رواية “جواد بلا فارس”
فى صباح اليوم التالى للخطبة استيقظت “آيات” وهى مازالت لا تصدق ما حدث خلال اليومين الماضيين .. أصحبت الآن خطيبة لـ “آدم” مرة أخرى .. وافقت على الخطبة كفترة اختبار له .. فهما زالت ثقتها به غير مكتملة بعد .. لكنها ما عادت تستطيع أن تنكر التغيير الذى لمسته فى تصرفاته وشخصيته .. ولعل آخرها رؤيتها اياه وهو يصلى بخشوع ظاناً أنها اللحظات الأخيرة قبل موته .. فبدلاً من أن يفقد أعصابه أو يبكى أو ينوح .. وقف يصلى فى خشوع ليستقبل الموت وهو على طاعة .. خرجت من غرفتها لترى الجميع جالساً فى غرفة المعشية .. بإستثناء والد “أسماء” والذى أصر “كريم” على اقامته معه هو “على” .. حتى تكون الفتيات على راحتهن .. تعالت أصواتهن بالمرح والمزاح وهن يقدمن اليها التهانى والدعاء لها بالتوفيق .
كعادتها ارتدت ملابسه وتوجهت الى عملها .. دخلت مكتبها لتفاجئ بباقة زهور على مكتبها وبها كارت أنيق كُتب فيه :
– ألف مبروك يا عروستى .. “آدم”
ابتسمت بسعادة وهى تنظر الى الكارت والزهور التى أخذتها وأفرغت لها احدى الفازات ووضعتها أمامها فوق المكتب .. تنظر اليها بين الحين والآخر مبتسمة
**************************
فى ذاك الصباح رحل “أحمد” عن القرية بعدما تيقن من ضياع “آيات” منه مرة أخرى .. فهذه المرة ربح “آدم” أيضاً .. رحل وفى داخله غضب كبير .. لم يكن ذاك الغضب خالصاً من أجل خسارته لـ “آيات” .. بل كان منبعه أيضاً خسارته التحدى أمام “آدم” .. لكنه على الرغم من ذلك تمنى لها الخير .. مع من اختاره قلبها .. فهو يعلم علم اليقين أنه لم يدخل قلبها يوماً .. ولم يستطع أن يحرك مشاعرها تجاهه قيد أنمله .. تذكر اخبارها اياه بأن مساعدته لها وقت محنتها ستكون بدون مقابل .. لن تضطر الى تقديم مقابلاً لتلك المساعده .. لعل هذا ما يجذبه اليها .. نقائها وصراحتها المفرطة مع نفسها ومع غيرها .. فلو كانت فتاة أخرى فى محلها فلعلها استغلت الفرصة للإقتراب من “أحمد” بعدما خست كل مالها وأملاكها .. لكنها لم تفعل .. لم تستغله .. ولم تخدعه .. لذلك لم يستطع أن يتمنى لها غير .. السعــادة
كانت دهشة “سمر” كبيرة عندما دخلت عليها أمها الغرفة لتقول :
– “سمر” انتى تعرفى واحد اسمه “زياد” ؟
نظرت اليها “سمر” بدهشة قائله :
– “زياد” مين ؟
أشارت والدتها الى الخارج وهى تقول بصوت منخفض :
– معرفش .. آعد بره .. وبيقول انه جاى يتقدملك
قفزت “سمر” من فراشها وقد اتسعت عيناها بشدة .. فحثتها أمها قائله :
– البسى بسرعة مستنياكى بره
ارتدت “سمر” ملابسها وهى تفكر .. من “زياد” هذا الذى جاء لطلب يدها .. صُدمت عندما خرجت لتجد “زياد” أمامها .. ذاك الرجل الذى كان يأتى العيادة وفى يده أحد الأطفال فقط من أجلأن يتحدث معها .. والذى أنقذها يوم الحريق .. نظرت الى ذراعه المجبر بإشفاق .. نهض مرحباً وابتسامة على ثغره :
– أهلاً وسهلاً
تمتم وهى تخفض رأسها :
– أهلاً بحضرتك
جلست على أحد المقاعد .. وقدمت والدتها مشروباً اليه تناوله منها قائلاً :
– تسلم ايدك
ساد الصمت للحظات .. قبل أن يتنحح “زياد” ليقول بشئ من الحرج :
– أنا آسف انى جيت فجأة كدة .. بس أنا معرفش رقم الآنسة “سمر” و كمان من ساعة ما العيادة اتحرقت وأنا مبشوفهاش فى القرية
قالت والدتها بحزن :
– ربنا يجازى اللى كان السبب ده أنا كنت هموت من خوفى عليها
قال “زياد” :
– الحمد لهل انها جت على أد كده
نظرت “سمر” الى والدتها قائله :
– على فكرة يا ماما أستاذ “زياد” هو الىل خرجنى من العيادة وقت ما اكنت بتتحرق
نظرت اليه أمها بإعجاب قائلاً :
– ربنا يبارك فيك يا ابنى .. والله فضلت أدعيلك كتير .. ربنا صرف عنك كل سوء
ثم نظرت اليه ذراعه المجبر وقالت بأسى :
– معلش يا ابنى على اللى حصل .. ربنا يشفيك ويعافيك يارب
– تسلمى .. الحمد لله جت بسيطة .. المهم ان الآنسة “سمر” الحمد لله محصلهاش حاجه
ساد الصمت مرة أخرى .. ليقطعه “زياد” قائلاً وهو ينظر الى “سمر” :
– أنا زى ما قولت لولدتك يا دكتورة .. أنا يسعدنى ويشرفنى انى أتقدملك
أخذت “سمر” تفرك يديها وتنظر اليهما فى حرج .. دون أن تتفوه بكلمة .. فأكمل “زياد” وهو يترك كوبه من يده فوق الطاولة :
– أنا اسمى “زياد” .. عندى 33 سنة . .بشتغل هنا فى القرية .. مرتبي …….. .. عندى شقة فى القاهرة بس مش ناوى أرجع على الأقل دلوقتى لانى حابب أكمل شغل هنا فى القرية .. والدى ووالدتى متوفيين من زمان .. تقدرى تقولى مقطوع من شجرة مليش غير صاحبى “آدم” اللى طبعت بيه من الدنيا وأمه ربنا يبارك فيها اللى بعتبرها أمى التانية
صمتت تستمع اليه بإنتباه وهو لاتزال تنظر الى يديها فأكمل :
– لو فى أى سؤال أو أى حاجة تحبى تعرفيها عنى اسأليني عنها
خرجت من صمتها قائله :
– ممكن أعرف ليه حضرتك اخترتنى بالذات .. يعنى حضرتك متعرفنيش .. وأظن انك متعرفش أى حاجة عنى
ابتسم “زياد” قائلاً :
– مين قالك كده .. انا عارف كل حاجة عنك
رفعت رأسها تنظر اليه بإستغراب .. فاتسعت ابتسامته وهو يقول :
– بصراحة سألت “كريم” وقالى انك صاحبة أخته من زمان وانك عايشة مع والدتك .. وكمان انك صاحبة مراته وبتشكر فيكى جداً
شعرت “سمر” بالغيظ من “إيمان” التى لم تذكر لها شيئاً عن الموضوع .. أكمل “زياد” :
– مش عايزة تسأليني عن حاجة
قالت “سمر”بإقتضاب :
– لأ
– طيب أنا هجاوبك على سؤالك اللى سألتيه واللى أنا لسه مجاوبتش عليه .. سألتيني ليه اخترتك انتى بالذات .. صحيح أنا مشفتكيش الا كام مرة بس عجبنى فيكي انك جد يعني مبتديش فرصة لحد انه يستظرف ولا يرخم عليكي .. وحسيتك بنت مؤدبة ومحترمة وواضح انك بتحبى شغلك أوى وعندك ضمير .. وحسيت انك هتكونى زوجة مناسبة ليا .. أنا من زمان وأنا نفسى أقلا نصى التانى .. واحدة أحس بالراحة لما أشوفها وأقول هى دى يا واد يا “زياد” اللى تشاركك حياتك بحلوها ومرها
صمتت لا تدرى ما تقول فأكمل :
– أنا يمكن ظروفى قريبه شوية من ظروفى بس أنا ظروفى أصعب .. يعني اللى عرفته عنك ان باباكى من زمان وهو منفصل عنكوا
شعرت “سمر” بتوتر بالغ واضطربت ملامحها لذكر والدها الغائب .. فأكمل “زياد” :
– أنا كمان فقدت والدى الله يرحمه من زمان أوى .. يمكن مفتكرش شكله .. وحتى أمى الله يرحمها اتحرمت منها بدرى .. طبعاً ربنا يباركلك فى والدتك ويديها طولة العمر .. وكان لازم أعتمد على نفسى بدرى وأشتغل وأصرف على نفسى وأكون نفسى عشان أعرف أفتح بيت .. حسيت ان احنا ظروفنا الى حد كبير متشابهة فهنقدر نفهم بعض كويس
شعرت “سمر” بإضطراب بداخلها .. أثرت بها كلماته وظروفه التى مر بها .. كان من الصعب عليها وبشدة العيش مع أب مفقود .. فكيف شعور من فقد أمه أيضاً ! .. بالتأكيد كان شعوره قاسياً .. بالتأكيد عانى من وحدة شديدة .. ولا يزال .. سمعته يقول ليخرجها من شوردها :
– أنا بجد ارتحتلك جداً .. ونفسى فعلاً ان ربنا يجمعنا مع بعض .. وأى سؤال تحبي تسأليه أنا تحت أمرك
حاولت “سمر” مقاومة شعور الإرتياح الذى شعرت به من خلال حديثه .. وقالت بشئ من الحدة :
– حضرتك كنت صاحب دكتور “آدم” .. طيب كنت شغال معاه فى القرية اللى جمب القرية دى ؟
قال “زياد” مطرقاً برأيه :
– قصدك جولدن بيتش .. أيوة كنت شغال فيها
قالت بحدة وقد شعرت بأنها وجدع درع تحتمى خلفه :
– حضرتك كنت بتتشغل فى قرية كلها محرمات وحاجات تغضب ربنا ومكنش فارق معاك تغضب ربنا ولا لأ
نظر اليها “زياد” قائلاً :
– مين قال ان مكنش فارق معايا .. أنا مكنتش مرتاح أبداً للشغل هناك .. بس يمكن كنت محتاج اللى يعينى ويشجعنى انى آخد الخطوة دى واسيب الشغل .. والحمد لله “آدم” فاق قبلى ولما قرر انه يسيب القرية اتشجعت وسيبتها
قالت “سمر”وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها :
– مش مبرر
قال “زياد” بحماس :
– طبعاً مش مبرر .. كان لازم أسيب القرية بمجرد ما عرفت اللى بيحصل فيها .. بس تقدرى تقول الشيطان كان أشطر منى .. وكتفنى خلانى مش عارف أخد الخطوة دى .. بس الحمد لله فوقت .. وأنا مرتاح جداً فى شغلى هنا على الأقل ضميري مرتاح وبستغفر ربنا على انى استهنت بشغلى فى جولدن بيتش
ثم قال :
– بصى يا دكتورة .. أنا اللى حبه فيكي أكتر هو انى حاسس انك انسانه محترمة وملتزمة .. وأنا محتاج واحد كدة تعيني .. أنا على فكرة حتى لو كنت بعمل حاجة غلط بس مش من النوع العنيد المتكبر اللى بيرفض النصيحة .. ولا اللى بيقاوح فى الغلط .. لا الحمد لله من فضل ربنا عليا انى مش كده
ثم قال :
– والحمد لله كمان صحبة “كريم” و “على” فادتنى كتير وبدأت أنتظم فى الصلاة فى المسجد .. انا عمرى الحمد لله ما فوت فرض .. بس مكنتش بصلى فى المسجد .. بس دلوقتى الصلاة كلها بصليها فى المسجد .. يعني الصحبة الصالحة بتأثر فيا وبتغير فيا .. ما بالك لو زوجة صالحة وعايش معاها فى بيت واحد
قاتل “سمر” وهى مطرقة برأسها :
– بس أنا مش صالحة اوى كدة .. أكيد ليا أخطاء وعيوب
قال “زياد” على الفور :
– يبأه نعين بعض .. انتى تكملى اللى ناقص فيا وأنا أكمل اللى ناقص فيكي
صمتت “سمر” وهى لا تستطيع انكار الراحة التى شعرت بها من الحديث معه .. لكنها قالت فجأة وبحزم شديد :
– أنا آسفة يا أستاذ “زياد” .. كل شئ نصيب
صُدم “زياد” لهذا الرفض القاطع والمفاجئ فى سياق الحديث .. بينما ظهر الحزن فى عين والدتها .. هى نفسها شعرت بالأسى بداخلها .. لا تعلم لما تفوهت بهذه الكلمات لتنهى تلك المقابلة التى كلما طالت كلما شعرت بالإرتياح أكثر وبالميل اليه .. كانت تفتقد شعور الأمان فى يحاتها الى درجة أنها حينما شعرت بهذا الأمان فى حديثه خافت منه !
لعلها خافت من أن كيون هذا الشعور سراباً سرعات ما تكتشف زيفه .. أو لعلها خافت أن تسير خلف أحاسيسها التى شعرت بالميل الى كلامه وشخصيته .. او لعلها تعودت الوحدة وأطبقت على أنفاسها حتى لم تعد تجرؤ على الخلاص منها .. قامت بهدوء لتدخل غرفتها معتذرة منهما .. ساد الصمت للحظات يحاول فيها “زياد” فهم سبب ذاك الرفض الذى لم يتوعه وبتلك الطريقه .. حتى أنها لم تأخذ وقتاً للتفكير .. استأذن لينصرف .. فتح الباب .. وقبل أن يخرج أوقفته أمها قائله :
– أستاذ “زياد”
التفت اليها وفى عينيه حيرة ممزوجة بالضيق .. فنظرت اليه بحنان قائله :
– اللى عايزه حضرتك تعرفه .. ان “سمر” تعبت كتير لما والدها بعد عنها وهى صغيره .. يمكن ده اللى بيخليها مش قادرة تثق فى حد . ومش قادرة تعتمد على حد غير نفسها .. لانها شالت المسؤلية معايا قبل أوانها
ثم قالت فيما يشبه الرجاء :
– لو شاريها بجد اتمسك بيها
نظر اليها “زياد” صامتاً لبرهه .. ثم قال :
– لو حضرتك واثقة ان هو ده سبب الرفض .. يبقى أكيد هتمسك بيها
قالت أمها بحماس :
– أيوة أنا واثقة .. “سمر” بنتى وأنا عرفاها كويس .. لو مكنتش عجبتها مكنتش فضلت تجادل معاك وتسألك عن حاجة خاصة بيك .. كانت فضلت ساكتة ومفتحتش بقها .. وده اللى خلانى بقولك الكلام ده دلوقتى .. حسسها انك شاريها وانك متمسك بيها
نظر اليها “زياد” قائلاً بحماس :
– أنا فعلاً متمسك بيها
اتسعت ابتسامة والدتها وفى عيونها دموع محبوسة وهى تقول :
– خلاص اتفقنا يا ابنى
لوح لها “زياد” مودعاً .. خرج من الباية وهو يفكر فيما دار فى المقابلة .. وفى كلمات والدتها .. نعم لا يعرفها الا منذ أيام قلائل .. لكنه يشعر بأنها نصفه الآخر .. اذا كانت رفضته لذاك السبب .. فسيتمسك بها .. الى أن يتمكن من كسب ثقتها
**************************
جلست “سمر” فى غرفة “ىيات” تحاول بصعوبة منع تلك العبرات من التساقط .. شعرت بأنها تفتقد للشجاعة التى تجعلها تقدم على تلك الخطوة وتبدأ فى بناء حياة طبيعية مع شريط آخر يقف بجوارها ويواجهان الحياة جنباً الى جنب .. تذكرت كيف تخلى والدها عن الوقوف بجوار والدتها فى تلك الموادهة التى ذاقت مرارتها حتى وصلت لما هى فيه الآن .. تنهدت بحسرة وهى تحاول مقاومة تلك المخارف التى تمنعها من أن تسعد كأى فتاة عادية .. التى تجعلها تصد كل من يتقدم لها .. والتى تجعلها الآن تزرف تلك العبرات لما شعرت به من رغبة فى الموافقة كبتتها بداخلها لتعلن بدلاً منها رفضاَ قاطعاً .. أرادت حقاً اعطائه واعطاء نفسها فرصة .. فلعله يستطيع أن يكون ذاك الرجل الذى تبغى .. تسرب اليها شعور بالندم لتسرعها فى الرفض .. فلعلها لو أعطت نفسها فرصة للتفكير لكانت وافقت .. قامت بضيق وتوضأت ووقفت تستخير الله في ذاك الأمر الذى نهته بجمله واحدة منذ لحظات .. أنهت صلاتها وهى تفكر بحزم .. إن كان نصيبها فسيعود .. وإن لم يكن فلقد حماها الله من شر كانت ستقع فيه
ظل “آدم” محتفظاً بإبتسامته العذبة طيلة اليوم وهو يلقى نظرة على دبلته من حين الى آخر .. مازال الى الآن لا يصدق ما حدث .. لا يصدق أنه ارتبط بحبيبته أخيراً .. لا يصدق أنها أعطته فرصة أخرى ليثبت أنه جديراً بها .. لم يفتر لسانه عن ترديد :
– الحمد لله
فالله من يسر له واستجاب له ورزقه بمن أحب .. لكم كان يتمنى أن تمر تلك الخطبة سريعاً ليستطيع رؤيتها والتحدث معها كيفما شاء ووقتما شاء .. شعر بأن تلك الخطبة تكتفه عن التعبير عما يجيش به صدره .. لكنه عزم على ألا يغضب الله عز وجل هذه المرة .. لن يتجاوز معها كما فعل فى خطبتهما الأوى والتى كانت منزوعة البركة .. عزم على أن يرضى الله ويطيعه حتى ينال ما يريد .. ساعده على ذلك “آيات” نفسها والتى أرادت ما أراده هو .. قارن بين حالهما فى خطبتهما الأولى وحالهما الآن .. فاتسعت ابتسامته وهو يحمد الهل أن من عليه وعليها بالتوبة .. فلعل كل ما حدث كان من أجل تطهيرهما من ذنوبهما .. شرد “آدم” يفكر .. لعلهما لو كان تزوجها وقتها لكان حياتهما الآن لا تطاق .. فبالتأكيد الحياة فى البعد عن الله لا تطاق .. شعر بكم كان الله رحيماً بهما أن فرقهما وهما على المعصية ليعيد جمعهما فى الطاعة !
أخذ “آدم” يفكر .. لو علم الإنسان ما حماه الله منه لحمده على حاضره ولاستبشر بمستقبله .. أحياناً يكون الخير مغلف بغلاف من الأسى حتى نتوهم بأنه شراً .. لكنه الخير وليس سواه .. كلما اقترب الانسان من الله فهم معنى الإبتلاء جيداً .. فالإبتلاء أحياناً يكون للتطهير وللتكفير عن الخطايا للرجوع الى الحق
بعد انتهاء العمل قابل “آدم” “كريم” وأخبره برغبته فى زيارة “آيات” والتحدث معها .. بعد عدة ساعات حضر “آدم” الى منزل “كريم” الذى رحب به ببشاشه .. بعد قليل حضرت “آيات” تبتسم بخجل وهى مطرقة برأسها .. أخذ “آدم” نفساً عميقاً وهو يشعر بسعادة تغمر قلبه .. ها هى حبيبته أمامه .. حبيبه وخطيبته .. غض بصره وإن كان ذلك شاقاً عليه .. تحدث قائلاً :
– ازيك يا “آيات”
ردت بخجل :
– الحمد لله .. ازيك انت
– الحمد لله .. لقيتي حاجة على مكتبك الصبح
ابتسمت قائلاً :
– أيوة .. فرحت بيها
اتسعت ابتسامته قائلاً :
– طيب الحمد لله انى قدرت أفرحك
صمت لبرهه ثم قال :
– “كريم” قالك على ظروفى ؟ .. انى دلوقتى يعتبر انى ببدأ حياتى من أول وجديد
أومأت برأسها قائله :
– أيوة “كريم” قالى كل حاجة
سألها بإهتمام :
– طيب ورأيك ايه .. يعني احساسك ايه
قالت بخفوت :
– أعتقد رأيى عرفته لما وافقت على الخطوبة .. أنا مش مهم عندى كل ده .. يعني أنا معنديش مشكلة انى أستناك لحد ما تقف على رجلك تانى
ابتسم بإرتياح وهو يقول :
– ريحتى قلبى بكلامك على فكرة .. وأنا أوعدك ان شاء الله انى أعمل كل اللى أقدر عليه عشان أعيشك أحسن مما كنتى عايشة
قالت “آيات” بصدق :
– صدقنى أنا مش ببص لكده .. أهم حاجة اننا نكون ماشيين صح .. وحياتنا صح .. لو ده حصل أكيد هيكون فيها بركه .. فى ناس كتير عايشة كويس ومرتاحة مادياً لكنها تعبانه نفسياً ومفيش فى حياتها بركة .. ومش حسه بطعم الحياة أصلاً .. مش بالفلوس على فكرة .. المهم ان الواحد يكون راضى .. وأنا راضية طول ما احنا ينتقى ربنا ومش بنغضبه
تنهد “آدم” قائلاً بتأثر :
انتى نعمة كبيرة أوى ربنا رزقنى بيها .. وأنا عاهدت ربنا انى أحفاظ عليكي يا “آيات” .. مش عايزك تخافى منى .. انا فعلاً اتغيرت كتير .. مش بس رجعت زى الأول .. أنا رجعت أحسن مليون مرة من الأول .. نفسى تنسى كل اللى حصل قبل دة .. وتفتكرى بس حياتنا من لحظة ما اتخطبنا
ابتسمت تقول :
– فعلاً أنا حسه بكدة .. يعني معدتش بفكر فى حاجة فاتت .. خلاص مش هفكر فيه تانى .. انت غلطت وأنا غلطت .. خلاص ربنا يغفرلنا احنا الاتنين
اتسعت ابتسامة “كريم” الذى كان جالساً على بعد خطوات منهما يحمل اللاب توب على قدميه منشغلاً فيه .. دعا الله لهما أن يوفقهما وأن يجعل كل منهما قرة عين الآخر
**************************
شعرت “سمر” بالدهشة عندما عادت من عملها لتجد “زياد” جالساً بصحبة والدتها .. دخلت الغرفة على الفور لتقول لها “آيات” بلهفة :
– “زياد” آعد مستنيكي بقاله ساعة
قالت “سمر” بإضطراب :
– عايز ايه ده مش خلاص رفضته
دخلت والدتها وهى تقول :
– “سمر” تعالى شوية لو سمحتى
خرجت “سمر” وهى تشعر بالإضطراب .. ألقت عليه نظرة لتجده مبتسماً وقف مرحباً بها .. جلست وهى لا تعلم سر تلك الزيارة بعد رفضها اياه .. قامت والدتها وهى تقول :
– تحب تشرب شاى ولا قوة يا أستاذ “زياد”
– قهوة لو سمحتى
دخلت أمها المطبخ .. فشعرت “سمر” بالضيق .. قالت بشئ من الحدة :
– خير يا أستاذ “زياد”
ابتسم وهو يضع ساقاً فوق ساق قائلاً بمرح :
– لا أبداً جاى أتكلم فى تفاصيل الخطوبة
نظرت اليه بحدة وقالت بدهشة :
– خطوبة ايه؟
ابتسم لها قائلاً :
– خطوبتنا
قالت بجدية :
– حضرتك بتهزر .. خطوبة ايه .. حضرتك خدت ردى المرة اللى فاتت ولا نسيته
مال بجسده ونظر اليها قائلاً بمرح :
– هو انتى فاكرة لما تقوليلى انك مش موافقة .. خلاص بأه همشى وأنسى الموضوع وأقول كرامتى وكده يعني .. لا أبسلوتلى .. مش أنا خالص
نظرت اليه بدهشة وقد ألجم لسانها فأكمل بنفس المرح :
– هفهمك .. لما كنت صغير كان عندى عربية نص نقل .. لا دماغك متروحش لبعيد .. مش عربية حقيقية .. عربية لعبة .. فى يوم العربية دى وقعت من البلكونة .. أنا اللى حدفتها .. وبعدين وقعت على راس عم “فاروق” جارنا .. كان راجل غلبان أوى .. المهم فضل يزعق ويقول مين اللى رمى العربية دى على دماغى .. أنا طبعاً مفتحتش بقى .. خفت يطلع يضربنى .. ولا يقول لأمى وهى تضربنى .. سكت .. والعربية ضاعت منى .. عم فارق الله يرحمه ويغفرله بأه من غيظه كسر العربية تحت رجله
كانت “سمر” تستمع اليه وهى تنظر اليه بدهشة وحيرة وقد فغرت فاها .. بعدما انتهى انتظرت أن يكمل فلم يتحدث فقالت بجدية :
– آه وبعدين .. ايه علاقة ده بموضوعنا ؟
أطلق “زياد” ضحكة عالية وهو يقول :
– لا ملوش علاقة أنا كنت بدردش معاكى
نظرت اليه “سمر” بغظيط ثم أشاحت بوجهها بينما عادت والدتها من المطبخ حاملة صنية القهوة .. فنهض “زياد” مسرعاً وأخذها منها قائلاً :
– تسلمى يا أمى متحرمش منك أبداً
نظرت اليه بدهشة وهو يقول لأمها “أمى” .. جلس “زياد” يرشف من فنجانه وهو يقول :
– تسلم ايدك يا أمى قهوة ممتازة
ثم التفت الى “سمر” يقول بلؤم :
– وانت يا دكتره بتعرف تعمل قهوة ولا ملكش فى الطبخ ؟
ضحكت والدتها قائله :
– لا “سمر” ما شاء الله عليها بتعرف تعمل كل حاجة
ابتسم “زياد” قائلاً :
– أنا كمان بعرف أعمل كل حاجة من أول الطبيخ لحد الغسيل
رفعت والدة “سمر” حاجبيها قائله بدهشة :
– معقولة
أخذ رشفة من فنجانه وقال :
– طبيعى لما راجل يعيش لوحده لازم يتعلم يعمل حاجة حاجة بنفسه .. اتعلمت كل حاجة .. أنا أصلاً عايش لوحدى على طول .. حتى لما سافرت شرم ولما جيت هنا برده كنت عايش لوحدى
ثم قال بشئ من الأسى :
– أحياناً الواحد من كتر ما بيعيش لوحده بتعود على الوحدة ويحس انها زى الصاحب اللى صعب يسيبه أو يفترق عنه .. بس بييجي عليه وقت يحس انه خلاص مش طايقها .. ونفسه فى حد يتكلم معاه زى ما بيتكلم مع نفسه .. نفسه يحس ان له لزمه فى الدنيا دى وان فى حياته بيت وأسرة وزوجة وأولاد ومسؤلية .. مش عايش كدة لنفسه وخلاص
كانت “سمر” تستمع اليه بإهتمام بالغ .. فأكمل :
– أنا يمكن عشان كمان كنت طفل وحيد .. فكانت الوحدة ملازمانى من كل اتجاه .. عشان كده نفسى أكون أسرة كبيرة أوى .. يعني بتاع 7 ولا 9 عيال كده
ثم التفت الى “سمر” قائلاً بمرح :
– ايه رأيك .. لو عايزه أكتر أنا معنديش مانع
لاحت الابتسامه على شفتيها وهى تقول :
– أكتر من كده ؟ .. انت مش عايز زوجة .. ده انت عايزه دادة لولادك
أطلق “زياد” ضحكة عالية سرت كالنغمات فى أذنيها وهو يقول بمرح :
– لا مش لدرجة دادة .. ما أنا هساعدك برده يعني .. لسه بقول بعرف أطبخ وأغسل وممكن كمان أحميلك العيال .. يلا يا ستى .. هتلاقى فين راجل زيي يحميلك العيال .. ده أنا عريس لقطة والله
أطلقت “سمر” ضحكة مكتومة وهى تضع أصابعها على فمها .. شعرت بمرح بداخلها لم تشعر به منذ زمن .. وكأنها عادت طفلة مرة أخرى .. نظرت اليه بطرف عينها لتتأمل ملامحه التى كانت عى قدر من الوسامة .. وابتسامته التى لا تفارقه .. ومرحه الذى يغدق به على من حوله .. شعرت بإستكانه وهى تستمع بإهتمام الى حديثه الشيق .. وذكريات طفولته وصباه
**************************
جلس “كريم” فى مكتبه يزاول عمله كالمعتاد عندما اقتحم عليه المكتب فجأة بعض الرجال .. نهض قائلاً :
– أفندم
قال أحدهم :
– أنا النقيب “…….” معانا أمر بتفتسش المكتب
شعر “كريم” بالدهشة وقبل أن سعى ما يحدث تجول المخبرين فى المكتب وقد قلبوه رأساً على عقب وهو يحاول تنظيم ما تم بعثرته من أوراق هامة .. ثــم .. صاح أحد المخبرين :
– تمام يا فندم
التفت ليجد المخبر قد أعطى للضابط مجموعة أكياس فى داخلها مسحوق أبيض .. فتح الضابط أحد الأكياس وغمس فيها اصبعه ثم قربها منه يشمها ويتفحصها عن قرب .. ثم التفت الى “كريم” قائلاً :
– مخدرات ! .. اتفضل معانا
صاح “كريم” بإستنكار :
– مخدرات
لم يتركوا له فرصة للحديث .. ساقه المخبرين الى الخارج وهو يشعر بالصدمة مما يحدث .. لقيه “آدم” و “زياد” فصاحوا :
– ايه فى ايه
– مين دول يا “كريم”
قال “كريم” وهو يسير معهم دون أن يسمحوا له بالتوقف :
– بيقولوا لقوا فى مكتبى مخدرات
صاح “زياد” بحده :
– ايه .. مخدرات !
سار “آدم” خلفه وهو يهتف قبل أن يجلسوه فى السيارة :
– متقلقش يا “كريم” هجيب المحامى وهجيلك على القسم
انطلقت السيارة حاملة “كريم” الذى أخذ يتمتم مصدوماً :
– اللهم اكفينيهم بما شئت وكيفما شئت
علمت “آيات” بخبر القبض على أخيها فأسرعت تجرى فى اتجاه البوابة .. لقيت “آدم” واقفاً يتحدث فى هاتفه بإهتمام اشار اليها فأقبلت نحوه .. أنهى اتصاله فقالت بلهفة :
– ايه اللى حصل ده .. فين “كريم”
زفر “آدم” بحنق قائلاً :
– البوليس لقى فى مكتب “كريم” مخدرات
شهقت بقوة وهى تضع يدها على فمها ثم ما لبثت أن هتفت :
– مش ممكن كريم يعمل كده
قال “آدم” على الفور :
– طبعاً مش ممكن يعمل كده .. ده أكيد الكلب “عاصى
قفزت الدموع الى عينيها وقد أصابها الفزع والخوف على أخيها .. فهدئها “آدم” قائلاً :
– متخفيش يا “آيات” أنا رايحله القسم دلوقتى وان شاء الله خير .. روحى انتى دلوقتى
أسرع “آدم” فى اتجاه مكتب “كريم” ليجده مبعثراً عن آخره .. وضع “كرسى “أسف الكاميرا المثبته فى الجدار واستخرج منها الشريط الموضوع بها .. ثم توجه الى قسم الشرطة حيث تم أخذ “كريم” !
بعد عدة ساعات من التحقيقات والإتيان بشريط الفيديو الذى صورته الكاميرا التى وضعها ووزعها “كريم” فى أماكن متفرقة من القرية بعد حادثة الجراج .. تبين أن أحد العاملين بالقرية قد دخل مكتبه ودس تلك الأكياس فى ذاك المكان الذى وجده رجال الشرطة .. أثبت الفيديو بما لا يدع مجالاً للشك بأن تلك مؤامرة قد حيكت للإيقاع بـ “كريم” .. وعندما سألهم الضابط عمن يشكون فيه .. أسرع “آدم” على الفور قائلاً :
– “عاصى اليمانى” .. مفيش غيره .. هو وأبوه شغلهم قذر .. ومستبعدش أبداً انهم يكونوا تجار مخدرات فعلاً
حضر أحضر القيادات الكبرى الى القسم وجلس بصحبة “كريم” و “آدم” و محاميه .. أفشى لهم عن علمهم منذ زمن بتجارة “سراج” و عاصى” المشبوهة .. وأنهم ينتظرون اللحظة المناسبة للإيقاع بهم .. بالأدلة التى لن تجعلهم ينفدون من عقابهم .. طلب ذاك الضابط الكبير من “كريم” أن يساعدهم عن طريق المكوث فى القسم وكأنه بالفعل قد قُبض عليه .. وذلك حتى يطمئن “عاصى” لسير خطته بنجاح .. وبعدم انكشاف تلك المؤامرة .. ووعده بأنه خلال يومين سيتم مداهمة المكان الذى تظن الشرطة بأنه مخزناً محملاً بذاك السم الأبيض .. فقط ينتظرون اللحظة المناسبة حتى لا ينفد “عاصى” و “سراج” منها .. وافق “كريم” على الفور على مساعدة الشرطة فى القبض على أولئك المجرمين .. كان المطلوب منه أن يظل فى القسم وألا يفشى أمر اطلاق سراحه بين العاملين فى القرية خاصة بعدما اكتشوا بوجود جواسيس فى القرية تعمل للصالح “عاصى” وأولها ذاك العامل الذى دس امخدرات فى مكتب “كريم” .. وقد كان
انهارت “إيمان” بعدما سمعت خبر القبض على “كريم” .. وأصرت على الذهاب الى القسم لرؤيته .. استسلم “على” لإصرارها وتوجه بها بصحبة والده الى قسم الشرطة .. سمحوا فقط بدخول “إيمان” الى غرفة المكتب حيث يجلس “كريم” منتظراً أوامر أخرى من الضابط .. بمجرد أن رأته شهقت باكية بشدة .. اقترب منه ولفها بذراعيه وعانقهاً طويلاً وهو يقول :
– خلاص يا “إيمان” متعيطيش .. قول قدر الله وما شاء فعل .. وبعدين مش “على” فهمك .. أنا مش مقبوض عليا أنا هنا بس عشان “عاصى” يفتكر انهم قبضوا عليا وان محدش بيشك فيه
أبعت رأسها لتنظر اليه قائله بأعين دامعة :
– كنت خايفة عليك أوى
أجهشت فى البكاء مرة أخرى .. فابتسم “كريم” بعذوبة وهو يقول :
– ده حب بأه
نظرت اليه قائله وهى تجفف دموعها بمنديلها :
– لا متجوزاك شفقة
أطلق ضحكة خافته وهو يقول بعتاب مصطنع :
– و أنا الى كنت فاكرك بتحبيني .. طلعتى متجوزانى شفقه .. وأنا مقبلش انك تتجوزيني شفقه
ابتسمت وهى تنظر اليه بحب قائله :
– لا مش شفقه
رفع احدى حاجبيه وهو يبتسم بلؤم قائلاً :
– أمال تجوزانى ليه .. عايزه أعرف دلوقتى
اختفت ابتسامتها وهى تقول :
– ده وقته يا “كريم” .. مش لما نشوف المصيبة اللى احنا فيها دى الأول
قال بحزم :
– متغيريش الموضوع .. متجوزانى ليه بأه
اتسعت ابتسامتها ولم تجيب .. فقال بحنان :
– طيب أنا هطلع أكرم منك
ثم نظر الى عينيها قائلاً :
– بحبك يا “إيمان”
احمرت وجنتاها وأطلقت ضحكة سعادة خافته ونظرت أرضاً .. أمسك ذقنها ورفع وجهها ونظر فى عينيها قائلاً .. انتى لما عرفتيني وقربتى منى .. حبتيني ولا لسه ؟
قالت بخجل :
– أيوة .. حبيتك
اتسعت ابتسامته وهو يشعر بأن قلبه يقفز فرحاً .. ثم قال بمرح :
– والله احنا اتنين مجانين .. ملقيناش الا القسم عشان كل واحد يقول مشاعره للتانى .. يعني أقول لولادنا ايه .. أول مرة أقول لأمكوا انى بحبها قولتها فى القسم
ضحكت بشدة .. فمسح بعض العبرات التى لاتزال عالقة على وجهها وهو يقول :
– أيوة عايزك تضحكى على طول كده .. مش عايزك تعيطي تانى
أومأت برأسها وهى تقول :
– خلى بالك من نفسك .. ماشى .. وأنا هجيك تانى
قال “كريم” بحزم :
– لأ .. متجيش هنا تانى يا “إيمان” .. انا مرضتش أضايقك المرة دى عشان مقدر قلقك عليا .. بس لو سمحتى متجيش هنا تانى .. وأنا هبقى أكلمك .. اتفقنا
أومأت برأسها قائله :
– خلاص ماشى يا “كريم”
**************************
فى مطعم القرية جلست “أسماء” بصحبة أبويها .. التفوا حول الطاولة يتناولون طعام العشاء .. ابتسمت “مديحة” وهى تنظر الى ملابس ابنتها الواسعة وحجابها الطويل .. فلم تكن معتادة على رؤية ابنتها بهذا النوع من الثياب .. فنظرت اليها ثم قالت :
– انتى غيرتى ستايل لبسك ولا ايه يا “أسماء”
قالت “أسماء” وهى تلعب فى طبقها بملعقتها :
– أيوة
نظر اليها “مدحت” قائلاً :
– اشمعنى يعنى .. عشان “آيات” غيرت ستايلها هى كمان
نظرت اليه قائله :
– لا مش عشان أقلد “آيات” .. عشان أنا حبه كده
ثم عادت تنظر الى طبقها قائله :
– عرفت ان لبسى مكنش صح .. و “آيات” اتكلمت معايا كتير .. وامبارح خلتنى أجرب لبسها .. وحسيت انى مرتاحه فيه
ثم قالت وهى شارده :
– “آيات” قالتلى انى لو لبست زى ما ربنا أمرنى .. ولو حطيت فى نيتى وأنا خارجه من البيت انى بلبس كده عشان ربنا وعشان أسمع كلامه .. باخد ثواب طول ما أنا بره البيت .. أكنى بعمل عبادة بالظبط
ابتسمت والدتها وهى تقول بحنان :
– أنا فرحانه أوى بكلامك ده يا “أسماء” أول مرة أسمعك تتكلمى كده .. وكمان “آيات” حسه ان البنت دى اتغيرت كتير
ابتسمت “أسماء” قائله :
– هى فعلاً اتغيرت .. بس فضلنا نحب بعض زى الأول .. ولسه صحاب زى الأول ويمكن أكتر كمان من الأول
نظر اليها والدها وتنحنح قائلاً :
– انتوا ناوية على ايه يا “أسماء” .. هتكملى شغلك هنا فى القرية ولا هترجعى معانا القاهرة
تنهدت “أسماء” ثم قالت :
– من ساعة ما جيتوا وأنا بفكر فى الموضوع ده
ثم قالت بحزم :
– أنا عايزه أرجع معاكوا القاهرة
ابتسمت أمها وهى تربت على ظهرها قائله :
– يا حبيبتى .. أنا كمان كنت حبه انك ترجعى معانا
اتسعت ابتسامة “مدحت” وهو يقول :
– خلاص يبقى بكرة ان شاء الله نتوكل على الله ونرجع القاهرة
شردت “أسماء” وهى تنظر من نافذة المطعم بجوارها .. أخذت تتسائل فى نفسها .. تُرى هل ما تفعله صواب ؟! .. أترحل أم تبقى ؟! .. ظل السؤال يتردد بداخلها وقد منعتها حيرتها من ايجاد الجواب المناسب !
**************************
كم كانت صدمة “أسماء” كبيرة عندما أخبرها والدها بحديث “على” معه .. استمعت اليه بلهفة وهو يقول :
– الشاب ده باين عليه محترم .. المهم هو قالى انه حابب يتكلم معاكى الأول فى شوية حاجات لو ارتحتوا انتوا الاتنين هيتوكل على الله ويجيب أهله .. ولو مفيش راحه خلاص كل شئ نصيب .. قولتى ايه يا “أسماء”
كادت “أسماء” أن تسقط مغشياً عليها من فرط حماسها .. قالت بحماس :
– ماشى يا بابا
– طيب يا بنتى هو حابب نعد بره فى أى مكان .. يعنى مش حابب ان حد يعرف الموضوع دلوقتى قبل ما تتكلموا مع بعض .. حتى أمك أنا ما قولتلهاش
– ماشى يا بابا مفيش مشكلة
شعرت بدقات قلبها عالية معلنة عن سعادتها .. سألت نفسها .. أحقاً طلب على من والدها الحديث معها .. لماذا لم يطلب منها هى .. بالتأكيد لم يرد أن يتخطى والدها .. هكذا هو .. يعرف الأصول جيداً .. يخشى أن يخطئ فى أفعاله وتصرفاته .. ارتسمت ابتسامه حالمه على شفتيها .. وهى تستعد لذاك اللقاء .. لم تخبر “أسماء” هو “آيات” التى قالت بإبتهاج :
– طيب كويس .. بشرة خير .. يارب تمملها الموضوع على خير يارب
قالت “أسماء” بلهفه :
– يارب .. يارب
ثم سألت “آيات” :
– ايه أخبار أخوكى دلوقتى
قالت “آيات” الحمد لله :
– لا الحمد لله زى ما قولتلك مفيش قضية أصلاً .. بس هما مخليينه عندهم فى المكتب .. حتى مش مدخلينه الحجز .. عشان “عاصى” يفتكر انه نجح فى خطته وان محدش بيشك فيه
قالت “أسماء” بعنف :
– حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. ده كتلة شر متحركة
قالت “آيات” بأسى :
– أنا عرفت دلوقتى ليه بابا بعد عنهم .. وليه منعنى من انى أعرفهم أو أكون على صلة بيهم
– طبعاً يا بنتى كان معاه حق انه يتبرى من أخوه وابن أخوه .. دى عالم أستغفر الله العظيم
ابتسمت “آيات” قائله بمرح :
– سيبك من السيرة الغم دى وخلينا فى “على”
ابتسمت “أسماء” بسمة حالمة وهى تقول :
– “على” !
ضحكت “آيات” قائله :
– هنبدأ ولا ايه .. لا امسكى نفسك .. أما نشوف بس الموضوع هيرسى على ايه
**************************
شعرت “أسماء” بالحرج وهى ترى على مقبلاً عليهما .. نهض والدها مرحباً به وتبادلا عبارت المجاملة .. ثم جلس معهم على الطاولة فى ذاك المطعم الهادئ .. قام “مدحت” قائلاً :
– طيب هعد أنا على الترابيزة اللى جمبكوا عشان أسيكوا تتكلموا براحتكوا
ظلت “أسماء” تنظر أرضاً تنتظر أن يبدأ حديثه .. قال :
– ازيك يا آنسة “أسماء”
تمتمت مبتسمة :
– الحمد لله
بدا عليه الحرج والإضطراب .. تناول رشفة من كوب الماء الموضوع أمامه ليقلل من جفاف حلقه .. ثم قال :
– أنا حبيت أتكلم معاكى بالطريقة دى .. عشان تبقى كل حاجة ماشية صح .. يعني محبتش ان ده يكون بدون علم أهلك .. بس نتيجة المقابلة دى متوقفة عليكي انتى
نظرت اليه تنتظر ما سيقول فأكمل :
– ليا شروط لازم تكون موجودة فى الانسانه اللى هرتبط بيها .. لو مكنتش مناسباكى خلاص يبقى مفيش نصيب
أومأت “أسماء” برأسها .. نظر “على” اليها للحظات متأملاً .. ثم أخفض رأسه قائلاً :
– انت ليه غيرتى لبسك ؟
صمتت ولم تجب فحضها قائلاً :
– عشان كلامى معاكى قبل كده ؟ .. ولا عشان عارفه انك جايه تقابليني ؟
قالت بحدة :
– لا ده ولا ده .. أنا غيرت لبسى لما اقتنعت .. ولما “آيات” اتكلمت معايا وفضلت ورايا لحد ما اتجرأت انى آخد الخطوة دى .. مش عشانك ولا حاجة .. ده لبسى اللى بلبسه بقالى كام يوم .. مش لابسه كده عشان هشوفك يعني
قال “على” بصوت هادئ :
– انتى على طول منفعلة كدة
تنهدت بحزن وقالت :
– لا مش دايماً .. مش عارفه .. ساعات بتنرفز أيوة .. دى حاجة وحشة صح ؟
ابتسم “على” وقال :
– أكيد يعين مش هقولك دى حاجة حلوة
قالت “أسماء” مبتسمة :
– ايه بأه المواضفات ما قولتليش
اختفت ابتسامته وقال بجدية :
– الىل أنا عايزها زوجة تكون عارفه كويس يعني ايه زواج ومسؤليه .. زوجة عارفة حقوقها الزوجية وعارفه كمان واجباتها .. زوجة تبقى مستعدة انها تعيش معايا على قدر امكانياتى .. لحمد لله أنا دلوقتى بقبض مرتب محترم .. بس مهما كان لسه فى بداية حياتى .. عايز واحدة تلتزم بكلام ربنا اللى امرها بيه .. متعندش فى الغط وتتمسك بيه .. واحدة بنت حلال وطيبة
ثم أخذ نفساً عميقاً وقال :
– وبخصوص الشغل .. أنا مش حابب أبداً ان مراتى تشتغل
نظرت اليه صامته فأكمل :
– هتقوليلى أختك ايمان بتشتغل هقولك أختى “إيمان” مسؤلة من بابا وحاليا من زوجها هما حرين مع بعض .. لكن أنا محبش ان مراتى تشتغل .. كل راجل له طباع غير التانى .. ودى طباعى .. دلوقتى أنا حابب أسمع منك .. هل اللى قولته ده مناسب ليكى ولا لأ ؟
لم تحتاج “أسماء” وقتاً للتفكير بل اتسعت باتسامتها وهى تقول :
– أنا أصلاً علىف كرة مبحبش الشغل .. أنا اشتغلت بس لانى مضطرة عشان أصرف على نفسى .. لكن أنا نفسى زى ما انت نفسك .. انى أعد فى البيت ويبقى مهمتى بيتى وجوزى وولادى وبس ومفيش حاجة تشغلنى عنهم .. وبخصوص امكانياتك فأنا موافقة .. ومش هعترض على امكانياتك لانى نفسى فى راجل بجد أحس انه بياخد بإيدي وبيعرفنى الطريق الصح .. وبعدين أى اتنين لازم يتعبوا فى بداية حياتهم وهما صغيرين .. يعين عادى .. بوعدين انت ما شاء الله عليك ناجح فى شغلك .. يعني أحسن من شباب كتير فى سنك .. وبخصوص بأه انى انفذ كلام ربنا فأنا مش عنيدة لوا حاجة .. بس محتاجة اللى يتكلم معايا براحه والىل يفهمنى براحة من غير ما يجرحنى ومن غير ما يحسسنى انى الى النار وبئس المصير .. وانت اسلوبك حلو معايا وبتتكلم براحة فأكيد هسمع كلامك
ابتسم “على” وهو ينظر اليها قائلاً :
– على فكرة أنا مش هادى على طول .. أنا لما بتنرفز ببقى صعب
ضحكت “أسماء” قائله :
– عارفه “إيمان” أختك قالتلى
أخفض “على” بصرة دون أن تختفى ابتسامته وهو يقول :
– يعني موافقة على كل الكلما اللى قولته ومعندكيش أى اعتراض عليه
قالت بخجل ممزوج بالسعادة :
– لأ معنديش اعتراض
التفت “على” ونادى والدها .. ثم نهض يسلم عليه قائلاً :
– ان شاء الله هتصل بحضرتك يا أستاذ “مدحت” عشان نيجي نزوركوا فى البيت
اتسعت ابتسامة “مدحت” وهو يقول :
– تنور يا ا