زوجتي طفلتي للكاتبة يارا الحلو
19
-انت عاوز اية..!
اقترب منها بخطواطه الغامضة , كانت تنظر له برهبة تود ان تعرف ما يدور داخه , سكن امامها و اسند بمرفقه علي المكتب و هو يقول :
-عاوز اقعد شوية مع مراتي ينفع !
نظرت اليه بتفحص لملامحه , كانت عينيه تحمل حسرة وندم , و كأن يوجد فيضان دموع و لكن كبرياءه كرجل يمنعه..
تجاهلته , و جلست علي كرسيها و قد اصطنعت التركيز في دراستها..سحب كرسي اخر بجانبها و جلس جاورها..
تسلل بيده الي يدها الصغيرة و امسكها برفق , حاولت تملص يدها بهدوء لكنه رفض و ضغط بيده بأقوي..
-انت عاوز اية سبني..
مازن بحزم :
-سمر قوليلي ان مفيش حاجة من الي شوفتها صح..
شعرت بشعلة نار داخلها , أ مزال يصدق تلك الاكاذيب المُرة علي زوجته , لم تجيب و صمتت بسكينة , ليسأل بضيق مكتوم :
-قولي عشان اسامحك..
قهقهت بقوة و حاولت تمالك ضحكتها التي تريد التحول الي بكاء لكن صمدت مكانها و نظرت اليه بتكبر :
-مكنتش محتاج لمسامحتك عشان اعيش علفكرة..
وثب واقفًا و عقد حاجبيه الكثيفين :
-انتي عاوزة اية..انا اسف عن الي عملته بس حطي نفسك مكاني..انا عرفت امسك اعصابي بالعافية و مرتكبتش جريمة فيكي..
-مازن حد قالك قبل كدة انك بارد..
اقترب منها اكثر و امسك بيدها الناعمة ليضعها علي ذقنه التي لم تحلق مذ اسابيع :
-انا بارد و واطي و حيوان بس انتي سمر طيبة و بتحبيني ..
سحبت يدها مسرعة و قالت بحنق :
-انا طيبة مش هبلة عشان اسامحك بالسهولة دية..
ثم اكملت بانفعال :
-انا اصلا ممكن ارفع عليك كذا قضية و احط تاتش كمان انت شكلك نسيت انت متجوز مين..انا سمر يا مازن..و عشان كنت بحبك كنت بسامحك بس انا بردو مبنساش..
جذبها اليه بقوة و اللصقها بجسده و هو يحاصرها بين ذراعيه و يقول بغضب :
-قصد بأيه كنتي بتحبيني..انتي لسة بتحبيني بس تقاومي..
صرخت به و هي تدفعه عنها :
-اوعي..اوعي من عني..
دفعته عنها بكل ما تملك من قوتها , ليتركها باستسلام , فقضبت حاجبيها بغضب :
-والله انا ممكن اهرب و عمرك ما هتلاقيني و مش هتفرق معايا عشان انا اصلا طهقت منك..
مازن بخبث :
-طب اهربي و انا مش همسكك..
اولته ظهرها و نظرت من النافذة ذات الزجاج المشقوق كـ قلبها الضعيف , بكت بصمت و هي تحاول حبس دموعها مرة اخري , ياليتها لم تحبه لتكن بذالك الضعف , مسحت دموعها و عقدت ذراعيها ببعضهما لتقول بشفتي مرتجفة :
-تعرف…اعرف بس مينفعش!!
فجأة جذبها بقوة و استدارها نحوه بعنف , و قد تأكدت انها تبكي الان..
تأوهت بألم , نظر الي عينيها الباكية بصمت و تأثر , كانت تريد الفرار و الرحيل علي الفور , صوت نبضات قلبها كاد يخلع من ضلوعها , عينيه الحزينة تشعرها بالذنب و تخيفها , سمعت صوته و هو يهمس لها :
-بتعيطي لية !
سمر باعتراض :
-عشان مش عاوزاك..
-قصدك عشان بتحبيني و متلخبطة !
سمر بحزن :
-بس انا صح..انا مش عاوزاك..انت واحـ..
حاوط خصرها بقوة , لتصمت و لا تجيب و لا تقاوم..كان كلما اقترب منها تتوتر و تكبر رغبتها في الهروب , قبلها بقوة و هو يمسك ذالك الوجه البرئ بين يديه و يزيد بقبلاته علي وجهها , لا تعرف ما بها لما لا تعارضه و تصفعه اهذا ضعف ام شوق منها..
ابتعد عنها بهدوء و ضمها اليه , لم تخضع اليه تلك المرة فمزالت متمجدة , اعترف لها بضعف :
-انا بحبك..
سمر بتوتر :
-و انا لا..
-لا انتي بتحبيني..
-هيفيد باية !
وضع يده علي ظهرها و ضمها اكثر له و هو يقول :
-طيب بصي في عيني و قوليلي بكرهك..
نظرت الي عينيه لثوانٍ معدودة , لكن ابعدت وجهها لاتجاه المعاكس وضعت يدها علي صدره و كأنها تريد دفعه بقوة و لكن لا حول و لا قوة لتلك العصفورة الضئيلة , طبع قبلة علي عنقها , اغمضت عينيها بخوف , شعرت بانفاسه المضطربة..
تركها اسيرته حرة و حرمها من عناقه اللعين , قائلًا بحزن :
-وحياه اغلي حاجة في حياتك..سامحيني و انا اوعدك اني مش همد ايدي عليكي تاني..
ابتلعت لعابها قائلة بتوتر :
-مش عارفة..
ثم تماسكت قائلة :
-انا بحبك..بس مش عارفة اسامحك الي عملته مش سهل..
-و الي شوفته مكنش سهل برضه !
ساد الصمت لمرة الثانية , بكت مرة اخري و هي تبعد وجهها لناحية المعاكسة , مد يده و مسح تلك الدموع بلباقة و قال :
-بحبك..
كأنه يريد سحرها بتلك المرة , يكررها كل دقيقة لكن كانت تشعر بها بكل مرة و كأنها اولي المرات التي تقع علي مسامعها , احجبت وجهها بيدها و بكت بقوة تلك المرة بشهقات متعددة , احتضنها و زرع قبلته فوق رأسها و هو يترجي بألم :
-سامحيني..
همست بصوت خافض و ضعيف :
-اسامحك ! طيب سامحتك..!
طار قلبه من السعادة , شعر بعودة الاكسوجين الي رئتيه , شعر بشعور المسافر العائد لاحضان وطنه , زرع قبلةةعلي كتفها و هو يضمها بعنفه المعتاد..تركت نفسها بين ذراعيه , و كأن شهوتها كأنثي تقودها لاحتضانه بقوة هي الاخري تشتهي حبه و حنانه..هو لها الان , هي له الان..
دفنت رأسها علي صدره و تركت العنان لدموعها لبكاء بقوة اقوي , وضع يده علي رأسها و هو يود الاعتذار بكل لغات العالم و يقبل جبهتها امام الكل معترف بعشقه الفصيح لها , تمسكت به و لم تود تركه مبتعد عنها , تشبتت باحضانه و قالت بصوت باكي كالاطفال :
-سامحتك مش عشانك انت..عشان انا بحبك و مجبورة اسامحك..عشان مش حابة اقعد يوم بعيدة عنك..سامحتك عشان انت الامان بتاعي..!
ارتسمت بسمة علي شفاهه لتقتلها هي بقولها :
-بس مش هنسي الي حصل يا مازن..
ابتعد عنها بقوة و نظر الي عينيها بقوة و قال بتعجب :
-لية كدة!!
اردفت و كأنها لا تسمع اليه :
-و موقفي مش هيعجبك لو حصل كدة تاني..
و بحركات يدها قالت ساخرة :
-بوووم هختفي من حياتك..
صمت لفترة قليلة ثم جذب يدها اليه مشاكسًا و قال بخبث :
-و لو عشان خاطري..و لة مليش خاطر عند حبيبتي
حركت شعرها بغنج و دلال قائلة :
-انت الحب..
رفع احدي حاجبيه و قال باستغراب :
-دلوقتي انا الحب !
هزت رأسها معترضة :
-انت علطول الحب بس مانت اتعصبت عليا في مرة فكان لازم اخد حقي رغم اني مخدتهوش كويس..
-نعم…مخدتهوش كويس ازاي..اومال الي كنتي بتعملي فيا دة اية..
رفعت كتفيها و قالت :
-كنت بشاكسك بس..
طبع قبلة علي جبهتها و قال هامسًا :
-اوعدك مش هتتكرر تاني..
اماءت رأسها بالايجاب , لتجده يقترب منها اكثر و هو يقول بسعادة طفل :
-مش مصدق انك رجعتي ليا تاني..
ابتسمت بسمة صغيرة متوترة , اخذ يقبلها في رقبتها قبلات متعددة , كانت مستسلمة تمامًا حتي ظهر امام عينيها مشهد و هو يلقيها داخل الغرفة المظلمة , فجأة بدون ارادة قامت بدفعه , ابتعد عنها بدهشة من تغيرها المفاجاء , بررت فعلتها بقولها :
-مازن انا عاوزة ابقي لوحدي شوية..
ثم ترجته بخوف :
-لو سمحت
قد فهم انها لم تسامحه من داخلها بعد , لوي شفاهه و تفهم موقفها ليستأذن بحزن :
-اه طب ماشي..
اولها ظهرها , جلست علي طرف الفراش و حاولت تمالك اعصابها , عادت بخصلة لخلف اذنها وعاودت التفكير , تشتاق له لكن مزالت تخاف من وجوده بجانبها..
حبست دموعها و همت واقفة منادية :
-مازن..
التفت لها بكامل جسده و نظر لها بتعجب , ليجدها تبتسم له بين تلكَ العينين البارقة , فجأة اسرعت له بالركض , لتقفز في احضانه مرة اخري و هي تحاوط رقبته و تصرخ بسعادة :
-وحشتني يا مازن..وحشتني اوي..
قبلت خده بقوة , لم يصدق انها عادت بالفعل , عانقها بشدة و رفعها علي الارض , لتطير كالفراشة في سماء عشقه..
فقد عفوت تلك السيدة الصغيرة بالفعل , استطاعت النسيان للحظات لكي تعود حياتها الي طبيعتها,,عادت الي احضانه التي تشتاق اليها دومًا..لم تكن يومًا من سماتها مقاومة ذالك العشق الكبير التي استولت عليه بكل جدارة..
و احتليت قلبي يا هذا
و مع الاسف,,لست فلسطيني
لاقاوم..!
داعب خصلات شعرها الكستنائية بعدما قبل جبهتها برفق , اقتربت منه و قالت بتحدي و هي تنظر اليه بتمرد :
-حاسب يا مازن علي افعالك بعد كدة,,المرة الجية بجد ههرب و هسيب البيت و امشي..
جذب رأسها الي احضانه و قال بلهجة امرية :
-نامي يا سمر..
-ههرب يا مازن..
-نامي !
-ههرب انا بكلم جد علفكرة..
أكد علي جملته قائلًا :
-نامي..
اغمضت عينيها بضيق :
-حاضر..
ثم ضمها الي صدره بقوة , رفعت رأسها اليه و فتحت جفنيها ما ان تقابلت اعينهم ليبتسم كل منهما بسعادة , فتوسدت قلبه الكبير و ضمته اليها بقوة و قد اغلقت جفنيها لنوم بين احضانه..
في صباح اليوم التالي
فتحت الزهرة اوراقها و اعتدلت جالسة و هي تنظر لذالك النائم بجانبها , كم اشتاقت الي براءته في النوم , مالت عليه بدلال و قبلت خده , لينسدل شعرها علي وجهه , شعر بالضيق و فتح جفنيه بحنق ليجدها محبوبته الصغيرة تداعبه اثناء نومه..
امسك كفها و اقربه الي فمه ليزرع قبلته الهادئة علي راحتها , تأمل بسمتها الرقيقة و شفتيها و هي تهمس له برقة :
-صباح الخير يا حبيبي..
جلس معتدلًا و قال بتثاوب :
-صباح الفل..
و اردف مندهشًا و هو يجد عقرب الساعة يدق علي التاسعة صباحًا :
-اية دة ! الساعة 9…يلا قومي عشان وراكي درس الساعة 11
سمر باعتراض طفولي :
-لاا بقي انا مش قادرة و مش عاوزة اروح..
-يلا يا سمر مبهزرش..
هزت رأسها بالنفي و ارتمت علي الفراش مصطنعة النوم و قالت بمشاكسة :
-بص انا نايمة اهوة..
مازن بمكر :
-خلاص انتي الي جبتيه لنفسك..
حملها بخقة و رشاقة , لتصيح :
-خلاص خلاص يا مازن هروح , سبني..
و كأنه لا يسمع لندائتها , اسرع الي المرحاض قائلًا :
-هرميكي في المية السقعة و انتي الخسرانة..
رسمت وجه عابس مصطنع و قالت :
-خلاص اهوة سبني بقي..
تركها بسلام , لتقول بضجر :
-يارتنا ما تصالحنا..
حملها مرة اخري و قال بمرح :
-والله طيب..
فتح صنبور المياه و اللقاها في “البانيو” برفق لتصرخ من برودة المياه و هي تحاول الفرار , قهقه علي انفعالها الطفولي , ثم خرج من المرحاض مبتسمًا و البسمة تعلو وجهه , مزال لا يصدق انها بالفعل عادت اليه مرة اخري , و لكن بأي قلب عادت..؟
*
*
*
*
*