رواية “جواد بلا فارس”
فى صباح اليوم التالى استيقظت كل فتاة منهن بمشاعر مختلفة عن الأخرى .. استيقظت “إيمان” ببسمة على ثغرها وخفقات قلبها التى تشى بسعادتها وهنائها .. ولمعة عينيها التى تراها لأول مرة وهى تنظر فى مرآتها .. نظرت الى تلك الدبلة التى تزين أصابعه وأخذت تتحسسها فى سعادة .. “أسماء” استيقظت مثقلة القلب بالهموم .. كسيرة الفؤاد .. حزينة العينين .. تحاول التغلب على ما بداخلها والتظاهر بأنها أفضل .. “سمر” استيقظت وهى ترى بشائر الصباح من الشرفة .. تتطلع الى البحر أمامها وهى تفتح لهوائه رئتيها لتعبئها برائحته الذكية المنعشة .. شعرت كالطائر الحر الذى يسبح فى الفضاء الشاسع .. لكن قلب هذا الطائر يتمنى بشدة أن يجد وليفه الذى يركن اليه .. ويسكن اليه .. ويطمئن لقربه .. “آيات” استيقظت على مشاعر .. غضب .. ألم .. جراح .. أحزان .. ذكريات مريرة .. لكن تتخلل كل تلك المشاعر القاسية .. لمسة من .. حنين !
ابتدأ اليوم بتلك المشاعر التباينه على الفتيات الأربعة .. فنبدأ معاً أحداث هذا اليــوم العجيــب !
دخلت “آيات ” المطبخ لتسمع ضحكات ومزاح “إيمان” و “سمر” اللاتان تعدان طعام الإفطار فحيتهما مبتسمة :
– صباح الخير
التفتت الفتاتان اليها :
– صباح النور
– صباح النور
خرجت “أسماء” من الحمام وحاولت رسم بسمة على شفتيها وهى تقبل “إيمان” قائلاً :
– ألف مبروك يا “إيمان”
قالت “إيمان” وهى تتظاهر بالغضب :
– لا أنا زعلانه منك بجد
– والله عارفه انك أكيد علانه .. بس فعلاً أنا كنت تعبانه .. معلش ملحوقه تتعوض فى فرحك ان شاء الله
التفت الأربع فتيات حول طاولة الطعام .. قالت “سمر” :
– طبعاً هتسيبونى وتروحوا شغلكوا
ابتسمت “آيات” قائله وهى تلوك الطعام فى فمها :
– أيوة طبعاً أمال عايزانا نعد جمبك ولا ايه
قالت “سمر” بحزن :
– طيب هعمل أنا ايه لوحدى .. هحس بملل فظيع
قالت “إيمان” ملتفته الى “آيات” :
– متخلى “سمر” يا “آيات” تروح العيادة بدل الدكتورة اللى واخدة أجازة النهاردة
هتفت “آيات” :
– والله فكرة
قالت “سمر” بإستغراب :
– عيادة ايه
قالت “آيات” شارحة :
– افتتحنا عيادة أطفال هنا فى القرية .. عيادة صغيرة بس ما شاء الله الإقبال عليها حلو أوى .. بس الدكتورة اعتذرت لمدة اسبوع .. ايه رأيك لو حسيتى انك هتملى تعالى اعدى فيها شوية
قالت “سمر” بحماس :
– أكيد طبعاً .. أنا أصلاً رغم ارهاقى فى الشغل إلا انى بعشقه ..بجد بعشق الأطفال أوى ونفسى أفضل حواليه على طول .. بحس فيهم بالبراءة وبحاجات كتير لسه موجودة جوايا ..
ثم شردت قائله وسحابة حزن فى عينها :
عارفين .. ساعات بحس انى طفلة .. ولما بشوف أب حنين على ابنه الصغير بقول فى نفسى يارتنى رجعت صغيرة تانى ولقيت حد يتعامل معايا بحنية كدة ويحسسنى انه بابا وانه مسؤل عنى .. عمركوا شوفتوا واحدة بتتمنى راجل يحسسها انه باباها .. أهو أنا بتمنى كده
ثم قالت :
– نفسى فى راجل أغمض عيني وأنا واثقه انه مش هيضيعني .. أرمى كل همومى وخوفى وحمولى عليه وأنا واثقه انه هيكون أد المسؤلية
نهضت “أسماء” فجأة قائله :
– أنا همشى
نظرت اليها “آيات” قائله :
– طيب استنى هخلص أهو ونمشى سوا
لم تترك لها “أسماء” فرصة للحديث بل قالت وهى تحمل حقيبتها وتغادر :
– لا هسبأكوا عشان ورايا حاجات كتير
**************************
جلس “آدم” و “زياد” بصحبة “على” و “كريم” فى مكتب هذا الأخير .. قال “كريم” :
– زى ما اتفقنا وقسمنا الشغل بينا يا شباب .. أهم حاجة عندى ان يكون فى تنسيق بينا .. وأنا مش ديكتاتور .. يعنى اللى يكون عنده مقترحات أفضل أو أساليب أفضل لسير العمل يبلغنى بيها
ابتسم “آدم” قائلاً :
– تمام يا “كريم” .. انت كدة سهلت علينا كتير .. وكمان ميزتك انك بتحسس اللى بيشتغلوا عندك انهم بيشتغلوا معاك مش عندك
قال “زياد” بحماس :
– أنا بجد اتحمست أوى للشغل هنا
نظر “كريم” الى ساعته وقال :
– معدش الا ساعة على صلاة الجمعة .. نتقابل فى مسجد القرية ان شاء الله
أثناء انصراف الرجال من مكتب “كريم” .. توجهت “آيات” الى المكتب .. وقف “آدم” أثناء خروجه ينظر اليها وحياها قائلاً :
– صباح الخير
تجاهلته تماماً ودخلت المكتب ! .. ربت “زياد” على كتف “آدم” وساقه بعيداً .. قالت “آيات” مبتسمة :
– “كريم” عايزه منك خدمه
– خير يا “آيات” أؤمرى
قالت وهى تجلس أمامه :
– هما خدمتين مش خدمة واحدة .. الخدمة الأولى . .صحبتى “سمر” اللى هيا صحبة “إيمان” اللى جت امبارح من القاهرة عشان تحضر كتب الكتاب
– آهاا مالها
– هى دكتورة أطفال .. وما شاء الله عليها ممتازة أوى وبتحب شغلها .. وبما ان الدكتورة اللى فى عيادة الأطفال فى أجازة ايه رأيك سمر تشتغل فى العيادة بدلها
– بس يا “آيات” .. البنت جاية عشان تحضر كتب كتاب صحبتها وتريحلها يومين فى القرية نقوم نقولها تعالى اشتغلى عندنا
قالت “آيات” بحماس :
– لا بالعكس دى مرحبة جداً .. أصلاً زى ما قولتلك هى بتحب شغلها أوى وكانت مضايقة اننا كلنا هنكون فى الشغل وهنسيبها لوحدها
– طيب خلاص طالما كدة مفيش مشكلة
– تسلم يا “كريم” .. الطلب التانى بأه .. عايزة أخرج النهاردة أشترى شوية لبس
نظر الى ملابسها قائلاً :
– ماشى مفيش مشكلة .. نفس الستايل كدة
ابتسمت قائله :
– لا ستايل تانى .. بصراحة عايزة ألبس لبس يرضى ربنا بأه .. مش عايزة أحس انى مقصرة فى موضوع اللبس ده .. يعني مش عايزة أحسن ان ربنا غضبان منى عسان لبسى
ثم نظرت الى ملابسها قائله :
– هو لبسى أحسن من الأول بكتير .. بس برده حسه ان لسه .. نفسى أكون زى “إيمان” و “سمر” كدة .. لبسهم محترم ومش ملفت
ابتسم “كريم” قائلاً :
– والله فرحتيني يا “آيات” .. طيب ايه رأيك باه ان أنا هاجى معاكى ونختار اللبس سوا .. وأى حاجة انتى عايزاها هتكون هدية منى ليكي
قاتل مبتسمة :
– لأ أنا اللى عايزة أشتريهم أنا معايا فلوس متقلقش
قال بحزم :
– خلاص اتنهت .. وبعدين سيبينى آخد الثواب ده .. كل ما تبقى لابسه حاجة واسعة أنا جايبهالى هاخد أنا الثواب عليها .. متحرمنيش بأه من الثواب ده لو سمحتى
ابتسمت بإستسلام قائله :
– بس أنا عايزة أروح النهاردة
قال لها بمرح :
– أمرك يا باشا .. أصلى الجمعة واخدك ونروح نجيب اللبس على طول .. بس كدة دى “آيات” هانم تؤمر والعبد لله ينفذ
ضحكت قائله :
– ماشى يا سيدى واضح ان مزاجك عالى النهاردة .. طبعاً مش كتب كتابك كان امبارح
لاحت ابتسامة واسعة على شفتيه وهو يقو :
– عارفة بمجرد ما كتبنا الكتاب و أنا حسيت ان قلبي ده عمال يرفرف بجنحاته .. رغم انى مش كدة خالص .. يعني بحس انى راكز ومش خفيف .. بس حسيت امبارح انى أخف من الريشة
أطلقت ضحكة عالية وقالت :
– فينك يا”إيمان” تسمعى الكلمتين دول عشان تعرفى تأثيرك فى أخويا
– هى على فكرة بنت حلال أوى .. وأكتر حاجة عجبانى فيها حيائها .. متتصوريش الصفة دى لما بتكون فى البنت بتخليها جميلة فى عين الراجل ازاى
ابتسمت “آيات” وهى تنظر اليه بسعادة قائله :
– ربنا يباركلكوا فى بعض .. انتوا الاتنين طيبين وتستاهلوا كل خير
**************************
توجهت اليه بعدما أخذت نفساً عميقاً .. حاولت ألا تنظر اليه وهى تقول :
– لو سمحت يا أستاذ “على” عايزة امضة حضرتك على الطلب ده
التفت “على” اليها .. وتناول الملف من يدها .. قرأه بدقة ثم زيله بتوقيعه .. استعادت منه الملف وهمت بالإنصراف .. باغتها قائلاً :
– آنسة “أسماء”
توقفت دون أن تنظر اليه .. بدا عليه التوتر والإضطراب .. قال :
– أنا آسف .. انا مكنش قصدى انى أجرحك بكلامى
ظهر الحزن فى عينيها لكنها قالت بصعوبة :
– عادى محصلش حاجة
همت بالإنصراف لكنه أوقفها مرة أخرى وقال :
– انا كل اللى كان قصدى أقوله ان صحابك أكيد اتكلموا معاكى فى الموضوع اللى كنا بنتكلم فيه وقتها .. يعني مش محتاجة تسمعى أكتر من اللى سمعتيه عشان تنفذى وتختارى صح
أطرقت “أسماء” برأسها قليلاً ثم نظرت اليه قائله بألم :
– أنا للأسف غيرهم .. مكنش ليا أب وأم يقولولى الصح من الغلط .. كانوا مدينى حرية فى حاجات كتير منها لبسى .. صعب أوى ان حد عاش كدة تيجى فجأة وتقوله انت غلط وان الصح كذا .. غصب عنى مش عارفه أتقبل ده
تنهد “على” ثم قال وهو ينظر أمامه :
– مش صعب لو الانسان ده عرف ان ربنا هو اللى أمره بكده .. ربنا هو اللى قال ان ده صح .. وان ده غلط .. وعلى فكرة طالما الانسان ده مكنش يعرف الصح من الغلط ومحدش نبهه ده يعذر لجهله .. وربنا يغفرله ان شاء الله على اللى فات من حياته .. لكن طالما عرف .. يبأه كدة أقيمت عليه الحجة .. ويبتدى يتحاسب .. أيوة كان جاهل .. بس دلوقتى معدش جاهل .. وعرف الصح من الغلط .. مينفعش يفضل مستمر فى الغلط ويقول أصلى مكنتش أعرف .. لأ انت دلوقتى عرفت يبقى تلتزم بكلام ربنا وتنفذ
شعرت براحة غريبة وهى تتحدث اليه .. قالت وهى تنظر اليه :
– بس أنا أحسن من بنات كتير .. حتى لو لبسى ضيق .. بس أنا محترمة فى تعاملاتى ومش بسمح لحد انه يتجاوز معايا .. انت من ساعة ما انا اشتغلت هنا سمعت عنى كلمة وحشة أو شوفت منى حاجة وحشة ؟
قال “على” بهدوء :
– لأ مشفتش منك حاجة وحشة ولا سمعت عنك حاجة وحشة
قالت “أسماء” بحماس :
– ربنا رب قلوب .. يعني هو مطلع على تصرفاتى وعلى اللى فى قلبى .. وده أهم كتير من المظاهر.. أهم كتير من انى ألبس محترم بس أبقى بنت مش كويسة وأتعامل مع الشباب بطريقة وحشة .. فى بنات كتير أوى محترمة أوى فى لبسها بس مش محترمة فى تصرفاتها
صمت “على” للحظات ثم قال :
– وانتى ليه تبصى للى محترمة فى لبسها ومش محترمة فى تصرفاتها ! .. ما تبصى للى محترمة فى الاتنين .. لازم الواحد يبص للى أعلى منه مش اللى أقل منه .. اللى بيبص للى أقل منه ويقول أنا أحسن ده يبفضل طول عمره تحت ومبيطلعش أبداً ولا بيتقدم .. لكن اللى بيبص للى أعلى منه بيحب يقلده وبيحب يوصله وأكيد هيوصله .. وبعدين أيوة ربنا عارف الى فى قلبك ومطلع عليه مختلفناس فى دى .. بس برده ربا أمرك بحاجات لازم تنفذيها .. يعني يمنفعش متبقيش بتصلى وقتولى ربا رب قلوب ربنا عالم باللى فى قلبى وانى بنت كويسة .. طيب ما تصلى .. مش هو أمرك تصلى . .صلى .. ايه اللى منعك .. لو انتى فعلاً كويةس ومسلمة أمرك لله ومستسلمه لله ولأوامرة ولنواهيه .. هتصلى لأنه أمرك تصلى .. اهو ربا أمرك تتحجبى .. وبمواصفات معينة .. مينفعش تتحجبى على مزاجك أو بالطريقة اللى انتى شايفاها صح .. لازم تتحجبى بالطريقة اللى هو شايفها .. واللى هو عايزها .. واللى هو أمرك بيها
صمتت “أسماء” تحاول استيعاب كلماته وتمريرها على عقلها وقلبها .. سألته بخفوت :
– وايه هى الطريقة دى
قال “على” بحماس :
– أولا ميكنش ضيف يكون واسع .. ثانياً ميكنش شفاف ويبين الجسم .. ثالثاً .. ميكنش مبرفن ببرفان أو بخور أو أى حاجة يقدر اللى واقف جمبك يشمها .. رابعاً ميكنش ملفت .. خامساً ميكنش شبه لبس الكافرات .. سادساً ميكنش شبه لبس الرجال .. سابعاً ميكنش ثوب شهرة
نظرت اليه “أسماء” بإستغراب وقالت :
– معلش يعنى ايه ميكنش ثوب شهرة دى .. مش فاهمة
قال “على” بهدوء شارحاً :
– يعني متكنيش لبساه عشان الناس تشاور عليكي وانتى ماشية فى الشارع .. الرسول نهانا عن اللبس المزين أوى الفخم أوى اللى الواحد بيلبسه عشان الناس تشاور عليه وهو ماشى فى الشارع وده بيبأه خيلاء ماشى يعني يقول يا أرض اتهدى ما علييك أدى .. وبرده نهانا عن اللبس الرث أوى المبهدل أوى اللى الواحد يلبسه عشان الناس تشاور عليه وتقول ده الراجل ده زاهد وعابد .. يعني الرجال والنساء محرم عليهم لبس الشهرة .. يعني متلبسيش حاجة ملفته عشان الناس تشاور عليكي وتعرفك
تمتمت قائله :
– أيوة فهمت
قال وهو ينظر الى ساعته :
– بعد اذنك عشان ألحق الصلاة
قالت بخفوت :
– اتفضل
التفتت تنظر اليه لتتابعه بنظراتها أثناء مغادرته .. نعم تعلم بأنه لن يفكر فيها يوماً .. وأنها بالتأكيد ليست الفتاة التى سيختارها زوجة وحبيبة .. وأنها بالنسبة له فتاة متبرجة .. وأنه ليس كأى رجل قابلته فى حياتها .. وعلى الرغم من ذلك .. خفق قلبها بقوة ونعومة .. وحــب .. وهى تتتابعه بعينيها !
**************************
توافد الرجال فى القرية على مسجد القرية الذى جهزه “كريم” بكل ما يلزم .. ابتسم “آدم” الجالس على الأرض فى انتظار بدء الخطبة وهو يميل على “زياد” قائلاً :
– ما شاء الله .. حلوة أوى فكرة المسجد فى القرية .. عشان الناس متكسلش تطلع بره القرية يدوروا على مسجد يصلوا فيه .. أهو كده مفيش راجل فى القرية له حجه ..
ابتسم “زياد” وهو يتأم المسجد قائلاً :
– فعلاً فكرة حلوة أوى
ثم التفت الى “آدم” قائلاً :
– والله الواحد حاسس براحة كبيرة هنا .. غير ما كنا بنحس فى قرية النحس “شكرى” ..أعوذ بالله الواحد هناك كان بيبقى قلبه مقبوض على طول .. لكن هنا سبحان الله كفابه ان الواحد ضميره مرتاح
ابتم “آدم” قائلاً :
– ده غير معدلات الشغل هنا .. أنا صعقت من الأرقام
قال “زياد” بمرح :
– قال احنا اللى كنا فاكرين ان قرية “شكرى” عليها اقبال .. لو جه شاف معدلات الحجز فى القرية هنا هيقفل قريته ويعد فى بيتهم
ساد الهدوء فجأة عندما اعتلى الإمام المنبر .. نظر “آدم” و “زياد” الى بعضهما فى دهشة .. فلم يكن الإمام سوى .. “كريم” .. ألقى نظرة على الموجودين وتلاقت أنظاره بأنظار “آدم” و “زياد” .. ثــم .. بدأ خطبته :
– الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد : يقول الله عز وجل ” وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” .. فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن باب التوبة مفتوح فى كل زمان ومكان حتى تشرق الشمس من مغربها .. رخصة لكل انسان وقع فى معصية أو ذنب صغيراً كان أم كبيراً .. يستطيع بتلك الرخصة أن يتوب الى الله عز وجل فيغفر له ذنبه ويمحيه تماماً من صحيفة أعماله كأنه لم يفعله فى حياته قط .. فلنتحدث عن أنواع البشر وأنفسهم .. هناك شخص يملك بين جنباته نفس أمارة بالسوء .. وصاحب هذه النفس والعياذ بالله يقبل على المعصية ويميل اليها دائماً دون أدنى شعور بالذنب .. يقترف المعصية سراً وجهاراً ليلاً ونهاراً .. دون ان يطرف له جفن .. ونسى الملك المطلع عليه من فوق سبع سماوات .. وهذه النفس استحوذ عليها الشيطان تماماً فسار يحركها كيف يشاء .. وهى مأوى للشر فى جسم الإنسان .. ومنبع للشر .. واذا قيل له لماذا تفعل ذلك يا عبد الله .. تعلل بعلل واهية ويضع أخطائه على شماعة “إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا”
كان “آدم” يستمع الى الخطبة دون أن يرف له جفن .. تعلقت عيناه بكريم وتعلقت أذنيه بكلماته .. أكمل “كريم” قائلاً :
– النوع التانى هى النفس اللوامة .. والتى أقسم الله بها فى سورة القيامة “لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ” .. وهى نفس فى صراع دائم بين الخير والشر .. اذا ارتكب صاحبها ذنباً .. ظل يلوم نفسه .. ويؤنبها .. ويستشعر ذنبه وتقصيره فى حق الله .. يتذكر يوم القيامة والآخرة فيتحسر على ما اقترف من ذنوب .. ويندم على ما فات من حياته ..
أما النوع الثالث هو النفس المطمئنة .. وهى منبع الإيمان فى صاحبها .. فهى نفس خاشعة متوكلة على ربها .. واثقة بالله .. محبة لله .. خاضعة لله .. تشتاق الى الله .. والتى قال الله عنها “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي” .. فأسأل الله أن يرزقنا جميعاً تلك النفس المطمأنه
انتهت خطبته .. وأقام الصلاة .. بعد الإنتهاء من الصلاة .. التفت “زياد” الى “آدم” قائلاً :
– يلا
قال “آدم” وهو يجلس مستنداً الى أحد العواميد فى المسجد :
– لا سيبنى شوية
أوما “زياد” برأسه وخرج من المسجد .. أسند “آدم” رأسه الى العمود خلفه .. وشرد وهو ينظر الى سقف المسجد .. وجد فجأة يداً تربت على كتفه فالتفت ليجد وجه “كريم” الباش .. جلس بجواره قائلاً :
– ايه يا دكتور مش هتمشى
أومأ برأسه قائلاً :
– شوية كده
جلس “كريم” بجواءه مفترشاً الأرض .. نظر اليه قائلاً :
– ربنا كبير أوى على فكرة
لمعت العبرات فى عيني “آدم” وأخذ ينظر الى “كريم” صامتاً .. فربت على قدمى “آدم” قائلاً :
– متخليش الشيطان يحبطك ويوهمك ان ملكش توبة .. لان ربنا اسمه الغفور .. بيغفر التوبة للعبد التائب الصادق فى توبته .. اهم حاجة ان التوبة تكون صادقة .. مس توبة باللسان فقط
أومأ “آدم” برأسه .. ثم قال بإهتمام :
– والواحد يعرف منين اذا كان ربنا قبل توبته ولا لأ
– الأهم هو انك تطبق شروط التوبة صح
قال “آدم” بإستغراب :
– وهى ايه شروط التوبة
قال “كريم” بهدوء :
– شروط التوبة أربع .. لازم يجتمعوا مع بعض عشان تبقى توبة صادقة وربنا يتقبلها .. أول حاجة انك توبتك تكون مخلصة لله .. يعني مش تائب عشان خايف من الشرطة مثلا أو عشان خايف من الناس أو عشان خايف من الفضيحة .. أو مثلا تايب من شرب الخمرة عشان خايف على صحتك منها .. أو تايب من الزنا عشان خايف على نفسك من الأمراض
صمت قليلاً ثم قال :
– أو تايب عشان حبيبتك ترضى عنك
تلاقت أنظارها وبلع “آد” ريقه بصعوبة وقد فهم ما يقصده “كريم” .. فأكمل “كريم” :
– أول شرط من شروط التوبة انك تتوب لله عشان خايف منه وعشان ندمان على ذنبك فى حق ربك
ثم أكمل :
– تانى شرط انك تتوب بقلبك وتكره المعصية بقلبك مش بس بلسانك .. ثالث شرط ان تسيب المعصية دى فوراً .. مش تقول هسيبها بكرة ولا بعد بكرة ولا من الشهر الجاى .. لأ تسيبها فوراً وتبعد عنها فوراً .. الشرط الرابع انك تنوى وتعقد عزمك انك مترجعش للذنب ده تانى أبداً .. الشرط الخامس وده شرط مهم جدا وللأسف فى ناس كتير بتغفل عنه .. وهو رد المظالم لأهلها .. يعني لو كنت نهبت حد أو سرقت حد أو أكلت مال أو شهدت زور على حد أو قتلت حد .. لازم المظالم دى تترد .. لازم الشروط الخمسة عشان تبقى توبتك كاملة وربنا يتقبلها ان شاء الله
قام “كريم” وغادر المسجد وترد “آدم” خلفه يعيد ما قال فى عقله مرات ومرات ومرات
**************************
انطلق “كريم” فى طريقه بصحبة “آيات” الى المول التجارى .. وأثناء تجربة “آيات” لأحدى القطع .. اتصل بـ “إيمان” التى ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها بمجرد أن رأت اسمه وردت قائله :
– السلام عليكم
قال بصوته الرخيم :
– وعليكم السلام .. ازيك يا “إيمان”
تمتمت بخفوت :
– الحمد لله
– أنا فى المول مع “آيات” بتشترى شوية حاجات .. ان شاء الله كلها ساعة وأرجع القرية .. هتكونى جاهزة ؟
– أيوة ان شاء الله .. هرجع بس الشقة أغير هدومى
– خلاص ماشى على تليفون ان شاء الله .. وأنا راجع هتصل بيكي
– خلاص اتفقنا
بعد نصف ساعة توجهت “إيمان” الى عيادة الأطفال حيث تعمل “سمر” وابتسمت لها قائله :
– ايه الأخبار
قامت “سمر” من فوق مكتبها وعقدت ذراعيها وهى تستند بظهرها الى المكتب وقالت :
– بصراحة العيادة روعة والجو هنا جميل أوى .. حسه ان نفسى هنا مفتوحة للشعل أوى
فى تلك للحظة أتت “أسماء” وهى تقول :
– بنات مشفتوش “آيات” دايخة عليها فى ورق مهم لازم تمضية .. وبكلمها موبايلها غير متاح
قالت “إيمان” :
– آه “آيات” مع “كريم” فى المول بيقول بتشترى حاجات
ثم نظرت الى ساعتها قائله :
– كلها نص ساعة أول أقل ويرجعوا ان شاء الله
ابتسمت “أسماء” وهى تنظر الى “سمر” قائله :
– ايه رأيك يا “سمر” فى القرية
قالت “سمر” بحماس :
– كنت لسه بقول لـ “إيمان” المكان ممتاز بجد حسه براحه نفسية عجيبة .. آه لو أفضل هنا ومرجعش القاهرة تانى
نظرت اليها “إيمان” بخبث وقالت :
– والله فى ايدك تفضلى هنا ومترجعيش القاهرة تانى
نظرت اليها “سمر” مستفهمة .. فقالت “إيمان” بمرح :
– يا بنتى حنى على الراجل الغلبان بأه وهو يبقى بابا وماما وأنور وجدى
توترت “سمر” وقالت بعتاب :
– بس يا “إيمان”
نظرت اليهما “أسماء” مستفهمة :
– راجل مين ؟
قالت “إيمان” وهى تتنهد :
– الراجل اللى عايز يتجوزها وهى رافضه حتى انه يدخل بيتهم
نظرت اليها “سمر” قائله :
– يا “إيمان” خلاص انسى الموضوع ده بأه
قالت “إيمان” بمزاح :
– لا مش هنسى نفسى أفرح بيكي انتى و “على”
هوى قلب “أسماء” بين قدميها .. قالت بصعوبة :
– “على” أخوكى ؟
أومأت “إيمان” برأسها وهى تقول :
– آه “على” أخويا يا ستى
بدا الإضطراب على “أسماء” وقالت بصوت مرتجف :
– أنا همشى
خرجت “أسماء” من العيادة تحث السير وهى تشعر بأن الرؤية غير واضحة .. ثم اكتشفت بأن ما كان يحجب عنها الرؤية بوضوح .. هو تلك الدموع التى أخذت بالتجمع داخل عينيها !
التفتت “إيمان” الى “سمر” قائله بجديه :
– “سمر” انتى بجد رافضة “على” نظرت اليها “سمر” بحيرة وقالت :
– “على” انسان محترم جداً .. وبجد ساعات بحس اننا مناسبين لبعض أوى .. بس مش عارفه .. مش عارفه ليه مش قادرة أقول أيوة
قالت “إيمان” بحزم :
– لو انتى فعلاً شايفاه مناسب هتوافقى .. لو رفضاه عشان موضوع الشغل هو خلاص اشتغل دلوقتى يا “سمر” وفى مركز كبير ومرتب كبير ما شاء الله
قالت “سمر” بحيرة :
– صدقيني مش دى المشكلة .. أنا فعلاً بحترم “على” .. وحسه انه مناسب أوى ليا .. واننا هنكون زوجين ناجحين .. بس مش عارفه .. جوايا تردد كبير أوى .. وخوف .. مش عارفه .. حسه بحيرة كبيرة أوى .. عشان كدة قولت لمامتك لما كلمتنى متخليهوش يستنانى .. لانى حسه ان الحيرة اللى جوايا دى مش هتخلص أبداً
تنهدت “إيمان” قائله :
– كان نفسى أوى تكونوا لبعض
قالت “سمر” بحزن :
– وأنا نفسى أكتر منك .. نفسى بجد .. بس حسه انى متكتفة .. ومش قادرة آخد الخطوة دى .. أنا من يوم ما مامتك كلمتنى وأنا بستخير .. ولحد دلوقتى بستخير .. بس لسه .. لا شايفه حاجة .. ولا حسه بحاجة
**************************
عادت “آيات” بصحبة “كريم” وبمجرد ان دخلا القرية قالت “آيات” بمرح :
– “كريم” وديني الشقة الأول .. عايزة أغير هدومى وألبس حاجة من اللى اشتريناها
ابتسم لها قائلاً :
– ماشى يا ستى
نظرت اليه بتأثر قائله :
– بجد يا “كريم” ربنا ما يحرمنى منك .. انت دلوقتى كل عيلتى مش أخويا وبس .. عارف أنا بجد محظوظة أوى ان ليا أخ زيك .. رغم انك مش أخويا شقيقي بس بجد أنا بنسى النقطة دى تماماً .. بحس فعلاص أكننا اخوات من أم واحدة وأب واحد
ابتسم وو يربت على رأسها قائلاً :
– أنا كمان بعتبرك أختى بجد .. لان فعلاً انتى أختى يا “آيات” .. متقلقيش حتى لما أتجوز هفضل آخد بالى منك وهفضل معاكى مش هسيبك .. وحتى لما تتجوزى وتروحى بيت جوزك .. بردة هفضل جمبك وقت ما تحتاجيني هتلاقيني
لمعت الدموع فى عينيها تأثراً بكلماته فصاح بمرح :
– أوف .. ده انتوا الستات حاجة بشعة .. تزعلوا تعيطوا .. تفرحوا تعيطوا .. حاجة بؤس
ضحكت “آيات” بملء فمها وهى تقول :
– عشان احنا كائنات رقيقة حساسة
تعلقت أنظاره بـ “إيمان” التى كانت تسير فى اتجاه البناية .. كانت تبعد عنها بضع خطوات فقط .. عندما اقترب منها “كريم” وأطلق زمور سيارته فانتبهت .. أوقف سيارته أمام البناية فقالت “آيات” بخبث :
– افتحلى الشنطة هاخد حاجتى وأطلع
قال “كريم” وهو يحمل الحقائب :
– سبيها وأنا هطلعهالك
ألقت نظرة على “إيمان” التى اقتربت وقالت وهى تأخذهم من يده :
– لا هاتهم مش تقال
توجهت “آيات” الى داخل البناية بينما ابتسم “كريم” وهو يقول لـ “إيمان” :
– ازيك يا “إيمان”
ابتسمت بخجل قائله :
– الحمد لله
نظر الي ملابسها وقال :
– غيرتى هدومك ولا لسه
– لا لسه طالعة دلوقتى .. مش هتأخر عشر دقايق بس وأنزل
ابتسم قائلاً :
– براحتك
كادت أن تنصرف لكنه أوقفها قائلاً :
– استنى
فتح باب السيارة الخلفى وأخرج منه بوكية كبير يحوى ورود حمراء زاهية معد بطريقة رائعه .. قدمه اليها وعلى شفتيه ابتسامه واسعة وهو يقول :
– اتفضلى
اتسعت ابتسامة “إيمان” ونظرت الى الورد بسعادة وهى تحمله بين يديها كالطفل الصغير .. ثم نظرت اليه قائلخ :
– متشكرة أوى
تمتم مبتسماً :
– العفو .. يلا مستنيكي
أومأت برأسها ودخلا البناية وهى تكاد تقفز فى الهواء فرحاً
دخلت “آيات” البيت ليتنامى الى مسامعها صوت شهقات بكاء قادم من غرفتها .. تركت ما بيدها أمام الباب وأغلقته وتوجهت مسرعة لتجد “أسماء” جالسه على فراشها تدفن وجهها بين يديها وتبكى بحرقه .. اقتربت منها “آيات” وقالت بلوعة :
– “أسماء” مالك فى ايه ؟
قالت “أسماء” وهى تحاول أن توقف بكائها دون جدوى :
– مفيش حاجة
جلست “آيات” بجوارها وهى تقول بحده :
– ازاى يعني مفيش حاجة
قالت “أسماء” بنفاذ صبر وهى تكفكف دمعها :
– قولتلك مفيش حاجة يا “آيات” .. شوية وهبقى كويسة
هتفت “آيات” بحدة وقد غاظها كتمان “أسماء” لمشاعرها وأحزانها دائماً :
– انتى على طول كدة .. عمرك ما جيتي قولتيلى يا “آيات” أنا مضايقه من كذا .. على طول بتشيلى فى قلبك وتسكتى .. بجد يا “أسماء” أنا مكنتش مصتورة ان أنا ولا حاجة بالنسبة لك
نظرت اليها “أسماء” قائله :
– ازاى يعني ولا حاجة .. أنا مليش غيرك أصلاً وانتى عارفه كدة
– لو كان فعلاً ملكيش غيري كنتى حكتيليى على اللى جواكى مش قفلتى على نفسك كده
تنهدت “أسماء” بحزن وقالت :
– لما بتكون المشكلة ملهاش حل مبعرفش أتكلم فيها . .بحس الكلام هيتعبنى على الفاضى
– ومين قالك ان ملهاش حل .. اتكلمى يمكن أعرف ألاقيلها حل
قاتل “أسماء” بمرارة :
– لا ملهاش حل .. ومستحيل يبقى ليها حل
– ايه هيا المشكلة اللى ملهاش حل ؟
فى تلك اللحظة دخلت “إيمان” الى البيت وأغلقت الباب بهدوء فلم ينتبه أحد الى صوت اغلاقه .. كادت أن تتوجه الى غرفتها لكنها تسمرت فى مكانها عندما سمعت “أسماء” تقول :
– أنا بحب “على”
شعرت “آيات” بالدهشة وهى تنظر الى “أسماء” قائله :
– “على” مين ؟
نظرت اليها “أسماء” قائله ودموعها تبلل وجهها :
– “على” أخو “إيمان”
اضطربت “إيمان” بشدة ولم تدرى كيف تتصرف .. أهداها عقلها الى أن تعود وتفتح الباب وتغلقه بقوة .. هبت الفتاتان عندما استمعا الى صوت اغلاق الباب .. وقفت “إيمان” على باب غرفتيهما فالتفتت “آيات” اليها .. قالت “إيمان” بسرعة متظاهرة بالمرح :
– ازيكوا يا بنات .. أنا داخلة أغير هدومى لان “كريم” مستنيني تحت
أومات “آيات” برأسها وهى تبتسم بوهن .. دخلت “إيمان” غرفتها وهى تتنهد بقوة وبأسى
قامت “آيات” وأغلقت الباب ثم عادت للجلوس بجوار “أسماء” وقالت لها :
– احكيلي اللى حصل .. واشمعنى “على” بالذات
قصت لها “أسماء” كل مواقفها مع “على” .. فقالت “آيات” :
– يعني “على” كان السبب انك متحضريش امبارح كتب كتاب “إيمان”
– كنت مخنوقة أوى .. لما قالى صحابك محترمين حسيت انى مجروحة منه أوى
صمتت قليلاً ثم نظرت الى “آيات” قائله بحيرة :
– أنا مش عارفه أنا ليه حسيت نحيته بكدة .. يعني هو جد أوى معايا .. وناشف .. بس معرفش .. عارفه لما تحسى انك منجذبه لحاجة لانها ضدك .. لانها مختلفة عنك .. أنا حسيت ان ده اللى خلانى أتعلق بيه كده .. انه مختلف عن أى حد شوفته وعن أى حد عرفته
لاحت ابتسامة على شفتيها وهى تقول :
– تعرفى انه قالى انه مش بيحب يعمل حاجة غلط مع بنت عشان مراته اللى هيتجوزها .. يعني مش عايز يخون مراته وهو أصلاً لسه مشفهاش ولسه ميعرفش هى مين .. هو فى حد كده
ثم قالت :
– ورغم انى فى نظره غلط .. الا انه مش بيتكلم معايا بشدة أو بعنف أو بإحتقار .. بالعكس بحس انه بيتكلم معايا براحه وبشويش .. مش بيقولى كلام جامد يكرهنى فى عيشتى .. بالعكس بحسه عارفه أكنه بياخد بإيدى واحدة واحدة .. لما اعتذرلى كنت فرحانه أوى .. حسيت انه مهتم ولو شوية صغيرين انه ميزعلنيش أو انى أبقى مضايقه منه .. فضل يكلمنى بالراحة على اللبس وعلى الحجاب .. من غير ما يجرحنى ومن غير ما يقولى انتى غلط وهتدخلى النار .. لأ .. كان بيتكلم براحه .. غصب عنى حسيت انى اتشدتله .. نفسي يفضل يتكلم معايا كده وينصحنى على طول .. مش فى اللبس بس ..لأ فى كل حاجه
ران الصمت بينهما .. فقالت “آيات” بحماس :
– “أسماء” يمكن بس انتى عجبك اسلوبه مش أكتر من كده .. يعني مش حب ولا حاجة زى ما انتى متصوره
قالت “أسماء” بصوت باكى وقد عاودت عبراتها التساقط على وجهها :
– أنا كنت فاكرة كده .. فضلت أقول لنفسى كده .. بس لما عرفت انه بيحب “سمر” وعايز يتجوزها حسيت انى قلبي موجوع أوى .. مش قادرة أتخيله مع “سمر” ولا مع أى واحدة .. مش قادرة أتخيل انى ممكن معرفش أتكلم معاه تانى .. أو انه يختفى فجأة من حياتى .. حسه انى عايزاه فى حياتى على طول يا “آيات” .. معرفش أنا عمرى ما حسيت كده .. وعلى طول بستخف بالناس اللى بتحب وبتتعلق بغيرها .. بس أنا فعلاً حسه انى اتعلقت بيه أوى .. تعرفى أنا نفسى دلوقتى حالاً أتكلم معاه .. فى كل حاجة .. نفسى أحكيله على كل حاجة
تعالت شهقاتها وهى تقول بصوتها المرتجف الباكى :
– نفسى أحكيله على بابا وماما ومشاكلهم وخناقاتهم .. نفسى أحكيله على احساسى بعدم الأمان .. نفسى أحكيله على الحاجات اللى بتخوفنى .. نفس أحكيله على “هانى” واللى عمله معايا .. حسه انى عايزه أحكيله على كل حاجة .. أنا على طول بخبى مشاعرى جوايا ومش بحب أتكلم مع حد عن احساسى .. بس أنا حسه انى عايزه أحكيله هو على كل حاجة .. أول مرة أحس بكده .. أحس انى عايزه أطلع اللى جوايا لحد .. عايزه أعيط أدامه .. عايزه أصرخ .. عايزه أخرج كل اللى جوايا .. وبعد ما أخلص يتكلم معايا وأسمع منه
نظرت اليها “آيات” بحزن فقالت “أسماء” بمرارة وهى شاردة :
– بس هو بيحب “سمر” .. طبعاً شايفها أحسن منى مليون مرة .. وان هى دى البنت اللى تستحق تكون مراته
نظرت الى “آيات” بأعين دامعة وهى تقول بألم :
– عايزة أمشى من هنا يا “آيات” عايزه أروح أى مكان تانى غير هنا .. بس مليش مكان أروح فيه .. مش عارفه أروح فين
انفجرت “أسماء” فى البكاء مرة أخرى فأحاطتها “آيات” بذراعيها تشاركها عبراتها هى الأخرى وهى تشعر بالألم من أجلها !
**************************
التف “كريم” و “إيمان” حول طاولة الطعام .. بدت “إيمان” شاردة .. نظر اليها “كريم” متأملاً ثم قرب كفه من كفها .. فانتفضت .. وابتسمت بخجل وأبعدت كفها .. أسند مرفقيه على الطاولة وهو يقول بمرح :
– اللى واخد عقلك .. بتفكرى فى ايه
– أبداً .. مشكلة واحدة صحبتى جت على بالى
قال “كريم” بمرح :
– آه قولتيلى .. سرحانه فى واحدة صحبتك وانتى اعده معايا تانى يوم من كتب الكتاب .. لا بداية مبشرة
ابتسمت قالئه :
– أنا آسفة معلش
بادلها ابتسامته اوقال :
– ولا يهمك
أتى النادل بالطعام .. نظرت “إيمان” الى الطعام قائله :
– ايه كل ده .. أنا عاملة دايت أصلاً
ابتسم قائلاً :
– خلاص مش من مرة
قالت بحزم :
– لا من مرة .. المرة دى ممكن تبوظلى تعب اسبوع
نظر اليها قائلاً :
– مش المفروض بيكون يوم فرى كل اسبوع .. خلى النهاردة الفرى بتاعك
ابتمست قائله :
– انت شكلك كده هتبوظلى كل اللى بعمله
ضحك قائلاً :
– لا متقلقيش النهاردة بس .. وبعدين انتى مش محتاجة تنزلى كتير ..
قالت بتوتر ممزوج بالحرج :
– لا محتاجة أنزل كتير .. عشان بس هدومى واسعة فمش باين أنا محتاجة أنزل أد ايه
قال “كريم” وهو يشرع فى تناول طعامه :
– انتى دلوقتى عندك الجيم ومشرفة عليه كمان يعني مش صعب علييك انك تستمرى على الرياضة
قالت “إيمان” بحماس :
– أنا فعلاً من ساعة ما جيت هنا وأنا مستمرة على الرياضة وحتى خسيت عن الأول
ابتسم دون أن يعقب فقالت بتوتر وهى تخشى أن تجرحها اجابته :
– انت مش مضايق عشان أنا مليانه شوية ؟
قال “كريم” بهدوء :
– انا حابب انك تكونى أقل .. وعارف انك تقدرى .. ممكن بس يكون كان كسل منك أو حاجة .. بس عامة حتى لو منزلتيش فأنا مش هتفرق كتير بالنسبة لى .. بس أنا قولتلك اللى أنا حابه أكتر
ابتسمت وقد شعرت بالراحة والحماس :
– ان شاء الله هكون زى ما انت حابب
اقترب منها بوجهه هو ينظر الى عينيها بعمق قائلاً :
– ودى حاجة تفرحنى
ابتسمت بخجل وشرعت فى تناول طعامها هى الأخرى .. نظر اليها بسعادة قائلاً بمرح :
– بس اتطورنا عن امبارح .. يعني الحمد لله فى تقدم
ضحكت بخجل قائله :
– هى أول طلعة بس اللى بتكون صعبة
ضحك هو الأخر قائلاً :
– ماشى
ثم نظر اليها بخبث وغمر بعينه هو يقول :
– عقبال ما نفتح على الرابع
احمرت وجنتاها خجلاً وأشاحت بوجهها .. سمعته يطلق ضحكة رنانه .. أسعدت قلبها وطربت لها أذنيها
عبر “كريم” بسيارته بوابة القرية وأوقفها أمام المبنى الذى يحوى صالة الألعاب والتفت اليها قائلاً :
– اشوك فى اجتماع بالليل ان شاء الله
ابتسمت قائله :
– ان شاء الله
كادت أن تهم بالإنصراف لكنها عدلت عن رأسها ونظرت اليه قائله :
– ممكن أسألك عن حاجة
ابتسم قائلاً وهو يلتفت اليها :
– آه طبعاً اتفضلى
صمت قليلاً تحاول البحث عن كلمات مناسبة لتصوغ عبارتها .. ثم قالت :
– انت ليه اخترتنى أنا بالذات .. وبالسرعة دى .. يعني كل حاجة حصلت فجأة .. وبعدين احنا متكلمناش مع بعض ولا حاجة .. يعني ليه حسيت انك عايز تتقدملى أنا وكمان كتب كتابة مش خطوبة
نظرت اليه تنتظر جواباً لأسئلتها .. التفت بجسده اليها ونظر اليها قائلاً بجدية :
– بصى يا “إيمان” .. أنا شخص عملى شوية .. يعني عندى واحد زائد واحد يساوى اتنين .. كنت بدور على زوجة بمواصفات معينة .. والصفات دى فعلا لقيتها فيكي .. وعشان كده مترددتش لحظة
سألته بصوت خافت :
– ايه هى الصفات دى
ابتسم لها بحنان قائلاً :
– أولا انها تكون انسانه ملتزمة وعارفه ربنا وده لمسته فيكي من لبسك ولما كنتى بتغضى بصرك لما بتشوفيني .. كمان أنا بحب البنت الخجولة الحييه .. وده لمتسه فيكي كل ما بقابلك .. يمكن دى أكتر صفة أنا كنت حابب انى أور عليها وألاقيها فى الانسانه اللى ارتبط بيها .. كمان كنت عايز واحدة باره بأهلها .. وده لمسته من كلام مامتك عنك .. كمان كنت عايزها من بيت طيب .. لان اخواتها دول هيبقوا خيلان ولادى .. وطبعاً اخوكى “على” ما شاء الله عليه راجل محترم جداً .. وكمان مامتك وباباكى ناس طيبين .. كنت عايز واحدة متحطش راسها براسى يعني واحدة أحس بضعفها وبانها أنثى وده لمسته ساعة المشكلة اللى فى الاجتماع الأول لما مشيتيى وسيبتى الاجتماع .. كان ممكن تقفى وتسمعيني كلمتين فى العضم .. بس انتى مشيتي بهدوء.. ولما عرفتى انك فهمتيني غلط وحسيتى بالذنب مكنتيش عارفه تتعاملى معايا ولا عارفه تواجهيني .. وغير ده كله أنا حسيت بإنجذاب نحيتك .. ودى مش هقدر أفسرها لانها حاجه تتحس متتقلش .. حاجه بتحسيها بقلبك وبتلاقيه بيقولك هى دى الإنسانه المناسبة ليك .. وطبعاً أولاً وأخيراً الاستخاره والاستشارة .. وأنا استخرت ربنا .. واستشرت “آيات” وسمعت عنك كل خير
ابتسمت “إيمان” وأومأت برأسها وقد أشعرتها كلماته بالراحة .. أمسك يديها فارتجفت بين أصابعه .. نظرت الى عينيه التى تحتويها وهو يقول :
– انتى بأه وافقتى عليا ليه ؟
ابتسمت بخجل وقالت وهى تنظر الى يدها التى فى يده :
– حسيت انك انسان محترم ومعارف ربنا .. وكمان “على” اتعامل معاك وشكر فى أخلاقك جداً .. وكمان “آيات” شكرت فيك .. واستخرت ربنا ووافقت
نظر اليها متفحصاُ قائلاً بخبث :
– بس كده .. يعني محستيش بأى كيميا خالص
توردت وجنتاها خجلاً وسحبت يدها من يده
فقال بعتاب :
– ماشى وأنا اللى كنت فاكرك .. بس خلاص هعمل ايه حظى كدة
نظرت اليه بأشاح بوجهه عنها .. تمتمت بحزن :
– انت زعلت
لم يجيبها فقالت :
– انا بتكسف على فكرة .. يعنى حتى لو