رواية “جواد بلا فارس”

الحلقة ( 20 )

جلس “آدم” على أحد المقاعد فى المستشفى .. منهاراً .. تتساقط الدموع من عينيه فى غزارة .. يرمقه المارة من العاملين بالمستشفى بنظرات الشفقة .. دخل “زياد” المستشفى ليبحث عنه .. لم يحتاج الى البحث كثيراً .. وجده فوق أحد المقاعد .. ملابسه رثة أصابها الحروق والتمزيق .. يجلس كما لو كان جثة بلا روح .. اقترب “زياد” منه وجلس بجواره وهو يشعر بالأسى تجاه صديقه المكلوم .. ربت على كتفه قائلاً :
– انت كويس يا “آدم”
لم يجيبه “آدم” بل أغمض عينيه بشدة لتتساقط العبرات منهما أكثر .. ثم ما لبث أن انفجر فى بكاء مرير .. حاول التحكم فى نفسه فلم يستطع .. تألم “زياد” لمرآى حال صديقه وقال :
– ادعيلها ان ربنا يرحمها ويغفرلها
قال “آدم” بصوت منهار وهو يحاول السيطرة على نفسه دون جدوى :
– ماتت محروقة يا “زياد” .. اتفحمت .. أنا اللى المفروض أتحرق مش هى يا “زياد”
توقفت شهقات بكاءه للحظات ثم قال بصوته الباكى الذى يمزق طيات القلب :
– كانت طيبة جداً .. مبتأذيش حد وفى حالها .. أنا اللى مؤذى يا “زياد” أنا اللى مؤذى أذتها وأذيت أبوها وأذيت أمى وأذيت نفسي
ثم قال :
– مش قادر أتخيل ان خلاص كده معدش هيبقى فى حياتى “آيات”
عاود بكاؤه مرة أخرى وهو يقول :
– مش عايزها تموت أنا محتاجلها جمبي .. بس للأسف اتأخرت عليها .. ياريتنى كنت جيتلها من بدرى .. ياريتنى مكنت سبتها وسافرت .. كان زمانها معايا دلوقتى
ربت “زياد” كتف صديقه فى اشفاق وهو يقول :
– خلاص يا “آدم” اهدى مش هيفيد الكلام ده
مسح “آدم” بكفيه العبرات التى تغرق وجهه .. فسأله “زياد” :
– انت اللى هتستلمها
قال “آد” بألم :
– هستلمها هى والدادة بتاعتها
قال “زياد” :
– هى الدادة ملهاش أهل يستلموها ؟
قال “آدم” وهو ينظر الى “زياد” بعينيه الحمراوين :
– محدش جه لحد دلوقتى .. وأنا مش هسيبها فى المشرحة لازم تدفن
تساقطت العبرات مرة أخرى من عينيه وهو يقول :
– لإن “آيات” كانت بتحبها
سأله زياد :
– هتستلمهم امتى؟
تمتم “آدم” :
– بكرة
ران الصمت لفترة ثم قال “زياد” :
– طيب قوم معايا يلا
قال “آدم” لحزم :
– لا هفضل هنا
هتف “زياد” :
– قوم يا “آدم” روح مش هيسلموك الجثتين غير بكرة
قال “آدم” بعناد وهو لا يريد مغادرة المستشفى :
– قولتلك هفضل هنا
تنهد “زياد” وظل بجوار صديقه .. لم يرد الضغط عليه أكثر

*********************************

نزلت الفتاتان من الأتوبيس .. قالت “أسماء” بألم :
– رجلى مش حسه بيها خالص
قالت “آيات” وهى تحمل طعام “حليمة” فى يدها :
– وأنا كمان خلاص مش قادرة
قالت “أسماء” بحنق :
– ما انتى اللى أصريتي اننا نشترى جرنال النهاردة ونلف كمان على عناوين المكاتب اللى طالبين موظفين
قالت “آيات” وهى تسير بصعوبة لألم قدميها :
– أعمل ايه قولت يمكن نلاقى حاجة .. ما العناوين اللى خدناها من جرنال امبارح وأول زى ما شوفتى يا اما حد سبقنا يا اما طلبين شهادات خبرة
قالت “أسماء” وهى تزفر بضيق :
– هنعمل ايه دلوقتى
قالت “آيات” بشرود :
– فى مكتبة فى الشارع اللى ساكنين فيه شوفتهم النهاردة واحنا معديين من أدامهم معلقين يافته طالبين واحدة تشتغل فى المكتبة
قالت “أسماء” بسخرية :
– حلو أوى بصراحة .. شغلانه هايله .. ويا ترى هيدوكى كام بأه
زفرت “آيات” بضيق وهى تقول :
– يدونى زى ما يدونى بأه أهو أحسن من مفيش لحد ما نشوف شغل تانى
قالت “آيات” فجأة :
– ايه ريحة الدخان دى
قالت “أسماء” بإستغراب :
– مش عارفه
التف للدخول الى الشارع الذى تقطن فيه “حليمة” .. صرخت “أسماء” وهى تجذب “آيات” من ذراعها :
– “آيات”
نظرت “آيات” الى ما تنظر اليه “أسماء” فهالها ما رأت .. شهقت بقوة وسقط الطعام من يدها وهى تحث الخطى فى اتجاه المبنى المنهار .. نظرت الفتاتان الى الركام بهلع وانفجرتا فى البكاء .. قالت احدى السيدات للفتاتين :
– لا حول ولا قوة الا بالله انتوا كان ليكوا حد ساكن هنا ؟
التفتت اليها “آيات” تصرخ قائله :
– دادة “حليمة” .. فين دادة “حليمة”
قالت المرأة وهى تنظر اليهما بعطف :
– البقاء لله يا بنتى كل اللى كانوا فى المبنى ماتوا الله يرحمهم
انفجرت “آيات” فى البكاء ولم تستطع قدماها حملها فجلست فى مكانها تبكى بشدة .. وقفت “أسماء” تنظر الى الركام باكية واضعة كفها على فمها وكفها الأخر على كتف “آيات” .. قالت المرأة فى أسى :
– لا حول ولا قوة الا بالله
التف حوهما امرأتين أخرتين وقالت احداهما :
– مالها .. كان ليها حد فى العمارة ؟
قالت أخرى :
– أيوة اظاهر كده
ربتت احداهن على كتف “آيات” النهارة وقالت :
– اهدى يا بنتى مش كده .. لا حول ولا قوة الا بالله .. قومى معايا يا بنتى
حاولت “أسماء” الباكية مساعدة “آيات” على الوقوف بمساعدة احدى النساء وأدخلتهما الى منزلها ..أحضرت لهن كوبين من الماء الممزوج بالسكر لتهدئ من روعهما فقد كانت “آيات” تبكى وتنتحب بشدة حتى كادت أن تفقد وعيها .. جلست المرأة بجوارها على الأريكة وهى تقول بحنان :
– كانت تقربلك ايه اللى بتقولى عليها “حليمة” دى
لم تتوقف “آيات” عن البكاء ولم تستطع الكلام فقالت “أسماء” وسط بكائها :
– كانت الدادة بتاعتها وكنا عايشين معاها فى شقتها
قالت المرأة بإستغراب :
– عايشين معاها .. أمال انتوا كنتوا فين
قالت “أسماء” :
– كنا بره من الصبح بندور على شغل ولسه راجعين دلوقتى
نظرت اليهما المرأة بحنان قائله :
– شوفوا رحمة ربنا كبيرة ازاى أنقذكوا من اللى حصل ده
هتفت “آيات” بصوت باكى :
– هى فين ..
قالت المرأة :
– خدوا الجثث كلها ودوهم مشرحة المستشفى
أغمضت “آيات” عينيها بألم وقالت :
– مستشفى ايه ؟
قالت المرأة :
– والله يا بنتى معرف .. بس ابنى أكيد عارف لانه كان معاهم هناك راح مع واحدة كانت بردة يا عيني بتعيط على ابنها اللى كان ساكن فى العمارة
ثم قالت :
– خليكوا أعدين ولما ييجى ابنى من بره هعرفلكوا منه المستشفى دى فين
قامت المرأة الطيبة ودخلت مطبخها المتواضع لتحضر بعض الطعام للفتاتين .. بعد ما يقرب من ساعة حضر ابن المرأة .. وسألته أمه عن االمستشفى التى أخذوا الجثث اليها .. قال الشاب :
– آه أنا كنت هناك بعد اللى حصل .. بكرة الصبح ان شاء الله هخدكوا هناك .. لما مشيت كان فى جثتين مكنش حد لسه اتعرف عليهم
قالت “آيات” بصوت مبحوح من كثرة البكاء :
– شكلهم ايه الجثتين دول
قال الشاب :
– لا والله مشوفتهمش
قالت أمه لـ “آيات” بطيبة :
– خليكوا بايتين هنا وبكرة الصبح ان شاء الله ابنى ياخدكوا المستشفى
كان التعب قد أخذ من الفتاتين مبلغه فساقتهم المرأة الى احدى الغرف وقالت :
– دى أوضة بناتى هما دلوقتى متجوزين والأوضة فاضية من ساعة ما مشيوا بس متقلقوش أنا بنضفها على طول .. يلا يا حبيبتى ارتاحوا وبكرة ابنى ان شاء الله يوصلكوا للمستشفى
التفتت “أسماء” الى المرأة قائله بوهن :
– شكراً
أغلقت المرأة الباب فنظرت الفتاتان الى بعضهم بريبة وقالت “أسماء” بصوت خافت :
– أنا خايفة
قالت بصوت باكى “آيات” وهى تمسح عبراتها :
– شكلها طيبة
قالت “أسماء” بقلق :
– أنا معدتش بثق فى حد
قالت “آيات” وهى تعاود البكاء :
– طيب لو مشينا هنروح فين .. احنا مكناش واخدين معانا فلوس كتير واتصرفت فى المواصلات والأكل .. يعني حتى ممعناش فلوس نأجر أوضة فى فندق
قالت “أسماء” وهى تضع أحد المقاعد خلف الباب .. لتشل حركة مقبضة فتمنع فتحه :
– ربنا يستر بأه
تمددت الفتاتان على الفراش وقد راحتا فى سبات عميق على الفور من شدة الإجهاد والتعب

**********************************
أشرق فجر اليوم الجديد .. تثائب “زياد” وهو يريح ظهره الى الخلف .. التفت اليه “آدم” قائلاً بصوته المجهد :
– قوم يا ابنى روح
قال “زياد” :
– أروح ازاى يعني يا “آدم” .. هفضل معاك طبعاً .. من ساعة ما اتصلت بيك أطمن على الأخبار وقولتلى على اللى حصل وأنا هموت من خوفى عليك وركبت العربية وطرت على القاهرة
قال له “آدم” بإمتنان :
– تسلم يا “زياد”
التفت اليه “زياد” قائلاً :
– ربنا يصبرك يا “آدم”
ترقرقت العبرات فى عيني “آدم” .. أقبل عليهما عامل المشرحة وهو يقول :
– تعالى يا ابنى خلاص المسؤل جه وهيسلمكوا الجثث
ظهرت تعبيرات الألم على وجه “آدم” عندما قال الرجل “جثث” .. أهذا ما أصبحت عليه حبيبته ؟! .. جثه هامده فارقتها الحياة ؟! .. حملا الجثتين الى احدى عربات الإسعاف وتوجها بهما الى حيث تم تغسيلهما ثم الى أحد المساجد للصلاة عليهما ثم توجها بهما الى … المقابــر

ساق الشاب الفتاتان الى مكان المستشفى .. دخلت “آيات” الباكية .. قالت “أسماء” وهى تنظر حولها برعب :
– هو احنا لازم نشوفها
التفت اليها الشاب قائلاً :
– أيوة عشان تتعرفوا عليها وتستلموها
أجهشت “آيات” فى البكاء وهى تقول :
– مش هقدر أشوفها
تقدم أحد عمال المشرحة قائلاً :
– أيوة
قال له الشاب :
– البنتين دول ليهم واحدة قريبتهم كانت ساكنه فى العمارة اللى وقعت امبارح فى الزلزال اللى حصل فيها الحريقة .. وجايين عشان يتعرفوا عليها ويستلموها
قال عامل المشرحة بحيرة :
– بس الجثث بتاعة عمارة اللى وقعت فى الزلزال اتسلمت كلها
توقفت “آيات” عن البكاء وقد دب الأمل فى قلبها فى أن “حليمة” على قيد الحياة .. تبادلت نظرة دهشة مع “أسماء” ثم التفتت الى الرجل تقول له فى لهفة :
– حضرتك متأكد
قال الرجل :
– أيوة يا بنتى متأكد
سألت “أسماء” الرجل قائله :
– الست اللى بندور عليها اسمها “حليمة …….”
توجه الرجل الى مكتب صغير وأخرج أحد الكشوفات .. ثم علت وجهة سحابة حزن وقال :
– ربنا يرحمها يا بنتى .. ماتت وفى ناس استلموها من شوية
أجهشت “آيات” فى البكاء مرة أخرى عندما تأكدت من موت “حليمة” .. ساعدتها “أسماء” على الجلوس فوق أحد المقاعد .. التفتت “أسماء” الى الرجل قائله :
– حضرتك متأكد ؟
قال الرجل :
– أيوة طبعاً يا بنتى متأكد
فى تلك اللحظة ناداه أحد الأطباء فذهب مسرعاً اليه .. جلست “أسماء” بجوار “آيات” الباكية وقالت :
– خلاص يا “آيات” .. اهدى
قالت “آيات” وهى لاتزال تبكى :
– أنا حسه ان قلبي موجوع أوى يا “اسماء” .. انا كنت بحبها أوى .. دى هى الشخص الوحيد اللى اتبقالى فى الدنيا دى .. ربنا يرحمها مش قادرة أتحمل فراقها حسه انى هموت يا “أسماء”
عانقتها “أسماء” وهى تنظر حولها بضيق وقالت :
– طيب تعالى نمشى من هنا أنا قلبي اتقبض
نهضت الفتاتان معاً وقال لهما الشاب :
– تحبوا أوصلكوا لمكان ؟
التفتت اليه “أسماء” قائله :
– لا شكراً .. وأسفين اننا تعبناك معانا
قال الشاب :
– لا أبداً متقولوش كده .. ربنا يصبركوا

**************************************
وقف “آدم” أمام القبر الذى دفن فيه الجثة التى ظن أنها لـ “آيات” .. يرفع كفيه الى السماء ويدعو لها بالرحمة والمغفرة .. أنفجر فى البكاء وهو يردم فوقها التراب .. كان يشعر وكأن قلبه يشطر ويتفتت اللى فتات صغيرة .. يحمل كل جزء منها مرارة الفقد .. جلس أمام قبرها لا يريد الرحيل .. ربت “زياد” على كتفه قائلاً :
– يلا يا “أدم” قوم روح وغير هدومك وارتاح شوية
كانت ثيابه فى حالة رثة للغاية .. لكنه لم يعبأ بذلك .. ظلت عيناه معلقة بالقبر .. حثه “زياد” قائلاً :
– يلا يا “آدم”
قال “آدم” بحزم دون أن يلتفت اليه :
– روح انت أنا هستنى هنا
قال له “زياد” بعناد :
– مش همشى من غيرك .. طيب روح بيت مامتك غير هدومك وارتاح شوية وتعالى هنا تانى
تساقطت العبرات من عينه الثكلى وهو يقول :
– مش قادر أقوم .. مش قادر أسيبها .. دى أول ليلة هتقضيها فى القبر .. لوحدها
ارتجف جسدة فجأة لشدة بكاءه وهو يقول :
– خايف عليها أوى .. خايف أوى
قال “زياد” وهو يتألم لألم صديقه :
– ان شاء الله ربنا يرحمها ويتجاوز عن سيئاتها
قال “آدم” بحسرة وشعور بالندم يمزقه :
– كان فى حاجات كتير فى حياتها غلط .. يارتنى نصحتها .. يارتنى شلت من دماغى فكرة انى أرجع حقى وكنت كملت معاها .. كنت هغير فيها حاجات كتير .. هى كان عندها استعداد تتغير وتبقى أحسن .. كانت بتحبنى وكانت بتسمع كلامى .. كنت أقدر أحميها من ذنوب كتير بتعملها .. بس أنا ضيعتها .. ضيعتها من ايدي وضيعتها دلوقتى .. يارتنى نصحتها .. يارتنى مسبتهاش .. يارتنى ما سافرت
تنهد بعمق وهو يكمل بألم :
– ياريت “بوسى” مكانت راحتلها .. كان زمانا مع بعض دلوقتى .. أنا مكنتش ناوى أسيبها .. يوم كتب الكتاب فعلاً مكنتش ناوى أسيبها
ثم قال بمرارة :
– لكن فايدته ايه الكلام ده دلوقتى .. لا هيرجعهالى ولا هيخلينى أسامح نفسى على اللى عملته فيها وفى نفسي
ارتعش صوته وهو بقول :
– آخر مرة كلمتها فى التليفون كانت بعيط .. كان فى حاجة تعباها ومردتش تقولهالى .. كان نفسي أكون جمبها وأخفف عنها .. كان نفسي أشوفها وأقولها سامحينى يا أحن وأرق وأطيب قلب عرفته .. كان نفسي تاخدنى فى حضنها وتاخد بإيدى وتساعدنى انى أتغير وأبقى انسان تانى .. كان نفسي نساعد بعض ونعين بعض واللى فيه نقص التانى يكمله
تنهد بحسرة وهو يشعر بالنيران تتصاعد من داخله مع كل شهيق وزفير .. قام “زياد” وترك صديقه يتجرع أحزانه ويفرغ ما بداخله لعله ذلك يخفف عنه ما هو فيه

***************************************
جلست الفتاتان فى شرود فى احدى الحدائق العامة .. تنهدت “أسماء” قائله :
– أنا جعت
نظرت اليها “آيات” وقالت :
– انتى معاكى كام
نظرت “أسماء” الى حقيبتها ثم قالت فى تبرم :
– معايا 12 جنيه .. وانتى ؟
نظرت “آيات” فى حقيبتها تضع الجنية فوق الجنية وقالت :
– معايا 17 جنية
زفرت “أسماء” بضيق شديد وهى تقول :
– يعني معانا 29 جنية .. أصلاً مش هيكفونا يوم واحد .. ده غير ان مفيش حته نبات فيها
نظرت “أسماء” الى “آيات” وهى تقول فى لوعه :
– هنبات فى الشارع يا “آيات” .. ولا هنعمل ايه دلوقتى
تنهدت “آيات” فى حسرة ولم تجيب .. قالت “أسماء” بحزم :
– مفيش قدامنا الا “عاصى” ابن عمك .. هو اللى هينقذنا من الورطة اللى احنا فيها دى
التفتت اليها “آيات” بحدة قد عقدت ما بين حاجبيها لتقول فى عناد :
– لأ .. مش هروح لـ “عاصى”
هتفت “أسماء” بغضب :
– والله ؟ .. طيب وهنعمل ايه حضرتك .. هنبات فى الشارع ؟
قالت “آيات” بحزم وهى تشرد بتفكيرها :
– لأ مش هنبات فى الشارع
قالت لها “أسماء” بإستنكار :
– أمال هنعمل ايه فهميني
ازدرأت “آيات” ريقها بصعوبة وهى تقول :
– مفيش أدامنا غير … “أحمد”
نظرت اليها “أسماء” بدهشة لبرهه ثم ما لبثت أن قالت :
– “أحمد” مين ؟ّ .. تقصدى “أحمد فؤاد” ؟
أومأت “آيات” برأسها ايجاباً فقالت “آيات” :
– فى آخر يوم امتحاناتنا ادانى أرقامه وقالى لو احتجته أكلمه
قالت “أسماء” بلهفة :
– أيوة صح “أحمد” بيحبك وأكيد هيساعدنا
قالت “آيات” بحزم :
– أنا مش هطلب منه مساعدة عشان هو بيحبنى .. أنا هطلب منه مساعدة لان مفيش أدامى غيره .. والمساعدة دى هتكون بدون أى مقابل
قالت لها “أسماء” بتبرم :
– يا ستى اعملى اللى انتى عايزاه المهم نخلص من الورطة دى
قالت “آيات” بضيق :
– بس للأسف أنا محتفظتش بأرقامه
ابتسمت “أسماء” وقالت وهى تخرج هاتفها من حقيبتها :
– متقلقيش أنا معايا رقمه
نظرت اليها “آيات” بدهشة وهى تقول :
– جبتيه منين ؟
قالت “أسماء” وهى منهمكة فى ايجاد رقمه على هاتفها :
– أيام خطوبتك واللى حصل فيها خد رقمى القديم وكان بيكلمنى عشان يطمن عليكي
قالت “آيات” بغيظ :
– ما قولتليش يعنى الموضوع ده وبعني يطمن عليا بصفته ايه يعني
قالت “أسماء” بفرح :
– أهو رقمه أهو .. يلا كلميه بس متطوليش عشان مش معايا الا كام دقيقه لو خلصوا مش هنعرف نشحن تانى
أخذت منها “آيات” الهاتف فى تردد .. كانت متوترة للغاية .. جزء منها لا يريد الإتصال به .. وجزء آخر يقول ليس لكِ ملجأ سواه .. إما هو أو “عاصى” .. عزمت أمرها واتصلت به وقلبها يخفق بقوة .. سمعت صوت الرنين ثم :
– ألو
صمتت “آيات” قليلاً ثم قالت :
– ألو .. أنا “آيات” يا “أحمد”
ران الصمت بينهما ثم هتف بسعادة وهو لا يصدق نفسه :
– “آيات” .. مش ممكن .. وحشتيني .. ازيك عاملة ايه
قالت “آيات” بتوتر وهى تنظر الى “أسماء” التى أشارت اليها تحثها على مواصلة الحديث :
– الحمد لله .. “أحمد” فى مشكلة أنا واقعة فيها .. وكنت محتاجه منك مساعدة لو كان ينفع يعني
قال “أحمد” بلهفة :
– طبعاً أنا تحت أمرك بس مش هينفع على الفون .. تعالى نشوف بعض ونتكلم براحتنا
قالت “آيات” بصعوبة :
– أنا مع “أسماء” فى حديقة الأزهر
قال “أحمد” على الفور :
– طيب أنا هنزل دلوقتى من الشركة ونص ساعة بالكتير وهكون عندك
أنهت “آيات” المحادثة وهى لا تدرى إن كانت تصرفت بطريقة صحيحة أم لا .. قامت وتوجهت الى المسجد القريب مع “أسماء” لأداء فريضة المغرب

*********************************
أوقف “أحمد” سيارته وأخذ يبحث بناظريه عن “آيات” الى أن وجدها .. ابتسم بسعادة وأقبل نحوها قائلاً بلهفه :
– ازيك يا “آيات”
قامت “آيات” لتقف فى مواجهته .. مد يده ليسلم عليها .. أحاطت جسدها بذراعيها وهى تقول فى توتر :
– معلش يا “أحمد” مش هسلم بالإيد
ابتسم فى توتر ومد يده الى “أسماء” قائلاً :
– ازيك يا “أسماء”
سلمت عليه “أسماء” وقالت بوهن :
– الله يسلمك يا “أحمد”
نظر “أحمد” اليهما .. كان يبدو عليهما التعب بالإضافة الى ملابسهما الغير مهندمة .. نظر الى “آيات” فى اهتمام قائلاً :
– تعالوا نعد فى مكان ونتكلم براحتنا
همت “أسماء” بالموافقة لكن “آيات” قالت على الفور :
– لا مفيش داعى .. نتكلم هنا أحسن
وقف يستمع اليها فى انصات قائلاً :
– خير يا “آيات” اتكلمى
قالت “آيات” بعد فترة من التردد :
– بابا اتوفى من فترة وكان عليه ديون اضطريت أبيع كل حاجة عشان نسددها .. وكنت عايشة مع “أسماء” عند دادة “حبيمة” فى بيتها
انهمرت عبراتها وهى تقول فى ألم :
– الزلزال اللى حصل امبارح .. البيت وقع و .. ماتت
ارتجف جسدها لشدة بكائها
نظر اليها “أحمد” بألم وهو يقول برقة :
– الله يرحمها .. خلاص يا “آيات” اهدى
حاولت “آيات” التماسك وهى تقول :
– كل فلوسنا كانت فى البيت اللى وقع .. ومفيش مكان نروح فيه
صمتت لا تدرى ما تقول .. بل شعرت أنها لا تدرى ماذا تريد منه .. ماذا سيفعل لها .. لا تدرى أتطلب منه مالاً أم سكناً أم عملاً .. شعرت بالتوتر والحرج وندمت أنها اتصلت به .. قالت فجأة بإضطراب :
– أنا آسفة يا “أحمد” مش عارفه ليه اتصلت بيك .. أنا مش عارف
ثم نظرت اليه بعينها الدامعتين وهى تقول :
– بس أنا معرفش حد ممكن ألجأله .. وأنا …….
قاطعها “أحمد” مبتسماً وهو يقول :
– متشليش هم .. تعالوا معايا
قالت له “آيات” بقلق :
– نيجى فين ؟
قال “أحمد” وهو ينظر اليها بحنان :
– شكلك تعبانه .. احنا عندنا شقة فى مدينة نصر .. هروح بس الفيلا أجيب المفتاح وبعدين أوصلكوا على هناك
نظرت “آيات” الى “أسماء” ثم التفتت الى “أحمد” قائله بتوتر :
– مش عايزة أضايقك أو ……..
قاطعها مرة أخرى وهو يقول :
– مفيش داعى للكلام ده يا “آيات” .. يلا اتفضوا
انطلق “أحمد” بهما الى الفيلا .. أوقف سيارته ثم التفت اليهما قائلاً بإبتسامه مرحبه :
– تعالوا انزلوا هعرفكوا على ماما وبابا وأعرفهم عليكوا
قالت “آيات” بحرج :
– معلش يا “أحمد” مفيش داعى
قال دون أن يتضايق من رفضها :
– مفيش مشكلة .. استنونى هجيب المفتاح وآجى على طول
ترجل “أحمد” من سيارته .. التفتت “آيات” لتنظر الى “اسماء” قائله بندم :
– مكنش لازم أكلمه
قالت “أسماء” بدهشة :
– ليه ؟
قالت “آيات” وهى تشعر بضيق شديد :
– محرجة أوى منه .. يعنى هو ذنبه ايه عشان يشيل همنا
قالت “أسماء” وهى تريح ظهرها الى الخلف فى تعب :
– بصى أنا تعبانه ومش قادرة أناهد معاكى
نزل “أحمد” من غرفته فرأى أمه وأبيه خارجان من غرفة الطعام .. نظرت اليه أمه قائله :
– جيت امتى يا “أحمد”
قال “أحمد” وهو يلوح بالمفاتيح :
– جيت من شوية .. كنت عايز مفتاح شقة مدينة نصر
نظر اليه أمه بإستغراب قائله :
– لسه عايزها فى ايه
قال “أحمد” وهو متوجه الى باب الفيلا :
– فى اتنين صحابي هيباتوا فيها مؤقتاً
خرج “أحمد” فتوجهت والدته الى الشباب تنظر من الزجاج الى الفتاتان القابعتان فى سيارة ابنها .. ركب “أحمد” ثم انطلق بهما خارج أسوار الفيلا .. التفتت أمه الى أبيه قائله بحده :
– صحاب ابنك اللى هيباتوا فى الشقة بنتين مش ولدين
قال والده بإستغراب :
– وهو “أحمد” ليه هيبيتهم فى الشقة
قالت زوجته بحده :
– وأنا أعرف منين
ثم قالت :
– اتصل بيه شوف ايه الحكاية ومين البنتين دول
قال زوجها وهو متوجه الى مكتبه :
– لما يبقى يرجع هبقى أتكلم معاه
هتفت زوجته بحنق :
– ده ايه البرود ده .. بقولك ابنك معاه بنتين فى العربية وواخدهم وطالع بيهم على الشقة ويبقولك هيبيتهم فيها
التفت اليها قائلاً :
– أنا عارف ابنى كويس وعارف بتعامل معاه ازاى .. اطلعى انتى منها
تابعته بعينيها الى أن دخل مكتبه وهى تشعر بالغيظ

*********************************
فتح “أحمد” باب المنزل وأشار لهما بالدخول قائلاً :
– اتفضلوا
دخلت الفتاتان وهما تنظران الى ما حولهما .. أضاء “أحمد” النور .. كانت شقة فاخرة ذو أثاث راقى .. التفتت “آيات” تنظر اليه فإبتسم لها قائلاً :
– متخافوش محدش بييجي هنا .. وعامة ماما وبابا عارفين ان فى اتنين صحابي هيباتوا فى الشقة
ثم نظر الى المنزل قائلاً :
– معلش الشقة مقفوله من فترة عشان كده هتلاقوها متربه بس بكرة الصبح ان شاء الله هبعت واحدة تنضفها
قالت “آيات” بحرج :
– مفيش داعى
ابتسم “آحمد” وهو يقول لها بحنان :
– متشليش هم .. ماشى
أومأت “آيات” برأسها فى حرج .. فأخرج المفتاح من الباب وأعطاه لها قائلاً :
– خدى مفتاح الشقة يا “آيات” ولو حبيتي تغيري الكالون غيريه
ثم أشار الى الباب خلفه قائلاً :
– عامة الباب فيه ترباس من جوه
قالت له “أسماء” بإمتنان :
– بجد متشكرين أوى يا “أحمد” مش عارفين من غيرك كنا عملنا ايه
قال لها “أحمد” :
– أنا معملتش حاجة
ثم توجه الى الخارج وهو يقول :
– يلا أسيبكوا ترتاحوا .. تصبحوا على خير
نزل “أحمد” فالتفت “آيات” الى “أسماء” التى أخذت تنظر الى محتويات المنزل وهى تقول :
– ده طلع بيحبك أوى على فكرة
زفرت “آيات” بضيق وهى تقول :
– أنا خايفة يفهمنى غلط .. ويفتكر ان دى مقابل دى
نظرت اليها “أسماء” وهو يقول :
– لا يا شيخة معتقدش .. وبعدين انتى مطلبتيش منه حاجة هو اللى عرض اننا نستنى فى الشقة دى
قالت “آيات” وهى تفكر بحزن :
– وبعدين هنعمل ايه يا “أسماء” .. أكيد مش هنفضل هنا على طول ..لازم نشوف حل
قالت “أسماء” بضيق :
– والله أنا مش عارفه هى عماله تتقفل فى وشنا كده ليه .. كل ما أقول خلاص هتفرج ألاقيها اسودت أكتر
قالت “آيات” وعينيها تمتلئ بالعبرات :
– وحشتنى أوى
التفتت اليها “أسماء” تنظر اليها لتدمع عينيها هى الأخرى .. قالت “آيات” ودموعها تتساقط :
– ربنا يرحمها .. كان نفسى أعرف هى مدفونة فين
كفكفت دموعها ونظرت الى “أسماء” قائله :
– تفتكرى يا “أسماء” مين اللى استلمها ؟
قالت “أسماء” وهى تفكر :
– يمكن حد قريبها
ٌالت “آيات” بحيرة :
– بس هى ملهاش حد
مطت “أسماء” شفتيها وهى تقول :
– معرفش .. يمكن حد من جيرانها
ثم قالت فجأة وهى تضع يدها على بطنها وعلامات الألم على وجهها :
– أنا جعانه أوى
قالت “آيات” :
– وأنا كمان هموت من الجوع .. شوفت سوبر ماركت أدام البيت واحنا طلعين .. هنزل أجيب أى حاجة
قالت “أسماء” محذره :
– بس خلى بالك ممعناش غير 29 جنيه ومعرفش هنقدر نجيب فلوس تانى امتى
أومأت “آيات” برأسها وما كادت تلتفت لتتوجه الى باب البيت حتى سمعتا صوت الجرس .. نظرتا الى بعض فى ريبة .. ثم نظرت “آيات” من العين السحرية لتعرف من القادم .. فتحت الباب بعدما تعرفت على “أحمد” .. ابتسم لها قائلاً :
– خوفت تكونوا نمتوا
قالت له بحذر :
– لا لسه
وضع “أحمد” بعض الأكياس من يده بجوار الباب من الداخل وهو يقول :
– قولت بدل ما تنزلوا .. انتوا أكيد لسه مش عارفين حاجة فى المنطقة هنا .. وكمان التلاجة فاضية للأسف .. لان الشقة دى مقفوله على طول
شعرت “آيات” بالحرج الشديد وقالت :
– مفيش داعى يا “أحمد”
قال لها وهو ينظر اليها بحنان :
– أنا معملتش حاجة .. يلا تصبحوا على خير .. ولو احتجتى حاجة كلمينى وأنا أجيلك على طول
أغلق الباب بيده .. نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض ثم ابتسمت “أسماء” قائله بخبث :
– ده الحب ولع فى الدرة على الآخر

*********************************

خرج “آدم” من الحمام بشعره المبلل الذى تتساقط قطرات الماء منه على وجهه دخل غرفته وفرش سجادته ليصلى العشاء .. دعا لـ “آيات” كثيراً فى سجوده والعبرات تتساقط فوق سجادة الصلاة .. أنهى صلاته وألقى بنفسه فوق الفراش فى انهاك .. اقترب منه “زياد” قائلاً :
– “آدم” أنا جبت أكل قوم كلك لقمة
أولاه ظهره وأغمض عينيه .. نظر اليه “زياد” بأسى ثم تركه وأغلق باب الغرفة .. فتح “آدم” عينيه فى ظلام الغرفة ثم ما لبث أن أغلقهما وقد عقد جبينه فى ألم .. بعد منتصف الليل بقليل استيقظ “آدم” فجأة .. جلس على فراشه وهو يتذكر أحداث اليومين الماضيين كما لو كان كابوساً يتمنى الإستيقاظ منه .. توجه الى الخارج ونظر الى “زياد” النائم على الأريكة .. توجه الى الطعام فوق الطاولة وأخذ بضعة لقيمات يتقوى بها .. ثم حمل مفاتيح سيارته ومصحفاً صغيراً وتوجه الى الخارج دون أن يهتم بإرتداء ملابس لائقه .. استيقظ “زياد” على صوت غلق الباب .. انتفض وذهب الى غرفة “آدم” ليجده وقد غادرها .. فتح شرفة غرفته فوجده متوجهاً الى سيارته .. ثم انطلق بها .. تنهد “زياد” فى أسى وهو يعلم جيداً الى أين توجه “آدم”

جلس “آدم” أما القبر وقد افترش الأرض .. ينظر اليه بأعين دامعة تتساقط منهما العبرات فى صمت .. لف ذراعيه حول قدميه وضمهما الى صدره .. أخذ يشرد بخياله ويتخيلها الآن وقد انضمت جدران القبر لتضمها تلك الضمة التى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم “إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ” .. يعلم جيداً أن تلك الضمة تكون بحسب عمل الإنسان فإن كان خيراً كانت تلك الضمة حانية كضمة الأم لوليدها .. وإن كان شراً كانت قاسية تتهشم فيها العظام وتختلط فيها الضلوع .. ارتعش جسده ودب الخوف فى أوصاله .. خوف عليها .. على ما تلاقيه الآن فى قبرها فى أول ليلة .. نظر حوله .. الى سكون الليل والى الوحشة التى تحيط بالمكان .. والى شواهد القبور التى تتطلع اليه فى صمت .. ثم عاد لينظر الى القبر أمامه وازداد انهمار عبراته وهو يتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ” صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجد ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ” ارتجف جسده بشدة وهو يبكى ألماً وخوفاً .. أخذ يتمتم دون انقطاع :
– يارب ارحمها .. يارب ارحمها .. يارب ارحمها
ثم أخرج مصحفه من جيبه وظل يتلو آيات من كتاب الله بصوت مرتجف .. ذلك الكتاب الذى هجره طويلاً .. ها هو يعود الى حمله بين يديه والى تمرير عينيه وقلبه على كلماته الربانيه .. يشعر بقيمته وبكم هو فى حاجة اليه .. نوى بقلبه أن يهديها ثواب قرائته .. ودعا ربه أن يتقبلها منه .

**************************************
فى الصباح توجه “أحمد” الى مكتب والده بالبيت .. ابتسم له والده وأزاح عويناته من فوق أنفه قائلاً :
– تعالى يا “أحمد”
ابتسم “أحمد” وجلس وهو يقول :
– ماما قالتلى ان حضرتك عايزنى
نظر اليه والده “فؤاد” قائلاً :
– مين صحابك دول اللى بايتين فى شقة مدينة نصر
قص عليه “أحمد” مأساة “آيات” ورغبته فى مساعدتها .. فقال له :
– برافو عليك .. مكنش يصلح تسيب بنتين فى ظروف زى دى من غير ما تساعدهم
ثم نظر اليه متفحصاً وهو يقول :
– بس قولى بتساعدهم لله فى لله كده ولا فى سبب تانى
تنحنح “أحمد” ثم قال بمرح :
– بصراحه يا “فؤاد” بيه فى أسباب أخرى
قال فؤاد بلؤم :
– اهاا قولتلى .. مين فيهم بأه
قال “أحمد” مبتسماً :
– “آيات”
قال “فؤاد” وهو يرجع ظهره الى الخلف يستند به على ظهر مقعده :
– ماشى يا سى “أحمد” .. المهم دلوقتى عايز أسألك عن حاجة مهمة
قالت له بجديه :
– اتفضل يا بابا
قال “فؤاد” بإهتمام :
– فى دكتور كان عندك فى الكلية اسمه “آدم خطاب” تعرفه ؟
ظهرت علامات الضيق على وجه “أحمد” وهو يتذكر خطبة “آدم” لـ “آيات” ثم قال :
– أيوة أعرفه كان دكتور عندنا فى الجامعة
ثم هتف بغيظ :
– بس راجل مش محترم
رفع “فؤاد” حاجبيه بدهشة ثم قال :
– ازاى يعني مش محترم ؟
قال “أحمد” بحده :
– سي “آدم” ده كان خطيب “آيات” البنت اللى كنت بكلم حضرتك عنها دلوقتى .. وطلع راجل مش محترم وماشيُه مش مظبوط .. خانها مع واحده صورته فيديو وهو معاها وراحت يوم كتب الكتاب لـ “آيات” ووريتها الفيديو .. و “آيات” و باباها طردوه من البيت وفسخوا الخطوبة
نظر اليه “فؤاد” صامتاً يزن ما قاله فى عقله ثم سأله :
– “آيات” اللى قالتلك
قال “أحمد” :
– لأ مش “آيات” .. صاحبتها “أسماء” .. بعد اللى حصل “آيات” جالها انهيار عصبي وتعبت ودخلت المستشفى ومكنتش بتتكلم من الصدمة وبعدين سافرت مع باباها عمره وأنا فى الفترة دى كنت بتصل بـ “أسماء” عشان أطمن على “آيات” وأعرف أخبارها
أومأ “فؤاد” برأسه فى شرود .. فسأله “أحمد” بإهتمام وقال :
– انت ليه بتسأل عنه يا بابا
أخذ “فؤاد” نفسهاً عميقاً ثم قال :
– لانى قررت أأجر قرية سياحية جمب قريته فى العين السخنة .. فكنت حابب أعرف كل حاجة عنه هو ومدير القرية التانية .. لأن القرية اللى أنا اخترتها ملك لمجموعة شركات مالكة لـ 3 قرى جمب بعض .. فكنت حابب أعرف كل المعلومات عن منافسيني فى القريتين اللى جمبي
نظر اليه “أحمد” بدهشة وقال :
– ما قولتليش يعني على موضوع القرية دى
قال “فؤاد” :
– الموضوع فى دماغى من زمان بس كنت محتاج حد يشاركنى فيه .. لأنه مشروع ضخم ومش هقدر أدخل فيه لوحدى .. والحمد لله لقيت بدل للشريك اتنين
ابتسم “أحمد” قائلاً بحماس :
– طيب ايه رأيك تشغل “آيات” و “أسماء” فى القرية .. دول بنتين ممتازين بجد يا بابا وأهو تاخد فيهم ثواب
قال “فؤاد” :
– أنا فعلاً محتاج عماله الفترة اللى جاية .. بس مش فى القرية .. هنا فى شركة السياحة اللى هتتعامل مع العملا وتجذبهم لقريتنا
ثم قال :
– هما نفس تخصصك ادارة أعمال ولا تخصص تانى ؟
قال “أحمد” :
– أيوة نفس تخصصى
قال “فؤاد” :
– طيب ممتاز .. خليهم يجولى الشركة فى بعد يومين لانى مسافر بكرة .. هعمل معاهم انترفيو بسيط .. وان شاء الله يكونوا معانا فى الشركة
اتسعت ابتسامة “أحمد” وهو يقول بحماس :
– متشكر أوى يا بابا .. أكيد هيفرحوا أوى
ابتسم فؤاد قائلاً :
– بس خلى بالك أنا الشغل عندى مفيهوش لا قرابه ولا مجاملات .. لو هيشتغلوا معايا هديهم مرتبات كويسة بس فى المقابل عايز شغل ممتاز .. يعني مايعتمدوش على صحوبيتك ويهملوا شغلهم
ضحك “أحمد” قائلاً :
– طول عمرك متعرفش غير شغلك يا “فؤاد” بيه .. لا ليك فى الكوسة ولا فى السلطة
ضحك “فؤاد” وهو يحمل عويناته ليرتديها مرة أخرى :
– طيب يلا بأه عشان عندى شغل
شعر “أحمد” بالإرتياح وركب الى سيارته بسعادة وعزم على التوجه الى “آيات” ليخبرها بهذه البشرى

*******************************
قالت والدة “آدم” على الهاتف بقلق بالغ :
– أنا خايفة عليه يا “زياد”
تنهد “زياد” قائلاً وهو يحاول أن يبث فيها الطمأنينه :
– متقلقيش يا خالتى أنا معاه وواخد بالى منه
قالت بصوت باكى :
– لا حول ولا قوة الا بالله ربنا يرحمها .. يا قلبي عليك يا ابنى .. ربنا يصبرك
قال “زياد” :
– يارب
قالت “أم “آدم” بلهفة :
– لما ييجي يا “زياد” اتصل بيا وخليني أسمع صوته .. وقوله يفتح موبايله يا ابنى أنا هموت من القلق عليه
قال “زياد” مطمئناً اياها :
– حاضر من عنيا يا خالتى متقلقيش
سمع “زياد” صوت الفمتاح فى الباب فهب واقفاً وهو يقول :
– أهو جه
قالت بلهفة :
– اديهولى يا “زياد”
دخل “آدم” الى البيت أشعثاً أغبراً .. نظر “زياد” الى ما كان يرتديه .. فلقد اعتاد أن يرى “آدم” متأنقاً فى غاية الأناقة .. ولم يعتد أن يراه غير مهتم بملابسه هكذا .. نظر اليه قائلاً :
– “آدم” مامتك عايزه تكلمك
أخذ “آدم” الهاتف من “زياد” وقال بصوت مبحوح :
– أيوة يا ماما
قالت أمه بصوت كمن أوشك على البكاء :
– ازيك يا حبيبى انت كويس
تنهد بإرهاق قائلاً :
– أيوة كويس
صمتت أمه قليلاً ثم قالت بحزن وأسى :
– ربنا يرحمها يا ابنى
دمعت عيناه وهو يقول :
– آمين
قالت أمه :
– هترجع امتى يا ابنى
قال “آدم” وهو يمسح دمعة فرت من عينه :
– شوية كده
ثم قال :
– انتى كويسة .. ناقصك حاجة
قالت أمه :
– لا يا ابنى مش ناقصنى غير وجودك جمبي
قال “آدم” بخفوت :
– يومين كده وهرجع ان شاء الله
قالت أمه :
– تيجي بالسلامة يا حبيبى .. بس افتح تليفونك عشان لما أحب أطمن عليك
قال بإستسلام :
– حاضر
قال “زياد” لـ “آدم” محاولاً جذب انتباهه لشئ آخر بعيداً عما يقاسيه :
– أنا عرفت مين اللى أجر القرية التالتة يا “آدم”
بدا على “آدم” وكأن الأمر لا يعنيه .. ودون ان يتفوه بحرف توجه “آدم” الى غرفته تحت أنظار زياد” وتمدد فوق فراشه فى انهاك

*************************************

فتح “على” الباب .. بمجرد أن رأى “سمر” أمامه شعر بمشاعر كثيرة متضاربه .. فغض بصره على الفور .. نظرت الى ذراعه المجبر وهى تشعر بالإشفاق عليه .. فمنذ أن أخبرتها “إيمان” بما حدث له وهى تشعر بالحزن من أجله .. تمتمت بصوت خافت :
– “إيمان” موجودة ؟
قال لها وهو يفسح الطريق :
– أيوة موجودة اتفضلى
انتظرت “سمر” أمام الباب الى أن حضرتك “إيمان” قائله :
– تعالى يا “سمر” ادخلى
دخلت “سمر” وتعانقت الصديقتان .. وقع نظرها مرة أخرى على “على” الذى كان متوجهاً الى غرفته .. تلاقت عيونهما للحظة .. بدت عيناها حزينتان لما أصابه .. وبدا معاتباً اياها على رفضها المتكرر له .. ثم دخل غرفته وأغلق الباب بهدوء
جلست “سمر” مع “إيمان” فى غرفتها فقالت هذه الأخيرة :
– باركيلى
التفتت اليها “سمر” على الفور وقالت :
– ايه .. عريس ؟
ضحكت “إيمان” بسخرية :
– هو انتى لسه عندك أمل .. ده أنا فقدت الأمل من زمان
نظرت اليها “سمر” بحزن لما تشعر به من احباط ثم قالت :
– أمال أباركلك على ايه
قالت “إيمان” بتهكم وهى تجلس فوق الفراش :
– سيبت شغلى
هتفت “سمر” بدهشة وهى تجلس بجوارها :
– ايه .. سبتى شغلك .. ليه يا إيمان”
قالت “إيمان” بتبرم :
– قرفت .. بدور فى ساقية طول الشهر ومبقبضش غير ملاليم .. قرفت من الشغل ومن الناس ومن كل حاجة
قالت “سمر” بعتاب :
– بس على الأقل كنتى بتخرجى وبتشوفى ناس يا “إيمان”
قالت “إيمان” بضيق :
– بلا أرف .. سيبك .. قوليلي أخبارك ايه انتى
قالت “سمر” الحمد لله
ثم سألتها فى حرج :
– ازي اخوكى دلوقتى ؟
تنهدت “إيمان” بأسى قائله :
– أهو زى ما انتى شايفه التيييييييييت ضربوه وكسروله ايده .. كل ده عشان مكنش موافق انهم يغيروا تاريخ صلاحية عبوات الأكل المحفوظ
قالت “سمر” بحنق :
– ربنا ينتقم منهم
قالت “إيمان” بتهكم :
– كل حاجة فى البلد دى بايظة .. محدش مرتاح يا بنتى .. محدش مرتاح أبداً
قالت “سمر” وسحابة حزن تمر بعينيها :
– على رأيك .. محدش مرتاح
نظرت “سمر” الى “إيمان” بتفحص .. فإنتبهت لزيادة وزنها عدة كيلو جرامات .. شعرت “سمر” بالإشفاق عليها .. وبالضيق أيضاً فهى من تفعل بنفسها ذلك .. لم تشأ أن تخبرها بأنها لاحظت زيادة وزنها حتى لا تصاب بالإحباط فهى تعلم حساسية “إيمان” الشديدة لهذا الأمر

************************************

وقف “آدم” أمام القبر يدعو ويستغفر .. بدا وكأنه لا يريد مفارقة هذا المكان .. كان الحزن والألم ينخران فى جسده فبدا وجهه كلوحة تعبر ببراعة عما يقاسيه ويكابده .. ودعها بنظراته الحزينة وعيونه الدامعه وقد اتسعت الهالات تحت عينيه .. همس لها بصوت مرتجف وكأنه قادم م

 

error: