العميل 101.. أحفاد الثعلب 2
الحلقة الحادية عشر
اشتد الفهد من سرعته الجنونية للحاق بتلك الشرسة، الذي أيقن من افعالها الشيطانية المستحدثة بأنها من نسل ذاك المرتضى حقا ..
حرص على وجودها في مرمى بصره وعدم افلاتها رغم احترافية قيادتها ورغبتها البحتة في الهروب .. فكلما ابتلع المسافة بينهما كلما خلقت بُعد يفوق ما تلاشى بكثير .. ومع ذلك بذل مجهوده بحرفية تامة لنيل فريسته كما انتوى ..
وها قد بدأ بتنفيذ ما سعى إليه عند ظهور سيارة أخرى أمامها وانشغالها بتفاديها، فانحرف بدراجته في غفلة منها للطريق الجبلي الموازي مع طريقهما والذي يظلله الكثير من الأشجار بجذوعها المتشعبة ..
عقب تخطيها لتلك المركبة راحت تجود بنظراتها المشتتة بين الطريق أمامها ومرآة السيارة الكاشفة لحركة السير خلفها فبغتت بخلو الطريق من مطاردته ..
ظلت ترسل نظراتها بتمعن شديد بالمرآة وعلى الجانبين والاضطراب يتحكم بحركات جسدها خشية اختباءه دون أن تراه .. إلا أنها تأكدت بالفعل من انسحابه من مارثون السباق وانفرادها وحدها بالطريق المؤدي لازدحام العاصمة ..
شبح ابتسامة انتشاء تملك من شفتيها عندما لمحت نصرها يطوف في الأفق، فعلى ما يبدو أن صموده الذي كان يحاول بثه إليها في مرات تجمعاتهما تبخر كما تتبخر مياه المحيطات منذ نشأت الأرض، علّت ضحكاتها بتناغم مؤكدة بأن حتى المحيطات تظل صامدة وتحتفظ بالمياه داخلها رغم ذلك .. تراخى جسدها ارتياحا بعد دقائق تشدده، وتناغم صوتها مدندنا من أجل الاحتفال بنصرها الثمين الذي انتزعته من فم الأسد، إلا ألا أن طقوس نصرها بتر في المهد حين تراخت إنفراج شفتيها من هول ما ابصرته، دراجة بخارية تخرج محلقه في الهواء من بين الأشجار المتراصة بالطريق الجبلي، المرتفع عددة امتار عن الطريق الرئيسي المتواجدة عليه حتى استقرت في ثواني معدودة تعترض الطريق أمامها على بعد ليس بالمديد !
على أثر ما رصدته بعينيها المنصدمة من فعل جنوني فاق جنونها بكثير ضغطت بقدمها على مكابح سيارتها بكل قوتها لتوقفها عنوة قبل اصطدامها به .. حتى نتج عن فعلها المباغت أحتكاك اطاراتها الأربعة بعنف بالطريق فكادت تؤدي إلى نهاية خدمتهم أجمعين ..
وها قد تحقق مرادها عندما توقفت السيارة بصرير مخيف على بعد قليل جدا من تلك الدراجة .. ليتوقف الزمن بكل شئ حولهما .. كل شئ كأنهما بات داخل لقطة فوتوغرافية لا يهمس سكناها ببنت شفة !
هي بنظراتها المتنمرة ويديها القابضتين بتحفز على المقود ما أن رأته صاحب ذلك الهجوم ..
وهو الواقف يكاد عروق وجهه تنبثق من شدة إحتقانه، وقبضة يده المتكورة لاشباع غرائزها الهجومية ..
انتهت اللقطة بترجله عن الدراجة والتوجه إليها بسرعة البرق بوجه لا يوحي بالخير، ظل محتفظا به حتى فتح الباب المجاور لها بضيق ثم قبض بعنف مخيف على ساعدها ليجبرها عنوة على ترك مقعدها والوقوف أمام لهيب عينيه المتأجج بعدما دفعها بقوة للخلف نتج عنه ارتطام ظهرها بألم في هيكل السيارة..
عقب فعله لم تلتزم الطاعة كليا كعادتها معه، حيث حررت ذراعها من قبضته بعنف مماثل وهي ترمي بجمرات كلماتها في وجهه دفعة واحدة دون إدراك عواقبه:
– قولتك مليون مرة متلمسنيش .. ولا أنت مبتفهمش والنخوة معدومة في دمك من يوم ما اتولدت واتربيت على انك متفرقش في العنف بين راجل وست قدامك!
وحقا كانت كلماتها كالسوط الذي جلد كيانه الرجولي، جعلته لم يدرك في حالته المغيبة بأنه أقترب منها بشدة حتى التصق ظهرها وكاد ينصهر بمعدن السيارة من وراءها، تبحث بعينيها الزائغتان عن طريق للفرار بجسدها المنتفض من نظراته المصوبة إليها كزخيرة حية وكلماته الضاغط على حروفها بشدة من بين جز اسنانه :
– مش محتاج أقولك أنك الست الوحيدة اللي تعرضت لده مني .. عرفه ليه ؟! .. لأن شكلك ناسيه أن رد فعلي كان بناءً على فعلك الشيطاني .. والأكيد اللي اقدر أوعدك بيه دلوقت أن كل لما تعملي اللي بتعمليه ده وتمشي بدماغك وتسلطي لسانك مش هستبعد عنفي ده نهائيا حتى لو كان اللي قدامي بنت مش راجل ..
ثم دنى بوجهه يلفح وجهها بلهيب انفاسه متهكما:
– مع أني شاكك بصراحة ..
اعترى داخلها قبل ملامحها ضيق وغيظ من حديثه الفج، لهذا راحت بإباء تغتاله باستفزاز مماثل وهي تضغط بقوة على كلماتها الأولى :
– قصدك أن أنا الست الوحيدة اللي قدرت تثبتلك أنك قد أيه غبي وسهل الهروب منك زيك زي اللي قبلك بالظبط !
ثم اقتربت بوجهها منه مثلما فعل تضيف بحنق للثأر منه:
– يعني معندكش جديد .. وسهل يتعلم عليك !
ابتسم متهكما يجيبها وهو يقحم عينيه السوداء في زرقة عينيها بتحدي:
– في مثل مصري معرفش هتعرفيه ولا بلاد الخواجات أثرت على عروبتك .. بيقول الشاطر اللي يضحك في الاخر .. وأظن وأنتي بين أديا دلوقت بثبتلك مين الغبي اللي فينا ..
ثم عقب نفاذ صبره من تلك المهزلة التي وقع بها على يديها لم يهملها فرصة للرد، حين قبض على ساعدها مرة أخرى بأكثر تملك قائلا باستهزاء وهو يتوجه بها تجاه الجهة الأخرى للمقعد المجاور لمقعد السائق ..
– ده هيكون مكانك من هنا ورايح يا ذكية هانم ومعادش في سواقه طول ما أنا موجود نهائيا ..
حدجته بحقد عند جلوسها المرغم قائلة :
– أحب أقولك أن ولدتي طول ماهي عايشه بيا هنا ربتني بعروبتي ومتخلتش عنها أبدا وبنفس المثل اللي قلته دلوقت هرد عليك بيه وأقولك لسه الأخر مجاش لأن من وجة نظري اللعب لسه مبدأش يا ياسين باشا !
حرك رأسه يأسا من عنادها الراسخ .. بعدما زفر بضجر وهو يقفل باب السيارة بقوة كادت تهدم هيكلها لختم ذلك النقاش المستفز .. ثم راح يبعد تلك الدراجة من طريقهما بعد أن مسح براحة يمناه لؤلؤة خاتمة الفضي المزين لبنصرة الأيسر ..
أعتلى مقعد القيادة بجوارها ثم تحرك في طريقهما يلتزم كل منهما الصمت التام لتعتلى صخب أرواحهما المحتقنة غيظا كلا من الأخر راية الأجواء حولهما …
أحتلا معا مقعدهما داخل درجة رجال الأعمال في أحدى الطائرات المحلية المتجهة لمدينة الاسكندرية والتي هبطت بهما في مطار برج العرب حيث ينتظرهما أحدى السيارات المستأجرة مقدما عبر الانترنت من شركة نقل داخلية ..
- جدو “شاكر” وكمان “علي” أبن عمي ! .. أية المفاجأة الجميلة دي !
رددتها “ندى” بمشاعر جياشة تضافرت بالدهشة والحبور ما أن أبصرتهما بباب مسكنها .. فطالع العجوز زوجها “حسين” القادم من خلفها قائلا بتعجب:
– أيه يا “حسين” يا بني هو أنت مقلتلهاش أننا جايين في الطريق ولا أية !
بابتسامة هادئة اجابه وهو يصافحهما ويدعوهما للدخول بترحاب :
– ملحقتش والله يا عمي يدوب لسه داخل قدمكم من الشغل وكنت لسه بقولها لقيت جرس الباب بيسبقني ..
رمقته بنظرة جانبية وهي تردد بتذمر :
– شوفت يا جدو “شاكر” الشغل مأثر عليه قد أيه .. بينسى حتى يعرفني بزيارة أهلي ..
ما أن استكانت اجسادهم جميعا في مقاعد الاستقبال الفاخرة حتى هتف العجوز ضاحكا :
– معلش يا “ندى” يا بنتي هو ملوش ذنب فعلا الغلطة دي مني أنا مش منه .. بس أعمل أيه أتفاجأت بـ”على” عاوز مرة واحدة يجلكم بسرعة شديدة عشان عنده مقابلة عمل مهمة جدا بعد يومين .. محستش بنفسي الا وأنا بحجز مستعجل وبنركب وجايين على هنا ومتذكرتش ابلغ جوزك الا لما وصلنا مطار اسكندرية ..
على مضض صدح “حسين” :
– قولها يا عمي دايما ظلماني ..
ثم طالع “علي” مبتسما :
– وبعدين أنت وعلي تشرفونا في اي وقت ..
فتذكر ضلالة اللغة العربية لديه فهتف بلغته قائلا:
– مرحبا علي لقد اشتقت لمقابلتك كثيرا من حديث “ندى” منذ أن أتت من زيارة العائلة .. فحقا تشبة الجد رحمة الله عليه كثيرا !!
تبسم محياه يبادله الترحاب :
– مرحبا “آوسين” وأنا مثلك تمام وممتن لاستقبالك الكريم ..
- حقك علينا .. فجميعنا أهل وأنت بمثابة شقيق زوجتي ..
- شكرا لك ..
رددها “علي” بامتنان ثم باشتياق استطرد مستفسرا :
– أين الصغيرة ؟!
اجابته “ندى” وهي تستقيم من جلستها واقفة :
– نائمة بعد عذاب .. سأجلب الأن بعض الحلوى ومن ثم نتناول الطعام جميعا .. ستكون حينها قد أكملت نومها وفاقت لتلهو معك، فاستعد حينها لتلقي شقاوتها أيها الفارس الشجاع ..
ارتفعت اصوات ضحكاتهم على نبرتها المرحة وهم يبصرون ابتعادها تراخت شيئًا فشيء مع نبرة “علي” الهادئة :
– ” آوسين ” ..
طالعه حسين بترقب :
– اسمعك “علي” ..
حدجه بنظرة قوية ثم هتف بهدوء :
– أريدك للعمل معي في القاهرة !
————————–
عقب ولوج السيارة بمحيط القصر انفرجت اسارير الصغيرة فرحا بعدما علمت من هي صاحبتها، شاكست مربيتها وفرت هاربة من حيز سلطتها وهي تهلل لاستقبالها بحبورٍ شديد :
– ميام جت .. ميام جت ..
والتي استجابت لها ما أن توقفت السيارة بذراعين منفرجتين، وكأن برؤيتها نسيت ما يعكر صفوها :
– حبيبة ميام اللي اشتاقت ليها طول الوقت ده كله ..
كادت الطفلة تواصل العناق الحميمي الذي سعت إليه ولكن ما أن أبصرت “عمر” يترجل هو الأخر من السيارة حتى تلاشت ابتسامتها وراحت تتوارى خلفها بريبة وتوجس من ذلك القوي الذي تخشى بطشه وصوته وكل ما به !
بنظراتٍ مشتتة بينهما لاحظت “مرام” فعلها فالتقطها بين ساعديها مرة آخرى تبث داخلها الاطمئنان والأمان قائلة وهي ترمي بكلماتها بغيظ:
– حتى انتي كمان .. فعلا القلوب عند بعضها ..
ثم استأنفت وهي تربت على ظهرها بحنو:
– متخفيش يا حبيبتي طول ما أنا جمبك وتعالي ندخل جو بعيد عن هنا ..
الا أنها بغتت بمربية الطفلة الخاصة تقطع الطريق عليها قائلة برجاء :
– ارجوكِ سيدتي اخبري الصغيرة باطاعتي والدخول برفقتي قبل أن تأتي السيدة “راشيل” فتبصر ما يضيقها ومن ثم تقطع رزقي ورزق اولادي بالطرد ..
اكتسى الحزن وجهها رافقته بتنهيدة عميقة جاهدت من خلالها أن تقوى لتلبية رغبتها وهي تطالع ” أديل” بابتسامة باهتة :
– “مريم” مين البنوته اللي بتحب “مرام” وبتسمع كلامها دايما ..
طال عنق الصغيرة مجيبه بتفاخر :
– أنا ..
اشبعتها “مرام” بابتسامة حانية ثم راحت ترمي حديثها عليها بلين :
– يعني هتدخلي دلوقت تتغدي وتسمعي كلام “مادلين” وتقعدي معها لغاية لما مامي تيجي تطمئن على الوضع وتنام .. وبعدها تبقي تجيلي باليل من غير ما حد يحس نسهر ونلعب مع بعض زي كل يوم ..
عقدت ذراعيها بتذمر وهي تردد بضيق :
– ميام ..
رغم استبعاد القسوة بينهما إلا أن “مرام” استعانت بها في معالمها لحسم الأمر وهي تردد بحزم :
– أديل ..
ما أن سمعت بذلك الاسم منها حتى علمت بنفاذ صبرها، فاسرعت تردد باستعطاف وهي تؤكد على الاسم المحبب إليها :
– خلاث “ميم” هتسمع الكيام ..
انفرجت اسارير “مرام” وهي تلثم خدها بقبلة مطولة :
– جيروناتا “جميل بالأيطالية ” .. أحلى مريومة في الدنيا مريومتي أنا..
تابع “عمر” بصمت مغادرتهم أجمعين من أمامه للداخل كما كان يراقب ما حدث بصمت مماثل والتعجب ينهشه عن قوة تلك الصغيرة ومدى تأثيرها بالحزن أو السعادة في حياة تلك الشرسة ..
في بؤرة ذهوله سمع صوت المربية من خلفه يكلله الحزن:
– مامتها مبتحبش تشوفها معنا انا ومرام نهائيا رغم حبنا وحنانا ليها اللي يفوق بكتير حبها هي كأم لبنتها ..
ثم على ذات وضعه انصت مرة أخرى لتنهيدتها العميقة واسترسالها :
– ومع ذلك “مرام” قصدت باستسلامها ده إن تحفظ البنت ومربيتها من شرها .. فخلي بالك يا بني كويس قوي وصحصح لها أنت كمان .. أصلها شيطانة في صورة إنسان !!
حينها التفت يحدجها بحدة ليتأكد مما سمع فتفاجأ بمغادرتها فور إنهاء حديثها، فأيقن بفطنته المعهودة أن العجوز باتت تعلم شيء عن رغبة الشقراء الوضيعة به، وجاءت تحذره بعاطفتها الأمومية المتدفقة من نبرتها الحانية!
————————–
كلما تذكرت واقعها بأنها دخلت حيز المهلة المعطاءة إليها ككل الفتايات، تُحمر خجلا ويرفرف فؤادها بهجة وتكاد تعلن موافقتها للعالم أجمع بأنها تقبل بكامل قواها العقلية “علي جلال علي البنا” زوجا لها دون تفكير ..
ولكن في ذروة سعادتها ارتخت عينيها بانكسار وهي تعاتب نفسها على اعلان رغبتها دون استخارة رب الخلق أجمعين، فاحتمال ما تحسبه خيرا، الله يبصره شرا مبينا !
“فدائما النفس تهوى كل شيء تراهُ كاملاً .. وتبغض كل بديلٍ يراه الله لها مكّمِلاً .. ”
لهذا فزعت منتصبة تستخير العليم في ركعتين متواصلتين تختمهما بدعاء الاستخارة، راجية الله عقبهما بأن ينير بصيرتها ويضئ دربها ..
————————–
- أنتي بتقولي أيه يا “ندى” .. “علي” مين اللي جه عندكم في اسكندرية ؟!
رددتها “رقية” بإندهاش ظنا منها أن ابنتها مخطئة في حديثها الذي تفوهت به عبر الهاتف .. فجاءها رد الأخيرة مؤكدة :
– يا ماما بقولك والله “علي” ابن عمي جلال بشحمه ولحمه هو اللي جه عندي في شقتي مع جدو “شاكر” وقضوا اليوم كله معنا ومع جوجو و”حسين” وكان يوم جميل جدا جدا بالنسبالي ..
ثم واصلت حديثها بشرود :
– أخيرا حسيت أن ليا عزوة وعارفين طريق بيتي قدام جوزي ..
بحنان جارف بادلتها “رقية” هاتفه:
– حبيبتي يا بنتي والله بعدك ده على عيني وإن كان عليا عاوزه كل يوم أبقى عندك أو تيجيلي أنتي بس قدر الله ..
همسا اجابتها برضا:
– الحمد لله يا ماما على كل حال ده نصيبي ..
- إن شاء الله فرج ربنا أكبر وهيحلها من عنده ..
رددتها “رقية” بيقين ثم استرسلت متسائلة : - متعرفيش هما كانوا جايين ليه .. والأهم لسه عندك ولا روحوا !
أجابتها بغيظ :
– لا ياماما للأسف شكله مشدد على “حسين” ميطلعش كلمه برة .. وكمان في أخر اليوم “علي” أصر أنهم يروحوا الفندق يباتوا فيه ..
تعجبت “رقية” متمتمه :
– ليه هما ناوين يقعدوا كمان لبكره في اسكندرية ..
- الظاهر يا ماما كده لأن سمعت “علي” بالصدفة وأنا بلم السفرة بيقول لـ”حسين” أنه وراه هنا مشوار مهم بكره ..
مع ازدياد تعجبها الداخلي اختتمت معها الأتصال بالاطمئنان علي أحوالها الشخصية ومحادثة الصغيرة المحببة ..
فجاءها صوت ” رضوى” الجالسة بصحبتها عقب انتهاء المحادثة يتساءل بقلق :
– في أيه يا ماما .. اللي سمعته وفهمته من المكالمة ده صح ..
طالعتها “رقية” بمعالمها المبهمة مؤكدة:
– أيوة يا “رضوى” تصدقي “علي” راح زار اختك زي ما وعدها قدامي .. يعني فعلا مهتم بيكم وراجع أخ وسند وعزوة ليكم يا بناتي .. يعني “علي” ابن جلال الله يرحمه مش وحش ولا قاسي زي ما خدت عنه فكرة زمان وبيحاول يطلع ذرة خير جلال الله يرحمه اللي جواه ..
ثم بسطت راحتيها تجاه السماء هاتفة :
– الحمدلله على عوضك يا رب ..
بابتسامة حانية همست “رضوى”:
– فعلا يا ماما مش وحش ابدا يمكن تربيته واختيار عمي لأم يهودية لأولاده اللي كانوا غلط وطغوا عليه في البداية .. لأن من الكام مرة اللي قعدتهم معاه استغربت جدا التناقض ما بين ما جدو وهو عايش وافعاله معانا دلوقت وهل لـ “هنا” أختى يد في كده ولا لا .. بجد يا ماما حسيته متفتح .. مثقف .. كبريائه في السما .. رزين .. حنين .. والأهم بيراعي صلاته جدا وكمان بيراعي المعروف زينا لما لقيته شكرني تاني على اللي عملته يوم ما اتجرح هناك .. واللي فرحني اكتر أنه بدأ يسئل عن “أحمد” زوجي وحياتي معاه وحسيت الفرحة في عينيه لما عرف أن ساكنه بالقرب منكم وإن كل يوم لما بفضى من المستشفى بزوركم ..
ثم بسعادة راحت تكمل حالمة :
– فعلا حسيته زي جدو الله يرحمه واداني لحظتها احساس جميل عمري ما هقدر انساه طول حياتي .. لأن اتضح ليا فعلا وأنا بعمري ده محتاجه لسه للحنان وللإيد اللي تطبطب عليا وبشدة ..
ظل يطوقه بسهام نظراته وعلامات الاستفهام تسيطر على صفحته يرافقها الكثير من الفضول !
شاب كستنائي الشعر، نبتة عيناه الخضراء من تربة أوروبية باحتة، وما أكد شعوره هو لغة حديثه الأنجليزية، جسد رياضي متين، يحتل المقعد أمامه وكله ثقة بذاته، يجهل بأي صلة يجالسه الأن داخل مكتبه !
تنحنح “أمير” متحشرجا من شروده قائلا بعفوية:
– عذرا .. هل بيننا سابق معرفة ؟!
حينها تحرر “علي” من صمته قائلا بحكمة أثارته:
– ليس بالضرورة كل شخص تعرفه تنفعه .. وكل شخص تنفعه تعرفه !
بملامح مشدوهة ردد “أمير” بعدم استيعاب :
– عفوا .. كل ما فهمته الأن بأن هناك منفعة بيننا .. ولكن ما هي لا أعلم .. أو من أنت أيضا لا أعلم !
مط “علي” شفتيه متعجبا:
– لقد عرفتك بنفسي في بداية لقاءنا ! .. ومع ذلك سأعرفك بنفسي بطريقة أخرى أنا “علي البنا” شقيق زوجة “حسين” صديقك والموظف لديك هنا في شركتك !
على ذكر اسم صديقه صاح متذكرا :
– ها “حسين” .. !
ثم أضاف مهتما :
– مرحبا بجميع أقاربه .. ماذا استطيع أن أقدم لك سيد “علي” !
إجابه بنظرة ثاقبة :
– أحتاجه!
هتف “أمير” مندهشا :
– ماذا ؟!
اعاد عليه رغبته بأكثر وضوحا :
– عرضت على “حسين” العمل معي في القاهرة .. ولكن إجابته كانت بأنه لن يستطيع تركك مطلقا لأنك قبل أن تكون رئيسا لعمله فأنت صديقا لروحه ولك كثيرا من الفضل عليه ..
أومأ “أمير” برأسه مؤيدا على جملته :
– وهو أيضا كذلك بالنسبة لي .. ولن استطيع الاستغناء عنه مطلقا !
تخلى “علي” عن جلسته المهيبة وراح يتطلع إليه بنظرة متمعنة وهو يردد بدهاء :
– علمت مسبقا بأن تخصص شركتك استخراج البترول .. فما رأيك باستكشاف يريحك من الجهد الالي والبشري والحفر لمدة شهور ..
ثم اعتدل في جلسته وهو يتابع بنبرة أكثر خبثا :
– أي بمعنى أوضح .. انه سيضمن لك منذ البداية وجود بترول من عدمه داخل باطن المكان الذي ستحدده دون حفر ..
اتسعت عيناهُ بملامح مشدوهة وهو يردد بتتابع :
– مستحيل ! .. مستحيل !
على آثار كلمة “أمير” المتلاحقة أبتسم “علي” بإباءة وهو يرمي بثقة ما لديه :
– سأعرفك بنفسي مرة ثالثة سيد “أمير” أنا “علي جلال البنا” أبن العالم الفيزيائي الشهير “جلال البنا” الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء في استكشاف المجهر الالكتروني والذي طوره حتى وصل لذلك الاكتشاف الذي احدثك عنه .. ولرغبتي في وجود “حسين” داخل القاهرة ما كنت سأعلن عنه لك إلا عندما تتفاجأ بوجوده في الأسواق مثلك مثل أي مستفيد بسعر إيجار لن يستطيع أحد أن يملكه يوما ما !
تملكه الذهول ثم راح يردد ببراءة :
– كل ذلك من أجل حضور “حسين” .. لماذا ؟!
تبرّم “علي” بضجر متمتمًا :
– قل أمر عائلي لا يعنيك بشئ .. لم أسمع إجابتك !
بنظرة مفرغة حادث “أمير” نفسه بصوت مسموع:
– “حسين” سيأخذها بأنني قايضته بذاك الأختراع .. وهذا ما لا ارغب به مطلقا فهو صديقي الوحيد وساخسره حتما !
تنهد “علي” بضيق، ثم صمت شاردا لبضع ثواني قائلا عقبها :
– وأنا لن أضعك في ذلك الموقف مع رفيقك .. ولهذا فلنقل خير الأمور الوسط .. شراكة بيننا مقر شركتها القاهرة ويديرها “حسين” قائمة على أنني سأكلفكم بمسئولية ادارة الجهاز مناصفة مع الدولة لتنفيذ جميع أعمالها و أعمالك و أعمال جميع العملاء الدوليون .. ومن ثم ستعود المنفعة العامة والمادية علينا جميعا .. ما رأيك !
————————–
في منتصف الليل بعد أن استكان سكناي تلك البناية الشامخة في ثباتهم اليومي، ولج “عمر” للداخل أمام الحراسة الخارجية بحجته المعتادة لتأمين مخارجه ككل ليلة، ينتوي في نفسه بضرورة التسلل في هذه الليلة لغرفة المكتب والبحث عن ضالته داخلها !
شرع يضلل كاميرات الطابق الأول كعادته وهو يدخل غرفة وراء أخرى للاطمئنان المزيف على نوافذها و لكنه بغت في أخر محطاته قبل أن يصل لغرفته المنشودة أثناء التفاته للخروج من أحد الغرف بأحتلال الشقراء لباباها بملابسها المتحررة وهي تجود عليه بسهام نظراتها الفاجرة .. وكأنها كانت تراقبه وتعلم بتوقيت وجوده اليومي داخل القصر !
وهلة حتى تخطى تفاجئه بثبات شديد وهو يتابع خطاه للخارج، إلا أنه بغت مرة أخرى بها تدلف للداخل وتقفل الباب خلفها ..
ازدرد ريقه ببطء وهو يراقب تقدمها إليه بحذر، فتجاهلها وراح من جوارها يكمل طريقه ولكن أعاقت فعله براحة يدها وهي تقبض على ساعده بقوة تعاكس دلال حركاتها وشهوانية عينيها وهي تهمس باغراء :
– على فين ؟!
التفت يطالعها بنظره تعجب ودهشة !
فشاهدها تقترب وبشدة من حيزه ويديها عاثت في صدره فساد هامسة :
– لو قلقان .. فأحب أطمنك أن “مرتضى” نايم من بدري وكمان مش هيقوم دلوقت خالص بفعل المنوم اللي أديته ليه ..
حدجها بحدة وهي تتابع حديثها بغنج :
– وكمان باقي البيت كله نايم ومحدش بينزل دلوقت تحت .. فخلينا نستمتع بالدقايق دي ونروي شوقنا لبعض !
استمرت بهمسها الشهواني جاهلة إنصات أحدهم لحديثها من خلف الباب يكاد الجنون حليفه بعينين تتسع .. وتتسع من هول ما سمعته الأذن !!
————————–