رواية “جواد بلا فارس”

الحلقة ( 26 )

وقفت “آيات” فى شرفة غرفتها تراقب مجموعة من الأطفال يلعبون بالكرة .. ابتسمت وهى ترى تلك البراءة التى يتعاملون بها مع الحياة .. وتلك الإبتسامه التى تعلو شفتى كل منهم فلا أحمال تثقل كتفهم ولا هموم تشغل عقلهم .. فقط اللعب والمرح والضحك .. تمنت أن تعود طفلة مثلهم تلهو وتلعب وتمرح ولا تعرف عن الحياة ما تعرفه الآن .. ليتها تعود الى بيتها القديم فى كنف والدها الحبيب تنعم بالراحه والأمان .. يخلو قلبها من الهموم والأحزان .. لكن كيف السبيل للعودة .. لو كانت العودة ممكنه لتمنينا جميعاً أن نبقى صغاراً ولما تجاوز أحدنا مرحلة الطفولة قط !
لماذا تلك القسوة .. لما يؤذى الناس بعضهم البعض هكذا .. لما شخص لا يعرفك يؤذيكيِ ويخوض فى عرضك .. ماذا جنى ؟! .. تنهدت فى حسره وهى تفكر فى أن الأذى الذى تعرضت له من القريب .. كان أقوى وأشد مرارة من الأذى الذى تتعرض له الآن .. لأن الضربة من القريب مؤلمة وموجعة أكثر .. انتبهت لنفسها ولأفكارها قائله .. لماذا تتذكريه .. اتركى أيامه بكل ما فيها .. لا يستحق حتى العتاب ! .. قفز الى عقلها ذلك السؤال الذى لم تجد اجابته بعد .. لماذا اهتم بالبحث عنها وبدفنها وبإستخراج شهادة وفاتها .. لماذا تلك الحالة الغريبة التى بدا عليها بمجرد أن رآها .. تتذكر جيداً الدموع التى لمعت فى عينيه وتساقطت على وجهه وهو يتمتم بإسمها بشفتين مرتجفتين .. تذكر تحسسه لوجهها وهو يأبى أن يتركها أو يفلتها من بين يديه .. اقشعر جسدها فحركت رأسهاً يميناً ويساراً وكأنها تنفض منه تلك الافكار وتلك الاسئلة ! .. فمهما كان السبب الذى دفعه لذلك .. فلا شأن لها به !

**************************************
أوقف “آدم” سيارته داخل قرية “الماســة” .. نظر حوله يتلفت يميناً ويساراً عله يراها .. لكن محاولاته باءت بالفشل .. سأل على مكتب “كريم” ثم توجه اليه .. ظهر الضيق على وجه “كريم” وهو يتطلع الى “آدم” لكنه وقف ورحب به قائلاً :
– أهلاً بيك يا دكتور
ابتسم “آدم” بتوتر وقال :
– أهلا بيك يا أستاذ “كريم”
أشار “كريم” الى أحد المقاعد أمام المكتب قائلاً :
– اتفضل
جلس “آدم” وبدا عليه الإضطراب قليلاً ثم ما لبث أن ابتدأ حديثه قائلاً :
– أنا حبيت أعتذر مرة تانية عن اللى حصل بسببى لـ “آيات”
قال “كريم” بإقتضاب وهو يقطب جبينه :
– خلاص حصل خير .. انا بدأت فعلاً فى اجراءات القضية .. وان شاء الله يكون فى جلسة قريب
قال “آدم” بحماس :
– وأنا كمان رفعت قضية على الصفحى وعلى الجريدة .. يعني كده هيبقوا قضيتين مش قضية واحدة
أومأ “كريم” برأسه .. فنظر اليه “آدم” قائلاً فجأة :
– أنا عارف انها اكيد حكتلك كل حاجة عنى .. بس أنا اتغيرت كتير
عقد “كريم” حاجبيه وهو يقول بحزم دون أن ينظر اليه :
– ملوش لازمة الكلام ده يا دكتور .. حياتك الخاصة تخصك لوحدك
تنهد “آدم” بأسى قائلاً :
– طيب أنا مش تكلم فى حاجة فاتت دلوقتى .. بس كل اللى يهمنى انك تعرفه انى مستحيل أأذى “آيات” بأى شكل من الأشكال .. ومش هسمح لحد انه يأذيها أبداً
أطرق “كريم” برأسه صامتاً .. فأكمل “آدم” قائلاً :
– المهم دلوقتى واللى أنا جايلك عشان .. هو شهادة الوفاة اللى أنا طلعتها لـ” آيات”
رفع “كريم” رأسها ونظر اليه وقال شارداً :
– أنا برده كنت قلقان من الموضوع ده .. الشهادة دى لازم تتلغى .. أنا هكلم المحامى واشوف ايه الإجراءات اللى المفروض نعملها لأن “آيات” دلوقتى قانوناً متوفيه
– أنا كلمت المحامى بتاعى اللى ماشى فى اجراءات القضية .. وقالى على الخطوات اللى لازم نعملها .. لازم أكون موجود لانى أنا اللى طلعت شهادة الوفاة .. وكمان “آيات” .. وحد يضمنها
قال “كريم” :
– طيب تمام .. هشوف نقدر نسافر امتى وأبلغ حضرتك يا دكتور
قال “آدم” بحماس وهو يخرج احدى الكروت الشخصية من جيبه ويقدمه الى “كريم” :
– وأنا جاهز فى أى وقت .. كلمنى بس على الموبايل وقولى المعاد المناسب ليكوا
تناول “كريم” الكارت منه ووضعه فوق المكتب قائلاً :
– تمام
نهض “آدم” قائلاً :
– بعد اذنك
خرج “آدم” من مكتب “كريم” .. لم يشأ الخروج من القرية .. مجرد معرفته بأن “آيات” فى هذه القرية يجعله يشعر بأنه قريباً منها .. أخذ يدور فى القرية يتأملها بأعين الإعجاب .. راقت له التطورات التى أدخلها “كريم” على القرية .. توجه الى البحر .. رفع حاجبيه بدهشة وهو يرى النساء جالسات بدون أن يرتدين ملابس البحر .. فمن المعروف أن شواطئ القرى السياحية الكبرى غير مسموح بالتواجد على الشط بدون ملابس البحر .. ظل يتمشى بمحاذاة البحر وهو يشعر بسكينة وراحة لم يشعر بهما فى مكان آخر .. عاد أدراجه وهو يدور بعينيه فى القرية لا ييأس من البحث عنها .. رآهـــا .. جالسه على أحد المقاعد تعقد ذراعيها أمام صدرها .. شارده .. تنظر أمامها .. عاقدة حاجبيها .. اقترب منها .. رغماً عنه لاحت ابتسامه على شفتيه .. كاد أن يقترب أكثر ويتحدث معها .. إلا أنه تذكر ما حدث لها بسببه .. وبما قيل عنهما فى الصحف .. نظر حوله ليجد الأمر لا يخلو من وجود بعض الأشخاص هنا وهناك .. عاد ينظر اليها مرة أخرى بحسرة وهو يتمنى الإقتراب منها .. فى تلك اللحظة التفتت .. فتلاقت نظراتهما .. شعرت بالدهشة وهى تراه أمامها .. ود لو اقترب منها وتحدث معها .. لكنه خاف عليها من نظرات الناس وكلامهم .. أطرق برأسه وتنهد بأسى .. وأرغم نفسه على التوجه الى حيث أوقف سيارته .. تابعته “آيات” بعينها فى دهشة .. ترى لماذا أتى ؟ .. ولماذا وقف ينظر اليها ؟ .. ولماذا ذهب ؟ .. عادت لتلتفت أمامها وهى توبخ نفسها عن الإهتمام بأمره … حثت نفسها قائله .. لا شأن لكِ به فليفعل ما شاء وقتما شاء !

***********************************
فى منتصف الإجتماع الذى عقده “كريم” مع “على” و “آيات” و “إيمان” و “أسماء” قال “كريم” :
– والمشكلة دى هنتصرف فيها ازاى ؟
قالت “آيات” بأسى :
– مش عارفه بس لازم نشوف حل .. مش معقول كل شوية نلاقى هجوم فى جرنال شكل
قال “كريم” وهو يزم شفتيه بضيق :
– مفيش حل غير اننا نزود اعلاناتنا فى الجرايد .. ونعمل عروض دورية .. ونحاول على أد ما نقدر منديش للصحافة مادة تتكلم فيها
قال “على” بضيق :
– حتى لو مدينهمش مادة برده هيتكلموا .. دول ناس معندهمش ضمير .. بس سيبهم للى خلقهم .. ميعرفوش ان النبي صلى الله عليه وسلم قال على قول الزور أنه من أكبر الكبائر .. ربنا ينتقم منهم
قال “كريم” وهو يتفحص الأوارق أمامه :
– خلاص كده يعتبر اتكلمنا فى كل حاجة تقريباً
تنحنح “على” قائلاً بحرج :
– على فكرة يا “كريم” .. ان شاء الله والدى ووالدتى جايين بكرة العين السخنة
ابتسم “كريم” قائلاً :
– ينوروا
قال “على” مبتسماً :
– الله يكرمك .. انا بس كنت عايز أستأذنك انهم يعدوا فى شقة فى نفس العمارة اللى احنا فيها .. فى شقة هتفضى النهاردة ان شاء الله
هتف “كريم” على الفور :
– انت بتقول ايه يا راجل عيب عليك تستأذنى ايه .. دول على عينا وراسنا
ابتسم “على” وقال وقد احرجه ترحاب “كريم” بأهله :
– ربنا يكرمك
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتى “إيمان” وقد أسعدها ترحيب “كريم” بزيارة أهلها للقرية .. أتى “كريم” اتصالاً فنهض قائلاً :
– بعد اذنكوا
خرج “كريم” من المكتب وجلس الجميع ينتظر عودته .. لا تعلم لماذا قالت ذلك الكلام فى هذا الوقت .. لكنها اندفعت فجأة قائله :
– على فكرة أنا مبحبش الرجالة اللى بتفضل تتكلم بالقران والحديث لانهم أول ناس هتحلل لنفسها انها تتجوز على مراتتهم
ران الصمت وكأن على رؤسهم الطير .. نظرت اليها “آيات” و “إيمان” بدهشة فلم يجدا داعياً لذكر ذلك وفى اجتماع عمل ! .. لم يقطع هذا الصمت الا “أسماء” وهى تقول :
– وكل حاجة بيعملوها بيحللولها لنفسهم بالحديث والقرآن ومحدش يقدر يغلطهم
ساد الصمت مرة أخرى حت تكاد تسمع صوت ابرة لو سقطت على الأرض .. لكن هذه المرة قطع الصمت صوت “على” الهادئ وهو ينظر الى يديه التى تمسك بأحد الأقلام فوق الطاولة وهو يقول :
– الرجاله مش محتاجين يحللوا لنفسهم التعدد .. لأنه حلال فعلاً
تسببت كلماته فى شعورها بالغضب .. فنظرت اليه بحدة .. أكمل بهدوء :
– “فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ” .. رخصة من عند ربنا للراجل
توترت “أسماء” وأخذت تحرك قدميها بعصبية .. فأكمل “على بنفس الهدوء :
– بس ربنا شرط التعدد ده بشرط مهم ” فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ” .. يعني مش كل الرجاله ليها حق فى التعدد .. ولا كل الرجاله بتبقى عايزه التعدد
ران الصمت للمرة الثالثة .. شردت “أسماء” تفكر فى كلماته .. ثم ما لبثت أن نظرت اليه قائله بتحدى :
– والراجل اللى يتجوز بنت صغيرة أد ولاده ويرمى مراته الاولى فى الشارع وحتى يرفض انه يطلقها عشان يذلها
قال “على” على الفور :
– ميبقاش راجل
ظلت معلقة عينيها به .. فأكمل بحزم :
– الراجل اللى يستغل قوامته على المرأة عشان يذلها ميبقاش راجل .. والنبي صلى الله عليه وسلم وصانا بالنساء خيراً .. واننا نعاملهم برفق ولين زى ما بنعامل الإزاز اللى سهل انه يتكسر .. الراجل هو اللى يعامل المرأة زى ما الرسول وصانا .. أما اللى يأذها ويقهرها ويستغل قوامته عليها ميبقاش راجل أصلاً
غرقت “أسماء” فى شرودها مرة أخرى الى أن جاء “كريم” .. وبعد دقائق انتهى الإجتماع .. لم تستطع منع نفسها من متابعة “على” أثناء خروجه برفقة “كريم” .. قالت لها “آيات” بإستغراب :
– مش فاهمة ليه اتكلمتى عن الموضوع ده أدم “على” ؟
قالت “أسماء” بضيق وهى تهم بالإنصراف :
– عادى كبرى

******************************************
دخلت “إيمان” الى الشرفة لتقول لـ “أسماء” الواقفة فيها :
– “سمسم” ممكن تيجى تعمليلى ماسك من بتوعك
أومأت “أسماء” برأسها ودخلت الى المطبخ وبدأت فى اعداد ما طلبته “إيمان” منها .. قالت “إيمان” بمرح :
– هقف أتفرج عليكي عشان أبقى أعمله بنفسى ما هو مش كل شوية هقرفك معايا
كانت “أسماء” تتحرك بشرود .. وكأنها لا تشعر بما حولها .. تتحرك بآلية لتمزج المكونات معاً .. نظرت الى “إيمان” بشئ من التردد وقالت :
– واضح انك بتحبى أخوكى أوى
قالت “إيمان” مبتسمة :
– “على” .. بصراحة هو أخ عسل .. يعني طيب ومش بيغلس عليا .. بس لما بيزعل بيبقى أستغفر الله .. زعله وحش وعصبي جدا
نظرت “أسماء” الى الخليط الذى تمزجه للحظات نظر أعادت النظر الى “إيمان” قائله :
– هو كان على طول كده فى حاله وواخد جمب
ابتسمت “إيمان” قائله :
– هو على طول هادى .. بس زمان أيام ما كان فى ثانوى كان شقى شوية وكان مطلع روح ماما .. بس الحمد لله أول ما دخل الجامعة ربنا هداه لما اتعرف على ناس كويسة فى المسجد وبقى هادى ومبقتش ماما تشتكى منه خالص بعد ما كان مجننها بعمايله
قالت “أسماء” بسخرية :
– مش متخيلة أخوكى حد يشتكى منه
ضحكت “إيمان” قائله :
– لا والله ده كان فظيع سهر لوش الفجر ومفيش مذاكرة وشتايم وحاجة كده رهيبة .. بس زى ما قولتلك لما اتعرف على ناس كويسة حبهم أوى وصاحبهم وبعد عن صحابه القدام قطع معاهم خالص
فى تلك اللحظة رن جرس الباب فقالت “أسماء” :
– شوفى مين يا “إيمان”
ارتدت “إيمان” اسدالها وتوجهت الى الباب لتفتحه .. خفق قلبها بقوة لمرآى “كريم” واقفاً أمام الباب .. أطرق برأسه وقال :
– “آيات” هنا ؟
قالت بصوت خافت :
– أيوة ثوانى
دخلت غرفة “آيات” وأخبرتها بقدوم “كريم” .. توجهت “آيات” اليه قائله :
– خير يا “كريم”
قال لها بعد لحظات صمت :
– لازم نسافر القاهرة عشان موضوع شهادة الوفاة اللى دكتور “آدم” طلعهالك
توترت “آيات” لذكر اسمه .. فأكمل :
– هو مستنى مننا اننا نحدد المعاد عشان نروح سوا
قالت “آيات” بضيق :
– مينفعش نروح من غيره ؟
– لا للأسف لازم ييجى معانا لإن هو الى طلع الشهادة بنفسه .. ولازم الموضوع ده نشوفله حل انتى كدة قانوناً متوفية .. وده مينفعش كمان عشان القضية اللى احنا رافعينها على الصحفى
صمت قليلاً ثم قال :
– على فكرة هو كمان رفع قضية على الصحفى وعلى الجريدة
أومأت “آيات” برأسها وهى تتساءل بداخله .. أرفع تلك القضية من أجله أم من أجلها .. أتاها الجواب من داخلها بسخرية .. بالطبع من أجله .. وماذا تعنين أنتِ له !
أخرجها “كريم” من شرودها قائلاً بحنان :
– مالك يا “آيات”
أطرقت برأسها قائله :
– مفيش
ربت على كتفها قائلاً :
– معلش متزعليش .. ان شاء الله ربنا هيرزقك بالى أحسن منه مليون مرة
لمعت العبرات فى عيونها ثم رفعت رأسها وقالت بكبرياء :
– أنا أصلاً نسيته .. هو معدش حاجة بالنسبة لى
أطرقت برأسها مرة أخرى لتخفى عينيها المبللتان بالدموع .. عانقها “كريم” بحنان وقال :
– مش عايزك تزعلى نفسك عشان أى حاجة .. ناتى متعرفيش الخير فين .. ادعى ربنا دايماً انه يرزقك الخير ويرضيكي بيه .. لان ربنا أحيانا بيرزقنا الخير ومبنكنش شايفين ان ده خير ولا بنكون راضيين بيه
ثم أبعدها عنه قليلاً قائلاً :
– ماشى ؟
أومأت برأسها .. فقال :
– قولى دايماً الحمد لله
تمتمت :
– الحمد لله

دخلت “آيات” المطبخ فنظرت اليها “إيمان” قائله :
– فى حاجة يا “آيات”
تنهدت “آيات” وهى تقول :
– كان بيطمن عليا وبيقولى اننا هنسافر عشان موضوع شهادة الوفاة ده نشوفله حل
قالت “إيمان” وابتسامه صغيره على شفتيها :
– أخوكى ده حنين أوى .. وطيب أوى .. تحسيه راجل كده ومسؤل عنك رغم انه مش شقيقك
نظرت اليها “أسماء” بخبث ورفعت حاجبها قائله :
– ها وايه كمان
ارتبكت “إيمان” واحمرت وجنتاها بخجل قائله :
– مفيش
قالت “أسماء” وابتسامه خبيثة على شفتها :
– طيب خدى الماسك يا موزه
أخذته “إيمان” من يدها وخرجت من المطبخ مسرعة وهى تشعر بالخجل .. أطلقت “أسماء” ضحكة عالية وهى تقول بلهحة مسرحية :
– القرع لما استوى قال للخيار يا لوبيا !
ابتسمت “آيات” قائله :
– ياباى عليكي غتته .. أحرجتيها يا بنتى
هتفت “أسماء” بمرح :
– أحرجتها ايه بس ده احنا شكلنا هنشوف أيام فل فى القرية دى

******************************************
أثناء جلوسه فى غرفة المعيشة تنامى الى مسامعه صوت بكاء من خلف باب الغرفة .. نهض “مدحت” واقترب من غرفة “أسماء” التى تقسم فيها “مديحة” .. كاد أن يطرق الباب لكنه تراجع .. شى خطوتين ثم التفت وعاد مرة أخرى .. طرق الباب فإختفى صوت البكاء .. لحظات وفتحت “مديحة” وعينيها يبدو عليهما آثار البكاء .. تأملها قائلاً :
– فى حاجة
قالت بحده :
– لا مفيش
– سمعتك بتعيطي
ابتسمت بسخرية وقالت :
– ومن امتى ده بيهمك
زفر بضيق ونظر اليها بحده .. فأكملت :
– ولا يكونش ضميرك صحى فجأة
قال بغضب وقد فشل فى المحاظفة على هدوءه :
– أنا ضميري مستريح على الآخر .. الدور والباقى على ضميرك انتى
صاحت قائله :
– عايز ايه يا “مدحت” انت بتخبط عليا عشان تتخانق معايا
قال وهو ينظر اليها بإحتقار :
– مفيش مرة نتكلم فيها الا ولازم تسمى بدنى بكلامك وتخرجيني عن شعورى .. مفيش مرة اتعاملتى معايا زى ما أى ست عاقلة بتتعامل مع جوزها .. مفيش مرة حسستيني فيها بضعفك ادامى وبإن انتى الست وأنا الراجل .. مفيش مرة حسيت فيها انك بتحترميني وبتعملى اعتبار لكلامى
أخذ نفساً عميقاً ثم قال :
– انتى اللى هديتي كل حاجة بينا .. انتى اللى دمرتى حياتنا
قالت ببرود وقد عقدت ذراعيها أما صدرها :
– وانت العاقل الراسى المخلص اللى اتظلمت معايا فى الجوازه دى مش كده
صاح بحده :
– احنا الاتنين غلطانني .. أنا وانتى غلطانين كفاية مكابرة بأه .. بنتك ضاعت مننا بسبب مشاكلنا
دمعت عيناها وأجهشت فى البكاء وانتفض جسدها وهى تقول :
– وحشتنى أوى .. مش عارفه عامله ايه دلوقتى .. يا ترى عايشة ولا ميته .. ولو عايشة عايشة ازاى وفين . .قلبى واجعنى عليها أوى
تشنجت بالبكاء .. فتنهد “مدحت” بأسى وهو يقول متألماً :
– أعمل ايه .. أدور عليها فين قلبت عليها الدنيا
نظرت ايله ترجوه قائلاً :
– عشان خاطرى يا “مدحت” لاقيها .. نفسى ترجع بأه .. نفسى أطمن عليها .. عمرى ما هسامح نفسى على اللى حصل .. انا مكنتش متوقعة الأمور هتوصل للدرجة دى .. أنا افتكرتها هتروح لصحبتها
أجهشت مرة أخرى فى البكاء وهى تصيح :
– عايزة بنتى .. عايزة “أسماء” يا “مدحت” هاتهالى
اقتربت منها وربت على كتفها قائلاً :
– ان شاء الله هنلاقيها .. بكرة هنزل تانى أدور عليها فى المستشفيات و فى الاقسام وفى محطات الأتوبيس .. ان شاء الله هلاقيها
نظرت اليه وأومأت برأسها وهى تحاول التشبث بأى أمل .. فى أنها سترى ابنتها مرة أخرى

*****************************************

استقبل كل من “على ” و”إيمان” والديهما بالترحاب وبالأعناق والعبرات .. هتفت أمهما وهى تعانق “إيمان” بشدة :
– يا حبيبتى يا بنتى .. وحشتنى أوى
تساقطت العبرات فوق وجنتيها فقال لها زوجها :
– ايه يا أم “إيمان” .. ما العيال كويسين أهو لزمته ايه العياط دلوقتى
ربت “على” على كتفها قائلاً وهو يقبل جبينها :
– خلاص يا ماما بأه
قالت بصوت باكى وهى تنظر اليهما :
– وحشتونى أعمل ايه
ابتسمت “إيمان” وهى تعانقها مرة أخرى قائله :
– وانتى كمان وحشتيني أوى يا ماما
وجدت فجأة “كريم” مقبلاً عليهما فابتعدت عن أمها فى حرج ووقفت مطرقة برأسها وقد شعرت بالإضطراب .. نظر اليهما قائله ببشاشه :
– حمدالله على السلامة
اقترب منه “على” وقدمه الى والديه قائلاً بسعادة :
– ده الأستاذ “كريم” مدير القرية
سلم والده عليه وقال :
– أهلا بيك يا ابنى
مدت والدة “إيمان” يدها وهى تقول :
– ازيك يا ابنى
نظر “كريم” الى يدها فى حرج فسلم عليها “على” بدلاً منه .. قال “كريم” مبتسماً :
– الحمد لله بخير .. منورين العين السخنة
قالت أم “إيمان” مبتسمة :
– ده نورك يا ابنى
حمل “على” حقيبتهما وصعد بها الى شقة والديه والتى كانت فى الطابق الذى يعلوا طابقهم .. دخل الجميع الى الشقة بعدما استأذن منهم “كريم” للإنصراف .. قالت والدة “إيمان” لـ “على ” :
– الجدع ده باين عليه ابن حلال
قال “على” بحماس :
– أوى يا ماما بجد راجل محترم جداً
سألته أمه بفضول ولهفة :
– هو متجوز
– لا يا ماما مش متجوز
ابتسمت والدته قائله بلهجة ذات مغزى وقد لمعت عيناها :
– ربنا يرزقه ببنت الحلال
ثم حانت منها التفاته الى “إيمان” التى تظاهرت بأنها لم ترها ..

*************************************
وقفت “أسماء” تراقب “على” الذى كان يعطى تعليماته لبعض العاملين بالقرية .. كانت تراقبه كمن يراقب شئ غريب يكتشفه لأول مرة .. شئ يشدها ويجذبها .. كلامه غريب عجيب .. لكنه يخترق عقلها .. ويطيب له قلبها .. رقابت احدى الفتيات وهى مقبلة نحوه .. يبدو أنها تشتكيه من شئ ما .. أطرق برأسه واستمع شكواها ثم أجابها ببضع كلمات وانصرفت .. التفت لينصرف فحانت منه التفاته اليها .. رآها وهى واقفة هناك على بضع أمتار تحت الظل توجه أنظارها اليه .. رأته ينظر اليها .. فشعرت بالخجل والتفتت لتغادر المكان !

تلقت “إيمان” اتصالاً من والدتها تقول لها :
– “إيمان” عايزاكى شوية تعالى
– أنا فى الشغل يا ماما
– لا سيبى الشغل دلوقتى وتعالى
قالت “إيمان” بقلق :
– خير يا ماما فى حاجة
– أيوة بعمل محشى وبط وعايزاكى تساعديني
هتفت “إيمان” بغيظ :
– محشى وبط ايه يا ماما دلوقتى بقولك عندى شغل
– طيب خلصى بسة وتعالى .. سلام
بعد عدة ساعات أنهت “إيمان” عملها وتوجهت الى البناية التى تقسم فيها .. وقفت “أمام البناية المغلقة وهى تبحث عن مفتاحها فى حقيبتها فلم تجده .. يبدو أنها نسته فى الحقيبة الأخرى عندما بدلتهما هذا الصباح .. كادت أن تعيد أدراجها عندما وجدة “كريم” مقبلاً فى اتجاه البناية .. اضطربت كعادتها عندما تراه ووقفت فى جانباً .. أخرج مفاتيحه وفتح البوابة ثم رجع خطوتين للخلف وأشار لها بالدخول قائلاً :
– اتفضلى
ودون أن تنظر اليه دخلت وصعدت الدرجات بسرعة وسمعته يغلق البوابة خلفها .. صعدت الى الدور العلوى حيث شقة والدتها .. أمضت “إيمان” الساعات فى اعداد الطعام وهى تهتف بحنق :
– ماما انتى عازمة جيش .. ايه الأكل ده كله
قالت والدتها بحزم :
– احشى وانتى ساكتة
اكملت “إيمان” عملها الدؤب وبعدما انتهت .. من عملها ومن طاقتها ! .. جاءت مهمة تسوية الطعام التى استغرقت وقتاً حتى شعرت “إيمان” أن قدميها وظهرها يصرخان ألماً .. رات أمها تعد صنية كبيرة محملة بالطعام .. فنظرت اليها “إيمان” بإستغراب قائله :
– لمين ده
قالت أمها وهى تكمل مهمتها فى اعداد الصنية :
– شششششش
حملت أمها الصنية وتوجهت الى الباب قائله :
– افتحى الباب
فعلت “إيمان” وهى مازالت تشعر بالدهشة .. هبطت والدتها الدرجات .. لم تغلق “إيمان” الباب بل ظلت مكانها تسمع صوت أقدام أمها على الأرض ثم صوت جرس .. و .. :
– ازيك يا أستاذ “كريم”
فتحت “إيمان” فاها فى دهشة واتسعت عيناها وأطرقت السمع
ابتسم “كريم” قائلاً :
– الحمد لله .. ازى حضرتك يارب تكون القرية عجبتكم
سمعت أمها تقول بحماس :
– دى زى الفل .. الهى يباركلك يارب.. ده أنا سمعه عنك سمع خير .. “على ” و “إيمان” ملهمش سيرة غير عنك
ضربت “إيمان” كفها بوجنتها وهى تمتم بصوت خافت :
– هاااااار اسود
سمعت أمها تكمل بنفس الحماس :
– اتفضل يا أستاذ “كريم” دى حاجة بسيطة كدة مش أد المقام
تناول “كريم” منها الصنية بحرج وهو يقول مبتسماً :
– تسلم ايدك بس مكنش فى داعى تتعبى نفسك وبعدين ده كتير أوى
قالت أمها بمرح :
– كتير ايه .. ده انتوا يا عيني شابين أعدين لوحدكوا فى الشقة لا فى واحدة تطبخ ولا تعملكوا حاجة .. الهى يرزقك انتى و “على” ابنى ببنتين طيبين زيكوا كده
ابتسم “كريم” قائلاً :
– متشكر أوى .. ومعلش تعبينك معانا
قالت “أمها” بحماس :
– لا أبداً متقولش كده ده انت معزتك من معزة “إيمان” و “على” .. آه والله .. وبعدين أنا معملتش الأكل ده .. دى “إيمان” هى اللى أصرت تعمله بنفسها
ضربت “إيمان” وجنتها مرة أخرى وهى تتمتم :
– بتعملى ايه يا وليه
أكملت والدة “إيمان” قائله بحماس :
– أصل “إيمان” بنتى من صغرها وهى ايدها معايا فى شغل البيت .. وما شاء الله عليها دلوقتى بتعمل الأكل أحسن منى كمان .. آه والله .. نفسها فى الأكل حلو أوى .. ما انت هتدوق وتبقى تقول رأيك بأه
– تسلم ايدها
ضغطت “إيمان” على انسانها بشدة وهى تمتم بغيظ :
– حسبي الله ونعم الوكيل
قالت “أمها قبل أن تغادر :
– يلا بالهنا والشفا ولو احتجت حاجة أنا زى أمك بالظبط متتكسفش
ابتسم قائلاً :
– متشكر أوى .. تسلمى
صعدت أمها لتفاجأ بـ “إيمان” الواقفة على باب الشقة وتنظر اليها بغيظ . .ما كادت أمها تدخل وتغلق الباب حتى هتفت “إيمان” بغضب :
– ايه يا ماما جو أفلام الأيبض والاسود ده .. ايه اللى انتى عملتيه ده
قالت أمها ببرود :
– عملت ايه يعنى .. النبي وصانا على سابع جار وده مش جار بس ده صاحب الفضل عليكي وعلى “على”
قالت “إيمان” بحده :
– ماما انتى عارفه كويس أنا قصدى ايه .. انا فهماكى كويس
أشاحت أمها بيدها وهى تنصرف قائله :
– يختى اتنيلى على الله يجي بفايدة بس
تابعتها “إيمان” بعينيها وهى تشعر بالغضب والغيظ

*************************************
أغلقت “آيات” باب الشقة خلفها وهبطت الدرج وهى تشعر بالتوتر .. ظلت تذكر الله فى نفسها علها تهدئ من روعها .. خرجت من البناية لتجد “كريم” منتظرها فى سيارته .. وخلفه .. “آدم” فى سيارته .. أشاحت بوجهها حتى لا تقع عيناها عليه .. لكنه تابعها بعينيه وهى تلف حول السيارة لتركب بجوار “كريم” .. لاحت ابتسامه على شفتيه وهو ينظر اليها .. ود لو تحدث معها .. لكنه يعلم بأن عليه أن ينتظر .. فمهمته ليست سهلة على الإطلاق !
انطلقوا فى طريقهم الى القاهرة .. قاموا بعدة خطوات وفى أكثر من مكان حتى يتم الغاء شهادة الوفاة واثبات أنها مازالت على قيد الحياة .. فى منتصف النهار كان بلغ منهما التعب والجوع مبلغه فإقترح “آدم” الذهاب الى أحد المطاعم لتناول طعامهم .. جلس ثلاثتهم حول الطاولة .. كان بين “آيات” و “آدم” مقعد فارغ .. لكن فى المقابل كان فى مواجهتها تماماً .. حاول “آدم” قدر استطاعته ألا ينظر اليها حتى لا يثير حنق “كريم” .. وضعت عينيها فى طبقها ولم ترفعهما قط حتى لا تصطدم لوجهه .. لكن رغماً عنها تسرب صوته الذى طالما عشقته الى أذنيها .. ذكرها صوته بكل شئ .. بكل تفاصيل علاقتهما .. تذكرت أول مرة رأته فيها .. عندما كان سائق السيارة الأجرة يتشاجر معها .. تذكرت كيف رأته وقتها فارسها وهو واقف بجوارها يدافع عنها ويحميها من بطش الرجل بها .. تذكرت كيف كنت تنتظر مواعيد محاضراته بفارغ الصبر .. وكيف كانت تنظر اليه هائمة سابحة فى أحلامها .. وتذكرت كيف تحطم ذلك الحلم الجمسل لتستيقظ على واقع مفزع .. قفزت كل الذكريات الى عقلها فجأة .. خداعه .. كذبه .. خيانته .. قبلته فى السيارة .. “بوسى” .. الفيديو .. اعترافه بخطبته لابنة عمها .. استغلاله اياها .. لم تتحمل كل تلك الذكريات التى أخذت تظهر أمامها فى اصرار رافضة أن تختفى من عقلها
سقطت منها الملعقة بعدما ارتعشت يدها بتوتر .. التفت “آدم” و “كريم” اليها بعدما قطعا حديثهما .. نظرت الى “كريم” بتوتر قائله بصوت مضطرب :
– ثوانى وراجعه
نهضت وغادرت بسرعة وكأن وحشاً يطاردها .. قطب “آدم” جبينه وهو يشعر أنه سبب ذلك الإضطراب الذى أصابها .. ألهذه الدرجة لم تعد تطيق رؤيته !
عادت … تأملها .. بدت على عينيها البكاء .. هو يعرفها جيداً .. يعرفها أكثر من نفسها .. يستطيع رؤية ذلك الألم الذى تنطق به ملامح وجهها ونظرات عينيها .. لم يتحمل أن تظل أمامه هكذا وهو لا يستطيع مجرد الحديث معها .. وشرح نفسه أمامها .. والتخفيف من حزنها وصدمتها وآلامها .. نهض قائلاً :
– هستناكوا فى العربية
تابعه “كريم” بنظراته ثم التفت الى “آيات” قائلاً بحنان :
– انت كويسة يا “آيات” ؟
أومأت برأسها وهى تحاول رسم بسمة على شفتيها وهى تقول :
– أيوة الحمد لله .. بس يمكن السفر تعبنى
جلس “آدم” فى السيارة وهو يفكر فى هذا الطريق الشائك الذى يجب عليه قطعه ليصل الى “آيات” .. لكن كيف السبيل لبلوغ مراده ؟ .. كيف يستطيع كسب ثقتها من جديد ؟ . .كيف يستطيع أن يثبت لها أن عاد انسان طاهر الذيل ؟ .. كيف يثبت لها أنه تاب وأناب ؟ .. ظلت الأسئلة تتقاذف داخل عقله وهو يحاول أن يجد اجابه لكل منها .. حانت منه التفاته ليجد “آيات” خارجه من المطعم بصحبة “كريم” .. التفت “كريم” الى “آيات” قائلاً :
– نسيت موبايلى على الترابيزة .. خدى المفتاح واعدى فى العربية
تناوت منه المفتاح وعاد “كريم” الى المطعم .. أسرع “آدم” بالخروج من السيارة وتوجه ناحيتها .. بمرجد أن رأته مقبلا نحوها أحثت السير فى اتجاه السيارة لكنه وقف أمامها قائلاً :
– “آيات”
قالت بحزم ودون أن تنظر اليه :
– لو سمحت متكلمنيش
حاولت الإنصراف فوقف أمامها وقال بلهفة :
– أنا مش عارف أتكلم معاكى فى القرية .. خفت حد يشوفنا سوا ويتكلم عنك خاصة بعد اللى اتنشر فى الجرنال
ظهرت الدموع فى عينيها وهى تتذكر تلك الصورة وما كتب تحتها .. قال “آدم” وهو ينظر اليها بألم :
– آنا آسف يا “آيات” .. والله مكنت أعرف انك هتتأذى كده .. أنا مكنتش قادر أتحكم فى نفسى لما شوفتك أدمى .. والله غصب عنى .. معلش متضايقيش منى .. أنا رافع عليه قضية دلوقتى وان شاء الله هجبلك حقك منه
تمالكت “آيات” نفسها فآخر ما تريده الآن هو البكاء أمامه .. قالت بحزم وهى مازالت لا تريد النظر الى وجهه :
– لو سمحت سيبنى أعدى
قال بسرعة :
– طيب أنا هتكلم وانتى اسمعى .. مش عايز أكتر من كده .. أنا عارف انتى حسه بإيه نحيتى دلوقتى وشايفانى ازاى .. ومعاكى حق .. معاكى حق تكرهينى ومتثقيش فيا تانى .. معاكى حق تبقى مش طايقة تبصى فى وشى .. بس أنا اتغيرت .. والله اتغيرت .. أنا غلطت غلط بشع .. عارف .. بس ربنا بيسامح .. مش كده .. مش ربنا بيسامح .. انا على أمل انه يسامحنى ويغفرلى
تقطع تنفسه قال بصوت مضطرب :
– انتى كنتى بتحبيني .. يبقى مش صعب عليكي تسامحيني
لمعت عيناه بالعبرات وهو ويقول :
– والله ما كنت هأذيكي .. فى الأول أيوة بس بعد كده حبيتك بجد
أخذت “آيات” نفساً عميقاً ورفعت عيينها تنظر اليه بحده وقالت بقسوة :
– أنا مستحيل أسامحك .. أبداً .. مهما حصل مش هسامحك .. عايزنى أسامحك على ايه ولا ايه .. أسامحك على ايه بالظبط
قال بجمود وفى عينيه نظرة ألم :
– تسامحيني انى لعبت بيكي من الأول .. تسامحيني انى كنت عايز أنتقم من عمك فيكي وارجع حقى عن طريقك .. تسمحيني انى استغليت مشاعرك نحيتى عشان أرجع حقى .. تسامحيني انى خنتك قبل كتب الكتاب بيوم .. تسامحيني انى عرفت واحدة لمدة سنة وكنت عايش معاها عشان أستغلها وآخد فلوسها .. تسامحيني انى سمعتك كلام كتير عن مشاعرى نحيتك وكان كله كذب .. تسامحيني انى كنت انسان حقير عاق بأمه .. تسامحيني انى مكنتش حتى بصلى ولا كنت عارف ربنا
صمت قليلاً ليأخذ نفسه ثم قال ونظرات عينيه هى مزيح من الحيرة والألم :
– عايزك تسامحيني على كل ده
رغماً عنها تساقطت عبراتها فمسحتها بسرعة بظهر يدها .. كان ذكر كل ذلك أمامها بذلك الوضوح وبتلك الطريقة شاق جداً عليها .. رجع “آدم” خطوة للخلف ليسمح لها بالعبور .. اتجهت مسرعة الى السيارة وأغلقت الباب وهى تدفن وجهها بين كفيها وتفرغ ما بداخلها من ألم وقهر وعذاب .. بالبكــاء !
عاد “آدم” الى سيارته واجماً .. أخرج هاتفه واتصل بـ “فؤاد” ..
– دكتور “آدم” أهلاً بيك
– اهلا بيك يا أستاذ “فؤاد” .. أنا كنت عايز أقابل حضرتك ضرورى .. أنا حالياً فى القاهرة
– خير يا دكتور ان شاء الله
– لا خير ان شاء الله .. عايز أتكلم معاك بخصوص قرية الماسة .. ينفع نتقابل دلوقتى
– والله يا دكتور أنا حالياً فى غداء عمل فى فندق ……… هينتهى كمان 10 دقايق بالكتير
– طيب ينفع آجى لحضرتك دلوقتى .. ولا فى مشاكل
– لا طبعاً موافق يا دكتور .. مفيش مشاكل منتظرك ان شاء الله
أنهى “آدم” المكالمة وقد بدا عليه العزم والإصرار .. عزم على بدء حياته مرة أخرى لكن هذه المرة بشكل لائق .. بشكل يجعله فخوراً بنفسه .. بشكل يجعل ضميره مستريح .. بشكل يجعل “آيات” تراه مرة أخرى .. فــــارس أحــلامـهـــا !

 

error: