زوجتي طفلتي للكاتبة يارا الحلو
4
فتح باب المنزل ببطئ خوفًا من كون والدته يقظة لهذا الوقت , اطمئن قلبه حينما لم يجد ضوء المنزل منغلق..
تسلل علي اطراف انماله متجهًا لغرفته و كأنه لم يتسكع طوال اليوم خارج المنزل , و اذا فجأه يفزعه هتافها بأسمه :
-مازن , لسة جي
ارتسم علي شفتيه ابتسامة صفراء ليستدير لها قائلًا بتربك :
-احم لا انا ابـ..اه كنت برة
تقدمت اليه و علي وجهها ملامح الضيق و النفور من افعاله التي لم تنضج بعد..
-كنت عند مراتك الي اتجوزتها عرفي من ورايا يا مازن
زفر بحنق :
-ماما ما خلاص مكنتش هقدر اقولك هناك هو انا لازم اعيد الاسطوانة المشروخة ديه كل شويه
رمقته بنظره حادة و هي ترفع احدي حاجبيها و الغضب يتأكل بقلبها..
فقد فاجأه بزواجه من فتاه لا تتعدي السادسة عشر من عمرها , كم احرقتها فكره زواجه المفاجئ !
لم تكن لتوقع بأن يأخذ قرارًا بتلك الصعوبة من دون تفكير بها..
شعرت بالاهانة منه لتلتف و تتجه لمجلسها تاركه اياه و هي غاضبة من اعماق قلبها..
تنهد بقوة فهو يعرف ان الامر لم يكن لها سهلًا كما كان له , لها الحق في صفعه و الغضب منه لكن هي ام تسامح و ترضي من اقل الكلمات..
سار بخلفها بخفها لم تكن تبالي من شدة الحزن الثائر في قلبها محتلًا كل تفكيرها فجأه شعره بيدين تهجم عليها و صراخه العال المرح , اخذ يذغذها بقوة كمحاولة صغيرة في ارضاء والدته الحنونة..
صاحت به عدة مرات بأن يكف عن اللعابه الطفولية و يتركها لشأنه لكنه ابي الا يرحل الا حينما تعفو عنه..
بدأت بالضحك تدريجيًا و هي تترجاه قائلة بصياح :
-اوعي يا مازن عشان متلاقيش الشبشب علي دماغك
قهقه حتي ارتج صدره و هو يصر علي المزاح لمضايقتها :
-لا قولي خلاص مش زعلانة
-هتعمل زي ابوك
ثم تنهدت بحزن :
-ماشي يا مازن مش زعلانة
-لا لسة مضايقة
-حقي ازعل لما اكون انا امك و اخر من يعلم بموضوع جوازك
-وحياتك العروسة نفسها مكنتش تعرف
زفرت بحنق :
-ابوها ازاي يدبسها التدبيسة السودة ديه
تنحنح حرجًا و قال مازحًا :
-هو انا تدبيسة سودة
هزت رأس باعتراض و قالت بجدية :
-بس حرام سنها الصغير دة , و انت مش سهل يعني
-ان شاء الله خير ياما
ثم اردف بمرح :
-يلا انا جعان و عاوز اتعشي من ايدك الحلوة ديه
ما ان وضعت رأسها بسلام علي الوسادة و استلقت في وضع استعداد لخدر النوم , حتي بدأت الافكار الخبيثة بالتصارع في ذهنها.
لم يكن عليها تصديقه بتلك السهولة و تسليمه نفسها , فهي لم تبدأ بوضع حواجز بينهما حينما اخبرها بـبداية الامر.
و من الجهة الاخري بالموضوع هي اخذته كـناجي لها من الغرق بين الاعداء متنكرين حولها , تشتت عقلها في التفكير.
بـهل هي في الطريق الصحيح ام ماذا ؟
و في حين هي تتعمق بالتفكير هب هاتفها برناته المزعجة و بقطع حبل افكارها المتماسك , همت معتدلة لتمسك الهاتف و تضغط علي زر الاجابة قائلة بصوت صلب :
-الو !
اتي لها صوت ممتلئ بالحماس و الشغف :
-ايوة يا سمر
زفرت بضيق :
-هو انت..انا عاوزة اخنقك انت بتقفل الباب بالمفتاح و انت ماشي ليه , علفكرة انا جعانة و مش عارفة اطلب اكل حسبي الله
اطلق ضحكة خفيفة متعجبًا من اسلوبها الحاد , اصر علي ضحك لـاثارة غضبها و قال :
-يا بت مانتي عندك تلاجة في اوضتك انا سيبلك جواها شوكولاتة و الصبح كنت حطيتلك فيها جاتوه
همت من فراشها بهرع و اتجهت ناحية البراد الصغير باقصي خطواطها و هي تقول :
-تكلم جد ونبي انت برنس
-برنس !و عاملة فيها بنت ناس
ضحكت بلطف و قالت مازحة :
-اومال انا بنت ايه احج
-خلاص يا ظريفة انا كنت بفكرك انك تنامي بدري عشان مجيش اصحيكي انا
ترددت و هي تقول :
-هو احنا بيتنا فين , و اشمعني هتخلي بيتنا غير القصر رغم علي كلامك ان القصر بتاعك
هز رأسه بتعجب :
-انتي متناقضة نفسك اوي , عمتًا بيتنا فين هو هيفرق معاكي في ايه اصلا..و ثانيًا انا عاوز استقل بحياتي ايوة القصر بتاعي بس انا متعبتش فيه و بعدين البيت التاني هيعجبك و هتتعودي عليه , علفكرة هو لسة مجهزش لسة ناقص حوالي شهر كدة عقبال ما يجهز
صمتت و لم تجيب فقد فضلت السكون , لا تعجبها فكرة الابتعاد عن منزلها التي عاشت به طوال حياتها , و ما يخفيها اكثر العيش معه تحت سقف واحد.
كيف ستتمكن من الاطمئنان له ؟
هي تريد استقاله بمنزلها و هو بمنزل اخر , ودت لو تفهم نهاية ما بها تتمني ان تمتلك سيناريو حياتها كاملة بين يديها , كم سترتاح اكثر من هذا الضغط العصيب علي نفسيتها !
-روحتي فين
قالها ليقطع تفكيرها بطريقته الغبية , انتبهت لتو انه علي الخط معها لتتربك قائلة :
-مفيش مفيش , انا هنام بقي
ابتسم ابتسامة دافئة :
-تصبحي علي خير
سمر بحياء :
-و انت من اهله
اغلقت هاتفها لتتعاود الرجوع لفراشها , ما ان دعت جسدها لفراش كانت ستراجع التفكير , لكن حزمت الامر لتضع الوسادة علي رأسها و قالت بثبوت :
-كفاية
ما ان انتهت من ارتداء ملابسها و اخذت حجابها لكي تحجب شعرها به بطريقة شبابية رقيقة , وجدت من يطرق الباب و يقتحم غرفتها دون استئذان اللقت عليه نظرتها الساحقة من قله زوقه و قالت :
-طب استني اقولك اتفضل طيب
ضحك ضحكة صغيرة و هو يقول :
-يلا اخلصي..فطرتي
سمر بلهجة مازحة :
-اه شربت عصير و خلصت بقيت الجاتوه
-بالهنا يا حبيبتي يلا بقي عشان عندي ليكي مشوار حلو
ظهرت علي ملامحها علامات الاعتراض الطفولي و هي تعبس بوجهها :
-بكره مشواريك اصلًا
-يلا يا بت بلاش لماضة
انتهت من ترتيب حجابها لتقترب منها بقامتها الصغير قائلة :
-يلا يا عم , انا من ساعة ما شوفتك و انا بخرج من البيت الكئيب ده
ضحك معترضًا :
-هو ده الي فرق معاكي
هزت كتفيها بلا مبالة بحركة بريئة ليقترب منها اكثر و يمسك بيدها لكي يجذبها معه لخروج بالهدوء , تمايلت بيدها معه برزانه.
و في طريقهما لباب المنزل همست بصوت خافض ممتلئ بالسعادة في نبرته :
-علفكرة انا حلمت بـبابا انهاردة و حضني حضن حلو اوي في الحلم و اتكلمت معاه كتير بس بعدين مشي و سبني رغم اني قولتله يوخدني معاه بس قالي لا
ارتسمت علي وجهه ملامح الطمئنينة و الفرح :
-هو سابك ليا
تنهدت بحزن :
-عاتي مبقتش تفرق معايا اصلًا
-ان شاء الله بـ
لم يكمل جملته الا حينما وجد فارس يناظرهم بعينيه الثاقبة , اللقي عليه نظره حادة لكي توقفه من العبث بنظراته في حبيبته , اقترب فارس منهما ليركز بنظره متجهًا لسمر :
-انتي رايحة فين علي الصبح كدة
تمسكت سمر بيدها بـمازن بخوف و قالت بشفتي مرتعشة و هي تتأمل الارض حرجة :
-انا خارجة مع مازن
اطال فارس التفحص في ملامح سمر ليقول مازن بحدة :
-افندم
رحل فارس من المكان و كأنه لم يفعل شيء لتو , حرك مازن رأسه معترضًا من سخافة فارس ليجذب يد سمر لسيارة و هو يستشيط غضبًا , لم تعترض سمر علي شيء فلم تكن هي الاخر قد اعجبت لتصرفات ابن عمها البغيض.
سمر بفضول :
-ديه العمارة بتاعتنا
-ايون احنا واخدين الشقة ديه
اشار علي منزل في عمارة ضخمة , سار بها الفضول اكثر و الشغف لتستكشف تفاصيل ما سيكون منزلها , فمهما حدث هي انثي يغريها كل التغيير باستمرار..
سابقته خارج السيارة راكضة ناحيه منزلها المستقبلي خرج من سيارته بوقار ليتابعها بخطواطه الرزينة..
وقفت امام المنزل و التفتت له قائلة بشغف :
-يلا افتح
ثم سمعت صوت اناس يتجذبون اطراف الحديث , شهقت بصدمة و قالت له بعينها البريئة و صوتها الخفيض بشكل خبيث :
-اللحق ده في جن جوا
هز رأسه معترضّا علي حديثها السخيف ثم قال ضاحكًا :
-جن يا هطلة ! ده في عمال بتخلص الشقة
-طمنتني طب يلا افتح بقي
فتح باب المنزل لتهب الرياح المحملة بالتراب و رماد السجائر انصدمت من قوة الاندفاع لتبدأ بالسعال الشديد , ضحك عليها و همس بخفوة :
-هبلة ام بدوي
لقبه السخيف ازعجها لكن تجاهلته حينما اشتدت عينيها بجمال منزلها تقدمت بخطواطها ليشتد اعجابها اكثر و اكثر.
اخذها لداخل و هو يقول باسمًا :
-تعالي اوريكي المكان بس استني اخلي العمال تمشي
اخرج العمال من المنزل بطريقة مهذبة و تركها هي سارحة بعينيها بجمال المنزل , انبهرت من تصميم المنزل الراقي و جماله الهادئ التفتت له و قالت باسمة :
-المهندس ممتاز , تعرف انا نفسي اطلع مهندزة
-مهندزة ! اخرسي خالص , بس ايه رأيك انا الي مصمم البيت
اشتدت دهشة و قالت :
-ايه بتكلم جد وااو
سعد حينما وجد الانبهار يغرق في بحر عينيها كانت تسير بلا قدمي تقودها , اعجبتها كل تفاصيل المنزل.
لم تظن انها ستندهش لهذه الدرجة.
انتهت من تفحص منزلها المستقبلي الراقي لتنظر له و تقول بسعادة :
-تعرف حلو اوي احسن من القصر كمان
اتجه لها ليميل علي جسدها النحيل و يقول باسمًا :
-طب يلا بقي عشان العمال تكمل شغل
اماءت رأسها بالايجاب و امسكت بيده علي فور , لم تكن من عادتها مصافحة الرجال من الاساس لكن هي اكتسبتها عادة منه.
يجب امساك يده لتصدي الخطور من اي كان.
همس بأذنها بحماس :
-اوديكي بقي المشوار
اماءت رأسها و البسمة مرتسمة علي شفتيها , لم تعرف كم سعادة قد اكتسبتها اليوم
يكفي وجود والدها في الحلم صباحًا معها هذا هو سبب اعتدال مزاجها..
وضع يده علي شفتيه محذرًا اياها من الحديث و صنع ضجة و قال بصوت خافض :
-هششش خالص انا هوريكي لماما هي مش عارفة خليكي علي الباب لغايط ما اكلمها
صرخت سمر بشهقة عالية :
-ايه ده انت جايبني لامك
وضع يده علي فمها مسرعًا و قطب حاجبيه غاضبًا و هو يتهامس :
-بت متنرفزنيش اكتمي
فتح باب منزله بالمفتاح , دلف لمنزله و هو يفرد صدره صائحًا :
-ماما , ست الكل , يا حجة
صاحت به والدته بغيظ من صوته الرنان :
-نعم , نعم , نعم
اقترب منها بهدوء و قال ببسمة مخادعة :
-ازيك يا حبيبتي
-عاوز ايه
تنحنح بحرج قائلًا :
-مش كدة طيب انا هوريك حد بس معلش قولت اوريكوا لبعض مفاجأه
تعجبت من حديثه و رفعت احدي حاجبيها ليصيح مازن بزوجته القصيرة :
-سمرر
دلفت بخجل لمنزل متكئة الرأس , تخطي بخطواط هادئة , رفعت انظارها لهما لتترصد مكانهما ابتسمت ابتسامة خجولة لوالده مازن , نظرت والده مازن “مني” له بغضب ثم عادت بنظرها لتلك الفتاة الصغيرة و قالت بسعادة :
-حبيبتي ازيك
مدت يدها و صافحتها برقة لتقوم مني و تحتضنها بقوة , بادلتها سمر احتضانها الرهيف , لم تستشعر هذا الحضن الجميل منذ زمن كم احتاجته بشدة احتضان مبني في الواقع.
رفعت بنظرها لمن يحاصرها بنظراته علي بعد خطواط لتجده يبتسم لها بهدوء شعرت ببعض من الخجل لتخفي وجهها في كتف مني..
تراجعت قليلًا لتتأملها مني بباتسامة واسعة :
-زي القمر زي ما وصفلي مازن
توردت خديها لتضيف مني ببسمة بشوشة :
-يلا روحي ارتاحي يا حبيبتي عقبال ما اخلص بقيت الغدا
اماءت رأسها بحياء ليتجه لها مازن بابتسامة مشرقة علي وجهه من هذا الترحاب اللذيذ بينهما , امسكت بيده مسرعة و قالت بخجل :
-انا محرجة اوي
-ايه يا بت ده انا افتكرتك خارسة مسمعتش صوتك يعني
همست بغضب و هي تقطب كلتا حاجبيها :
-الله مانا مكسوفة
تنهد مازن ببسمة خبيثة و هو يقول :
-علفكرة انتي هتعيشي هنا الشهر ده عقبال ما شقتنا تخلص
و هنا تجاهلت حرجها و صاحت به من الصدمة :
-نعم يا عمر ! انت هتستعبط , رجعني بيتي بطل استهبال
حدق بها بغضب ليجذب ذراعها بقوة و يتجه نحوغرفته و هو يجرها بعنف , كانت تحاول الافلات و الاعتراض لكن لن تقدر مع قوة قبضته.
اغلق باب غرفته بالمفتاح و التف لها و ملامحه قد فاقت حدود التعصب فقد برزت عروقه من عنقه و اقتضب وجهه ليقول بصوت متماسك :
-اقسم بالله يا سمر لو صوتك علي عليا تاني هتزعلي و خصوصًا و احنا هنا
سمر بصدمة :
-يعني انت بتكلم بجد انا هعيش هنا فعلًا
-مستحيل اسيبك مع الزفت فارس ده في بيت واحد انا هصرفهم بقي
سمر باعتراض و نواح :
-لا لا لا كدة كتير بقولك ايه انا مش طايقاك بجد انت فهمت الموضوع غلط ابويا عمره ما يرميني لواحد زيك
تجاهل كلامها ليتجه لخزانته و يلملم بعض ملابسه من دون ان ينظر لها او ينطق ببنت شفه , ثارت من الغضب لتذهب خلفه و تقول بنبرة متماسكة :
-صحيح هو مش انت تقدر تطلقني
صمت لوهلة مفكرًا شعرت بالخوف من رد فعله فهي تفضل الطلاق علي العيش بتلك الطريقة الامر و عليها التنفيذ بصمت , هي من الاساس لا ترتاح له.
التفت لها و قال بصوت رخيم :
-سمر , انا اسف بس نسيت اقولك ان ابوكي قالي انك علي زمتي طول العمر و مينفعش خالص حكايه الطلاق ديه و بعدين مالك هدي نفسك انتي متعصبة كدة ليه
سمر بالحاح و ترجي :
-هو انت لعنة عليا , يا مازن انا مش هعرف اكمل معاك , ارجوك روحني البيت متهزرش و تفرد جنحاتك عليا و تعمل فيها سي سيد
مازن بتماسك :
-بقولك ايه مبحبش شغل العيال ده اقعدي هنا و انتي ساكتة انا الي اقولك تقعدي فين و تروحي فين
صاحت به غاضبة :
-ليه انت مين يعني
تجاهل كلامها ليخرج من الغرفة و يغلق الباب بقوة شعرت بالقهر , دائمًا ما تكره ان يتحكم بها احد
كيف يؤمرها هذا الرجل بالسكن في موطن غير موطنها , جلست علي فراشه و وضعت يدها علي عينيها لتبكي بقوة و اخذت تعلي شهقاتها تدريجيًا.
لا تثق به لدرجة العيش معه في نفس البيت بتلك السرعة , بالتأكيد يريد الاذيه لها.
طاردتها الافكار السيئة لتتسارع في البكاء اقوي و اقوي و بينما هي تبكي بقوتها وجدت يد تسير علي ظهرها مربتة بحنان.
التفتت لمصدر لتجدها مني تظهر علي ملامحها الشفقة علي حال تلك الفتاة الصغيرة..
*
*
*
*