رواية “جواد بلا فارس”

الحلقة ( 22 )

أخذت “آيات” تتمشى بغير هدى سابحة فى أفكارها وأحلامها وطموحاتها .. أخذتها قدماها الى الفيلا .. التى شهدت كل ذكريات طفولتها وصباها .. نظرت الى الفيلا من البوابة الحديدية بنظرة اشتياق ممزوج بالحزن .. تنهدت وهى تتحسر على تلك الأيام التى ولت ولن تعود .. ترقرقت دموع الشوق فى عينيها .. الشوق لبيتها القديم .. لوالدها .. لـ “حليمة” .. لحياتها السابقة .. ثم ما لبثت أن نفضت تلك الذكريات عنها والتفت لتعود أدراجها .. لكنها فجأة وجدت من يمسك بذراعها من الخلف .. التفتت بحده .. فإصطدمت عيناها برجل سمح الوجه ذو لحية سوادء أنيق الملبس ارتسمت على ثغره ابتسامه عذبه وفى عينيه نظره سعادة ومرح .. نظرت اليه لبرهه ثم ما لبثت أن رسمت ابتسامة واسعة على شفتيها ونظرت اليه بشوق ولهفة وعدم تصديق وهتفت بسعادة بالغة :
– كــريــم !
اتسعت ابتسامته وهو يقول اليها :
– “آيات” .. مش مصدق .. كبرتى يا بنت انتى
أطلت الفرحة من عينيها وهى تقول بسعادة :
– أنا اللى مش مصدقه .. “كريم” انت جيت امتى .. وطنط و عمو جم معاك ولا لأ ؟
قال لها مبتسماً :
– لا محدش جه غيري .. هما لسه فى النمسا
ثم اخذ نفساً عميقاً وقال :
– أنا اللى اشتقت لمصر أوى .. فخدت بعضى وجيت
قالت “آيات” بفرحة كالأطفال :
– أنا فرحانه أوى انك جيت .. بجد فرحانة أوى
ثم قالت بعتاب :
– رغم انك مبتسألش عليا
قال معتذراً :
– معلش أنا عارف ان أنا قصرت معاكى .. بس بجد من يوم ما سافرت وأنا مطحون شغل .. لحد ما قولت ستوب كفاية أوى كده الواحد بأه ينزل بلده يعمله فيها مشروع صغير على أده ويتجوز ويستقر بأه
ابتسمت قائله بمرح :
– ايه ده انت لسه عانس ؟ .. مش عيب عليك ده انتى دلوقتى عندك يجي 33 سنة
أطلق “كريم” ضحكة عالية ثم قال :
– هو فى راجل بيعنس يا تحفه انتى
قالت “آيات” مازحه :
– أنا قولت بأه هترجع وفى ايدك واحده نمساوية مستوردة
ضحك قائلاً بمرح :
– لا مليش أنا فى المستورد .. البلدى يوكل برده
ابتسمت وقالت وهى تنظر اليه بسعادة :
– بجد لسه مش قادرة أصدق انى شوفتك
نظر اليها بسعادة وهو يقول :
– أنا اللى مبسوط أوى انى شوفتك .. ونفسى أشوف عمو “عبد العزيز” أوى .. هو فى الفيلا ولا فى الشركة ؟
ألقت “آيات” نظرة حزينة على الفيلا .. ثم ترقرقت عيناها بالعبارت وهى تقول :
– بابا اتوفى يا “كريم”
اختفت ابتسامة “كريم” لتحمل محلها تقطيبة جبينه وهو يهتف :
– لا حول ولا قوة الا بالله .. لا حول ولا قوة الا بالله
نظر اليها يتأمل عبراتها المتساقطة وشهقات بكائها قائلاً بأسى :
– طيب ادخلى دلوقتى ونتكلم بعدين عشان مينفعش تعيطى كده فى الشارع
مسحت عبراتها لتقول بمرارة :
– الفيلا اتابعت .. أنا مبقتش عايشة هنا
نظر اليها بدهشة .. ثم قال :
– ازاى يعني ؟
صمتت وهى تطرق برأسها أرضاً لتتساقط عبراتها من جديد .. جذبها من ذراعها وفتح باب احدى السيارات الواقفة أمام الفيلا المواجهة لفيلا “آيات” القديمة وقال :
– اركبي يا “آيات”
ركب خلف المقود وانطلق بها الى أحد المطاعم .. نظرت الى النيل بجوارها وهى شارده .. تأملها قائلاً :
– فاكرة لما كنت بفسحك وأجيبك هنا
التفتت تنظر اليه وهى تقول بإبتسامه حزينه :
– أيوة فاكرة
انحنى “كريم” على الطاولة واضعاً ذراعيه فوقها وهو ينظر اليها قائلاً :
– احكيلي يا “آيات” .. شكلك متغير كتير .. حسك بقيتي أكبر من سنك .. اتكلمى امتى عمو اتوفى وليه بعتى الفيلا وعايشه فين دلوقتى
قالت بأسى :
– أنا فعلاً حسه أكنى عندى 50 سنة يا “كريم” .. موجوعه أوى .. من كل حاجة
نظر اليها بإشفاق قائلاً :
– طيب اتكلمى .. ولا خلاص معدتيش بتعتبريني أخوكى الكبير
مسحت عبرة متساقطة وهى تقول :
– لأ طبعاً ازاى .. انت فعلاً أخويا يا “كريم” .. وطول عمرى بحب أحكيلك مشاكلى وبحب انك تنصحنى
– طيب اتكلمى أنا سمعك
أخذت نفساً عميقاً ..ثم .. روت عن وفاة والدها وعما قاسته من بعده من الديون والافلاس والبقاء بلا مأوى .. كان يعقد حاجبيه بقوة وهو يستمع اليها وينظر اليها بأسى .. انتهت من كلماتها فأعطاها منديلاً تكفكف به دمعها وهو يقول بحنان :
– مش عايزك تخافى طول ما أنا موجود يا “آيات”
نظرت اليه بإمتنان لما بثته كلماته القليلة .. الكثير من الأمان بداخلها .. فأكمل قائلاً بحزم :
– أول حاجة لازم تحصل انك تسيبي شقة زميلك دى .. ميصحش تعدى فى شقة واحد غريب وأخوكى موجود
ابتسمت ولم تعقب فأكمل بحيرة :
– وصحبتك دى اللى حكايتها حكاية .. كده مش هينفع تعدى معايا فى الفيلا .. بس مفيش مشكلة هسيبهالكوا وانزل أنا فى أى فندق مؤقتاً لحد ما نشوف الأمور هترسى على ايه
قالت “آيات” على الفور :
– لا يا “كريم” مش معقول نخرجك من بيتك .. وبعدين أنا خلاص هشتغل وهيبقى لى مرتب
قال “كريم” بجدية :
– ولحد ما تشتغلى ويبقى لك مرتب ازاى تفضلى عايشه فى شقة زميلك يا “آيات”
قالت بحرج :
– أنا اضطريت أعمل كده مكنش قدامى غير كده
تنهد قائلاً :
– عارف بس طالما فى بديل يبقى خلاص الوضع ده ميصحش يستمر أكتر من كده .. هتيجي تعدى انتى وصحبتك فى الفيلا .. لحد ما الأمور تتظبط
فكر قليلاً ثم نظر اليها وقال :
– شركة ايه اللى هتشتغلى فيها .. انتى بتقولى شركة والد زميلك .. طيب هتشتغلى ايه يعني
– هشتغل فى مكتب سياحى
رفع حاجبيه فى دهشة ثم قال :
– مكتب سياحى
صمت وعلامات الضيق على وجهه ثم قال :
– طيب مش وقت كلام فى الموضوع ده دلوقتى .. أهم حاجة دلوقتى انك تنقلى من الشقة دى النهاردة
أوصلها “كريم” الى بيت “أحمد” .. والتفت اليها قائلاً وهو ينظر الى العمارة والى المنطقة حولها :
– تحبي أستناكى
التفتت اليه وقالت :
– لا هناخد وقت على ما نرتب حاجتنا .. هتصل بيك لما أخلص
أخرجت هاتفها وقالت :
– قولى رقمك يا “كريم”
أمسك منها الهاتف ودون رقمه ثم اتصل به .. ثم قال :
– قوليلى رقم زميلك عشان أتصل بيه أشكره
قالت له “آيات” :
– مش معايا رقمه .. هو مع “أسماء” صحبتى
– طيب خلاص ابعتيهولى فى رسالة عشان أعرفه انكوا هتسيبوا الشقة و أشكره على اللى عمله معاكى
أومأت برأسها وتوجهت الى البناية .. استقبلتها “أسماء” قائله :
– كنتى فين يا بنتى ؟
أغلقت “آيات” الباب وعلامات الفرح على وجهها وقالت :
– “كريم” رجع من السفر
نزرت اليها “أسماء” بإسغراب وهى تقول :
– “كريم” مين ؟
قالت “آيات” بحماس وهى تضع حقيبة يدها فوق المقعد :
– “كريم” جارنا .. أخويا فى الرضاعة اللى حكتلك عنه
قالت “أسماء” وهى تمط شفتيها :
– مش فاكرة .. أنا فاكرة انك قولتيلى ليكى أخ بس مش فاكرة انتى قولتيلى ايه عنه
قالت “آيات” وهى تجلس على أحد المقاعد :
– ده ابن جيرانا اللى فى الفيلا اللى أصادنا .. مامته كانت صاحبة ماما الله يرحمها .. ولما ماما اتوفت بعد ولادتى طنط دى رضعتنى عشان كانت لسه والده جديد .. ومن كام سنة سافروا كلهم النمسا عشان عمو باباه جاله شغل هناك و”كريم” اشتغل هو كمان هناك
ثم أضافت بسعادة :
– بس هو دلوقتى رجع مصر لوحده .. فرحت أوى لما شوفته تانى .. بجد كنت مفتقداه جدا .. “كريم” ده يا بنتى أنا كنت بعتبره بابا التانى مش بس أخويا
ضحكت “أسماء” بتهكم وقالت :
– بابا !
قالت “آيات” بحما وهى تقف فى مواجهتها :
– تعرفى انه قالى اننا نسيب الشقة ونروح نعد عنده فى الفيلا
نظرت اليها “أسماء” بدهشة .. وبدت شاردة .. قالت لها “آيات” بقلق :
– ايه فى ايه مفرحتيش ليه افتكرتك هتفرحى
قطبت جبينها قائله :
– مش عارفه .. أنا طبعاً واثقة فيه لانك واثقة فيه .. بس أنا بقيت أخاف من الناس كلها .. وانتى بتقولى انه رجع لوحده يعني عايش لوحده
ثم استدركت :
– ولا هو متجوز ؟
– لا مش متجوز .. بس متقلقيش هو أصلاً قالى انه مش هيعد فى الفيلا وهيسبنى أعده فيها أنا اونتى لوحدنا لانه بدره شاف انه ميصحش انك تعدى فى الفيلا وهو موجود فيها
رفعت “أسماء” حاجبيها بدهشة وقالت مبتسمه :
– ده شكله طيب أوى
قالت “آيات” بحماس :
– طيب موووت ..بجد أكتر حد محترم ممكن تقاليه فى حياتك
ضحكت “أسماء” قائله :
– يا خسارة مامته دى عملت فيكي فصل بايخ أوى كان لازم ترضعك يعني حبكت
قالت “آيات” بمراره وفى عينها نظرة حزينه :
– لا كدة أحسن لان علاقة الأخوة هى اللى بتدوم .. لكن الحب بيخلص بسرعة
اختفت ابتسامة “أسماء” وهى تنظر الى “آيات” .. بدت على وشك البكاء لكنها تداركت نفسها بسرعة وهى تقول بمرح زائف :
– يلا بأه عشان نلم حاجتها هو مستنى اتصال منى
عكفت الفتاتان على تعبئة أغراضهما .. حانت من “أسماء” التفاته قائله :
– شكلة ايه “كريم” ده ؟
قالت “آيات” وهى تضع ملابسها فى حقيبتها :
– ريحى نفسك مش استايلك
– مش ستايلى ازاى يعني ؟
التفتت اليها “آيات” قائله :
– ملتحى وبيدقق فى كل حاجة .. يعنى بالنسبة لك هتشوفيه متشدد ورجعى
قالت “أسماء” بتهكم :
– آه قولتيلى
ابتسمت “آيات” وهى تقول شاردة :
– كان بينصحنى فى حاجات كتير وكنت على طول بسمع كلامه .. بس لما سافر ودخلت الجامعة .. معرفش .. حسيت انى لوحدى .. ونسيت كل اللى عملهولى واللى كان بيقولهولى
تنهدت بأسى قائله ونظرة حزن فى عينيها :
– ياريته فضل هنا .. خاصة لما بدأت أدخل الجامعة وأشوف ناس واختلط بناس .. أكيد كان هيغير نظرتى لحاجات كتير
لمعت عبرة فى عينها وهى تقول :
– وأكيد كان هيغير مشاعرى تجاه حاجات كتير
توقفت “أسماء” عن تعبئة أغراضها ثم نظرت الى صديقتها وسألتها بشك :
– “آيات” انتى لسه …….
قاطعتها “آيات” على الفور وقالت بصرامة شديدة :
– لأ
ثم التفتت الى حقيبتها تعاود جمع أغراضها .. وقفت “أسماء” تنظر اليها للحظات .. ثم انهمكت هى الأخرى فيما تفعل

*************************
طرق “أحمد” باب مكتب والده فى المنزل .. دخل ليجد والده جالساً مستغرقاً فى التفكير .. ابتسم وهو يجلس قبالته قائلاً بمرح :
– كانت جامده صح ؟
نظر اليه والده فأكمل “أحمد” بحماس :
– بجد أفكارها روعة .. ولو اطبقت فعلاً هنبقى فعلاً كسبنا السوق .. انا رأيى ندخل بقلب جامد .. الاقتراحات اللى قالتها “آيات” بجد ممتازة
اختفت ابتسامته وهو ينظر الى والده الذى يجلس واجماً .. سأله “أحمد” بإهتمام :
– فى حاجة يا بابا
قال “فؤاد” وهو يخلع عويناته ليعبث بها :
– الرجلين اللى كانوا هيشاركونى .. رفضوا الفكرة اللى “آيات” طرحتها
ثم أطلق تنهديه وقال :
– للأسف الاتنين رفضوا
مط “أحمد” شفتيه فى تبرم ثم قال :
– مش مشكلة أكيد هنلاقى حد غيرهم يشاركنا
ثم نظر الى والده وقلا بحنق :
– وبعدين مش احنا اتفقنا اسبوع ويفكروا .. ايه اللى خلاهم يردوا دلوقتى ومفتش كام ساعة من الاجتماع
قال “فؤاد” بحيرة :
– مش عارف
ثم نظر الى “أحمد” وقال بحزم :
– أفكارها فعلاً عجبتنى .. خاصة انها هتريح ضمير الواحد من انه يضطر يسمح بحاجات مش مظبوطة .. يعني الواحد هيشتغل ويكسب وينافس وكمان هيكون ضميره مرتاح
أرجع ظهره الى اخلف قائلاً بحزم :
– أنا هنفذ افكارها كلها .. ومش بس كده . .أنا كمان هخليها تشتغل فى القرية نفسها مش فى المكتب السياحى هنا
ابتسم “أحمد” فقال والده مبتسماً :
– وان شاء الله هلاقى حد يشاركنى .. رجال الأعمال المحترمة كتير و أكيد حد فيهم هتعجبه الفكرة ان شاء الله
قال “أحمد” بلهفة :
– يعني أفرحها وأبشرها ؟
– أيوة .. خلاص “آيات” من النهاردة موظفة فى شركتى .. وطبعاً “أسماء” صحبتها
خرج “أحمد” متوجهاً الى سيارته عازماً على الذهاب الى “آيات” ليخبرها بتلك البشرى بنفسه يرى علامات السعادة على وجهها .. رن هاتفه فرد قائلاً وهو يستعد لركوب السياره :
– ألو
– أستاذ “أحمد فؤاد” ؟
– أيوة أنا يا فندم
– مع حضرتك “كريم” أخو “آيات”
توقفت يد “أحمد” على مفتاح السيارة وهو يعقد حاجبيه فى دهشة .. أكمل “كريم” قائلاً :
– أنا متشكر جدا على اللى حصرتك عملته مع أختى .. وهى وصحبتها هيسيبوا الشقة النهاردة .. فياريت نتقابل عشان أديلك مفتاح الشقة
صمت “أحمد” يحاول أن يتوعب ما يسمع ثم قال :
– مفيش مشكلة .. شوف تحب نتقابل فين ؟
– أنا مستنى تليفون من “آيات” لما هتخلص لم حاجتها هى وصحبتها هتكلمنى ساعتها هكلمك وأجيلك أسلمك المفتاح
أنهى “أحمد” المكالمة وهو شارداً ثم هتف بحنق ممزوج بالدهشة :
– ده مين “كريم” ده ان شاء الله
أدار سيارته وانطلق فى طريقه الى “آيات”

****************************************
رن جرس الباب .. فقالت “آيات” وهى تتوجه لفتحه :
– أكيد “كريم”
فتحت الباب لكنها شعرت بالدهشة لمرآى “أحمد” .. قال بوجوم :
– ازيك يا “آيات”
– الله يسلمك
بدا عليه الضيق وهو يقول :
– كنت جاى عشان أبشرك ان بابا عجبته افكارك اللى طرحتيها فى الاجتماع وان شاء الله هتشتغلى معاه انتى و “أسماء” .. وكمان هتشتغلوا فى القرية نفسها مش فى المكتب السياحي
اتسعت ابتسامة “آيات” وهى تتمتم :
– الحمد لله
قال لها فجأة :
– مين “كريم” ده ؟
– هو كلمك ؟
– أيوة وبيقولى انه أخوكى .. انتى أصلاً ملكيش اخوات
– ده أخوكى فى الرضاعة .. كان مسافر النمسا ورجع
أومأ برأسه وهو يقول بضيق :
– مفيش داعى تسيبي الشقة اصلاً محدش ساكن فيها ومحدش فينا بيروحها
فى تلك اللحظة انفتح باب المصعد ليخرج منه “كريم” .. امتقع وجهه لرؤية ذلك الغريب واقفاً مع “آيات” أمام باب البيت .. اقترب منهما فقالت “آيات” بتوتر :
– ازيك يا “كريم” .. ده “أحمد” زميلى اللى كلمتك عنه
مد “كريم” يده وسلم عليه قائلاً :
– أهلا وسهلا يا “أستاذ “أحمد”
نظر اليه “أحمد” بدهشة وهو يقول :
– الله يسلمك
– شكراً على اللى عملته مع أختى
– لا أبداً مفيش حاجة
التفت “كريم” الى “آيات” قائلاً :
– خلصتوا ؟
قالت وهى تدلف للداخل :
– أيوة ثوانى هجيب الشنط
دخلت للحظات كان “أحمد” يرمق خلالها “كريم” بدهشة وبدا وجهه كعلامة استفهام كبيرة .. كاد أن يفتح فمه للتحدث لكن أقبلت “آيات” فى تلك اللحظة ومعها “أسماء” .. أسرع “كريم” بحمل الحقيبتين .. وأخذ المفتاح من يد “آيات” وسلمه الى “أحمد” قائلاً وعلى ثغره ابتسامه :
– متشكر مرة تانية
ثم أشار الى الشقة قائلاً :
– تقدر تتمم على كل حاجة فى الشقة قبل ما نمشى
قال “أحمد” على الفور :
– لأ طبعاً
كانت “أسماء” ترمق “كريم” بنظراتها المتفحصة وقد اتسعت عيناها دهشة .. فتح لهما “كريم” باب المصعد وقال :
– اسبقونى وهنزل بعدكوا
بمجرد أن انغلق باب المصعد التفت “اسماء” الى “آيات” وقالت بحده :
– انتى بتستعبطى يا “آيات” .. انتى عايزه تفهمينى ان الراجل ده أدنا فى السن ؟
قالت “آيات” وهى تضحك بشدة :
– لأ طبعاً “كريم” أكبر منى ب 11 سنين يعنى عنده دلوقتى 33 سنة
صاحت “أسماء” بدهشة :
– يعني عايزة تفهمينى ان مامته كانت بترضعه وهو عنده 11 سنه
انخرطت “آيات” فى ضحك متواصل حتى انفتح باب المصعد .. خرجت منه ومازالت تضحك الى أن قالت “أسماء” بغيظ :
– يا بنتى فهميني .. ازاى أخوكى فى الرضاعة
قالت “آيات” من بين ضحكاتها :
– يا بنتى مامته كانت حامل وولدت بس البيبي مات .. عشان كده قدرت ترضعنى وقتها لانها ولدت بعد ما ماما الله يرحمها اتوفت بفترة صغيرة
هتفت “أسماء” :
– آه قولتيلى .. ده انا اتجننت لما شوفته لان شكله مش سنك خالص .. قولت البنت دى بتسرح بيا ولا ايه
صمتت قليلاً ثم قالت :
– بس كان معاكى حق .. مش ستايلى
ابتسمت “آيات” وهى تقول بتهكم :
– أيوة أنا فاهماكى كويس .. انتى عايزة واحد من أبو جل فى شعره وحظاظه فى ايده وسلسلة فى صدره وبيقول مامى وبابى
وكزتها “أسماء” بكوعها قائله :
– ها ها ها خفه .. مش للدرجة دى يعني .. بس على الأقل يكون ستايليش
نظرت اليها “آيات” بتحدى قائله :
– ليه هو انتى شايفه “كريم” مش ستايليش .. على فكرة طول عمره بيهتم بلبسه وبشكله جداً
قالت “أسماء” بتهكم :
– بس شكله عقد يا بنتى .. دى كفاية دقنه اللى مدياله سن أكبر من سنه .. مشوفتيش خد منك المفتاح ازاى واداه هو لـ “أحمد” .. لا وكمان مرضيش يركب معانا الأسانسير .. على أساس انى مرأة والمرأة عوره يعني
قالت لها “آيات” بغيظ وهى تنظر الى “كريم” و “أحمد” الخارجان من البوابة :
– عمل كده عشان مايضايقكيش يا متخلفة
اقترب “أحمد” منهما وقد بدا عليه الضيق قال لـ “آيات” :
– لو احتجتى اى حاجة كلمينى يا “آيات”
نظر اليه “كريم” بضيق .. فقالت “آيات” بتوتر :
– شكراً يا “أحمد”
التفت الى “أسماء” ومد يده قائلاً :
– سلام يا “أسماء” لو احتجتى حاجة كلمينى فى أى وقت رقمى معاكى
ابتسمت “أسماء” وسلمت عليه قائله :
– ميرسي يا “أحمد”
انطلق “كريم” بسيارته متوجهاً الى الفيلا .. كانت “أسماء” ترمقه من المقعد الخلفى بشئ من الفضول .. لاحظت انه لم ينظر اليها فى المرآة قط .. فأشاحت بوجهها تنظر من شباك السيارة وهى تبتسم بسخرية .. أوقف “كريم” سيارته والتفت الى “آيات” قائلاً بحنان :
– محتاجين نعد ما بعض أعده جامده .. يلا انزلى ارتاحى دلوقتى ولو احتجتى حاجة كلميني
ثم رفع حاجبه بحزم قائلاً :
– تكلميني أنا ها .. مش حد تانى
قالت “آيات” على الفور :
– أصلاً مكنتش هتصل بيه يا “كريم” .. وبجد ملجأتلوش غير لما مكنش فى حد أدامى غيره
ثم هتفت فجأة :
– آه على فكرة باباه قال انه خلاص موافق على شغلى عنده أنا و “أسماء”
– طيب يلا انزلى دلوقتى ونتكلم بعدين

***********************************

اقتربت الشمس من المغيب مودعة هذا اليوم واعدة بفجر يوم جديد .. جلس “آدم” فى شرفة الشاليه ماسكاً مصحفه .. خاشعاً قلبه .. دامعة عيناه .. اقترب منه “زياد” قائلاً :
– مساء الخير يا “آدم”
قاطع “آدم” التلاوة والتفت اليه قائلاً :
– أهلاً يا “زياد”
جلس “زياده” أمامه وهو ينظر الى هاتف “آدم” المغلق والموضوع فوق طاولة صغيره قائلاً :
– قافل موبايلك ليه ؟
– كنت مضايق شويه ومكنتش عايز وجع دماغ
زفر “زياد” بضيق وقال :
– أحسن انك قفلته
– فى حاجه حصلت ؟
قال “زياد” بحنق :
– “شكرى” اتصل وأعد يجعر عشان الخمرة اللى رجعناها المخازن وفضل يقول كلام ملوش لازمه وعايزك تفتح تليفونك عشان يكلمك .. كنت واثق انه هيعملنا مشاكل
مط “آدم” شفتيه وقال :
– أكيد “ساندى” اللى قالتله
– أكيد طبعاً
قال “آدم” بهدوء :
– أصلاً كان لازم هيعرف دى فى الأول والآخر قريته
– طيب ناوى على ايه .. هو شكله فعلاً مش هيتراجع عن موضوع الخمره ده مش فاهم ليه .. واخدها على قلبه أوى
قال “آدم” وهو يعاود النظر الى مصحفه :
– يعمل اللى يعمله .. أنا كمان مش هتراجع
كاد أن يبدأ فى التلاوة مرة أخرى .. لكنه نظر الى هاتفه الموضوع فوق الطاولة والتقطه وفتحه .. وقف يجرى اتصالاً فرمقه “زياد” بنظرات الفضول قائلاً :
– هتكلمه ؟
أومأ “آدم” برأسه .. كانت المكالمة عاصفه .. احتد فيها “شكرى” قائلاً :
– ازاى يعني يا دكتور ترحع الخمرة المخازن تانى .. انت عايز تضحك الناس علينا ولا ايه
قال “آدم” بحزم :
– لأ مش عايز أضحك الناس علينا .. بس أنا شايف ان ملهاش لازمه ونقدر نمشى القرية من غيرها
قال “شكرى” بحده :
– ازاى يعني يا دكتور .. ازاى نبقى قريه فايف ستارز من غير الخمره اللى السياح بيشربوها زى المايه .. كده احنا بننزل خطوة وبنسمح لـ “عاصى” وأبوه انهم يسبقونا .. لما قريتهم يقدموا فيها خمرة واحنا لأ كده احنا بنقول للسياح سيبوا قريتنا وروحوا لقريتهم
قال “آدم” بعناد وهو يشعر بالضيق من هذا الحوار :
– لأ مش لازم يكون فى خمره عشان السياح يتمسكوا بالإقامة فى قريتنا وبعدين احنا متميزين عن قرية الفيروز بحاجات كتير .. وكمان ………
قاطعه “شكرى” قائلاً بحزم :
– الخمرة اللى رجعت المخازن أنا هكلمهم دلوقتى يرجعوها القرية تانى وياريت تستقبل العربية اللى جايه أو تخلى حد يستقلبها
صمت “آدم” قليلاً ثم قال بصرامة :
– لو العربية جت همشيها يا “شكرى”
صاح “شكرى” محتداً :
– انت بتقول ايه
قال “آدم” بعناد وهو لا ينوى التراجع فى هذه النقطة :
– بقول اللى سمعته .. أنا مدير القرية مش انت .. وأنا اللى أديرها بطريقتى اللى شايفها صح
صاح “شكرى” محتداً بشدة :
– طيب أنا عندى اجتماع دلوقتى .. نتكلم بعدين يا دكتور .. بس اعمل حسابك انى مش هقبل أبداً انك تهد الإسم اللى عملناه فى الفترة اللى فاتت
انتهت المحادثة بينهما بطريقة عاصفة كما بدأت .. وقف “آدم” ينظر الى قرص الشمس الذى غرب بحيرة وتردد وخوف وحزن .. مشاعر كثيرة متضاربه وأفكار بداخله تأتى وتذهب .. التفت الى “زياد” قائلاً :
– يلا نصلى المغرب

**************************************
– زى ما بقولك كده .. اشتغلت مع “فؤاد” .. انا لسه الخبر واصلنى طازه
تفوه “عاصى” بذلك بحده عبر الهاتف .. فقال “ٍراج” بحزم :
– هى اتجننت ولا ايه .. هى مش عارفه انهم منافسين لينا
قال “عاصى” بغيظ وكأنه يتحدث الى نفسه :
– بأه حتت بت زى دى لا راحت ولا جت ترفض تشتغل معايا وتروح تشتغل مع اللى اسمه فؤاد ده
– أنا مش غايظنى الا الكلام اللى هيتقال دلوقتى .. لما بنت أخو “سراج اليمانى” تشتغل فى قرية منافس له معنى كده انها شافت القرية التانية دى أفضل من قرية عمها
قال “عاصى” بغضب :
– شكلها عايز تتقرص من ودنها عشان تتظبط
– استنى يا “عاصى” لما نشوف أخرتها ايه .. بلاش تهور
صاح “عاصى” :
– كل شوية استنى يا “عاصى” استنى يا “عاصى” لحد ما الناس هتركبنا يا بابا .. فى مواقف مينفعش فيها أستنى .. البت دى لو اشتغلت مع “فؤاد” هيستغل وجودها فى قريته لمصلحته .. ومش بعيد ينشرها فى الجرايد وبالبنط العريض .. بنت عيلة اليمانى بتشتغل فى قريته ورفضت الشغل فى قرية عمها
ضاقت عيناه ليقول :
– لازم قرصه ودن عشان تتظبط

*************************************
جلست “آيات” بصحبة “كريم” فى أحد المطاعم وقد بدا عليهما الاستغراق فى الحديث .. قالت :
– صدقنى يا “كريم” الراجل بجد محترم .. وأنا حبه أشتغل معاه
قال “كريم” بشئ من الضيق :
– اسمها أشتغل عنده مش معاه .. وبعدين انتى محتاجه الشغل فى ايه
قالت “آيات” بإستغراب :
– ايه اللى محتاجه في ايه .. محتجاه عشان أعيش واصرف على نفسي
نظر اليها “كريم” قائلاً :
– وأنا روحت فين .. وبعدين كفاية أوى احساسى الفظيع بالذنب انى مسألتش عنك الفترة اللى فاتت .. بس بجد دوامة الشغل كانت وخدانى ومعرفتش أبداً باللى حصل لوالدك الله يرحمه .. لو كنت عرفت صدقيني كنت هنزل مصر فورا واخدك وأرجع بيكى على النمسا مكنتش سيبتك أبداً لوحدك كده
ثم استطرد قائلاً :
– بس ملحوقه أديني رجعت أهو
– أنا كمان قصرت فى حقك وفى حق طنط وعمو .. بس معرفش ليه الاتصالات اتقطعت فجأة وكل واحد بأه فى وادى .. أنا حتى فقدت الأمل انكوا ممكن ترجعوا مصر تانى .. وقولت خلاص مش هشوفكوا تانى أبداً
نظر اليها بعتاب قائلاً :
– وليه متصلتيش بيا لما ده كله حصل
قالت “آيات” بشرود :
– معرفش كل حاجة حصلت بسرعة .. فى فترة صغيرة كان لازم أسيب البيت ولما دادة “حليمة” عرضت عليا اعيش معاها قولت بس الدنيا اتظبطت وهلاقى شغل وهعرف أعيش .. جه موضوع الزلزال ده وفجأة لقيت نفسي فى الشارع وكان لازم أتصرف فى نفس اليوم والا كنت هقضيه فى الشارع .. فكان أحمد” أقربلى وأسرع فى انه يساعدنى وبعدها على طول قالى على موضوع الشغل عند باباه قولت بس أهى اتحلت
قال “كريم” بإستغراب :
– معقول ملكيش صحاب خالص تلجأيلهم
تنهدت “آيات” قائله :
– أقرب واحده ليا هى “أسماء” وأنا وهى ظروفنا واحده .. فى بنتين كنت عارفاهم فى رحله وبجد بحبهم .. بس مكانوش هيقدروا يساعدونى انى ألاقى شغل .. هما عارفين من زمان انى محتاج شغل ولو كان حد فيهم أدامه شغل مناسب كان قالى على طول .. وبعدين أنا لما اتصلت بـ “أحمد” اتصلت عشان عارفه ان باباه عنده شركة وانه يقدر يشغلنى ولما قالنا على شقتهم واننا هنفضل لوحدنا قولت أحسن ما أفرض نفسى على “ايمان” اللى أنا عارفه ظروفها كويس .. ولا على “سمر” اللى ممكن مامتها تضايق من وجودنا .. لكن شقة “أحمد” كنا أعدين فيها لوحدنا
قال “كريم” بحزم :
– غلطانه طبعاً .. هو مش له جيران .. وشايفين بنتين فى الشقة .. وميعرفوش ايه القصة بالظبط .. ده غير ان من الواضح انه كان بيجي الشقة كمان
قالت “آيات” على الفور :
– لا والله مكنتش بدخله كان بيبقى واقف على الباب
قال “كريم” وينظر اليها بحزم :
– حتى لو مكنش بيدخل الوضع مكنش مظبوط أبداً يا “آيات”
دمعت عيناها وهى تقول بضيق :
– معرفش بأه هو ده اللى حصل وقتها .. أنا أصلا كنت طالعة من المشرحة ومكنتش عارفه أركز .. أصلاً أنا لما كلمته مكنتش عارفه أنا عايزه منه ايه بس قولت ممكن يساعدنى فى شغل أصرف منه
ربت “كريم” على كتفها قائلا :
– طيب خلاص متضايقيش نفسك اللى حصل حصل
قالت “آيات” وهى تعاود الحديث فى نقظة العمل :
– “كريم” انت مش ملزم تصرف عليا .. وبجد أنا متحمسة للشغل جداً
صمت “كريم” لبرهه ثم قال بضيق :
– “آيات” انتى عارفه يعني ايه شغل فى قرية سياحية .. عارفه ايه اللى بيحصل هناك
قالت “آيات” بحماس :
– لأ متخفش مفيش حاجة من اللى انت خايف منها دى خالص
– ازاى يعني ؟
شرحت له “آيات” أفكارها للقرية التى طرحتها على “فؤاد” ورجلى الأعمال .. فقال كريم” مبتسماً :
– كبرتى يا “آيات” وبقيتي بتعرفى تفكرى
قالت بغضب مصطنع :
– قصدك ايه بأه .. قصدك انى كنت غبية يعني
ضحك “كريم” وقال :
– لأ مش قصدى بس أنا فاكرك “آيات” البنوته بتاعة ثانوى .. آخر مرة شوفتك فيها فاكرة
– طبعاً فكرة ده أنا يوميها عيطت عياط .. ربنا يسامحكوا سيبتونى وسافرتوا
ابتسم قائلاً :
– خلاص أديني رجعت أهو .. وانتى كبرتى وبقيتي عروسة
ثم نظر اليها نظرة ذات مغزى وقال :
– رغم ان فيكي حاجات كدة مش عاجبانى
علمت “آيات” أنه يقصد ملابسها فقالت بحرج :
– أصلاً اللى انت شايفه ده تقدم
رفع حاجبيه وقال :
– تقدم ! .. ليه انتى كنتى بتلبسى ايه قبل كده ؟
لم تجيب وأشاحت بوجهها فقال بحنق :
– اوعى تقولى زى صحبتك ؟
قالت “آيات” وشعور بالضيق والندم يلازمها :
– بص يا “كريم” مش حبه أتكلم فى اللى فات .. ماشى
– خلاص ماشى .. زى ما تحبي
نظرت اليه وقالت :
– ها قولت ايه فى موضوع الشغل ده .. انا حبه آخد رأيك أوى
قال “كريم” بجدية :
– بصى يا “آيات” منكرش ان الفكرة رائعة وعجبتنى .. بس فى مشكلة انتى مينفعش تسافرى لوحدك وتعيشي لوحدك فى بلد غريبة ومن غير محرم كمان
هتفت “آيات” قائله :
– بس أنا لوحدى يعني ظروفى كده
– وأنا روحت فين
– مش قصدى يا “كريم” بس انت لو مكنتش جيت كنت هبقى لوحدى وكنت هسافر لوحدى
– بس أنا موجود خلاص
صمتت بضيق فقال :
– بصى أنا مش بفرض عليكي حاجة .. انتى سألتيني عن رأيي وقولتهولك .. أنا مش حابب انك تسافرى لوحدك وتعيشي لوحدك فى بلد متعرفيهاش ومن غير راجل معاكى .. وكمان صحبتك مش حابب سفرها لوحدها وأهلها موجودين
قالت “آيات” وهى تتذكر مأساة “أسماء” بحزن :
– “أسماء” مضطرة .. انت متعرفش اللى حصل ومش هقدر أحكيهولك .. بس فعلاً هى مضطرة لكده
تنهد “كريم” قائلاً :
– رأيى وقولتهولك .. الفيلا وخليكي عايشه فيها على الأقل هبقى مطمن عليكي .. وان كان على الشغل أنا قولتك راجع وعايز أعمل مشروع .. يعني لو صبرتى كام شهر ممكن تشتغلى معايا
قالت “آيات” بحيرة :
– بس أنا فعلاً متحمسة أوى لمشروع القرية
قال “كريم” وهو شارداً :
– بصراحة أنا كمان اتحمست .. خاصة انها فكرة مفياش أى حرمانيه .. وكمان هتبقى حاجة كويسة من باب الدعوة .. ويمكن القرى الباقية تقلدنا وتعمل زينا ويبقى احنا اللى كسبانين دين ودنيا
بدا شارداً وهو يفكر في أفكار “آيات” لمشروع القرية السياحية
نظر اليها قائلاً :
– اسمه ايه والد زميلك ؟ .. وشركته فين ؟
أخبرته “آيات” بالتفاصيل ثم نظرت الى ساعتها قائلاً :
– يلا روحنى بأه عشان متأخرش على “أسماء” أكتر من كده

*************************************
دخلت سكرتيرة “فؤاد” قائله :
– فى واحد اسمه “كريم ضياء” عايز يقابل حضرتك .. بيقول بخصوص قرية العين السخنه
شعر “فؤاد” بالدهشة وطلب منها السماح له بالدخول .. دخل “كريم” فوقف “فؤاد” ستقبله بالترحاب .. بعد تبادل عبارات المجاملة .. بدأ “كريم” حديثه قائلاً :
– على فكرة أنا أخو “آيات اليمانى” .. وكلمتنى عن المشروع وعن الأفكار اللى حضرتك تبنتها للمشروع .. انا كنت مسافر النسما من سنين .. ورجعت وأنا عايز أعمل مشروع ف بلدى وأستقر هنا .. ولما سمعت من “آيات” اتحمست جداً لمشروع القرية .. انا عارف ان مع حضرتك شريك بالفعل .. بس كنت حابب انى أدخل فى المشروع ده ولو بنسبه بسيطة
ابتسم “فؤاد” وعقد كفيه فوق المكتب وهو يقول :
– لا أنا مليش شريك لحد دلوقتى
رفع “كريم” حاجبيه بدهشة قائلاً :
– ده اللى فهمته من “آيات” .. بس عامة طالما مفيش شريك لحد دلوقتى .. أنا بعرض على حضرتك انى أشاركلك فى المشروع ده .. بس عشان تكون حضرتك عارف أنا مش هقدر أشارك بنسبة عالية .. لان المشروع ضحم وراس المال اللى معايا مش هيكفى انى أدخل مناصفه فى الشراكه
قال “فؤاد” على الفور :
– وأنا مش شرط عندى انك تدخل معايا مناصفة .. هنعد أنا وحضرتك والمحامى ونشوف النسبة اللى مناسبة بالنسبه لك وده بعد ما تدرس كل بيانات المشروع والدراسة اللى علمناها للأرباح والنفقات وغيره
ابتسم “كريم” ببشاشه وقال :
– على خيره الله
ثم قال :
– بس فى نقطة مهمة بالنسبة لى
– اتفضل
– أشارك فى ادارة القرية .. يعني أنا مش عايز ارمى فلوسى فى مشروع ويطلعلى أرباح وخلاص .. لأ أنا عايز أشرف عى المشروع ده من الألف للياء .. لأن اللى عجبنى فى المشروع ده هو الأفكار المحترمه اللى نقدر بيها نعمل قرية سياحية فى مصر من غير محرمات ومن غير ما نشيل ذنوب .. وفى نفس الوقت هنغير مفهوم ناس كتير عن السياحة والقرى السياحية و نقدملهم مكان يستغنوا بيه عن الأماكن اللى بيروحوها واللى بيكون فيها من المعاصى ما الله به عليم
ابتسم “فؤاد” وقال :
– وأنا مفيش مشكلة بالنسبة لى .. بس محتاجين نعد مع بعض الفترة الجاية عشان نوصل لشكل محدد وثابت فى ادارة القرية عشان متحصلش مشاكل مستقبلاً ان شاء الله
اتسعت ابتسامة “كريم” قائلاً :
– اتفقنا

*************************************

وقف “آدم” مع أحد العاملين بالقرية يعطيه بعض التعليمات عندما وجد سيارة تقف بداخل القرية وتتوجه اليها “ساندى” وتأمر العمال بتحميل الصناديق الى الداخل .. توجه مسرعاً اليها وقال :
– فى ايه يا “ساندى” ؟
نظر الى الكراتين التى يحملها العمال ولما مكتوب عليها فصاح فجأة :
– انتى يا ابنى رجع الكراتين دى العربية
قالت له “ساندى” بتحدى :
– لأ مش هترجع بابا اللى قالى أعمل كده
ثم نظرت الى العمال قائله بنره متعالية :
– دخلوا الحاجة دى جوة
صرخ “آدم” فى الرجال قائلاً :
– بقولك سيب اللى فى ايدك انت وهو
نظر الرجال الى بعضهم فى حيرة ثم ما لبث أن استجابوا لأوامر “آدم” متجاهلين “ساندى” تماما .. التفتت اليه “ساندى” وقد أغاظها تجاهل العمال لأوامرها وقالت :
– انت ايه اللى عملته ده يا “آدم” .. بقولك بابا اللى قالى أنزل الحاجات دى فى مطبخ القرية
قال “آدم” بصرامة وعيناه تشعان غضباً :
– أولا اسمى دكتور “آدم” .. ثانياً أنا قولت لأبوكى انى مش هدخل خمره للقارية تانى
صاحت بحده :
– وده اسمه ايه ان شاء الله ازاى يعني .. انت عايز تخسرنا ولا ايه
ثم صاحت بسخرية :
– آه فهمت .. شكلك اتفقت مع عيلة اليمانى علينا .. هما اللى قالولك تعمل كده وتبوظ شغلنا مش كدة .. وانت طبعا مقدرتش ترفض طلب لعيلة حبيبة القلب اللى ماتت
تجمدت الدماء فى عروقه وهو ينظر اليها نظرة ثاقبة أشعرتها بالخوف .. قال بصرامة شديدة :
– اياكي تجيبي سيرتها على لسانك تانى
أولاها ظهره وانصرف .. حث الخطى لا يدرى الى أين هو ذاهب .. كعادته لم يجد مكان أكثر راحة من الجلوس فوق الرمل ومطالعة البحر أمامه .. تنهد فى ضيق وهو يشعر بأنه أجل كثيراً قراراً لابد من أخذه .. نعم لا يوجد حل آخر .. حاول كثيراً استخدام اسلوب الترقيع لكن ذلك لم يجدى نفعاً .. لم يعد هناك حل سوى البتر ! .. نعم مؤلم وصعب وقاسى .. لكن ليس أمامه سواه حتى يتخلص من الداء الخبيث الى غير رجعه !

*************************************
تقبلت “آيات” خبر مشاركة “كريم” لـ “فؤاد” بسعادة غامرة .. خاصة بعدما عملت بأمر ادارة “كريم” للقرية السياحية .. توطدت علاقة قوية وثقة لا بأس بها بين كل من “فؤاد” و “كريم” بعدما لمس كل منهما فى الآخر نقاء السريرة .. استخار “كريم” ربه وعزم على التوكل عليه فى هذا الأمر .. سجدت “آيات” لله شكراً على تحسن أوضاعها وعدم اضطرارها لأن تعيش عالة على أحد .. ستعمل وتكد وتكسب قوتها .. تذكرت “إيمان” ومشاكل أخيها مع البطالة وعدم ايجاد عمل مناسب له .. وعلمت منها أيضاً بتركها لعملها .. فتحدثت مع “كريم” عن رغبتها فى عمل الفتاة وأخيها فى القرية .. رحب “كريم” بذلك ففى الفترة القادمة سيحتاج الكثير من العماله فى القرية وحبذا لو كان أشخاص موثوق بهم .. كان رد “إيمان” فى بادئ الأمر :
– انتى اتجننى يا “آيات” .. لا ماما ولا بابا ولا “على” هيوافقوا على كده
لكن “آيات” أخبرتها:
– أنا مش عايزاكى انتى لوحدك .. أنا عايزه “على” كمان
كانت سعادة والدة “إيمان” غامرة .. أما “على” بدا قلقاً فى البداية الى أن شرحت له “إيمان” الطريقة التى سيعتمد عليها أصحاب القرية فى ادارتها وخلوها من اى محرمات .. تحمس كلاهما وكان ردهما بالموافقة .
لم يمضى الا اسبوع حتى استعد الجميع لمغادرة القاهرة والتوجه الى العين الساخنة لبدء العمل فى القرية التى تحتاج الى الكثير من العمل الدؤوب والصبر حتى يجنون ثمرة عملهم
وفى اليوم الموعود توقفت سيارة “كريم” تحت منزل “على” ثم ما لبث أن تعرف الرجلان وكل منهما يتطلع الى وجه الآخر مستبشراً خيراً .. التفت الى الجميع وذكرهم بقوله :
– متنسوش يا جماعة دعاء السفر
التفت اليه “على” قائلاً :
– جزاك الله خيراً على التذكير
تمتمت “إيمان” بدعاء السفر .. أما “آيات” و “أسماء” نظرت كل منهما الى الأخرى .. ثم ما لبثت أن قالت “آيات” لـ “كريم” :
– “كريم” قوله عشان مش حفظاه .. قال “كريم” ببطء :
– الله اكبر, الله اكبر, الله اكبر, سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين , وانا الى ربنا لمنقلبون , اللهم انا نسالك في سفرنا هذا البر والتقوى , ومن العمل ما ترضى, اللهم هون علينا سفرنا هذا , واطو عنا بعده ,اللهم انت الصاحب في السفر , والخليفه في الاهل ,اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر , وكآبة المنظر ,وسوء المنقلب في المال والأهل
فرددت الفتاتان الدعاء خلفه .. جلس “على” بجوار “كريم” وأخذ نفساً عميقاً يعبئ رئتيه بهواء الصباح المنعش وقد ارتسمت باتسامة أمل على ثغره .. شعر بإنشراح فى صده وبفرحة غامرة لإستجابه دعاؤه فأخذ يتمتم بلا كلل :
– الحمد لله
تشارك الثلاث فتيات فى المقعد الخلفى .. بدت “آيات” سعيدة ومتحمسة لبدء حياتها العملية وتنفيذ أفكارها على أرض الواقع .. كانت تشعر ببعض التوتر لوجود “آدم” بنفس البلد .. لكنها تجاهلت ذكراه ووجوده وحذفت أى فكرة عنه من عقلها .. لا يهمها ان كان موجوداً أم غير موجود .. تراه أم لا تراه .. لم تعد تشعر تجاهه بأى شئ .. ولن يفرق وجوده من عدمه .. بالنسبة لها هو كالهواء .. موجود لكنه غير محسوس !

أما “أسماء” فشعرت بالراحة لمغادرة القاهرة وبدء حياة جديدة خالية من المشاكل وعزمت على نسيان كل ما مرت به .. وان كان رغم عنها تشعر بشئ من الحزن والقهر لنسيان أبويها أمرها ..تنهدت فى حسرة ونفضت تلك الصور الحزينه من عقلها وعزمت على ترك الماضى حيث هو .. حانت منها التفاته الى “كريم” من ثم الى “على” .. للمرة الأولى تتعامل مع أشخاص بهذه الخصال التى اشعرتها بمزيج من الدهشة والحنق .. نظرت من الشباك ونظرة حائرة فى عينيها

تطلعت “إيمان” الى الطريق وهى تتساءل أسيكون هذا التغيير فى صالحها أم ضدها .. كانت شارده لا تعرف تحديد

 

error: