رواية صعيدية غيرت حياتى بقلم أميرة السمدونى

الفصل 18

أرائكم مهمة جدا

” قتلتيه ليه يا نوارة….جودة مكنش وحش أوي كده..”

جملة قالها عاصم وشفتيه تحتضنان السيجارة على رأس إحدى الأراضي الزراعية….تنتفض سلفتي بألم ودموع…وبعيون شاردة…لم تستوعب بعد ما فعلته:_

_ جودة مات …جودة مات….كان يستاهل كان يستاهل”

تردد عبارتها دون كلل أو ملل وكانها جهاز تسجيل ألي،ضمت ركبتيها إلى ذقنها …وهي تتشنج بحرقة ….لن يفهمها أحد…..ولن يعايش ألامها، دفعت لأجله الكثير،وتنازلت عن قيمها،فقط لتبقيه بعيداً عن أنياب كاملة….لتحافظ عليه،لكنه لن يقدر لها ذلك،واصل المحام:_

_ يستاهل ولا ميستاهلش دي مش بتاعتك…أنتي مش ربنا يا نوارة…..تقدري تقولي لي لما عيالك يكبروا ويسألوا على أبوهم هتقولي لي لهم أيه…؟لما يسألوكي مين ال قتله…؟..هيأمنوا لك وأنتي غدرتي…بحب عمرك….براجل كان مش مدي خوانة….؟

منحته إبتسامة مُستهزئة من وسط عبراتها الساخنة…قبل أن تعقب:_

_ سيب الكلام ده لحد غيرك….يا بتاع كاملة….يا محام التلت ورجات

سحب نفساً عميقاً …من السيجار….قبل أن ينفثه بإقناع وكشف للحقائق:_

_ أنا لو بتاع 3 ورقات كان زماني فى فيلا فى التجمع…زي الحرامية الكبار…أنا مبترافعش غير للغلابة يا نوارة….مببقاش لسان غير للفقير أو المظلوم ال منهوب حقه….ال حصل الليلة إياها ده…

علقت بأسف:_

_كان بسبب المسحوج ال بتحطهولك فى الجهوة..كاملة صوح…؟

هز رأسه برفض:_

_ لا…أنا عمري ما شربت قهوة كاملة…وكشفت المخدر…وقت ما كانت بتتفق عليه أول مرة فى التلفون…..وعملت نفسي نايم….ولأنها عارفة أن نومي تقيل….خدت راحتها..ولأن الكرسي كمان شالل حركتها…ومبتعرفش تنزل من على السرير لوحدها..فالمكالمة كانت أشبه بالهمس….بس أنا كنت سمعت كل حرف…وحسستها أنها نجحت أنها تخدرني وتمشيني تحت طوعها……

تسائلت نوارة وهي ترتجف…وأسنانها تصتك:_

_الحجيجة أيه..؟ كنت بتهاودها…؟ طب ووليد ذنبه إيه…؟ لو كنت فايج…؟

تنهد….بعمق….وهو ييشيح ببصره بعيداً فى الهواء:_

_ بالعكس ال عملته لمصلحتهم…كاملة لو كنت عارضتها ووقفت فى طريقها ..كانت هتنفذ ال فى دماغها وأنا فى القاهرة…..ومش عارف ساعتها العواقب كانت هتبقى أيه…ولا هتتصرف بما يرضي الله ولا لا….فريحتها وهاودتها…وعملت ال فى دماغي فى الأخر ..وحبيت كل حاجة تبقى تحت عيني وبما يرضى الله

علقت بسخط:_

_وربنا بردك يرضى أنك تنهب الناس حجوجهم…وتجردهم منها…..لأجل تديها لها…وتكون سبب في جهرة وموتتة الحجة الكبيرة يامنة…؟

أجاب….وعينيه تلمعان …..بإرتياح:_

_ أديتها فعلاً …بس مدتهاش غير حقها….نصيبها الشرعي..من أهلها…..ومن أملاك خالتها…نسبة بسيطة…لكن هتأمن لها مستقبلها….هتديها الأمان ال طول عمرها بتدور عليه.،وكان لازم أوضح لها أني كشفت لعبة المخدر ….عشان متسوقش فيها وحقها المشروع يقلب لطمع بعد كده….أما بنسبة لموت يامنة فده كان طبيعي…..تموت مقهورة…زي ما موتت والدة وليد بحسرتها وقهرتها عليه…..داين تدان

قطع جملته…إرتفاع هاتفه بالرنين ليجده ينير باسم “كاملة”، فضغط على زر الرفض …وهو ينفض عنه ملابسه…مُتابعاً:_

_ تعالي معايا..وسلمي نفسك….وصدقيني هدافع عنك…وهطلعك زي الشعرة من العجين…

قالت بتردد وعينيها تتجولان:_

_لا هملني لحالي..الله يخليك

قال بثقة :_

_تعالي ومتخفيش…أنا هقف جنبك…شكرته…فواصل:_

_ مش عشانك على فكرة عشان ولادك……

بعد منتصف تلك الليلة الغائمة المٌخيفة، جلست وبرفقتي زينة بالقرب من فراش حماي المصون،الغائب عن الوعى منذ أن تلقى خبر مقتل ابنه البكري،بينما وليد وحمدان ليس لهما أثر ،طال غيابه عن الوعي،والحزن يعشش فى الأرجاء،تبدو الأشياء باهتة ،مقيتة،موحشة،وكأن الخالة يامنة،سحبت الروح من الأشياء جميعها قبل وفاتها،لحظات طويلة من الصمت ،بترها قول زينة بإجهاد:_

_ أحنا ممكن نسفره بره،يتعالج فى أكبر المستشفيات …ونوفر له أفضل الإمكانيات

قلت بإيجاز وتنهد:_

_ لا فيكي الخير،عموماً متتعبيش نفسك،الدكتور قال الموضوع مش مستاهل

ترقرقت الدموع من مُقلتيها وهي تضيف بتهدج:_

_ مشكلتى مكنتش مع عمي يا إسراء…ولا مع حمدان….ال 2 ال كنت على خلاف معاهم …ربنا يرحمهم دلوقتي مفيش سبب للعداء…صدقيني محدش بيبقى شراني من الباب للطق كده

علقت بإستهزاء …وتعجب:_

_ طق..إزاي إذ كنتي خاصمتي الكل عشان كاملة….رغم أن محدش داس لك على طرف

قالت بضيق….ووجوم…ألم:_

_ما أنا قولت لك قبل كده يامنة أتجوزت خطيب أمي…ومستحرمتش تكسر خاطرها…وهي ال وزت ابنها يمضيني على أملاكي قبل ما أتم السن القانوني….وجودة كان لازم يتأدب على السحل ال سحلهولي وحكيت لك عليه قبل كده….عوزاكي بس قبل ما أمشي وأسيبكم ..تفهميهم….أن الأرض متهمنيش ولا الفلوس…أنا عشت طول عمري على إيجار أمي ال بيقضيني الحمد لله وبيفيض….مش عاوزة حاجة……منكم….غير تفتكروني بالخير

قالت جملتها…وهي تمضي بعض الأوراق …..تتعكز على عصا خشبية :_

_ده تنازل مني …صريح….عن كل الأملاك ال وصلتني من جودة ..ومش من حقي….وبكده الحق رجع لصحابه..أشوفك على خير…

غادرت كنسمة هواء رقيقة …وتركتني فى دهشة وحيرة …..

بمنزل كاملة….

دفعها حمدان بكرسيها المتحرك بعنف،حتى إلتصقت بالحائط،وهو يصرخ كالأبله ،يعاتبها ويلومها ،يود لو أن يشنقها،ظناً منها بإنها من قتلت أخيه، بينما وليد يحاول التقليل من عصبيته وإنفعاله ،قال سلفي بإستنكار:_

_ أنتي دماغك دي إيه ..؟ دماغ يهود…؟ عاوزة تفرقينا واحد وراء التاني..؟،تفرطي العقد ال غابت طول عمرها تجمع فيه…..؟..مش مكفيكي أنك السبب في موت خالتك…ال أوتك وربتك …وجوزتك

أثرت كلماته بها…وداعبت أوتار قلبها،تقاوم دموعها أمامه،يهزها بقوة ،يجز على أسنانه،ووليد يتابع:_

_ سيبها يا حمدان هتموت فى إيدك…..مش ناقصين مصايب

لم تستطع أن تتحكم فى عبراتها التي إنهالت كفيض من الشلال،فزاد إنفعاله:_

_ يا بت الكلمتين دول تعمليهم على غيرنا،أنا خابزك وعاجنك، مش هتصعبي عليا،أنتي لازم تحصليهم والليلة…!!

جذبها من غطاء رأسها بعصبية ،ليطرحها أرضاً بإنفعال ،وهو يصرخ:_

_ لازمن تموتي…….يا رأس الحية…..

أتسعت حدقتي عيني زوجي حين لمحها تنزف….وقد غابت عن الوعي، تأملوها لدقائق ،توقف عقلهم عن التفكير فيها قبل أن يتصل وليد بزوجها …ولا يجيب، فأردف بخوف وهلع،وهو يحملها:_

_ مفاتيح العربية معاك…؟ بسرعة لازم نطلع بيها على أقرب مستشفى

إرتعشت يدي حمدان ،وإنقبض قلبه وهويرجوها بإستماتة ألا تموت،طوى زوجي الطريق بسيارته ومعه أخيه ،إلى أن وصلا إلى المستشفى العام وفى حالة الطوارىء،ليدفع بها الطبيب لحجرة العناية المركزة،يجرون بعض الفحوصات والتفاصيل الهامة لإيقاف النزيف،وسط توتر وقلق حمدان وشقيقه،،،،سأل وليد:_

_ها بعت رسالة لجوزها بعنوان المستشفى ….؟

ليجيب ،وهو يقرض أظافره:_

_أيوة..وزمانه فى الطريق….ربنا يستر يارب

ليخرج الطبيب بعد ثوان،ينزع عنه كمامته يسألونه عن حالتها ليعلق:_

_الحمدلله لحقناها فى الوقت المناسب والجنين بخير…!!

 

error: