رواية “جواد بلا فارس”

 

الحلقة ( 9 )

جلس “آدم” فى حجرة الصالون ينتظر نزول “آيات” .. دخل “عبد العزيز” من الباب مبكراً عن موعده انتبه الى “آدم” فدخل سلم عليه قائلاً :
– أهلا بيك يا دكتور
نهض “آدم” وسلم عليه قائلاً :
– أهلا بحضرتك
جلس “عبد العزيز” فى مواجهة “آدم” وقال :
– بخصوص مكان سكنك اللى اديتهولى يا دكتور “آدم” .. انت سيبت الشقة دى من فترة مش كده ؟ .. لانهم قالولى انها اتباعت مرتين
شرب “آدم” رشفة من كوب الماء الموضوع أمامه وقال بهدوء أعصاب :
– أيوة بعتها .. وحالياً آعد عند والدتى فى بيتنا القديم لحد ما الشقة الجديدة تخلص لانى بعمل فيها شويه تعديلات
قال “عبد العزيز” :
– أنا افتكرتك اديتنى عنوان شقتك الحالية
قال “آدم” مبتسماً :
– لا اديت لحضرتك عنوان الشقة اللى كنت عايش فيها عشان لما تحب تسأل عنى تلاقى الجيران عارفيني
ابتسم “عبد العزيز” قائلاً :
– فعلاً الجيران كانوا عارفينك وعارفين الست والدتك كمان وقالوا عنكم كلام طيب جداً
ابتسم “آدم” وقد شعر بالإرتياح .. نزلت “آيات” والتى فوجئت بوالدها .. نظر اليها “عبد العزيز” بغضب وهو ينظر الى ملابسها ومكياجها .. شعرت “آيات” بالإضطراب .. فقال “عبد العزيز” بهدوء حتى لا يحرجها أمام “آدم” :
– اطلعى البسى حاجة تانية يا “آيات” الطقم ده شكله مش حلو عليكي
شعرت “آيات” بالحرج وقالت بصوت خافت :
– حاضر يا بابا
ثم التفتت الى “آدم” قائله :
– ثوانى ونازله
صعدت “آيات” وارتدت ملابس أكثر اتساعاً وان كانت مازالت غير محتشمة .. وأزالت المكياج فى عبوس .. نزلت الدرج فوقف “آدم” ينظر اليها متفرساً فيها .. ثم استأذن من والدها وانصرفا .. قاد “آدم” سيارته بهدوء وتوقف فى مكان ما .. التفت اليها قائلاً :
– انتى باباكى مش بيخليكي تحطى ميك اب وانتى خارجة
ارتبكت “آيات” وقالت دون أن تنظر اليه :
– أيوة
قال “آدم” بغلظة :
– يعني بتحطى من وراه .. بتستغفليه يعني
نظرت اليه “آيات” بحده فقال لها بصرامة :
– مفيش معنى تانى للى انتى بتعمليه غير كده
قالت “آيات” بحده :
– هو مانعنى انى احط ميك اب لانه مش بيحبه .. بس أنا بنت وصغيره وبحب أكون جميلة واحط ميك اب كل البنات بتعمل كده
قال “آدم” بهدوء وهو ينظر اليها :
– فعلاً كل البنات بتعمل كده
نظرت اليه فأكمل قائلاً بحزم :
– بس البنت المميزة اللى تجبر الراجل انه يحترمها مش هتعمل كده
احمرت وجنتاها خجلاً وأطرقت برأسها فقال وهو يتطلع اليها :
– نفسي تشوفى نفسك دلوقتى وخدودك لونهم أحمر من الكسوف وقوليلى الشكل ده أحلى ولا الدهان اللى بترسمى بيه على وشك
نظرت اليه “آيات” فأكمل قائلاً :
– على فكرة مفيش راحل محترم بيحترم البنت اللى بتعرض نفسها فى الشارع زى ما تكون جارية فى سوق الجوارى
قالت “آيات” بعتاب ممزوج بالحزن :
– أنا جاريه يا “أدم” ؟
قال بهدوء وهو ينظر الى عينيها :
– لا يا “آيات” مش جاريه .. بس مصره تخلى شكلك زيهم
نظرت الى عينيه وهى تحاول فهم ما يريد وما يفكر فيه .. قالت مبتسمه :
– لو انت مش حابب الميك اب يا “آدم” أنا مش هحطه تانى
انتبه “آدم” فجأة لما يفعل .. وسأل نفسه مرة أخرى .. ما شأنك ان وضعت مكياج أم لم تضع .. أشاح بوجهه عنها وقال ببرود :
– اعملى اللى انتى عايزاه
قالت “آيات” بحماس :
– لو مش عايزنى أحط بجد مش هحط
قال “آدم” وكأنه يعاند نفسه ويعاند ما يريد :
– لا حطى .. حطيه يا “آيات”
قالت بدهشة :
– بس انت لسه قايل …….
قال بحنق :
– سيبك من اللى قولته .. أنا عايزك تحطى ميك اب عايز أشوفك بيه على طول
أنهى جملته ثم انطلق بسيارته بعصبيه ظلت “آيات” تنظر اليه بإستغراب وهى لا تعى تلك التغيرات المفاجئة التى تطرأ عليه من حين لآخر

**************************************
فتح “على” باب البيت وهو ينادى فى مرح :
– ماما .. “إيمان”
جرت أمه مسرعة من المطبخ وفتحت “إيمان” غرفتها :
– خير فى ايه يا “على
قال بسعادة :
– الحمد لله لقيت شغل
عانقته أمه قائله :
– يامنت كريم يارب
قالت “إيمان” بسعادة :
– مبروك يا “على”
قال مبتسماً :
– الله يبارك فيكي يا “إيمان”
سألته بلهفه :
– اشتغلت ايه
قال “على” :
– هى شغلانه بسيطة فى محل بيع أجهزة كمبيوتر .. بس أهى بداية يا “إيمان” بدل ما أنا آعد كده من غير شغله ولا مشغله
قالت أمه بحماس :
– ربنا يجعلك فيها الخير يا ابنى وتبقى قدم السعد عليك وتكبر وتبقى أحسن واحد فى الدنيا يا “على” يا ابنى
قبل “على” يديدها قائلاً :
– ربنا ما يحرمنى منك يا أمى ولا من رضاكى عنى

***********************************

كالعادة شعرت بالتوتر والارتباك وهى جالسة فى غرفتها تنتظر أن تناديها والدتها .. فتحت والدتها الباب وقالت بحماس :
– يلا يا “إيمان” أبوكى قالى أناديكي .. ابوكى و أخوكى “على” أعدين مع العريس بره
شعرت “إيمان” بخفقات قلبها تتسارع بجنون ظلت تدعو الله فى سرها أن يبيض وجهها تلك المرة .. دخلت برأس منخفض وألقت السلام بصوت خافت .. ردوا السلام وجلست فى المقعد المواجه لهذا العريس .. استكملوا حديثهم مرة أخرى وكأنها غير موجودة ..شعرت بالحنق من هذا التجاهل وكادت أن تبكى أو تنهض لتغادر لولا أنها أجبرت نفسها على البقاء .. فجأة وجدته يوجه اليها الكلام قائلاً :
– ازيك يا دكتورة “إيمان”
شعرت “إيمان” بالسعادة بالرغم من أنه سؤال عادى .. لكن كونها محور اهتمام رجل هو ما أسعدها .. ردت بصوت خافت :
– الحمد لله
لم تستطع أن ترفع رأسها لتنظر اليه ظلت غاضه بصرها تفكر كفيها فى ارتباك شديد .. قال هذا العريس :
– أنا عرفت انك فى التكليف مش كده ؟
قالت بتوتر :
– أيوة
قال العريس :
– انتى كنت حابه تدخلى طب اسنان ولا التنسيق اللى أجبرك عليها
شعرت “إيمان” بالسعاة لأسئلته المتلاحقة عنها .. فقالت بشئ من الارتباك :
– بصراحة أنا كنت حابه أدخل صيدلة بس دخلت أسنان عشان مجموعى مجبش صيدلة بس بعد ما دخلتها حبيتها أوى
قال ضاحكاً :
– يعنى طبقتى مقولة حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب
ابتسمت وهى تقول :
– حاجة زى كدة
تجرأت ورفعت رأسها لتنظر اليه .. كان شاباً أسمر البشرة لا تخلو ملامحه من الوسامة .. خفق قلبها لمرآه فغضت بصرها مرة أخرى .. ابتسم العريس قائلاً :
– طيب مش عايزه تسألينى عن حاجة ؟
دار الحديث بينهما قرابة النصف ساعة بعدها استأذن للإنصراف .. دخلت “إيمان” غرفتها وتركته يتحدث مع أبوها وأخوها أمام الباب .. أخذت تستعيد فى رأسها الحوار الذى دار بينهما .. وأخذ يتردد فى أعماقها نفس السؤال الذى يتردد كل مرة .. تُرى أسيوافق أم سيرفض ؟
دخلت والدتها الحجرة فقالت بلهفه :
– العريس قال ايه يا ماما
قالت أمها مستبشرة :
– ان شاء الله خير .. قال كمان كام يوم كده هيتصل يعرف ردك
قالت “إيمان” من قلبها :
– يارب تمها على خير يارب

*************************************
وقف “آدم” فى منطقته المفضلة فوق المقطم ينظر أمامه شارداً عابساً .. ظل يسأل نفسه .. ماذا يحدث لك يا “آدم” ؟ .. لماذا هذا التردد الذى تشعر به بداخلك ؟ .. ألست أنت من وضع الخطة ؟ .. لماذا التردد الآن ؟ .. أخذ يتردد بداخله سؤال .. ما ذنبها ؟ ما ذنب “آيات” فيما حدث لك ؟ .. لكنه رد على هذا السؤال قائلاً .. أنا لن أؤذيها .. أنا لا أريد سوى استرداد حقى فقط .. “آيات” لن تخسر شيئاً وستجد يوماً رجلاً أفضل منى .. ما هى الا أسابيع قليله أو حتى أشهر وتنسى اسمى .. وتنسى أنها رأتنى يوماً وستستمر فى حياتها .. مع رجل تحبه ويحبها .. عند تلك النقطة شعر بقشعريرة فى جسده .. تراءت أمام عيناه صورتها .. وابتسامتها العذبة .. ونظرات عينيها التى تشع حباً .. واهتمامها به .. ومشاعرها الصادقة النقية .. تباً لذلك .. لماذا يشعر بتلك النغزات فى قلبه .. لماذا لا تكف تلك المشاعر المثبطة عن التجوال بداخله .. شعر وكأنه بداخل فرن مشتعل بالرغم من النسمات الباردة التى كانت تلفح وجهه .. خلع الجاكت وفتح بعض من أزرار قميصه وهو يتنهد بعمق عله يتخلص من ذلك الشئ الذى يصر على الجثوم فوق صدره .. وبقوة

*************************************
فشلت “بوسى” طوال الأيام السابقة من الوصول الى “آدم” فلم تجد بداً من الذهاب الى الجامعة لمقابلته .. لم تجده ذلك اليوم فى مكتبه .. قابلت احدى الطالبات وسألتها قائله :
– لو سمحتى متعرفيش دكتور “آدم خطاب” ألاقيه فين ؟
قالت الطالبة :
– شوفيه فى مكتبه
قالت “بوسى” :
– روحت مكتبه ملقهتوش موجود
قالت طالبة أخرى :
– أنا فعلا مشفتوش النهاردة
قالت الطالبة الأولى :
– ممكن يكون واخد أجازة لأن دكتور “آدم” كتب كتابه آخر الاسبوع
نظرت اليها “بوسى” وقد جحظت عيناها وقالت :
– ايه ؟ .. كتب كتابه ؟
قالت الطالبه :
– أيوة .. خطب واحدة من دفعتنا .. وكتب كتابهم آخر الاسبوع
ثم ضحكت قائله :
– هى كمان غابت النهاردة
تمتمت “بوسى” بخفوت :
– ميرسي
خرجت “بوسى” من الكلية وعيناها تشعان غضباً وحقداً .. وقد امتلأتا بالعبرات وقالت فى نفسها : ماشى يا عريس

**************************************

فى اليوم التالى .. وقفت “آيات” أمام المرآة تقيس الفتسات الذى ستقوم بإرتدائه فى كتب كتابها .. ثم التفتت الى “أسماء” قائله :
– “أسماء” ايه رأيك فى الفستان
ابتسمت “أسماء” قائله :
– تحفة يا “آيات”
قالت “آيات” وهى تنظر الى نفسها فى المرآة بسعادة :
– واحد صاحب بابا عنده مصنع ملابس سواريه هو اللى صمم ان فستان كتب كتابى يبقى هديه منه
ضحكت “أسماء” قائله :
– أيوة يا عم محدش قدم وتصميم محدش لبسه غيرك .. ربنا يتمملك على خيري ا “يويو”
قالت “آيات” بلهفه وهى تنظر الى نفسها فى المرآة :
– يارب يعجب “آدم”

حاولت “آيات” كثيراً الاتصال بـ “آدم” دون جدوى .. ظلت والدة “آدم” تستمع الى رنين هاتف ابنها كل فترة .. فأصابها القلق لعدم رده .. دخلت غرفته لتجده فوق فراشه بملابس خروجه .. اقتربت منه لتجد العرق متصبب من وجهه وجسده وضعت كفها فوق جبينه لتجده مشتعلاً .. أصابها القلق فارتدت ملابسها وصعدت للطابق العلوى حيث جارهم الطبيب وطلبت منه النزول لفحص ابنها .. أخبرها الطبيب بأنه أصيب بالبرد وكتب على بعض الأدوية .. نزلت والدته مسرعة لشراء الأدوية التى وصفها الطبيب عادت وجلست بجواره وبجانبها الكمادات تضعها على جبينه ووجهه .. فتح “آدم” عينيه بصعوبة ليجدها جالسه بجواره تضع هذا الشئ البارد فوق وجهه .. نظر اليها ونظر اليه .. قالت بقلق :
– انت كويس يا “آدم” ؟
أومأ برأسه فوجد رأسه يتألم من مجرد تلك الإيماءه البسيطة .. قالت أمه بحنان :
– طيب نام أنا حطالك فرخة على النار أول ما تخلص هجبلك تاكل
نظر “آدم” اليها ثم أغمض عينيه وراح فى سبات عميق من فرط التعب .. رن هاتفه مرة أخرى فنظرت والدته الى الهاتف الملقى بجواره على الأرض .. نظرت لتجد اسم “آيات” .. نظرت الى “آدم” النائم .. ثم .. توجهت الى الخارج ببطء .. دفعها الفضول لتعرف من تلك الـ “آيات” التى تتصل بإبنها فى الحاح .. ردت قائله بتوجس :
– أيوة
شعرت “آيات” بالدهشة عندما استمعت لصوت امرأة .. فقالت :
– ألو .. مين معايا
قالت والدة “آدم” :
– أنا مامة “آدم” انتى مين ؟
ابتسمت “آيات” قائله بحماس :
– ازى حضرتك يا طنط .. أنا “آيات” .. خطيبته
وقع الخبر على رأس والدته كالصاعقة .. فرددت :
– خطيبته !
فقالت “آيات” :
– أيوة يا طنط .. معلش سامحيني أنا عرفت فى الخطوبة ان حضرتك كنتى مسافرة وتعبانه .. معلش كان لازم أكلمك بس أنا طلبت كتير الرقم من “آدم” وهو كان بيقولى ان الظروف مش سامحه انى أكلم حضرتك
صمتت والدة “آدم” وقد تساقطت العبرات فوق عينيها وهى تقطب جبينها فى حزن وألم .. فقالت “آيات” :
– طنط حضرتك معايا
قالت والدة “آدم” :
– أيوة
قالت “آيات” بقلق :
– هو “آدم” موجود أنا بكلمه من الصبح مبيردش
قالت أمه ببرود :
– تعبان شوية
قالت “آيات” بجزع :
– تعبان ازاى يا طنط .. ماله “آدم”
قالت أمه :
– عنده برد وسخن أوى والدكتور كان لسه عنده من شوية
قالت “آيات” وهى تشعر بالحزن والألم :
– طيب يا طنط اديني العنوان
صمتت أمه قليلاً .. ثم ألقت نظرة على ابنها وهى تتسائل فى نفسها .. ماذا تفعل من خلف ظهرى يا “آدم” ؟ .. بالتأكيد تلك الخطوبة ليست طبيعية والا لكنت أخبرتنى بأمرها ؟ .. اذا كنت تلعب فسأفسدك لعبتك يا بنى .. قالت والدته بجزم :
– خدى العنوان يا بنتى ……….
أسرعت “آيات” بإرتداء ملابسها فى عجالة وانطلقت بسيارتها الى العنوان الذى أخذته من والدته .. شعرت “آيات” بالدهشة وهى تدخل تلك المنطقة الشعبية البسيطة .. أوقفت سيارتها أمام البيت بعدما تعبت وعانت فى ايجاد العنوان .. رأت سيارة “آدم” فعلمت أنها فى المكان الصحيح .. صعدت الطبقات الى أن وصلت الى البيت .. فتحت لها والدته فنظرت اليها “آيات” تحاول تخمين أتلك المرأة أمه أم لا .. نظرت اليها أمه تحاول استكشاف تلك الخطيبة التى أخفاها ابنها عنها .. ابتسمت “آيات” قائله بخجل :
– أنا “آيات” خطيبة “آدم” .. حضرتك مامته ؟
أومأت أمه برأسها وأفسحت لها للدخول .. شعرت “آيات” بالإرتباك بسبب تلك المعاملة الباردة التى تلقتها من والدته .. قالت والدته وهى تقوم بواجب الضيافه :
– اتفضلى يا بنتى .. تشربي ايه
قالت “آيات” :
– شكراً يا طنط مش عايزه أتعب حضرتك .. أنا بس عايزة أطمن على “آدم”
أشارت والدته الى غرفته وتقدمتها .. دخلت “آيات” لتجد “آدم” يتوسط الفراش وقطعة قماش مبللة بالماء فوق رأسه .. حبات العرق تنبت على وجهه .. اغرورقت عيناها بالعبرات واقتربت منه تتحسس وجهه ثم قالت بقلق :
– ده سخن أوى
قالت أمه بهدوء :
– شوية وهيبقى كويس الدكتور كتبله على علاج وقال على بالليل هيكون كويس
جلست “آيات” بجواره وهى تشعر بالحزن من أجله .. تأملتها والدته جيداً .. تأملت هذا الحزن على وجهها وتلك العبرات فى عينيها ..نادت عليه كثيراً فلم يستيقظ .. فالتفتت “آيات” لوالدته قائله بقلق :
– أجبله دكتور تانى ؟ .. أو ناخده مستشفى ؟
قالت والدته :
– يا بنتى ما تقلقيش .. حرارته هتنزل كمان شوية
قالت “آيات” بقلق :
– طيب
أزالة عن جبينه قطعة القماش التى سخنت من فرط حرارته المرتفعه وغمستها فى الماء البارد فق الكمودينو ثم عادت لوضعها على جبينه مرة أخرى .. قالت والدته :
– هروح أشوف الأكل الى على النار
قالت “آيات” وهى تنظر اليها :
– ماشى يا طنط ومتقلقيش أنا هعمله الكمادات
توجهت والدته الى المطبخ .. وظلت “آيات” بجواره وهى تنظر اليه بألم .. وتناديه بين الحين و الآخر .. تذكرت “آيات” استقبال والدته لها .. وشعرت بالقلق من تلك المعاملة الباردة .. خرجت “آيات” من الغرفة تنظر يميناً ويساراً لتتلمس طريقها الى المطبخ . .سمعت صوتاً فتوجهت نحوهه .. التفتت والدة “آدم” لتجد “آيات” واقفة على باب المطبخ وهى تبتسم بإرتباك .. قالت “آيات” :
– تحبي أساعدك يا طنط
قالت والدة “آيات” وهى تنظر الى ملابسها :
– لا شكراً هدومك هتتوسخ
ابتسمت “آيات” وتوجهت الى مريلة المطبخ القديمة المعلقة على الباب وارتدتها قائله بمرح :
– كده مش هتتوسخ
نظرت اليها وادته وكأنها تحاول استكشافها .. اقتربت “آيات” ووقفت لا تدرى ما تفعل فقالت والدته :
– لو بتعرفى تقشرى البصل قشريه
ابتسمت “آيات” بخجل وقالت :
– بصراحة أول مرة هقشر بصل
ثم قالت بحماس :
– بس لازم أتعلم عشان ان شاء الله لما نتجوز أنا و “آدم” أطبخله بنفسي
عملت المرأتان معاً فى المطبخ .. كانت والدة “آدم” تحاول معرفة معلومات عنها وعن علاقتها بابنها .. علمت بأنها احدى طالباته .. وبأن كتب كتابهما نهاية الأسبوع .. شعرت بالألم يحرق قلبها .. وقالت فى نفسها لماذا يا “آدم” .. ماذا تحرمنى من أن أفرح بك وبزواجك .. اغرورت عيناها بالعبرات فقالت “آيات” بقلق :
– انتى كويسة يا طنط
قالت والدة “آدم” بهدوء :
– أيوة يا بنتى .. متشغليش بالك
سمع كلاهما صوت “آدم” ينادى والدته .. فقفزت “آيات” وتوجهت الى غرفة “آدم” ..التفت “آدم” ليشعر بالصدمة من رؤيتها أمامه .. قال بدهشة كبيرة وبصوت مبحوح :
– “آيات” .. انتى بتعملى ايه هنا ؟
قالت “آيات” وهى تقترب منه :
– اتصلت بيك وطنط ادتنى العنوان .. انت كويس يا حبيبى .. خضتنى عليك أوى
ظل عقل “آدم” يعمل بسرعة .. خشى أن تفسد خطته .. نظر اليها ليتبين رد فعلها بعدما رأت مكان عيشه .. لم يجد على وجهها سوى القلق من أجله .. دخلت والدته الغرفة وهى تنظر اليه نظرات نارية .. يعرف سببها جيداً .. أخذت “آيات” من يد والدته الصينية الموضوع عليها الطعام وقالت لـ “آدم” بحنان :
– اعد كويس عشان أحطلك الأكل
جلس “آدم” بصعوبة فوضعت الصينية فوق قدميه .. رمقته بحنان وهى تبتسم له .. خرجت والدته من الغرفة وهى ترمقه بنظرة عتاب لم يتحملها فأشاح بوجهه عنها .. جلست “آيات” بجواره وقالت بحنان :
– أأكلك أنا يا “آدم” ؟
هز رأسه نفياً .. وما كاد يمسك بالمعلقه حتى ارتعشت قليلاً فى يده وبدا خائر القوى .. امسكت “آيات” الملعقة وبدأت فى اطعامه كالطفل الصغير .. نظر اليها “آدم” بعينين نصف مفتوحتين يتأملها وهى تطعمه .. ابتسمت له تلك الابتسامه العذبه التى اعتادتها عيناه وألفتها .. كان يتمنى أن يبتسم لها ..لكن رغماً عنه لم يستطع .. لم يستطع خداعها بتلك البسمة .. التى ستعطيها المزيد من الشعور بالأمان .. وبالأمل .. شعر بإنقباض فى قلبه .. قالت “آيات” بحنان :
– كنت خايفة عليك أوى
أشاح بوجهه عنها وحاول أن يصم آذانه عن كلماتها وعن مشاعرها التى تغمره بها أزاح الصنية الموضوعه على قدمه وقال بعبوس :
– “آيات” روحى أنا بقيت كويس
قالت “آيات” بإستنكار :
– “آدم” انت ماكلتش حاجة .. وكمان أنا مش همشى غير لما أطمن عليك
شعر “آدم” بالنوم يداعب خفونه وبالإرهاق يشل حركته .. أغمض عينيه واستسلم له .. رمقته “آيات” فى حنان وحملت الصنية وتوجهت خارج الغرفة وأغلقتها بهدوء .. نظرت الى والدته التى تعد الطعام على السفرة قائله بحزن :
– مكلش كويس .. ونام
قالت أمه :
– لما يصحى هخليه يكمل أكله
أخذت منها الصينية وقالت لها :
– يلا يا بنتى عشان ناكل سوا
ابتسمت “آيات” وهى تقول بمرح :
– ماشى يا طنط .. تسلم ايدك
بعد عدة ساعات أفاق “آدم” على ضحكات بالخارج .. قام من فوره وهو يتذكر “آيات” وهى تطعمه.. أخذ يسأل نفسه أكان هذا حلماً أم واقعاً .. خرج ليجد “آيات” جالسه مع والدته أمام التلفاز .. نهض “آيات” قائله بسعادة :
– “آدم” الحمد لله
أدار “آدم” نظراته بينهما وظل صامتاً .. ثم فجأة نظر الى الساعة التى تجاوزت العاشرة بقليل وقال لـ “آيات” :
– انتى بتعملى ايه هنا لحد دلوقتى ؟
قالت “آيات” بحنان :
– محبتش أمشى قبل ما أطمن عليك
قال “آدم” وهو يشعر ببعض آثار التعب :
– “آيات” الوقت اتأخر .. يلا عشان تروحى
ابتسمت له قائلاً :
– حاضر .. بس لو سمحت ارجع أوضتك تانى وما تقومش من السرير غير عشان تصلى وبس
رمقته أمه بنظرات ساخرة .. فأبعد عينيه عن عينيها بسرعة وقال بنفاذ صبر :
– يلا يا “آيات”
دفعته “آيات” حتى عاد الى فراشه مرة أخرى ودثرته بغطائه ثم قالت بحنان :
– بكرة ان شاء الله هاجى أزورك
قال بحده :
– لا .. هبقى أتصل بيكي فى التليفون
شعرت بالحزن .. وبالضيق .. لماذا لا يريدها أن تزوره فى بيته مرة أخرى .. سلمت على والدته ثم حملت حقيبتها وخرجت .. نظرت والدته اليه وهى تقول :
– أنا مش فاهمة انت بتعمل ايه بالظبط .. مش هقولك الا ربنا يهديك يا ابنى .. ربنا يهديك ويهديلك نفسك ويبعد عنك شيطانك
حاولت “آيات” كثيراً تشغيل محرك سيارتها دون جدوى .. زفرت بضيق وسعدت مرة أخرى .. فتحت والدة “آدم” فقالت لها “آيات” فى حرج :
– معلش يا طنط .. متعرفيش ميكانيكي قريب من هنا العربية مش عايزه تدور
قالت والدة “آدم” :
– لا يا بنتى والله معرفش
قالت “آيات” مبتسمه :
– خلاص مفيش مشكلة أنا هاخد تاكسى وهسيبها هنا وهبقى أبعت حد ياخدها .. آسفه يا طنط على الازعاج
أغلقت والدة “آدم” الباب فخرج “آدم” من غرفته وهى يسير بصعوبة قائلاً :
– فى ايه يا ماما
قالت له :
– خطيبتك عربيتها عطلت وكانت بتسأل على ميكانيكى قولتلها معرفش
صمت “آدم” قليلاً ثم قال فجأة :
– ماما لو سمحتى نادى “آيات” بسرعة
فتحت والدته الباب ونادتها قبل أن تخرج من البوابة :
– “آيات”
نظرت “آيات” الى الأعلى وهتفت :
– أيوة يا طنط
قالت والدته :
– تعالى يا بنتى
صعدت “آيات” مرة أخرى فقال لها :
– “آدم” عايزك
ما كادت “آيات” تتوجه الى غرفته حتى خرج لها ووقف أمامها .. صمت للحظات ثم مد يده اليها بمفتاح سيارته قائلاً :
– خدى عربيتي يا “آيات”
نظرت “آيات” الى المفتاح ثم اليه وقالت مبتسمه :
– خلاص يا “آدم” أنا هاخد تاكسى مفيش مشكلة
نظر اليها بحزم قائلاً :
– مينفعش تركبى تاكسى لوحدك بالليل كده
خفق قلب “آيات” وهى تنظر اليه .. شعرت بالسعادة تغمر قلبها وهى تستشعر لأول مرة قلقه عليها .. قالت وهى لا تستطيع ابعاد عينها عن عينينه :
– خايف عليا ؟
خفق قلبه .. لأول مرة منذ زمن يشعر بأن داخل صدره قلب ينبض .. لكنه تمالك نفسه وقال بهدوء :
– يلا عشان متتأخريش
ابتسمت له وأخذت المفتاح وخرجت .. توجه الى شباك غرفته وفتحه وتابعها بعينيه حتى ركبت السيارة وانطلقت بها .. عاد الى فراشه يحاول النوم .. لكن النوم جفاه .. لم يستطع أن يغمض عيناه الا بعدما اتصلت به “آيات” لتخبره بأنها وصلت الى بيتها بسلام .

 

error: