رواية “جواد بلا فارس”

الحلقة ( 15 )
تؤمّلُ أنك يوماً تتوبْ !
وتشكو الذنوبَ .. وأنتَ الذنوبْ!

وفي كل يومٍ تبوء بذنبٍ
وعيبٍ يُضاف لباقي العيوبْ

تؤمّل أنك تحيا طويلا ً
وشمسك مالت وحان الغروبْ !

أتهجرُ دربَ الهدى والصلاحِ
وترحل في مُهلكات الدروب ؟!

تؤجّل توبَك دوماً ! ولستَ
تؤجل يوماً لقاء الذنوبْ !

قال “آدم” وهو يهز رأسه نفياً :
– لا للأسف مش عندى غير شاى ليكي فى الشاى
ابتسمت وهى تقترب منه بدلال قائله :
– لا خلاص مش مهم
أحاطته بذراعيها والتقت نظرات عيونها الجريئة بعيونه التى تتلاطم نظراتها كتلاطم الأمواج فى بحر هائج مظلم حائر لا تدرى كل موجه فى أى وجهة تذهب فترتطم فى طريقها بموجة أخرى لتمتزج معها وتختفى بداخلها وهكذا حتى تصل الى الشط بهدوء وقد سكنت ثائرتها واطمئنت ذراتها بوصولها أخيراً الى بر الأمان .. لكن عيناه بحثت عن الشط فلم تجده !
لكم غرق من قبل بين الأمواج العالية تأخذه وتجذبه الى حيث أرادت لكن هذه المرة شعور بالنفور لازمه .. أين هو من تلك الفتاة البريئة التى بكت أمامه عندما استشعرت أمام خالقها شعور عظيم بالذنب من أجل .. قبلــة .. تذكر عبراتها التى انهمرت وهى تدفن وجهها بكفيها وتخبره بأنها ظلت طوال الليل تشعر بالذنب مما حدث بينهما .. خشت من خالقها من أجل تلك القبلة وهو ينتهك حرمات الله وتحت ناظريه .. أين تلك الفتاة التى معه الآن من الفتاة النقية التى أوقفت خاطبها عند حده وكرهت تجاوزاته التى تغضب ربها رغم شدة حبها له .. أين هى من تلك الفتاة العفيفة التى لم تقبل أن يمسها رجلاً آخر غير زوجها حتى ولو كان خطيبها .. نظر الى الفتاة التى معه يحاول أن يتناسى تلك الأفكار التى تراوده .. لكن كلما غاص فى البحر أكثر .. كلما شعر بالنفور بداخله يكبر .. حتى .. نهض عنها .. نظرت اليه بغضب قائله :
– فى ايه ؟
عدل ملابسه وقال بهدوء :
– بعد اذنك اخرجى
نظرت الفتاة اليه بغضب شديد وهى تسب بلغتها .. انتظرها “آدم” خارج الشاليه حتى خرجت وهى ترمقه شزراً .. أغلق “آدم” باب الشاليه وأخذ يحث السير وكأنه يهرب من شئ مخيف بشع .. أخذ يسير بغير هدى فى اتجاه البحر حتى علم بأن هذا الشئ المخيف البشع الذى أراد الهروب منه إنما بداخله هو .. لكن كيف السبيل الى الهرب .. كيف النجاة .. ركل الأرض بطرف حذائه بقوة فتناثرت حبات الرمل أمامه كموجة غاضبة .. جلس على الرمل ينظر الى البحر الثائر كثوران نفسه .. تنهد بقوة وهو يستشعر مدى الإنحدار الذى أوصله اليه عقله .. تذكر نظرات “آيات” يوم أن علمت بحقيقته .. نظرت اليه بتقزز ثم أغمضت عينها حتى تتجنب رؤياه .. وصمت أذنيها لتتجنب سماع صوته .. شعر الآن بما كانت تشعر به وقتها.. فها هو يشعر بالتقزز من نفسه ومن كل شئ فيه .. يشعر بأنه غارق فى مستنقع لزج كلما حاول النهوض جذبه اليه مرة أخرى حتى استسلم له تماماً .. ظل صوت يهتف بداخله .. انهض يا “آدم” .. انهض .. فصاح صوت آخر .. أمثلى يستطيع النهوض ؟! .. لقد أغرقنى المستنقع بقذارته حتى لم أعد أشتم الا تلك العفونة المنبعثة منى .. لن أستطيع النهوض .. لكنى رغماً عنى .. لم أعد أطيق تلك الرائحة التى أصبحت تصيبنى بالغثيان .

***************************************
جلست “آيات” تبكى وتتضرع الى الله أن ينقذ والدها وأن يحفظه لها .. أخيراً خرج الطبيب المسؤل عن حالته فهبت واقفة وهى تنظر اليه بخوف وقلق قائله :
– بابا عامل ايه دلوقتى .. ممكن أشوفه
قال الطبيب وعلامات الإشفاق على وجهه :
– للأسف .. عضلات القلب ضعيفه وفى صمام تالف لازم عملية تبديل صمام فى أقرب وقت
أجهشت “آيات” فى البكاء .. فأحاطتها “حليمة” الباكية بذراعيها .. فقال الطبيب :
– المشكلة ان العملية أصلاً فيها خطورة عليه لان زى ما قولت عضلات القلب ضعيفه .. بس فى نفس الوقت مينفعش نتنى على العملية أكتر من كده
قالت “آيات” من بين شهقات بكائها :
– يعني نعمل ايه ؟
قال الطبيب :
– بصى يا بنتى الحالتين فيهم خطورة سواء انتظرنا أو عملنا العملية .. بس رأيى الشخصي اننا نعمل العلمية ونتوكل على الله
ثم قال :
– طبعا لازم موافقة حد من أهله
قالت “آيات” وهى تحاول أن تتمالك نفسها :
– طيب هرد عى حضرتك النهاردة وأقولك عنعمل ايه
قال الطبيب :
– معاكى لحد اسبوع لان مينفعش ندخله العلميات دلوقتى .. لما حالته تستقر شويه
انصرف الطبيب وترك “آيات” غارقة فى حيرتها وخوفها

***************************************
كانت “إيمان” فى طريقها الى عملها عندما استقلت الحافلة وجلست بجواء الشباك تتطلع منه الى الطريق بعقل نصف منتبه .. كان الشرود بادى عليها وهى مستغرقه فى التفكير .. لكنها انتبهت فجأة على ضحكات عاليه من المقعد خلفها .. سمعت شاباً يقول لآخر :
– أهى واقفة مش لاقيه حته تعد فيها
فقال الآخر ضاحكاً :
– طبعاً يا ابنى ودى يجبولها كرسى يكفيها ازاى دى
نظرت “إيمان” أمامها لتجد سيدة بدينة للغاية تقف وهى تتمسك بأحد المقاعد وحبات العرق تتصبب فوق جبينها فتسمحها بمنديلها وتعود لتتمسك بيديها فى المقعد .. سمعت الشاب يقول :
– حد يقولها تقف فى النص بلاش تركن أوى على الجمب اليمين أحسن الأتوبيس يتقلب بينا
ضحك زميله وهو يقول :
– أو ممكن نجيب فيل ونحطه الجه التانية عشان يبقى فى توازن
شعرت “إيمان” بالعبرات الساخنه تتساقط فوق وجهها وهى تستمع الى سخرية الشابين من تلك المرأة .. لم تكن “إيمان” فى مثل بدانتها لكنها شعرت بكلمات الشابين كالخناجر تطعن فيها هى .. وكأن كلماتهما موجهة اليها .. ألقت نظرة شفقه على تلك السيدة وهى تحسبن على الشابين فى الخلف .. ألا يعلم مثل أولئك النهى الربانى فى سورة الحجرات : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” .. ألا يعلم أولئك الجهال أن الله لا ينظر الى الأجساد لكنه ينظر الى عمل تلك الأجساد : ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ” .. ألا يعلمون أن الإنسان كرمه الله عز وجل وأسجد له ملائكته وعلمه من علمه لذلك وجبت المحافظة على كرامته مصانه غير مهانه .. ألا يعلم أولئك الذين يسخرون ويستهزأون من غيرهم من ذوى البدانة أن أحياناً تكون تلك البدانة أمراً وراثياً لا دخل للإنسان فيها .. كلون عينيه و لون شعره ولون بشرته وشكل أنفه و طوله وقصره .. كيف تلوم انسان أن لون عينيه أسود ؟! .. كيف تلومه لأنه قصير القامة ؟! .. كيف تلومه لأن أنفه كبير ؟! .. هو لم يخلق نفسه بل الله خلق والله جميل يحب الجمال لا يخلق شيئاً قبيحاً أبداً .. لكن لا يوجد انسان كامل فالكمال لله وحده فقط .. ومقاييس الجمال والدمامه نسبيه من شخص لآخر .. قد يفضل رجل الشقراوات وآخر يفضل السمراوات .. قد يفضل رجل النحيلات ويفضل آخر البدينات .. لكن الغير مقبول هو الاستهزاء بما لا يروق لك .. ودت إيمان” لو صرخت فى وجوه الشابين قائله ألم تعلموا بأن الله أعد عذاباً شديداً وهلاكاً ودماراً لكل من يستهزئ بغيره ويعيب فيهم ويغتابهم “وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ” .. وفى أحد التفسيرات أن “الويل” هو وادى فى جهنم .. مسحت “إيمان” عبراتها المتساقطة وهى تتذكر أن الله عادل لا يظلم أبداً ولذلك أعطى تلك المرأة من حسنات هاذين الشابين ما الله به عليم .

**************************************
جلس “آدم” فى مكتبه يطالع حاسوبه ويطمئن على سير العمل فى القرية .. شعر بالسعادة عندما وجد الإقبال على قريته فى يومها الأول بعد الإفتتاح فاق توقعاته .. شعر بأنه سيصل الى حلمه بأسرع مما ظن .. دخل “زياد” مكتبه وعلى وجهه علامات العبوس .. قال له “آدم” مبتسماً بسعادة :
– شوفت كام نزيل فى القرية ومن أول يوم
قل “زياد” واجماً :
– أيوة شوفت
نظر اليه “آدم” يرقب تعبيرات وجهه برهه ثم قال :
– ايه فى ايه يا “زياد” .. فى مشاكل ولا حاجه
نظر اليه “زياد” بعتاب قائلاً :
– البنت بتاعة امبارح باتت معاك يا آدم ؟
ظهر على “آدم” علامات التبرم .. فقال “زياد” بحده :
– شوفتكوا وانتوا رايحين جهة الشاليه بتاعك .. باتت عندك مش كده
نظر اليه “آدم” قائلاً ببرود :
– لأ .. ارتحت
نظر اليه “زياد” متفرساً ثم قال :
– يبقى كنت ناوى بس فى حاجة منعتك
زفر “آدم” بضيق فقال “زياد” :
– لو مكنتش صحبى وبحبك مكنتش اهتميت وكنت قولت يولع هو وهيا وأنا مالى .. بس أنا خايف عليك يا “آدم”
قال “آدم” بضيق :
– متخافش يا “زياد” .. وبعدين متعكرش مزاجى أنا فرحان وسيبنى أشوف شغلى بمزاج
قبل أن ينصرف “زياد” قال له “آدم” :
– آه “زياد” .. جهز نفسك النهاردة عشان افتتاح الملهى الليلى
قال له “زياد” بتبرم :
– مش عارف ايه لزمتها
قال “آدم” بحزم :
– لازمتها اننا بنجذب السياح وبنجذب المصريين اللى عايزين قرية سياحية كاملة من كله .. خاصة بأه ان قرية الفيروز مفيهاش ملهى ليلى ولا فيها مساحة ينفع يتعمل فيها ملهى ليلى ولا حتى فيها ترخيص ملهى ليلى
قال “زياد” بضيق :
– يعني مينفعش نجذب الناس للقرية بتاعتنا غيرب الكباريه ده
قال “آدم” بحده :
– ماسموش كباريه .. ده مكان فيه رقص وشرب مش أكتر من كده متحسسنيش انى هفتح بيت دعارة فى القرية
قال “زياد” متبرماً :
– طيب انت حر .. مع انى مش مستريح للموضوع ده .. لان نوعية الناس اللى هتدخله مش هتبقى مظبوطة
قال “آدم” بنفاذ صبر :
– اللى مش مظبوط نظبطه أمال البودى جاردز اللى أنا جايبهم دول جايبهم ليه
أومأ “زياد” رأسه بعدم اقتناع ثم غادر المكتب

***********************************
توجهت “آيات” الى مكتب محامى والدها بالشركة .. لتسأله عن كيفية سحب أموال من حساب والدها تكفى للعملية .. فليس لها حساب خاص بها .. لكن المحامى صدمها بشدة عندما قال فى أسف :
– أنا عارف انها هتبقى صدمة بكيرة عليكي بس أنا مضطر أصارحك .. باباكى اتعرض لخسارة جامدة جداً .. الأرصدة كلها اتجمدت واتحجز على الفيلا والشركة وكل حاجة بإسم “عبد العزيز” بيه
نظرت اليه “آيات” مصدومة وقد فغرت فاها .. فاكمل قائلاً :
– لو ابتاعت الشركة بالفيلا بكل مشتملاتهم يدوبك هتقضى الدين اللى على باباكى لأن حجم الاستثمارات كان كبير جداً وللأسف سهمنا نزل جامد فى البورصة وكل يوم بينزل عن اليوم اللى قبله
غارت عيناها وقد عُقد لسانها من الصدمة لا تدرى ما تقول .. فقال المحامى :
– أنصحك يا آنسة “آيات” ببيع كل شئ عشان تسديد الديون .. لان كل ما اتأخرتى فى البيع كل ما السهم نزل أكتر
قالت “آيات” بنظرات دامعة :
– يعني ايه ؟ .. مفيش فلوس يعمل العملية ؟
قال المحامى :
– ممكن تستأذنى حد من أصحاب الدين انك تتأخرى شوية فى السداد .. بس لازم البيع فى أقرب وقت
قالت “آيات” بحيرة وأسى :
– ازاى يعني هبيع أنا مفيش حاجة بإسمى كل حاجة بإسم بابا
قال المحامى :
– أنا معايا توكيل منه .. بس محتاج آخد موافقتك .. على فكرة قبل ما والدك يدخل المستشفى كنا بنتكلم فى القطة دى وأكيد كان هيوافق على البيع
فكرت “آيات” بعقل مشتت .. لم تجد غير أن ستتمع الى كلام المحامى .. فقالت بأعين دامعة :
– خلاص حضرتك اتصرف .. المهم يكون معايا فلوس فى اقرب وقت عشان عملية بابا هتتكلم جامد
طمأنها المحامى قائلاً :
– متقلقيش ان شاء الله البيع ينتهى بسرعة .. بس ياريت تعملى حسابك وتفضى الفيلا فى اليومين الجايين
شعرت “آيات” بالحزن والألم والقهر لكنها تمتمت :
– انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيراً منها
خرجت “آيات” من مكتب المحامى لتركب سيارتها بآلية .. وصلت الى المستشفى وجلست فى الخارج بعدما رفض الطبيب السماح لها بالدخول .. جلست على أحد المقاعد تنهمر العبرات من عينيها فى ألم ولسانها لا يفتر عن الدعاء لوالدها والتضرع الى الله بشفاءه

********************************

خرج “آدم” من مكتبه ليجد “ساندى” تتشاجر مع احدى الموظفات .. ثم أقبلت على “آدم” قائله بحدة :
– “آدم” البنت دى تطرد فوراَ
نظر “آدم” الى الفتاة الواقفة وقال :
– ملها عملت ايه ؟
قالت “ساندى” بتعالى :
– مش عايزه تسمع الكلام .. بقولها تدينى حسابات النزلاء عشان أراجعها رفضت .. بنت قليلة الأدب لازم تطردها
أمر الفتاة بالإنصراف ثم نظر “آدم” بغضب الى “ساندى” قائلاً :
– أنا هنا اللى اقول مين يمشى ومين يستنى .. وبعدين انتى عايزة الحسابات تراجعيها ليه ؟ .. مالك انتى ومال الحسابات .. انتى وظيفتك هنا فى العلاقات العامة وبس
قالت “ساندى” بحده :
– دى قرية بابا وأعلم فيها اللى أنا عايزاه
قال “آدم” بصرامة :
– اسمعى يا “ساندى” .. هتلتزمى بشغلك هنا وتبعدى عن طريق يبقى تمام ومفيش مشاكل .. أما لو فضلتى تدخلى فى اللى ميخصكيش يبقى تروحى تشتغلى فى شركة باباكى اللى فى القاهرة احسن
نظرت اليه “ساندى” بغيظ وقالت بحده :
– اظاهر ان انت نسيت ان دى قرية بابا وانت شغال عنده
قال “آدم” بعنف :
– لا دى قريتي زى ما هى قريته أنا شريكه مش شغال عنده
رمقها بنظرة غاضبه قبل أن يتركها وينصرف .. شعرت “ساندى” بالغضب الشديد .. فما كانت تتوقع تلك المعاملة من “آدم” بعدما ساعدتها على اقناع والدها بمشروعه

******************************

جلست “سمر” فى حجرة المعيشة أمام التلفاز .. سمعت صوت الباب يفتح خلفها .. دخلت والدتها وألقت السلام ثم قالت :
– فى غدا ؟
قالت “سمر” :
– أيوة يا ماما .. أقوم أسخنهولك
قالت والدتها :
– لا خليكي
دخلت والدتها وبدلت ملابسها ثم توجهت الى المطبخ .. تبعتها “سمر” ووقفت على باب المطبخ تنظر الى أمها .. فالتفتت اليها قائله :
– أخبار شغك ايه ؟
قالت “سمر” بخفوت :
– تمام الحمد لله
قالت والدتها :
– اتغديتي ؟
قالت “سمر” :
– أيوة من شوية
صمت كلاهما لفترة قبل أن تقطع “سمر” هذا الصمت قائله :
– ماما .. هو انتى متعرفيش أى حاجة عن بابا ؟
وقع الطبق من يد والدتها ليتفتت الى أشلاء .. حاولت جمعه فانجرحت يدها .. أسرعت “سمر” بمساعدة أمها قائله :
– خليكي .. انا هشيله
نظفت “سمر” مكان الطبق المكسور .. ثم نظرت الى والدتها التى علا الغضب وجهها .. ثمق الت :
– ايدك كويسه
قالت أمها :
– أيوة
ثم التفتت اليها قائله بحزم :
– مش عايزه أسمع سيرة الراجل ده تانى .. ماشى يا “سمر” ؟
قالت “سمر” بألم :
– أنا بس عايزه أعرف هو ليه مبيسألش عننا يني خلاص نسانا
صاحت امها قائله :
– أيوة نسانا ومعدناش لازمينه .. ومش عايزه أسمع كلمه واحده عنه بعد كده
خرجت أمها المطبخ مسرعة لتدخل غرفتها باكية .. تبكى شعوراً لا يوصف بالظلم والقهر والخيانة .. يااه ما أقسى الخيانه .. عندما تأتى من أقرب الأشخاص اليك .. تكون مرارتها كالعلقم .. وألمها كحد السكين .

************************************

جلست “آيات” مع “أسماء” فى الفيلا .. قالت “أسماء” تواسيها :
– معلش يا “آيات” .. ربنا يقوم عمو بالسلامة
قالت “آيات” باكية :
– أنا مش عايزه غير كده .. مش مهم أى حاجه خالص .. المهم هو يقوم بالسلامة
ابتسمت “أسماء” مشجعة وقالت :
– ان شاء اليه هيقوم بالسلامة
ثم قالت :
– هتعملى ايه فى فلوس العمليه
قالت “آيات” بحزن وأسى :
– المحامى هيبيع كل حاجة ونستأذن حد من أصحاب الدين انى أأجل الدفع شويه .. مع انى خايفه أوى يرفضوا
قالت “اسماء” :
– وليه متطلبيش دهبك من دكترو “آدم” ؟
خفق قلب “آيات” بقوة وهى تستمع الى اسمه .. ثم ما لبثت أن شعرت بالضيق .. فقالت “أسماء” بحزم :
– انت محتاجة كل مليم واكيد دهبك ده هيفك ضيقه .. اطلبيهم منه
صمتت “آيات” قليلاً ثم قالت بحزن وتهكم :
– تفتكرى لو طلبتهم منه هيرجعهملى
قالت “أسماء” بحده :
– اطلبيهم يا “آيات” .. ولو مرجعهمش يبقى منه لله بجد
تنهدت “آيات” وهى تشعر بالحيرة ثم قالت بوهن :
– مش قدامى فعلاً غير كده .. مع انى حسه انه مش هيرجعهملى
قالت “أسماء” مشجعة :
– كلميه دلوقتى
أمسكت “آيات” هاتفها وهى تشعر بالإضطراب والتوتر .. هل هى ستسمع صوته بعد كل تلك المدة .. لولا ضيقتها ما فكرت فى الإتصال به قط .. فآخر ما تريده هو سماع صوته .. أو التحدث معه .. اتصلت فلم يجب أحد .. عاودت الإتصال فلم يجب .. تنهدت بحسرة وهى تقول بمراراة :
– أكيد عارف انها أنا وانى هطلب دهبى .. قولتك مش هيرجعهم
قالت “أسماء” وهى تخرج هاتفها :
– طيب كلميه من رقمى
انتظرت “آيات” لبعض الوقت ثم حاولت الاتصال به من هاتف “أسماء” ثم قالت :
– برده مبيردش
قالت “أسماء” وهى تنهض :
– ان شاء الله يرد .. أنا همشى بأه يا “آيات”
وقفت “آيات” قائله بوهن :
– طيب يا “أسماء” وأنا هطلع أنام شوية وآخد دش وبعدين هنزل أروح المستشفى أبات مع باباها هناك يمكن يفوق ولا حاجه
عانقتها “أسماء” قائله :
– متخفيش ان شاء الله هيقول بالسلامة
تنهدت “آيات” بعمق قائله :
– يارب يا “أسماء” يارب

*************************************

كانت “أسماء” جالسه فى فراشها شاردة تفكر فى حالها وفى وضعها هى و “آيات” .. أرهقها التفكير فقامت واغلقت المصباح وتمددت على فراشها تحاول النوم .. فجأة “هانى” يدخل عليها الغرفة ويغلق الباب خلفه .. صاحت قائله :
– امشى اطلع بره
أشار “هانى” الى فمه بإصبعه وقال مهدداً :
– لو صرختى زى المرة اللى فاتت هقول ان انتى اللى طلبتى آجيلك أوضتك
فكرت “أسماء” فى كلامه .. لو فعل ذلك فستطرد من البيت شر طرده .. بكت قائله :
– حرام عليك سيبنى فى حالى بأه
اقترب من الفراش فانزوت به أكثر .. قال وعينيه تلمعان فى ظلام الغرفة :
– أسيبك ايه هو أنا عبيط .. حد يشوف الحلاوة دى كلها أدامه ويسيبها
شدت “أسماء” الغطاء عليها أكثر .. لكنه جذبه وأزاحه عنها .. بكت قائله :
– حرام عليه ده أنا بنت خالتك
قال بغلظة وهو يتلمسها بيده :
– مبلاش تمثيل بأه منتى لو واحدة محترمة مكنتيش أعدتى بلبس زى ده فى بيت فيه شابين
نظرت “أسماء” الى البنطلون والبادى نصف الكم الذى ترتديه وتتجول به فى البيت بلا حرج وهتفت باكية :
– أنا لابسه عادى مش وحش .. وانتوا ولاد خالتى مش حد غريب .. حرام عليك
لم يعبأ ببكائها ولا بتوسلاتها وقال بتهكم :
– متخفيش مش هأذيكي .. ده ان كنتى لسه سليمة أصلاً
شعرت بأنفاسه الكريهة المعبأة برائحة الدخان تلفح وجهها وتكتم أنفاسها وشهقات بكائها المرير .. شعرت بالعجز والضعف وقلة الحيلة وهى تعلم أن مصيرها ان لم تطيعه هو الطرد من البيت بفضيحة تشوه سمعتها أمام الجميع .. شعرت بالنفور والتقزز منه ومن نفسها بكت وتوسلت وترجته أن يتركها .. لكنه ظل يعبث بها الى ان اكتفى .. شعرت “أسماء” برغبة شديدة فى التقيؤ فلم تستطع أن تكبح جماح نفسها فمدت رأسها بجوار الفراش لتأتى بكل ما فى بطنها المضطرب .. قال “هانى” بتقزز وهو يغادر :
– قرفتيني الله يقرفك .. وبعدين زى ما وعدتك أهو صاغ سليم
خرج من غرفتها ليتركها باكية بحرقة وهى تكاد تختنق وتغمض عينيها بشدة علها تتناسى تلك الدقائق الكريهة وما حدث فيها .. نهضت مسرعة الى دولاب ملابسها وارتدت على عجالة وأخذت ما استطاعت أن تصل اليه يدها من ملابسه وخرجت من البيت مسرعة دون أن تهتم بإيقاظ والدتها وابلاغها برغبتها فى الرحيل

******************************************

فى وسط الإحتفال فى الملهى الليلى الجديد الملحق بقرية جولدن بيتش .. قال “زياد” لـ “آدم” بصوت مرتفع حتى يتمكن من سماعه :
– كله تمام ومفيش مشاكل
ابتسم “آدم” قائلاً :
– كويس وأنا شايف ان معظم اللى هنا مش نزلاء القرية .. بس أكيد هيبقوا نزلاء من بكرة
قال “زياد” مبتسماً :
– شكلنا فعلاً هناكل السوق هنا
ضحك “آدم” قائلاً :
– طبعا يا ابنى كلها فترة صغيرة وميبقاش فى العين السخنة الا قريتنا
ثم قال بحماس :
– ولسه كمان لما الاعلانات الجديدة تنزل فى التى فى
قال “زياد” وهو يحتسى كوب عصير :
– هتنزل امتى
قال “آدم” بحماس :
– من الاسبوع الجاى ان شاء الله ده غير العروض اللى عاملينها للعائلات .. ان شاء الله فى أقل من شهر القرية هتكون كومبليت
ابتسم “زياد” قائلاً :
– أنا كمان متوقع كده
قال “آدم” وهو يبحث بيعينه عن “شكرى” :
– أمال فين “شكرى”
قال “زياد” :
– كان هنا من شوية
أخرج “آدم” هاتفه ليتصل به .. لكنه تجمد فى مكانه وقد تعلقت عيناه بالهاتف .. ترك من كوب العصير الذى كان ممسكاً به وهو لا يبعد نظره عن الهاتف .. انتبه “زياد” لنظراته فقال بقلق :
– ايه فى حاجه ؟
لم يجيبه “آدم” بل أسرع لمغادرة الملهى وابتعد عن الضوضاء .. أخذ ينظر الى اسم “آيات” بهاتفه وقلبه يخفق شوقاً وخوفاً ورهبة .. تُرى لماذا اتصلت به .. أعاد الاتصال بها بلهفة وشوق .. خرجت “آيات” من الحمام وهى تلف منشفتها حولها وأسرعت بإلتقاط هاتفها الموضوع على الفراش .. نظرت الى رقم “آدم” وهى تشعر بتوتر بالغ واضطرب تنفسها .. جلست على فراشها وهى تحاول أن تنظم تنفسها لتستطيع التحدث معه .. انتهى الرنين .. وعندما أوشكت على الاتصال به وجدته يتصل .. أخذت نفساً عميقاً ثم ردت قائله :
– ألو
ابتسم “آدم” بسعادة عندما سرى صوتها الرقيق الى أذنه .. قال بلهفه :
– ازيك يا “آيات” ؟
حاولت “آيات” التحدث بصوت طبيعي واخفاء توترها واضطرابها .. قالت بسرعة حتى لا تهرب الكلمات منها :
– الحمد لله .. أنا كنت بتصل عشان الأمانه بتاعتى اللى عند حضرتك
أخذت “آيات” تضم أصابع يدها بقوة الى قبضتها .. كانت تشعر بتوتر بالغ .. يالله لكم تحتاج الى ذهبها الآن لتستطيع جمع المال من أجل العملية الجراحية التى تتوقف عليها حياة والدها .. خافت بشدة .. خافت أن يرفض اعادتهم اليها .. اضطرب تنفسها عندما صمت .. طال صمته .. تجمعت العبرات فى عينيها وأخذت بالتساقط .. ماذا ينتظر .. أينتظر أن تترجاه أن يعيدهم اليها .. ان كان هذا ما يريده فستفعل .. من أجل أن تنقذ والدها .. همت بالتحدث لترجوه ان يعيدهم اليها فهى فى أمس الحاجة اليهم .. لكنه سبقها قائلاً بصوته الرخيم :
– أكيد طبعاً
لم تصدق أذنها .. أكمل قائلاً :
– أنا مكنتش عارف أرجعهملك ازاى .. من يوم اللى حصل وأنا معرفتش أشوفك وكمان خفت أديهم لوالدك عشان ميعرفش اللى انتى عملتيه .. خفت يأذيكي لما يعرف انك اديتيهملى
تنهدت “آيات” براحة ومسحت عبراتها .. فأكمل “آدم” قائلاً :
– انا دلوقتى فى العين السخنة مش فى القاهرة
قالت “آيات” بسرعة :
– مفيش مشكلة ابعتهملى مع أى شركة شحن
صمت “آدم” يفكر .. شعر بأنه لا يريد أن يضيع تلك الفرصة .. الفرصة الوحيدة التى من الممكن أن يلتقى فيها بـ “آيات” .. والتحدث معها ورؤيتها .. لم يكن أبداً ليضيع تلك الفرصة من يده .. قال “آدم” :
– أنا جاى بكرة القاهرة .. هديهملك بنفسي
قالت “آيات” وهى تشعر بالتوتر :
– مفيش داعى ابعتهم مع أى شركة أو حتى بالبريد السريع
قال “آدم” وهو يبحث عن حجه :
– لا طبعاً مينفعش ده دهب افرضى الطرد ضاع أو حد سرقه
قالت “آيات” بإستسلام :
– طيب خلاص
قال “آدم” برقه :
– خلاص أنا جاى بكرة وأول ما أوصل القاهرة هكلمك
قالت بهدوء :
– ماشى .. مع السلامة
انهت “آيات” المحادثة وهى تشعر وكأن حملاً ثقيلاً زيح عن صدرها .. أسرعت بإرتداء ملابسها والذهاب الى المستشفى حيث والدها المريض

**************************************

طرقت “أسماء” بيت والدها بلهفة .. الى أن فتحت لها زوجته وهى تقول بغضب :
– ايه فى ايه يا بنت انتى فى حد يخبط على حد فى نص الليل ؟
قالت “أسماء” الباكية :
– فين بابا ؟
همت بالدخول فأوقفتها زوجته وهى تقول :
– عندك عندك فى ايه هو أنا سمحتلك تدخلى
صاحت “أسماء” قائله :
– بقولك فين بابا
ثم نظرت الى الداخل وهى تهتف :
– بابا .. بابا .. بابا
قالت زوجته بحده :
– باباكى مش موجود .. باباكى مسافر .. وكفاية قلة أدب بأه هتصحى الجيران .. اتفضلى امشى من هنا
أغلقت الباب فى وجهها .. فظلت “أمساء” تطرق الباب دون أن تجيبها .. أخرجت “أسماء” الهاتف لتتصل بوالدها لكنها وجدت الخط مشغول .. كان والدها فى تلك اللحظة يتحدث مع زوجته التى اتصلت به قائله :
– شوفت بنتك عملت ايه .. جايه تفضحنى وسط العمارة وعماله تزعق وتشتم وآخر سفالة وقلة أدب
قال زوجها بحده :
– هى فين
قالت زوجته بصوت باكى :
– خفت منها افلت الباب عليا .. شكل أمها هى اللى قايلالها تعمل كده قولتلك مش هتسيبنا فى حالنا .. طلقها بأه خلينا نخلص من القرف ده
صاح زوجها بغضب :
– مش هطلقها وأعلى ما فى خيلها تركبه .. اقفلى دلوقتى
جلست “أسماء” على السلم تتصل بوالدها كل دقيقة الى أن وجدته يتصل بها .. قالت بلهفه :
– بابا أنا ………
قاطعها والدها وهو يصرخ بغضب :
– انتى ازاى يا بنت انتى تروح لمراتى وأنا مش موجود وتزعقيلها كده
قالت “اسماء” باكية :
– أنا مزعقتش أنا كنت بنادى عليك كنت فاكراك جوه
هتف والدها بعنف :
– روحى قولى لأمك الكلام ده ميجيش معايا .. ومش هطلق وخليها كده زى الكلبه
قالت “أسماء” وقد تعالت شهقات بكائها :
– مش ماما اللى بعتانى والله .. أنا اللى جايه لوحدى
قال واحدة بغلظة :
– طيب ارجعى لأمك تانى واياك أشوفك بتهوبى نحية مراتى تانى
لم يعطيها فرصة للرد أنهى المكالمة وأغلق الهاتف .. أخذت أسماء” تيكى الى أن أجهدها البكاء .. نهضت بتثاقل حاملة حقيبتها .. سارت فى الشارع الخالى المظلم وهى لا تدرى ما تفعله .. فها هى صديقتها “آيات” تمر بظروف صعبة هى الأخرى .. وعلى وشك الطرد من بيتها بعد أيام .. ووالدها ملقى فى المستشفى لا تستطيع أن تدبر تكلفة علاجه .. لمن تذهب .. بمن تلجأ .. سارت لا تعرف وجهتها .. الى أن قابلها أحد الرجال الذى نظر اليها بطريقها أشعرتها بالخوف الشديد و بالنفور .. تذكرت نظرات “هانى” الخبيثة وأنفاسه الكريهة .. وقفت بجوار أحد الأعمدة لتأتى بما فى معدتها من جديد .. تساقطت العبرات فوق وجهها وهى تشعر بأن ليس أمامها سوى العودة الى بيت جدها .. إما بيت جدها .. وإما الشارع .. حيث الكلاب المسعورة فى كل مكان !

**************************************

فى اليوم التالى استعد “آدم” للسفر وأخبر “زياد” بضرورة توجهه الى القاهرة لإعادة مصوغات “آيات” اليها ثم قال بلهفه :
– ادعيلي يا “زياد” ان المقابلة دى تكن نتيجتها حلوة
قال “زياد” :
– بصراحة مش متفائل بس يارب
قال “آدم” وهو يعدل من ربطة عنقه :
– تفتكر دى حجة عشان تكلمنى .. يعنى هى فعلاً لو عايزه الدهب بتاعها كانت خلت باباها يكلمنى ويطلبه .. مش هى تكلمنى بنفسها مش كده ؟
قالت “زياد” مفكراً :
– يمكن خافت تقول لباباها انها ادتلك دهبها
قال “آدم” :
– تفتكر يا “زياد” ممكن نرجع أنا وهى لبعض تانى ؟
قال “زياد” بحزن :
– مش عايز أحبطك بس أنا شايف ان ده مستحيل
قال “آدم” وهو ينظر الى “زياد” :
– بس هى بتحبنى أوى يا “زياد” .. انت متعرفش “آيات” بتحبنى ازاى .. ولا أد ايه هى طيبة وحنينة
صمت ولاحت ابتسامه على شفتيه وهو يقول :
– وحشتنى أوى .. مش مصدق انى أخيراً هشوفها
أسرع “آدم” متوجهاً الى سيارته التى انطلق بها فى طريقه الى القاهرة .. بمجرد وصوله اتصل بـ “آيات” قائلاً :
– أنا وصلت يا “آيات” تحبي نتقابل فين ؟
قالت “آيات” :
– تعالى الفيلا
صمت “آدم” قليلاً ثم قال :
– مينفعش نتقابل فى مكان بره
قالت “آيات” بحزم شديد :
– لأ
ثم قالت :
– لما توصل الفيلا رنلى
أنهت “آيات” المكالمة وهى تنظر الى الشرفة فى انتظاره .. بعد ما يقرب من النصف ساعة رأت سيارته تقترب من الفيلا .. شعرت بقلبها يخفق بشده داخل صدرها .. أسعرت الى الداخل حتى تتجنب رؤياه ثم نادت دادة “حليمة” وقالت لها :
– وصل يا دادة
همت “حليمة” بالخروج فأسرعت “آيات” قائله :
– دادة زى ما فهمتك
قالت “حليمة” :
– متقلقيش يا بنتى
توقف “آدم” أمام بوابة الفيلا وهو ينظر اليها .. نزل من سيارته وهو يتصل بـ “آيات” التى لم تجيب .. رآى “حليمة” مقبلة تجاهه .. توقفت أمامه قائله :
– الآنسة “آيات” بعتتنى آخد الأمانة بتاعتها
نظر “آدم” اليها بضيق ثم القى نظرة على الفيلا وقال :
– طيب هى مينفعش تخرج تاخدها بنفسها
ٌقالت “حليمة” بحزم :
– لا مش هينفع
شعر “آدم” بالضيق الشديد فقد كان يمنى نفسه برؤياها وبالحديث معها .. توجه الى سيارته وأحضر العلبة وأعطاها الى “حليمة” وما كادت لتتلفت لتغادر حتى أوقفها قائلاً :
– “آيات” كويسة ؟
نظرت اليه “حليمة” بحزم وقالت بترفع :
– أوية كويس .. كويسة أوى
دخلت “حليمة” الى الفيلا فهبت “آيات” واقفة وقالت بلهفه :
– ها يا دادة ادهالك ؟
أعطتها “حليمة” العلبة فتتحتها “آيات” بلهفة تتمم على محتوياتها ثم ابتسمت قائله :
– الحمد لله كل حاجة موجودة
قالت “حليمة” بتردد :
– سألنى عليكي
نظرت اليها “آيات” قائله :
– وقولتيله ايه ؟
قالت “حليمة” :
– قولتيله زى ما نبهتى عليا .. انك كويسة ومجبتلوش سيرة عن أى حاجة خالص
أومأت “آيات” برأسها .. قالت “حليمة” بطيبة :
– ليه ما قولتيلوش انك فى ضيقة يا بنتى ؟
نظرت اليها “آيات” بحده قائله بمرارة :
– أقوله عشان يشمت فيا .. ده واحد بيكرهنى أنا وبابا يا دادة .. لو عرف اللى حصلنا هيشمت فينا
نهضت تنظر من باب الشرفة النصف مفتوح .. رأته مازال واقفاً أمام سيارته ينظر فى اتجاه الفيلا .. رجعت الى الخلف بسرعة حتى لا يراها .. بعد عدة دقائق سمعت صوت السيارة .. نظرت من جديد لتراه يرحل ويبتعد من أمام ناظريها .. تابعته بعينيها الحزينتين الى أن اختفى من أمامها .. ثم توجهت الى خارج الفيلا وقادت سيارتها الى حيث محل الذهب لبيع كل ما تملكه من هذه الدنيا من أجل انقاذ والدها

****************************************
انطلق “آدم” بسيارته فى شوارع القاهرة وهو يشعر بالحزن والأسى .. ألهذه الدرجة تكره رؤيته .. لماذا لم تدعه يراها ويتحدث اليها .. لماذا لا تسمع منه مثلما سمعت عنه .. شعر بالضيق الشديد لأنه شعر بأنه فقد كل الخيوط التى توصله اليها .. توجه “آدم” الى بيت والدته .. تلك المرأة الطبية التى تحملت منه الكثير والتى يشعر بأنه ظلمها بشدة .. نظر الى البيت بشوق .. صعد الدرجات الى أن وصل الى الباب المكسور .. شعر بالدهشة وهو يفتح الباب الذى لم يكن مغلقاً .. رآى علامات الكسر على الباب ومحتويات البيت المبعثرة .. أخذ ينادى على والدته بفزع :
– ماما .. ماما
لم يجدها .. لا اثر لها .. هاله الدماء التى كانت تغطى أرض غرفة والدته .. وأرض الصاله .. كاد أن شجن .. أسرع بطرق باب الشقة المقابلة بلهفة وخوف وجزع .. فتحت جارته فقال لها :
– أنا “آدم خطاب” متعرفيش فين ماما ؟
قال ذلك وهو يشير الى شقة والدته .. فقالت المرأة بأسى :
– واحد ابن حرام طلع عليها بالليل وسرق كل اللى حيلتها وشكلها كانت هتصوت وتفضحه فخبطها على دماغها ونقلوها على المسشتفى
شعر “آدم” بفزع وخوف شديد قال بلهفه :
– هى فين .. مستشفى ايه ؟
ٌقالت المرآة :
– والله يا ابنى معرف .. اسأل اسطة “عبده” المكوجى هو الى طلبلها الاسعاف .. وهو نازل من فوق شاف باب الشقة مكسور ولما دخل لقاها غرقانه فى دمها
أسرع “آدم” بالتوجه الى الرجل الذى قال بغضب :
– كنت فين يا ابنى وأمك مرمية لوحدها كده .. لا حول ولا قوة الا بالله .. خلاص معدش فى قلوبكوا رحمه
قال “آدم” بأعين دامعة وصوت أجش :
– هى فين .. وديتها مستشفى ايه ؟
أخبره الرجل عن المستشفى الحكومى التى نقلت سيارة الإسعاف أمه اليها .. أسرعب التوجه الى المستشفى والعبرات تغطى وجة المتألم .. أوقف السيارة ودخل مسرعاً يبحث عنها .. الى ان وجدها نائمة على احد الأسرة وقد عصبت لفافة بيضاء حول رأسها .. اقترب منها يبكى بحرقة وهو يتحسس رأسها ويدها .. حاول منادتها فلم تستجب .. التفت الى احدى الممرضات قائلاً بلهفه :
– لو سمحتى .. عايز الدكتور اللى متابع حالتها
قالت الممرضة ببرود وهى تلوك اللبان فى فمها :
– الدكتور مشى
قال “آدم” بحده :
– طيب أنا عايز أعرف حالتها أسأل مين هنا
نظرت الممرضة الى الأوراق المعلقة على طرف فراشها بلامابلاة ثم قالت :
– متقلقش ان شاء الله هتبقى كويسة
قال “آدم” بحزم :
– لو سمحتى أنا عايز أعرف حالتها بالظبط
قالت الممرضة بحنق :
– شايفنى دكتورة أمامك .. أنا ممرضة يا اخويا .. قولتلك هتبقى كويسة .. لما يبقى الدكتور يفوت بكرة ابقى اسأله
نظر اليها “آدم” بغضب وهى تبتعد .. لم ينتظر أكثر بل أزاح الغطاء عن والدته الذى انبعثت منه رائحة كريهة .. وحملها مسرعاً وتوجه بها الى الخارج .. صاحت احدى الممرضات :
– انت يا أفندى واخدها ورايح بيها على فين ؟ .. ده مجنون ده ولا ايه
لم يعبأ “آدم” لكلامها وتوجه الى السيارة وانطلق بها الى احدى المستشفيات التى يعرفها .. دخل المستشفى فأسرعت الممرضة بإحضار الترولى وتوجهت بها الى غرفة الفحص .. دخل “آدم” غرفة الفحص وقال للطبيب بصوت مضطرب للغاية :
– قالولى ان حرامى خبطها على دماغها وودوها المستشفى بس معرفتش حالتها هناك ومحدش كان متابعها فجبتها وجيت على هنا
طمأنه الطبيب وطلب من الممرضة آشعة لمعرفة هل تعانى من كسور بالجمجمة أم لا .. وبمدى خطورة حالتها
جلس “آدم” خارج الغرفة وهو يسند جبينه الى قبضتيه وهو يغمض عينيه بقوة .. حاول أن يدعو الله لها .. لكن توقفت الكلمات على لسانه وأبت أن تخرج .. هتف صوت بداخله .. كيف ستدعوه يا “آدم” .. كيف ؟! .. أوتظن أنه سيستجيب لك ؟!

*****************************************
توجهت “آيات” الى المستشفى بعدما تمكنت من بيع مصوغاتها الذهبية ودفعتهم تحت حساب العملية .. ما كادت تتوجه الى غرفة والدها بالعناية المركزة حتى قالت لها الممرضة :
– والدك تعب أوى .. وحولنا نتصل بيكي مردتيش
صاحت “آيات” بأعين دامعة :
– ايه ؟ .. موبايلى نسيته فى البيت .. حصله ايه ؟
خرج الطبيب فأسرعت تقول بلهفه :
– بابا ماله يا دكتور
قال الطبيب :
– لازم العملية تتعمل النهاردة خلاص معدش ينفع انتظار اكتر من كده
قالت “آيات” باكية :
– أنا دفعت مبلغ تحت الحساب دلوقتى وان شاء الله هجيب باقى الفلوس
أعطاها الطبيب ورقة لتمضى عليها قائلاً :
– طيب امضى على موافقتك اجراء العملية
أغمضت “آيات” عينيها تستخير ربها عز وجل .. ثم .. مضت الورقة وسملتها الى الطبيب .. جلست “آيات” على أحد المقاعد وهى تهتف من أعماق قلبها المكلوم :
– يارب اشفيه يارب .. انت قادر على كل شئ .. يارب استجبلى واشفيه يارب

 

error: