رواية “جواد بلا فارس”

الحلقة ( 23 )

عبرت سيارة “كريم” بوابة القرية التى كانت تحمل لافته أنيقة كبيرة كتب عليها “قريــة الماســة” .. نظرت “آيات” حولها تتطلع الى الطبيعة الساحرة .. اتسعت أعين الجميع فى انبهار ولاحت ابتسامه على شفتى “كريم” وهو يدعو ربه أن يجعل له فى هذا المكان خيراً كثيراً وأن يرزقه السداد والتوفيق .. توقفت سيارته وهبط الجميع .. صاح “على” بإنبهار :
– ما شاء الله لا حول ولا قوة الا بالله
قالت “إيمان” مبهورة وهى تتطلع حولها حيث المساحة الخضراء والهواء المنعش القادم من البحر محمل برائحة اليود الذكية المنعشة :
– ما شاء الله المكان حلو أوى
توجه الجميع الى الداخل .. وبدأ “كريم” فى استيلام مهامه كمدير للقرية .. اجتمع الجميع فى الغرفة التى اصبحت مكتباً له .. ابتسم “كريم” ووجه حديثه الى “على” قائلاً :
– تعالى نتكلم بأه فى تفاصيل الشغل بس الأول عايزين نشوف اقامتنا هتبقى ازاى عشان البنات تروح ترتاح من السفر
قال “على” بحرج :
– اللى تشوفه حضرتك
نظر “كريم” الى كل من “على “و “آيات” وقال :
– فى اقتراحين الاقتراح الأول اننا ناخد 3 شقق جمب بعض واحدة ليك يا “على” انت وأختك وواحدة ليكي يا “آيات” انتى وصحبتك وواحدة ليا .. والاقتراح التانى ان أنا و انت يا “على” نكون فى شقة واحدة .. والبنات مع بعض و طبعاً الشقتين هيكونوا جمب بعض
قالت “آيات” بحماس وهى تنظر الى “إيمان” و “أسماء” :
– أيوة الإقتراح التانى أحسن ياريت نكون كلنا فى شقة واحدة
ابتسم “أسماء” وقالت :
– أيوة ياريت أنا و “آيات” و “إيمان” نكون مع بعض
نظر “كريم” الى “على” وقال :
– ها ايه رأيك
التفت “على” الى “إيمان” يعرف رأيها فابتسمت له وأومأت برأسها .. فقال لـ “كريم” :
– خلاص تمام كده .. بس زى ما قولت الشقتين يكونوا جمب بعض
توجه الجميع الى المنزلين الذى اختارهما “كريم” لإقامتهم .. ترك الفتيات يرتحن من عناء السفر وتوجه هو مع “على” الى القرية للبدء فى عملهم .. هتفت “أسماء” بسعادة وهى تجلس على أحد الأسرة :
– أنا فرحانه أوى القرية تحفة
قالت “إيمان” مبهورة :
– تحفة بس دى روعة بجد مكان خيالى
قالت “آيات” بمرح طفولى :
– أنا كمان فرحانه أوى .. وفرحانه أكتر ان احنا التلاته مع بعض
ما لبث أن رن هاتف “إيمان” فأخرجته من الحقيبه قائله بمرح :
– والله اللمه دى ناقصاكى
تظاهرت “سمر” بالبكاء وقالت :
– اهئ اهئ يلا يا وحشه سبتيني ومشيتي
قالت “إيمان” بحزن :
– والله العظيم بجد وحشتيني من دلوقتى يا “سمر”
هتفت “آيات” بمرح :
– هاتيهالى هاتيهالى
أخذت منها الهاتف وقالت :
– “سمر” حبيبتى وحشتيني
– بس بأه يا “آيات” متغيظونيش .. انتوا التلاته مع بعض وفى العين السخنة وأنا هنا مطحونة فى المستشفى
فى تلك اللحظة دخلت الممرضة لتقول لـ “سمر” :
– أدخل الكشف يا دكتورة
أشارت لها “سمر” بأصبعها قائله :
– لا استنى شوية
قالت “آيات” بمرح :
– اسكتى يا “سمر” المكان رهيب بجد .. لا وايه أنا و “اسماء و”إيمان” نازلين مع بعض فى شقة واحدة
هتفت “سمر” مغتاظه :
– بس بأه يا “آيات” متغيظينيش
ضحكت “آيات” فالتقطت “إيمان” الهاتف منها وقالت :
– أيوة يا حبى
– حبك ايه بأه ما نتى ناسيانى وعايشه حياتك .. يلا يا “إيمان” اقفلى
ضحكت “إيمان” قائله :
– والله العظيم وحشانى
قالت “سمر” بحزن :
– والله انتى أكتر .. خلاص بأه عشان عيني دمعت وكمان فى كشف ملطوع بره .. هقفل واكلمك بالليل
– ماشى يا حبيبتى

قالت “إيمان” بحزن :
– “سمر” هتوحشنى أوى
هتفت “اسماء” :
– يا ستى ما هى أكيد هتجيلنا
قالت “آيات” وهى تتناول ملابسها من الحقيبة :
– يلا بأه عشان نرتاح وبعد كده نتكلم فى البيزنيس
أطلقت “إيمان” ضحكة عالية وقالت :
– طيب انتوا خريجي تجارة وتتكلموا فى البيزنيس .. أنا بأه طب أسنان هتشغلونى ايه فى القرية دى
قالت “آيات” بمرح :
– يا ابنتى هو انتى مصدقة انك دكتورة سنان بجد .. ده احنا عملنا خير كبير وثواب عظيم فى العيانين اللى كانوا بيبقوا تحت ايديكى .. وبعدين متقلقيش القرية كبيرة وأكيد هنلاقى فيها حاجة مناسبة لدكتورة سنان فاشلة زيك
قذفتها “إيمان” باحدى الوسائد مفتاظة وقالت :
– قولتلك متقوليش عليا فاشلة تانى
صاحت “أسماء” بغيظ :
– والله لو أخوكى وأخوكى شافوكوا كده هيرحلوكوا على القاهرة عدل .. بأه ده منظر ناس هتشتغل فى قرية سياحية كبيرة .. هى السياحة خربت من شوية
التفت اليها “آيات” قائله :
– سبنالك انتى العقل يختى .. وبعدين بكرة تشوفى هبقى بيزنيس وومان محصلتش
ساد بينهم جو من المرح افتقده ثلاثتهم منذ فترة طويله .. شعرت كل منهن بالأمل والسعادة والتفاؤل بداخلها .

*************************************

عاد “كريم” مع “على” الى المكتب وقال :
– ايه رأيك ؟
قال “على” منبهراً :
– ما شاء الله بجد .. وكمان الأفكار اللى هتتنفذ رائعة .. انا متحمس جدا للشغل
ابتسم “كريم” وهو يجلس على مكتبه وقال :
– وأنا بحب أوى الناس اللى بتبقى متحمسه لشغلها
ابتسم “على” وقال بحماس :
– بجد أنا حابب الشغل هنا أوى ..أولا فرصة كبيرة بالنسبة لى .. ثانياً حاسس انى فى المكان ده هقدر أطلع كل الطاقة اللى جوايا .. بجد أنا متحمس جداً يا أستاذ “كريم”
قال “كريم” وهو يشمر ساعديه :
– بص من البداية كده أنا بجد حبيتك لله فى لله ومتسألنيش ليه .. بس سماهم فى وجوههم .. من أول ما شوفتك وأنا استبشرت بيك خيراً .. فبلاش بأه أستاذ و الألقاب العقيمة دى .. اعتبرنى واحد صحبك
قال “على” بإمتنان :
– على فكرة بأه أنا كمان ارتحتلك .. وطبعاً يشرفنى انى يبقى فى صداقة بينا بعيداً عن الشغل .. يعني حتى لو مكملتش شغل هنا أو استغنيت عن خدماتى فى أى وقت فيكفى انى اتعرفت على أخ محترم زيك
قال “كريم” بمرح وهو ينهض :
– طب يلا بأه نبعت أكل للبنات احسن زمانهم بياكلوا فى بعض من الجوع .. وناكل احنا كمان أحسن خلاص أنا واقع
توجها الى مطبخ القرية .. نظر “على” فى أحد قوائم الطعام ليجده خالياً من الخمور ومن أى لحوم محرمة أو مطبوخة بشئ محرم .. نظر اليه “كريم” وقال وقد فهم ما يبحث عنه فى القائمة :
– عيب عليك
ابتسم “على” بحرج وهو يترك القائمه من يده وقال :
– يعني الواحد حابب يطمن بس .. زيادة اطمئنان مش أكتر
التفت اليه “كريم” وقال بجدية :
– بص يا “على” .. اوعى تفتكر انى واحد راجع من بره ومعاه فلوس وهمه يعمل مشروع يكسب منه وخلاص .. لا أنا مش كده .. أنا لما قررت أرجع مصر قررت أرجع عشان أعمل حاجة أفيد بيها البلد دى .. والناس اللى فيها .. حتى لو كانت حاجه بسيطة .. بس أهم حاجة عندى انها تقربنى من ربنا مش بتعدنى عنه .. حبيت فكرة القرية لانها فكرة دعوية ممتازة وهقدر أخدم بيها ديني .. أنا محتسب فى المشروع ده حاجات كتير أوى .. منها انى أبين للناس ان مش عشان الواحد يتفسح ويرفه عن نفسه انه يلجأ لحاجات مش هينوبه منها غير المعاصى والذنوب .. لا احنا ممكن نعيش ونتمتع ونتفسح ونعمل كل اللى احنا عايزينه بس برضا ربنا علينا ومن غير ما نغضبه .. ربنا لما حرم كل المحرمات اللى فى ديننا حرمها عشان بتضرنا وبتأذينا .. وعشان نجاتنا فى البعد عنها .. ومش معنى اننا نلتزم بكلام ربنا يبأه احنا ناس مكلكعة ومعقدة ومبتعرفش تضحك ولا تستمتع بحياتها .. لأ .. احنا بنعرف نعمل كل ده من غير ما نغضب ربنا .. أنا عايز بجد الناس كلها تعرف ان مش عشان أكسب فلوس وأزود دخلى ألجأ للى يغضب ربنا وأقول مضطر عشان أعيش .. لا مفيش حد مضطر على الحرام .. مفيش حد بيترك شئ لله الا وربنا بيعوضه باللى أحسن منه .. عشان كده أنا ميهمنيش كسبت كام أد ما يهمنى انى معملش أى حاجة غلط .. وأنا زى ما قولتك التمست فيك انك شاب محترم .. صحيح لسه متعرفين من ساعات بس أنا اتعاملت مع ناس كتير أوى جوه مصر وبره مصر وبقيت أقدر أفهم الانسان اللى أدامى من نظرة .. عشان كده رفعت التكليف بينى وبينك لانى حابب اننا نعين بعض .. يعني لو شوفتنى فى مرة غلطت تقولى حاسب يا “كريم” خلى بالك .. لان الانسان دايما لازم يحيط نفسه بصحبة صالحة لان هو ده اللى بيقومه لما بيحيد عن الطريق وربنا عز وجل حثنا على ده فى سورة الكهف لما قال ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ” .. وضح فى الآية دى أهمية الصحبة الصالحة وحذرنا من صحبة السوء .. عشان كده لما لقيت سمتك طيب .. واهتميت واحنا بنعمل جولة فى القرية انك تسألنى عن تفاصيل الشغل والاختلاط فى القرية .. ولما العصر أذن وسألتنى عن مكان المسجد .. ودلوقتى وانتى بتبص على المنيو بتدور هل فيها حاجة حرام ولا لأ .. استبشرت خيرا وحسيت انك بجد هتكون خير معين ليا ان شاء الله ..
ثم ابتسم بعذوبه وقال :
– بجد أنا مبسوط انى اتعرفت عليك
ابتسم “على” وقال بتأثر :
– أنا اللى مبسوط انى عرفتك يا “كريم” .. ويارب فعلاً أكون عند حسن ظنك

****************************************

أنهى “آدم” صلاة العشاء ثم نهض وطوى سجادة الصلاة ووضعها على أحد المقاعد .. خرج من غرفته وتوجه الى والدته الجالسه فى حجرة المعيشة تشاهد التلفاز وقال :
– أنا خارج شوية يا ماما
– ماشى يا حبيبى
خرج “آدم” من الشاليه .. وتطلع الى اتجاه البحر للحظات ثم سار اليه سيراً فى تؤدة .. وقف أمامه ينظر الى ارتفاع امواجه وقد وضع يديه فى جيبي بنطاله .. كان بدو ساكناً كالتمثال .. ثم ما لبثت عيناه أن لمعت بالدموع .. أخذ نفساً عميقاً يحاول به التخفيف من حرارة النيران المشتعلة بقلبه .. تمتم بشفتيه وكأنه يتحدث الى شخص أمامه :
– خلاص يا “آيات” هسيب كل حاجة وأرميها ورا ضهرى .. هخرج من دوامة الانتقام اللى دخلت نفسى فيها .. هسيب كل حاجة عشان أبقى انسان كويس زي ما كنتى شايفانى .. كنتى شايفانى انسان محترم .. أنا هرجع محترم تانى يا “آيات”
تساقطت عبرة على وجنته وأكمل هامساً :
– كان نفسى أفرحك وأقولك انى اتغيرت .. كان نفسى نرجع لبعض تانى .. أنا كنت عايش فى نار .. النار كانت محوطانى من كل نحيه .. بس مكنتش عايز أخرج منها .. كنت واقف وسطها بمزاجى.. وانتى كنتى عامله زى النسمة الهادية اللى دخلت حياتى واللى غصب عنى اتمنيت انى أخرج من النار وأقرب منها
انتفض فجأة بعدما شعر بيد تربت على كتفه التفت ليجد “زياد” فى وجهه .. مسح عبراته المتساقطة بسرعة .. قال “زياد” :
– رحتلك الشاليه خالتى قالتلى انك خرجت .. وأنا راجع شوفتك وانت واقف أدام البحر
أومأ “آدم” برأسه فى صمت .. تنهد “زياد” بحزن وقال :
– انسى بأه يا “آدم” .. ربنا يرحمها
لمعت عيناه مرة أخرى بالعبرات وهو قول بصوت مرتجف :
– وحشتنى أوى
التفت ينظر الى “زياد” والدموع تتساقط مرة أخرى على وجهه وقال :
– لما جيت هنا جيت بمزاجى .. كانت بتوحشنى بس على الأقل كنت عارف انها موجودة .. انى هرجعلها .. كنت حاسس من جوايا انى هلف ألف وأرجعلها .. بس دلوقتى هى معدتش موجودة يا “زياد” .. معدتش أقدر أرجعلها .. بجد وحشانى أوى .. وحشتنى ابتسامتها .. وحشتنى نظرة عنيها .. وحشتنى رقتها .. وحشتنى طيبتها .. كانت طيبة أوى .. كانت بتحبنى أوى
أعاد النظر الى البحر وهو يقول بمرارة :
– يوم كتب الكتاب لما كنت ماسك ايدها اتمنيت ساعتها اننا منفترقش أبداً .. ساعتها حسيت انى بحبها بجد .. لما قولتلها ان فى حاجات فيها محتاجه تتغير .. بصتلى وابتسمت ووافقتنى على طول .. لما ادتنى دهبها حسيت انها مستعدة تعمل أى حاجة عشانى .. حسيت انها بتحبنى بجد بصدق بإخلاص .. رغم كل الشر والحقد اللى كان جوايا لكنها قدرت تدخل قلبي وتبرجلى عقلى .. لو كنت فضلت معاها كنت هقدر أرجع معاها تانى انسان محترم وكنت هنسى كل الأفكار الحقيرة اللى كنت بفكر فيها ..
هتف به “زياد” وقال :
– “آدم” انت بتعذب نفسك بنفسك .. خلاص هى الله يرحمها ماتت ومش هترجع .. انسى بأه عشان تقدر تكمل حياتك ..
نظر اليه “آدم” بأعين متألمه حائرة وقال :
– قولى ازاى .. قولى أنساها ازاى .. أزاى أبطل أحس انها وحشانى .. ازاى أخرجها من قلبي وعقلى .. قولى يا “زياد” .. قولى وريحنى لانى فعلاً نفسى أرتاح .. ازاى أبطل أحس انها وحشانى ؟
لم ينتظر من “زياد” اجابه .. التفت وغادر المكان أخذ نفساً عميقاً مرة أخرى يحاول به تهدئه نيرانه .. لكن هيهات

************************************

وقفت “آيات” فى شرفة غرفتها .. أخذت نفساً عميقاً تنعش به رئتيها .. نظرت الى دوران القمر واكتماله .. ثم التفتت تنظر الى البحر أمامها .. تأملته الى أن شعرت بوخز الدموع تحرق عينها .. خرجت من تاملها لتحاول السيطرة على تلك الرغبة القوية فى البكاء التى اجتاحتها .. سألت نفسها : ما هذه الغصة التى تشعرين بها فى حلقك يا “آيات” .. انها بالتأكيد لفقدك والدكِ الحبيب .. و”حلمية” الطيبة المخلصة .. ارحمهما يا الهى واغفر لهما وتجاوز عنهما .. تألمت كثيراً لفقدهما لكنها حكمتك .. هكذا أردت .. وهكذا حكمت .. تنهدت بقوة ودخلت من الشرفة .. مرت على “أسماء” النائمة فى فراشها المجاور .. ثم خرجت من الغرفة .. نظرت الى غرفة “إيمان” وتوجهت اليها .. وجدتها واقفة تصلى ماسكة مصحفها .. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل .. شعرت براحة وسكينة وهى تراها تصلى قيام لله عز وجل .. أنهت “إيمان” صلاتها فى تلك اللحظة لتفاجئ بـ “آيات” الواقفة على باب الغرفة .. تقدمت منها “آيات” وقالت :
– ما شاء الله “إيمان” انتى بتصلى قيام على طول ؟
قالت “إيمان” مبتسمه :
– لا بصراحة مش على طول .. فى أيام مبصليش فيها قيام .. نفسى أواظب أوى
قالت “آيات” وهى تنر اليها بإعجاب :
– ما شاء الله عليكي .. تعرفى أنا مصلتش قيام خالص .. مصلتوش غير مرتين تلاته بس
قالت “إيمان” بحماس :
– ليه يا “آيات” .. على فكرة هتحسى براحة عجيبة وانت بتصلى قيام .. كفاية انك تعرفى ان ربنا سبحانه وتعالى بيتنزل الى السماء الدنيا فى التلت الأخير من الليل وبيقبل الدعاء فى الوقت ده
استشعرت “آيات” تلك الكلمات بقلبها فأكملت “إيمان” بنفس الحماس :
– ربنا سبحانه وتعالى بيقول “أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً , وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ” .. وكمان بيقول “أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ” .. وكمان بيقول ” إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” .. وفى آيات كتير أوى بتحث على قيام الليل .. كان النبي صلى الله عليه وسلم بيصلى قيام الليل لحد ما رجله تتورم .. فسألوا النبي ليه بيصلى كده رغم انه ربا غفرله ما تقدم وما تأخر من ذنبه فرد وقال: “أفلا أكون عبدا شكورا” .. تعرفى كمان ان أمنا عائشه رضى الله عنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يدع قيام الليل ، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا ” .. تخيلى ده النبي اللى ربنا غفرله كل ذنوبه .. ما بالك احنا بأه بذنوبنا دى وبأعمالنا دى مش احنا برده أحوج لقيام الليل من النبي صلى الله عيه وسلم ؟
قالت “آيات” بتأثر :
– أكيد .. ده احنا عندنا بلاوى مش ذنوب .. على الأقل بتكلم عن نفسى
قالت “إيمان” :
– تعرفى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال “من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه , وهي كل ليلة ” .. يعني كل ليلة فى ساعة لو دعيتي فيها ربنا يستجيب لدعائك .. تخيلى باه واحنا بنام ونسيب الساعة دى تضيع مننا
عقد “آيات” ما بين حاجبيها وقالت :
– يااه ده احنا مقصرين أوى
نظرت اليها “إيمان” قائله :
– أنا كنت زيك كده يا “آيات” وأمر منك كمان .. بس “على” أخويا ربنا يكرمه كان بيفضل يزن عليا ويتكلم معايا لحد مرة ورا مرة حسيت انى بدأت أتغير من جوايا
نظرت اليها “آيات” وقالت بحماس مبتسمة :
– أنا كمان ان شاء الله هصلى قيام من بكرة
– من بكرة ليه متخليش الشيطان يعطلك .. اتوضى وصلى دلوقتى لسه شوية على الفجر
توجهت “آيات” على الفور الى الحمام وتوضأت .. فرشت سجادة الصلاة فى غرفتها وأمسكت مصحفها .. شعرت بسكينة وراحة وفرحة لا تدرى سببها وهى تبدأ فى صلاتها .. وقفت تقرأ طويلاً الى أن بدأت تشعر بتعب فى قدميها .. مر على خاطرها كلام “إيمان” عن تورم قدم النبي صلى الله عليه وسلم الشريفتين .. فشعرت بسعادة فى قلبها .. شعرت بلذة هذا الألم .. وخشع قلبها أكثر .. قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “أصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته،فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء،لأنها تابعة له ” .. انتهت من القيام لتخر ساجدة .. دعت الله كثيراً فى سجودها .. شعرت ولأول مرة بلذة الطاعة .. صلت طوال عمرها .. لكنها لم تشعر من قبل بأن للصلاة لذة لا يشعر بها الا من خشع قلبه وتعاظم اسم الله فى داخله .. لا يشعر بها الا من فصل مشاعره وحواسه عن العالم من حوله .. ودخل الصلاة مستشعراً كل حركة .. وأنه الآن واقف بين يدى الله .. ينظر اليه .. ويسمعه .. بل ويشاركه صلاته ! .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إذا صليتم فلا تتلفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة ما لم يلتفت” .. وقال صلى الله عليه وسلم : ” قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ”
انتهت من صلاتها بعدما تنامى الى مسامعها آذان الفجر فقد سرقها الوقت ولم تشعر بدنوه .. جلست “آيات” فى مكانها تردد الآذان خلف المؤذن .. كانت تشعر براحة كبيرة فى نفسها وكأنها أمضت معاهدة سلام مع نفسها ومع العالم أجمع .. عاهدت نفسه ألا تترك القيام قط .. وأن تواظب عليه كل ليلة

******************************************
فى الصباح .. توجه “زياد” الى مكتب “آدم” قائلاً :
– صباح الخير يا “آدم”
رد “آدم” التحية وهو يضع بعض الأغراض فى حقيبة .. نظر اليه “زياد” بإستغراب وقال :
– بتعمل ايه ؟
أطرق “آدم” قليلاً ثم نظر الى “زياد” وقال بحزم :
– أنا خلاص يا “زياد” هسيب القرية دى .. أنا خلاص خدت قرارى ومش هرجع فيه
أومأ “زياد” برأسه وبدا غير مندهش .. وهذا ما أصاب “آدم” بالدهشة فقال :
– شكلك مش مستغرب يعني .. مع انى متكلمتش معاك فى الموضوع ده .. ولا قولتلك انى ناوى أسيب الشغل فى القرية
ابتسم “زياد” بوهن وقال :
– أيوة متكلمتش بس أنا كنت حاسس انك هتعمل كده .. من يوم ما “شكرى” عرف بموضوع الخمرة واتكلم وزعق وأنا عارف انها كده قفلت وانكوا مش هتتفقوا مع بعض
قال “آدم” بضيق :
– مش بس الخمرة .. رفض موضوع صالة الألعاب وأصر على الملهى .. ده غير القمار اللى بيحصل عيني عينك .. ده غير المناظر المقرفة كل شوية الواحد يتكعبل فيها .. حاولت أقنعه ومفيش فايدة .. وأنا خلاص مش عايز أعد فى الأرف ده كفاية بأه
أومأ “زياد” برأسه صامتاً فسأله “آدم” :
– وانت ناوى على ايه
– أصلاً يا “آدم” انا مكنتش مرتاح من البداية .. بس كنت محتاج اللى يشجعنى عشان آخد الخطوة دى .. وبقالى فترة عارف انك هتعمل كده
ثم قال :
– طبعاً رأيي من رأيك نبعد أحسن عن الأرف ده .. كفاية الاحساس بالذنب اللى كان خانق الواحد وهو حاسس انه بيعمل حاجة غلط
قال “آدم” مبتسماً :
– كنت عارف على فكرة انك هتقول كده .. وانك هتسيب القرية زيي
هتف”زياد” بحنق :
– تبقى تنفعه بأه خلي “شكرى” يشبع بيها وبالأرف اللى فيها
ثم قال :
– طيب وناوى تعمل ايه ؟ .. هترجع للجامعة تانى ؟
قال “آدم” بحيرة وهو يكمل جمع أغراضه :
– مش عارف .. لسه مقررتش
ثم نظر اليه قائلاً :
– وانت ناوى تعمل ايه
قال “زياد” بمرح :
– مش عارف .. لسه مقررتش
ابتسم “آدم” فأكمل “زياد” :
– هترجع القاهرة ؟
– أيوة .. بس مش هرجع الجامعة دلوقتى .. عايز أصفى ذهنى من كل حاجة .. محتاج أبعد عن كل حاجة فترة لحد ما أقرر أنا عايز أعمل ايه
– أجازة مفتوحة يعني
– أيوة بالظبط كده
– طيب قشطة أنا كمان هستجم .. الواحد اطحن الفترة اللى فاتت فى القرية دى
ثم نظر الى “آدم” مستفهماً :
– صحيح ايه أخبار القرية الجديدة
– مش عارف .. كل اللى أعرفه ان الافتتاح بتاعهم كمان يومين
قال “آدم” بدهشة :
– ايه ده بالسرعة دى
– يا ابنى ما أنا قايلك من أول يوم وهما شغالين الله ينور .. وكمان اللى سمعته انهم عملين نظام جديد خالص .. سمعت انهم فصلين بين الرجالة الستات فى القرية وحطين قوانين فى اللبس
– قوانين فى اللبس ازاى يعنى ؟
– معرفش التفاصيل أنا مبقتش بتابع من يوم ما حست اننا خلاص أيامنا معدودة فى القرية دى
قال “آدم” وهو يفكر :
– شوقتنى أشوف القرية دى .. متيجى نروح الافتتاح بتاعهم
قال “زياد” بلا مبالاة :
– خلاص تعالى نروح
قال “آدم” بحماس :
– ماشى يبأه نحضر الافتتاح ونسافر على طول
صمت “آدم” وهو يفكر فيما قاله “زياد” عن الأنظمة والقوانين الجديدة التى لم يسمع بها من قبل والتى وضعها أصحاب القرية الجديدة .. شعر بفضول كبير لمعرفة تلك القوانين تفصيلياً والى رؤية سير العمل فى تلك القرية

**************************************
اجتمع “كريم” و “على” و “آيات” و “إيمان” و “أسماء” معاً فى مكتب “كريم” .. التف الجميع حول الطاولة .. ترأس “كريم” الإجتماع وتحدث قائلاً :
– عايزين نحدد شغل كل واحدة فيكوا فى القرية
نظر الى “آيات” قائلاً :
– بالنسبة ليكى يا “آيات” هتكونى حلقة الوصل بيني وبين كل البنات اللى بتشتغل فى القرية يعنى انتى اللى هتتعاملى معاهم تعامل مباشرة مشاكلهم اقتراحاتهم كل حاجة خاصة بيهم هتكون معاكى انتى .. بالإضافة لمتابعتك لسير عملهم .. عارف انها شغلانه صعبة بس انتى أدها وكمان انتى الوحيدة اللى شايف انها تقدر تقوم بالهمة دى لان مش هيكون بيني وبينك حرج من أعادنا مع بعض وكلامنا .. يعني انتى تعبرى نائبة ليا فى القرية ودراعى اليمين فى كل حاجة تتعلق بالبنات اللى شغالين فى القرية
ابتسمت “آيات” وقالت بحماس :
– تمام يا “كريم”
– يعني مستعدة للموضوع ده
– أيوة مستعدة
قال برضا :
– طيب تمام .. نيجي للآنسة “أسماء”
نظرت اليه “أسماء” فتحدث اليها واضعاً عيناه فى الأوراق التى فى يده :
– حضرتك هتكونى مسؤلة عن أى مشكلة أو شكوى بتواجهها نزلاء القرية من السيدات .. طبعا لو كانت الشكاوى من أحد العاملات بالقرية هترجعى فيها ل “آيات” .. ولو كانت المشكلة متعلقة بعامل فى القرية هترجعى فيها لـ “على” لانه هو كمان يعتبر نائب ليا بس مهمته هو كل العماله الرجال فى القرية .. هيكون مسؤل عنهم ومشرف عليهم بصفة مباشرة … شايفه انك تقدرى على المهمة دى ؟
قالت “أسماء” بتوتر :
– بصراحة انا خايفة لانى أول مرة أشتغل
قال “كريم” وهو مازال يتطلع الى أوراقه :
– على فكرة الموضوع مش صعب والا مكنتش رشحتك ليه وانتى بدون خبره .. كل اللى مطلوب منه استقبال شكاوى النزلاء من السيدات وارائهم وإما انك توجهيها ل “آيات” أو ل “على”
صمتت قليلاً ثم قال بحماس وهى تنظر اليه :
– خلاص موافقة
– شايفه نفسك تقدرى تسدى فى الشغلانه دى
– أيوة ان شاء الله
– تمام .. نيجى للآنسة “إيمان”
توترت “إيمان” وحانت منها التفاته الى “على” ثم نظرت الى يديها المتعرقتين من فركها اياهما بتوتر .. قال “كريم” :
– حضرتك هتشاركى فى الاشراف على صاله الألعاب الرياضية الخاصة بالسيدات
شعرت “إيمان” بالإحمرار يغزو وجنتيها .. وقع كلامه على مسامعها كإهانه لم تحتملها .. لماذا اختارها هى بالذات لهذه المهمة .. ألأنها …. ؟! .. شعرت بوخز الدموع فى عينيها .. لم تشعر بنفسها الا وهى تنهض لتغادر غرفة المكتب وسط أعين الجميع المندهشة .. أغلقت الباب خلفها لتنهمر دموعها كالمطر .. كتمت شهقاتها وتوجهت مسرعة الى المنزل .. ران الصمت على الجميع وعيونهم معلقة بالباب الذى خرجت منه “إيمان” .. التفت “كريم” لـ “آيات” قائلاً وهو مقطب الجبين :
– هو أنا قولت حاجة غلط
قالت “آيات” بدهشة :
– لا .. أنا معرفش هى مشيت ليه
قال “على” وهو ينهض :
– طيب أنا هروح أشوفها مالها
قالت “آيات” وهى تسارع بالنهوض :
– لا خليك هى أكيد راحت الشقة أنا هروحلها
نهضت “أسماء” لتغادر بصحبة “آيات” .. فوجئت الاثنتان بـ “إيمان” الباكية فى غرفتها .. قالت لها “آيات” بلهفة وهى تجلس بجوارها على الفراش :
– “إيمان” مالك فى ايه
صاحت “إيمان” بحدة :
– أخوكى بيهزأنى يا “آيات”
نظرت اليها “آيات” بدهشة وهى تقول :
– ازاى يعني .. “كريم” ما قالش حاجة غلط ما احنا كنا أعدين وسامعين
قالت ودموعها مازالت تنهمر على وجهها :
– اشمعنى أنا اللى اختارنى عشان أشارك فى الاشراف على الجيم .. اشمعنى يعني المكان ده .. ليه محطنيش فى الاشراف على البسين .. أو أى مكان تانى فى القرية
ثم صاحت بصوت باكى :
– قصده يعني انه يقولى انى تخينه ومحتاجه أخس .. هو ماله ومالى أنا حره بأه أنا عجبنى نفسى كدة
انخرطت فى بكاء حار .. تبادلت “آيات” مع “أسماء” النظرات المندهشة .. اقتربت منها “أسماء” قائله :
– “إيمان” انا واثقه انه مكنش يقصد كده
قالت بغضب :
– انا أصلا غلطانه انى جيت .. لو كنت أعرف انى هتهزأ كده مكنتش جيت
قالت “آيات” بحزم :
– “إيمان” انتى مكبرة الموضوع
– طبعاً هتدافعى عنه ما هو أخوكى
– لا مش بدافع عنه عشان أخويا بس أنا مش شايفه انه غلط لما حطك فى الاشراف على الجيم .. عادى يعني
قالت “إيمان” بصرامة وهى تكفكف دموعها بظهر يدها :
– لأ مش عادى .. هو قصده يهزأنى ويحرجنى .. مش عارفه ليه .. بس أكيد هو قاصد
صمتت “آيات” وهى تتطلع اليها ثم قالت :
– على فكرة يا “إيمان” .. عارفه ايه مشكلتك ؟ .. مشكلتك انك مش حسه بأنوثتك .. وعلى طول فاقدة الثقة بنفسك
قالت “إيمان” بسخرية مريرة :
– أنوثة ايه يا بنتى .. انتى مش شايفه البرميل اللى أدامك
فوجئت “آيات” بـ “كريم” يتصل بها فقالت :
– “كريم” بيتصل
نظرت اليها “إيمان” بألم وكأنها تتذكر الجملة التى قالها منذ قليل والتى أعادت اليها الشعور بالمهانه .. نهضت “آيات” وتوجهت الى غرفتها وقالت :
– أيوة يا “كريم”
– السلام عليكم
– وعليكم السلام
قال “كريم” بإهتمام :
– خير .. عرفتى هى اضايقت ليه ؟
صمتت “آيات” لا تدرى ما تقول .. فحثها :
– “آيات” معايا
– أيوة معاك
– كلمتيها .. عرفتى هى اضايقت ليه ؟
قالت بتردد :
– انت ليه اخترتها هى بالذات عشان تمسك الجيم ؟
قال “كريم” بإستغراب :
– يعني ايه اخترتها هى بالذات .. أنا حطيت كل واحدة فى مكانها اللى أنا شايف انها هتكون مناسبه فيه .. وبعدين اقتراح انها تمسك الجيم ده كان اقتراح “على” مش اقتراحى
قالت بدهشة :
– “على”
– أيوة .. قالى انها اشتركت كتير فى جيم قبل كده .. وفى أماكن مختلفه .. وانها أكيد هتمون عارفه الألعاب كويس وتقدر تساعد البنات هناك .. فشوفت كلامه مناسب .. بس هى دى كل القصة
– خلاص يا “كريم” هفهمها كده
– أمال هى فهمت ايه بالظبط ؟
قالت “آيات” بتردد :
– افتكرتك قاصد تهزأها
قال بدهشة شديدة :
– لا حول ولا قوة الا بالله وأهزأها ليه ؟
– مفيش هى فهمت كده .. يعني عشان هى مليانه شوية افتكرتك تقصد تهزأها
قال “كريم” وقد تقطب جبينه فى ضيق :
– ايه اللى يوصلها انها تفكر كده .. وأنا مالى أنا اذا كانت مليانه ولا رفيعه .. وايه اللى يخلينى أتريق عليها وأهزأها يعني وأنا معرفهاش أصلاً .. وبعدين ههزأها أدام أخوها يعني .. تفكيرها غريب
– خلاص يا “كريم” بأه نقفل على الموضوع ده .. انا مش عايزاها تمشى من هنا بجد محتجاها معايا
قال “كريم” بحده :
– يا بنتى أنا ما قولتش تمشى .. ده انتوا الستات عليكوا مخ الله المستعان .. فهميها اللى أنا كنت أقصده بكلامى وان ده أصلا اقتراح أخوها مش اقتراحى .. وقوليلها ده شغل مش لعب عيال .. يعني لو فى حاجة مضايقاها تتكلم مش تمشى وتسيب الاجتماع كده
– طيب خلاص هقولها
تنهد قائلاً :
– طيب حلى انتى المشكلة دى أنا فى دماغى مليون حاجة عشان الافتتاح بتاع بكرة
– خلاص انت ربنا يعينك أنا هشوف الموضوع ده

– فهمتى بأه يا ستى .. يعني “على” اخوكى هو صاحب الفكرة مش “كريم”
نظرت “إيمان” بحرج الى “آيات” وقالت :
– وقالك ايه تانى ؟
قالت “آيات” الجالسه بجوارها على فراشها :
– قالى ده شغل مش لعب عيال مينفعش تسيب الاجتماع وتمشى كده
زفرت “إيمان” بضيق وهى تقول بصوت باكى :
– شكلى بأه زبالة أدامه
– لا يا بنتى لا زبالة ولا حاجة .. بس بطلى الحساسية دى
نظرت “آيات” ايلها بحزن وقالت :
– “إيمان” انتى ليه بتعملى فى نفسك كده .. انتى مش وحشة .. عارفه لو خسيتى حبه صغيرين هتبقى قمر والله
قالت “إيمان” بتهكم :
– حبه صغيرين
قالت “آيات” بحماس وحزم :
– بصى أهم حاجة تبقى انتى راضية عن نفسك .. مش مهم تخسى كتير ولا قليل المهم تبقى واقفة بتتفرجى على نفسك فى المرايا وانتى حسه انك مبسوطة .. وانتى حسه انك بنوته
تطلعت “إيمان” اليها بحزن فأكملت :
– يا بنتى لازم يبقى عندك ارادة أقوى من كده عشان تغيريى من نفسك .. مشكلتك انك كارهه نفسك ومش حباها يا “إيمان”
تساقطت العبرات من عينى “إيمان” فنظرت اليها “آيات” بحنان وقالت :
– بتعيطي ليه دلوقتى
قالت “إيمان” وهى تبكى :
– عارفه يا “آيات” .. انا عمرى ما حسيت انى بنوته زى ما بتقولى .. عارفه البنات فى ثانوى لما بيهتموا بنفسهم وبشعرهم وبجسمهم .. أنا مكنتش كده .. كانت ماما دايما بتحسسنى انى ولد مش بنوته ودلوعة .. لأ .. تعرفى انها كانت بتخليني ألبس لبس “على” فى البيت .. مكنتش بحب أبص لنفسى فى المرايا .. هى برضه معذورة الظروف كانت على الأد .. فكانت بتشترى من صغرنا لبس يليق عليا وعلى “على” .. عشان نلبسه من بعض .. حتى فى ثانوى شراباتى اللى كنت بروح بيها المدرسة كانت شرابات “على” .. كان صحابي بيتريقوا عليا عشان لابسه شرابات رجالى . .بس مكنتش بتكلم ولا أقول لماما لانى عارفه ظروفنا فمكنتش بحب أقولها اشتريلى ولا هتيلى .. كنت بتكسف .. وكنت فاكرة انى لما هشتغل ويبقى معايا فلوس هجيب اللى نفسى فيه وأحس انى بنوته .. بس لما كبرت حسبت ان فى حاجة ماتت جوايا .. حاجة محسسانى انى كائن هلامى ملوش جنس محدد .. مش عارفه أهتم بنفسى زى أى بنت .. مش عارف احس أصلا انى بنت .. لما بسمع البنات بتتكلم عن وصفة للشعر أو لتنعيم الجسم بحس اكنى من عالم تانى ..بحس انى نفسى أكون زيهم وأتكلم زيهم واهتم باللى بيهتموا بيه .. بس مش عارفه .. مش عارفه اكون زيهم
قالت “آيات” وهى تشعر بحجم ما تعانيه “إيمان” من آلام حبستها بداخلها :
– “إيمان” انتى مشكلتك الوحيدة هى عدم ثقتك بنفسك .. بجد انتى محتاجه شوية ثقه مش أكتر
ثم هتفت بمرح :
– وبعدين يا ستى لو كان على خلطات الشعر والبشرة فالبت “أسماء” دى فظيعه أستاذة خلطات .. بالليل هخليها تضربلنا كام خلطة من بتوعها وأهو الواحد يبقه وشه منور فى حفلة بكرة
صاحت “إيمان” بمرح وهى تمسح دموعها :
– لا يختى أنا مش هحط حاجة على وشى وخاصة “أسماء” اللى عملاها
نادت “آيات” “أسماء” فأتت .. قالت لها بمرح :
– “سمسم” متشوفيلنا خلطة من بتوعك تجهزيهالنا بالليل عشان نبقى مزز بكرة فى الحفلة
صاحت “أسماء” قائله بتهكم :
– يختى اتنيلى .. اخوكى وأخوها قسموا الستات فى حته والرجالة فى حته .. حفلة ايه دى بس يا ربي اللى محشططين فيها كل نوع فى حته .. الناس بتروح الحفلات عشان تتشاف وتتخبط .. أخواتكوا انتوا الاتنين على فكرة خنقونى آخر خنقة
أطلقت “إيمان” و “آيات” الضحكات العالية فنظرت اليهما “أسماء” بغيظ وهى تقول :
– آه اضحكوا اضحكوا .. بكرة نلاقيهم مقسمين الهوا اللى فى القرية .. هوا للرجاله وهوا للستات .. واللى يشم من هوا التانى يقيموا عليه الحد
قالت “إيمان” من بين ضحكاتها :
– والله انتى رهيبة يا “أسماء” .. لا بجد مسلية الواحد يتفرج عليكي بدل التليفزيون
ثم التفتت الى “آيات” قائله :
– هى من زمان كده
ضحكت “آيات” وهى تقول :
– آه للأسف من يوم ما عرفتها وهى صواميل مخها مفكوكه محتاجه تتربط
قالت “أسماء” بغيظ وهى تهم بمغادرة الغرفة :
– كده طيب مفيش ماسكات .. خليكوا معفنين كده
نهضت “آيات” بسرعة وقبلتها قائله :
– لا يا “سمسم” مقدرش على زعلك .. متحرميناش من خلطاتك الرهيبة .. حتى عشان البنت الغلبانه دى
– طيب على الله يطمر

*********************************
عبرت سيارة “عاصى” بوابة قرية الماسة لتتوقف أمام المبنى الإدارى .. خرج من سيارته ونظر حوله بأعين متفحصه .. اقترب من احد العاملين وقال :
– لو سمحت ألاقى فين الآنسة “آيات” ؟
أشار له الى المبنى وقال :
– هتلاقيها فى مكتبها .. ولو ملقتهاش تبقى بتلف على الموظفين فى القرية
دخل “عاصى” البناية وأخذ ينظر الى الأسماء المعلقة على الغرف حتى وجد اسم “آيات” نظر اليه بسخرية ثم طرق الباب .. لم يسمع صوتاً ففتحه ليجده فارغاً .. اقترب منه أحد العاملين وقال :
– حضرتك تؤمر بحاجة يا فندم
التفت اليه وقال بترفع :
– عايز الآنسة “آيات”
– هى مش موجودة فى مكتبها بس ممكن تسأل عنها الأستاذ “كريم”
قال “عاصى” وهو يرفع حاجبه :
– “كريم ضياء” مدير القرية ؟
– أيوة يا فندم .. ده مكتبه
أشار العامل الى المكتب .. فالتفت “عاصى” متوجهاً اليه دون أن يوجه كلمة شكر الى العامل .. طرق الباب فأذن له “كريم” بالدخول .. دخل “عاصى” يرمى عينيه فى محيط الغرفة .. وقف “كريم” قائلا :
– اتفضل
نظر اليه “عاصى” بتهكم ممزوج بالدهشة لما رآى عليه من سمت أدهشه .. سأل ليتأكد من هويته :
– انت “كريم ضياء” ؟
– أوية أنا يا فندم اتفضل
جلس “عاصى” ثم قال بتعالى :
– كنت عايز أقابل الآنسة “آيات اليمانى” .. ملقتهاش فى مكتبها وقالولى أسألك عنها
ضاقت عينا “كريم” وهو ينظر الى “عاصى” قائلاً :
– وحضرتك مين ؟
– أنا “عاصى اليمانى” .. ابن عمها
نظر اليه “كريم” متفحصاً ثم قال :
– مدير قرية الفيروز مش كده .. اهلا بيك
– وبيك .. ممكن تشوفلى هى فين ؟
أخرج “كريم” هاتفه واتصل بـ “آيات” وطلب منها الحضور الى مكتبه .. شعرت “آيات” بالدهشة وهى تنظر الى “عاصى” الجالس فى مكتب “كريم” .. نظر اليها “عاصى” قائلاً :
– ازيك يا “آيات”
قالت بإقتضاب :
– الحمد لله
– تعالى نتكلم بره شوية
قال “كريم” بحزم :
– اتفضل اتكلم معاها هنا
نظر اليه “عاصى” بحدة ثم قال بشئ من الغضب :
– عايز أقول لبنت عمى حاجة خاصة
قال له “كريم” بصرامة :
– اللى انت عايز تقوله لأختى قوله أدامى
نظر اليه “عاصى” بدهشة وقال بتهكم :
– أختك
– أيوة أختى .. “آيات” أختى فى الرضاعة .. اتفضل قولها اللى انت عايزه أدامى
التفت “عاصى” الى “آيات” بحده قائله :
– قوليله ميتدخلش بي

 

error: