رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى
الفصل التاسع
فى المنزل المحاط بحديقة خلابة بطنطا شارع البحر ،ومع حلول الظلام طالت أمسية الصلح بين عمر ورضوى لتمتد لساعات وساعات،أستكملها مجىء حماى الموقر الدكتور عبد المنعم، ينصت له أبي فى وقار وإجلال وكذلك ياسين وحمدان والبقية ،يعرض تفاصيل المشكلة بشكل علمي مٌنظم ،يناقش فيه الأزمة من ناحية ابنته وكذلك وجها،فهو ليس بإندفاع يامنة ليهين عمر الخلوق ،أو ليلقي بعبارة عاطفية طائشة ،تقود العلاقة به مع زوج ابنته للهاوية ،حك بأنامله الناعمة ذقنه،تحتضن يده اليسرى فنجان القهوة المٌتصاعدة منها الأبخرة وهو يقول :_
_ زي ما رضوى بنتي ،فعمر كمان
رد أخي بإمتنان وشكر:_
_ربنا يخليك يا عمي القلوب عند بعضها
أسند ظهره للحائط وهو جالس على أريكة مٌستقلة فى إحدى أركان الصالون المٌدهب قبل أن يضيف بحكمة:_
_ أنا عارف أنك بين نارين وملتمس لك العذر ما بين والدتك وزوجتك ،بس أنا شايف أن فى مواقف مينفعش فيها الهزة النفسية دي والحيرة،يا أه يا لا،أنت يوم ما حطيت أيدك فى ايدى وطلبتها منى أنت كنت على علم و موافق على كل الحقايق دى ،وقولت لك كتير وحمدان ووليد قالوا لك لو واخدها شفقة فسيبها فى بيت أهلها أفضلها ،وأهو بكرة تلاقي عدلها حتى لو كان أرمل أو مطلق،بس أهم حاجة يحبها ويخاف عليها،حصل ولا محصلش يا ابني…؟
أجاب عمر مٌعتدلاً فى جلسته ،وهو يتنحنح:_
_حصل يا عمي،ورضوى لو مشلتهاش الأرض تشلها عنيا،وصدقني أنا لسه عند كلمتي
أردف الدكتور وهو يأخذ نفساً عميقاً ويشبك كفوفه ببعضهما على طاولة مربعة صغيرة أمامه:_
_مش بالكلام يا عمر بالفعل ،أولاً وبصفتي أبو رضوى فمن حقي أطلب منك شقة مٌستقلة عشان أضمن سعادة بنتي،وأن ميبقاش فى قال وقيل،وحدوايت وحورات تنغص عليها حياتها ومع ذلك قولنا مش مشكلة ،المكان بيك هيبقى جنة وهتقدر تمشي أمورك،إنما التدخل …
قاطعته والدتي وهي تعقد ما بين حاجبيها بسأم:_
_حق بطلوا ده وأسمعوا ده، ومن أمتى الخوف على المصلحة بقى تدخل وحشرية ….؟ بس أنا ال غبية مخدتش بالي فى الدخلة أنها مكنتش بلدي ،مخرجلناش بشرفها على شاش وقالي أنا متعلم ومينفعش أعمل الكلام ده يا ماما ومن سذاجتي صدقته بس عشان ربنا رايد يكشف ستركم عرفت السر ال مخبينه وكأنه من أسرار المخابرات العامة
لكزها أبي بخفة :_
_ هدي اللعب شوية مش كده هتخربي على ابنك
سبتها الخالة يامنة وهي تهبط بعصاها الخشبية الأرض ،وبعيون متسعة لجراة والدتي ووتطاولها قبل أن تقول:_
_ خبر أيه يا حرمة..؟ مالك طايحة فينا أجده ليه…؟ لو بتك كان أتعملها دخلة بلدي كانت تتعمل لبتي،موش اخلاجنا ولا عرفنا،شكلك منتاش خابرة زين لساتك مناسبة مين عاد و……!
همت الخالة لتستطرد بحدتها المعهودة لكن عمي حدجها بنظرة نارية ،لاذت فيها للصمت قبل أن يستكمل بحزم،يصحح فيه من وضع نضارته الطبية:_
_حابب أوضح أن العلم مفهوش كسوف ولا خجل،عشان كده هتكلم على المكشوف،وعاوزك تفهميني مصلحته في أيه أن رضوى تتطاهر ولا لا …؟،هل العملية الجراحية دي ال هتأكد لك الشرف…؟
فتحت فاهها بسرعة لتجيب،لكنه أوقفها حينما مط شفتيه بغموض وتساؤل:_
_ تعرفي كل يوم بتجيني كام حالة عاوزة تعمل ترقيع…؟ كام واحدة الغشاء وقع منها وهي بتنط نطة جامدة وهي صغيرة..؟، كام واحدة أتولدت من غيره…؟ كام واحدة نامت مع واحد فى الحرام وزنت وبمزاجها وجت لي أعمله…؟……طيب تعرفي بقى أن كان سهل جداً اعملها لرضوى ومنفاتحش عمر فى أي حاجة…؟..وهياخدها بطيخة مقفولة ،وبالختمة الرباني..تعرفي أني كان ممكن مبقاش صريح معاه وأغشه،ومكنش هيعرف حاجة لأن الطب بيتطور كل يوم عن التاني ومبقاش فى فرق بين الطبيعي والصناعي..؟ فهل ده جزاتنا مثلاً…؟
أشاحت بمٌقلتيها بعيداً فى سخط :_
_ وهيجرى أيه لو طاوعتني وعملت العملية هتخس…؟
أنضم حمدان للكلام بحمية وعصبية :_
_ وهو لا مؤاخذة يعني بناتك عملوها…؟ ولو لا هل يقدر وليد لا وهنروح بعيد ليه ما أحنا قدامنا ياسين يحكم على هند تروح لمزينة وتتطاهر…؟
أطبق ياسين على جفنه بقوة وهو يتنهد بعمق تتطالعه هند بوعيد ،تود أن تندفع كعادتها ،لكنه لامس بأصابعه الخشنة كفها الاملس لكي تلجاً للصمت فأضاف :_
_ عن نفسي مش هقبل على هند كده،أنا مشيلها اسمي ومسلمها نفسي بتطبخ وبتشرب وبتغسل ،ومحطتش أيدي في أيد عم برعي غير وأنا ضامنها ،وأكيد عمر كان عارف رضوى أخلاقها إزاي،وال حصلها ده عابر وارد جداً يحصل لأي بنت في أي وقت،العصر ال أحنا فيه ده عصر الشهوة والإباحيات ،بقى كل شيء مستباح من شرف وكرامة وعرض
وبخت والدتي وبعنف حمدان لوقاحته الزائدة عن الحد علينا ، وهي تجز على أسنانها :_
_ ده كل ال ربنا قدرك عليه يا ياسين ،بدل ما تقوم تلطش له ال بيتكلم فى عرض مراتك،هو وليد ال دمه حامي مكنش سكت ابدأ على المهزلة دي،منقصش إلا ال مطلعش من البيضة ال هيخوض فى عرض بناتي ،لا فوق بناتي مربياهم أحسن تربية
غمز لها أبي بعتاب:_
_ عيب مش كده الناس ضيوف في بيتنا
ندت منه بسمة ساخرة ،يشد فيها حاملة مفاتيح سيارته بوجوم :_
_ لو مرات ابنك تبقى عادي ومٌستحل وهيجرى أيه يعني هي الدنيا هتتهد ،إنما بناتك خط أحمر،هتفضلوا كده حموات بتكيل بمكيالين، وبنسبة لل مطلعش من البيضة فأنا راجل وغصب عن أي حد على الأقل مقبلتش على أختى تمشى مع واحد فى المدينة الجامعية
فتحت فمها بصدمة ،وبذهول :_
_ إسراء…!!، دي زي البلسم تتحط على الجرح يطيب ،دي قطة مغمضة ،أنت أكيد عايز توقع بيني وبينها بس أنا مش هدي لك الفرصة
تابع بجدية وحزم وصرامة وبلهجة جادة:_
_ أوقع اه،هقولك أيه ما أنتي نايمة فى العسل عنيكي مبتبقاش مفنجلة غير مع مرات ابنك وعاوزة تبقى الأمر الناهي وأنتي متعرفيش حاجة عن بناتك وماضيهم،مكنتش أحب أبداً أكشف ستر حد،بس طريقتك وطلوعك فيها إستفزني جداً عن إذنكم
نهض أخي من مجلسه ،ليجذب عديله من ساعده بإبتسامة هادئة،يدعوه للجلوس،تخفي حزناً عميقاص لجرح حمدان له:_
_ مش هحاسبك على ال قولته عشان ساعة شيطان،وانت عارف معزتك عندى بس
بتر حديثهم صوت عمي القوي الجاد والحازم ،ويامنة إلى جواره عيناها تتنقلان بضجر بين أركان المكان، فقال بلهجة جادة :_
_ياريت نخلينا فى موضوعنا الأساسي ،ومتفرعش لمواضيع جانبية ،وخليكي فاكرة يا أم إسراء أنك مجاوبتيش لغاية دلوقتي ليه مٌصرة على طلبك..!
فأجابت بتلقائية وهي تهز كتفيها:_
_ الطهارة حماية للبنت وللست،مش هتخلي رغبتها مٌشتعلة ،ونفسها فى الرجالة دايماً،حتى لو عمر سافر فى بعثة من ال بتجي له وسابها يبقى ضامن أنها مش هتخونه ،تبقى نفسها مسدودة يعني ومفيش حاجة بتسد قد دي
مرر أنامله فى فروة رأسه الناعمة ،يطالع هند التي أستأذنت بخجل مع زوجها للمغادرة والذهاب إلى أقرب ميكانيكي ولكي يسافرا إلى القاهرة:_
_ طيب الوقت اتأخر يا دوب نلحق نسافر عشان شغل ياسين هنستأذن أحنا يا جماعة
ودعتهما والدتي وأبي بحرارة ،وكذلك البقية ،ليقول عمي بعد رحيلهما،عائداً إلى الموضوع مرة أخرى:_
_ لما بتكون الواحدة ملهاش كبير،لا طهارة ولا غيره هيسدوا ،أه هيجي لها برود جنسي ،وهتبقى مش حابة الموضوع بس ده مش معناه أنها مش هتعمله،ضيفي على كده الطهارة مش شكة دبوس،اثارها الجانبية ممكن توصل لنزيف يصفيها ،وفاة ،يعني ابنك هيبقى أرمل قبل ما يخش دنيا وليه عشان شوية خٌزعبلات
ساد الصمت للحظات تطرق فيها والدتي بتفكير بينما أبي يراقب الموقف من بعيد ،ورضوى هى الاخرى تكبر بأبيها لا تبدي تعليقاً على أى شيء ،تشاهد الموقف فى إهتمام وقلبها يعتصر ألماً على شك وطعن حماتها لها فى شرفها لكن أبيها سيتصرف حتماً ،وسيأخذ لها حق وبالعقل وليس اللسان ،طالع عمي ساعته وهو يقول وينظر للخالة وحمدان ورضوى:_
_ هسيبك تفكري براحتك ،ولو أقتنعتى كلميني ،وانتى يا رضوى ها مش يلا بقى الساعة بقت 12 ونصف
همت من على مجلسها بحياء ،ورأسها مٌنتكسة فى الأرض ،حتى قال عمر وهو يودع والدتي التي حاولت إبقائه كثيراً هي ووالدي ولكنهما فشلا،قال وهو يحمل حقائب زوجته المُدللة وحبيبة قلبه :_
_ أستنى يا حبيبتى أنا جاى معاكم
فى المندرة الصعيدية
” متقعدش تنبح فى صوتك على الفاضى ،عشان نورارة سابت لك البيت ومشيت وسايب لك معايا رسالة بتقولك طلقنى…”
لفظت زينة فى عبائتها الواسعة المٌزخرفة عبارتها ،بجسدها المرتخى ونظراتها المشتعلة بلذة الإنتصار ،تستمتع بفوران أعصابه وهو يبحث عنها فى كل الأرجاء بغير تصديق بل والأدهى تركها لصغارها منهم من يبكي والاخر يلامس بكفه الرقيق عباءة أبيهم بخوف ،فتش عنها كثيراً وفى الطابق العلوى ،لم يترك ركناً فى المندرة كلها لم تطأه قدماه ،حتى عاد كالأبله لزينة ،وقد فقد السيطرة على نفسه ،وبرودها يثير من حدة إنفعاله وكذلك صراخ الصغار ،فجذبها من ساعدها ليوقفها ،وهو يلويه خلف ظهرها ،عينيها تتألمان لكن فمها مُصمم على الإحتفاظ بالإبتسامة ذاتها ،فأردف بضجر:_
_ جولت ليها أيه يا بت الفرطوس انتي،خلتيها تهمل الدوار كله
ثم أتسعت عينيه بخوف حين راوده خاطر ما :_
_تعرفي لو طلع ال فى بالى صوح،أنا هدفنك
تداعب رائحة عطرها الأنثوى أنفه فى خفة ،ونسمات الهواء تعبث بخصيلات شعرها ،لكن كل ذلك لم يهدأ من روعه وحنقه عليها ،فزاد من عصره لذراعها لعدم ردها عليه،فهي لا تريد أن تريحه،حتى خانتها شفتيها بإطلاقة “أه” خفيفة عقبتها بهمسها بصوت يشبه فحيح الأفعى:_
_ قصدك أنا ال هدفنك وهتاويك سواء كنت حية أو ميتة،شكلك نسيت الاجندة وبلاويك السودا ،ال هتوديك الصبح وراء الشمس ،واهو بدل ما تبقى نوارة بس ال شافتها هي وقسيمة الجواز،يبقى خالتو يامنة وعمو منعم ومفيش مانع لو الداخلية خدت لها بصة سريعة …وبعتوا لك دعوة تشرفهم يجي 20 سنة ولاحاجة والمرة دي مش هتلاقي ال تضمنك
جز على أسنانه على شفته السفلى وهو يدفعها للامام بإنفعال ،ليهملها بتشتت وإرتباك ،لم يحكم فيه سيطرته على نفسه،تبرز عروقه النافرة من أسفل جلد كفه الخشن، مٌعلنة حالة من الإستنفار ،أحمرت فيها وجنتيه لهول المصيبة ،فقد كتب لنوارة مؤخر يقارب ال “500 ألف جنيه ” فمن أين سيسدد كل ذلك..؟، بعد أن سلبته زينة أعز ما يملك من الأطيان وكذلك البيت…؟،سقط كفيه على بعضهما بعصبية ،يصفق بيهما بغل:_
_ دبرني يارب ،لا هجدر أجول شاء الله عنها ما رجعت ،وصغارها عم يبكوا ولا أني عارف أراضيها لجل أصالحها
مع جملته الاخيرة قلص المسافة بينه وبين زينة،المٌتراجعة بخطوات بطيئة ،وقلب تسارعت دقاته،حتى إلتصق ظهرها بالحائط،فمد كفه على رقبتها بحقد وكراهية ،ليخنقها فأستغاثت حنجرتها فى صرخة أخيرة ،هلع لها وليد زوجي حينما تجاوز البوابة الكبيرة ليجلب لي بعض من متعلقاتي الشخصية الضرورية واللازمة،ركض للداخل وهو يبحث عن مصدر الصوت،حتى وجد جودة فى أحدى أركان الصالون يتابع الضغط بشكل إجرامي فقدت فيه زينة الوعي،فنهره زوجى بحدة :_
_ بتمد ايدك على حرمة ،أنت أتجننت ولا أيه، عاوز تلبس نفسك جناية….!
قال وليد جملته وهو يهبط على الأرض ويشير إلى جودة لكي ينقلاها إلى أحدى الغرف،بينما صوت بكاء الاطفال يربك الاجواء،كان جودة خارجاً عن السيطرة ،وضع الدكتور يده على رقبتها وتحسس موضع قلبها فوجده ينبض بالحياة ،أخذ نفساً عميقاً بإرتياح :_
لا ده انت أكيد مش طبيعي بتمد أيدك على مرات أخوك…؟ انت نسيت أنها طليقتي ،تقبل أمد أيدي على نوارة….؟
أجاب وهو يلقى بجسدة بقوة على كرسي بلاستيكي :_
_ وهي فين نوارة ما هملت لي الدنيا كولايتها ومشت،وكله بسبب الحية ال راجدة جدامك ،جرصتها والجبر على العموم أنا خارج أدور عليها
فتسائل وليد عاقداً حاجبيه :_
_ وهتدور فين..؟ دى نوارة ملهاش بيت اهل ولا حتة تتاوى فيها
فرد بنفاذ صبر:_
_ أنا عارف بجى أهي أرض الله واسعة
غادر الحجرة مع عبارته الاخيرة إلى الطابق العوى ،وأغلق باب حجرة زينة على نفسه بإحكام ،ليبعثر حاجتها على الأرض وعينيه تتنقلان بين أرفف الدولاب عن”الأجندة” دليل إدانته ،لكنه لم يجدها ،لكنه وجد هاتفها النقال الذي أخذ يلعب فى قوائم إتصاله لتتسع عينيه بذهول ،ويسقط منه الهاتف من شدة المفاجأة حينما لمح أخر إتصال بين كاملة وزوجته زينة منذ ساعة واحدة فقط ،ضغط على زر الإتصال بتردد حتى جائه صوتها مؤكداً لشكوكه…!