العميل 101.. أحفاد الثعلب 2

الحلقة الرابعة ..

ما أن نال بحنكته المعهودة ما يحتاجه من حديثهم، حتى احنى جذعه العلوي بأنفاسٍ لاهثة ناويا الاكتفاء .. محفزا ذاته باستكمال سعيها بحكمة ورشد لوقف مخططهم الإبليسي بشتى السبل من أجل حقن ضحايا بلاده .. تلك الأرواح البريئة المتساقطة غدرًا .. سواءا كان من رصاص اسلحتهم المعززة للهجومات الإرهابية الغاشمة .. أو من فعل موادهم السامة التي تهدم آلاف البيوت وتبدد أمل الاباء والأمهات بأبنائها، فتفارقهم البسمة ويستوطن فوارغها اليأس والحزن إن سقط فلذة كبديهما بموتةٍ أبدية من فعل استنشاقه .. مثلهم مثل ما حدث له ولوالدته حين مات ابنه وصديق عمره قبل أن يكون شقيقه من فعل مخدراتهم اللعينة .. شقيقه الذى مازال رغم نتائج التحليل والتحقيق لا يصدق بأنه أقدم عليها برغبته .. فتربيتهما واسس دينهما المُحقنة في شريانهم تمنع فعله ذاك وبشده .. لهذا مازالت الحقيقة غائبة بالنسبة له هو فقط !!

وجع تملك من صدره على ذكر ما مر بثمرة سعيه .. تلك الثمرة التي كان يجاهد بحرص شديد عقب موت ابيه على نموها بما فاضت إليه حكمته وخبرته في الحياة .. متمنيا له من اعماق فؤاده بأن لا تفارق البسمة محياه ولا يزوره الآلم يوما..

كبت زفير أنفاسه ثم استقام واستدار على حين غرة يقبض بقوة على منشفته القطنية بالجوار حتى كاد يفتك عظام يديه بلا هوانة لقطع استرسال ذكرى لعينة يحملها بين ثنايا عقله وصدره كادت أن تتحرر على أثارها دمعة خائنة وتفضح أمره أمام تلك المقلتان الخضراء التي مازالت تتفحصه بعناية وتحتل مالكتهما موضعها كما هي .. معاتبا لحظة ضعفه بضيق داخلي كاد يحرقه .. فدائما عمله بين طيات جهاز المخابرات خالي من استحضار عاطفته ومشاعره حتى بات الجمود عنوان قلبه ..

هكذا عهدوا فهدهم دائما ..!!

وهكذا كان هو يعاهد نفسه من أجل تلك البلاد !!

جاهدَ لضبط ذاته وأعتلاء الحزم عنوانه مرة أخرى متظاهرا خلالها بتجفيف عرقه المنصب .. إلا أنه لمح ببصره على غير عمد تلك المراوغة التي خرجت توَّا لشرفتها المقاربة نوعًا ما من شرفة الشقراء التي تقهقرت عن مكانها مرغمة للداخل بمعالم وجه وجسد نافرة اعترتها ما أن شاهدت بقربها ابنة زوجها ..

بينما الأخيرة لم تلاحظ وجودها من الاساس بسب نظراتها المغتاظة التي اظلمت عينيها عن محيطها ما أن ابصرت ذلك الوقح غليظ الروح كما تصفه يتوغل داخل مسكنها بأريحية ..
عقدت ساعديها أمام صدرها بضيق وتحفز هجومي كاد زرقة عينيها تقلب حينها لفوهة سلاح ألي تجود بما تحتوي على جميع خلاياه بلا شفقة ..

وكما فطن هو بخبرته المعهودة والفريدة حديث والدها وزوجته من على بعد، فهما ما ترمي إليه تلك الشرسة وما يعتلى داخلها بمعالمها المحتقنة، غير مستبعدا رغبتها الواضحة بالهجوم ..
ابتسم في نفسه فبيدقه الشطرنجي الذي يريد اللعب عليه من أجل إطاحة الشاه نضحت شقاوته ويريد قلب الرقعة بكاملها وأسره هو .. سخر منها ذاتيا فحقا مسكينة تلك الفتاة لجهلها قوة عدوها .. لهذا اختار الصمت رفيقه واستدار يوليها ظهره متوجها لداخل ملحقه بتجاهل تام، مستمرا بخطاه غير عابئٍ بها ولا بمشاعرها ..

تاركها خلفه يتملكها غيظا أشد من فعله مغمغمة بتوعد صدح دون إدراك :
– أن ما خلصت منك القديم والجديد يا مغرور يا همجي ميبقاش أنا “مرام” ..

———————-

طرقة تلتها أخرى على الباب أمامها حتى سمعت نداء صاحبته من خلفه تأمرها بعبوره ..
والتي اسرعت تلبيه تزامنا مع رفع نقابها ليضحى وجهها المشرق الباسم مرافقا بقولها المرح :
– أيه يا مامتي شغل المخبرين ده .. بعتالي حد من الشغالين يندهني من أودة “أميرة” عشان يخليني أجيلك هنا .. طب ما اختصرتيش ده كله ليه وجيتي زي العادة نتكلم هناك عشان نفك عنها في العزلة اللي هي فيها دي ..

بملامح مبهمة ونظرة فارغة بادلتها الحديث باقتضاب:
– اقفلي الباب وتعالي هنا جمبي يا “هنا” ..

رددتها وهي تشير براحتها على الفراش جوارها، بينما تبددت معالم “هنا” المرحة بأخرى قلقة ما أن جلست قائلة على أثارها بتوجس :
– مالك يا ماما .. أنتي تعبانة ولا حاجة !

هزات طفيفة من رأس والدتها نفت جملتها قائلة بهدوء:
– “هنا” أنا جسديا بخير بس نفسيا لا ..!

اصيبت معالمها الصدمة تخطتها قائلة ما أن أدركت بمعتقدها سببه :
– صدقيني يا ماما متقلقيش “أميرة” بدأت تتحسن وك..

– أنتي و”علي” حالكم مش عاجبني يا “هنا” سواء من خلال فيديوهات مكالمتكم هناك واللي كنت بكدب نفسي بعدها .. أو هنا من لحظة وصولكم ..!

قطعت استرسال حديثها ما أن سمعت ما لم كانت تتوقعه، لحظات صمت ازدردت ريقها خلالها هاتفة عقبها ببطء خافت:
– “علي” !

على أثر نطق اسمه هتفت والدتها باندفاع متوالي :
– أيوه “علي” يا “هنا” متستغربيش .. “علي” اللي مكنتش موفقه على طريقة ارتباطك بيه .. واللي ترجيتك ترفعي الخلع عليه وتعيشي حياتك .. “علي” اللي أصبح دلوقت قدام ربك والناس جوزك .. وكأم خايفة على بنتها من حساب ربنا شايفه أنك مقصره في حق الزوج ده !!

استرسلت بحديثها رغم معالم ابنتها المنذهلة:
– أنا شفته خارج من أودتك أمبارح بليل زعلان وعلى أخره .. تقدري تقوليلي بتنامي مع أختك من يوم ما وصلتم ليه ..

عاجلتها “هنا” بالنطق إلا أنها قطعته بقولها الغاضب :
– هتقوليلي عشان ظروف “أميرة” وأنها وحشاكِ .. هقولك أنا بقى أنها بدأت تتحسن عن الأول كتير وربك جمبها أحسن مننا كلنا وقادر يصبرها ..
ثم ضيقت حدقتاها مستأنفه بنبرة خاصة :
– غير أنك نمتي في أودتك أمبارح!

لحظات من الصمت احاطت بصخب الأنفس وما يعتليه الصدور لنيل إجابة منتكسة الرأس ومفركة راحتيها بتوتر بالغ أمامها، ولكنها لم تبلغ مرادها مع استمرار حالتها المربكة فتراخت معالمها مستأنفه حديثها بلين :
– أنا بنصحك عشان أنتي بنتي وبحبك .. مش عاوزكي تاخدي ذنوب عصيان زوجك لأن أنا وأنتي عارفين عقوبة الموضوع قد أيه عند ربنا .. وبصراحة مستغربة افعالك …
ثم استرسلت بحنو:
– أنا عرفه يا روح ماما أنك اتغصبتي عليه وأنه نموذج مختلف عن اللي كنتي عاوزه وبتحلمي بيه .. حتى لغته مختلفه عننا وأكيد كمان تفكيره .. بس دلوقت أحنا قدام أمر واقع أنه بقى خلاص زوجك ..

– مش زوجي !!

قالتها مندفعه تزامنا مع تساقطت دمعات رقيقة على وجنتيها رغم أنها نوت حفظ ما بينهما من أسرار ولكن القدر له رأيا أخر ومع هذا ستفصح عن قدر ضئيل يشفي حيرة تلك الأم ..

خرج صوت “رقية” بلجلجة واضحة من معالمها المبهمة :
– أزاي مش زوجك .. وعقد جدك الله يرحمه ده أيه !..
ثم صاحت فزعه بعينين جاحظة :
– دا أنتم كنتوا في بيت واحد هناك و…. !!

ما أن وصل ل”هنا” مقصدها حتى اسرعت تهتف بعجالة :
– لا يا ماما متفهميش غلط هو زوجي ..

ثم اكملت جملتها مخفضة بصيرتها عنها مرة أخرى :
– بس مش زوجي قوي يعني !

تجهم وجه “رقية” هاتفه بغيظ :
– أنتِ هتلعبي بيا وباعصابي يا “هنا” !!

اجابتها بتهذب موضحة :
– لا لسمح الله يا ماما .. اصبري عليا بس وأنا هحكيلك اللي يطمنك !!

————————–

– ها قد أصبحنا لحالنا بني .. بعد أن منع عنا كافة الأتصالات ودخول أحد ..

ازاح “علي” غبار حزن تملك من عينيه ما أن شرد بموقفه مع محبوبته القاسية بالإمس، منتبها لحاضره حتى ينهي أمورا لا يجب تركها أكثر من ذلك، رفع رأسه المنتكس يتطلع بمعالم وجه مبهمة لذلك العجوز الذي تبين أمامه بأنه لبى أمره وأحكم غلق مكتبه عليهما لضرورة ما سيدلي به، تنحنح متحشرجا من صمته قائلا :
– أريد مقابلة مسئول حكومي هام بالبلاد ..

صعقت معالم “شاكر” المسنة وارتجفت شفتيه بانقباض وتراخي يتبعها تلعثمه للمس صدق ما اخترق أذنه :
– ماذا !

———————–

بعينان ثاقبتان وجبينٍ مقطب يندس خلفه مئات الأفكار المتزاحمة، استقام منعقد الساعدين خلف الحائط الزجاجي يراقب مغادرة “مرتضى” وزوجته بسيارتهما الحديثة فئة مرسيدس A-Class من محيط قصرهما يتبعهما سيارة الحراسة الخاصة بهما وحتما وجهتهما العمل، اعتلى طيف ابتسامة ماكرة على شفتيه لبدء استغلال غيابهم والبحث على ما يحتاجه بحيطة وحذر، لم تكد معالمه تتراخى حتى تجعدت مرة أخرى على اقتحام تلك المشاكسة المشهد عقب مغادرتهما، متجه إلى أحدى السيارات الشبابية الحديثة التي أخرجها أحد الحراس من مرآبها !

لا يحتاج أن يستعين بذكائه فهي تنوي الخروج خاصة بتلك الثياب المهندمة .. تجهم وجهه بعد أن طاف الضيق داخله من تلك الفتاة التي لا تنوي خيرا معه مسبقا ..

استدار مغادرا بقعته بسرعة البرق وهو يرفع جهازه اللاسلكي المتصل بجميع حراس منافذ القصر يأمر بعواء الفهد بداخله مسئول البوابة الخارجي بعدم فتحها أمام زائرتها المتوجهة اليها الأن .. صوتا هادر كاد يزلزل بقوته ثبات البنيان حوله .. بوادر فعل لم يسبق حدوثه منه من قبل .. استطاعت أحدى خليفاتِ حواء أن تنزعه من ظلمته في لحظاته الأولى بقربها ..

لماذا لم تخبره بنيتها كما أمرها !!

هل حقا تعمدت عنادها البغيض !!
لها إذا نتائجه !

فالنبتة الضارة لا يحق لها أن تُعيق عمله !! .. وكفيلا هو باقتلاع جذورها !!

وصله أثناء عدوه تجاههما صخب صوتها الغاضب والمعترض على فعل ذلك الحارس الذي تحلى أمام محاولاتها الهجومية بالهدوء والصمت ..

لحظات قطعها الفهد نحو فريسته وصلابتها التي تلاشت ما أن أبصرت حدة عينيه .. كأنها حقا كما صدق حدسه تريد التسلل خفية وتفاجأت به أمامها على غفلة .. ازدردت ريقها وهي تقابل تقدمه بتقهقرها للخلف خشية هجومه كحال أول لقاء بينهما .. شعورا تزايد بداخلها في ظل رؤيته الهجومية تلك وتهدج صدره الذي كادت عيناها الذعرتان تقسمان بملئه على أخره بغاز قابل للاشتعال، وها قد صدق حسها حين همس بزمجرة نارية:
– على فين ؟!

سؤاله الغليظ وفرض سيطرته بفحواه سربَ حالتها المرتجفة وأعاد بنيان قوتها الهاربة، حين اندفعت في وجهه تبادل زمجرته الغاضبة بأخرى تكاد تفتك به من أجل أهداف طالما عاهدت والدتها بتحقيقها:
– وأنت مالك أخرج .. أدخل .. أروح في داهية .. مالكش دعوة بيا .. ويا ريت تعرف حدودك كويس ومتدخلش في اللي ملكش فيه !

ثم التفت بختام حديثها لذلك الحارس الإيطالي المنصت لهما بملامح مبهمة لعدم إدراك لغتهما تتوعده بايطالية متقنة بالعقاب اللاذع لعدم إطاعته لإوامرها ..

متجهه عقبها بزوبعة نارية تجاه سيارتها تحتل مقعد تحكمها مستخدمه سياسة الضغط باطلاق بوقها الصاخب دون توقف حتى يرضخا معا لرغبتها بالخروج ..

عقب حدوث ذلك أقبلت عليهم تلك المسنة تهرول بعزم قوتها من أجل الوقوف على سبب الضجيج الذي بدأ باصواتٍ صاخبة وانتهى بهذا الأنزعاج المتواصل ..

بضيق حدقتاها شاهدت ضيفهم المستجد لحراسة ابنة رب عملها رغم ثباته المزعوم لإيحاء من حوله بلا مبالاته، إلا أن سواد عينيه بات كحمم بركانية يجود بما داخله تجاه السيارة وصاحبتها ذات الفعل الطفولي المتواصل ..

تباطأت خطواتها ما أن علمت بديهيا ما حدث بينهما، فحتما صغيرتها كالمعتاد نافرة قرب حارسها بجوارها، وتحارب للتحرر من شباكه كما حدث مع من قبله، ولكن تلك المرة زاد حدتها عن سابقتها ..

لم تتوجه إليها ما أن اصبحت قربهما فهي تعلم مسبقا ردها وقوة عنادها وإصرارها، ومن فوق هذا وذاك رغبتها الصامدة لتحقيق حلم ميت توارى تحت الثرى ..

بأدراك نبع من صميمها تطلعت له هو برجا !

رجاءً وتعشّم ترعرع بداخلها تجاهه منذ لقاءهما بالأمس، أثناء تعثرها بساق متشعب عند قطفها لإحدى الزهرات المميزة بين خضرة الحديقة، فتفاجأت بقربه الذى منع سقطتها المحتمة ونبرته التلقائية القلقة رغم حرصه على حفظ صلابة وجمود معالمه:
– خلي بالك .. !

– حصل خير يابني .. ربنا يبارك فيك !

اجابته بتلقائية مماثلة ما أن طالعته وهي تعيد ضبط توازنها مرة أخرى دون إدراكٍ بثقل جملتها عليه ..

وعى كلتهما في لحظات صمتٍ توالت بأن كلاهما أردف العربية والأخر تفهمه بيسر !!
بل والأدهى دعاءٍ كدعائها كان يتوالى على أذنه من أمٌّ غالية !!

تعجب ودهشة اصابتهما! .. برع “عمر” بسرعة الخروج منهما متحشرجا بنحنحه أعاد بها ضبط ذاته واشتياقه لحديث امرأة بذات سنوات عمرها، مُوليًا ظهره دون تباطؤ للمغادرة إلى مكانه القريب لتأمين المخارج .. إلا أن كلماتها المتلاحقة أوقفت تقدمه دون أن يستدير :
– هو أنت مصري يا أبني ؟!

صمت دام من جانبه ثوانٍ نزع عقبها بصعوبة بالغة إيماءة إيجابية هادئة، منصتًا لاستأنفها الشاغف:
– أنا كمان مصرية زيك .. وبرضه جاية هنا عشان خاطر الست “مرام” ..

ثم استرسالها الضاحك:
– بس أنا قبل منك يجي باتناشر سنة ..

عن عمد استدار يقابل ثرثرتها الجذابة بنظرة متمعنة خاصة وابتسامة هادئة زينت محياه، محتفظا بأثرها عند مغادرته المبطئة من أمامها ..

تاركها خلفه ترسم ابتسامة مريحة مماثلة على شفتيها لشابٌ عربي عزيز النفس، رصين القول، أخلف من وراء لقاءه بها نسمة دافئة توغلت بين اضلعها .. فطاب مطافها وبورك سعيها بطمئنة ذلك الشيء الذي ينبض شمالها بامومتها الروحية لتلك اليتيمة !!

مع عودتها للحاضر وارتفاع صوت الضجيج من سيارة تلك العنيدة توالت بانبعاث رجاءها دون تريث إليه، وها هو يتلقى رسالتها الخفية حين احتضن نظراتها ووعى لحضورها بالقرب، رجاءا جاءه على طبقٍ من ذهب لاعادة ضبط ذاته الغاضبة ومقاومة نفسه الأمارة بالسوء تجاه افعال تلك الفتاة المشاكسة كي لا يتم عركلة مهمته، مما دفعه لغمض عينيه بقوة صاحبها زفرة ضيق .. أعقبها بالتوجه لفتح باب السيارة المقابل لها واحتلال مقعده في صمت ..
مما دفع “مرام” بإحاطة فعله بنظرات جاحظة وقولها النافر :
– أنت بتعمل أيه !

التفت بكامل معالم وجهه الباردة الذي أجاد صنعها، قائلا بترقب رافقه برفع أحدى حاجبيه:
– لكده .. لإما مفيش خروج نهائيًا !

مستكملا حديثه بنظرة ماكرة وابتسامة تشفي:
– القرار معاكِ دلوقت !

يبدوا أنه معضلة رسخة لا يسهل تعديها كما حدث مع من سبقه، ويجب عليها وضع خطط جيدة ومبتكرة للتخلص منه، استنشقت الكثير من الهواء بسخاء حتى امتلأت رئتيها ثم حررتها بزفرة مبطئه قائلة بحنق من بين كز أنيابها:
– خلاص موافقة .. اتفضل أنزل بقى من هنا وأمشي ورايا بعربية الحراسة ..

– مفيش عربية حراسة !

كلماته الغامضة التي نطقها ببطء وبرود شوش تفكيرها وجعلها تجهل ما يرمي إليه، فأردفت ببلاهة :
– مفيش عربية حراسة يعني أية ؟!

بابتسامة استفزازية اجابها:
– لأن أنا بس حراستك ومش محتاج لحد معايا ولا لعربية كمان .. عرفه ليه لأن مكاني هيكون دايما جانبك هنا لأي مكان تروحيه !

اتسعت زرقة عينيها مرددة بصدمة:
– اللي قبلك كانوا طبيعة شغلهم معايا لها حدود .. ومفيش حد تجرأ يعمل معايا زي ما أنت بتقول كده !

أقترب بوجهه يرمقها بضيق حدقتيه ضاغطا بقوة على حروف كلماته المنمقة:
– لأن أنا غير كل اللي كانوا معاكِ قبل كده .. وافتكر أن سبق وقلتلك كده!

تلقت رسالته وفهمتها جيدة، ولهذا رأت أن أبلغ الرد عليها هي .. الصمت المتقن .. ويقين الفعل !

لهذا هزت رأسها بتوالي ثم التفت تنظر أمامها بإباءة وشموخ، مطلقه الحرية ليديها بالقبض على عجلة القيادة بقوة مثيل ما فعلته قدمها بدواسة البنزين ليدوي صوت تحفز السيارة للمغادرة عاليا، مما دفع “عمر” باعطاء اشارة المرور لذلك الحارس بانتشاء نصر أرتفع لاقصى معادلاته كلما رمى بنظراته الجانبية على فوهة البركان المجاورة له ..

إلا أنه قطع وصلة غرورة حين انصت لصفيرٍ حاد نتج عن إحتكاك اطارات السيارة بالأرض الاسفلتية أسفلهم وانطلاقهما بالطريق العمومي بسرعة فاقت الجنون بكثير، مع مضي عقارب الوقت لمس حدتها حين صفع هواء نافذته المنفرجة معالم وجهه دون هوانة، زاده تكدس الطريق أمامه بسيارات لا يعلم من إي ينبوع ينضح بهم، علمّ حينها بأن شراسة تلك الفتاة معضلة لا يمكن تخطيها دون معاناة، خاصة بابتسامتها المستفزة التي باتت عنوان ملامحها الأن، التفت يلتقط حزام الأمان من خلفه كي يؤمن به صدره وخصره جيدا من جنونها، والذي بلغ مبلغه حين انصت أثناء تطوقه به لطنين مشابة بطنين الذباب يغزو أذنه، رفع رأسه فزعا حين صدق حسه بأنه ما ألا صوت مرور السيارات بجوارهما بسرعة البرق دون أن يلمح معالمهما من هول طيرانها، والأكثر صدمة هي جرأتها وانعراجها كالفراشة من بين مواجهتم، لم يكد يتخذ ردة فعل حتى ألجم مرة أخرى باقتحام ناقلة تصدير ضخمة المشهد أمامها، تستقبلهما بفيض هيبتها، مع إصرار تلك الحمقاء بحفظ سرعتها، فجحظت عينيه بشدة وجف حلقه صادحًا بصخب صوته :

– حسبي يا مجنونة !!

———————

 

error: