رواية “جواد بلا فارس”

الحلقة ( 16 )

بعد فترة طويلة من الإنتظار شعر “آدم” بالتوتر الشديد مد يده الى جيبه ليشعل احدى سجائره .. إلا أنه تذكر وجوده فى المستشفى فأعاد العلبة الى جيبه مرة أخرى .. نهض من مقعده وهو يدور حول نفسه كالطير الجريح .. كان التوتر قد أخذ منه مبلغه .. وأخيراً انفتح الباب .. وخرجت والدته من حجرة الآشعة على الترولى .. كانت قد بدأت فى الإفاقة قليلاً .. قال “آدم” للطبيب بلهفة :
– خير يا دكتور ؟
قال الطبيب :
– لا اطمن ان شاء الله بسيطة .. بس المسكن اللى خدته مكنش كافى ففقدت وعيها من شده الألم
شعر “آدم” بالألم وهو يقول بندم شديد :
– أنا السبب
ثم نظر الى الطبيب قائلاً :
– طيب والآشعة اللى حضرتك عملتها على راسها ؟
قال الطبيب :
– لا متقلقش الحمد لله الوضع مطمئن .. بس أهم حاجة ترتاح كويس الفترة اللى جايه
قال “آدم”
– حاضر يا دكتور
توجه “آدم” الى غرفة والدتها .. رآها وقد فتحت عيناها وتدور بهما فى الغرفة .. اقترب منها ببطء .. فالتفتت تنظر اليه .. ما كادت العبرات تقفز الى عينيها حتى قفزت الى عينيه هو الآخر .. اقترب منها وجلس بجوارها وقبل رأسها المضمد ويديها ودموعه تغرقهما وهو يقول بصوت مرتجف :
– أنا آسف يا ماما .. بجد آسف
بللت العبرات وجهها وشهقات بكائها تمزق قلبه فنظر اليها بتأثر قائلاً :
– أنا عارف ان أنا ابن عاق .. ادعيلى ان ربنا يهديني
تحدثت أمه بصوت واهن وهى تقول :
– بدعيلك يا “آدم” .. بدعيلك يا ابنى ان ربنا يهديك ويكفيك شر نفسك
قبل يديها مرة أخرى ثم مسح العبرات المتساقطة فوق وجهه قائلاً بحزم :
– بمجرد ما صحتك تتحسن .. هاخدك تيجي تعيش معايا .. مش ممكن أسيبك هنا تانى
ابتسمت أمه وأجهشت فى البكاء وهى تقول :
– وحشتنى أوى يا “آدم”
شعر “آدم” برغبة قوية فى البكاء .. رغبة لم تجتاحه من قبل كما هى الآن .. شعر بشئ محبوس بداخله يخنقه ويتمنى أن يخرج .. وضع رأسه فوق كتف والدته وأجهش فى البكاء .. ربتت أمه بيدها على شعره وهى تلف ذراعيها حوله كالطفل الصغير .. علت شفتيها ابتسامه من بين دموعها وهى تضمه اليها بشدة خشية أن يبتعد عنها مرة أخرى .. قالت أمه بصوت مرتجف :
– ربنا يهديك يا “آدم” .. ربنا يهديك
رفع “آدم” رأسه ونظر اليها بوجهه الباكي قائلاً :
– مسامحانى ؟
نظرت أمه اليه بحنان قائله :
– لما تبقى أب هتعرف ان ابنك ده حته منك مينفعش تغضب عليه عشان رضاك عليه من رضا ربنا فمش هيجيلك قلب تفضل غضبان عليه .. وهتسامحه وتاخده فى حضنك .. ومهما عمل فيك هتفضل تحبه وتدعيله
قبل “آدم” رأسها برفق وقال بتأثر :
– أنا مستهلكيش على فكرة
أمسكت وجهه بين كفيها وقالت بحزم :
– لا تستاهل .. بس ارجع “آدم” ابنى .. وسيبك من الطريق اللى انت ماشى فيه ده
تنهد “آدم” بحزن .. ثم نظر اليها قائلاً برقه :
– نامى دلوقتى .. الدكتور قال انك محتاجه راحه .. ومتقلقيش هفضل جملك لحد ما تقومى بالسلامة وأخدك معايا
ابتسمت أمه بسعادة وهى تنظر اليه وتتأمله .. تشبع شوقها اليه طوال الفترة السابقة

**************************************
ظلت “آيات” تدعو وتستغفر الله عز وجل وهى تنتظر خروج والدها من حجرة العمليات .. مرت ساعة وراء ساعة ونار الإنتظار تأكلها وتنهش فيها .. تنظر الى الباب المغلق وتتمنى أن يتحرك ويُفتح .. ظلت تنظر اليه تأمره بعينيها أن ينفتح .. الى أن استجاب لها .. خرج الطبيب فنهضت بلهفة تسأله وعيناها حمراوين من شدة البكاء .. قالت بصوت مبحوح :
– بابا عامل ايه دلوقتى يا دكتور ؟
التفت الطبيب حوله ثم قال :
– انتى مفيش حد من قرايبك معاكى ؟
هزت “آيات” رأسها نفياً وهى تقول بضعف :
– لا أنا مليش حد غير بابا
نظر اليها الطبيب بشفقة .. فقالت تحثه على الكلام وهى تمسح الدموع التى تبلل وجهها :
– هو كويس ؟ .. هيخرج امتى ؟
تنهد الطبيب وقال بحنو :
– معلش يا بنتى .. البقاء لله
تسمرت “آيات” فى مكانها .. تنظر الى الطبيب وقد حبست أنفاسها .. بدت عيناها كبئرين ماء امتلآ على آخرهما .. تمتمت قائله :
– ايه ؟
نظر اليها وقد أشفق على حالها فقال بأسى :
– قلبه متحملش العملية .. للأسف اتوفى
لم ترفع “آيات” عيناها عن الطبيب .. أخذت دموعها تتساقط وهى تكرر :
– ايه ؟
نادى الطبيب احدى الممرضات وقد شعر بالقلق على “آيات” .. قال لها :
– خليكي معاها متسبيهاش
استمرت “آيات” فى النظر اليه ودموعها لا تتوقف عن الإنهمار .. ورددت للمرة الثالثه :
– ايه ؟ .. بتقول ايه ؟ .. فين بابا ؟
اضطرب تنفسها وهى تحاول أن تستوعب ما قاله نظرت الى غرفة العمليات وأخذت تنادى :
– بابا .. بابا .. اخرج يا بابا أنا مستنياك
حاولت الممرضة أن تمسك ذراعيها لتبعدها عن غرفة العمليات .. فنفضت “آيات” ذراعيها منها بقوة وهى تصيح :
– بابا .. بابا اطلع أنا مستنياك
حاولت اقتحام غرفة العمليات لكن الطبيب أمسكها وهو يصيح فى الممرضة :
– هاتيلى حقنة مهدئ بسرعة
أجهشت “آيات” فى البكاء وهى تصرخ بأعلى صوتها :
– بابا .. بابا اطلع .. بابا
قال لها الطبيب وهو يحاول أن يهدئها :
– لا حول ولا قوة الا بالله .. اهدى يا بنتى
خارت قواها على الأرض وهو ممسكاً بها وأخذت تصيح :
– بابا اطلع بأه .. بابا اطلع
التف حولها عدد من الممرضات .. اخذت تبكى بحرقة .. حملوها الى الترولى وأدخلوها احدى الغرف ومازالت صيحات بكائها تشق قلب من يسمعها

*****************************************

أمضت “أسماء” الليل فى غرفتها وهى جالسه فوق فراشها تبكى قهراً .. أزاحت التسريحة ووضعتها خلف الباب حتى لا يتمكن ابن خالتها من الدخول مرة أخرى الى غرفتها .. فى الصباح تخيرت “أسماء” عباءة واسعة ارتدتها وارتدت فوقها حجابا طويلا وخرجت من الغرفة .. تجمعت الأسرة حول طاولة الطعام .. لمحت نظرات السخرية فى عيني “هانى” وهو ينظر الى ملابسها .. تذكرت أحداث الليلة الماضية فلم تجد فى نفسها رغبة فى تناول الطعام .. نهضت وتوجهت الى غرفتها بعدما طلبت من خالتها مفتاح لغرفتها فقالت لها :
– عايزاه ليه ؟
قالت “أسماء” بإرتباك :
– عادى يا خالتو
قالت خالتها بلا مبالاة :
– هبقى أدورلك عليه
دخلت “أسماء” غرفتها وأغلقتها مرة أخرى بالتسريحة .. تعلم بأنه لن يجرؤ على افتحام غرفتها فى وضح النهار لكنها لم يكن لديها استعداد للمخاطرة .. فتحت الشرفة وخرجت تستنشق الهواء الساخن .. الذى ألهب عينيها ففاضت دموعها مرة أخرى .. قالت لنفسها :
– هى مش هتتحل بأه يا “أسماء” !

*****************************************

ساعد المحامى “آيات” فى اجراءات الدفن .. خانتها ذاكرتها فلم تتصل بـ “سراج” لتخبره بوفاة أخيه .. ولا حتى بـ “أسماء” .. كانت فى دنيا غير الدنيا .. ولولا وجود دادة “حليمة” بجوارها لماتت فى بيتها جوعاً أو حزناً دون أن يشعر بها أحد .. سقطت مغشياً عليها مرات عدة فأسرعت دادة “حليمة” بمساعدتها وبمداواتها .. دُفن “عبد العزيز” فى مقابر العائله .. عادت “آيات” الى الفيلا الخالية .. أخذت تنظر الى كل ركن فيها بألم .. فكل مكان بها يحمل ذكرى لها مع والدها الحبيب .. جلست على فراشها متعبة مرهقة .. فقالت لها “حليمة” بإشفاق :
– أجبلك تاكلى يا حبيبتى
هزت “آيات” رأسها نفياُ وهى تضع رأسها على الوسادة وتغمض عينيها
مسحت “حليمة” بكفها على شعر “آيات” وهى تقول بحنان :
– طيب نامى دلوقتى يا بنتى ولما تصحى هحضرلك الغدا
لم تجد “آيات” فى نفسها رغبة لفعل أى شئ سوى .. النوم .. حيث تهرب من الواقع الى عالم الأحلام .. لكن واقعها اخترق حلمها بقوة لتقوم فزعة من نومها وهى تصرخ :
– بابا
هرولت “حليمة” من المطيخ قائله :
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. انتى كويسة يا “آيات” ؟
قالت “آيات” بوهن :
– أيوة
جلست “حليمة” بجوارها .. فوضعت “آيات” رأسها على الوسادة مرة أخرى لتتساقط منها عبرات صامته .. مسحت “حليمة” وجه “آيات” المبلل .. ودون أن تشعر .. بكت هى الأخرى
نهضت “آيات” فى منتصف الليل وأمسكت مصحفها تقرأ من كتاب الله وقد فاضت عيناها .. نوت بقلبها اهداء ثواب تلك القراءة لأبيها .. لم تستطع أن تكمل .. قطع عليها بكائها القراءة .. كانت تشعر بألم يمزقها الى أشلاء .. كيف تتحمل فقدان أبيها .. لم يكن فقط أباً .. بل كان كل عائلتها وكل صحبها .. كان شعورها كمن فقد عائلته كلها فى يوم واحد .. أخذت ترفع يديها بالدعاء له بالرحمة والمغفرة

******************************************

أمضى “آدم” الاسبوع بجوار والدته فى المستشفى .. لم يتركها خلاله الا لفترات قصيرة ثم يعود اليها مرة أخرى .. تابع سير العمل بالقرية عن طريق الهاتف .. وتابعه “زياد” بالأخبار أولاً بأول .. كانت أمه سعيدة بهذا التغير وهذا الإهتمام منه .. قالت له فى احدى المرات وهى تنظر اليها متبسمه :
– ياه .. كنت وحشنى أوى يا “آدم”
ابتسم “آدم” فأكملت دامعة العينين :
– كان وحشنى ابنى اللى بيخاف عليا وبيهتم بيا .. كان وحشنى أوى
جلس “آدم” بجوارها قائلاً :
– طيب بلاش عياط علشان خاطرى
ابتسمت وهى تحاول اخفاء تأثرها وقالت :
– حاضر يا ابنى خلاص مش هيعط
ثم نظرت اليه قائله :
– شغلك مش متعطل يا “آدم” ؟
قال “آدم” :
– لا متقلقيش يا ماما أنا متابع كل حاجة بالتليفون .. وكمان “زياد” هناك فعشان كده مطمن
قالت أمه بسعادة :
– ما شاء الله هو “زياد” بيشتغل معاك
ابتسم قائلاً :
– أيوة
قالت أمه بحنان :
– طول عمركوا روحكوا فى بعض .. ربنا ما بيفرق بينكوا أبداً
قال “آدم” بمرح وهو ينظر الى هاتفه :
– أهو بيتصل ياريتنا كنا جبنا سيرة ربع جنيه
رد “آدم” قائلاً :
– أيوة يا “زياد”
قال “زياد” بتوتر :
– أيوة يا “آدم” .. ازى طنط عاملة ايه دلوقتى
قال “آدم” وقد انتبه لتغير صوته :
– أحسن الحمد لله .. ما صوتك .. فى حاجة حصلت ؟
تنهد “زياد” بضيق وبلهفة كما لو كان لا يستطيع الإنتظار أكثر ليخبره بما لديه :
– لازم تيجي تلحقنى بسرعة يا “آدم” فى حريقة فى القرية
صاح “آدم” وقد هب واقفاً :
– ايه .. حريقه ؟
نظرت اليه أمه بجزع وقالت :
– لا حول ولا قوة الا بالله
قال “زياد” بإضطرب :
– أيوة حريقة .. لسه المطافى ماشيه من شوية
صاح “آدم” قائلاً :
– فى حد مات ؟
قال “زياد” بسرعة :
– لا اطمن لا فى حد مات ولا حد اتصاب لان الكلام ده حصل بالنهار مكنش فى حد فى الملهى
صاح “آدم” بغضب بالغ :
– الملهى ؟ .. الحرقة كانت فى الملهى ؟
تنهد “زياد” قائلاً :
– أيوة النار مسكت فيه .. وللأسف المطافى جت متأخر وجزء كبير منه اتفحم
قال “آدم” بغضب هادر :
– مفيش غيره .. “عاصى” الكلب هو اللى عملها
قال “زياد” بقلق :
– متتهورش يا “آدم” لو سمحت أنا بلغت البوليس وهو أكيد هيعرف مين اللى عمل كده
قال “آدم” بعنف وبدا وكأنه لم يستمع الى كلمات “زياد” :
– أنا هوريك يا “عاصى” الكلب .. اذا كنت حابب شغل البلطجة معنديش أى مشكله اشرب بأه
كان “آدم” يغلى من الغضب فقالت له والدته بقلق :
– خير يا “آدم”
قال “آدم” بحده :
– مفيش شوية مشاكل فى الشغل متشغليش بالك يا ماما
قالت أمه وهى تنظر اليها بإشفاق :
– طيب يا حبيبى سافر انت متعطلش شغلك بسببى أنا بقيت كويسة
نظر “آدم” اليها بحزم قائلاً :
– مش هسيبك هنا يا ماما .. هتيجي معايا
ثم توجه الى الخارج قائلاً :
– هروح أسأل الدكتور إذا كان ينفع تسافرى ولا لأ

**************************************
صاحت “أسماء” بحده :
– انتى بتستعطبى يا “آيات” بجد زعلتيني منك جداً اسبوع يا “آيات” .. اسبوع وأنا معرفش ان باباكى اتوفى وألفه موبايلك كمان
قالت “آيات” بوهن وهى جالسه فى فراشها :
– معلش يا “اسماء” أنا مكنش عقلى فيا .. مكنتش قادرة أتكلم ولا حتى أشوف حد
قالت “أسماء” وهى تجلس بجوارها :
– بس أنا مش حد يا “آيات”
قالت “آيات” ودموعها تتساقط على وجهها :
– معرفش بأه .. أنا كنت طول الوقت بنام عشان أهرب من التفكير .. وبعدين لما فوقت كلمتك وقولتك
عانقتها “أسماء” قائله :
– يا حبيبتى يا “آيات” .. معلش ربنا يرحمه
بكت “آيات” قائله :
– مش قادرة يا “أسماء” مش قادرة أتحمل فراقه .. مش قادرة أصدق انه خلاص مات .. بنام وبصحى أحس انه هيخبط على بابا أوضتى .. ويقولى تعالى اتعشى معايا .. ويكلمنى عن الرحلة اللى هنطلعها سوا .. ده وعدنى ياخدنى للحج السنة دى .. وهنطلع عمره كل سنة .. مش قادرة اصدق انى خلاص مش هشوفه تانى .. ازاى مشوفوش تانى يا “أسماء” .. ازاى .. ازاى هعيش من غير بابا .. ازاى بابا معدش موجود .. ازاى معدتش هسمع صوته .. يعني هو كده خلاص معدش هيكون موجود تانى .. خلاص كده هفضل عايشه من غير ما أشوفه
انهمرت العبرات من عيني “أسماء” وهى تنظر الى صديقتها فى أسى واشفاق وقالت :
– ربنا يصبرك يا “آيات”
نظرت “أسماء” الى الحقائب التى تملأ الغرفة وقالت :
– انتى هتسيبى الفيلا امتى ؟ .. وهتروحى فين ؟ .. ودفعتى أصلا فلوس العملية ازاى ؟ .. معاكى فلوس ؟
قالت “آيات” وهى تحاول تمالك أعصابها :
– خدت دهبى .. وبعته ودفعت جزء من احساب العملية .. ولما الشركة اتباعت كملت ودفعت باقى حساب المستشفى .. الفيلا كمان اتباعت بكل اللى فيها فى المزاد بس مديني مهلة لآخر الشهر عشان أخرج منها
قالت “أسماء” بإستغراب :
– بس مش المفروض عمك ده اللى بتكرهوه يورث فى باباكى
قالت “آيات” :
– لا .. الميراث مبيتوزعش الا بعد تسديد الديون .. مش ربنا بيقول فى سورة النساء “من بعد وصية يوصى بها أو دين ”
ثم قالت بألم :
– مع انى برده هيبقى عليا أكيد ديون .. لان المحامى قالى ان الفلوس بتاعة الفيلا والعربية مش هتكفى .. فهضطر أبيع عربيتي وللأسف معنديش حاجة تانى أبيعها والفلوس اللى باسم بابا فى البنك كمان راحت
قالت “أسماء” بأسى :
– ده ايه الهم ده
ثم قالت بحزم :
– بيعي عربيتك وخلى فلوسها ليكي انتى .. انتى أولى بيها وسيبك من موضوع الديون واللى يسألك قولى ممعكيش
نظرت اليها “آيات” بلوم وبألم وقالت :
– انتى تعرفى ان فى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بيقول ” يغفر للشهيد كل شىء إلا الدين” .. وكمان فى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم “أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله، فصلى عليه” ..يعني الرسول مصلاش على الميت صاحب الدين الا بعد ما حد من الصحابة قال انه هيسدد عنه دينه .. ازاى أسيب بابا من غير ما أسدد دينه
تنهدت “أسماء” بأسى وقالت :
– والله لو كان معايا حاجة يا “آيات” مكنتش اتأخرت عنك
قالت “آيات” وهى تنظر اليها ممتنه :
– عارفه يا “اسماء”
قالت “أسماء” :
– أمال انتى هتعيشي فين بعد ما تسيبي الفيلا ؟
قالت “آيات” بحيرة واسى :
– معرفش .. معرفش

*************************************
أغلق “عاصى” الهاتف وهو يضحك بشدة .. سأله والده الجالس معه فى المكتب قائلاً :
– خير متضحكنا معاك
قال “عاصى” بسعادة :
– مفيش .. “آدم” كان مسافر القاهرة فبعتله هدية صغيرة نستقبله بيها لما يرجع
قال أبوه بإستغراب :
– هدية ايه يا “عاصى” ؟
قال “عاصى” بتشفى :
– ولعتله فى الملهى الليلى اللى فرحان بيه
ضرب “سراج” بقوة على المكتب فإنتفض “عاصى” .. صاح “سراج” بغضب :
– أنا مش قولتلك متعملش حاجة من غير ما ترجعلى يا “عاصى”
قال “عاصى” بغيظ :
– هو اللى بدأ اللعب بالنار .. اللى يلعب بالنار تلسعه
صاح “سراج” بحده :
– غبي يا “عاصى” .. غبي .. انت عارف “آدم” كويس .. مش من النوع اللى يخاف ويكش .. انت عارفه كويس ايه اللى خلاك تتهور كده
قال “عاصى” بحده :
– هيعمل ايه يعنى ولا يقدر يعمل حاجة
هتف “سراج” بحده :
– غور من دامى يا “عاصى” .. وتروح حالا القرية تأمن عليها كويس وتخليك فيها اليومين دول لانى واثق ان “آدم” مش هيسكت .. وأى حاجة جديدة تبلغنى بيها فوراً
ثم صاح محذراً وهو يشير بإصبعه :
– واياك حسك عينك تعمل حاجة من غير ما ترجعلى .. فاهم يا غبي
خرج “عاصى” من مكتب والده وعلامات الغضب على وجهه .. وقف أمام المصعد وهو يتمتم بغضب :
– أكنى عيل صغير اعملى يا “عاصى” .. واياك تعمل يا “عاصى” .. حاجة تقرف

************************************

توجه “آدم” مع والدته الى منزلها يجمع حاجياتها ثم انطلق بها الى العين الساخنة .. كان “آدم” شارداً طوال الطريق يفكر بغيظ فيما فعله “عاصى” بقريته .. فليس لديه أدنى شك بأنه وراء حرق الملهى الليلى .. تلقى اتصالات عديدة من “شكرى” الذى بدا غاضباً لكن “آدم” طمأنه بأن الخسائر ليست كبيرة وبأن الإقبال على القرية لم يتأثر بتلك الحادثة .. لكن “آدم” صمم على تلقين “عاصى” درساً حتى لا يتجرأ مرة أخرى على الإقتراب منه ..أوصل والدته الى الشاليه وتوجه من فوره الى الملهى الليلى .. عاينه بغضب وهو يتفحص الخسار ثم صاح بغضب :
– ابن التييييييييييت
قال “زياد” بهدئه :
– الحمد لله انها جت على أد كده يا “آدم” .. كويس ان محدش اتصاب ولا حد مات والا كانت هتكون فضيحه بجد
خرج “آدم” مسرعاً واجتمع بالحرس الخاص الذى استأجرهم .. و … أمرهم بما يجب أن يفعلوه .. قوبل بالإعتراض فى البداية .. لكن الإعتراض اختفى بعدما لوح “آدم” بالثمن !

***********************************
أثناء الغداء قالت والدة “سماء” :
– أنا خارجه النهاردة مع خالتك وجدك رايحين نزور ناس قريبنا فى البلد وهنرجع متأخر
خشت “أسماء” من البقاء بمفردها فى المنزل فقالت بلهفه :
– لا أنا جايه معاكوا
لم تعترض والدتها حانت منها التفاته الى “هانى” الذى ابتسم لها بسخرية .. قامت وتوجهت الى غرفتها فكانت رؤيته تسبب لها الغثيان .. بعد منتصف الليل عادوا من الخارج والكل متعب مرهق .. توجهت “أسماء” الى غرفتها ووضعت التسريحة خلف الباب كعادتها كلما دخلت الى غرفتها .. ما كادت تلتفت حتى رأت “هانى” أمامها .. كادت أن تصرخ لكنه وضع يده على فمها يكممه قائلاً :
– ششششش لو فتحتى بوقك هتبقى فضيحه وهقولهم انى كنت نايم فى أوضتك لأنها طراوه .. وانتى اللى بتتبلى عليا
بكت “أسماء” وهى تقول له :
– حرام عليك بأه .. أنا بنت خالتك مش واحده من الشارع
كالمرة السابقة لم يعبأ لبكائها ولا لتوسلاتها .. وجذبها الى الفراش .. أخذت تهتف بين شهقات بكائها المرير :
– كفاية بأه
انتهت تلك الدقائق الكريهة كسابقتها وعاد الى غرفته منشياً شاعراً بالإنتصار .. أما “أسماء” فكانت نفسيتها وأعصابها فى الحضيض .. ظلت تتلوى فى فراشها بعدما تقيأت بشدة وأصابها الإعياء .. أغمضت عينيها بشدة وهى لا تتمنى إلا شئ واحد … المــوت

**************************************
استيقظ “عاصى” على صوت هاتفه .. رد بصوت ناعس :
– أيوة
صاح الطرف الآخر :
– الحق يا أستاذ “عاصى” فى بلطجية دخلوا القرية بعربيات جيب وكسروا الواجهة والازاز اللى فى المدخل .. وولعوا فى الجنينة ومحدش عرف يمسكهم ..
هب “عاصى” واقفا وارتدى ملابسه على عجالة ونزل يرى المصيبة التى أصابت قريته .. وجت النزلاء قد تجمهروا فى الأسفل وهم ينظرون بجزع الى الحريق الكبير المشتعل فى الحديقة والزرع فصاح قائلاً :
– طلبوا المطافى بسرعة
صاح مدير القرية :
– طلبناها يا أستاذ “عاصى”
صاح به “عاصى” بحده وهو يرى الزجاج المحطم والتماثيل المهشمة والنار التى تلتهم كل ما يقابلها :
– وكنت فين حضرتك لما ده حصل وفين الأمن
قال مدير القرية بقلق وارتباك :
– كل حاجة حصلت فجأة .. دلخوا بعربيات جيب ورموا ملوتوف على الجنينة وحجارة على الواجهات وعلى ما جينا نتصرف لفوا ومشيوا بسرعة
صاح “عاصى” بغضب هادر :
– اتفضل قفل حسابك وسلم شغلك وشوفلك مكان تانى ديره .. انت كبيرك أوى تدير حضانة اطفال مش قرية سياحيه
شعر مدير القرية بالمهانة وتوجه الى الداخل مسرعاً بغضب .. وقف “عاصى” ينظر الى ما حوله بغيظ وقد تعالت صيحات الإستنكار من النزلاء فصاح بغضب :
– حد يطلب المطافى

*************************************

توجهت “آيات” الى مكتب محامى والدها .. كانت هذه هى المرة الأولى التى تحتاج لأحد غير والدها .. وتطلب منه شيئاً ما .. شعرت بحرج بالغ .. قالت ورأسها منخفض :
– أنا محتاجة مبلغ صغير وهمضيلك وصولات أمانه
صمت المحامى قليلاً ثم قال متهرباً :
– انا لو كان معايا فلوس مكنتش أعزها عليكي بس أنا حالياً بمر بأزمة مالية خاصة بعد ما شغلى فى شركة والدك انتهى .. يعنى أنا زيي زيك
نظرت اليه بألم وقالت :
– بس أنا مفيش مكان حتى أورح فيه .. محتاجة على الأقل أأجر شقة .. والفلوس اللى اتبقت من بعد بيع العربية مش هتكفي الا ايجار كام شهر .. ده غير الأكل والشرب والمصاريف
قال المحامى بلامبالاة :
– انزلى اشتغلى .. انتى متخرجة ومعاكى شهادة وأكيد هتلاقى شغل كتير
قالت “آيات” بيأس والدموع فى عينيها :
– طيب حضرتك متقدرش تشوفلى شغل فى أى شركة ؟
قال المحامى وهو يمط شفتيه :
– هحاول أشوفلك
خرجت ” آيات” من مكتبه تنظر الى الشارع المزدحم وقد امتلأت عيناها بالعبرات .. نظرت الى المارة فى الشارع بألم وهى تستعد لأول مرة لمواجهة الحياة بمفردها .

 

error: