زوجتي طفلتي للكاتبة يارا الحلو

13
ركبت سيارة زوجها العزيز و هي لم تكن حالتها النفسية قد استقرت بعد , اطلق تصريح من المشفي بخروجها , كم تشتاق لمنزلها الذي يتحمل جنون ثلاثتهم..هي و هو و الحب شريكهم الحبيب..
لم يتخلي الحب عنهما عندما ارتكبت جريمة عدم تنفيذ اوامر حبيبها بل وقف بجانبها لتسترجع صحتها مرة اخري..
اللقت بنظرها لنافذة السيارة و في حين تأملها للشوارع و للناس السائرة في الشارع , وجدت يد متسلطة حنونة قد اقبضت علي يدها و زرعت بها قبلة صغيرة , التفتت للفاعل لتبتسم بخجل و تصر علي صمت متهربة من نظرات ذالك العاشق الولهان الذي تفوه باسمًا :
-بصي يا حبيبتي خلاص الي حصل حصل بس ياريت تبقي تسمعي كلام و صديقيني انا عمري ما هعمل حاجة الا في مصلحتك
حركت رأسها بالايجاب و اخذت الصمت رفيق ملازم ليقول مازن باسمًا :
-تحبي اجبلك عصير قصب
ضحكت بقوة و حاولت اخفاض ضحكتها التي اسمعت كل السائرين تماسكت بهدوء قائلة بسعادة :
-ماشي عاوزة واحد
اوقف سيارته ليذهب في اتجاه بائع العصير , ابتسمت و هي تتابعه بابتسامة صغيرة اظهرت لمعة في عدستيها المملؤه بنظرات الحب..
عاد محمل بكوب كبير تناولته من يده و قالت بتعجب :
-و انا هشرب كل دة لوحدي
جلس في المقعد المجاور و قال بمزاح :
-لا دة ليا انا وانتي..بطلي طفاسة بقي
عقدت حاجبيها بضيق قائلة :
-بتبصلي في الاكل يا مازن..و بعدين دة عصير مستخسره فيا..
-ما انتي الي بتتخني بسرعة
صرخت به بصدمة :
-نعم َ! قصدك اية؟؟
ضحك بخفوت و قال بضحكة خبيثة :
-مقصدش يا حبيبتي…
حاوط كتفيها بذراعه واقترب منها ليلتقط صورة سريعة لها و هي تشرب العصير , اطلقت ضحكة تلقائية احيت الصورة جمالا بضحكتها البريئة..
سمر بضحكة صغيرة :
-والله انت مجنون..
ثم اكملت بحزن :
-و بعدين انا اوحشيت اوي…و انت بتصورني بالمنظر دة..
تأمل وجهها الطفولي الصغير الذي انهكه العياء من جميع انواع الارهاق , كاد وجهها يشبه الفتاة الميتة و عادت لحياة مرة اخري..
-عنيا مرايتك و عنيا شيفاكي حورية مهما كنتي…
ضحكت برقة و اخفت وجهها بكلتا يديها , هربت بوجهها بعيدًا ليضحك برفق و يمسك بيدها باحكام و هو يقود سيارته بجانب اميرته الصغيرة..


غفلت بين ذراعيه سريعًا كطفل عاشق للنوم لم ينم منذ ايام بسبب ألﻵم في المعدة , احتضنها بقوة و ضمها اليه بعنف لكي لا تفارق حضنه مرة اخري..اخذ هاتفه من الطاولة الصغيرة المجاورة للفراش وصل له اتصال من سلمي المساعدة الرئيسية له , ضغط علي زر الرد :
-ايوة يا سلمي
سلمي بجدية :
-مستر مازن انت لازم ضروري تسافر اسكندرية يوم الخميس..
-اشمعني..انا مش هعرف اجي
-اسفة يا بوص بس لازم تشوف القرية قبل اي حاجة
ثم قالت ببراءة :
-و بعدين دة اسبوع بالكتير
مط شفاتيه و الحيرة تلتهمه و قال بعد تفكير استغرق ثوانٍ معدودة :
-خلاص تمام…هاجي
اغلق محادثته مع سلمي ليضع الهاتف في موضعه , نظر لصغيرته بأسي فهو عليه ملازمتها في تلك الفترة التي سائت بها صحتها..
لن تستطيع الاعتماد علي نفسها في هذه الايام لكن ليس له خيارٍ اخر , نظر لها مرة اخري ليستكشف ملامحها البريئة الطاهرة من الذنوب..مسح علي شعرها برفق و هو خائف من مفارقتها..


في اليوم الثاني عند سطوع القمر يجلس العاشقين الاثنين معانقين ايدي بعضهم بقوة..
حاول التقديم عن موضوع السفر بطريقة هادئة لا تضايق صغيرته , اجلسها امامه علي الاريكة وتنحنح قائلًا :
-عملتي انهاردة اية في امتحان المكانيكا
هزت رأسها بالايجاب و قالت بحزن :
-كويس بس انا سبت سؤال انا كنت رايحة الدرس تعبانة و بحل اي كلام..
-خلاص تعوضيها المرة الجاية يا حبيبتي…
ثم اكمل ببسمة مضطربة :
-هو انا هسافر يوم الخميس الي هو بكرة عشان في شوية شغل واااا ..
قاطعته مسرعة بقلق :
-لا لا تسافر اية ؟! ..
ثم اكملت بتوتر و هي تدرك الاجابة جيدًا :
– انا هاجي معاك !!
حرك رأسه ناهيًا و قال محاولًا تخفيف حدة الموقف :
-هما اسبوع بس يا حبيبتي..
هزت رأسها بالنفي هي الاخري و قد بدأت الدموع تلمع في عدستيها البُنية , زمت شفتيها الي الامام و هي تقول :
-لا..لا مش موافقة اسبوع دول كتير اوي
زرفت الدموع من مقلتيها بحزن ليمحي دموعها بأبهامه بطريقة لبقة و هو يقول بأسي :
-يا حبيبتي متعيطيش مش كتير اوي يعني..انا هقعد اكلمك طول اليوم
جذبها برفق لموطنها حينما تكون باكية , عانقته بقوة و اللقت بوزن رأسها الصغير علي كتفه الايسر و هي تقول :
-هتوحشني اوي
طبعت بقبلة علي كتفه ليربت علي ظهرها بهدوء و هو يقول :
-هتوحشيني اكتر يا حبيبتي


انتهي من ارتداء ملابسه و تزين حاله امام المرآه , تأكد من تسريحة شعره و وضع عطره الرجولي الخاص..
كانت حينها قد انهت حمامها الدافئ , وجدته يقف امام المرآه يتأكد من منظره الوسيم , ابتلعت لعابها..
شعرت بالضيق لتلك السفرية المبكرة , اتجهت له بخطواط انوثية خبيثة وقفت خلفه حيث اختفي جسدها الصغير خلف جثته الضخمة , التفت ليرتدي حذاءه لكنه تفاجئ بوجود تلك القزمة التي اقبضت قلبه و كاد يكون قد توقف عن النبض من الصدمة فقد فزع جسده من تلك المشاغبة الحمقاء و قال بضيق و هو يحملها بخفة :
-تعالي يا عفريتة
القاها علي الفراش بهدوء و مال عليها نسبيًا , تأمل بعينيها حتي شعر بأنه قد تاه و لن يجد سبيل للوصول لرشده اقترب منها اكثر عض علي شفاتيه و هو يقول بخبث :
-اية رأيك نأجل السفرية
سارت باطراف يدها علي ذقنه الحليقة و هي تقول بدلال ممزوج بحزن :
-ياريت..
عقدت بـذراعيها النحيفين حول عنقه كأنها تأنبه علي تركها وحيدة بدونه , اقترب منها ليقوم بتقبيلها بقوة و هو لا يود فراقها اقبض خصرها بين ذراعيه , ابتعد عن شفاتيها برفق عنها ليضع جبهته علي جبهتها و هو يردد بحزن :
-ياريت..متخفيش هحاول اخلص بدري
اعتدلت جالسة و ملامح الضيق لا تفارقها نظرت له و كأنها ستبكي مجددًا , اعاد خصلات شعرها خلف اذنها و هو يقول مازحًا :
-هتعيطي تاني كفاية امبارح بقي
سمع اتصال علي هاتفه لتتنهد بضيق :
-يلا روح مش عاوزاك اصلا..
قرص انفها بمزاح :
-مش همشي الا لما هتضحكي
لتبتسم بسعادة :
-لا كدة هفضل زعلانة عشان تبقي معايا
ضحك بقوة علي لؤمها في عشقه , لم يتناول هذا الحب من احد الفتايات التي عرفها من قبل..كيف له بالنظر للنجوم و القمر بين يده خاضع لأوامره , لم يشبع منها بعد , اخذها بعنف في حضنه ليعصرها بين ذراعيه , انثر بقبلاته علي وجهها..
ارتسمت عليها ابتسامة صغيرة و ابعدته برفق و هي تمسح تلك الدمعة قبل هبوطها :
-يلا روح انت بقي عشان متتأخرش
و في طريقه لباب المنزل ركضت خلفه و هي تبدأ في عرض بعض النصائح :
-اتغطي كويس يا حبيبي عشان انت بترمي الغطا علي الارض
نظر لها بصدمة و قال بذهول :
-انا الي برميه بردو..
-احم المهم افطر قبل ما تروح و اللبس تقيل انا حطتلك البلوفر الازرق ابقي اللبسه و متنساش تتغدي كويس عشان الشغل بينسيك سيب الشغل و روح اتغدي ا..
مازن بسخرية :
-اقولهم عن اذنكم هروح اتغدي عشان مراتي حبيبتي قالتلي اتغدي و سيبك من الشغل
سمر بمزاح و الضحكة لا تفارق صوتها :
-شطور يا حبيبي
قرص خدها بلطف و هو يقول بضحكة جانبية :
-يلا يا بت..دة امي قالتي غور… تحبي اغسلك سناني كمان و اشرب اللبن الصبح
سمر ببراءة :
-مانا حطالك معجون السنان اوعي تنسي بقي و متغسلش سنانك
وصل لباب المنزل ليقوم باحتضانها بقوة حتي انه رفعها من الارض و هو يقول بطريقة ابوية :
-خلي بالك من نفسك و متفتحيش الباب لحد الا لما تعرفي هو مين..تروحي الدرس و ترجعي علي البيت علطول
اماءت رأسها بالايجاب ليتركها علي الارض , مال علي خدها ليقبله بقوة ليغادر المنزل..
اسرعت لنافذة لتجده قد دلف لسيارة , نادت بصوتها الناعم لينظر لها و يحرك يده مودعًا اياها…حركت يدها معه و خطايا الدموع قد بدأت بالنزول مرة اخري علي خدها…


مر اربعة ايام كانت حياتها في شدة البؤس حاولت تلك الايام ان تحادثه طوال اليوم و قص عليه تفاصيل يومها بالتفصيل الملل..
كانت تنام اثناء نومه و تستيقظ حين يستيقظ لا تتقبل الشعور بانه قد سافر و تركها بوحدتها..اصر عليها المكوث مع والدته “مني” لكن كلما فتح مجال للحديث تغلقه بقولها الرقيق انها ترتاح في منزلها الذي يشاركها ربيع عطره..
دلفت لمنزلها بصحبة اربعة اطفال , احدهم رضيع تحمله علي ذراعها ما ان دخل الاطفال لمنزل لتقول لهم بمزاح :
-انتشروا بقي
اغلقت باب المنزل بأحكام و اسرعت بالاتصال علي زوجها باشتياق , وصل لها الرد بعد ثوانٍ لتقول بسعادة :
-ميزو اية اخبارك
ثم قامت بفتح الكاميرا التصويرية الخاصة بجهازها المحمولي , رفع احد حاجبيه حينما وجد بيدها طفل ليقول مازحًا :
-بقي اسيبك يومين ارجع الاقي معاكي عيل..
ضحكت برفق و قالت مازحة :
-دة في تلاتة تانين بس دخلوا اوضتك
فتح ثغره بذهول و علامات الاستفهام لا تفارق وجهه لتضحك برقة قائلة :
-ما تخفش دول ولاد جارتنا الي فوق هي رايحة السوق و سابتني اللعب معاهم..
-يا نهار اسود..و ملاقتش الا انت الي تسيبك معاهم
-يونسوني في غيابك الله
ليهمس بصوت مسموع نسبيًا :
-العيال هيجلها تخلف لما هتقعد معاكي
سمر بتذمر :
-سمعتك علفكرة
ضحك بقوة و قال بسعادة :
-يلا عقبالنا بقي..
ابتسمت بخجل :
-ان شاء الله
غمز بعينه و هو يقول بخبث :
-وحشتيني
توردت وجنتيها و قالت بسعادة :
-انت وحشتني اكتر..
دامت مكالمتهما العاطفية ساعة و نصف لم يمل احدهما من الاخر بل كان يطمع في المزيد و يأتي بأي حديث ليفتحه مع شريكه الودود…
فجأة قالت بقلق :
-العيال ساكتة في حاجة حصلت
تركت الرضيع جانبًا لتتجه للاطفال بهدوء , وجدت ما لم يسر المرء بالمرة , فلقد اوقع الاطفال كل السكر و انثروه علي الارض بالكامل و حولت نظرها لفتاتين لتجدهما تمسكا بالدقيق و تلقيه علي اخيها الصغير..
ضربت بيدها علي صدرها مع شهقة قوية , سمعت ضحكات الاطفال لتصرخ بهما بعصبية :
-يا نهاركوا مهبب و منيل
بدأت بالركض خلفهم كالمجنونة و هي قد اصرت علي قتلهم و فتكهم بين يدها علي تلك الجريمة..


في المساء قبل النوم بعدما انهت تنظيف المنزل بكل جهدها , اللقت بجسدها علي الفراش لتمسك بهاتفها و تبدأ بالبحث به علي شيء يسلي وحدتها..
فجأة وجدت اتصال من رقم غير معروف , ظنت انها احدي صديقتها لتقوم بالضغط علي زر الرد و تقول بصوت جادي نسبيًا :
-مين معايا
وصل لها صوت رجولي غير مميز علي اذنها :
-وحشتيني…!
سمر بقلق :
-النمرة غلط
رد المتصل بثقة عمياء :
-لا مش غلط انتي سمر
اتربكت بخوف و بدأت بالقلق :
-اه مين ؟
-مش هتفتكريني اكيد..
ثم قال بخبث :
-انا عارف انك لوحدك دلوقتي في البيت
انقبض قلبها لتبتلع لعابها بخوف , بدأت بالنظر في كل مكان بخوف , تماسك و قالت بتهديد :
-انا هقفل..مش ناقصة قرف
اغلقت الهاتف مسرعة و اللقته بخوف , ضمت ركبتيها الي صدرها و بدأت بالارتعاش برعب..لكن فجأة سمعت صوت رنين المنزل لتشهق بخوف..
*
*
*
*

error: