رواية “جواد بلا فارس”

الحلقة ( 27 )
– طبعاً أن ليا الشرف انى أشتغل معاك يا دكتور
ابتسم “آدم” لهذا الترحيب .. فقد كان جل ما يخشاه أن يرفض “فؤاد” لما تنامى الى مسامعه عن علاقته بـ “آيات” وما حدث بينهما .. قال “آدم” بحماس :
– تمام .. أنا متشكر جداً يا أستاذ “فؤاد”
قال “فؤاد” بجدية :
– طبعاً أنا يشرفنى ان راجل زيك عنده خبرة أكاديمية وعملية انه يشتغل معايا فى قريتي .. بس أنا مش فاهم تحديداً حضرتك عايز شراكة ولا ايه بالظبط .. لانك قولت شغل ما قولتش شراكه
تنحنح “آدم” قللياً ثم قال :
– بصراحة حالياً مفيش عندى امكانيات للشراكة .. ولو هشارك هيكون بمجهودى فقط .. وأنا شايف ان حضرتك مش محتاج حد يشاركك بالمجهود لان بالفعل عندك الأستاذ”كريم” مدير القرية .. عشان كده أنا متكلمتش فى شراكة .. أنا اتكلمت فى شغل .. وأنا مش هشترط منصب محدد أنا كل اللى يهمنى انى اشتغل فى القرية
صمت قليلاً ثم تنهد قائلاً :
– أنا سيبت قرية جولدن بيتش بعد ما اتخنقت من اللى بيحصل فيها .. وكنت لغيت من دماغى تماماً فكرة الشغل فى السياحة رغم ان الماجستير بتاعى كان عن الموضوع ده وكمان أنا بحب الشغل فى السياحة جداً وعندى خبره كويسة فيه .. فعشان كدة لما شوفت القرية بتاعة حضرتك والقوانين اللى حاططها مع أستاذ “كريم” .. بصراحة اتشجعت جداً .. وفعلاً لو كان معاياً راس مال حالياً أنا مكنتش اترددت لحظة فى انى أشاركك
ثم زفر بضيق وقال :
– بس للأسف أنا مفيش امكانية للشراكة الا بالمجهود وطبعاً حضرتك مش محتاجة فأى مكان هتقولى امسكه فى القرية أنا مش هعترض ان شاء الله .. وزى ما قولت لحضرتك عايز “زياد” كمان معايا .. هو خبرته العمليه أكتر منى .. “زياد” بيشتغل فى السياحة من سنين وكان مدير قرية فى شرم
صمت “فؤاد” يفكر فيما قاله “آدم” .. ثم التفت اليه وابتسم قائلاً :
– أبشر يا دكتور .. انت و الأستاذ “زياد” أكيد هتكونوا مكسب كبير لقريتنا .. “كريم” راجل محترم وشريكى وممشى القرية بطريقة ممتازة بس دى أول مرة يشتغل فيها فى السياحة .. لكن انت و “زياد” عندكوا خبرة وكفاية انه مجالك يا دكتور
ثم هتف بحماس :
– على خيرة الله .. ان شاء الله اعتبر نفسك انت و “زياد” من النهاردة من فريق قرية الماسة
اتسعت ابتسامة “آدم” وقال بسعادة :
– بدج متشكر جداً يا أستاذ “فؤاد” .. وان شاء الله هنكون عند حسن ظنك
خرج “آدم” من الفندق الذى التقى فيه بـ “فؤاد” .. وهو يشعر بسعادة بالغة .. توجه الى المسجد القريب وأدى فريضة المغرب وهو يشعر بالراحة والسعادة فى قلبه .. طوال الطريق الى العين الساخنة كانت الابتسامه ترتسم على شفتيه من حين لآخر .. استنشق الهواء وكأن اليوم ذراته تحمل عبقاً جديداً لم يستنشقه من قبل .. عبق الأمل والسعادة و تحقيق الذات .. والأهم .. أنه اقترب خطوة من “آيات”

*******************************************
جلست “آيات” فى غرفتها منذ أن عادت الى العين الساخنة .. لم تشعر فى نفسها الرغبة للتحدث مع أحد أو لرؤية أحد .. ظلت تفكر فيما دار اليوم بينها وبين “آدم” .. وتلك الكلمات القاسية التى ألقاها على مسامعها .. لماذا ذكر مساؤه بتلك الطريقة التى جعلتها تكاد أن تختنق ؟ .. أيظن أنها ستسامحه ؟ .. كيف .. كيف تستطيع أن تغفر كل ما قال .. سمعت صوت المفتاح يدور فى الباب .. فمسحت وجهها بيديها ونهضت تستقبل الفتيات .. نظرت اليها “إيمان” قائله :
– ايه ده رجعتى امتى ؟
قالت “آيات” بصوت مبحوح قليلاً :
– من كم ساعة كدة
قالت “أسماء” وهى توجه الى غرفتهما :
– عملتى ايه فى موضوع الشهادة
قالت “آيات” وهى تستند على الجدار بظهرها :
– خلاص تقريباً كده الموضوع اتحل .. لسه اجراءات بسيطة هيعملها المحامى لكن مش هروح تانى القاهرة
أومأت “أسماء” برأسها وقالت :
– كويس
قالت “إيمان” وهى تتوجه الى الباب :
– أنا طالعة أشوف ماما
فتحت الباب وشهقت بقوة عندما وجدت “كريم” أمامها والذى كان يهم بالطرق على الباب .. وضعت يدها على صدرها وقد شعرت بالفزع لهذه المفاجأة .. فقال بخفوت :
– معلش أنا آسف خضيتك .. أنا كنت لسه هضرب الجرس
أومأت برأسها دون أن تنطق بكلمة وتوجهت الى الداخل .. قالت لـ “آيات” بصوت مضطرب :
– أخوكى بره يا “آيات”
توجهت “آيات” الى “كريم” الذى نظر اليها بإهتمام قائله :
– كويسه دلوقتى ؟
ارتبكت قائله :
– أيوة الحمد لله
– ايه بأه اللى كان مضايقك ؟ .. دكتور “آدم” اتكلم معاكى ؟
أطرق “آيات” برأسها قليلاً ثم نظرت اليه قائله بصوت خافت :
– أيوة
– قالك ايه ؟
لاحت العبرات فى عينيها وقالت :
– قالى انه اتغير وتاب وان ربنا بيقبل التوبة وانه عايزنى أسمحه على كل اللى عمله
أطرق “كريم” برأسه شارداً ثم نظر اليه وقال :
– وقولتيه ايه ؟
هزت كتفيها وقالت :
– قولته مش هقدر أسامحه
تنهد “كريم” قائلاً بضيق :
– هتكلم معاه .. أنا لا عايزه يتكلم معاكى ولا يقرب منك
قالت “آيات” بتوتر:
– هو اتكلم معايا بإحترام يعني مضايقنيش .. أقصد يعني متتخانقش معاه
نظر اليها “كريم” متأملاً وهو يقول :
– أنا ما قولتش هتخانق معاه .. أنا قولت هتكلم معاه
ربت على كتفها قائلاً :
– متضايقيش نفسك انتى .. ماشى
أومأت برأسها وابتسامه صغيرة على شفتيها .. تنحنح “كريم” وبدا عليه التردد .. نظرت اليه قائله :
– فى حاجة
ابتسم بخجل قائلاً :
– يعني كنت عايز أسألك عن حاجة كدة
عقدت ذراعيها أمام صدرها قائله :
– اسأل
أخفض من صوته وهو يقول :
– انتى و “إيمان” صحاب من زمان ؟
قالت “آيات” بإستغراب :
– “إيمان” .. أيوة من 4 سنين تقريباً .. بتسأل ليه ؟
قالت بنفس النبرة الخافته :
– ورأيك فيها ايه ؟
ضاقت عيناها وهى تجيب بحيرة :
– رأيى فيها ازاى يعني ؟
– يعني رأيك فيها يا “آيات” .. انتى مش صحبتها يبقى أكبد فى رأى محدد مكوناه عنها
قالت “آيات” مبتسمه بخبث :
– آه .. بصراحة هى بنت محترمة أوى وطيبة أوى وحنينة أوى .. ودمها خفيف .. عايز تعرف ايه تانى ؟
ابتسم “كريم” قائلاً :
– لا خلاص كفاية كدة
اتسعت ابتسامتها وهى تقول بخبث :
– لكن ما قولتليش يعني بتسأل ليه
ضحك قائلاً :
– هتشتغليني يا بنت انتى .. يلا على شقتك
ضحكت قائله بعتاب :
– آه ماشى ما أنا فى البتاع مدعيه وفى البتاع التانى منسيه
– لا متقلقيش هتبقى مدعيه ان شاء الله
هتفت بسعادة كالأطفال :
– بجد يا “كريم” يعني ………
كمم فمها بكفه وقال :
– ششششش متخلينيش أندم انى قولتك .. اسكتى خالص لحد ما اتكلم مع باباها الأول .. ميصحش هى تعرف قبلهم
هتفت بسعادة :
– طيب خلاص ماشى مش هقول حاجة .. بس كلمه بسرعة عشان مش هقدر أتكلم فى نفسى كتير
أطلق “كريم” ضحكة عالية وهو يقول :
– هتقولولى ده انتوا الستات مبتتبلش فى بوقكوا فوله .. تعرفى المثل اللى بيقول لو عايزة تنشرى خبر قوليه لواحدة ست وقوليلها انه سر .. تلاقيه انتشر زى النار فى الهشيم
ضربته فى كتفه بقبضتها وهى تقول :
– بس أحسن لما تيجي تسألنى عنك أطلع فيك القطط الفطسانه
ابتسم قائلاً :
– وأهون عليكى يا “آيات” .. خلاص أنا هسيبك لضميرك
قالت “آيات” وهى تنظر اليه والفرحة فى عينيها لا تستطيع اخفائها :
– بجد أنا فرحنه أوى .. ربا يتمملك بخير يا “كريم” .. انت تستاهل كل خير .. و “إيمان” والله بنت محترمة أوى مش هتلاقى أحسن منها
أومأ برأسه وابتسم قائلاً :
– هستخير الأول ونشوف ربنا هيختارلنا ايه

**************************************
عاد “آدم” الى الشاليه قائلاً لأمه وهو يقبل يديدها ورأسها فى سعادة :
– باركيلى يا ماما .. بركة دعاكى لقيت شغل تانى
ابتسمت أمه فى سعادة قائله :
– بسم الله ما شاء الله .. ربنا يرزقك يا ابنى وينولك كل اللى فى بالك
اتسعت ابتسامته وهو يقول :
– كلمت أستاذ “فؤاد” صاحب قرية الماسة اللى جمبنا .. والحمد لله واقف انى أشتغل فى القرية .. ووافق كمان على شغل “زياد”
تلاشت ابتسامة أمه وهى تقول بعتاب:
– قرية سياحية تانى يا ابنى .. ده أنا مبقتش بحب أطلع بره الشاليه من المناظر اللى بشوفها
قال “آدم” وهو يجذبها من ذراعها ليجلسها بجواره :
– لا متقلقيش القرية دى حاجة تانية خالص .. مش هتلاقى فيها اى حاجة من اللى كنتى بتشوفيها هنا .. بجد قرية محترمة جداً ومديرها راجل محترم أوى
ابتسمت بخبث وقالت :
– آه طبعاً مين يشهد لمدير القرية غيرك
اختفت ابتامة “آدم” وظهر الحزن عى ملماحه .. نظرتا ليه أمه بإهتمام وقالت :
– فى حاجة يا ابنى
تنهد “آدم” بأسى وقال وهو مطرقاً برأسها وقد شبك أصابعه فى بعضها بتوتر :
– اتكلمت مع “آيات” النهاردة واحنا فى القاهرة
– وقالتلك ايه ؟
هز رأيه بأسى وهو يقول :
– قالتلى مش ممكن أسامحك
ربتت أمه عى ظهره وقد ظهر الحزن فى عنيها .. وقالت :
– معلش يا ابنى مفيش حاجة بتيجي بالساهل .. لازم الواحد يتعب ويشقى عشان يوصل للى هو عايزه
أومأ “آدم” برأسه صامتاً .. فقالت بحماس :
– متقلقش أنا هتصرف
التفت اليها قائلاً بإستغراب :
– هتتصرفى ازاى يعني ؟
– مش انت بتقول انك هتشتغل فى القرية بتاعتهم .. يعني أكيد هتمشى من هنا ونروح نعد فى القرية التانية .. يعني أكيد هنتقابل أنا وهى .. أنا بأه هعد معاها وهتكلم معاها يمكن أعرف أحنن قلبها عليك
نظر اليها “آدم” بلهفه وقال :
– بجد يا ماما .. ربنا يكرمك يارب
ربتت على ظهره وقالت مبتسمه :
– متشلش هم أنا هتصرف

*************************************

وقفت “أسماء” غير منتبهه لذلك الشاب الذى يقف على بعد خطوات منها ويلقى عليها بنظرات متفحصة من رأسها الى أخمص قدميها .. كانت تمسك فى يدها احدى الأورق تتفحصها بعناية .. بدأ الشاب فى الإقتراب منها قائلاً :
– لو سمحتى هو الأتوبيس بيعدى من هنا ؟
نظرت اليه ببرود وقالت :
– خفه
ابتسم بينما يقترب منها أكثر وقال :
– طيب قوليلى انتى حلوة على طول كدة ولا بالنهار بس ؟
فجأة استمعا صوتاً من خلفهما يصيح :
– لم نفسك يله
التفت كلاهما .. خفق قلبها عندما وجدت “على” قادماً خلفها يرمق الشاب بنظرات غاضبة .. التفت اليه الشاب ببرود وقال :
– حد كلمك يا كابتن
أشار اليه “على” برأسه قائلاً :
– اتفضل من هنا
عقد الشاب ذراعيه أمام صدره وهو يقول بعناد :
– ولو متفضلتش
هتفت “أسماء” بحده :
– على فكرة دة نائب مدير القرية يعني لو متحركتش من هنا بنفسك هيجيب السيكيوريتي يحركوك
نظر الشاب اليهما شزراً ثم غادر بصمت .. التفتت “أسماء” تنظر الى “على” مبتسمة وهى تقول :
– متشكرة أوى
لم يجيبها .. بل رمقها بنظرة غاضبة ثم التفت ليغادر .. اختفت ابتسامة “أسماء” ثم سارت خلفه وهى تقول :
– فى ايه ؟ بتبصلى كده ليه
التفت اليها وقال دون أن ينظر اليها :
– مفيش
عاد يكمل سيرة فأوقفته مرة أخرى بقولها :
– طبعاً هتقولى ان أنا اللى غلطانه عشان لابسه ضيق وحاطه ميك آب
التفت اليها وقال :
– طالما انتى شايفه كده .. يبقى مش محتاجه تسمعى نفس الكلام منى .. ده غير ان الموضوع ده ميخصنيش انتى حره فى لبسك
بلعت ريقها بصعوبة و عقدت جبينها وهى تقول بتوتر :
– على فكرة أى واحدة دلوقتى بتتعاكس سواء لابسه محترم أو لأ .. كده كده بتتعاكس
نظر الى الأرض وقال بحزم :
– آه بس فى فرق بين واحدة بتتعاكس .. واحد بيرمى عليها كلمة وهو معدى من جمبها .. وبين انه يتجرأ ويقرب منها بالشكل ده ويتكلم معاها أكنه واثق من انها هتستجيب لكلامه
قالت بحده :
– قصدك ايه بأستجيب لكلامه .. أنا مكنتش هستجيب لكلامه طبعاً ولو مكنتش انت جيت أنا كنت هزأته بنفسى
قال بنفس الحزم :
– أنا ما قولتش انك كنتى هتستجيبى أنا قولت هو كان واثق انك هتستجيبى لان لبسك عنوان ليكي .. اللى بتلبس ضيق وهى ماشية فى الشارع أكيد بتعمل كده عشان تلفت الانتباه ليها .. ما هى لو بتعمل كده عشان نفسها عندها بيتها تلبس فيه اللى هى عايزاه
صمتت وقد عقدت حاجبيها وهى تنظر اليه .. فأكمل “على” بهدوء :
– أظن الكلام ده انتى عارفاه كويس اوى .. وأظن انه اتقالك قبل كده لان صحابك كلهم مـــ …….
قطع كلمته .. فقال بصوت مرتجف :
– كمل .. صحابك كلهم محترمين مش كدة ؟ .. كنت هتقول كده مش كده ؟
صمت “على” وهو يعض على شفتيه كأنما ندم على كلمته .. لمعت عيناه بالدموع وقالت بصوت كمن أوشك على البكاء :
– مش معنى انى بلبس كده انى مش محترمة
غادرت مسرعة قبل أن يرى تلك العبره التى تساقطت فوق وجنتها .. وقف “على” مكانه وهو يزفر بضيق شديد !

*************************************

صعدت “إيمان” الدرج الى شقة والدتها .. لكنها فوجئت بـ “كريم” فى وجهها ينزل السلم .. شعرت بالدهشة فأخفضت رأسها ووقفت فى مكانها حتى ينزل .. لكنه توقف وأشار اليها قائلاً :
– اتفضلى
ارتبكت بشدة وأكملت صعودها شعرت بأنه ينظر تجاهها .. حانت منها التفاته اليه .. لتتأكد بالفعل من أنه يركز أنظاره عليها .. استغربت ذلك بشدة واشاحت بوجهها على الفور .. نزل الدرج وهى تصعد مسرعة مندهشة كيف ينظر اليها هكذا .. هذه هى المرة الأولى التى تراه ينظر اليها دون أن يغض بصره ! .. فتحت والدتها الباب وجذبتها من يدها و ……. أطلقت زغروته خافته .. نظرت اليها “إيمان” بدهشة وهى تقول :
– ايه فى ايه ؟
جذبتها أمها من ذراعها تبتعد عن الباب وهى تقول :
– ارقصى يا “إيمان” .. افرحى يا “إيمان” .. زغرطى يا “إيمان”
نظرت اليها “إيمان” وقد اتسعت عيناها دهشة وهى تقول :
– ايه اللى حصل يا ماما
قالت والدتها وهى لا تستطيع تمالك نفسها من الفرحة :
– أستاذ “كريم” طلب ايدك من أبوكى
اتسعت عينا “إيمان” وفغرت فاها فى دهشة وتعالت خفقات قلبها وهى تقول :
– ايه ؟
قالت أمها بحماس ممزوج بالفرح :
– والله زى ما بقولك .. مش قولتلك .. المحشى والبط جبوه على ملا وشه .. ابقى اسمعى كلام أمك بعد كده
صاحت “إيمان”:
– محشى وبط ايه يا ماما .. طيب قوليلى كلمة عدله .. قوليلى انه معجب بيكي يا “إيمان” .. مش محشى وبط
اختفت ابتسامة “إيمان” وهى تنظر الى أمها بشك وقالت :
– ماما أوعى تكونى بتضحكى عليا والله العظيم أروح فيها .. ماما مفيناش هزار فى الحاجات دى
أطلقت أمها ضحكة عالية وهى تقول :
– يا بت والله حصل .. حتى اسألى أبوكى أهو آعد جوه فى البلكونه
فى تلك اللحظة خرج والدها وابتسم ليها قائلاً برزانه :
– مبورك يا “إيمان” يا بنتى .. والله الجدع شكله طيب وابن حلال .. جهزى نفسك النهاردة ان شاء الله عشان هييجى يعد معاكى
قالت وقلبها يقفز فى فرح :
– النهاردة
قالت أمها :
– أيوة يا بت عشان تتكلموا مع بعض قبل ما يتكلم مع أبوكى فى تفاصيل الجوازة
اتسعت ابتسامة “إيمان” ومشاعر كثيرة بداخلها .. فرح .. سعادة .. تفائل .. راحة .. خوف .. اضطراب … حــب !

**************************************
– ما تزوقيني يا ماما أوام يا ماما .. ده عريسي هيجي يعد معايا النهاردة يا ماما
هتفت “آيات” بتلك العبارة وهى تلف حجاب “إيمان” .. قالت “إيمان” بمرح طفولى :
– يلا يا “آيات” عشان ألحق أطلع قبل ما ييجي
ضحكت “آيات” قائله :
– طيب يا بنتى خلصت أهو
انتهت “آيات” فقامت “إيمان” تنظر الى نفسه فى المرآة .. تأملتها “آيات” قائله :
– على فكرة يا “إيمان” اتى خسيتى
التفتت اليها “إيمان” قائله بلهفة :
– بجد يا “آيات”
– أيوة يا بنتى والله خسيتى .. انتى بمتوزنيش نفسك ولا ايه
– لا بخاف أوزن نفسى عشان ميجليش احباط مع انى ماشية على دايت وعلى الرياضة مبفوتش يوم
تأملت نفسها فى المرآة بسعادة وهى تقول :
– الحمد لله انه جه بفايده لو مكنتش خسيت كان زمانى محبطة .. ماما امبارح فضلت تصر عيلا آكل محشى وبط بس قولت أبداً .. مش الىل عماله أعمله من ساعة ما جيت تيجي ماما تضيعهولى فى يوم
توجهت “إيمان” الى الباب قائله بمرح :
– هطلع أساعد ماما .. وانتوا متتأخروش
قالت “آيات” وهى تودعها على الباب :
– متقلقيش هلبس أنا و “أسماء” ونطلعلكوا على طول
توجهت “آيات” الى غرفتها .. وجدت “أسماء” جالسه على فراشها فى الظلام .. أضاءت النور فقالت لها “أسماء” على الفور :
– سبيه مقفول
أطفأته “آيات” ونظرت الى “أسماء” بدهشة قائله :
– أعدة فى الضلمة ليه
تمتمت “آيات” بوهن :
– عادى
جلست “آيات” بجوار “أسماء” على الفراش وهى تتأملها قائله :
– لا مش عادى .. مالك يا “أسماء” .. انتى كنتى بتعيطى
قالت “أسماء” بحده :
– مماليش .. “آيات” لو سمحتى سبينى لوحدى
– مش هتطلعى معايا لـ “إيمان”
– لا مش طالعة .. لو سمحتى سبينى لوحدى
– مالك يا “أسماء” ايه اللى مضايقك
قفزت العبرات على عينيها وهى تقول بحده :
– قولتلك مفيش .. عايزة أعد لوحدى .. لو سمحتى يا “آيات”
نهضت “آيات” وهى ترمقها بنظرات حزينه قلقة .. عادت “أسماء” الى شرودها ووجومها !

*************************************
خفق قلب “إيمان” بقوة وهى تسمع جرس الباب ثم ترحيب أبويها وأخيها بـ “كريم” .. وقفت تردد بعض الآيات القرآنية علها تهدئ من روعها .. لكن هيهات .. كانت تقرأ بلا تركيز .. ابتسمت “آيات” وهى تتأملها قائله :
– يا عيني .. وشك أصفر زى اللمونه .. كل ده من أخويا “كريم”
التفت اليها “إيمان” قائله :
– “آيات” اسكتى دلوقتى أنا مش قادرة أتلم على أعصابى
ضحكت “آيات” وقالت :
– أمال هتخرجى تعدى معاه ازاى
احمر وجهها بشدة وهى تقول :
– مش عارفه .. انا مش هقدر أخرج .. بجد مش هقدر .. اطلعى قوليله يفوت علينا يوم تانى
أطلقت “آيات” ضحكة عالية وهى تقول :
– حلوة فوت عيلنا يوم تانى دى
تظاهرت بالخروج وهى تقول :
– خلاص من عنيا هروح أقولها كده
جذبتها “إيمان” من ذراعها وهى تهتف :
– انتى ما بتصدقى .. كنى هنا .. خليني اعرف أسمع اللى بيحصل بره
بعد دقائق دخلت والدتها قائله بحماس :
– يلا يا “إيمان” .. تعالى قدمى العصير عشان تعدوا تتكلموا مع بعضيكوا .. الراجل مستنى بره
قالت “إيمان” وقد شعرت بأنها على وشك البكاء :
– لأ مش عايزه .. مش هقدر اخرج .. هو لازم يعني يتكلم معايا
نظرت اليها أمها وقد اتسعت عيناها وهى تقول :
– يلا يا بت بلاش دلع الراجل مستنى بره
ثم تأملتها هاتفه :
– ايه ده يا منيلة .. ما تحطى حاجة على خلقتك دى .. استنى أما أجبلك قلم الكحل وصباع الروج بتاعى
أوقفتها “إيمان” قائله بحزم :
– مش هحط حاجة ريحي نفسك
شهقت أمها قائله بغيظك :
– يا بت اسمعى كلامى يا بت .. حطى اى حاجة على خلقتك تديكي منظر
– قولتك لا يا ماما
تدخلت “آيات” قائله :
– متقلقيش يا طنط هى كده زى القمر مش محتاجة حاجة .. وبعدين “كريم” عارف انها مبتحطش ميك آب
قالت وهى تغادر:
– انتوا حرين .. بنات فقر صحيح . يلا يا “إيمان” انجزى
وقفت “إيمان” وهى تشعر بأن قدميها تصطكان ببعضهما البعض .. ظلت تردد بعض الأذكار .. وهى تأخذ من والدتها الصنية .. اهتزت الأكواب من رعشة يديها واضطرابها فاعطتها الى والدتها مرة أخرى قائله :
– بقولك ايه شيليها انتى .. انا لو خدتها ودخلت بيها هتدلق منى وهيبقى شكلى زبالة
قالت أمها بتبرم :
– آه يانى .. طيب ادخلى .. خلصينا الراجل مستنى
كادت “إيمان” أن تبكى وهى تقول :
– طيب ناجلها ليوم تانى
اتعت عينا أمها وهى تنظر اليها وقالت بحزم وهى تضغط على أسنانها :
– “إيمان” .. اتنيلى ادخلى متفقعيش مرارتى
دخلت “إيمان” مطرقة الرأس وقد تحولت بشرة وجهها البيضاء الى اللون الأحمر ..نسيت أن تلقى السلام .. جلست بسرعة على أول مقعد وجدته أمامها .. لا تدرى حتى أين يجلس “كريم” .. سمعت والدها يقول :
– منور يا أستاذ “كريم”
أتاها الصوت من المقعد المجاور لها :
– ده نورك يا عمى
قالت فى نفسها : يا دى الخيبة .. هو انت اللى آعد جمبي .. هتفتكر دلوقتى انى ما صدقت وروحت أعده جمبك !
ودت لو نهضت من مقعدها وتخير مقعد آخر بعيد عنه .. لكنها لم تجد فى قدميها القدرة على حملها .. كاد قلبها أن يتوقف عندما التفت “كريم” اليها قائلاً :
– ازيك يا آنسة “إيمان”
كان هذا هو أول حوار مباشر يجريه معها منذ اجتماعهما الأول والذى انتهى بخروجها من الإجتماع بغضب .. توترت للغاية فلم تستطيع الرد .. حاول كثيراً الحديث معها .. لكنها شعرت كما لو أن لسانها قد قُطع من فمها .. لم تجد فى نفسها الجرأة على الرد عليه على الإطلاق .. كان أخيها وأبيها يجيبان بالنيابة عنها .. شعرت بأنها ما هى الا لحظات وستفقد وعيها .. جلست تلك الجلسة مرات عديدة من قبل .. لكن تلك المرة الأمر مختلف .. لأن هذه المرة قلبها يخفق لهذا الرجل الجالس بجوارها .. انتهت الزيارة بعدما قال “كريم” لأخيها وأبيها :
– هنتظر الرد وول فى قبول .. يبقى أفضل كتب كتاب على طول لأن الخطوبة بالنسبة لنا مش هيبقى ليها لزمة
عادت “إيمان” الى غرفتها وهى تشعر أنها فى حلم تخشى الاستيقاظ منه .. حلم خافت أن تغمض عينيها حتى لا تفقد لحظة واحدة من الشعور به

*************************************
تلقى “كريم” خبر انضمام “آدم” و “زياد” الى القرية بمزيج من القلق والضيق .. قال “فؤاد” عبر الهاتف :
– أنا عارف المشاكل الى حصلت بس فعلا الرجل عنده خبره كبيره خو وصاحبه وهيبقوا أكيد مكسب للقرية
قال “كريم” شارداً :
– مع حضرتك فى كده .. بس حضرتك عارف اللى حصل واللى اتنشر فى الجرايد
– لا متقلقش يا “كريم” .. أصلاً الأخبار دى بتتنسى ومحدش بيفتكرها وكمان هما لا ممثلين ولا ناس مشهورة عشان الوحد يفتكر خبر زى ده عنهم .. ده غير القضية اللى انت رافعها على الجريدة واللى أكيد بتثبت ان الخبر ده كذب
قال “كريم” بضيق :
– مش عارف .. برده مش مرتاح لشغله فى القرية .. يعنى حضرتك عارف انه كان بيتشغل فى جولدن بيتش وانت عارف جولدن بيتش عامله ازاى .. هو لو متوقع انه هيعمل هنا ما بداله يبقى غلطان
قال “فؤاد” على الفور :
– لا اطمن .. هو عارف القوانين كويس وأكيد هيلتزم بيها .. وبصراحة أنا شايفها فرصة هايلة بالنسبة لنا انه يبقى من فريق عمل القرية لأن لا أنا ولا انت لينا خبرة فى المجال ده
تنهد “كريم” بإستسلام قائلاً :
– طيب ربنا يقدر الخير

***************************************
اتصل “كريم” بأبويه ينبئهما بالخبر السعيد .. هتفت أمه قائله :
– أخيراً هتفرح قلبي
ابتسم قائلاً :
– أوية أخيراً
– قولى حلوة
زى القمر .. لما تشوفيها هتحبيها طيبة وبنت حلال
– باباها وماماتها بيشتغلوا ايه
– باباها على المعاش وماامتها ست بسيطة بمتشتغلش .. هما ناس بسيطة اوى بس محترمين جداً .. أخوها شغال معايا فى القرية النائب بتاعى راجل محترم وأخلاقه عاليه
قالت “أمه بسعادة :
– بنا يتمملك على خير يا “كريم”
– انتوا باه هتنزلوا امتى .. أنا عايز أكتب الكتاب على طول
– للأسف لا أنا ولا باباك هنعرف ننزل قبل 4 شهور على الأقل
هتف “كريم” :
– 4 شهور .. لا انتوا كده تنزلوا على الفرح بأه
– طيب يا “كريم” خليها خطوبة دلوقتى ولما ننزل اكتب الكتاب
– خطوبة ايه يا ماما .. و 4 شهور كمان .. ولا ليها أى لازم بالنسبة لى لا هعرف اتكلم معاها براحتى ولا هعرف أشوفها براحتى .. لا أنا هكتب الكتاب دلوقتى وانتى وبابا لما تنزلوا يبقى الفرح ان شاء الله
– طيب اديني رقمها عشان أكلمها
– مش معايا رقمها هجيبه من أخوها وأبعتهولك فى رسالة .. بس لما يردوا عليا لانهم لسه مردوش
– يا حبيبى هو فى بنت هتلاقى واحد أحسن منك .. مبروك مقدماً
جاء رد “إيمان” وأهلها بالموافقة .. وتم الاتفاق على كتب كتابهما فى نهاية الإسبوع فى قرية المــاســة !

************************************
– “سمر” هستناكى ولو مجتيش بجد هزعل منك
هتفت “إيمنا” بهذه العبارة وهى تتحدث الى “سمر” التى قالت :
– بتهرجى لا طبعاً لازم هاجى .. ألف مليون مبروك يا “إيمان” ربنا يتمملك على خير
قالت “إيمان بحماس :
– اعملى حسابك انك هتعدى معانا شوية انتى وطنط .. الشقة اللى احنا أعدين فيها ..فيها 3 أوض و”أسماء” بتبات مع “آيات” ففى أوضة فاضية طنط تاخده وانتى تباتى معايا
– خلاص اتفقنا هقول لماما وآهى فرصة الواحد يغير جو كام يوم ده أنا مطحونة فى الشغل يا بنتى
– خلاص اتفقنا بجد .. متتصوريش أنا فرحانه أد ايه انى هشوفك
– أنا اللى فرحانه جدا انى هشوفك انتى و “آيات” و “أسماء”

*************************************

فى اليوم الموعود .. كان نفس اليوم الذى تسلم فيه “آدم” و “زياد” عملهما فى القرية .. شعر “كريم” ببعض القلق من وجود “آدم” .. خاصة بعدما عرف من “آيات” أنه تحدث معها يوم أن كانوا فى القاهرة .. لذلك قال له بحزم :
– وجودك فى القرية أكيد هيفيدنا كتير يا دكتور .. بس ياريت تبقى وجودك هنا للشغل وبس
نظر اليه “آدم” وقد أدرك ما يقصده .. فأكمل “كريم” بنفس الحزم :
– ماشى يا دكتور ؟
قال “آدم” بهدوء :
– أنا مستحيل أضايق “آيات” .. أو أأذيها .. متقلقش منى
أقبل “زياد” وهو يربت على كتف “كريم” قائلاً بمرح :
– مبروك يا عريس
ابتسم “كريم” قائلاً :
– الله يبارك فيك يا “زياد” عقبالك ان شاء الله
قال “آدم” مبتسماً :
– يلا روح انت ربنا يعينك أكيد وراك حاجة كتير .. متقلقش أنا و “زياد” هنا
أومأ “كريم” برأسه والتفت الى “زياد” وقال :
– مستميك ان شاء الله متتأخرش
– طبعاً ودى تيجى
ثم نظر الى “آدم” قائلاً بحرج :
– وانت كمان يا دكتور ياريت تنورنا
كان “آدم” بعلم أنها ما عزمه الا مضطراً ومجاملاً ليس إلا . .لكن “آدم” ما كان ليترك فرصة تقربه فيها من “كريم” .. عله يغير الفكرة التى كونها من كلام “آيات” عنه .

تعالت الزغاريد .. ارتدت “إيمان” فستاناً وردى اللون .. ووضعت القليل من مساحيق التجميل والتى أبرزت جمالها .. صففت لها “آيات” شعرها بعناية بشكل جميل .. كانت سعيدة وهى تنظر الى نفسها فى المرآة وقد بدت بشكل لم تتوقع أن تراه فى مرآتها يوماً ..
جاءها اتصال من “سمر” تخبرها بأنهما على مشارف القرية .. خرجت “إيمان” وقالت لـ “على” بلهفة :
– “على” ربنا يكرمك .. “سمر” ومامتها أدام البوابة ممكن تروح تجيبهم
توجه “على” الى البوابة فوجد سيارة تقودها سيدة كبيرة وبجوارها “سمر” .. هز رأسه واقترب من المرأة قائلاً :
– أهلاً وسهلاً
ابتمست قائله :
– أهلاً بيك
أشار لها “على” بالطريق الذى يجب أن تسير فيه .. فقالت له :
– طيب اركب معانا
قال بحرج :
– لا اتفضوا
رمقته “سمر” بطرف عنيها قبل أن تنطلق أمها بالسيارة .. كان لقاء الفتاتان حاراً :
– وحشتيني أوى أوى أوى
– انتى كمان يا “سمر” وحشتيني أوى
كادت الدموع أن تفر من عيني “إيمان” فصاحت “آيات” :
– لا أبوس ايدك أنا ما صدقتش انى ظبطته
تعانقت “آيات” و “سمر” فى اشتياق وكل منهما سعيدة برؤية الأخرى
التفتت “سمر” قائله :
– أمال فين “أسماء”
قالت “آيات” بحزن :
– تحت تعالى ننزلها

**************************************

حضر المأذون .. و … تم زواج “كريم” و “إيمان” وسط فرحة الأهل والأصدقاء .. لم تتوقف والدة “إيمان” عن الزغاريد كانت سعادتها لا توصف بالكلمات ولا بالعبارات .. بكت أكثر من مرة وهى تتطلع الى ابنتها التى قالت بمرح :
– ماما محسسانى انى اتجوزت خلاص .. ده كتب كتاب يعني أعدالك مش راحه فى حته
استأذن “كريم” ليدخل للعروس يُلبسها شبكتها .. صاحت “إيمان” فى لوعة :
– لازم يعني ؟
ضحكت “آيات” قائله :
– لا مش لازم خالص .. ربنا معاك يا أخويا يا حبيبى
دخل “كريم” متوجهاً اليها وقفت وهى تنظر أرضاً وهى تسمع صوت خفقات قلبها المضطرب داخل صدرها .. مد يده اليها .. فتسمرت مكانها وهى تفرك يديها بتوتر .. ضحك ضحكة خافته وهو يقول :
– مش هاكلها متخفيش .. أنا هلبسك الشبكة بس
أطلقت “آيات” ضحكة عالية
بينما أطلقت “سمر” وأمها ضحكات خافته .. نظرت اليها والدتها قائله :
– بت يا “إيمان” اخلصى
كادت أن تبكى وهى تتمتم بصوت مضطرب :
– هلبسها أنا
ابتسم “كريم” قائلاً :
– طيب ماشى .. ممكن ألبسك الدبلة على الأقل
أومأت برأسها وهى مازالت تنظر أرضاً .. وبعد عناء ومجاهدة للنفس .. مدت يدها لترسى الكهرباء فيها بعدما التقطها “كريم” فى راحته .. ألبسها دبلتها وهى لم تستطع منع تلك البسمة التى قفزت الى شفتيها .. أعطاها دبلته الفضية لتلبسه اياها .. اختفت ابتسامتها وهى تقول بصوت خافت :
– لازم ؟
ضحك بخفوت قائلاً وهو يرتديها بنفسه :
– لا مش لازم دلوقتى نأجلها بعدين
أطلقت والدة “إيمان” زغروته عاليه .. خرج “كريم” يستقبل التهانى بالخارج .. بينما جلست “إيمان” مع صديقتيها وهى تشعر بسعادة لم تشعر بها من قبل
انحنت “آيات” على “سمر” قائله :
– هنزل أشوف “أسماء” وآجى
أومأت “سمر” برأسها .. خرجت “آيات” من الشقة .. لكن فجأة تجمدت فى مكانها وهى ترى “آدم” الواقف أمام الباب يتحدث فى الهاتف .. أغلق سريعاً بمجرد أن رآها .. نظرت أرضاً .. وبدأت فى نزول الدرج .. هتف قائلاً :
– “آيات” .. ممكن بس أقولك حاجة
قالت وهى تستمر فى النزول دون أن تلتفت اليه :
– لا مش ممكن
نزل مسرعاً ووقف أمامها يعترض طريقها .. نظرت اليه بغضب وصاحت :
– ابعد لو سمحت
وقف أمامها بعناد قائلاً :
– اسمعينى الأول
صاحت بحده :
– مش عايزه أسمعك .. ابعد من أدامى
– “آيات” أنا عارف انى غلطت .. بس أنا كنت مضطر .. ليه مش عايزه تفهمى
نظرت اليه بإحتقار قائله :
– وأنا كنت فى الشارع من غير بيت ومن غير فلوس لكن معملتش زيك .. رغم انى بنت وضعيفه .. وكان ممكن أضيع نفسي .. بس أنا حافظت على نفسى لانى مش دى أخلاقى ولا دى تربيتي
أطرق “آدم” برأسها وقد آلمه كلامها بقدر ما آلمه نظرة الإحتقار فى عينيها .. ابتعد وأفسح لها الطريق .. نزلت مسرعة وهى تحاول منع الدموع من التجمع داخل عينيها .. توجهت الى غرفة “أسماء” فوجدتها تقف فى الشباك .. اقتربت منها قائله :
– “أسماء” أعده هنا لوحدك ليه .. يا بنتى اطلعى اعدى معانا
التفتت اليها “أسماء” وقالت بوجوم :
– لا مش عايزه .. اطلعى انتى
وقفت “آيات” بجوارها وهى تقول بحنان :
– طيب قوليلى مالك
سقط ضوء القمر على عينيها فلمعت فيهما الدموع .. ثم نظرت الى “آيات” قائله بصوت باكى :
– حسه ان مليش مكان بينكوا
قالت “آيات” وهى تربت على ظهرها :
– ليه بتقولى ده
صاحت “أسماء” وهى تبكى :
– عشان هى دى الحقيقة .. أنا فعلاً مليش مكان هنا .. بس أنا مش عارفه أروح فين .. انا لو فكرت أمشى من هنا مش هعرف أروح فى حته
قالت لها “آيات” بحنان :
– وليه عايزة تمشى من هنا يا “أسماء” .. فى حد ضايقك ؟
أطرق برأسها وهى تهزها نفياً وتقول بصوت خافت :
– لا مفيش حد ضايقنى
– لا أنا حسه ان فى حد ضايقك .. انتى كنتى كويسه .. لكن بقالك كام يوم مش مظبوطة خالص .. أكيد فى حاجة حصلت
مسحت “أسماء” عبراتها وهى تقول :
– لا متشغليش بالك .. يلا اطلعى عشان “إيمان”
قالت “آيات” بإصرار :
– مش هطلع الا اذا طلعتى معايا
نظرت اليها “أسماء” بحزم وهى تقول :
– أنا مش هطلع .. اطلعى انتى لو سمحتى .. انا بجد حبه أفضل لوحدى شوية .. معلش يا “آيات” بس فعلاً مش حبه أتكلم فى أى حاجه
قالت “آيات” بإستستلام وهى ترمقها بنظرات حزينه :
– طيب خلاص زى ما تحبي .. بس أتمنى فعلاً تفتحيلى قلبك وتقوليلى فى ايه .. أنا مبخبيش عنك حاجة أى حاجة بحكيهالك .. بس انتى على طول كدة بتشيلي جواكى ومبتتكلميش
لمعت العبرات فى عينيها مرة أخرى وهى تقول :
– أنا كويسة متقلقيش
عادت “أسماء” تتطلع من الشباك وتغرق فى شرودها من جديد

استأذن “كريم” من والد “إيمان” فى الخروج برفقتها .. بدلت “إيمان” ملابسها وأزالت المكياج .. واستعدت للخروج برفقة “كريم” .. انصرفا معاً وهى تشعر بالتوتر الشديد لخروجها لأول مرة بصحبة رجل .. حاولت أن تقنع نفسها بأن هذا الرجل أصبح زوجها .. لكنها لم تستطع على الرغم من ذلك اخفاء توترها واضطرابها وشعورها بشئ غريب ليست معتاده عليه من قبل .

قبل أن تنصرف “آيات” برفقة “سمر” ووالدتها .. أقبلت عليها والدة “إيمان” قائله :
– خدى يا “آيات” الطبق ده بتاع “أسماء” .. أنا مش عارفه مطلعتش ليه وفضلت أعده لوحدها تحت كده
توقف “على” عن جمع الأطباق بعدما استمع الى ما قالته أمه .. سمع “آيات” تجيب :
– والله ما عارفه يا طنط اترجتها كتير بس مرضيتش خالص وشكلها مضايقة ومش راضية تقولى ايه اللى مضايقها .. أكيد حاجة فى الشغل ضايقتها
– طيب يا حبيبتى اديها الطبق ده والحاجة الساقعة عقبال ما افرح بيكوا كلكوا ان شاء الله
تنهد “على” بضيق وهو يشعر بأنه السبب فى ذلك .. بعدما تحدث معها بهذا الحديث الذى ضايقها وجرحها

************************************

جلست “إيمان” أمام “كريم” على الطاولة فى ذلك المكان الهادئ .. تنظر الى يديها اللاتان تعرقتا من كثرة فركها اياهما .. رفعت نظرها لتتلاقى نظراتها بنظرات “كريم” فأخفضت عينيها على الفور .. ابتسم لها قائلا :
– طيب بلاش تبصيلي .. اتكلمى
لم تجيب .. فقال :
– تعرفى انك من يوم ما جيتي القرية دى وأنا مسمعتش صوتك
ظلت مطرقة برأسها وتوترها يتزايد .. فقال :
– طيب هسألك سؤال بسيط .. انتى وافقتى عليا ليه
حاولت التحدث فلم تستطع .. تنهد “كريم” قائلاً وهو يرجع ظهره للخلف :
– شكلك هتتعبيني
رفعت عينيها تنظر اليه تتبين هل هو غاضب منها أم لا .. لكنه فاجأها بإبتسامته العذبة ونظرات عينيه المرحة .. فابتسمت وهى تبعد عينيها عنه .. فقال بمرح :
– طيب على الأقل بتبتسمى .. أحسن الناس لو بصت علينا هيفتكرونى خاطفك
تمتمت بصوت خافت :
– أنا بس متوترة شوية
أسند مرفقيه على الطاولة وهو يقول مبتسماً :
– لا ما أنا شايف مش محتاجه تقوليلى
ثم تمتم بعتاب :
– كده متلبسينيش الدبلة ؟
قالت بصوت مضطرب :
– معلش
– ايه معلش دى .. أصرفها منين يعني .. فى عروسة ترفض تلبس عريسها الدبلة
نظرت اليه وقد عقدت جبينها وهى تقول :
– معلش مكنش قصدى أضايقك
نظر اليها بمرح قائلاً وهو يشير الى الدبلة فى اصبعه :
– ماشى بس خلى بالك أنا لبستها لنفسى مؤقتاً بس
ابتسمت وقد أطرقت برأسها فى خجل

انتهت سهرتهما وعادا الى البناية .. شعرت “إيمان” بسعادة كبيرة فقد استمتعت طيلة السهرة بشخصيته المرحة ابتسامته العذبة حتى وإن لم تتحدث معه الا قليلاً .. لكنها كانت سعيدة لأنه لم يظهر ضيقه منها لهذا السبب .. بل أبدى تقديراً لموقفها ولمشاعرها .. توقفا أمام بابيهما المتلاصقين .. التفت اليها “كريم” مبتسماً وهو يقول :
– ايه رأيك نتغدى مع بعض بكرة
ابتسمت بخجل وقالت مطرقة برأسها :
– ان شاء الله
نظر اليها قائلاً :
– طيب بصيلي طيب
حاولت فلم تستطع .. توترت قائله :
– انا هدخل بأه
قال “كريم” :
– ماشى اتفضلى
التفتت لفتح الباب .. فوجئت به يمسك ذقنها ويدير وجهها اليه .. نظرت اليه لتتلاقى عيناهما للحظات .. قال مبتسماً :
– تصبحى على خير
صمتت لبرهه .. ثم تمتمت بصوت خافت وهى مازالت تنظر الى عينيه التى شعرت بوجود قوة مغناطيسيه تجذبها اليهما :
– تصبح على خير

ألقت “إيمان” بنفسها فوق فراشها والابتسامه على محياها .. لم تجد فى نفسها الرغبة للنهوض وتبديل ملابسها .. فقد جلست سابحة فى فضاء خيالها تتذكر تلك الليلة بكل تفاصيلها .. لا تدرى الى كم من الوقت ظلت هكذا فى مكانها بلا حراك .. سمعت رنينن هاتفها فوجدت رقماً غريباً .. خمنت أنه لـ “كريم” .. فلم تعتاد اتصال أرقام غريبة بها وفى هذا الوقت .. رد قائله بصوت خافت :
– السلام عليكم
أتاها صوته :
– وعليكم السلام .. صحيتك
قالت بسرعة :
– لا أصلاً لسه منمتش
قال بحنان :
– أنا بس اتصلت أقولك انى النهاردة مش عايز أظبط المنبه عشان يصحيني للفجر .. عايزك انتى تصحيني .. ممكن ؟
اتسعت ابتسامتها وهى تقول :
– ممكن
صمت قليلاً ثم قال بخفوت :
– خلاص هعتمد عليكي .. تصبحى على خير
– وانت من أهل الخير
كان بينها وبين الفجر عدة ساعات .. لكها علمت أنها لن تستطيع النوم .. أسندت رأسها الى وسادتها والبسمة لا تفارق ثغرها !

 

error: