبل أن تضع يديها أمامها تسأله بـ ريبة

-بخصوص
-قوليله جهاد الشربيني وهو هيفهم…

بقت تُحدق به لثوان قبل أن تلتف إلى زوجها الجالس على الأريكة يُشاهد التلفاز لتهتف به بـ صوتٍ خفيض

-قوم يا راجل في واحد اسمه جهاد الشربيني عاوزك بره
-بتقولي مين!…

قالها عبدالله وهو ينتفض ليجد أن جهاد قد دلف إلى المنزل..يضع يديه في جيبي بنطاله ويتفحص المنزل بـ نظرات مُزدرية..تقدم منه الأول وقال بـ نبرة هادرة

-إسمعني يا بيه..أتفضل من هنا معدتش لينا طريق مع بعض
-إرتفع حاجبي جهاد وقال:كدا يا عبدالله!!..وأنا اللي كنت عشمان فيك خير نرجع الماية لمجاريها
-رفع عبدالله كفيه وقال:حد الله ما بيني وبين الطريق دا تاني..ربنا تاب علينا ويتوب عليك أنت كمان…

حك جهاد فكه بـ برود ثم قال بـ نبرة غليظة

-امممم..شايف إن طلعلك صوت من بعد أما بقى رائف الأسيوطي فـ ضهرك
-اسمعني يا جهاد باشا..قولتلك إني سبت الطريق دا..وأحسنلك تسيبه عشان أخرته مش حلوة…

إبتسم جهاد بـ إستهجان ونظرة عيناه بها تهديد واضح..إستدار ليرحل ولكن عبدالله أوقفه يسأله بـ توجس وريبة

-أنت ليك إيد فـ البنات اللي بيتخطفوا من حارتنا!!
-ضحك جهاد وقال:ولو ليا!..تقدر تعمل حاجة!
-رد عليه عبدالله بقوة:مش أنا اللي هعمل..الحكومة هي اللي هتعمل…

إستدار إليه جهاد على مهل ثم تقدم منه ليضع يده على منكبه يميل إلى أُذنه هامسًا بـ نبرة تهديدية صارمة

-إبعد عن طريقي يا عبدالله..زي ما أنا هبعد عن طريقك..فـ بلاش تدخل نفسك فـ دوامة هتأذيك…

أبعد يده عن منكبه ورحل..كور عبدالله قبضته بـ عنف لتتشدق صفاء بـ نواح

-أستر يارب..الناس دي مش ناوية تسيبنا فـ حالنا..دا إحنا فـ حالنا يارب
-هدر عبدالله بـ غضب:بسس خلاص..الموضوع دا ميتفتحش قدام بنتك وجوزها..سامعة!!…

لم ترد عليه ولكنه عاد يصرخ لتقول بـ توتر

-سامعة يا خويا..سامعة…

حدق بها لـ ثوان قبل أن يدلف إلى غُرفته..وضعت صفاء يدها على صدرها ثم إرتمت على الأريكة خلفها بـ صدمة

*************************************

كان عبدالله يتلاعب مع حفيده بـ سعادة شاردة بينما إسراء و والدتها يقومون بـ إعداد الطاولة..مالت صفاء على إبنتها وسألتها

-جوزك ماله!!…

نظرت إسراء إلى رائف الشارد بـ حزن ثم عادت تنظر إلى والدتها قائلة وهى تضع ذلك الصحن المُستدير أمامها

-مفيش..شوية مشاكل عائلية وأنتي عارفة
-مطت صفاء شفتيها وقالت:عيلة غريبة بصحيح…

لم تُعلق إسراء على حديثها لتتجه إلى المطبخ وعادت تضع الطعام على الطاولة لتسأل والدتها التي ترص الملاعق

-هو بابا ماله!
-عقدت صفاء حاجبيها بـ توتر وتساءلت:ماله فـ إيه!..ما هو كويس قدامك أهو
-حركت إسراء رأسها نافية وقالت:لأ..هو شكله مبسوط بس أكيد في حاجة حصلت…

زاغت عينا صفاء لولهة ثم قالت تستدرك توترها وهي تضرب كفي إبنتها قائلة بـ تعاطف

-اااه صحيح..هو بس زعلان على الموضوع اللي حكيتلك عنه
-عقدت إسراء حاجبيها وتساءلت:موضوع إيه صحيح؟!…

أخرجت صفاء صوتًا من بين شفتيها يدل على تأثرها بـ ما ستتحادث به مع إبنتها ثم قالت بـ حزن

-البت بنت أم نجلاء إتخطفت بقالها كام شهر ومحدش يعرف عنها حاجة
-نجلاء مين!!
-تأففت صفاء قائلة بـ إستنكار:مش مهم نجلاء مين يا بت..المهم دلوقتي اللي حكيهولك..بس تعالي المطبخ…

جذبت صفاء إبنتها من يدها ودلفا إلى المطبخ..وقفت إسراء أمام والدتها تتساءل بـ إستغراب

-خير يا ماما خوفتيني!
-بصي يا بنتي..البت نجلاء دي الكل يحلف بـ أخلاقها هنا..أنتي صحيح متعرفيهاش بس أنا عارفها وأعرف أمها
-مطت إسراء شفتيها بـ إمتعاض هاتفة:يا ماما كملي
-المهم..البت نجلاء راحت تدور على شغل وملقتش..فـ يوم كدا جات وحدها صاحبتها من الكلية عرضت عليها الشُغل فـ مكان كدا الله يعلم إيه هو..بس أمها قالتلي إنه مطعم كبير..ومن ساعتها البت مرجعتش…

إستحال لون بشرة إسراء إلى الأصفر تمامًا وهى تستمع إلى حديث والدتها..تُشبه تمامًا ما حدث معها قبل ثلاثة أعوام..ولكن القدر ألقى بها إلى رائف صديقها الذي إحتضنها وأحبها..أما تلك الفتاة فـ قد يختلف مصيرها و يكون الأسوء

نظرت إسراء إلى والدتها وسألتها بـ نبرة باهتة

-يعني إيه!!..العصابة دي رجعت تشتغل تاني!
-تنحنحت صفاء وقالت بـ خفوت:أنا قلت كدا برضو يا بنتي..بس مش عاوزين نخش فـ حوارات إحنا مش قدها
-إبتلعت إسراء ريقها بـ صعوبة وقالت:طب والمطلوب…

نظرت صفاء إلى باب المطبخ لتجد عبدالله ورائف الذي يحمل صغيره يتبادلان أطراف الحديث لتعود بـ نظرها إلى إبنتها قائلة بـ نبرة هامسة

-كلمي جوزك بس بعد أما تمشي من هنا وتقوليله يتوسط لأم نجلاء عن الحكومة يحاولوا يعرفوا مكان بنتها
-أخذت إسراء نفسًا عميق وأردفت بـ هدوء:حاضر يا ماما..بس متجبيش سيرة لرائف عن اللي حصل..عشان لو عرف الموضوع مش هيعدي بـ الساهل..دا تعب عما طلع من المستنقع دا
-ربتت على منكبها وقالت:حاضر يا حبيبتي..أهم حاجة بس أنتي تاخدي بالك..أنا عارفة إنه صعب عليكي بس معلش يا بنتي دي أم وقلبها محروق على بنتها
-متقلقيش يا ماما..إن شاء الله هنلاقيها وهيطلع حكاية خطف عادي والعصابة دي ملهاش دخل…

لوت صفاء شدقها وهى تعي أن إختطاف الفتاة لم يكن سوى أن تلك المُنظمة عادت من فترة خمولها الصيفي لتبدأ صيدها من جديد..إنتفضا على صوت عبدالله

-يلا يا صفاء أنتي وبنتك..موتنا من الجوع
-طيب يا خويا جايين أهو…

حملت إناء زُجاجي من الماء ثم إلتفتت إلى إبنتها ونظرت إلى وجهها الشاحب قائلة بـ صرامة

-إعدلي وشك ومتحسسيش جوزك بحاجة يا بنتي..وزي ما قولتلك كلميه لما تروحي
-حاضر…

جذبتها صفاء من يدها خلفها ليخرجا إلى رائف وعبدالله الجالسان على طاولة الطعام..جلست إسراء جانب زوجها الذي مال عليها وسألها بـ همس

-مال وشك مخطوف كدا ليه!
-إبتسمت بـ إهتزاز قائلة:لا أبدًا مفيش حاجة يا حبيبي..أنا بس يظهر تعبت عشام مأكلتش حاجة من الصبح
-ربت على منكبها وقال:طب يلا كلي وأنا هأكل غيث…

أومأت بـ خفوت لتأخذ الملعقة وتبدأ في تناول الطعام بـ دون شهية..ثم نظرت إلى والدها الشارد أيضًا لتتنهد بـ ثقل تدعو بـ داخلها أن يمر هذا الأمر على خير

***********************************

تطلعت حولها وهي تسير بـ صحبة حارس ضخم البنية بـ ذلك الممر الشبه مُضاء وألوانه القاتمة تُضفي هيئة مُرعبة لذلك المكان الموحش..إبتلعت ريقها بـ صعوبة وهي تقول بـ إهتزاز

-إحنا رايحين فين!!
-رد عليها الحارس بـ غلظة:هششش..مسمعش صوتك…

لوت شدقها بـ غضب ولم تتحدث أكثر من ذلك..بل بقت تنظر إلى الباب بـ أخر الممر..وكان هو الباب الوحيد الذي تراه عبر الممر الطويل والشبه مُتسع

وجدت الحارس يطرق طرقتين ثم فتح الباب ودفعها إلى الداخل..ترنحت قليلًا بـ وقفتها ثم إعتدلت وتفحصت المكان

كان هُناك مكتبة صغيرة بها أنواع كُتب مُحددة لم تتبين ما هيتها وعلى الجانب الآخر فراش ضخم أسود اللون يقذف الرعب بـ القلوب..وبـ جانب الفراش هُناك مكتب خشبي من اللون الأسود وخلفه مقعد ضخم يجلس أحدهم عليه و يوليها ظهره

إنتفضت على صوت الحارس خلفها وهو يقول بـ إحترام

-جبتها يا باشا…

رأت كف ذلك الشخص يرتفع يُشير إلى الحارس بـ صلف أن يذهب ثم صدح صوته الغليظ

-خلاص روح..ومحدش يدخل قبل أما أنا أناديلك
-أوامرك يا باشا…

تحرك الحارس إلى الخارج لتبقى هي في مواجهه ذلك المجهول..إنخلع قلبها وهي تجده يستدير إليها..لتنكمش على نفسها بـ ذعر لم تعرفه قبلًا..رأت أسنانه تظهر من خلف إبتسامة شيطانية جعلت ساقيها غير قادرتان على حملها

عاد صوته الغليظ يهتف بـ نبرة ماكرة

-أهلًا..أهلًا يا حلوة نورتي…

تراجعت خطوة إلى الخلف لتتسع إبتسامته أكثر ثم نهض عن مقعده ودار حول المكتب لتتراجع هي أكثر..ضحك هو بـ صخب ليقول وهو يستند إليه

-متخافيش يا قمر كدا..أنا بس حابب أتكلم مع حد وملقتش غير الوجه الجديد…

تفحصها بـ وقاحة بدءًا من ثوبها القصير دون أكمام والذي ينسدل على جسدها كـ جلد ثان.. وخُصلاتها التي تنسدل على ظهرها وكتفيها المرمريين..مسح بـ لسانه على أسنانه وقال بـ خبث

-بس الشغل باين عليكِ ومخليكِ مزة..مكنتش أعرف إن الجمال الشرقي البسيط ممكن يبقى فتّاك كدا…

أثارت كلماته القذرة غثيانها ولكنها تماسكت وهي تقبض على جانب ثوبها تقدم منها قائلًا دون أن يحيد بـ نظره عنها

-أحب أعرفك بـ نفسي..أنا اسمي جهاد..المسئول عن الأوتيل المتواضع دا…

تراجعت إلى الخلف وقد بدأ العرق يتصبب على جبينها ناهيك عن ضربات قلبها التي تضرب أضلعها بلا رحمة حتى أوشكت على تحطيمه..توقفت خطواتها عندما وصلت إلى الباب خلفها ليصل هو إليها

حاصرها بينه وبين الباب واضعًا يده على رأسها و وجه قريب منها إلى حد خطير فـ مالت بـ رأسها إلى الجانب ليُعيد رأسها بـ يده ثم قال وهو يقبض على ذقنها

-تؤ تؤ تؤ..بحب لما أتكلم مع حد..يبص فـ عيني زي ما أنا ببص فـ عينيكِ الجميلة دي…

حبست أنفاسها بـ هلع وقد بدأت خُصلاتها تلتصق بـ جيبنها و وجنتيها ليتشدق وهو يُبعد تلك الخُصلات

-مش ناوية تعرفيني على نفسك…

حركت رأسها نافية ليضحك هو بـ خفوت ليميل إليها أكثر وهتف

-مش مهم أصلًا أنا عارفك..اسمك نجلاء..كنتي بتدرسي فـ كلية صيدلة..ساكنة فـ حي شعبي بـ القاهرة..كدا ولا أنا غلطت فـ حاجة!!…

تساقطت عبراتها التي كابحت هبوطها..ليمط جهاد شفتيه بـ أسى مُصطنع ثم قال وهو يُزيل تلك العبرات

-تؤ تؤ..ليه بس الدموع!..أنا جيت ناحيتك دلوقتي!..أنا بس بدردش معاكِ…

علا صوت نحيبها مُصاحبًا لصوت أنين مكتوم..ليميل ويستند بـ جبهته على جبهتها ثم قال بـ حنو

-متعيطيش يا نوجة الله!..إحنا يا بنتي بنتكلم أهو ومعملتش حاجة..

ولكنها أكملت بُكاءها ليتنهد بـ خفة ويأس..ثم تشدق وهو يزيل المزيد من العبرات

-طب خلاص..قوليلِ أنتي عاوزة إيه وأنا هعمله؟!
-ردت عليه بـ صوتٍ مُتحشرج:عاوزة أروح من هنا
-إبتسم شبه إبتسامة وقال بـ مكر:بس كدا!!..من عنيا بس بـ شرط
-تشدقت بـ لهفة:أي شرط بس أمشي من هنا…

إتسعت أبتسامته الماكر أكثر..لتهبط يده إلى خصرها جاذبًا إياها إليه حتى إلتصقت بـ جسده..لتشهق بـ هلع ناظرة إليه بـ عينان مُتسعتان..إقترب هو أكثر حتى باتت أنفاسه الساخنة تلفحها ليهمس بـ نعومة تُشبه نعومة جلد الأفاعي

-تقضي معايا ليلة وهسيبك…

error: