شعاع نور للقيصر محمد محسن حافظ
#شعاع نور# المقدمة
لا نعلم كيف ستسير الأيام القادمة، لذلك نفكر فيها بكل قوتنا، فيضيع اليوم والغد… وربما الحياة بأكملها هباء من خوف غير مبرر وان كنت أرى ان سبب الخوف ليس رغيف خبز او شربة ماء بل امان ودفيء نفتقده وأحيانا تغير مجتمع لا يفهم او يستوعب وجود بعض النقاء بداخلنا فاجتمعنا هاربين الي عالم خيالي جميعنا متفقين ان هذا العالم الشبيه بالسجن الانفرادي وان كان بجوارك عشرات الأشخاص لا تريد او تريدي التحدث اليهم فتختاري صورة او اسم قد يفهمك او شخص يقول كلمة تبحثين عنها.
فأهلا بكم أصدقائي فأنا معكم ومثلكم.
هي نبحث سويا في أعماقنا عن
شعاع نور
************************
السعادة لا تعرف شيء عنها فكانت يتيمة منها وافتقدتها مثلما حدث منذ عشر سنوات مضت حين ماتت أمها تركتها تواجه ظلام حالك يتنافي تمام مع اسمها وأي نور رأت .
حين تتحمل عذاب لا يقوي عليه بشر وميراث تمثل في أخ اصغر منها بأربع سنوات تزوج الأب بعد مرور شهر واحد فقط من موت امها من امرأة سادية تفننت في تعذيبها هي وأخيها الذي كانت تدافع عنه بكل قوتها فتأخذ الضربة مكانه وهي ترتمي فوق جسده النحيل، تربى الخوف بداخلها وازداد يوما بعد يوم، كانت وقتها في الثامنة من عمرها و أخاها كريم في عامه الرابع.
كانت تأخذ حصتها في الطعام ولا تأكل حتى يشبع كريم وترضي بما يتبقي حتى وان كانت ملعقة واحدة تبتسم لأخيها وفي قلبها قد اجتمع بكاء العالم، حين سألها كريم في احد المرات وهو جالس على قدميها :
-“اومال فين ماما يا نور ليه مش قاعده معانا انا بشوف كل الولاد مع مامتهم ليه انا وانتي معدناش حد يسأل علينا”
امتلأت عيناها واحتضنته بقوة وقبلت رأسه ودفنتها بصدرها فسمع كريم دقات قلب متسارعة وآلم مكتوب مسحت بيدها على وجهه الصغير :
-“قولي ماما يا كريم انا مش اختك بس وامك كمان ومش هخليك محتاج حاجه ان شاء الله”
تسمع تنهيداته وقد تسللت دموعه فلامست يدها صغيرة، نظر كريم اليها وقد تنحي قليلا عن صدرها ووضع يده هو الاخر علي وجهها يمسح دمعة وصلت الى اخر الطريق
-“حاضر يا ماما نور”
احتضنته بقوة وهي ترتعد
-“انا بحبك اووي يا كريم”
************************
ظل الوضع هكذا حتى بلغت من عمرها الرابعة عشر، في يوم لن تنساه حين انفردت بها زوجة ابيها نرجس تكيل لها الضربات واللكمات لتظل تصرخ وتصرخ فتبحث عن صوتها وهي تضع يدها على ركبتها تحاول اخراج اي كلمة ولكن هيهات، ظنت نرجس في بادئ الأمر انها تمثيلية ولكنها أدركت الكارثة فتوقفت وذهبت الى غرفتها بمنتهي البرود تبدل ملابسها وتضع على وجهها القذر ألوان زائفة تخدع بها زوجا لهث خلف جمالها تاركا أطفاله لها تفعل بهم ما تشاء
حين رأى كريم امه وأخته وكل ما يملك في هذه الحالة ظل ينظر اليها ووجه متجهم صامت وضع وجهه بعدها أرضا، ذهب ببطيء الى غرفة نرجس ولَم يستأذن في الدخول نظر اليها وهو يسير ببطي ليقف أمامها:
– “صحيح انا لسه صغير يا مرات ابويا بس متنسيش انتي قوية دلوقتي بس مسيرك هتعجزي وانا هبقي بقوتي ووقتها هاخد حقي وحقك نور منك استني اليوم ده علشان جاي جاي ورحمه امي اللي ماتت وامي اللي عايشه هخليكي تندمي علي كل اللي عملتيه”
ضحكت نرجس وهي تقذفه بيدها ليقع ارضا ولكنه ظل صامدا، شعرت نور بهذا الكابوس ولَم تجد غير يد كريم ابنها وأخيها أما أبوها إسماعيل فقد صدق رواية زوجته الكاذبة ان ابنته مريضة ومختلة عقليا وانها تفعل المستحيل من اجلها وتتحمل تغير فراش نور يوميا لتبولها اللاإرادي كان إسماعيل ضعيف الى أقصى درجة امام نرجس كان عاملا بأحدي الشركات في الصباح وفِي ورشة قريبة من المنزل ليلا حتى يكفي طلبات نرجس فقط التي كانت تهدده دائما بترك الفراش فكان يفعل أي شيء ليرضيها دائما يصدقها ويكذب أولاده حتى كريم الذي واجهه بالحقيقة وان سبب ما حدث لنور بفعل زوجته من شدة تعذيبها وضربها المستمر بدون سبب، كان ينهره ويأمره بطاعة نرجس فالأم تعاقب أبنائها ان اخطئوا، وحين علمت نرجس بهذا الحوار طلبت من إسماعيل أن يستأجر حجرة ‘البدرون’ كي تعيش فيها نور وكريم معللة ذالك ان المنزل أصبح صغير فقد أنجبت هي الاخرى طفلين، وما كان منه الا الموافقة الفورية، كي تعيش نور وكريم بحجرة مظلمة لا تري الشمس فتبحث الفتاة كل يوم حين تستيقظ عن شعاع نور
**************************
حي الزمالك
يحمل هذا الوسيم سيجارا ضخما، مرتديا ‘روب’ حريري فوق قميص ناصع البياض ينظر الى الملفات والقضايا التي أمامه بمنتهي التركيز انه داغر فكري من المحامين الذائعين الصيت في مصر هادئ الطباع ذو ابتسامة خبيثة جسده رياضي احمر الوجه شعره ناعم وملامحه وسيمة في أوائل الخمسين ولكن ان لم تعرف سنه الحقيقي لاعتقدت انه لم يكمل الاربعين من عمره لا وقت لديه للتفاهات، فحين دخلت زوجته مشيره عليه المكتب طالبة منه ان يبحث عن خادمة جديدة أشار بإصبعه لها كي تخرج وتغلق الباب خلفها واكتفي بجملة واحدة:
“معنديش وقت للكلام الفارغ ده اتصرفي انتي”
لم يرفع عينيه حتى لكي ينظر اليها اما هي فهزت رأسها وخرجت مستسلمه تنطق بكلام غير مفهوم، كانت مشيره امرأة جميلة تصغر زوجها بعشرة أعوام غاية في الاناقة تقضي أوقاتها في النوادي والكافيهات تهتم بالتفاصيل ومعرفة اخبار صديقاتها تتباهى دائما بالمجوهرات التي ترتديها في أصابعها وحول معصمها وعنقها لا تذهب الى الكوافير يكفيها مكالمة هاتفية فيأتي أمهر المصففين وبنات ‘الباديكير’ و ‘الميكب ارتست’ الى منزلها لديها ابنة وحيدة هي سالي مختلفة عنها تشبه أباها كثيرا عمرها لا يتعدى العشرون عاما لا تهوى الخروج كثيرا دائما في غرفتها هي من طلبت من امها خادمة جديدة فهي لا تفعل شيئا، تقذف أشيائها في كل اتجاه امتلأت حجرتها بالملابس الجديدة دائما ومستحضرات التجميل و البرفيوم تدرس بالجامعة الاميركية تدخن بشراهة وهي جالسة على ‘الفيس بوك’ او ‘سناب شات’ و ‘الانستا’ فلا وقت لديها حكت مشيره ما حدث من داغر الى سالي التي تأففت ونظرت الى امها وهي تنفخ الدخان امامها بمنتهى الاستهتار:
“بليز يا مامي شوفي حل انا كده -مش عارفه اعيش عاوزه خدامه ان شالله يوم في الاسبوع”
وضعت مشيره احد أظافرها الملونة في فمها كي يساعدها على التفكير وجلست بجوار سالي
“اسمعي يا سالي انا عندي فكره ايه رائيك اجبلك واحده شاطره تقعد معاكي يوم في الاسبوع ونعرفها كويس وتبقي تديها اي هدوم قديمه من عندك تفرح بيها”
ترفع سالي خصلة شعر حمراء سقطت امام عينيها تضعها خلف إذنها ثم تهز رأسها بعدم الفهم، تنهض مشيره مبتسمة وتقترب من سالي :
“ايه رائيك في البنت نور تيجي تُمسح وتكنس وتروقلك الدنيا وهي غلبانه ودلوقتي كمان خرسا يعني محدش هيعرف انها
بنت اختي الله يرحمها وهو نكسب فيها ثواب”
تبتسم سالي وهي وتدفن سيجارة رفيعة في مطفئة فوق قدميها ثم ترفع حاجبها قبل عينيها لتنظر الى امها
” معاكي حق يا مامي هي تستاهل كل خير ومش خساره فيها هدومي القديمه”