العميل 101.. أحفاد الثعلب 2

الحلقة العاشرة ..

ردد العجوز جملته الباردة عند جلوسه بإريحية في مقعده :
– إذا دعنا نطرح عليها الأمر وننتظر الأجابة .. فأن رحبت لك منا المباركة أجمعين .. وإن رفضت اطلق سراحها وليس لك عليها بسلطان مبين !!!

بين وهلة وضحاها هالة من اللاوعي أصابت ذلك العاشق ما أن سمع جملته الوقحة، فضلا عن انبثاق عينيه من موضعهما تكاد تفترسه بلا شفقة، عن أي سراح يقصد ذلك المعتوه، ألا يعلم بأنها زوجته وخاصته بعقد موثق مدى الحياة، وأن خطوتهما تلك لأضافة شريعة الله ورضاه في الأمر، أي أن كل شئ محسوم ولا نقاش فيه، وأن ذلك الحوار التمثيلي لأجل تنفيذ رغبتها المدلله لا غير، بل ولا يحق لاحد في العالم بأسره أن يجرؤ على قول ما قاله أو مجرد التفكير في الأمر أمامه !

حتى الأن يتخذ التهذب مذهبا ويحترم فارق السن بينهما، وللأسف لن يصمد بذاك التهذب كثيرا أمام تلك المهزلة، تكورت يداه واحتقن وجهه فيجب عليه أن تعلو كلمته الأن بأنها له دون ارادة الجميع وارادتها هي أن حكم الأمر ..
يعلم بأنهم سيصفونه بالهمجي الشرس ..

ولكن لا يعنيه ما يصفون بتاتا طالما تلك الصغيرة التي شقت قلبه ونزعت ضغينة الشرك والانتقام من داخله والقت مكانها تعويذة الإيمان بالله ثم غرامه بها ستظل في محرابه مدى الحياة ..

  • عمي “شاكر” !

قالتها “رقية” مندفعة بقلق وتوجس للعجوز كي يقلع عن مبتغاه، أثر رؤية رياح الشر والجنون تغزو غابات الأجنبي وتحفز معالمه للهجوم بناء على حديثهم المشتعل، ليجيبها المشيب ببرودٍ لا يناسب الزمان:
– يجب عليكِ أن تعلمي يا بنِتي بأن “علي” ليس من نوع الرجال الذي يفرض سيطرته على امرأة دون رغبتها ..

ثم أضاف عن قصد وهو يصيبه بسهام نظراته الغامضة:
– أي كانت تلك المرأة .. أليس كذلك بني ؟!

هو محق ! .. ونال من غضبه باحترافية متقنه ذلك العجوز العوب بمكره المكتسب من سنوات رفقته لثعلب تجارة البلاد.. هدأت نيران “علي” واكتسحت رجولته الابية حجرات عقله ورصانة تصرفه وهو يجيبه بشموخ وتحدي مقتضب :
– وأنا انتظر !!!

  • ليس هنا !

ذهل “علي” من مقصده الجنوني، بل بات مقتنعا الآن بجنونه تماما، فقال مندهشا :
– ولماذا !

  • لأنك حتما ستسيطر عليها بقربك وستكون النتيجة محسومة لك بالتأكيد ..

ثم دنى برأسه وكتفيه نحوه يواصل مكره:
– وروجولتك حتما لا ترضى بهذا أيضا .. اليس كذلك ؟!

الصمت بات عنوانه بعد أن ألجم ذلك العجوز المخادع لسانه، وحظه المبارك بأن كل ما يتفوه به رغم جنون منبعه ألا أنه محاط بصحة المنطق ..
طال صمته حتى بلغ التفكير منه مبلغا عظيما، وأهم عوارضه الفضول الذي تشعب بداخله لمعرفة رأي محبوبته به دون ضغوط ..

فهل ستختاره رغم طلاحه وذنوبه الماضية وحداثية اسلامه، وتعلن أمام العالم أجمع بأولى اختبارات حبها بأنها تحمل بين طيات قلبها مشاعر حقيقية تستطيع أن تتحدى بها الصعاب !

التمعن في الأمر الأن أوضح إليه أشياء كان يحتاج اجابتها يقينا لارضاء قلبه العاشق .. والعجوز رغم بروده المستفز قدم ما يحتاجه على طبق من ذهب أمامه ..
إذا يجب عليه أن يشكره كثيرا !

تنهد بصمت ثم راح يردد بهدوء مخيف :
– حسنا كم من الوقت تحتاج ؟!

  • اسبوعاً !!

رد مندفعا بحزم لإنهاء ذلك الجدال :
– كلا .. سأنتظر ثلاثة أيام وفقط ..

بابتسامة هادئة قال العجوز :
– اتفقنا .. وبيتي يرحب بك منذ الأن !

سيقتله ! .. الأن سيقتله بابتسامته المتشفية تلك أبقوله هذا يجبره على ترك البيت دون حتى وداعها !

ضيق تملك من صدره دفعه للانتصاب من مقعده وفض ذلك العرض الهذلي وهو يردد بنفاذ صبر :
– تعلم طريق هاتفي وسنكون في العمل معا أبلغني بمستجداتك بعد ثلاثة أياما وفقط .. وألا ثلاثة أياما وثانية سأكون هنا لأطالب بزوجتي رغم أنف الجميع !

أنهى حديثه بمعالم أقرب إلى الجنون عند مغادرته للبيت بأكمله بصرير أطارات مركبته جاهلا وجهته أو كيفية السير داخل معالم تلك المدينة ..

بينما على الطرف الأخر تخلت “رقية” عن متابعة الحديث بصمت والاندهاش ينخرها قائلة للعجوز المبتسم أمامها بإنتشاء :
– هو أاااانا بحلم ولا سمعت غلط ! .. هو “على” أتقدم وهيستنى يأخد رأيها زيها زي أي عروسة بجد !

————————–

رفع أحد أطرافه يفرك بهما جبهته بضيق وذكرى ليلة أمس المجهدة تفرض نفوذها بقوة أمام عينيه الشاردة فيما وراء النافذة ..

ليلة أمس ..!

ليست من ضمن أكثر الليالي العصيبة التي مرت عليه، ولكنها كانت أولى الليالي التي لم يحقق بها مراده كما ينبغي !

شرد حين تجاهل باقي حديثهما وأكمل تسلله بأحترافية .. وعطل السلك الرئيسي لكاميرات المراقبة الخاصة بغرفة نوم “مرتضى” وزوجته .. ثم جاب خفاياها بقوة وإصرار .. حتى الحوائط وأرض الغرفة الصلبة العلوية والسفلية لم تسلم من مروره عليهم .. ولكن جميع محاولاته باءت بالفشل !

لم يعثر على ملف الصفقة الورقي أو قرص مدمج كما توقع أن يخفى بأكثر الأماكن أمانا بعد شركاته !

فالغرفة خالية تمام من أي شئ يبحث عنه .. غرفة نوم عادية .. فراش .. ملابس .. احتياجات شخصية .. ولا شيئا أخر يثير الشك !

أذا أين ؟!

سؤالا سيظل يجوب بخاطره وخاطر مخابرات بلاده كثيرا، ولكن لا بأس سيظل يعافر للإجابة عليه، فالاستسلام ليس من شِيَمِه !

إشارة من جهازه السلكي أنهت صراعه الداخلي، التفت على أثارها يلتقطه ويهم بفتح الاتصال عقبها ..

لحظاتٌ من الصمت امتزجت بتهدج أنفاسه، كلّلها بنطقه المخيف :
– أنا قادم ..

وهلة زمنية استرق عقاربها بحرفية وبات أمام سيارة تلك الشرسة وكأنه كان ينقصه جنونها الأن .. والتي تحتلها ببرودا تام يتنافى مع كوارثها بالأمس ..

حسنا فأن كان رأسها ناشف فهو سد حجري منيع يتصدى لكبرى الفيضانات .. وحتما هي موجا هادئ سيركع في أولى تصدياته ..

فتح الباب وراح يعتلي المقعد بجوارها تزامنا مع اعطائه إشارة لأمن البوابة بفتحها، فبغت بصوتها يحادثه بتحفز هجومي وأناملها تنقر كنقر الطيور على المقود أمامها بنفاذ صبر ..
– دا أنا قلت هتديله الأشارة وتتراجع ..

استدار بعينيه يرمقها بنظرة جانبية قائلا باستفسار بليد:
– ليه ؟!

مطت شفتيها قائلة بإيضاح :
– يعني .. أقل شئ متوقع من أي حد بعد اللي حصل امبارح أنه يخاف يركب جمبي تاني !

ظهرت ابتسامة تهكمية على شفتيه قلبت لابتسامة ماكرة وهو يشيح وجهه تجاة نافذته المجاورة :
– ليه تاخديها من الزاوية دي ومتقوليش مثلا أن عاوز أجرب نفس استمتاع امبارح !

توغلت الدهشة بمعالمها واِفتر فاهها قائلة :
– استمتاع أية ؟!

التفت يحدجها بنظرة متمعنة وهو يردد بإيحاء راغب اصطنعه بإتقان لينال من شراستها :
– أن أفوق والقيكي بعد قلبت العربية في حضني مثلا !

كصلصالٍ منحوتٍ كانت !

ومازالت حتى تستوعب ما هذى به ذلك الوقح !

وها قد استوعبت ! .. فهنيئا له !.. لقد نال حقا منها حين تصلبت أناملها في الهواء ممتنعه عن فعلها المتلاحق، و برز دماء صفحتها عن معدله الطبيعي فزادته حمرة على حمرته، فضلا عن انعقاد لسانها ..

برهة ازدردت ريقها خلالها ببطء واكتسى الخزي عينيها، كأنها لحق بصحيفتها عارا لن يمحى للأبد!

اشتعل داخلها غيظا تجاهه جاهدت لأن تلجمه بداخلها، إلا أن لسانها خانها وصدح معبرا بضيق :
– وقح ..!!

مط شفتيه بلا مبالاة، ثم قال مبتسما ببرود مستفز :
– عارف .. ومضفتيش جديد لصفاتي !!

كادت تسلط لسانها بوابل شتائم لاذعة من أجل الثأر من حديثه وطريقته، ولكن لوهلة شعرت بعجزها أمام ثقته الزائدة فاعتدلت تطالع الطريق أمامها وهي تسبه بداخلها بغيظ من بين جزّ اسنانها ..

بينما هو رفع أحد أطرافه يدلك بها عنقه وابتسامة انتصار تتملك من محياه اتسعت حينما شعر بعدها بتحرك السيارة بهما بسرعة مبطئه ..

بل مبطئه للغاية !!


إتكئ بساعديه على حافة مكتبه تتراخى بينهما رأسه باجهاد شديد بعد أن هجره النوم ليلة أمس في أحد الفنادق الكبري داخل مدينة القاهرة، والذي أهتدى إليه بعد عناء الترنح بسيارته بين طرقاتها ..

وكيف يزوره النوم بعد أن عصف به التفكير وزين إليه الشيطان كافة الأثار المتراكمة على وعده الذي قطعه في حالة رفضها ..

هل هو حقا على استعداد بتركها إن رغبت ؟!

توجس أصابة وقلق توغل بصدره وحالة هستيرية تكاد تطرق بابه إذا حدث ما يخشاه .. يقابله خيط مثلج بضرورة الأطمئنان فهي تكن إليه ذات المشاعر تماما ..

من وسط دوامة الآنا العاصفة به إلى جُب الجنون تذكر حديثها عن صلاة الحاجة في أحدى جلساتهما الناعمة معا في ليالي كاليفورنيا .. تلك الليالي المزينة بنعيم قربها ..

نزع سترته وشرع في الوضوء ثم أتخذ سجادة الصلاة محراب يلتجىء فيه لخالقه عما يختلج صدره إلى أن رفع أذان الفجر ليعم الأجواء ..

تذكر طمأنينته عقبها والتى أدت إلى غفلته لقليل من الوقت ثم استيقاظه وطلب ملابس أخرى بمقاسه وماركته المفضلة من خدمة الفندق، وها هو يحتل مقعده في مكتبه الرئيسي داخل الشركة ..

طرقة واحدة على بابه كانت كفيلة بنزعه من ذكرى ما مر به ..

تطلع لفاعلها الذي دلف مرددا بحيرة :
– “علي” أين كنت بالأمس .. لقد قلقت عليك ؟!

تجاهل عن قصد أن يرد لهفته الحائرة وراح يبادل استفساره ببرود مصطنع يخفي ما بداخله:
– هناك شئ !

  • نعم .. أريد أن أعد قائمة بأسماء طاقم العلماء الفيزيائيين لبدأ استدعائهم لتنفيذ المعادلة ..

رددها شاكر بترقب أثناء شغر أحد المقاعد أمام مكتبه، فأجابه “علي” بهدوء :
– لقد اعددتها مسبقا .. وارسلت اليهم دعوة سرية بالفعل ..

مط العجوز شفتيه برضى تام، لاحقه بسؤالا أخر :
– جيد جدا .. كم من الوقت يستغرق حضورهم إلى هنا ؟!

  • يومان لا غير ..
  • حسنا .. الوقت في صالحك إلى الأن ..
  • أعلم .. ولهذا أريدك أن تصطحبني إلى أن يأتوا لمدينة ابنة عمي “ندى” !

تعجب في نفسه وصدح قائلا :
– لماذا ؟!

رمقه بنظرة متمعنة ثم قال بأقتضاب :
– ستعلم حينها !

————————–

وقف منتصب الجسد منعقد الساعدين أمام صدره، برغم إيحاء ملامحه للصارمة إلا أنه يجاهد لكبت ابتسامته المتشفية كلما تذكر طريقهما إلى هنا وتأثير كلماته عليها ..

كانت هادئة مثل سرعة سيارتها تماما .. صامتة كنسمة عابرة .. تتحاشى النظر إليه بحياء .. متعجبا ومشككٍ في أمرها بأنها حقا تلك الفتاة التى جاورها بالأمس أم تم استبدالها ..

ليزداد تعجبه حين وصلا معا لوجهتها ..

” حضانة أطفال خاصة تابعة لأحد المدارس الدولية على حدود العاصمة الأيطالية روما ”

والتي ما أن علمت ادارتها بهوايته حتى رضخت لدخوله بين أسوار منظمتها التعليمية دون معاناة وكأنها باتت تعتاد ذلك الأمر .. فبدا له بأن صيت “مرتضى” واصل كثيرا في تلك العاصمة حتى اعطى أوامره ونفذت في الحال ..

لم يعطي اهتمامه لذلك الأمر كثيرا، بل كل ما أثار فضوله هو عملها كمُعلمة لمرحلة الروضة وأموال والدها ترفعها عن ذلك العمل وعوائده!!

والأكثر تعجبا لا يصح لمن والدها هكذا أن تحمل صفة الرحمة بين ضلوعها للتعامل مع تلك البراءة ..

هل دموع الأمس حقا صادقة أم هي ينبوع التماسيح كما أجزم ..

ظل يراقبها لكثيرا من الوقت وهي تتنقل بين الأطفال كالفراشة الرقيقة بابتسامتها العذبة، وكأن بمرورها جانبهم تسكب بمكيال السعادة سكبا في قلوبهم، فتنفرج ضحكاتهم صخبا في الأجواء وتضحى سعادتهم للناظرين ..

عيناه باتت لكثيرا من الوقت تحوط تجوالها باندهاش حتى جلبت طلابها لأحد غرف الدراسة، وها هو يستمر بمراقبتها من خلف زجاج نافذة تلك الغرفة المستطيلة وهي تعطي دروسها إليهم دون مل ..

بعد مرور بعض الوقت تفاجأ بها على حين غرة تعبر بابها للخارج فأسرع بخطاه تجاهها يسألها بأقتضاب:
– على فين ؟!

التفتت تطالعه بنظرة جانبية وهي تحدثه بنفاذ صبر :
– الحمام .. أيه هتيجي معايا فيه كمان !

حدجها بقسوة معاتبة وهو يأمرها بحزم :
– متتأخريش ..

تأففت بضجر ثم راحت تهم بالدخول خلف باب دورة المياة القريبة من موقعهما .. عقبها تنحنح بحرج من وقفته أمامه هكذا فرجع ينتظرها في مكانه السابق وعينيه لم تغادر موقع وجودها ..

طالت مدة غيابها بعض الشئ حتى خرجت مرة أخرى مطأطأت الرأس يتراخى خصلات شعرها الكثيفة على وجهها بالكامل يسبقها قدميها تجاة غرفة التدريس، فلحقها قبل دلوفها قائلا بحيرة :
– ليه التأخير ده كله !

فبلغه صمتها ومن ثم هروبها للداخل دون أن تجيبه، ازدادت حيرته ومع ذلك راح يراقبها مرة أخرى كما السابق من خلف الزجاج ..

ما زالت منخفضت الرأس توحي لمن يشاهدها بأنها تقرأ كتابا ما .. يغمر معالمها بالكامل خصلاتها الناعمة .. ساكنة عن الحركة !!

على أثر ما طرأ على مخيلته من شكوك جحظت عيناه بشدة من محجرهما أسرع على آثارها يقتحم عليها الغرفة للتأكد من صحة ما راود ذهنه، وها قد تأكد من حدثه حين قبض بقسوة على راسغ مطأطأت الرأس، التي رفعت رأسها وعينيها إليه تلقائيا كرد فعل طبيعي نتج عن فعله وهي تصدح بتوجس ورجفة بالأيطالية بطلب العفو فصديقتها “مرام” من أجبرتها على تنفيذ مخططها الذي أعدت له منذ الأمس .. تركها نافرا يجز اسنانه بتوعد وعلامات التهجم والغيظ عنوان ملامحه ..
هرول مسرعا ينظر من نافذة الطابق الذي به على موضع سيارتها بالأسفل، فشاهد أحدى الفتيات بموصفات مختلفة تماما تبدأ باستقلالها ..

لم يمنح نفسه مهلة للتريث، حين تملكته سرعة الفهد مهرولا للأسفل يبتلع الكثير من الدرجات معا حتى جاء للدرج الأخير وقفز من فوقه بمهارة فائقة لكسب المزيد من الوقت والالحاق بابنة الشيطان قبل هروبها ..

سعيه باء بالفشل عند مشاهدته لمغادرتها بسرعة فائقة أخلفت من خلفها الكثير من دخان الوقود المحترق في وجهه ..

سب تفكيرها الابليسي بصخب ملتفتا يبحث عن ضالته التي ستساعده على عدم الرضوخ لمخططها ذاك، وها قد وجدها حين شاهد عامل توصيل الطعام السريع يخرج بدرجاته البخارية خارج اسوار المدرسة ..

تابع ركضه خلفه حتى لحقه وأجبره عنوة على تركها له دون مبرر يشفع فعله ..
ولضعف بنية العامل خضع مجبورا، ثم وقف يطالع باستسلام ذلك المختلس وهو يفر هاربا بدراجته بعينين جاحظتين وملامح مشدوهة يلقب صاحبها بالمعتوة .. وكأن أحدا أدخله أجواء تصويرية لاحد أفلام الأكشن بهليود دون استئذان !!


شاهدتها بعينين منبثقة تتهاوى على فراشها جالسة والصدمة تفقدها النطق، فأسرعت تجلس القرفصاء أمامها ويديها تمسح على راحتيها ببطء وهي تدفع كلماتها بحذر :
– صدقيني يا “هنا” جدك “شاكر” قصده من ده كله مصلحتك بأنه يصون كبريائك وكرامتك .. مش قصده أنه يبعدكم عن بعض لأي سبب وخلاص .. وأنا بصراحة يا حبيبة ماما معاه في اللي عمله ..

تخطت صدمتها ثم صمتها وهي تحرك شفتيها بذهول :
– أنتم أقنعتوا “علي” أنه ينتظر ياخد رأي وينفذه .. أزاي!

  • الشهادة لله يا بنتي هو وقف بعناد قدام جدك كتير عشان الموضوع ميوصلش لكده ونخلصه خفيف خفيف .. بس جدك “شاكر” حب يعرفه الأصول هنا بتمشي ازاي، وخاصة في موضوع زي ده والأكتر يوضحله أنك مش هينة عندنا وأنه لازم يخطي ألف باب بمفتاحه عشان يطول ضافرك .. ولولا أن جدك الله يرحمه أتجبر يحطك في موقف زي ده بس عشان يرجعه من غربته ليه مكنش هيخطر في باله طول عمره أنه يجوزك كده ..

فاقت كليا من حالتها على حديث والدتها المتلجلجل وملامحها المضطربة، فأخفضت عيناها باستحياء موضحة :
– صدقيني يا ماما أنا مش بعاتبكم على اللي حصل بالعكس دلوقت بس أقدر أقولك أن حسيت بالفرحة اللي بتزور أي بنت في موقف زي ده .. بعد ما كنت بشعر أن في حاجه دايما نقصاني في الموضوع ..

انفرجت ابتسامة والدتها تلقائيا وهي تسرع لاحتضانها بفرحة عارمة :
– يا حبيبتي يا بنتي .. صدقيني ده غرضنا الحقيقي أننا نرجع كرامتك ونعيشك حقوقك كلها من غير ما حد يضغط عليكي .. كفاية اللي عشتيه في الأربع سنين قبل سفرك ..

ثم استأنفت وهي تبتعد للخلف قليلا ومقلتيها تحتضن براءة عينين ابنتها برفق :
– جدك “شاكر” بيقول خدي وقتك وفكري كويس قوي في اللي يريحك .. وبعد تلات ايام هيجي يأخد ردك بنفسه وبيقسم لكي أنه مهما كان هو أية هينفذه مهما حصل ..


error: