رواية “جواد بلا فارس”
هبت نسمات الصيف الحارة لتلفح وجه “آيات” الواقفة فى شرفة غرفتها .. توجهت الى الداخل لتهرب من تلك الموجات الساخنه .. نزلت الى الأسفل حيث قابلت فى طريقها دادة “حلمية” التى خرجت للتو من غرفة الطعام لتبتسم فى وجهها قائله :
– كويس هتفطروا مع بعض النهاردة
نظرت اليها “آيات” وعلى شفتيها إبتسامه عذبه .. سعدت بها “حليمة” التى حمدت الله على عودة “آيات” الى وضعها الطبيعي .. دخلت غرفة الطعام وهى تقول بمرح :
– خيانه بتفطر من غيري
قبلت رأس والدها الذى ضحك قائلاً :
– ومن امتى بأه واحنا بنفطر سوا .. أنا راجل بصحى بدرى عشان شغلى وحضرتك بتنامى للضهر
جلست “آيات” بجوار والدها على الطاولة وقالت :
– و أصحى بدرى أعمل ايه .. أنا لا شغله ولا مشغله
تناولت قطعة خبر ثم نظرت الى والدها قائله :
– لسه برده يا بابا رافض شغلى عندك فى الشركة
قال “عبد العزيز” وهو يرشف من فنجانه :
– مش مسأله رافض يا “آيات” .. أنا بس مش عايز أتعبك يا حبيبتى وكمان لما نبقى نطلع الرحلة اللى اتفقنا عليها
قالت “آيات” ضاحكة :
– آه الرحلة اللى بسمع عنها من قبل امتحاناتى ولسه مطلعنهاش لحد دلوقتى
ابتسم “عبد العزيز” قائلاً بأسف :
– أديكي شايفه من ساعة ما رجعنا من العمرة وأنا مطحون فى الشركة .. بس زى ما وعدتك هفضى نفسى فى أقرب وقت ونطلع الرحلة اللى وعدتك بيها
ابتسمت “آيات” قائله بتأثر :
– أحلى رحلة ممكن أفكر انى أطلعها فى يوم من الأيام هى العمرة ..بجد كان شعور مختلف عمرى ما حسيت بيه قبل كده
ثم نظرت الى والدها قائله :
– ياريت يا بابا نطلعها مع بعض كل سنة
قال “عبد العزيز” وهو يربت على يدها :
– ان شاء الله يا “آيات” .. وكمان هنطلع نحج مع بعض السنة دى ان شاء الله
قالت “آيات” بلهفه :
– بجد يا بابا .. متتصورش فرحت أد ايه .. أنا من يوم ما رجعت من هناك وأنا نفسى أروح هناك وأشوف الكعبة تانى
قال “عبد العزيز” وهو ينهض :
– ان شاء الله نروح تانى وتالت وعاشر كمان .. بس سبينى دلوقتى بأه عشان الشغل بيناديني
شيعته “آيات” بنظراتها قائله :
– ربنا معاك يا بابا
أنهت “آيات” فطارها وتوجهت الى غرفة المعيشة تشاهد التلفاز .. رن هاتفها فردت مبتسمه :
– ألو .. أيوة يا “سمر
قالت “سمر” :
– اسمها السلام عليكم يا بنتى
ضحكت “آيات” قائله :
– السلام عليكم يا “سمر”
– وعليكم السلام .. ها هتيجي النهاردة
قالت “آيات” :
– أيوة طبعاً بس له مرجعتش
– يلا قومى راجعى وبطلى كسل
ثم قالت :
– أصلا اللى بتكلمك دى لسه مرجعتش
ضحكت “آيات” قائله :
– طيب قولى لنفسك الأول
قالت “سمر” :
– “أسماء” مش عايزه تيجي معانا برده
قالت “آيات” بحزن :
– “أسماء” مش عايزه تعمل أى حاجة .. من ساعة ما مامتها وباباها انفصلوا وراحت عاشت مع مامتها وهى اتغيرت أوى وبعدت عنى أوى حتى لما بكلمها كتير اوى مبتردش عليا ولما بترد ببقى حسه انها عايزه تنهى المكالمة
قالت “سمر” :
– بس اللى أعرفه انكوا صحاب أوى
قالت “آيات” بحسره :
– أيوة صحاب جداً .. بس هى “أسماء” كده لما حاجة تضايقها تلاقيها بعدت عن الكل وخدت جمب لوحدها حتى مبترضاش تحكى عن مشاكلها .. أنا فوجئت لما عرفت ان مامتها وباباها انفصلوا مع انها ماقالتليش انهم مكانوش متفقين مع بعض وده مزعلنى منها أوى
قالت “سمر” :
– ربنا يفرج كربها
– آمين
ثم قالت “آيات” بعزم :
– بس أنا برده هفضل ألح عليها انها تيجي معايا المسجد حسه ان جو المسجد هيخليها تنسى مشاكلها وتندمج مع المجموعة اللى هناك .. وكمان لما تبتدى تحفظ قرآن أكيد هتحس براحه أكبر وربنا هيزيل همها
ثم قالت :
– أنا نفسى حسيت بكده وحسيت الصحبة الحلوة دى هونت عليا حاجات كتير
قالت “”سمر” :
– خلاص حاولى تقنعيها وانتى وشطارتك بأه .. هستناكى متتأخريش
– ماشى يا “سمر”
هاتفت “آيات” .. “أسماء” التى ردت بهدوء قائله :
– ألو
قالت “آيات” بمرح :
– سمسم ازيك .. وحشانى رغم انك مش معبرانى خالص
قالت “اسماء” بحزن :
– معلش يا “آيات” أنا مش فى المود اليومين دول
قالت “آيات” بعتاب :
– طيب ليه مبتتكلميش معايا يا “أسماء” مش احنا صحاب
تنهدت “أسماء” قائله :
– مفيش حاجة أصلاً عشان أتكلم عنها .. سيبك منى .. انتى أخبارك ايه .. عاملة ايه دلوقتى
قالت “آيات” :
– “أسماء” سيبك منى وقوليلى انتى اللى عامله ايه .. مرتاحه مع مامتك فى بيت جدك ؟
قالت “أسماء” بضيق :
– “آيات” بجد مش حابه أتكلم عن أى حاجه تخصنى أصلا أنا بحاول أهرب من التفكير فى مشاكلى فمش عايزه اتكلم فيها أصلا كلميني عن أى حاجة الا عنى .. بجد يا “آيات” مش حبه أتكلم فى حاجه ملهاش حل .. ما هينوبنى الا انى أتحسر على حالى وخلاص فبلاش منه
قالت “آيات” مشجعة :
– حبيبتى ان شاء الله كل حاجة هتتصلح بس انتى متبقيش محبطه كده
قالت “اسماء” لتغير الموضوع :
– أخبار الأجازة معاكى ايه
ضحكت “آيات” قائله :
– أجازة ايه يا بنتى احنا خلصنا خلاص
ابتسمت “أسماء” بوهن قائله :
– معلش تعود بأه .. تعرفى له مش مصدقة اننا خلصنا دراسة .. كانت أيام تيييييييييييت
ضحكت “آيات” قائله :
– واضح انك بتعزيها أوى
قالت “أسماء” بمتسمه :
– أوى أوى .. أهى غارت
قالت “آيات” :
– بقولك ايه يا “سمسم” ما تيجي معايا المسجد النهاردة .. والله الناس اللى هناك لذاذ أوى وهترتاحى معاهم
قالت “أسماء” بضيق :
– لأ مش حبه أروح فى حته
قالت “آيات” :
– بس يا “أسماء” ……..
قاطعتها “أسماء” قائله :
– “آيات” بجد متضغطيش عليا .. سبينى وأنا شوية كدة وهتلقيني فوقت ورجعت زى الأول .. معلش يا “آيات” بس فعلاً أنا مش فى المود خالص
قالت “آيات” بحزن :
– ربنا يريح قلبك يا “أسماء”
تنهدت “أسماء” قائله :
– آمين
**************************
دخل “زياد” مكتب “آدم” بالقرية السياحية وهو يصيح قائلاً :
– ايه يا “آدم” الطباخ التعبان اللى عينته ده ؟
رفع “آدم” رأسه ونظر اليه قائلاً :
– ماله .. عمل ايه ؟
قال “زياد” وهو يجلس :
– ده كبيره يا “آدم” يفتح كشك على ناصية شارع
قال “آدم” بضيق :
– أنا مليش فى موضوع الطبيخ ده .. قدملى شهاداته والأماكن اللى اشتغل فيها وكلها أماكن كويسة
قال “زياد” :
– وأكيد اطرد منها
قال “آدم” وقد بدا عليه اتعب :
– أنا كان مطلوب منى أعمل انترفيو لكل عامل ولكل مسؤل فى القرية .. فأكيد هتلاقى فى حاجات ممكن تفلت من تحت ايدي وعشان كده وجودك معايا هيفرق كتير
قال “زياد” :
– متقلقش سيب موضوع الطباخ ده عليا
قبل أن ينصرف وقع بصره على البار الصغير فى زاوية المكتب فالتفت الى “آدم” الذى عاد للإنهماك فى عمله وقال :
– انت بتشرب ولا ايه ؟
تابع “آدم” عيناه الواقعه على البار ثم نظر اليه قائلاً :
– لا ده عشان الأجانب والناس اللى بتشرب .. أكيد مش هقدملهم قهوة وشاى
قال ذلك ثم التقط علبة السجائر وأخرج منها سيجاراً وبدأ فى اشعاله .. قال “زياد” بعتاب :
– انت رجعت للسجاير تانى ولا ايه مش كنت بطلت يا ابنى
قال “آدم” بلا مبالاة وهو يعاود النظر الى حاسوبه :
– كبر
هز “زياد” رأسه وغادر المكتب .. رفع “آدم” رأسه لينظر الى البار الذى أمر بوضعه داخل مكتبه .. شعر ببعض الإمتعاض لكنه تجاهل الأمر وقال فى نفسه .. ضروريات عمل .. ثم عاد الى عمله مرة أخرى
**************************
ما كادت “سمر” تتوجه الى باب المستشفى لتغادرها حتى التقت بـ “على” .. نظرت اليه بدهشة ثم انتبهت الى نظراتها فأخفضت بصرها وأكملت طريقها الذى اعترضه “على” قائلاً :
– لو سمحتى يا دكتورة
اضطربت “سمر” بشدة ووقفت وهى تشعر بالتوتر الشديد .. بدا على “على” التوتر مثلها .. قال بحرج :
– أنا بس كنت عايز أقول لحضرتك انى لقيت شغل تانى .. حالياً أنا بشتغل محاسب فى شركة استيراد .. لسه متثبتش فيها بس على أمل انى اتثبت ان شاء الله أنا متفائل
بلغ اضطراب “سمر” درجاته القصوى .. كانت تنظر الى الأرض دون أن يكون لديها الجرأة لتنظر اليه .. فأكمل بإرتباك :
– أنا بس كنت عايز أعرفك انى عندى طموح كبير ونفسى أحققه .. ونفسى أكون أحسن .. يعني أقصد
تلعثم بشدة ثم قال :
– أنا حابب آجى البيت انا ووالدى ووالدتى ويبقى الكلام براحتنا أكتر وأدام والدتك
شعرت “سمر” بالكلمات تهرب منها لا تدرى ما تقول .. وقفت صامته تنظر أرضاً وهى مرتبكة وعاقدة ما بين حاجبيها .. توتر “على” بشدة ثم قال فجأة بعصبية وقد ظن بأنها ترفضه للمرة الثانية :
– أنا آسف .. انسى اللى قلته .. آسف انى ضايقتك
ثم التفت وغادر المكان وهو يشعر بالحنق والضيق .. وقفت “سمر” مكانها تحاول تنظيم ضربات قلبها التى أخذت تتسارع بقوة .. ثم ما لبثت أن نزلت الدرج واستقلت التاكسى الى منزلها وهى تفكر فيما حدث منذ قليل
**************************
كان “عبد العزيز” جالساً فى حديقة الفيلا مع “آيات” يحتسيان الشاى .. قالت “آيات” بحماس :
– عارف يا بابا .. المحفظة بتاعتى قالتلى ان مستوايا اتحسن كتير فى القراءة وقالتلى انى لو ركزت فى التجويد ممكن آخد اجازة فيها
ابتسم “عبد العزيز” بسعادة قائلاً :
– ما شاء الله .. يلا اتجدعنى وخديها وأنا أجبلك أحلى هدية تطلبيها
قالت “آيات” مبتسمه :
– لا أنا لو هخدها يبقى هاخدها عشان ربنا وهستنى هديتى منه هو
قال “عبد العزيز” :
– ربنا يفتح عليكي يا بنتى
نظر “عبد العزيز” الى “آيات” قائلاً :
– انتى ليه معدتيش بتلبسى أى حاجة من الدهب بتاعك ؟
ارتبكت “آيات” وصمتت لا تدرى ما تقول .. أتقول له ابنتك اسذجة يا أبي وأعطت كل ذهبها لهذا الحقير الذى خانها وخدعها واستغلها .. أأقول لك أننى أعطيته كل ذهبي لكى يشترى لى شبكة كبيرة حتى يعلى فى نظرك وتشعر بأنه يقدر ابنتك وتوافق على كتب الكتاب فى موعده .. أم اخبرك بأننى كنت على استعداد أن أعطيه كل مالى ان كنت أملك مالاً بإسمى .. ماذا ستقول عنى إن علمت .. وفى نفس الوقت لا أستطيع أن أخفى عنك ما حدث .. لن أستطيع أن أكذب عليك وأنا أنظر فى عينيك .. فتحت فمها لتخبره بالحقيقة عندما قاطعها صوت هاتفه .. رد “عبد العزيز” على محامي الشركة وما لبث ان امتقع وجهه وقال من فوره وسار بعيداً عن مسامع “آيات” قائلاً :
– انت واثق من اللى بتقوله ده ؟
قال محاميه بحزن :
– أيوة للأسف يا “عبد العزيز” بيه خسرنا كل فلوسنا فى البورصة ومطلوب مننا تسديد مبالغ طائله فى فترة صغيرة جدا
صاح “عبد العزيز” قائلاً :
– لا حول ولا قوة إلا بالله انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيراً منها
ثم قال :
– انت فين دلوقتى ؟
– فى المكتب بشوف حل للمصيبة دى
قال “عبد العزيز” بلهفه :
– استنانى عندك أنا جايلك
توجه “عبد العزيز” حيث تجلس “آيات” وقال وقد بدا عليه التوتر والإضطراب :
– انا رايح المكتب يا “آيات”
غادر دون أن يعطيها فرصة للرد وقفت وصاحت :
– فى حاجة يا بابا
التفت قائلاً :
– لا مفيش .. شغل مستعجل بس
غادر مسرعاً .. شعرت “آيات” باخوف يدب فى أوصالها .. خوف لا تدرى سببه .. استعاذت بالله من الشيطان الرجيم وجلست وهى تحاول أن تطمئن نفسها
**************************
وقفت “أسماء” فى المطبخ تحضر الشاى لنفسها .. كانت ترتدى بيجاما واسعة وقد عقصت شعرها الى الخلف .. وقفت تدندن وهى تصب الماء المغلى فى كوبها .. شعرت فجأة بشخص خلفها فالتفتت ثم انتفضت بعدما رأت “هانى” ابن خالتها الأكبر يقف خلفها .. قالت بفزع :
– خضتنى
ابتسم لها قائلاً :
– بتعملى ايه ؟
قالت بإقتضاب وهى تشعر بالضيق من وقوفه بالقرب منها :
– شاى
وقف بجانيها ينظر اليها وهو يستند بذراعيه الى رخامة المطبخ .. أنهت “أسماء” اعداد الشاى وتوجهت الى غرفتها بعدما التقت نظراتهما للحظه فلم تعجبها طريقته فى النظر اليها ولا تلك الابتسامه الخبيثه على زاوية فمه .. دخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها وجلست فى فراشها تحتسى كوب الشاى الساخن
**************************
كان “آدم” فى تلك الفترة يعمل بهمة ونشاط لتكون القرية بأفضل حال عندما يحين موعد الإفتتاح .. كان يتوتر ويكثر من التدخين كلما اقترب الموعد .. كان يعقد آمالاً كبيرة على نجاح مشروعه السياحى .. وعلى النجاح فى منافسته مع “سراج” و “عاصى” .. ومثلما تمكن “عاصى” من زراعةد جواسيسه داخل قرية “جولد بيتش” تمكن “آدم” أيضاً من زراع جواسيسه داخل قرية “الفيروز” .. ليس ذلك فحسب .. بل تمكن من خلال علاقاته السابقة بالعاملين فى شركة “سراج” بالقاهرة من الحصول على معلومات عنه وعن اعماله أولاً بأول … وهذا ما ساعدته كثيراً بعدما استطاع تجنيد مديرة أعمال “سراج” والتى كانت على علاقة وطيدة بـ “آدم” أثناء عمله مع “سراج” فهو من وفر لها تلك الوظيفة .. وحان وقت رد الجميل .. او كما يسميانه هكذا وهو أبعد ما يكون عن “الجميل” .. كانت مديرة أعمال “سراج” تنقل أخباره الى “آدم” حيث استغل “آدم” تلك الأخبار بعدما علم بوجود مشكلات ثقه بين العملاء وبين قرية لفيروز بسبب بعض الإهمال وسوء الخدمة .. لذلك اهتم جيداً بشكل قريته وبالديكورات الداخلية وبتوفير خدمه من أفضل ما يكون .
أعد “آدم” جيداً للإحتفال الذى سيقام فى ليلة الإفتتاح .. حرص على توفير ألذ أنواع الطعام وأغلى انواع الخمور .. واستخدم فى الخدمة فتيات يرتدين ملابس جريئة .. بدأ الإحتفال بحضور “شكرى” و “ساندى” وتم قص الشريط الأحمر وصفق الجميع فى سعادة .. كان “شكرى” مبهوراً بما استطاع “آدم” انجازه فى القرية فى تلك الفترة البسيطة .. علم جيداً بأنه لم يبخل عليها لا بوقته ولا بجهده .. أعجبت “ساندى” أيضاً بالقرية وازداد تمسكها بالعمل فى القريه مع “آدم” .. بدأت أصوات الموسيقى تسري فى مكان الحفل .. وبدأن الفتيات بخدمة الضيوف .. أشاد الجميع بجمال القرية وبجودة الطعام والشراب .. وأيضاً بروعة ديكورات الغرف وتقسيمها والأماكن المطلة عليها .. كانت الطبيعة حول القرية ساحرة تخطف الألباب .. اتسعت ابتسامة “آدم” وهو يراقب تعبيرات الإعجاب التى كانت فى عيون الحضور وأولهم وأهمهم .. “شكرى” .. تنهد فى راحة وقد شعر بأنه على بداية الطريق الصحيح
أثناء قياده “عاصى” سيارته رن هاتفه فرد قائلاً :
– أيوة يا بابا
– انت فين يا “عاصى” ؟ .. مش عارف ان عندنا عشاء عمل النهاردة
– لأ أنا عندى سهرة أهم
– سهرة ايه دى ؟
– افتتاح قرية “جولدن بيتش”
صمت “سراج” قليلاً ثم قال :
– انت ناوى تروح ؟
قال “عاصى” بتهكم :
– لازم طبعاً أروح الافتتاح .. ودى تيجي لازم نبارك لدكتور آدم
قال “سراج” :
– ماشى يا “عاصى” بس مش عايز مشاكل فى الافتتاح أكيد الصحافة هتبقى هناك .. وابقى اتصل بيا طمنى على الأوضاع هنا
قال “عاصى” :
– متقلقش يا بابا أنا واخد بالى كويس .. سلام
نظر “عاصى” الى الطريق أمامه وهو يفكر فى “آدم” و فى تحديه الذى بدأه .. أخذت الأفكار الشيطانية تلعب برأسه وأخذ يفاضل بينها ليختار الطريقة التى سيعاقب بها “آدم” على قوفه فى وجهه
**************************
جلس “عبد العزيز” يطالع الأوراق مع محاميه وهو يشعر بألم حاد فى قلبه .. كانت المصيبة أكبر من قدرته على التفكير فى ايجاد مخرج .. قال المحامى بأسف :
– أنا مش عارف ازاى ده حصل .. أسهمنا انهارت مرة واحدة فى البرصة والمستثمرين طالبين فلوسهم .. الخسارة كبيرة جداً ورأس المال اللى هيتبقى بعد بيع الأسهم وحتى الأصول والأملاك بالكاد هتغطى الخسارة
قل “عبد العزيز” وهو يفرك عضله صدره بقوة عله يخفف من الألم الحارق فى صدره :
– طيب نستنى شوية منبعش دلوقتى
قال أحد مدراء شركته :
– الأسهم بتخسر يوم عن يوم .. لو استنينا أكتر من كده هنخسر أكتر وأكتر أنا مش شايف حل غير فى البيع بالسعر الحالى
ظهرت علامات الألم على وجه “عبد العزيز” ثم ما لبث أن ضاق نفسه ليطلق صيحة ألم قبل أن يسقط مغشياً عيه
**************************
أخذ “آدم” يحيي ضيوفه ويقدم لهم ما لذ وطاب .. ثم ما لبث أن جلس على احدى الطاولات .. بدأت موسيقى هادئة تدور فى المكان فاقتربت منه “ساندى” تتألق فى فستان سهرتها عارى الكتفين وهى تقول بدلال :
– قوم ارقص معايا يا “آدم”
نظر اليها “آدم” وقد رفع أحدى حاجبيه بدهشة لاستخدامها اسمه بدون لقب فقالت ضاحكة وقد أدركت سبب دهشته :
– احنا بقينا زملاء عمل وصحاب كمان يعني دور الطالبه والدكتور ده خلاص معدش ينفع بينا
ابتسم “آدم” بسخريه ثم ما لبت أن تحولت ابتسامته الساخرة الى ابتسامة مجاملة .. نهض “آدم” معها وتوسطا القاعة وأمسك بيديها وهو يحيطها بذراعه الآخر وشرعا فى الرقص سوياً .. نظرت “ساندى” حولها فالتقت عيناها بعيني فتاة أجنبية .. يبدو أنه لم يرق لها رقص “آدم” مع “ساندى” .. نظرت الى “ساندى” ببرود فبادلتها “ساندى” نظرة تحدى وسخرية .. تركت الفتاة كأسها على الطاولة واقتربت منهما ثم قالت بلهجة مصرية ركيكة :
– دكتور “آدم” مدير القرية ؟
أومأ “آدم” برأسه ايجابا وضعت يديها على ذراعه وقد لعب الخمر برأسها فبدأت فى التحدث بثقل :
– تعالى نرقص سوا
ترك “آدم” “ساندى” لمراقصة تلك السائحة الأجنبية والتى كانت على رأس فوج كبير نزل فى القرية فى تلك الليلة .. كان “آدم” يتحرك معها كالدمية .. جسد بلا روح .. لكنه كان يقول لنفسه أن ذلك من ضروريات العمل .. فلا يجب اغضاب مثل تلك العميلة .. وأن حربه مع “عاصى” اذا أراد حقاً أن يربحها فعليه أن يتمسك بكل فرصة ويستغلها جيداً .. التفت اليها قائلاً بإبتسامته الساحرة :
– عجبتك القرية ؟
قالت وهى ترمقة بنظراتها :
– جداً .. وصحابي كمان .. شكلنا هنطول هنا شوية
قال “آدم” وقد برقت عيناه :
– القرية تحت أمركوا
قالت بخبث :
– وصاحب القرية ؟
نظر اليها “آدم” وقد فهم ما ترمى اليه .. قالت بدلال :
– عايزة أشوف شاليه صاحب القرية .. ممكن ؟
ابتسم لها “آدم” وقبل أن يفتح فمه رآى أمامه الشخص الذى توقع رؤياه والذى انتظره طيلة الحفل .. “عاصى” .. قال للفتاة الأجنبية دون أن يرفع نظره عن “عاصى ” :
– ثوانى ورجعلك
اقترب “آدم” من “عاصى” .. ابتسم “عاصى” بتسخرية بمجرد أن وقعت عيناه على “آدم” وقال :
– أهلاً بدكتور “آدم” .. مفاجأة مش كدة
وقف “آدم” أمامه وهو ينظر اليه بغل وحقد قائلاً :
– لا مش مفاجأة .. أنا عارفك كويس .. عارف كويس ان الكلب لما ترميله عضمة مش هيقدر يقاوم وهيجرى وراها
ظهرت علامات الغضب على وجه “عاصى” وقال :
– احترم نفسك يا “آدم”
قال “آدم” بحده :
– أنا محترم غصب عنك
اقتربت منه الفتاة الأجنبية ولفت ذراعه بذراعيها وهى تقول :
– مش يلا بأه
نظر “عاصى” بسخرية الى الفتاة فقال “آدم” بشماته مشيراً الى احدى الطاولات التى التف حولها مجموعة كبيرة من الأجانب :
– أحب أاقدملك “جيسي” وصحابها .. كانوا من نزلاء قرية الفيروز .. بس بعد ما شافوا قريتنا النهاردة لغوا الحجز فى الفيروز وحجزوا فى جولدن بيتش
شعر “عاصى” بغضب بالغ وهو ينظر الى الفتاة المتعلقة بذراع “آدم” ثم نظر اليه قائلاً:
– مش هتقدر تقف قصادى يا “آدم” .. انسحب أحسنلك
قال “آدم” بتحدى صارخ :
– أعلى ما فى خيلك اركبه يا “عاصى” .. انا أدك انت وأبوك .. وهوقعكوا زى ما وقعتونى
قال “عاصى” صارخاً وهو يدفع “آدم” فى كتفه :
– اجرى العب بعيد يله
لم يتحرك “آدم” بل تحرك حراسه .. ثلاث رجال مفتولى العضلات بمجرد أن رؤا يد “عاصى” وهى تدفع “آدم” أسرعوا بالإحاطة بـ “عاصى” .. نظر اليهم “عاصى” فى توتر فابتسم “آدم” ساخراً وهو يقول :
– أصلى كنت عارف انك جاى فجبتهم يرحبوا بيك
نظر اليه “عاصى” بغبط وقال :
– ليك يوم يا “آدم” كلامنا منتهاش .. هنكمله بعدين
قال “آدم” ضاحكاً :
– فى أى وقت تحبه .. انت تؤمر
رحل “عاصى” وعينا “آدم” تتابعه بإستمتاع .. قالت الفتاة وهى تقترب منه :
– ياه ده انت جامد أوى
ابتسم “آدم” فقالت بلال وهى ترمقه بنظراتها الجريئة :
– مش هتوريني الشاليه بتاعك بأه
توجه “آدم معها خارج الحفل الذى أوشك أن ينتهى .. أوقفه “زياد” وهو يرمق الفتاة شزراً :
– رايح فين يا “آدم” ؟
قال “آدم” بهدوء :
– خلاص الحفلة خلصت .. شوف انت لو حد احتاج حاجه .. سلام
شعر “زياد” بالضيق من رحيل صديقه مع تلك الفتاة التى تكشف من جسدها أكثر مما تستر
**************************
شعرت “أسماء” أثناء نومها بشئ حار يسبح فوق جسدها .. أحكمت وضع الغطاء عليها .. وغطت فى النوم مرة أخرى .. أفاقت وهى تشعر بضغط على أجزاء متفرقة من جسدها .. فتحت عينيها لترتطم بوجه “هانى” .. هبت جالسه فى فراشها وهى تقول بفزع :
– انت بتعمل ايه فى أوضتى ؟
أشار “هانى” بإصبعه الى فمه قائلاً :
– ششششش وطى صوتك
أمسكت “أسماء” الغطاء الذى كشفه عنها وغطت به جسدها حتى ذقنها وقالت وهى تنظر اليه برعب :
– اطلع بره بدل ما أصرخ وأفضحك
قال “هانى” بسخرية :
– مش هتقدرى
قالت بتحدى وقد شعرت بأن حركتها قد شلت من الرعب :
– لأ أقدر
فجأة انطلقت تغادر الفراش وتنطلق فى اتجاه الباب فتحته وتوجهت الى غرفة خالتها تطرق الباب بعنف .. أسرع “هانى” بالخروج من غرفتها والتوجه الى غرفته والنوم على فراشه متظاهراً بالنوم .. فتحت خالت “أسماء” الباب وهى تقول :
– ايه فى ايه حد خبط على حد كده
قالت “أسماء” باكية :
– “هانى” كان فى أوضتى يا خالتو
قالت خالتها بإستنكار :
– “هانى” ابنى
استيقظ الجميع على تلك الأصوات المرتفعه اقتربت منها أمها قائله :
– ايه فى ايه يا “أسماء”
قالت “أسماء” باكية وهى تنظر الى أمها وخالتها :
– “هانى” كان فى أوضتى لقيته واقف جمب السرير وشال الغطا من عليا وقالى اسكتى ومتتكلميش
صاحت خالتها قائله بغضب :
– ابنى متربي يا “أسماء” ايه اللى انتى بتقوليه ده
خرج “هانى” من غرفته وهو يتظاهر بالنعاس وقال :
– ايه فى ايه ايه الدوشة دى
قالت أم “أسماء” :
– انت كنت نايم
قال وهو يفرك عيناه :
– أيوة صحيت على صوتكوا
قالت “أسماء” باكية :
– كذاب ده له طالع من أوضتى دلوقتى
أمسكتها خالتها من ذراعها قائله :
– انت بنت مش متربية وقليلة الأدب وكمان بتتبلى على ابنى .. أفهم ايه من التمثيلية اللى انتى عملاها دى .. بترسمى على الواد يعني ولا ايه
انفجرت “أسماء” فى بكاء حار وهى تمتم :
– والله العظيم كان فى أوضتى
جذبتها أمها من ذراعها بعدما اعتذرت الى أختها وقالت لأسمها بصرامة :
– اعتذرى لخالتك
نظرت “أسماء” الى خالتها وقالت :
– آسفة يا خالتو .. بس والله …….
جذبتها أمها قبل أن تنهى كلامها وتوجهت الى غرفتها وأغلقت الباب ثم قالت بقسوة :
– انت ايه معندكيش احساس .. بقولك مش عايزه مشاكل وانتى راحه فاضحة نفسك فى نص الليل وتقولى الواد دخل أوضتك
قالت “أسماء” :
– يا ماما …….
قالت أمها بعنف :
– اخرسى .. ومش عايزه أسمع أى كلمة فى الموضوع ده .. ولو عملتى مشكلة تانى يا “اسماء” يبقى ترجعى بيت أبوكى أحسن وتعدى مع المحروسة بتاعته
قالت ذلك ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها .. جلست “أسماء” خلف الباب وهى تدفن وجهها بين قدميها وتبكى وشعور بالقهر والظلم يغمرها
**************************
دخلت “آيات” الى المستشفى بصحبة دادة “حليمة” وهى تهرول وتسأل كل من تقابله بأعين دامعه :
– بابا فين .. “عبد العزيز حسان اليمانى”
أشارت لها احدى الممرضات أن تتوجه الى مكتب الاستقبال ففعلت وقالت بصوت باكى :
– لو سمحتوا بابا جراله ايه قولولى بابا جراله ايه اسمع “عبد العزيز حسان اليمانى”
قال لها الرجل :
– الاستاذ “عبد العزيز” فى العناية المركزة بالدور الرابع
هرولت “آيات” وهى تضع يدها على قلبها وتتمتم :
– يارب يارب
طمأنتها “حليمة” قائله :
– متقلقيش يا بنتى ان شاء الله خير
رات محامى والدها واقفاً فى الممر فجرت ليه قائله بلهفه :
– بابا فين يا عمو ؟
قال لها المحامى بأسى :
– فى العناية المركزة يا ابنتى
انفجرت باكية وهى تقول :
– ايه اللى حصل .. ايه اللى حصله ؟
قال المحامى وهو يتنهد بحسره :
– جاله خبر خسارة كبيرة اتعرضلها بعدها جتله أزمة وجبته على هنا على طول والدكاتره دخلوه العناية المركزة
انهارت باكية على أحد المقاعد وهى تقول بصدق :
– مش مهم أى حاجه المهم انه يبقى كويس .. أى خساره ممكن تتعوض لكن هو لأ .. مش ممكن اعوضه أبداً
ثم قالت من أعماق قلبها :
– يارب اشفيه يارب .. يارب احفظه يارب
**************************
تجولت الفتاة فى الشاليه وهى تنظر اليه بإعجاب .. فقال لها “آدم” مبتسماً :
– عجبك ؟
قالت وهى تتأمل “آدم” بإعجاب :
– جميل جداً .. وانت كمان جميل جداً
ابتسم “آدم” مجاملاً ثم نظرت اليه قائله بمرح :
– عندك درينك ؟
قال “آدم” وهو يهز رأسه نفياً :
– لا للأسف مش عندى غير شاى ليكي فى الشاى
ابتسمت وهى تقترب منه بدلال قائله :
– لا خلاص مش مهم
أحاطته بذراعيها والتقت نظرات عيونها الجريئة بعيونه التى تتلاطم نظراتها كتلاطم الأمواج فى بحر هائج مظلم حائر لا تدرى كل موجه فى أى وجهة تذهب فترتطم فى طريقها بموجة أخرى لتمتزج معها وتختفى بداخلها وهكذا حتى تصل الى الشط بهدوء وقد سكنت ثائرتها واطمئنت ذراتها بوصولها أخيراً الى بر الأمان .. لكن عيناه بحثت عن الشط فلم تجده !