رواية “جواد بلا فارس”

الحلقة ( 2 )

وفجأة انخفضت الأصوات تدريجياً وتعلقت الأنظار بالشخص القادم .. التفتت “آيات” تنظر الى باب المدرج وقلبها يخفق بسرعة وارتسمت ابتسامه صغيره على شفتيها ونظره حالمه فى عينيها .. دخل “آدم” المدرج ووقف على المنصة أمام المكتب ببدلته الأنيقة وملامحه الوسيمة ونظرات كالبحر متلاطم الأمواج .. نظر الى الطلاب قائلاً بصوته الرخيم :
– مساء الخير
ردد الطلاب :
– مساء النور يا دكتــور “آدم”
حاولت “آيات” بصعوبه اخفاء البسمة التى ارتسمت على شفتيها حال رؤياه .. قال “آدم” وهو ينظر الى الأوراق أمامه :
– حد يفكرنى وقفنا فين المرة اللى فاتت
قال أحد الطلاب :
– ……….
اومأ “آدم” برأسه وبدأ محاضرته .. استمرت المحاضرة قرابة الساعتين .. قرب انتهاء المحاضرة بدا على الجميع الملل والحنق والرغبة فى انتهاء المحاضرة بإستثناء “آيات” .. التى كانت تنظر الى “آدم” تراقب كل حركة وكل سكنة وكل ايماءة وكل التفاته .. التفتت اليها “أسماء” قائله :
– اطلبي منه صورة أحسن
وكزتها “آيات” فى ذراعها بقوة فقالت “أسماء” بغيظ :
– كوعك عامل زى المسمار يا بنت انتى
قالت “آيات” بتشفى :
– أحسن عشان تحترمى نفسك
هتفت “أسماء” بصوت منخفض :
– انتى مش شايفة نفسك بتبصيله ازاى .. ده انتى هاين عليكي تاخديه فى ايدك وانتى خارجه من المحاضرة
وكزتها “آيات” مرة أخرى بقوة أكبر .. فلم تستطع “أسماء” كتم صرخة ألم :
– آآه
لم يكن صوتها عالياً للدرجة .. ولكنه كان ملفتاً خاصة مع السكون الذى كان سائداً فى المدرج .. التفت “آدم” الى مصدر الصوت .. فالتقت عيناه بعيني “آيات” .. شعرت بقلبها ينبض بجنون داخل صدرها .. وحبست أنفاسها وتضرجت وجنتاها بحمره خفيفه أخفتها الأصباغ الصناعية التى كانت تضعها على وجهها .. عاد “آدم” ليلتفت الى شرحه وهو ينقل نظره بين طلابه بلامبالاة .. نظرت “آيات” الى “أسماء” بغضب والتزمتا الصمت .. انتهت المحاضرة فتابعته “آيات” بعيناها وهو ينصرف قبل الطلاب .. ساد الهرج والمرج وخرجت الفتاتان من المدرج .. وقفتا أمام الكلية تتحدثان فقالت “أسماء” :
– متيجى نروح النادى النهاردة حسه انى مخنوقة
قالت “آيات” وهى تشعى بالملل :
– وأنا كمان
ثم قالت :
– وكمان هكلم “ايمان” و “سمر” ييجوا معانا
قالت “أسماء” بمرح :
– أوكيشن

توجهت الفتاتان الى النادى وجلستا حول احدى الطاولات فى انتظار حضور صديقتيهما .. قالت “أسماء” وهى تنظر الى “آيات” بعتاب :
– برده مش عايزه تتكلمى معايا
زفرت “آيات” بضيق دون أن تنطق بشئ .. فقالت “أسماء” بغضب :
– بس ابقى خليكي فاكراها يا “آيات” .. والله ما عدت حكيالك أى حاجه تانى
قالت “آيات” بحنق :
– مفيش أصلاً حاجة تتحكى
قالت “اسماء” بعناد :
– حاولى .. هتلاقى الكلام بيتسرسب منك واحدة واحدة
صمتت “آيات” لفترة ثم قالت بحزن :
– كل الحكاية انه عجبنى مش أكتر من كده يعني
قالت “أسماء” مبتسمه :
– ليكي حق يا “يويو” الراجل موز ودكتور فى الجامعة
نظرت اليها “آيات” بغضب قائله :
– احترمى نفسك يا “أسماء” لو سمحتى
ضحكت “أسماء” قائله :
– ده بجد بأه
ظهرت علامات الضيق على وجه “آيات” فإقتربت “أسماء” بمقعدها منها ووضعت يدها على يد “آيات” قائله بإهتمام :
– اتكلمى يا “آيات” .. قوليلى اللى جواكى
قالت “آيات” بنفس النظرة الجزينة :
– مفيش حاجة تتقال
قالت “أسماء” بجدية :
– بس أنا عمرى ما شوفتك كده يا “آيات” .. عمرى ما حسيت انك ممكن تنجذبى لحد كده .. ما فى ولاد كتير حوالينا وأمامير وستايل وولاد ناس .. بس انتى عمرك ما اهتميتي بحد منهم .. فمستغرباكى أوى .. لانى مشفتكيش قبل كده بتنجذبى لحد من مجرد شكله
نظرت اليها “آيات” وقالت بحده :
– أنا منجذبتلوش عشان شكله
قالت “أسماء” بإستغراب :
– أمال عشان ايه ؟ .. انتى أصلاً متعرفيهوش
قالت”آيات” وكأن شريط سينيمائى يمر من أمام عينيها :
– فى سنة أولى قبل ما أتعرف عليكي .. كان لسه بابا مجبليش العربية .. كنت بروح الجامعة فى تاكسى .. او بابا بيبعت معايا العربية بالسواق .. فى اليوم ده كنت راكبه تاكسى .. ونزلت أدام الجامعة .. معرفش ايه اللى حصل لقيت فجأة تاكسى تانى بيفرمل جامد أدامى وبيخبط فى الرصيف .. معرفش أنا اللى منتبهتش ولا هو اللى غلطان .. نزل السواق من التاكسى بتاعه وفضل يزعق فيا جامد أوى لدرجة انى عيطت وسط الشارع
كانت “أسماء” تسمع الى “آيات” بإهتمام فأكملت قائله :
– كنت فى موقف محرج أوى والراجل مش عايز يهدى ومش عايز يعديني واكمن العربية خبطت فى الرصيف كان عايز تمن التصليح وأنا ساعتها مكنش معايا المبلغ اللى طلبه كتعويض
اتسعت عينا “أسماء” وهى تستمع الى كلام “آيات” التى أكملت قائله بإتبسامه خفيفه :
– بعدها لقيت دكتور “آدم” جه .. شكله كان داخل الجامعة ولقى الخناقة والراجل وهو بيزعقلى .. المهم فضل يتكلم مع الراجل ويقوله متزعقلهاش كده دى بنت .. والراجل برده فضل يزعق ومصر ياخد فلوسه قولتله هتصل ببابا يبعتلى حد بالفلوس وافق بس بشرط انى افضل معاه متحركش لحد ما بابا ييجى
ثم نظرت “آيات” الى “أسماء” مبتسمه بخجل وهى تقول :
– كنت خايفه من الراجل أوى .. وكنت بعيط .. بس دكتور “آدم” فضل واقف معايا ومرضاش يمشى ويسيبنى واقفه معاه لوحدى .. حسيته كان مضايق من اللى حصلى وفضل يقولى متخفيش ميقدرش يعملك حاجه .. وفضل واقف جمبي .. كنت أول مرة أشوفه .. ومكنتش حتى اعرف انه دكتور عندنا فى الكلية
ثم أكملت :
– بابا جه بنفسه واتفاهم مع الراجل وساعتها دكتور “آدم” سألنى انتى كويسه .. قولتله أيوة .. قالى معلش راجل معندوش دم متزعليش نفسك أنا لو كان معايا المبلغ دلوقتى كنت دفعتهوله ومكنتش وقفتك كده
صمتت “آيات” قليلاً ثم قالت :
– بصراحة احترمته أوى وحسيته رجل أوى .. ومش عارفه دى تهيآت ولا ايه بس حسيت بنظرات عينه حنينه أوى وهو بيبصلى .. بعد كده بابا شكره انه كان جمبى ودافع عنى .. بس .. شوفته بالصدفة فى الكلية وعرفت انه بيدي مادة فى سنة رابعه .. آدى كل الحكاية
التفتت “أسماء” الى “آيات” قائله :
– بس أنتى عمرك ما قولتيلى انك حسه بحاجه نحيته
قلت “آيات” بحزن :
– أنا نسيت الموضوع وشيلته من بالى .. بس لما شوفته فى بداية السنة دى وبقيت بشوفه كتير .. مش عارفه .. على طول بفتكر الموقف اللى عمله معايا
ثم نظرت الى “أسماء” وقالت بحماس :
– تحسيه راجل كده .. مش حتت عيل .. يعني تحسيه واثق من نفسه وبيدافع عنك وخايف عليكي وبيحميكى
ثم تنهدت قائله :
– تفتكرى أنا مكبرة الموضوع ؟
قالت “أسماء” بعد تفكير :
– بصى مش عايزة أعشمك بحاجة .. وفى نفس الوقت مش عايزة اضايقك .. بس أنا مش شايفه أى اهتمام من نحيته يا “آيات”
قالت “آيات” بحزن وهى تطرق برأسها :
– عرفه
نظرت اليها “أسماء” قائله :
– طيب ما تحاولى تلفتى انتباهه
قالت “آيات” بدهشة :
– ازاى يعنى ؟
قالت “أسماء” بحيره :
– مش عارفه
فكرت “آيات” قليلاً ثم قالت بكبرياء :
– لا مش هحاول ألفت انتباهه .. هو لو حس بحاجه نحيتى يبقى منه لنفسه .. ولو محسش خلاص هو حر مش هضربه على ايده عشان يحبنى
ثم ظهر الحزن مرة أخرى فى عينيها وقالت وكأنها تحدث نفسها :
– تفتكرى ممكن يحبنى ؟
قالت “أسماء” :
– مش يمكن أصلاً يكون متجوز
التفتت اليها “آيات” قائله بثقه :
– لا مش متجوز .. مش لابس دبلة
قالت “أسماء” بتهكم :
– مش شرط كل الرجاله المتجوزين يلبسوا دبلة يا “آيات”
قالت “آيات” بثقه :
– لا أنا واثقه انه مش متجوز لانى عارفه الأكاونت بتاعه على الفيس وكاتب فى البروفايل بتاعه سينجل
قالت” أسماء” بدهشة :
وعرفتى الاكاونت بتاعه منين ؟
قالت “آيات” :
– من الجروب بتاع الكلية فى مرة رد على بوست فعرفته من الاسم ومن الصورة
قالت “أسماء” بعتاب :
– ما شاء الله .. كل ده من ورايا
مازحتها “آيات” قائله :
– متزعلش بأه يا “سمسم” .. أصلاً مفيش حاجة عشان أحكيها .. مجرد احساس من طرف واحد يعني حاجة عبيطة مش مستاهله تتقال
فى تلك الأثناء أقبلت فتاتان فى اتجاههما كان بينهما عامل مشترك ألا وهو ملابسهما الواسعة الفضفاضة وحجابهما الطويل .. ابتسمت “آيات” فى سعادة وهى تهتف قائله :
– “إيمان” .. “سمر”
قامت “أسماء” و “آيات” للترحيب بالفتاتين ومعانقتهما .. ثم التفوا معاً حول الطاولة .. بدا للناظر من بعيد أنهم مجموعة غريبة .. فتاتان بكامل زينتهما ويرتديان الملابس الضيقة المثيرة وأخرتان بدون أى زينه وترتديان ملابس محتشمه .. قالت “آيات” فى سعادة بالغة :
– وحشتونى أوى .. انتوا بجد أندال ليه مش بنجتمع مع بعض على طول .. لازم يعنى أفضل ألح عليكوا عشان نتقابل
ابتسمت “سمر” قائله :
– معلش يا “آيات” انتى عارفه أنا مشغوله أد ايه فى المستشفى
قالت “أسماء” ضاحكة :
– مش عارفه ايه اللى يخليكى تدخلى طب أصلا ملها تجاره … زى الفل
ضحكت “سمر” قائله :
– آه فل أوى .. ده انتوا فى التراوه خالص
هتفت “أسماء” متظاهرة بالغضب :
– قصدك ايه بأه ده بتوع تجارة دول أجدع ناس .. تنكرى
قالت “سمر” ضاحكة :
– لا طبعاً منكرش .. كنت بهزر معاكى .. وبعدين يا ستى أهى كلها شهادة
التفتت “آيات” الى “ايمان” قائله بمزاح :
– ايه أخبار دكتور السنان الفاشلة ؟
قالت “إيمان” بغيظ :
– عارفه لو عدتى تقوليلى فاشلة تاني هعملك فيكي ايه
قالت “آيات” مبتسمه :
– الا قوليلى يا “ايمان” هو المفروض أغسل سنانى كام مرة فى اليوم عشان ميحصليش مشاكل فى سنانى ؟
قالت “ايمان” وهى تخرج بسكويت من حقيبتها وتتناوله :
– ازاى يعني ؟ .. هو انتى بتغسلى سنانك كل يوم
قالت “آيات” بدهشة :
– أيوة طبعاً وبابا بيضايق منى لو مغسلتهمش مرتين فى اليوم
صاحت “ايمان” قائله :
– أما فرفورة صحيح
ضحكت الفتيات وصاحت “آيات” :
– أنا اللى فرفورة ولا انتى اللى دكتورة سنان فاشلة .. انا مش عارفه أصلاً انتى طلعوكى من اعدادى ازاى
قالت “ايمان” لتغيظها :
– يلا يا نايتي .. أنا أصلا ايه اللى خلانى أعرف شويه بنات نايتي زيكوا كده مش عارفه .. بكرة تشوفى اسمى على أكبر عيادات الأسنان فى البلد وتطلبوا منى معاد عشان تقابلونى وتبقى السكرتيرة بتاعتى تقولكوا دكتورة “ايمان” مشغوله تعالوا بعد شهر
أكملت “أسماء” ضاحكة :
– آه مشغوله لان العيانين اتلموا عليها وادولها حتة علقه مرقداها شهر فى المستشفى فتعالوا لما صحتها تتحسن وتنسى الشرخ اللى حصل فى كرامتها
تظاهرت “ايمان” بالنهوض والمغادرة وهى تقول :
– تصدقوا ان خسارة فيكوا انى أعد معاكوا أصلاً
جذبتها “سمر” قائله :
– خلاص يا “ايمان” بنهزر معاكى انتى عارفه ان محدش بيقدر قيمة المواهب العبقرية اللى زيك فى البلد دى
جلست “ايمان” وقالت بترفع :
– بكرة تشوفوا “ايمان” دى هتبقى ايه
ثم قالت :
– مش هناكل حاجة
طلب الجميع مشروباً غازياً بجانب وجبة الغداء .. فقالت “ايمان” بتهكم :
– وكمان طالبينها دايت .. ده انتوا بجد فرافير
قالت “آيات” مبتسمه :
– أنا بخاف أتخن أوى
قالت “ايمان” بتهكم :
– أمال أنا مش خايفة ليه وأنا أدك 3 مرات يا “آيات”
كانت “ايمان” ذات وزن كبير .. بالنظر الى الفتيات الثلاثة فهى تبدو أكثرهن ضخامة .. ليس طولاً فقط وزناً وعلى الرغم من ملابسها الفضفاضة الواسعة الى أنها أظهرت مدى زيادة وزنها
قالت “سمر” بإهتمام :
– قولتلك كتير يا “إيمان” لازم تهتمى بأكلك أكتر من كده .. ده انتى يا بنتى مبتعرفيش تمشى على دايت أكتر من 3 أيام
قالت “إيمان” بسخرية :
– وأمشى على دايت ليه شيفانى تخينه .. ده أنا يدوبك برميل بس
انفجرت الفتيات فى الضحك .. ورعلى الرغم من الابتسامه التى ارتسمت على شفتى “إيمان” الا أن “آيات” لمحت سحابة حزن فى عينيها .. ظلت تنظر اليها تحاول فهم سبب تلك النظرات الحزينة لكنها لم تستشف شيئاً فسألتها بإهتمام :
– “إيمان” .. فى حاجة مضايقاكى
رسمت “إيمان” ابتسامة واسعة على شفتيها وقالت :
– أيوة مضايقة ان الأكل اتأخر
صاحت “أسماء” قائله :
– يا بنتى ارحمى نفسك .. شوية شوية وهتاكلينا
ثم تظاهرت أنها تنادى على النادل قائله :
– يا عم يا بتاع الأكل قولهم بسرعة شوية معانا حوت لو مسديناش بقه بأى حاجه هياكلنا واحدة ورا التانية
ضحكت الفتيات وشاركتهم “إيمان” الضحك

*************************************

توقف “آدم” بسيارته أمام البرج .. حياه رجل الامن الواقف .. ثم تتبعه بنظراته وهو يمط شفتيه فى اشمئزاز .. أتى رجل أمن آخر ليرى التعبير المرسوم على وجه زميله فسأله قائلاً :
– ايه فى ايه ؟
هتف رجل الأمن ومازالت تعبير الإشمئزاز على وجهه :
– الست اللى فى شقة 22 دى مش هتجيبها لبر
قال زميله :
– ليه ايه اللى حصل تانى ؟
قالت رجل الأمن بغضب :
– لا عندها خشى ولا حيا .. وكل كام شهر راجل طالع وراجل نازل أما بقت حاجة تقرف أنا عارف ليه متغورش من العمارة .. كل اللى ساكنين هنا ناس محترمة تروح تشوفلها جيران زيها تعيش وسطهم
قال زميله بضيق :
– ربنا يستر على وليانا .. أنا برده مبطقش أبص فى وشها .. ربنا يهديها
صاح الآخر بحرقه :
– قول ربنا ياخدها

صعد “آدم” الى شقة 22 وأخرج المفتاح ودخل وأغلق الباب خلفه .. ما كاد يدخل الى غرفة المعيشة حتى هبت “بوسي” واقفة وهى تنظر اليه بعتاب .. لم يعبأ “آدم” بنظراتها وتوجه الى غرفة النوم وهو يخلع جاكيت البدلة .. ألقاه على أقرب مقعد .. ثم توجه الى الدولاب وظل يتأمل البدل المتراصة بجوار بعضها ويختار من بينها .. دخلت “بوسى” ووقفت على باب الحجرة وهى تكتف ذراعيها أمام صدرها وتقول بتبرم :
– انت نازل تانى ؟
قال “آدم” وهو مازال يتأمل البدل بإهتمام :
– أيوة
اقتربت منه “بوسى” بعصبية وأدارته من كتفه بحده لينظر اليها .. فنظر اليها مندهشاً لتقول بغضب :
– “آدم” الوضع ده هيستمر لحد امتى ؟
قال بدهشه :
– وضع ايه ؟
قالت “بوسى” بعصبية شديدة :
– الوضع اللى احنا فيه ده .. مش حابب نتجوز قولت ماشى مفيش مشكلة .. لكن تدخل بمزاجك وتخرج بمزاجك وأعد بالأيام مشوفاكش .. كده أوفر أوى
قال “آدم” ببرود :
– انتى عايزه ايه دلوقتى يا “بوسى” ؟
اقتربت منه ووضعت كفيها على صدره وهى تنظر اليه برجاء قائله بأعين دامعه :
– أنا بحبك يا “آدم” .. بحبك أوى .. عمرى ما حبيت أى راجل زى ما أنا بحبك .. نفسى نكون زى أى اتنين فى الدنيا بيحبوا بعض .. أنا حساك بعيد عنى أوى يا “آدم” .. حتى لما بتبقى موجود معايا بحسك مش موجود .. نفسى تحبنى زى ما بحبك يا “آدم”
بدا “آدم” وكأنه يستثقل المهمه .. أمسك ذراعيها قائلاً :
– أنا بحبك يا “بوسى” ليه مش قادرة تقتنعى بكده .. ايه اللى يخليني أستمر معاكى لو مكنتش بحبك وبموت فيكي كمان
قالت “بوسى” بلهفه :
– بجد يا “آدم” بتحبنى بجد ومن قلبك ؟
عانقها قائلاً :
– طبعا يا حبيبتى .. وعمرى ما حبيت حد زى ما حبيتك
بدت عيناه خاويه جوفاء بارده .. ككلماتــه
ابتسمت “بوسى” بسعادة وهى تنعم بعناق حبيبها

**************************************

دخل “آدم” أحد المطاعم وهو ينظر حوله الى أن وقع نظره على الشخص الجالس على احدى الطاولات .. فعلت الإبتسامه شفتيه .. اقترب من الشخص قائلاً :
– عاش من شافك يا “زياد”
قام الرجل وعانق “آدم” قائلاً :
– وحشنى جداً يا “آدم” ربنا يعلم
جلس الاثنان والايتسامة تعلو شفتى “آدم” قائلاً بسعادة :
– وانت كمان يا “زيزو” وحشتنى جداً .. جيت من شرم امتى ؟ .. وخلاص استقريت هنا ولا راجع تانى
قال “زياد” ضاحكاً :
– لا راجع تانى .. انا بس خدت أجازة اكمن الموسم ده مش موسم شغل أد كده
ربت “آدم” على كتف صديقه قائلاً :
– أحسن حاجة انى شوفتك .. ولو مكنتش جيت كنت أنا اللى هجيلك وهو أقضى يومين فى شرم
ضحك “زياد” قائلاً :
– قول بأه انك عايز تستغل صحبك .. اكمنى مدير قرية سياحية وعايز تستنفع من ورايا
ضحك “آدم” قائلاً :
– أوبس .. كشفتنى يا معلم .. ماهو مش معقول صحبى وأخويا من أيام ما كنا فى الحضانة ومستنفعش من وراك حته تبقى عيبه فى حقك يا أخى
ابتسم “زياد” قائلاً :
– تعالى انت بس وملكش دعوة
قال “آدم” غامزاً :
– أخبار المزز ايه ؟
ضحك “زياد” قائلاً :
– أهم متلقحين هناك
قال “آدم” بمرح :
– عمار يا شرم
صمت كلاهما للحظات ثم سأله “زياد” قائلاً :
– ازي والدتك أخبار صحتها ايه ؟
أومأ “آدم” برأسه قائلاُ :
– كويسه الحمد لله
نظر “زياد” الى “آدم” بإهتمام قائلاً :
– وانت أخبارك ايه ؟
ظهرت العصبية فى تصرفات “آدم” وه يخرج سيجاره ليشعله .. اقترب منه النادل قائلاً بأدب :
– ممنوع التدخين يا فندم
نظر اليه “آدم” بحده ثم أطفها تحت أقدامه بعصبيه .. قال “زياد” وهو يرمقه بنظراته :
– مردتش .. أخبارك ايه ؟
قال “آدم” ببرود :
– زى ما أنا مفيش جديد
قال “زياد” :
– وازى صحبتك ؟
قال “آدم”بإستغراب :
– صحبتى مين ؟
قال “زياد” محاولاً التذكر :
– مش فاكر اسمها .. اللى كانت معاك فى آخر مرة نزلت فيها القاهرة .. كنتوا اتعرفتوا فى الديسكو باين
قال “آدم” بلا مبالاة :
– لا سيبتها
قالت “زياد” بحماس :
– أحسن .. أصلاً مكنتش مظبوطة
قال “آدم” بسخريه :
– وهو فى بنت مظبوطه .. كلهم تييييييييييييت
ثم قال بمرارة :
– خاصة الى بيتولدوا وفى بقهم معلقة دهب
هم بأن يشغل سيجاره أخرى لولا أن تذكر بان ذلك ممنوع فزفر بضيق .. بدا واجماً شارداً .. نظر اليه “زياد” ثم قال :
-“آدم” أنا عارف انك اتظلمت أوى .. بس مش معنى كده انك تظلم
التفت اليه “آدم” بحده قائلاً :
– يا ابنى احنا عايشين فى غابة .. الناس فيها عامله زى الكلاب المسعورة كل اللى بتقدر عليه لازم تاخده حتى لو من بق غيرها .. واللى يفوز هو اللى يقدر ياخد نصيب أكبر من التانى
نظر “زياد” الى “آدم” بنظرات مشفقة وهو يقول :
– مش كل الناس وحشة .. عندك أنا أهو .. أنا وحش يا “آدم” ؟
قال “آدم” بحده :
– انت متولدتش وفى بقك معلقة دهب يا “زياد” .. انت تعبت وشقيت واتمرمطت وطفحت الدم عشان توصل للى انت فيه دلوقتى .. وعشان كده انت لسه أبيض من جواك
قال “زياد” بثقه :
– وانت كمان زيي يا “آدم” احنا الاتنين زى بعض وعشنا فى نفس الظروف ونفس المستوى وكافحنا سوا وتعبنا سوا .. يعني انت كمان من جواك أبيض
قال “آدم” بتهكم :
– لا معدش يا صاحبى .. انا بقيت اسود .. وأسود من السواد كمان
لم يرد “زياد” أن يضغط على “آدم” فى الحديث أكثر .. فقال يحاول تغيير الجو :
– متاخدنيش فى دوكه قولى ناوى تفسحنى فين
ابتسم “آدم” قائلاً :
– انت تأمر يا “زياد” .. شوف حابب تروح فين وأنا أوديك
قال “زياد” مازحاً :
– اعتبرنى سايح وفسحنى
قال “آدم” ضاحكاً :
– ماشى يا سايح .. نتغدى وبعدين هعملك بروجرام هيعجبك
ابتسمت “زياد” لصديقه وربت على كتفه شاكراً

****************************************
عادت “آيات” من الخارج لتجد سيارة والدها فى الجراج فقد أتى مبكراً على غير العادة .. ركنت سيارتها بجوار سيارته ثم أخرجت من حقيبتها مناديل لإزالة المكياج وشرعت فى ازالة الأصباغ الصناعية التى تزين وجهها .. فبدت أكثر براءه .. خرجت من سيارتها وتوجهت الى داخل الفيلا .. رأت والدها وهو خارج من مكتبه فابتسمت له واقبلت عليه تعانقه وتقبل وجنته قائلاً :
– ازيك يا بابا .. جيت بدرى النهاردة يعني
ابتسم والدها قائلاً :
– تعبت شوية فقولت أريح
قال “آيات” بقلق وهى ترمقه بنظرات متفحصه :
– تعبان مالك يا بابا .. حاسس بإيه ؟
قال “عبد العزيز” وهو يبتسم ويربط على ذراعها :
– متقلقيش يا حبيبتى شوية ارهاق وهيروحوا لما أرتاح
قالت “آيات” وهى تنظر اليه بإهتمام :
– بابا متتعبش نفسك فى الشغل عندك الشركة مليانه موظفين . .لو سمحت يا بابا صحتك اهم عندى من أى حاجة فى الدنيا
ابتسم لها قائلاً :
– ربنا يخليكي ليا يا حبيبتى
بدا وكأنه انتبه الى ما ترتديه .. فعقد حاجبيه بضيق قائلاً :
– ايه ده يا “آيات” ؟
ارتبكت “آيات” وهى تنظر الى ملابسها قائله :
– ايه يا بابا ؟
قال “عبد العزيز” بصرامة :
– ايه اللى انتى لبساه ده يا “آيات” .. البادى ضيق جداً عليكي وأنا قولتلك قبل كده عايزة تلبسى بادر يبقى تلبسيه فوقيه جاكت ومقفول كمان
قالت “آيات” بحنق :
– ما هو أنا لو لبست فوقيه جاكت مقفول يبقى أصلا مش هيبان يا بابا
قال “عبد العزيز” بحزم :
– ان شاله عنه ما بان .. بنتى متمشيش ولابسه لبس ملزق على جسمها بالشكل ده وكل الرجاله عينهم راحه جايه عليها
شعرت “آيات” بالخجل وبالإضطراب فقالت :
– خلاص يا بابا أنا آسفة
فقال “عبد العزيز” بهدوء لكن بحزم :
– مش عايز أعلق على لبسك تانى يا “آيات” .. انتى كبيرة بما فيه الكفايه عشان تميزي بين الصح والغلط
قالت “آيات” بعدم اقتناع :
– صح يا بابا معاك حق .. معدتش هلبس حاجة ضيقه كده تانى
ابتسم والدها قائلاً :
– طيب يلا يا حبيبتى اطلعى غيري هدومك عشان نتغدى سوا
أومأت برأسها وصعدت الى غرفتها وعلامات التبرم على وجهها .. بدلت ملابسها فرن هاتفها قبل أن تتوجه الى باب الغرفة .. ردت قائله وهى تلقى بنفها على الفراش :
– أيوة يا “سمسم”
قالت “أسماء” :
– كنت بطمن انك وصلتى .. اتغديتي
قالت “آيات” :
– كنت لسه نزله أتغدى .. بابا جه بدرى النهاردة
ثم زفرت بضيق قائله :
– شلت الميك آب وأنا بركن العربية .. ولما دخلت الفيلا شافنى وادانى محاضرة عشان البادى اللى كنت لابساه
قالت “أسماء” بإستغراب :
– ماله البادى .. كان تقيل مش شفاف
قالت “آيات” بهدوء :
– بيقولى ضيق وملزق .. وأعد يقولى بنتى متمشيش كده والرجاله تبص عليها
ضحكت “أسماء” قائله :
– أبوكى ده عايزك تعنسي جميه
ضحكت “آيات” قائله :
– شكله كده فعلاً
ثم قالت :
– يلا باى بأه عشان بابا مستنينى نتغدى سوا
قالت “أسماء” :
– ماشى يا موزه .. أشوفك بكره .. باى

*****************************************
خرجت “سمر” من غرفتها وأقبلت على والدتها التى تتحدث فى هاتفها وقالت لها :
– ماما أنا خارجه .. رايحه عند “إيمان” شوية
أشارت لها أمها بالإنصراف وهى تتبادل المزاح مع صديقتها عبر الهاتف وتنفجر ضاحكة .. ألقت “إيمان” عليها نظرة حزينه ثم فتحت الباب وخرجت من بنايتها الأنيقه .. سارت قليلا فى الشارع الهادئ قبل أن تجد سيارة أخرى طلبت من سائها أن يقلها الى أحد الأحياء المتوسطة .. صعدت الدرجات العالية وأطرقت باب بيت “إيمان” فتح لها شاب فى أواخر العقد الثانى يتميز بلحية خفيفة بمجرد أن رآها أخفض بصره .. فقالت بحرج :
– “إيمان” موجودة ؟
قال بأدب دون أن ينظر اليها :
– لحظة واحدة
دخل الشاب وتوجه الى “إيمان” الواقفة فى الشرفة بإسدالها وقال لها :
– صحبتك بره يا “إيمان”
التفت “إيمان” وهتفت قائله :
– هى جت .. ايه ده مخدتش بالى منها وهى طالعه

ابتسمت “إيمان” فى وجه “سمر” وعانقتها وأدخلتها الى غرفتها وأغلقت الباب خلفهما .. قالت “إيمان” وهى تخلع اسدالها :
– كنت واقفة مستنياكى مخدتش بالى منك وانتى داخله العمارة
قالت “سمر” بمتسمه :
– اللى واخد عقلك
قالت “إيمان” مازحة :
– كنت بفكر فى حلة المحشى اللى ماما بتسويها على النار
ضحكت “سمر” قائله :
– محشى بالليل كده
قالت “إيمان” ساخرة :
– بعيد عنك احنا عيلة مفترية بتحب تتعشى محشى
انفجرت “سمر” ضاحكة ثم وضعت يدها على فمها وقالت :
– حرام عليكي مضحكينيش كده أخوكى بره هيسمع صوتى
قالت “إيمان” ضاحكة :
– يا ستى خليه يسمع يمكن الضحكة تجيبه على ملا وشه ولا حاجه
سألتها “سمر” وقد توقفت ضحكاتها :
– هو لسه مش لاقى شغل
قالت “إيمان” بحزن :
– لا للأسف .. وحتى الشغل اللى بيتعرض عليه مبيعجبوش
سألت “سمر” بإستغراب :
– ليه بأه مبيعجبوش
قالت “إيمان” :
– كل شغلانه بيطلع فيها حاجات غلط ومبيرضاش يشتغلها .. يعني آخر شغلانه جتله كانت فى بنك ومرتب ومركز وكل حاجة واحد قريبنا هو اللى اتوسطله جامد فيها وجابهاله
قالت “سمر” :
– وبعدين ؟
قالت “إيمان” :
– رفضها عشان فى البنك ده بيتعاملوا بالربا .. قروض بفوايد يعني
هتفت “سمر” بحماس :
– والله برافو عليه .. “على” أخوكى ده راجل محترم
هتفت “إيمان” بخبث :
– آه قوليتيلى
تضرجت وجنتا “سمر” خجلاً وقالت :
– ايه فى ايه ايه المشكلة يعني لما أقول انه محترم .. عادى يعني
قالت “إيمان” بخبث :
– طيب طالما انتى شايفه انها عادى .. نخليها عادى
قالت “سمر” لتغير الموضوع :
– أخبار تكليفك ايه
قالت “إيمان” بضيق :
– متفكرينيش طالع عيني فيه .. امتى بأه أخلص وارتاح
ضحكت “سمر” قائله :
– ربنا يكون فى عون العيانين اللى تحت ايدك
قالت “إيمان” بحنق :
– مش عارفه ايه اللى كان خلانى أدخل طب أسنان .. ملها تجارة ما هى زى الفل .. شوفتى “آيات” و “أسماء” فى التراوة خالص .. مش مطحونين زينا
صمتت قليلاً ثم قالت :
– أصلا تحسيى اننا كلنا على بعضنا كده مجموعة غريبة ومتناقضة
كادت “سمر” أن تتحدث لولا الطرقات التى سمعتها على الباب اعتدلت فى جلستها فقالت لها “إيمان” مطمئنة :
– خليكي زى ما انتى يا بنتى مستحيل يكون “على”
فتحت “إيمان” الباب فدخلت سيدة بسيطة يبدو على وجهها علامات الطيبة والبساطة أقبلت على “سمر” وقبلتها قائلاً :
– ازيك يا “سمر” عامله ايه يا حبيبتى وازاى ماما
قالت “سمر” مبتسمه :
– كويسه الحمد لله يا طنط ازى حضرتك
قالت والدة “إيمان” بسعادة :
– الحمد لله يا حبيتبى كويسه .. انتى منورانا والله
قالت “سمر” :
– ربنا يباركلك يا طنط ده نورك
قالت والدة “إيمان” بحماس :
– خمس دقايق المحشى هيخلص وأجبلكوا تتعشوا سوا انتى و “إيمان”
قالت “سمر” بحرج :
– لا يا طنط متشكره . أنا أصلا شويه وماشيه
هتفت والدة “إيمان” قائله :
– لا والله ما يحصل .. انتى بخيله ولا ايه .. لازم تكلى المحشى بتاع أم “إيمان” ده جرانى كلهم لما بكون عامله محشى يقولولى ريحة المحشى بتاعك غير أى حد يا أم “إيمان”
ابتسمت “سمر” بحرج قائله :
– أكيد طبعا هيبقى حلو طالما من ايدك .. تسلم ايدك يا طنط
التفتت والدة “إيمان” الى “إيمان” قائله بعتاب :
– مأعده صحبتك من غير حاجة تشربها من ساعتها
قالت “إيمان” بلا مبالاة :
– يا ماما هى حد غريب .. دى “سمر”
قالت أم “إيمان” بغيظ وهى تغادر :
– أصل الذوق مبيتشراش .. هروح أجبلكوا كوبايتين كركديه .. لسه عاملاه الصبح
خرجت والدة “إيمان” و أغلقت الباب خلفها .. التفتت “إيمان” الى “سمر” قائله بسخرية :
– عيلة همها على بطنها مفيش حاجة ورانا إلا الأكل والشرب
انفجرت “سمر” ضاحكة مرة أخرى وهى تضع يدها على فمها لكتم ضحكاتها .

**************************************
فى صباح أحد الأيام تأنقت “آيات” كعادتها فى هذا اليوم من كل اسبوع .. توجهت الى الجامعة لتلتقى بـ “أسماء” أمام باب المدرج .. قالت لها “اسماء” بلؤم :
– ايه القمر ده انتى راحه حفلة ولا محاضرة
ابتسمت “آيات” قائله بلهفه :
– حلوه بجد ؟
قالت “أسماء” مبتسمه :
– زى القمر يا “يويو”
دخلت الفتاتان المدرج واختارتا مكان فى المنتصف .. جلست “آيات” تنظر الى باب المدرج فى انتظار قدومه .. ظهر أمامها فجأة .. فساد الهدوء .. وتعلقت أنظارها به حتى حياهم تحية الصباح .. ابتسمت “آيات” وهى تتذكر يوم أن التقته منذ ثلاث سنوات عندما أصر السائق على ابقائها معه الى حين حضور والدها وتسديد مبلغ التصليح .. تذكرت نظراته اليها وقتها .. وابتسامته الرقيقه .. تذكرت كيف كان متضايقاً من معاملة الرجل لها وكيف وقف بجوارها ليحميها منه وليردعه إن تطاول بكلماته عليها .. شعرت بالأمان وهو واقف بجوارها فى هذا الموقف الذى تعرضت له فى أول شهر لها بالجامعة .. كان مظهرها أبسط وملامحها أرق .. كيف لا وقد كانت تخلو من تلك الأصباغ الصناعية التى تملأه الآن .. كانت تبدو كغزال برئ ضل طريقه ويلتفت حوله يبحث عمن يخرجه من مأذقه .. عادت من شرودها الى واقعها عندما تعلقت الأنظار بالفتاة التى دخلت القاعة دون أن تنتظر اذناً من “آدم” .. التفت اليها “آدم” وقال بصارمة :
– انتى يا آنسه .. راحه فين ؟
التفتت الفتاة تنظر اليه فتحركت خصلات شعرها الذهبية فى رقة .. وقالت بهدوء :
– دخله المدرج
نظر اليها “آدم” نظرة طويلة وبدت ابتسامة سخرية على فمه .. بدا وكأنه قد نفذ الى أعماقها واكتشف كنهها .. قال بحزم وتحدى وهو يشير الى باب المدرج :
– اتفضلى اطلعى بره
علت الأصوات وتمايل البعض على أذن جاره هامساً .. سمعت “آيات” الفتاة التى بجوارها تقول للتى خلفها :
– أوبا .. “ساندى” شكلها بأه وحش أوى
قالت الفتاة خلفها :
– أحسن البنت دى مبطيقهاش .. شايفه لبسها عامل ازاى
قالت أخرى بغيظ :
– معاكى حق والله مش عارفه ازاى يدخلوا الأشكال دى الجامعة
صاحت أخرى :
– يخربيتها دى فتحة البادى ولا نفق شبر
تعالت ضحكات الفتيات .. فأعادت “آيات” النظر الى الفتاة تتفحصها .. التفتت “ساندى” وهى تقول لـ “آدم” بتعالى :
– مش من حقك تمنعنى انى أدخل المحاضرة
قال “آدم” وهو يرفع حاجبيه بتحدى :
– مش من حقى ؟
صمت قليلاً ثم نظر اليها ببرود قائلاً :
– طيب حضرتك ممنوعة من دخول محاضرات لحد آخر السنة .. ودرجات حضورك كلها هتتخصم منك
زفرت “ساندى” بضيق وقد احمر وجهها غضباً .. وغادرت المدرج بعصبيه
ابتسمت “آيات” وقد أسعدها ما فعله “آدم” بتلك الفتاة
ابتسم “آدم” فى نفسه .. فهو يعلم جيداً من هى “ساندى” .. ومن يكون والدها .. والأهم .. يعلم جيداً ماذا يريـــد منهـــا .

 

error: