رواية “جواد بلا فارس”

الحلقة ( 21 )

شعرت “آيات” بالتوتر الشديد وهى تدلف الى مكتب “فؤاد” والد “أحمد” .. حانت منها التفاته الى “أسماء” فوجدتها بنفس توترها .. تبادلت الفتاتان النظرات قبل أن يقدمها “أحمد” الى والده قائلاً :
– بابا أحب أعرفك على “آيات” و “أسماء” .. زمايلى فى الكلية
ابتسم “فؤاد” ووقف يمد يده ليسلم على الفتاتان قائلاً :
– أهلاً بيكم
سلمت عليه “أسماء” .. أما “آيات” فتوترت رفعت يدها قليلاً ثم تراجعت وقالت بإرتباك شديد :
– معلش يا عمو مش بسلم بإيدي
أعاد “فؤاد” يده بجواره ثم أشار لهما بالجلوس قائلاً :
– اتفضلوا
جلست الفتاتان فى مقعدين متواجهين .. أما “أحمد” فجذب مقعداً وجلس بالقرب من “آيات” .. عقد “فؤاد” كفيه فوق المكتب وقال :
– ها تحبوا تشربوا ايه ؟
ضغط زراً بجواره فحضرت السكرتيرة على الفور ثم انصرفت تحضر ما طلبوه .. بدأ “فؤاد” حديثه قائلاً :
– “أحمد” كلمكوا عن طبيعة الشغل اللى محتاجكوا فيه ؟
قبل أن تجيب الفتاتات أسرع “أحمد” بالإجابة قائلاً :
– لا يا بابا ما قولتلهمش حاجة .. قولت حضرتك تشرحلهم أفضل
رجع “فؤاد” بظهره الى الخلف ثم قال :
– أنا ناوى ان شاء الله أعمل مشروع سياحى .. قرية سياحية فى العين السخنة
نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض فى دهشة .. فلاحظ “فؤاد” دهشتهما فضاقت عينيه قائلاً :
– فى حاجة ؟
التفتت “آيات” اليه وتنحنحت ثم قالت :
– لا أبداً .. بس ابن عمى برده عامل مشروع سياحي فى العين السخنة وكان عارض علينا نشتغل معاه
قال “فؤاد” بإهتمام :
– اسمه ايه ابن عمك ؟
– “عاصى سراج اليمانى”
رفع “فؤاد” حابيه بدهشة وهتف :
– انتى بنت أخو “سراج اليمانى” ؟
حانت منها التفاته الى “أسماء” ثم نظرت اليه قائله بتوتر :
– أيوة
صمت “فؤاد” وقد بدا عليه التفكير .. سأله “أحمد” بإهتمام :
– ليه فى حاجة يا بابا .. حضرتك تعرفه ؟
عقد “فؤاد” ذراعيه مرة أخرى فوق المكتب ونظر الى “آيات” قائلاً :
– قرية “سراج اليمانى” اسمها قرية الفيروز ودى جمب قريتنا بالظبط
أومأت “آيات” برأسها وقد غرقت فى التفكير .. نظر اليها “فؤاد” نظرة ثاقبه وقال :
– وقرية “شكرى …….” اسمها جولدن بيتش ودى كمان جمب قريتها
فجأة تجمدت الدماء فى عروقها عندما سمعته يقول :
– ومديرها دكتور “آدم خطاب ”
بدا على “أسماء” الدهشة وهى تستمع الى “فؤاد” .. أما “آيات” فقد بدا عليها الضيق .. رمق “أحمد” والده بنظرات عتاب وكأنه يقول : لماذا أخبرتها ؟ .. خشى “أحمد” أن تتراجع “آيات” عن العمل فى القرية بعدما عملت بأنها ستعمل فى قرية منافسة لـ “سراج” عمها .. و “آدم” خطيبها السابق .. نظرت “أسماء” اليها ترقب تعبيرات وجهها علها تستشف ما تفكر فيه وما تنوى فعله .. ظلت “آيات” صامتة ترمق السجادة فى شرود .. أكمل “فؤاد” حديثه قائلاً :
– شغلك انتى و “أسماء” لو وافقتوا تشتغلوا عندى .. مش هيكون فى القرية فمتقلقيش مش هتحتكى بحد منهم .. شغلك هيكون هنا فى المكتب السياحى اللى هنستقبل فيه الحجوزات واللى هنعمل منه الدعاية للقرية
التفتت “آيات” تنظر الى “فؤاد” وهى تسأله بإهتمام :
– هنشتغل ايه بالظبط
– أنا محتاج ناس بتحب شغلها وناس متفرغة لان الشغل الفترة الجاية هيكون متعب .. انا مش داخل منافسة زى دى عشان أخسرها .. وداخل وأنا عارف كويس حجم منافسيني .. ولازم أتفوق عليهم .. عشان كده محتاج معايا ناس بتعشق النجاح .. وتكره الفشل
ثم قال :
– وعلى أد ما هتدوا لشغلكوا على أد ما شغلكوا هيديكوا .. يعنى اللى بيتعب معايا بيلاقى نتيجة لتعبه
صمتت “آيات” تزن كلماته فى عقلها ثم قالت :
– طيب هل فى ملف خاص بالمشروع أو ملخص عنه
– أكيد فى
– طيب أحب أشوفه وأدرس الموضوع الأول قبل ما أوافق
ضحك “فؤاد” قائلاً :
– محسسانى انى بتكلم مع سيدة أعمال من الدرجة الأولى
شعرت “آيات” بالجرح وقالت :
– أنا بس حبه انى أتأكد ان كل حاجة هتكون مظبوطة .. أقصد ان مش هيبقى فيه حاجات تغضب ربنا .. أنا كنت فى الجامعة وفى ثانوى بعشق الرحلات .. وزرت العين السخنة كتير أوى وأعرفها كويس جداً .. وروحت قرى كتير بصراحة كان فى حاجات كنت بضايق منها بس مكنتش بهتم .. لكن دلوقتى يهمنى انى لما أشتغل فى مكان ميكنش فيه حاجت غلط بتحصل .. عشان مشلش ذنبها
ابتسم “فؤاد” وهو يخرج احدى الملفات من درج مكتبه ويضع فوقها سي دي ويضعهم أمام “آيات” قائلاً :
– دى نسخة من البريزنتيشن اللى بقدمه للعملا .. وده سي دى فيه صور القرية والمناطق اللى حوليها
أخذتهم “آيات” قائله :
– ان شاء الله هرد على حضرتك خلال يومين بالكتير
التفت “فؤاد” الى “اسماء” قائلاً :
– وانتى يا “أسماء”
ابتسمت “أسماء” وقالت فى كياسة :
– طبعاً أنا يشرفنى جداً انى أتشغل عند حضرتك يا أستاذ “فؤاد”
– خلاص يبقى اتفقنا .. ادرسوا الموضوع كويس ومنتظر ردكوا عليا .. خلاص المكتب انتهينا من تشطيباته وبكرة بالكتير يكون اتفرش .. فمحتاج رد فى أقرب وقت

*************************************

جلس مدحت والد “أسماء” أمام التلفاز وهو لا يعى ما يدور .. سمع المفتاح يدور فى الباب فهب واقفاً وعلامات الغضب على وجهه .. نظرت اليه زوجته الجديدة قائله :
– انت هنا يا بيبي
عقد ذراعيه أمام صدره قائلاً :
– أيوة هنا .. كنتى فين ؟
قالت فى تبرم :
– كنت مع صحابى
زمجر فى غضب :
– طبعاً بتصرفى فى الفلوس اللى سحبتيها امبارح
ارتبكت وقالت :
– انا كنت محتاجة مبلغ وخدته .. وبعدين انت ادتنى الكريدت عشان لو احتجت حاجة أسحبها
صاح بغضب هادر :
– ممكن أفهم كنتى بتعملى ايه بـ 15 ألف جنية
زفرت بحنق وقالت وهى تلوح بيديها :
– اشتريت شوية حاجات
– أيوة ايه هى الحاجات اللى اشتريتيها دى ؟
هتفت بغضب وهى تتوجه الى غرفة النوم :
– حاجات وخلاص
انقض عليها جاذباً اياها من ذراعها وهو ينظر اليها بشراسة قائلاً :
– اوعى تكونى فكرانى نايم على ودانى .. انا عارف كويس انتى عملتى ايه بالفلوس دى
بلعت ريقها بصعوبة وقالت وهى تخفى خوفها :
– ايه الكلام ده
قال بعنف :
– أنا عارف كويس انك لسه بتقابلى التيييييييييييت خطيبك .. وانك ادتيله الفلوس دى
شعرت بالصدمة لكنها تمالكت أعصابها وقالت :
– ايه الكلام الأهبل ده
لطمها على وجهها فتأوهت بألم .. قال بحزم :
– أنا اللى غلطان من الأول انى اتجوزت عيله زيك متعرفش يعني ايه مسؤلية
صاحت وهى تمسح بكفها على وجنتها المتألمه :
– احمد ربنا انى رضيت بواحد زيك شايب وعايب
لطمها مرة أخرى صارخاً فيها :
– لمى هدومك وامشى اطلعى بره .. انتى طالق
ضحكت بسخرية قائله :
– قال يعني طردتنى من الجنة .. بلا أرف
ألقى بجسده فوق أحد المقاعد وهو يدفن وجهه بين كفيه ويشعر بأن عالمه ينهار من حوله

*********************************

فى المساء وقف “آدم” أمام البحر الهادر يراقب موجاته الغاضبه التى ترسل الزبد تحت قدميه .. اقترب منه “زياد” قائلاً وهو يلهث :
– ايه يا ابنى انت فين دوختنى عليك
التفت اليه “آدم” بصمت .. وقف “زياد” أمامه يتفرس فيه قائلاً :
– انت كويس
أومأ “آدم” برأسه .. فقال “زياد” :
– أنا رجعت النهاردة من شرم لقيت كل اللى فى القرية بيتكلموا عن اللى حصل النهاردة
عاد “آدم” ينظر الى البحر مرة أخرى وهو لايزال محتفظاً بصمته .. سأله “زياد” :
– انت بجد منعت الخمور من القرية .. وشلت من المنيو الأكلات الى بتتعمل بيها ؟
أومأ “آدم” برأسه دون أن ينظر اليه .. فأكمل “زياد” مبتسماً :
– وعرفت كمان انك قلبت الملهى الليلى لقاعة بلياردو وبولينج .. وان المهندس هييجى من بكرة يعاين المكان
التفت “زياد” ينظر الى البحر لبرهة .. ثم نظر الى “آدم” قائلاً :
– هو ده اللى كان لازم يحصل .. أنا كمان مكنتش مرتاح للحاجات دى .. كنت حاسس ان بركة فلوسنا كانت ناقصه
تحدث “آدم” قائلاً بحزم :
– قول فلوسنا كانت حرام أصلاً
ركل “زياد” الرمل بطرف حذائه ثم قال :
– معاك حق
ثم تنهد فى ضيق قائلاً :
– رغم ان الواحد عارف كده بس للأسف ساعات بنضعف أدام المغريات المادية
ثم وضع كفه على كتف “آدم” وقال مبتسماً :
– بس برافو عليك
ران الصمت بينهما الى أن قطعه “زياد” قائلاً :
– بس يا ترى ايه هيكون رد فعل “شكرى” لما يعرف .. تفتكر ممكن يعترض ؟
قال “آدم” بحزم وهو يراقب موجة عالية تبتلع أخرى :
– يتفلق .. لو مش عاجبه يخبط دماغه فى الحيطه
التفت “آدم” ليغادر المكان .. جلس “زياد” على الرمل وهو يرقب الأمواج بدوره .. ثم أراح ظهره فوق الرمال ينظر الى النجمات القليلة التى تتلألأ فى السماء وهو يقول لنفسه :
– ايه يا “زياد” مش ناوى تلاقى نصك التانى بأه
ثم رفع ذراعيه الى السماء قائلاً بمرح :
– ابعتها يارب

**********************************

جلست “آيات” على الأرض فى حجرة المعيشة تفترش أمامها الصور والأوراق التى كانت موجودة فى الملف الذى أعطاها اياها “فؤاد” .. أقبلت عليها “أسماء” حاملة كوبين من الشاى الساخن وضعت أحدهما بجوار “آيات” ثم جلست على أحد المقاعد تنظر الى صديقتها المنهمكة فى مطالعة الأورق والصور ثم قالت :
– ها ايه الأخبار
حكت “آيات” رأسها ثم قالت وهى تنظر الى احدى الأوراق فى يدها :
– بصراحة مشروع جبار .. ولو اتعمله دراسة جدوى صح مكاسبه هتكون رهيبة .. الموقع فعلاً خرافى .. رغم انى حافظه العين السخنة بس عمرى ما شوفت فيها مكان بالروعة دى
قالت “أسماء” بإهتمام :
– هتوافقى يعني ؟
نظرت اليها “آيات” قائله بشرود :
– لسه مقررتش .. فى حاجات قلقانى
– ايه اللى قالقك مش بتقولى مشروع كويس
ثم هتفت “أسماء” بتهكم :
– وبعدين يا “آيات” ملف ايه اللى بتدرسيه .. محسسانى انك هتدخلى شريكه فى المشروع .. يا بنتى ده انتى يدوبك شغاله فى المكتب السياحى .. ده ايه الهم ده يارب
قالت “آيات” بحزم :
– لازم أعرف كل حاجة عن المكان اللى هشتغل فيه .. افرضى اشتغلت فى المكتب السياحى وفى الآخر اكتشفت ان فى حاجات حرام بتحصل فى القرية دى .. أشيل ذنبهم يعني ؟
قالت “أسماء” بحده :
– حاجات حرام ايه يا بنتى متنرفزينيش .. دى قرية محترمة هيحصل فيها ايه يعني
قالت “آيات” بهدوء :
– يحصل فيها اللى كنا بنشوفه فى القرى اللى بنروحها يا “أسماء” .. ستات عريانه ماشية يمين وشمال .. بيسين مينفعش تنزليه الا وانتى لابسه بيكيني والرجاله راحه جايه عينهم تندب فيها رصاصة .. و البيرة اللى كانت بتتشرب زى البيبسي بالظبط .. ده غير المناظر اللى كنا بنشوفها عيني عينك كدة من غير أى كسوف ولا خجل .. ويا سلام بأه على الأجانب اللى كنا بنتكعبل فيهم على الشط والواحده من دول قالعه كل هدومها ونايمة على الأرض تعمل حمام شمس .. مش ده اللى كان بيحصل فى القرى اللى بنروحها يا “أسماء”
قالت “أسماء” بتبرم :
– يعني نعمل ايه .. نقول للرجاله اتلموا ومتبصوش على البنات وهى ماشية على البحر أو وهى نازله البسين .. ولا نقول لكل بنت اياكى تعملى علاقة مع واحد فى القرية عشان مناخدش ذنبك
ثم قالت بتهكم :
– لو كل الناس فكرت بطريقتك يبقى السياحة هتضرب وكل واحد صاحب قرية يقفلها ويعد فى بيتهم أحسن .. ويبقى بلد زى مصر خسرت أهم مصادرها للدخل القومى .. يا بنتى لو كل الناس فكرت زيك كده كان البلد خربت
ابتسمت “آيات” بثقة وهى تقول بتحدى :
– طيب .. أنا بأه هعمل دراسة جدوى للمشروع ده بالطريقة اللى أنا شيفاها .. هحط فيها كل الأفكار اللى فى دماغى .. وهنحسبها بالورقة والقلم .. ونشوف اذا أفكارى دى اتنفذت السياحة فعلاً هتضرب ولا لأ
ابتسمت “أسماء” بسخرية وهى تنهض قائلاً :
– والله انتى مخك تعبان
نظرت “آيات” الى الأوراق أمامها .. ثم حملتهم جميعهم وتوجهت الى غرفة المكتب والتى تحتوى على الحاسوب الساكن فى ركن الغرفة .. ثم شرعت تضرب بأناملها فوق لوحة المفاتيح فى تؤدة

******************************************
لم يشعر بمضى الوقت وهو يتأمل صورتها .. امتدت أصابعه لتتلمس الشاشه .. ذلك الوجه البرئ الخالى من أى شئ مصطنع .. تلك النظرة البريئة والبسمة الرقيقة .. امتدت يده الى درج مكتبه ليخرج منها تلك الورقة التى تمزق قلبه كلما تطلع اليها .. شهــادة وفــاة .. نظر بعيون ثكلى الى اسمها الذى كان يأمل أن يراه على عقد زواجهما .. لكن إرادة الله سبقت أمانيه … أخذ شهيقاً عميقاً ليزفر معه ما يعتمل فى صدره من ألم .. لكن هيهات .. لا سبيل للخلاص من هذا الألم .. تناول مصحفه من فوق المكتب .. وأخذ يقرأ فيه .. علا صوته فى التلاوة ليصل الى مسامع أمه .. ابتسمت فى حنو وهى ترنو الى غرفته ببصرها .. كم اشتاقت لسماع ترتيله العذب .. وصوته الخاشع يطرب أذنيها المرهفتين .. انتهى من التلاوة بعدما دامت لما يقرب من ساعة .. أطلت برأسها من الباب الموارب وابتسمت فى حنو قائله :
– أجيبلك تتعشى يا “آدم”
هز رأسه نفياً .. ففتحت الباب أكثر ودخلت قائله :
– يا حبيبى انت على لحم بطنك من الصبح .. مفطرتش وحتى فى الغدا مكلتش الا لقمتين .. عشان خاطرى يا حبيبى أحضر لقمة ناكل سوا .. ماشى
أومأ برأسه ايجاباً اذعاناً لإصرارها فابتسمت قائله :
– ان شاله يباركلى فيك
أحضرت صنية كبيرة موضوع عليها ما لذ وطاب .. وضعتها فوق الطاولة ونادت عليه .. جلس بجوارها يلوك الطعام فى فمه وكأنه لا يشعر بمذاقه .. قالت مبتسمه :
– عجبك الأكل
قال بخفوت :
– أيوة يا ماما تسلم ايدك
ربتت على ظهره وهى تضع أمامه المزيد من الطعام .. نظر اليها قائلاً :
– على فكرة أنا منعت الخمرة واللحوم الحرام من القرية .. والملهى هنقلبه صالة ألعاب
اتسعت ابتسامة والدته فقال لها :
– حبيت أعرفك عشان تعرفى ان فلوسى معادتش حرام
قالت له فى حماس :
– ربنا يبارك فيك يا ابنى ويصرف عنك كل سوء .. اهو كدة انت ابنى “آدم” اللى طمرت تربيتي فيه
ابتسم بوهن وأمسك كفها قائلاً :
– ربنا يخليكي ليا يا ماما وجودك جمبي فارق معايا
وضعت يدها الأخرى فوق كفه وقالت :
– وهتلاقيني لآخر يوم فى عمرى جمبك ووراك .. لو وقعت أقومك .. ولو تعبت أداويك .. انت ابنى وحته منى نفسى أشوفك أحسن واحد فى الدنيا دى
ثم استدركت قائله :
– مش بالمال ولا بالجاه .. لكن بالأدب والدين والأخلاق
قبل “آدم” يدها قائلاً يتأثر :
– عارفه لو كل الأمهات زيك .. كان شباب كتير حالهم انصلح .. لكن فى أمهات بدل ما تدعى لإبنها بالهداية بتدعى عليه .. ومتعرفش ان دعاء الأم مستجاب .. فى أمهات بتدمر ولادها بلسانها .. بكلمة منها تخرج فى ساعة اجابة ربنا يتقبل دعاءها على ابنها
ابتسمت أمه فى حنو وقالت :
– عمر ما قلبي طاوعنى أدعى عليك .. حتى لما كنت قاسى عليا كنت بدعيلك بالهداية .. والحمد لله أهو ربنا استجاب وهداك وصلح حالك وباركلى فيك يا “آدم”

**********************************
شعرت “مديجة” والدة “أسماء” بالصدمة عندما فتحت الباب لتجد زوجها أمامها .. نظرت اليه لبرهة وقد تجمدت فى مكانها .. ثم قالت :
– أفندم عايز ايه
لم يجيبها بل اندفع للداخل فتراجعت للوراء .. أغلق الباب خلفه فصاحت :
– امشى اطلع بره
نظر اليها بصرامة قائلاً :
– “أسماء” هربت من البيت ليه يا “مديحة” ؟
اشتعلت عيناها غضبت وهتفت :
– انت جاى تفتكر بنتك دلوقتى .. صباح الخير يا “مدحت”
اشتعلت عيناه غضباً هو الآخر وقال :
– بنتك لفيت عليها فى كل حته وسألت طوب الأرض عليها ومحدش عارف هى فين .. ايه اللى خلاها تسيب البيت انطقى
قالت بصوت مضطرب وهى تحاول أو تطمئن نفسها :
– متقلقش هى أكيد عند “آيات” صحبتها
قال بوجوم :
– “آيات” ماتت
شهقت “مديحة” واضعة كفها فوق فمها وقالت :
– ماتت .. ماتت ازاى ؟
– العمارة اللى كانت ساكنه فيها وقعت فى الزلزال
دمعت عيناها وهى تهتف بفزع :
– و “أسماء” ؟ .. “أسماء” حصلها ايه يا “مدحت”
زفر بيأس قائلاً :
– “أسماء” مكنتش معاها
صرخت قائله والدموع تنهمر من عينيها :
– انت واثق .. واثق ان بنتى مكنتش معاها
– أيوة واثق
ثم اقتربمنها ينظر اليها وقال بصرامة :
– ايه اللى خلى “أسماء” تمشى ؟
قالت بصوت باكى :
– معرفش .. قالت كلام عن ان “هانى” ضايقها .. بس “هانى” بيقول انه معملهاش حاجة .. معرفش هى كانت بتقول كدة عشان تلفت الانتباه ليها ولا زى ما أختى بتقول ان “هانى” عجبها ولما مدهاش وش طلعت الكلام ده عليه
صمت “مدحت” قليلاً يستوعب ما قالت ثم بدا وكأن جنونه قد جن وصاح :
– “هانى” ابن أختك ؟ .. عملها ايه .. “أسماء” قالتلك ايه ؟
قالت بمزيج من الخجل والحيرة والندم :
– قالت انه كان بيدخلها أوضتها وانه … بيتحرش بيها
أمسكها “مدحت” من ذراعيها بقسوة قائلاً :
– وصدقتيه وكذبتيها ؟ .. كدبتى بنتك يا “مديحة”
قالت بإضطراب وهى تشعر بالألم من قبضتيه على ذراعيها :
– “هانى” مش ممكن يعمل كده .. الولد متربى كويس و ………..
لم ينقذها من بين يديه سوى سماعه لصوت الباب من خلفه .. أطل “هانى” برأسه .. وما كاد يدخل المنزل حتى ترك “مدحت” ذراعى “مديحة” ليهوى على وجه “هانى” بصفعة ألصقته بالجدار .. نظر “هانى” بدهشة وصدمة الى “مدحت” .. وصرخت “مديحة” قائله :
– سيبه يا “مدحت”
لم يلتفت اليها بل جذبه من شعره وأعقبه بصفعة أخرى فجرت الدماء من شفتيه وأخذ يصيح ويئن بألم .. صرخ “مدحت” بغضب :
– عملت ايه فى بنتى يا تييييييييييييييييت
حاول “هانى” التحدث لكن “مدحت” لم يدع له الفرصة .. صرخ بصوت مكتوم بعدما سدد له “مدحت” ركلة فى بطنه احتقنت لها الدماء فى وجهه وهو يشعر بصعوبة شديدة فى التنفس .. أقبلت أمه من الخارج تصرخ وتولول :
– انت اتجننت انت بتعمل ايه فى ابنى
جثت على ركبتيها بجوار “هانى” تتفحصه وهى تصيح بغضب فى “مدحت” :
– انت بتمد ايدك على ابنى .. والله لأوديك فى ستين داهية
ثم نظرت الى أختها قائله :
– لمى هدومك وامشى اطلعى بره انتى وجوزك والله لأحبسكوا انتوا الاتنين
وضعت رأس “هانى” الدامى على صدرها وهى تبكى قائله :
– “هانى” .. عمل فيك ايه الحيوان ده
اقترب “مدحت” وبصق فى وجه “هانى” الجالس على الأرض وقال فى صرامة :
– اتفو عليك عيل تيييييييييييت
انصرف “مدحت” بينما توجهت “مديحة” الباكية تجمع أغراضها فى عجالة وهى تبكى فى لوحة وحسرة وندم .. قام “هانى” بمساعدة أمه التى لم تتوقف عن النحيب والوعيد لأختها وزوجها .. أجلسته على الأريكة .. فى تلك اللحظة خرجت “مديحة” من الغرفة فهجمت عليها أختها تجذبها من ملابسها وتصرخ فيها :
– مش عارفين تربوا بنتكوا وجايين تتشطروا على ابنى .. روحى شوفى بنتك التيييييييييت هربت مع مين وبعدين ابقى تعالى كلمينى
نظرت اليها “مديحة” بغضب بأعينها الدامعة وهى تقول :
– حسبي الله ونعم الوكيل فيكي انتى وابنك .. بس مش غلطتكوا .. دى غلطتى انى مصدقتش بنتى ودافعت عن ابنك التييييييييييت
جذبت ذراعها من بين يديها وخرجت لا تدرى الى أين تذهب .. فلا هى تملك المال ولا تملك المكان .. مكانها الوحيد كان بيتها الذى طُردت منه وها هى الآن تُطرد من بيت أبيها الذى تعلم جيداً أنه لا حول له ولا قوة أمام عنفوان ابنته .. نزلت الدرج وهى تفكر فى ابنتها الضائعة التى انتهجت خطواتها من قبل .. ونزلت بحقيبة ملابسها لا تدرى الى أين تذهب .. عزمت على التوجه الى الصاغة لبيع احدى مصوغاتها الذهبية الى أن تبحث عن عمل وهى التى كانت تعيش منعمة مرفهة فى بيت زوجها .. صدمت عندما نظرت الى “مدحت” الذى لايزال واقفاً أمام بوابة المنزل .. أقبل نحوها واشار الى السيارة بصرامة قائلاً :
– اركبي
قالت بكبرياء :
– لا مش راكبه .. وبعدين مش خايف مراتك الجديدة تشوفك وانت بتوصلنى
فتح باب السيارة وقال بغضب وعيناه تنذران بالشر:
– بقولك اركبي أنا روحى فى مناخيرى متجننينيش
لا تعلم لما استسلمت وركب .. حطم كرامتها وكبريائها ولن تسامحه أبداً .. بدا أيضاً وكأنه لا يطيق وجودها بجواره فى السيارة .. لكن كان يجمعهما الآن شئ مشترك أهم بكثير من مشاعر كليهما تجاه الآخر .. قال بجدية :
– دلوقتى عايزين نحصر أسماء الناس اللى “أسماء” تعرفهم ونروحلهم واحد واحد
قالت “مديحة” بعصبية :
– انت فاكرنى هستناك .. انا عملت كده واتصلت بكل اللى تعرفهم محدش عارف مكانها
– نحاول تانى وتالت ورابع .. مفيش أدامنا غير كده
نظرت اليه بحقد قائله :
– ما انت لو كنت أب وزوج محترم مكنش ده حصل .. لكن انت ……….
داس مكابح السيارة بقوة حتى أصدرت صريراً مرعباً .. كادت ان يصطدم رأسها فى الزجاج الأمامى .. وقبل أن تأخذ أنفاسها التفت اليها “مدحت” هاتفاً بصوت صم آذانها :
– انا راجل مش محترم و تيييييييييييييت .. انتى بأه ايه يا أم يا فاضلة .. فى أم تسيب بنتها تحت ايد تييييييييييت زى ده .. فى أم تكدب بنتها وتصدق ابن أختها .. فى أم تسيب بنتها تنزل من بيتها بشنطة هدومها متعرفش هى راحه فين .. ردى عليا يا “مديحة”
لم تستطع “مديحة” الرد .. بل لم تستطع حتى النظر اليه .. انهمرت عبراتها وهى تتطلع أمامها وشعور عميق بالندم ينهشها .. أدار “مدحت” السيارة مرة أخرى فى عصبيه وهو يقول :
– هترجعى معايا البيت لحد ما نشوف حل للمصيبة اللى احنا فيها وأطمن على بنتى .. بعدها نتطلق وكل واحد يروح لحاله
لم ترد “مديحة” سوى بمزيد من العبرات المنهمرة .. ومزيد من الشعور بالندم

*************************************
– أيوة أسمع عنه .. ابنه كان عندى فى الكلية
قال “آدم” ذلك موجهاً حديثه الى “زياد” بعدما عرف منه بان “فؤاد” هو الذى استأجر القرية الثالثة .. تذكر “آدم” يوم أن هتف “أحمد” وسط الجامعة معلناً حبه لـ “آيات” .. تذكر يومها كيف هرعت الى مكتبه لتخبره بأنها لا تبادله مشاعره .. علم وقتها بأنها تحمل له هو مشاعر خاصة دفعتها الى التصرف بتهور والإقدام الى مكتبه لشرح الأمر .. تنهد وهو يتذكر مدى طيبتها ووضوحها وبرائتها .. اخرجه “زياد” من شروده قائلاً :
– بس لسه مش عارفين مين المدير اللى هيجيبه للقرية .. بس بيقولوا انه محتاج شريك معاه عشان يقدر يفتتح القرية وفى اتنين رجال أعمال عرضين شراكتهم بس لسه متفقش مع حد فيهم
أومأ “آدم” برأسه وهو يقول :
– “فؤاد” رجل أعمال محترم بس ملوش فى شغل السياحة .. يعني ميعتبرش منافس قوى بالنسبة لنا .. تلاقيه حب يجرب حظه .. بس أنا واثق انه مش هيستمر .. ده اذا لقى حد يشاركه أصلاً
قال “زياد” وهو يمط شفتيه :
– أنا كمان شايف كده .. مفيش داعى للقلق
سمعا صوت طرقات على باب الشاليه فهب “آدم” واقفاً ليرى القادم .. شعر بالإمتعاض وهو يرى “ساندى” أمامه .. ابتسمت قائله :
– هاى ازيك يا “آدم”
قال “آدم” وعلامات الجدية على وجهه :
– كويس الحمد لله
هتفت بمرح :
– حسيت انى هموت من الملل قولت آجى أعد معاك انت وطنط .. بصراحة حبيتها أوى وأنا وهى بقينا صحاب خلاص
التفت “آدم” بتبرم ونادى والدته .. أسرعت بالقدوم لترى “ساندى” أمامها .. أقبلت عليها “ساندى” تقبلها وهى تقول :
– ازيك طنط عامله ايه دلوقتى
ابتسمت والدة “آدم” قائله :
– بخير يا بنتى تسلمى
تركهما “آدم” وتوجه الى غرفة المعيشة حيث “زياد” وأشار له قائلاً :
– قوم نخرج
قال “زياد” وهو يتلفت حوله :
– مين اللى جه ؟
قال “آدم” بتأفف :
– “ساندى”
نظرت “ساندى” الى “آدم” الذى مر بجوارها متوجهاً الى باب الشاليه وهتفت :
– انت خارج
التفت اليها قائلاً بتهكم :
– ده بعد اذنك
شعرت بالغيظ .. قال لها “زياد” وهو يلحق بصديقه :
– ازيك يا “ساندى”
قالت وهى شاردة وعلامات الضيق على وجهها :
– كويسه
أغلق “زياد” الباب خلفه .. رسمت “ساندى” على شفتيها ابتسامه مصطنعة عندما قالت لها والدة “آدم” :
– اتفضلى يا ابنتى اعدى
جلست فى تبرم .. فآخر ما كانت تريده عندما قدمت الى الشاليه هو مجالسه والدة “آدم”

************************************

وقف “عاصى” فى شرفة الشاليه الخاص به يمسك بيده كأساً من الخمر وفى اليد الأخرى الهاتف .. أرجع رأه للوراء وانفجر ضاحكاً وهو يقول :
– أيوة اظاهر كده .. قولتلك من الأول انه عيل غبي .. رايح يمنع الخمرة من القرية لأ وقلب الملهى الليلى لصالة ألعاب
انفجر فى الضحك مرة أخرى وهو يقول :
– احترس السيارة ترجع الى الخلف
قال “سراج” على الطرف الآخر :
– أنا مش عارف هو بيخطط لايه بالظبط
قال “عاصى” بحقد :
– هيكون بيخطط لايه يعني ده عيل تييييييييت ميتخفش منه
رشف رشفه من كأسه ثم قال :
– لا والتانى اللى اسمه “فؤاد” اللى رايح يأجر قرية جمب حيتان زينا .. أهو ده بأه غباؤه ملوش وصف .. واحد لسه بيقول يا هادى فى شغل السياحة مش يختار مكان مفيهوش منافسين كبار زينا .. لا جاى راشق فى النص .. يشرب بأه
ثم قال :
– ده حتى مش عارف يشيل الليلة لوحدة وبيدور على شريك
– هو لقى شرك ولا لسه ؟
قال “عاصى” بثقه :
– لا لسه .. متقلقش أنا بعرف الأخبار أول بأول .. واول ما هعرف حاجة هبلغك .. بس اطمن “فؤاد” هو آخر شخص نخاف منه
قال “سراج” وهو يوافقه الرأى :
– معاك حق

***********************************
جلست “آيات” فى مكتب سكرتيرة “فؤاد” وهى تتذكر بضيق قدوم “أحمد” ذالك اليوم ودسه لرزمة مالية فى يدها وأخبرها أنها ستخصم من مرتبها الأول .. حاولت بحرج وضيق رفض هذا المال لكنه أصر بشدة وتركها وانصرف .. التفتت اليها “أسماء” الجاله بجوارها وهى تقول :
– افرضى معجبوش الدراسة اللى عملتيها .. هنتصرف ازاى ؟
قالت “آيات” بحزم :
– مش هقبل الشغل طبعاً
بثت كلماتها الغيظ فى نفس “أسماء” التى قالت بتهكم :
– أول مرة أشوف واحدة رايحه تشتغل فى شركة وتفرض عليهم طريقتها فى الشغل .. وكمان مقرره انهم لو معجبهمش دراسة الجدوى بتاعتها ترفض الشغل معاهم
قالت “آيات” وقد تعبت من مناقشة “أسماء” فى هذا الأمر :
– قولتلك مليون مرة مش هعمل حاجة حرام .. ولو الموضوع متظبطش زى ما أنا عايزه مش هشتغل معاهم
سالتها “أسماء” بحده :
– ولما ترفضى الشغل هنعمل ايه ساعتها .. وهنرد لـ “أحمد” السلفة اللى ادهالنا من المرتب ازاى ؟
شعرت بالضيق وهى تفكر فى ورطتهما .. قطع عودة السكرتيرة حبل أفكارها لتشير لهما الى مكتب “فؤاد” قائله :
– اتفضلوا بس خلوا بالكوا ان الأستاذ “فؤاد” عنده اجتماع بعد 10 دقايق بالظبط
لم تكن “آيات” فى حاجة الا لهذه الدقايق لعرض الدراسة التى عكفت على كتابتها لمشروع القرية السياحية .. قام “فؤاد” وسلم على “أسماء” ثم التفت لـ “آيات” دون ان يمد يده قائلاً :
– ازيك يا “أسماء” .. ازيك يا “آيات”
– الحمد لله
– الحمد لله
أشار لهما بالجلوس وعقد كفيه فوق المكتب وقال :
– خير كنتوا عايزنى فى حاجة
تنحنحت “آيات” قائله :
– أيوة .. انا عملت دراسة جدوى لمشروع القرية السياحية
كانت نظرات “فؤاد” تنم عن دهشته مدت يدها بالملف فأخذه منها وارتدى عويناته الموضوعه فوق المكتب وأخذ يتفحصه .. مرت الدقائق تشعرها بالتوتر أكثر .. قبل أن ينتهى “فؤاد” من مطالعة الملف كاملاً دخلت سكرتيرته معلنة عن بدء الإجتماع .. تسرب شعور بالضيق فى نفس “آيات” التى كانت تتمنى أن تتاح لها الفرصة لمعرفة رأيه فى الحال .. قامت بحرج وقالت :
– معلش أنا أصلاً اللى غلطانه انى جيت من غير معاد .. ان شاء الله هحدد معاد مع السكرتيرة ونبقى نيجي مرة تانية
نزع “فؤاد” عويناته ونظر اليها قائلاً :
– تقدرى تشرحى الدراسة اللى علمتيها أدام ضيوفى اللى عامل معاهم الاجتماع ؟
تبادلت “آيات” نظرة دهشة مع “أسماء” ثم التفتت الى “فؤاد” قائله بإرتباك :
– مش عارفه
نهض “فؤاد” قائلاً :
– تعالوا معايا
تبعته الفتاتان فى استسلام .. كاد قلب “آيات” أن يتوقف من شدة التوتر والإرتباك .. دخل “فؤاد” قاعة اجتماعات صغيرة تضم طاولة كبيرة جلس عليها ثلاثة رجال بالإضافة الى “أحمد” الذى رفع حاجبيه فى دهشة لمرآى الفتاتين برفقة والده .. قدم “فؤاد” كل منهم للآخرين .. علمت بأن أحد هؤلاء الرجال هو محامى “فؤاد” أما الرجلال الآخران هما رجلى الأعمال المرشح أن يشارك أحدهما “فؤاد” فى مشروع القرية السياحية .. جلس “فؤاد” وظلت الفتاتان واقفتان .. قال “فؤاد” وهو يلوح بملف “آيات” فى يده :
– الآنسة “آيات” عملت دراسة جدوى لمشروع القرية وحابب انها تعرضه عليكوا بنفسها
طلب “فؤاد” من السكرتيرة ادارة البروجيكتور .. وقفت “آيات” بجوار الشاشة البيضاء تشعر بتوتر بالغ وقد أصبحت تحت محط أنظار الجميع .. كانت تثق بفكرتها وبمشروعها لكنها لم تسبق أن قدمت بريزينتيشن من قبل .. وأمام رجال أعمال ذو أهمية !

استعانت بالله وقامت بعرض الصورة الأولى التى كانت تمثل صورة لدائرة صفراء فى منتصفها دائرة صغيرة خضراء وتحدثت قائله :
– زى ما حضراتكوا عارفين المنطقة اللى فى الصورة ملك لمجموعة شركات مصرية وأجنبية ومتقسمة ل 3 قرى جمب بعض على شكل دايره .. ال 3 قرى بيشتركوا فى المنطقة الخضرا اللى فى النص ودى متقسمة لملعب جولف و اسطبل خيول لممارسة رياضة ركوب الخيل ولل 3 قرى حق الانتفاع المشترك بيها بحسب تقسم معين بيكون منصوص فى العقد
تقدمت من البروجيكتور لعرض الصورة التالية والتى كانت تمثل مثلث أصفر ثم التفتت اليهم تتحاشى النظر الى وجوههم حتى لا تتوتر أكثر وقالت :
– القرية الأولى هى قرية الفيروز .. رجل الأعمال اللى أجرها “سراج اليمانى” ومدير القرية هو ابنه “عاصى” .. ممبزات القرية دى هى انها أكبر ال 3 قرى فى المساحة وتقسيم الغرف والشاليهات ممتاز .. القرية التانية هى قرية جولدن بيتش رجل الأعمال اللى أجرها هو “شكرى ….. ” .. ومديرها …
صمتت برهة وهى تشعر بالتوتر لذكر اسمه .. ثم قالت :
– مديرها دكتور “آدم خطاب ” .. هى أصغر فى الحجم من قرية الفيروز لكن ميزتها الطابع المعمارى الأثرى اللى فيها .. القرية التالتة وهى قريتنا وهى أصغرهم مساحة لكن ميزتها وجود 2 بيسين بعكس القريتين التانيية اللى فيهم بيسين واحد
قال أحد الرجلين وهو يمط شفتيه :
– وايه الميزة فى كده ؟
قالت “آيات” بهدوء :
– هشرح دلوقتى .. قرية الفيروز وقرية جولدن بيتش بدأوا منافسة قوية بينهم .. القريتين بيسمحوا بوجود الخمور وكافة أنواع اللحوم .. وقرية جولدن بيتش فيها ملهى ليلي .. وفى المقابل قرية الفيروز فيها مساج للرجال والنساء والقائم عليه بيكون رجال فقط
قالت الجملة الأخيرة بشئ من التقزز .. ثم أردفت :
– زى ما حضراتكوا شايفين هما قريتين سياحيتين كبار بس زيهم زى أى قرية تانية مفيش حاجة بتميزهم غير فروقات بسيطة مبتأثرش كتير .. لو احنا فتحنا القرية التالتة وخدت نفس الطابع بتاع القريتين دول يبأه مستفدناش أى حاجة ومقدمناش أى حاجة جديدة .. وهتبقى منافسة روتينية مش أكتر
سألتهم فجأة :
– عارفين البطاطس الشيبسى ؟
ابتسم الجميع .. قال “أحمد” بمرح :
– أكيد عارفينها
قالت “آيات” بحماس :
– نتخيل ان اللى بياكل شيبسى فى مصر هما 3 مليون فرد .. اتعودوا على منتج بشكل ومواصفات ونكهات معينة .. وبعد فترة جت شركة جديدة نزلت منتج تانى بس المنتج ده بنفس مواصفات ونكهات وطعم المنتج الأول مجرد بس انهم سموه اسم جديد .. اللى هيحصل ان ال 3 مليون هيتقسموا نصين نص هيشترى المنتج الأول ونص هيشترى المنتج التانى .. لأن المنتجين زى بعض فمش فارقه كتير .. لو أنا جيت ونزلت منتج بنفس شكل ومواصفات المنتجين التانيين كل اللى هيحصل هو ان ال 3 مليون هيتقسموا على 3 .. لكن لو أنا جيت وقدمت منتج بإسم جديد .. وشكل جديد ونكهة جديدة وجودة أعلى وكمان عملت عليه تخفيض .. تفتكروا هيفضل عدد اللى بيشتروا الشيبسى هما هماهم ال 3 مليون ؟
أجابت على نفسها قائله :
– أكيد لأ .. لان فى ناس بتحب نكهات تانية ملقتهاش فى المنتجين الأول والتانى .. واللى أنا عملته هو انى وفرت للناس دى النكهة الجديدة اللى تجذبهم .. ده بالإضافة ان ال 3 مليون اللى اتعودوا على المنتج القديم أكيد الفضول هيدفعهم انهم يغيروا ويجربوا الجديد .. ولما أنا أهتم بالجودة وأخليها أعلى .. يبقى كسبتهم هما كمان فى صفى وأبقى فعلاً ملكت السوق بدون منازع
صمتت قليلاً تتأمل الوجوه التى تعلقت أنظارهم بها تبغى المزيد من التوضيح .. عرضت احدى الصور لأحد الشواطئ الخلابة ثم التفتت اليهم قائله :
– دى صورة من قرية فى تركيا .. اللى أنا بقترحه فى دراسة الجدوى بتاعتى اننا نعمل زى ما القرية دى عملت بالظبط
سألها أحد الرجلين بإهتمام :
– وايه اللى عملته القرية دى ؟
قالت “آيات” بثقة :
– أضافت مفهوم جديد للسياحة اسمه السياحة الحلال
رفع أحد الرجلين حاجبيه بسخرية قائلاً :
– سياحة حلال !
أما الآخر فقال بإهتمام :
– ياريت تشرحى أكتر
أكملت “آيات” قائله :
– من كام سنة دخلت تركيا مفهوم السياحة الحلال للقرى والشواطئ بتاعتها .. كان الكل متوقع فى البداية فشل ذريع للنوع ده من السياحة .. لكن تركيا أثبتت ان الفكرة ناجحة وناجحة جداً .. عارفين قيمة المبيعات وصلت لكام فى خمس سنين ؟
قال أحد الرجلين بروتينيه :
– 100%
ابتسمت “آيات” قائله :
– لأ .. 200%
ساد الوجوه مزيج من الدهشة والإعجاب .. قال أحد الرجلين :
– طيب وايه مفهوم السياحة الحلال ده ؟ .. وايه الفرق بينه وبين السياحة اللى بنشوفها فى كل القرى اللى بنروحها
قالت “آيات” وهى تعرض صورة للقرية الثالثة مصورة بالأقمار الصناعية :
– أولاً قريتنا هيمنع فيها منعاً باتاً أى حاجة حرام .. من أول الخمور لحد البكيني
ضحك أحد الرجلين بصوت عالى وهو يرجع رأسه الى الخلف ويقول :
– حلوة دى .. هنمنع البكيني .. ازاى بأه ممكن أفهم .. أمال الناس هتلبس ايه
كظمت “آيات” غيظها وأكملت قائله :
– ثانياً بالنسبة لحمام السباحة .. زى ما قولت ان قريتنا فى حمامين سباحة ودى ميزة كويسة جداً .. لان اللى هيحصل هو اننا هنخصص بيسين للرجاله وبيسين للستات .. بيسين الرجاله هنسمح فيه بدخول الرجاله والصبيان و البنات تحت سن 7 سنين .. وبيسين السيدات هنسمح فيه بدخول السيدات والبنات الصغيرة والصبيان من تحت سن 7 سنين .. ومش بس كدة .. هيبقى فى حد أدنى للبس .. يعني فى حمام السيدات ممنوع لبس البكيني وهيلتزموا بالمواصفات الشرعية للبس اللى المفروض تلبسه السيدات أدام بعضهم وكذلك فى حمام الرجاله .. طبعاً القائمين على حمام الرجاله هيكونوا كلهم رجالة من أول عامل النظافه لحد المدير المسؤل .. ونفس الشئ فى حمام السيدات
اندفع أحد الرجلين يقول بحده :
– ها وبعدين .. هتعملى ايه بأه على البيلاج .. أظن هتقوليلنا نقفل البيلاج أحسن
قالت “آيات” بهدوء :
– لأ طبعاً ازاى نقفل البيلاج .. سياحة الشواطئ هتفضل زى ما هى .. دى متعة فى حد ذاتها .. مفيش حد بيسافر مصيف أو قرية الا وبيعشق انه يقعد على الشط وينزل البحر
صمتت قليلاً ثم قالت بحزم :
– بس برده هيبقى فى شروط للحد الأدنى من اللبس .. وأظن نوعية الناس اللى هتيجي القرية عشان يفصلوا بين الرجاله والستات فى حمامات السباحة مستحيل يقبلوا بعرى على الشط .. يعني واحد بيغير على مراته وجه قريتنا عشان تبقى بحريتها فى حمام السباحة بعيد عن عيون الرجاله مش معقول أبداً أول ما يقعد معاها على البيلاج يلبسها بيكيني أو لبس مكشوف !
قال الرجل وهو مازال محتداً :
– انتى بتتكلمى عن مين بالظبط .. مين اللى هيحب سياحة زى دى .. وانه يعد فى قرية بالمنظر ده ؟
قالت “آيات” دون أن تسمح له بإخراجها عن طورها بإسلوبه :
– اللى هيحب النوع ده من السياحة هو كل راجل مصرى عنده نخوه وكرامه وبيغير على بنته ومراته وأمه وأخته .. وكل ست فى مصر بتغير على جوزها وابنها من انه يشوف مناظر مش كويسة .. المصريين بالفطرة عندهم نزعة دينية .. حتى لو الواحد بيعمل غلط برده بيفضل يغير على مراته وميقبلش عليها الهوا .. فى ناس كتير أوى فى مصر عندها امكانيات انها تروح قرى سياحية بس مبيرضوش عشان المناظر اللى هما متأكدين انهم هيشوفوها هناك .. الناس اللى أعده فى بيوتها دى ونفسها تصيف فى مكان محترم متشلش فيه ذنوب وفى نفس الوقت تستمت

 

error: